|
يحلكم الحلّه بله! فيصل الدابي/المحامي
|
من غياهب اليوتيوب وصلت عبر خدمة الواتساب إلى جوالي صورة الرئيس السوداني السابق والحالي والمستقبلي عمر البشير وهو جالس إلى جوار نافذة سيارة رافعاً إصبعه لكل خصومه السياسيين وإلى جوار الصورة عبارة صامتة مفادها (يحلكم الحلّه بله) ولأن معظم السودانيين قد أصابهم الملل السياسي الشديد من حكم الرجل الواحد الذي أمتد لأكثر من 25 سنة والذي سيستمر حسب تنبوءات بله الغائب الذي حضر ذات يوم للقصر الجمهوري وتنبأ بأن المشير البشير سيحكم السودان 31 سنة وستة وعشرين يوماً لا تنقص سنتاً واحداً كما ورد في أحد الأخبار السودانية! لهذا السبب لا أرى مانعاً من إعادة قصة (يحلنا الحله بله) والتي كتبتها ذات يوم وختمتها ببله الغائب! فهاكم قصة "يحلنا الحلّه بله " مرة أخرى ويحلكم منها الحلّه بله : ازدادت حيرة "محتار" في السنوات الأخيرة ، فكلما اشتبك في جدال مع زوجته "محتارة" تقول له: (يحلنا الحله بله) وكلما تجادل مع أصدقائه يقولون له: (يحلنا الحله بله من القيد والزله) وكان "محتار" يفهم عندها أن كلا المقولتين المشهورتين تعبران عن المثل السوداني العتيد الذي يُضرب حينما يشتبك معك زول "عكليتة" اشتباكاً بدنياً أو كلامياً مفتوحاً وتعجز عن التخلص منه بكل الوسائل والسبل أو يُضرب عندما يتورط الإنسان في مشكلة عويصة لا مجال للهرب منها بأي حال من الأحوال! لقد تم وصف "محتار" مراراً وتكراراً ببله إلى درجة أن "محتار" قد بدأ يعتقد لأسباب معقولة أنه قد أصبح مسكوناً بشخصية بله المجهولة الهوية والتي صارت تدخل إلى عقله وتقيم فيه بلا استئذان وتجول في باله كما يحلو لها ومن ثم أخذت عشرات الأسئلة الحائرة تتردد في ذهنه بلا توقف: من هو بله؟! وما هي الورطة التي وقع فيها ؟! وكيف تم حله منها؟! ومن هو الذي قام بحله منها؟! سأل "محتار" عجائز الحلة عن لغز بله فخرج بقصص عجيبة متضاربة فاقمت من حيرته وحولتها من تل صغير إلى جبل يسد الآفاق ، فكل القصص التي سمعها عن بله وإن كانت تتفق في جوهرها على حبكة واحدة هي حبكة الوقوع في المأزق الصعب ثم الخروج منه بصعوبة بالغة إلا أن اختلاف تفاصيل شخصيتها المحورية يُضفي غموضاً اسطورياً على شخصية بله إلى الدرجة التي صار فيها بلة ينتمي إلى الشخصيات الخرافية الأخرى مثل "امات طه" اللأئي كاد البحث عن أصلهن وفصلهن يصيب "محتار" بجلطة دماغية! ففي رواية أولى سمع "محتار" أن بله كان شاباً بلطجياً يقلع حق الناس عينك عينك وكان مولعاً بالسكر وبعزقة الفلوس في الأنادي المشبوهة الكائنة في طرف الحلة ، فأراد أحد الشباب المسالمين أن ينتقم منه فروج اسطورة في الحلة مفادها أن الفقر سيتجسد ذات يوم في هيئة أحد شباب الحلة وسيظهر في وسط السوق وهو يرتدي جلابية سوداء وسيكون جيبه خالياً من النقود، وأن كل من يراه سيصاب بالفقر وسينتقل فقره إلى أولاده وأحفاده وأن كل من يساهم في القبض عليه وتغطيسه في النيل مائة مرة وجلده ألف جلدة سوف ينعم بالغنى الذي لا يزول ، ذات يوم ظهر بله في وسط سوق الحلة وهو يرتدي جلابية سوداء فاندفع نحوه كل رجال الحلة وهم مسلحين بالعصي فهرب بله إلا أن الرجال تكاثروا عليه في نهاية المطاف وقبضوه ثم إقتادوه إلى النيل وقاموا بتغطيسه في ماء النيل عشرين مرة حتى كاد يموت من الغرق ، وعندها تدخل أحد أصدقاء بله وقال لأهل الحلة: تذكروا أن الفقر لا يحمل نقوداً في جيبه دعونا نفتش جيب بله لنتأكد من شخصيته وعندها قام صديق بله بتفتيش جيب بله الخالي من النقود إلا أنه أسقط فيه قرشاً بخفة يد لم يلحظها أحد ثم أخرج القرش من جيب بله ولوح به في الهواء وبهذه الحيلة وحدها تم حل بله من شر أهل الحلة! في رواية ثانية سمع "محتار" أن بله هو محتال كبير كان قد تزوج إمرأةً وحينما اكتشف أنها لم تعجبه وعندما لم يستطع التخلص منها بكافة الوسائل والسبل ، تظاهر عندها بالجنون المطبق ففرت منه المرأة على عجل وهي تحمد الله في سرها على نجاتها من شر المجانين ، وهكذا فإن الجنون هو الذي حل بله من ست القيد والزلة! في رواية ثالثة قيل لمحتار إن الخليفة عبدالله التعايشي كان قد أصدر في عهده قانوناً يمنع سف التمباك أو الصعوط وكان يسمي التابا (ولهذا يقولون أولاد التابا عند الشتم) وقد قضى القانون المذكور بسجن كل من يسف التابا ، وحينذاك إدعى شخص ما بأن بله يسف التابا ومن ثم تم إلقاء القبض على بله وتقديمه لمحكمة طواريء الخليفة بتهمة سف التابا وحينما تم احضار بله أمام الخليفة شعر بالفزع فانحنى إلى الأرض وملأ يده بالتراب وقال للخليفة : (إذا أنا سفيت التابا الترابا دا في خشمي) فضحك الخليفة من خفة دمه وسرعة بديهته وأطلق سراحه فوراً! في رواية رابعة قيل لمحتار إن بله هو وآلد شخص يدعى البليلة بله البلولة وأن ولد بله قد قتل سائق قطار بعد أن دهس عدداً من الأبقار التي كان يرعاها ، وأن محكمة الموضوع قد حكمت على ولد بله بالإعدام شنقاً حتى الموت إلا أن المحكمة العليا قد حلت ولد بله من ورطته عندما خففت الحكم من الإعدام إلى السجن بحجة أن أي شخص عادي من أهل حلة ولد بله كان سيشعر باستفزاز شديد مفاجيء يدفعه إلى قتل المستفز إذا قام بقتل أبقاره وهكذا فإن حكم المحكمة العليا هو الذي حل ولد بله من الاعدام! في رواية خامسة أكد أحد "جلاكين" الحلة لمحتار أن القصة وما فيها أن بله كان مديوناً ديناً ثقيلاً وأنه تزوج مغتربة مع سبق الاصرار والترصد ومن ثم حلت المغتربة بله من كل ديون أهل الحله! في رواية سادسة أكدت إحدى "الجلكينات" لمحتار أن بله هو شخص كان يرغب بشدة في أن يصبح محامياً إلا أنه لم يستطع إكمال الابتدائي لظروف خاصة لكنه أصر مع ذلك على أن يصبح محامياً ومن ثم تفرغ تماماً للدفاع عن كافة أهل الحلة وتمثيلهم في أي منازعات تنشب مع أي "حِلال" أخرى على سبيل التبرع ودون أي طلب من جانبهم، ذات يوم أراد شاب من أهل الحلة أن يخطب فتاة من حلة مجاورة فتبرع بله بالذهاب مع أهل الخطيب لمقابلة أهل الخطيبة وهناك انبرى بله لوالد الخطيبة بسيل من الأسئلة الاستفزازية من قبيل: أبرز لنا قسيمة زوآجك من أم العروس! قدم لنا شهادة بحث العروس! أثبت لنا أنها بكر وليست مطلقة أو أرملة! وكانت النتيجة أن تلقى بله والخطيب والوفد المرافق لهم علقة تاريخية ساخنة لم يتخلصوا منها إلا بالهرب إلى خارج حلة الخطيبة ، وهكذا فإن الهرب كان هو الشيء الوحيد الذي أنقذ جلد بله من السلخ في ذلك اليوم المشهود! في رواية سابعة قيل لمحتار إن بله كان مجنوناً جنوناً مطبقاً وتم تقييده بالسلاسل في أحد "المسايد" وكان "الفقرا" يضربونه كل يوم بسيطان العنج لإخراج الشيطان من جسمه الواهن إلى أن توفاه الله ومن ثم فإن الموت كان هو الذي حل بله من القيد والزله! ولعل أطرف ما قرأه "محتار" بشأن بله هو أن أحد البوردابيين قد ضاق ذرعاً من عولمة قصة جلد النساء السودانيات بسبب ارتداء البناطلين فعلق قائلاً: (يحلنا الحله بله من قصة البناطلين دي) واحتج آخر على قطع النور من أعمدة الكهرباء في شوارع مدني فكتب قائلاً: (والله برضو ناس الكهرباء قطعوا منها الإمداد لعدم السداد؟! . . . يحلنا الحله بله من إسرائيل وناس الكهرباء!!) وبالطبع فقد أيقن "محتار" أن مشكلة بناطلين السودانيات ومشكلة إسرائيل والكهرباء قد لا تُحل إلا على يد بله الغائب الذي لم يفهم قصته أحد!
فيصل الدابي/المحامي
|
|
|
|
|
|