|
الحثالة قصة قصيرة جديدة بقلم هلال زاهر الساداتى
|
الحثالة قصة قصيرة جديدة بقلم هلال زاهر الساداتى قال مازن لصديقه عبد الحق وكان النهار قد اوشك ان يولى رويدا رويدا" مودعا" الضيآء مستقبلا" اضياف الظلام لتغشى الوجود عتمة تخبئ فى حناياها اسرارا"وحكايات يفصح عنها ويفضح كنهها انوار الفجر الوانية ، ثم يجليها سطوع الشمس اللاهبة . وزفر مازن من صدره زفرة حرى تعبر عن حيرة مستكنة فى اعماقه اردفها بقوله ، لماذا نحن من دون الخلق فى وطن واحد تتجاذبه الخصومات والاقتتال ، ونسفك دمآء بعضنا البعض ونحرق بيوتنا بايدينا ، ونعرى نسآءنا من الفضيلة ونعرضهن للعار والذل ؟ وقاطعه صاحبه قبل ان يسترسل فى تساؤلاته الحائرة ، مهلا" يا صديقى ! فأحسب ان كل ما ذكرته هناك سؤال واحد يغنى عن الجواب وهو ، هل نحن بشر اسويآء كما ينبغى ان يكون عليه الناس ؟ وهل فرطنا فيما ورثناه أو تعارف عليه الناس من سماحة وبر وتعفف عن الفواحش ؟ ودعنى احدثك عن بعض الناس فى مجتمعنا ممن تولوا امور تسيير اوجه الحياة فى وطننا ، فاحدهم كان تاجرا" صغيرا"يطلق عليه ( تشاشى ) فى عالم التجارة ، ولكن ابن عم له امتهن العمل السياسى وصار له ِشأن فى الحكم بعد ان استحوذ عليه من يسمون انفسهم الاخوان المسلمين والذين بشرونا كما تعلم بانهم سيحكمون فينا شرع الله ورسوله ونثروا لنا الامانى الزاهرة فسوف نأكل من زرعنا ، وسوف نكتسى خزا" وحريرا"من انتاج مصانعنا ، ونستبدل بحميرنا وبعيرنا سيارات وطائرات وقطارات تسير كالريح ، واما فى اخرتنا فهناك مثوانا جنات عرضها كعرض السموات والارض فيها الحور العين وما لا عين رأت ولااذن سمعت ! واصبحنا ذات يوم ورأينا صاحبنا التويجر قداطلق لحيته وظهرت له دائرة صغيرة سوداء فى جبهته لا ادرى متى اكتملت وودت لومسحتها بيدى لارى ان كانت مرسومة بدهان اسود ، وعرفنا فيما بعد ان هناك متخصصين فى سوق ليبيا بامدرمان يعملونها ، كما اصبح يحمل مسبحة لا تفارق يده ، وتغيرت لغة حديثه وصار يتخللها عبارات مثل : يا شيخنا ـ الله أكبر ـ جزاك الله خيرا" ـ كما تخلص من حماره الهزيل واقتنى سيارة جديدة ، وارتحل الى منزل كبير فى أحد الأحيآء الراقية ، وصارت له شركة للاستيراد والتصدير عندما اعطيت له رخصة وكان مديرهاالحالى رئيسا" لاحدى المصالح الحكومية واستغنى عن خدماته عقب مجيء الحكم الجديد فى ما اسموه الصالح العام ، ولكن لم يطل به الحال فقد استغنى عن خدماته ايضا" بعد ان حل محله احد شبانهم المسيسين بعد تخرجه مباشرة من احدى جامعاتهم العديدة وقد كان احد اقربآء ( التاجر التشاشى ) سابقا" ، واخذ يستخدم ماله الذى حصل عليه من قرض ضخم من احد بنوكهم الاسلامية فى استيراد كل ما هو رخيص أو صلاحيته منتهية من البضائع بما فيها الاطعمة والادوية ويضع لها ما يروق له من ثمن فاحش ، وكان كلما زاد ماله صحبه جشع وتدهور فى اخلاقه . وهنا أوقفه صديقه قائلا" رويدك! واين القانون واين الرقبآء على أمن وسلامة المواطنين الضعفآء والمساكين وهم جل الناس فى وطننا المنكوب ؟ واخذ عبد الحق نفسا" طويلا" كمن فاق من جو خانق واجابه بعصبية وضيق: وهل تبتغى من المآء الآسن العفن مآء زلالا ؟ ! فقد اعطى هؤلآء الناس للقانون استراحة طويلة ، فمعظمهم ان لم يكن كلهم قد مردوا ورتعوا فى الفساد ، ومن ذاق حلاوة الحرام زهد وصد عن الحلال ولا يمنعه دين أو خلق ليقلع عن ذلك . وازيدك من هذا الصنف الذى يمتص دمآءنا من الجراح التى احدثوها فى اجسامنا الكليلة ، فقد كان هناك فى الحى رجل ليس كالرجال تخنث ولكنه كان سليط اللسان فاحش القول ، وكان الجميع يتحاشونه عدا امثاله من المتبطلين الفاشلين ، والتحق بالنظام الجديد وصار داعية له ويحشد الجموع للمسيرات ويصمون الاذان بهتافاتهم وشعاراتهم الدينية ، والحكومة الجديدة تبذل لهم الكثير من المال المستقطع من الضرآئب والاتاوات المفروضة على الكادحين والكادحات من ستات االشاى وبائعات الكسرة اللائى ينفقن من كسبهن القليل على اعالة الايتام والارامل والمساكين ليوفروا لهم الحد الادنى من العيش الذى يسد الرمق من الجوع ! واجريت الانتخابات واستاجروا البصات واللوارى وحشروها بالصبية والبؤساء ولقنوهم شعارات معينة يرددونها ورآء حامل المكرفون ، ولمن يصوتون ، وكان هم المجلوبين للتصويت هو ما سينالونه من جنيهات وسندوتشات الفول والمآء البارد ، بينما يستاثر قائدهم بالنصيب الاوفر من المال ، وهو نفسه شبيه الرجال السابق والذى اصبح رئيس اللجنة الشعبية للحى بعد ان جاء للحكم هؤلاء القوم . ونظر عبدالحق لصديقه نظرة ذات مغزى لا ندرى كيف تفسرها ولكنه اردفها بقوله ، هل استزيدك من هذا الغثآء ام تراك اكتفيت ؟ ورد عليه مازن بقوله : حسبك! فقد اصابنى غثيان ولا اأمن من التقيؤ . هلال زاهر الساداتى
|
|
|
|
|
|