|
دارفور.. إقليم خارج سيطرة الدولة!
|
Quote: غياب دور الدولة والفشل في ترسيم الحدود عوامل ستؤجج الصراع على كافة المستويات وتنشر الفوضى والانفلات الأمني في ربوع الإقليم لدرجة تهدد تماسكه ووحدته وتعايش أهله.
د. محجوب محمد صالح
دخل إقليم دارفور السوداني الأجندة الدولية من بوابة الحرب الأهلية إذ تصدرت على مدى عقد من الزمان -بدءاً من العام 2013- تصدرت أنباء الصراع المسلح في ذلك الإقليم نشرات الأخبار في الصحف العالمية ومحطات الإذاعة والتلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي وأخذت مصطلحات دارفورية محلية مثل (الجنجويد) مكانها في القاموس العالمي ودخلت قضية دارفور أجندة الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن والاتحاد الأوربي ومجلس حقوق الإنسان الدولي ومحكمة الجنايات الدولية وأصبح السودان الدولة يعرَّف بدارفور الإقليم وتحدث أناس في شتى أنحاء العالم عن مآسي دارفور وهم لا يعلمون مكانها في الخريطة!!
ورغم ذلك فما زال الصراع المسلح في ذلك الإقليم محتدماً متحدياً وجود قوة حفظ سلام دولية تمثل تعاوناً مشتركا بين مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي وتكلف المنظمة الدولية مليارات الدولارات وتنشر عشرين ألف عنصر عسكري في ربوع الإقليم وما زالت مجهودات السلام متعثرة واتفاق الدوحة لن يكون مصيره أفضل من اتفاق أبوجا المنهار.
لكن التطور الأكثر خطورة الآن هو انتقال الصراع إلى داخل المجتمع الدارفوري نفسه في شكل حروب ثانوية تفجرت بين القبائل المكونة لذلك الإقليم -بل وبين بعض العشائر داخل القبيلة الواحدة أحيانا- هذا صراع داخل الصراع القديم ونحن أمام موقف بدأ فيه الإقليم يعاني مستويين للصراع: صراع بين الإقليم والمركز تقوده الحركات حاملة السلاح التي ظلت تحارب على مدى عشر سنوات ولم تلحق باتفاقية الدوحة وصراع داخلي بين القبائل المكونة للإقليم بسبب احتدام النزاع حول الموارد الطبيعة والتي ازداد لهيبها بسبب اكتشاف الذهب في بعض أنحاء الإقليم ليصبح سببا في احتراب دموي وتنافس على مورد تفوق أهميته الماء والكلأ اللذين كان أهل الإقليم يتصارعون حولهما في سابق الزمان.
هذا التطور الأخير لا يأخذ طابعا عرقيا حسب التوصيف السابق الذي يقسم أهل الإقليم إلى عرقين: دارفوريين من أصل عربي وآخرين من أصل إفريقي فالقبائل التي تدعي أنها ذات أصول عربية تحارب بعضها بعضا والمنحدرون من أصول إفريقية يتصارعون حول الموارد أيضا.
يحدث هذا في وقت تضعف فيه سيطرة الدولة على الإقليم ويتصاعد فيه الانفلات الأمني وينتشر فيه السلاح غير الشرعي بصورة غير مسبوقة وفي ظل تكوين الحكومة تشكيلات شبه نظامية انضمت إلى الدولة وحصلت على تسليح منها ولكنها تفتقد الانضباط الذي تتمتع به القوات النظامية وتتحرك كما تتحرك المليشيات وتستغل إمكانات الدولة وسلاحها وعرباتها ومعداتها في دعم محاربي قبائلها أو في ابتدار الحروب القبلية الداخلية وتهاجم المدنيين الآمنين مما يجعل المشهد الدارفوري يتحول إلى وضع أمني منفلت يواجه الجميع بمستقبل مظلم.
وهناك من الشواهد ما يشير إلى أن ثمة مجهودات تبذل لتنشيط (تحالف عربي دارفوري) حتى يتحرك في الساحة بأجندة عرقية جديدة تزيد الموقف اضطراباً وقد ظهرت في شرق دارفور جماعة أطلقت على نفسها اسم الربيع العربي المسلح وهي ذات توجه عرقي كما أن هناك معلومات تتردد حول اتصالات مكثفة بين قيادات لبعض القبائل العربية لإحياء ذلك التحالف العربي الذي يعتبر أن الحكومة تفاوض الحركات المسلحة ذات الأصول الإفريقية وتهمش دور القبائل ذات الأصول العربية وإذا حدث ذلك فإن الموقف في دارفور سيزداد تعقيداً والانفلات الأمني سيكون هو سيد الموقف.
إن غياب دور الدولة وفشلها في أخذ زمام المبادرة لتحقيق السلام بل وهي حتى في معالجة قضايا الأرض وملكيتها وحقوق الانتفاع بها والفشل في ترسيم الحدود بين الولايات وبين المحليات وداخل الولايات كلها عوامل ستؤجج الصراع على كافة المستويات وتنشر الفوضى والانفلات الأمني في ربوع الإقليم لدرجة تهدد تماسكه ووحدته وتعايش أهله ما لم تتضافر الجهود لابتدار مقاربة جديدة تحافظ على دارفور كجزء من السودان وتحقق السلام ورتق نسيجها الاجتماعي الذي اهترأ فهذا الإقليم يعيش الآن خارج سيطرة الدولة تماما، فماذا نحن فاعلون؟!
د. محجوب محمد صالح
[email protected]
|
|
|
|
|
|
|