|
أعظم العبر من حياة الراحل المقيم مانديلا!/فيصل الدابي
|
أعظم العبر من حياة الراحل المقيم مانديلا! كان مانديلا يهرب من الرئاسة وهي تطارده بإصرار ، فقد خطط عمه لتعينه زعيماً لقبيلته في قرية كونو فهرب لمدينة جوهانسبيرج ، وعندما دخل السجن أصبح رئيساً للسجناء ، وعندما خرج منه تم انتخابه رئيساً لجنوب أفريقيا في عام 1994 لكنه استقال عام 1999 ورفض الترشح لفترة ثانية ثم أصبح رئيساً لجمعية مانديلا لمكافحة الفقر والايدز إلا أنه فر من رئاستها واعتكف في منزله، ولا شك أن سيرته الزاهدة في الرئاسات رغم استحقاقه لها تسبب حرجاً رئاسياً بالغاً لذلك الصنف من الرؤساء الذين يحكمون بلا مؤهلات لعشرات السنين ويتسببون في قتل وتشريد الملايين من بني جلدتهم من أجل البقاء المزمن في كراسي الرئاسة! كان مانديلا أول محام أسود في جنوب أفريقيا وتخصص مكتبه في الدفاع عن السود في القضايا الجنائية التي كانت تُرفع ضدهم إذا دخلوا مطاعم البيض أو استقلوا باصات البيض لكنه ترك المحاماة حينما اقتنع بأن المحامي الأسود العاجز عن الدفاع عن نفسه أمام القانون العنصري لا يجب إن يدافع عن المقهورين من أمثاله أمام المحاكم العنصرية مقابل المال وإنما الأشرف له أن يدافع سياسياً وبدون مقابل عن حرية كل الشعب المقهور ، ولا شك أن سلوكه في التضحية بمهنته الخاصة المربحة من أجل الدفاع المجاني عن أنبل القضايا السياسية العامة ودخوله السجن عشرات المرات بسبب ذلك هو الذي مهد له الطريق لرئاسة المؤتمر الوطني الأفريقي ورئاسة حركة عدم الانحياز في الفترة ما بين 1998 إلى 1999 ومكنه من الفوز بأكثر من 250 جائزة منها جائزة نوبل للسلام في عام 1993! عاش مانديلا 95 عاماً قضى منها 27 عاماً في السجن، وبعد لجوء المؤتمر الوطني الأفريقي للكفاح المسلح عقب وقوع مذبحة شاربفيل البشعة في 21 مارس 1960 التي قتلت خلالها الحكومة العنصرية بالرصاص حوالي 70 من طلاب المدارس الابتدائية والإعدادية ، ساومت الحكومة مانديلا وعرضت عليه الخروج من السجن مقابل إدانة الكفاح المسلح إلا أنه رفض وقال في رسالة وجهها للشعب "إن حريتي وحريتكم لا تتجزأ أبداً وأن الحرية لا تُعطى على جرعات فإما أن يكون الانسان حراً أو لا يكون حراً" ، وأجبر موقفه الصلب الحكومة العنصرية على إطلاق سراحه في نهاية المطاف بدون قيد أو شرط وأثبت مانديلا بذلك الموقف أن المسجون صاحب القضية العادلة يستطيع أن يحاصر سجانه الظالم محلياً ودولياً بالتشبث بمطالبه العادلة مهما ساءت الظروف! حينما خرج مانديلا من السجن وأصبح رئيساً لدولة جنوب أفريقيا لم يستغل سلطاته للانتقام من خصومه السياسيين الذين عذبوه في السجون وإنما لجأ للمصالحة التي انتهت بتسويات حقنت دماء البيض والسود معاً وفتحت المجال أمام التطور الاقتصادي لدولة جنوب أفريقيا، الأمر الذي صنع من مانديلا رمزاً عالمياً للسلام لأنه أثبت أن العنف والعنف المضاد شران متسلسلان يقودان دائماً لأفدح الخسائر وأن الخير كل الخير يكمن في المصالحة والسلام! عندما توفى مانديلا في 5 ديسمبر 2013 ، نعاه عدد كبير من رؤساء الدول ونكست الكثير من دول العالم أعلامها حداداً عليه ونعاه الفلسطينيون والاسرائيليون المختلفون سياسياً ، نعاه أطفال الهند بإيقاد الشموع ونعاه بعض الجنوب أفريقيين بالصمت والدموع ونعاه بعضهم بالرقص والانشاد الحزين أما أنا فلا أملك إلا أن أنعيه ببيت الشعر الذي نظمه الشاعر السوداني الراحل ادريس جماع في رثاء النبلاء وقال فيه: يكفيــه نبـلاً أنـه أدى الرسـالة وانتـهى! فيصل الدابي/المحامي
|
|
|
|
|
|