لماذا يتعيّن على السودان الانضمام إلى اتفاقية عنتبي بشكلِها الحاليّ؟ بقلم سلمان محمد أحمد سلمان

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 01:32 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د. سلمان محمد أحمد سلمان
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-11-2014, 11:58 PM

سلمان محمد أحمد سلمان
<aسلمان محمد أحمد سلمان
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 95

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
لماذا يتعيّن على السودان الانضمام إلى اتفاقية عنتبي بشكلِها الحاليّ؟ بقلم سلمان محمد أحمد سلمان


    د. سلمان محمد أحمد سلمان
    1
    في تصريحٍ تناقلته وكالات الأنباء المحلية والإقليمية يوم الخميس 9 أكتوبر عام 2014، أكّد وزير الموارد المائية والكهرباء السوداني، السيد معتز موسى، أن السودان لن يُوقّعَ على اتفاقِ عنتبي بشكله الحالي، ما لم يتم الاتفاق حول القضايا العالِقة. وأوضح الوزير أن موقف السودان الثابت هو الاستمرار في التعاون حول قضايا حوض النيل. وشدّد على أهمية التعاون حول قضايا حوض النيل بصرف النظر عن الاتفاق الإطاري الذي يعتبره السودان وسيلةً للتعاون وليس غايةً في ذاته.
    هناك العديدُ من الأسباب التي يتعيّن بموجبها انضمام السودان لاتفاقية عنتبي، وعلى وجه السرعة. بل إن الأسباب التي شدّد عليها السيد الوزير ، وهي أهمية التعاون، نفسها تجعل انضمام السودان للاتفاقية ضرورةً ملحّةً، لأن اتفاقية عنتبي ترتكز ارتكازاً تاماً على التعاون.
    سوف نشرح في هذا المقال تاريخ اتفاقية عنتبي، ومضمونها، وأوجه الخلاف حولها، ووضعها الحالي، وسوف نفصّل الأسباب التي نري أنها تفرض على السودان الانضمام للاتفاقية.
    2
    اتفاقية عنتبي هو الاسم المصغّر لاتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل. وتُسمّى "اتفاقية عنتبي" في إشارةٍ إلى المدينة اليوغنديّة التي تمّ توقيع الاتفاقية فيها في شهر مايو عام 2010 بواسطة ستِّ دول، ليس من بينها السودان. والاتفاقية هي المولود والنتاج لمبادرة حوض النيل التي كان وما يزال السودان عضواً فيها، رغم الارتباك والتخبّط الذي صاحب ما سماه البعض انسحاب السودان من المبادرة، أو تعليق عضويته فيها.
    برزت فكرة مبادرة حوض النيل في عام 1997، وأخذت شكلها الرسمي في 22 فبراير عام 1999 في مدينة دار السلام في جمهورية تنزانيا، إثر توقيع وزراء المياه لدول الحوض بالأحرف الأولى على وقائع الاجتماع الذي أسّس لقيام مبادرة حوض النيل. وقد اتفق الوزراء على أن الهدف من المبادرة هو تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة من خلال الانتفاع المنصف والمنافع من موارد النيل المشتركة. وقد قام البنك الدولي وعددٌ من المانحين بدورٍ تسهيليٍ للمبادرة. ونجحت المبادرة في عدّةِ مجالات من بينها إنشاء سكرتارية بمدينة عنتبي في يوغندا، ومكتب للنيل الشرقي بأديس أبابا، ومكتب لنيل البحيرات الإستوائية بمدينة كيغالي بدولة رواندا، وتمويل عددٍ من المشاريع المشتركة من صندوقٍ للمانحين تمّ إنشاؤه خِصِّيصاً لهذا الغرض.
    بدأ العمل قبل حوالي خمسة عشر عام في اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل (اتفاقية عنتبي)، ولكنّه وصل إلى طريقٍ مسدود جراء خلافاتٍ جوهرية في بعض مواد الاتفاقية. وتتكوّن الاتفاقية من 44 مادة، موزّعةٍ على ديباجةٍ وستّة أبواب، بالإضافة إلى ملحقٍ للاتفاقية عن فضِّ النزاعات.
    3
    تنبني الاتفاقية على مجموعة مبادئ لاستعمال وتنمية وحماية حوض النيل، تشتمل على مبدأ التعاون المتبادل، والقائم على المساواة في السيادة، وحسن النيّة، وكذلك مبادئ التنمية المستدامة. وترتكز الاتفاقية على مبدا الاستعمال المنصف والمعقول، مثل اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية الدولية، وحقّ كل دولة من دول الحوض في استعمال مياه النيل داخل أراضيها، والالتزام بعدم التسبّب في ضررٍ ذي شأن لدول الحوض الأخرى. وتُنشيء الاتفاقية مفوضيّةً شاملةً لكل دول نهر النيل لإدارة الحوض، وتبادل المعلومات، ومناقشة المشاريع المشتركة والوطنية. كما تُلزم الاتفاقية الدول بحلِّ نزاعاتها بالطرق السلمية، وتُفصِّل إجراءات ومؤسسات هذه الحلول.
    رفض السودان ومصر الاتفاقية لثلاثة أسباب سنناقشها أدناه. وقد قامت معظم دول حوض النيل الأخرى بالتوقيع على الاتفاقية. فقد وقّعت عليها إثيوبيا وتنزانيا ويوغندا ورواندا وكينيا في شهر مايو عام 2010. ثم لحقت بهم دولة بوروندي في شهر فبراير عام 2011. وتحتاح الاتفاقية إلى تصديق ست دولٍ لتدخل حيزّ النفاذ، وهذا هو عدد الدول الموقّعة عليها حتى هذه اللحظة.
    قامت إثيوبيا بالتصديق على الاتفاقية في شهر يونيو عام 2013. وقد أجاز مجلس الوزراء التنزاني الاتفاقية في 6 أكتوبر عام 2014، ممهّدا بذلك الطريق للتصديق عليها بواسطة البرلمان الشهر القادم، كما صرّح بذلك وزرير الموارد المائية التنزاني. كما أن جمهورية جنوب السودان كانت قد أعلنت تأييدها لاتفاقية عنتبي، ونيّتها الانضمام إليها. غير أن انشغال جنوب السودان بحروبه ونزاعاته الحالية حال دون الالتفات لمثل هذه القضايا. ويرأس جنوب السودان المجلس الوزاري لدول حوض النيل هذا العام، وستؤول إليه منصب السكرتير التنفيذي للمبادرة عام 2016. وسوف يجعل هذا الوضع قضايا النيل ضمن اهتمامات الحكومة في الأشهر القادمة.
    عليه فإن مسألة دخول اتفاقية عنتبي حيز النفاذ هي مسألة زمن، لا أكثر ولا أقل. من هنا لا بُدَّ للسودان أن يفكر بتأنّي ويضع يديه على مصالحه، كما فعل في نزاع سدِّ النهضة.
    4
    يمكن تلخيص نقاط الخلاف الثلاثة حول اتفاقية عنتبي في الآتي:
    أولاً: مسألة الأمن المائي: تتناول المادة 14 مسألة الأمن المائي والذى عرّفته الاتفاقية بأنه يشمل حقّ كل دول حوض النيل في المياه من أجل الصحة والزراعة والإنتاج والبيئة. وقد كانت هذه المادة السبب الرئيسى لانهيار المفاوضات. إذ تصرُّ مصر والسودان على أن استعمالاتهما وحقوقهما القائمة والمشار إليها في اتفاقية مياه النيل لعام 1959، والتي توزّع كل مياه النيل بينهما (55.5 مليار متر مكعب لمصر، و18.5 للسودان) غير قابلةٍ للتفاوض، وخطّاً أحمر لا يمكن عبوره، وتمثّل الأمن المائى لهما، ويجب تضمين هذه الاستعمالات والحقوق القائمة في الاتفاقية. وترفض الدول الأخرى هذا وتصرّ على أنّ لها حقوقاً في مياه النيل بموجب نظرية الانتفاع المنصف والمعقول، وأنه يجب على مصر والسودان الاعتراف بهذه الحقوق والتفاوض حولها.
    ثانياً: مسألة الإخطار المسبّق: تطالب مصر والسودان بتضمين مواد مفصّلة في الاتفاقية لمسألة الإخطار المسبّق لكل دول الحوض عن المشاريع التي تنوي أية دولة إقامتها على نهر النيل. وترفض الدول الأخرى هذه المسألة لإنها تتخوّف أن يُفسّر الإخطار على أنه يعطي مصر والسودان حق النقض. وتجادل هذه الدول أن مصر والسودان لم يقوما بإخطار أية دولةٍ عن أيٍ من مشاريعهما على نهر النيل.
    ثالثا: كيفية تعديل الاتفاقية: تطالب مصر والسودان أن يكون تعديل الاتفاقية بالإجماع، أو الأغلبية، على أن تشمل هذه الأغلبية مصر والسودان. وترى الدول الأخرى أن يكون تعديل الاتفاقية بالأغلبية العادية، شملتْ أم لم تشملْ مصر أو السودان، وأنه لا يجب أن تملك أية دولةٍ حقّ النقض.
    عليه فنحن أمام خلافاتٍ جوهرية كبيرةٍ أوصلت المفاوضات إلى طريقٍ مسدود.
    5
    إننا نعتقد أن رفض السودان لاتفاقية عنتبي لا يقوم على أسبابٍ موضوعيّة، ونرى أنه من الضروري انضمام السودان لاتفاقية عنتبي للأسباب الآتية:
    أولاً: إن التمترس خلف الحقوق المضمّنة في اتفاقية مياه النيل لعام 1959 يقتقر إلى القانون والمنطق. فهذه الاتفاقية هي اتفاقية ثنائية بين مصر والسودان، ولا إلزامية لها على بقية دول الحوض. وقد رفضتها دول الحوض كتابةً منذ التوقيع عليها. بل وتحدّتها هذه الدول ببناء مشاريع على نهر النيل دون إخطار أو مشورة مصر والسودان. وبينما تصرُّ مصر على استعمالاتها التي تجاوزت 60 مليار متر مكعب سنوياً، فإن السودان يتحدّث عن الحقوق والتي هي 18.5 مليار متر مكعب بموجب اتفاقية مياه النيل لعام 1959. والسبب الذي يجعل السودان يتحدّث عن الحقوق وليس عن الاستعمالات أن استعمالات السودان لم تزِدْ عن 12 مليار متر مكعب سنوياً منذ عام 1959، كما ذكر السيد وزير الري والموارد المائية السابق المهندس كمال علي بنفسه (راجع جريدة الصحافة، العدد 6487، بتاريخ الأربعاء 10 اغسطس عام 2011، الصفحة الثالثة). وهذا يعني أن السودان قد فشل في استعمال حوالي 360 مليار متر مكعب من حقوقه من مياه النيل منذ توقيع اتفاقية مياه النيل عام 1959.
    عليه فإن دول المنبع لا علاقة لها أو إلزامية عليها فيما يتعلّق بحقوق السودان من مياه النيل الناتجة عن اتفاقية مياه النيل لعام 1959، والتي هي اتفاقية ثنائية وليست ملزمة على بقية الدول. وعليه فلن يحمي عدم توقيع السودان على اتفاقية عنتبي هذه الحقوق بأيّة حالٍ من الأحوال.
    6
    ثانياً: إن لدول الحوض الأخرى حقوقاً في مياه النيل بموجب القانون الدولي والعدالة والإنصاف والمنطق. وقد اعترفت مصر والسودان نفسيهما بمقتضى اتفاقية عام 1959 بهذه الحقوق، ولكنهما وضعتا عوائق إجرائية كبيرة تتعارض مع القانون الدولي للمياه، ومع مبدأ سيادة الدول. فقد قضت الاتفاقية (كما ناقشنا في مقالات خفايا وخبايا مفاوضات اتفاقية مياه النيل لعام 1959) أنه ينبغي على أيّة دولة تود أي قدرٍ من مياه النيل التقدّم بطلبٍ لمصر والسودان، واللذين سيقرران قبول الطلب أو رفضه. وإذا تمّ قبول الطلب فستحددّ الدولتان الكميّة التي ستُمنح لهذه الدولة، وتراقب الدولتان بواسطة الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمصر والسودان عدم تجاوز هذه الدولة للكمية الممنوحة لها.
    تستشهد دول المنبع (خصوصاً إثيوبيا التي هي مصدر 86% من مياه النيل) كثيراً بهذه الفقرة من الاتفاقية كدليلٍ على نوع التعاون الذي تتحدّث عنه مصر والسودان، وتتهكّم وتسخر كثيراً من هذه الفقرة، وتجد آذاناً صاغية وتعاطفاً كبيراً في كثيرٍ من المؤتمرات الدولية.
    سيغيّر انضمام السودان لاتفاقية عنتبي هذا الوضع الإقصائي الخاطئ، وسيمثّل اعترافاً وقبولاً غير مشروط بحقوق دول النيل الأخرى، وهو مبدأ أساسيٍ في القانون الدولي. وسيكون الانضمام للاتفاقية سبباً لنيل ثقة واحترام دول المنبع وتعاونها.
    7
    ثالثاً: إن معظم احتياجات إثيوبيا من مياه النيل هي لتوليد الطاقة الكهربائية، وهي استخداماتٌ غير استهلاكية لأن المياه التي تولِّد الطاقة تعود للنهر وتواصل انسيابها للسودان ومصر. كما أن لسدود إثيوبيا فوائد كثيرة للسودان. فهي تحجز الطمي الذي أفقد سدود السودان أكثر من نصف طاقتها التخزينية والتوليدية، وتُوقِف الفيضانات، وتنظّم انسياب النيل الأزرق ونهر عطبرة خلال العام. ويمكن بقدرٍ من التعاون الاتفاق على الفترة التي ستملأ فيها إثيوبيا البحيرات وراء السدود التي تزمع إثيوبيا بناءها، لأنه كلّما طالت فترة ملء البحيرات كلّما قلت التأثيرات السلبية على السودان ومصر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التبخّر قليلٌ في إثيوبيا بسبب اعتدال الطقس وعمق البحيرات، مقارنةً بالتبخّر الكثيف والذي يبلغ عشرة مليار متر مكعب سنوياً من بحيرة السد العالي، وأكثر من سبعة مليار من سدود السودان.
    عليه فإن مشاريع السدود في إثيوبيا سيكون لها تأثيراتٌ إيجابيةٌ كبيرةٌ على السودان، ولا تشكّل بأية حالٍ سبباً للاعتراض على اتفاقية عنتبي. كما أن انضمام السودان للاتفاقية سيعطيه موطئ قدمٍ لمعرفة المشاريع الإثيوبية تحت التخطيط، ومناقشة آثارها السلبية، والتعاون والعمل معاً للتقليل منها.
    8
    رابعاً: تمثّل مستنقعات جنوب السودان حاجزاً ضخماً لانسياب مياه النيل الأبيض، وتنظّم وتحدّد هذه المستنقعات كميات المياه التي ستنساب عبرها إلى شمال السودان ومصر بصرف النظر عن كمية المياه في النيل الأبيض. وقد أوضحت عدّة دراسات أن استعمال دول البحيرات الإستوائية لعشرة مليار متر مكعب من مياه النيل الأبيض (وهذا رقمٌ عالٍ ولن تستطيع هذه الدول استعماله لعقود طويلةٍ آتية) لن يتعدى تأثيره على مصر والسودان مليار متر مكعب واحد بسبب مستنقعات جنوب السودان التي تحجز وتقرّر كميّة المياه التي ستنساب عبرها إلى شمال السودان ومصر.
    يعني هذا الوضع أن استعمالات مشاريع دول النيل الإستوائية لن تكون خصماً على السودان. وحتّى في حالة ازدياد احتياجات دول المنبع، فإن الحلَّ سيكون في مزيدٍ من التفاوض والتعاون وليس في المقاطعة. عليه فإن هذا الوضع يُعضّد ضرورة انضمام السودان لاتفاقية عنتبي.
    9
    خامساً: إن الدول النيلية الأخرى ستقوم ببناء مشاريعها على نهر النيل، سواءٌ رضي السودان ومصر أم أبيا. فإثيوبيا قد بنت عدداً من السدود في السنوات الأربعين الأخيرة دون إخطار أو مشورة مصر أو السودان. فقد بنت إثيوبيا سدَّ تكزي على نهر عطبرة وهو سدٌّ كبير، ارتفاعه حوالي 190 متر، ويحجز أكثر من أربعة مليار متر مكعب ويولّد أكثر من 300 ميقاواط من الطاقة الكهربائية. وكذلك أكملتْ إثيوبيا سد تانا بيليس (يولّد حوالي 500 ميقاواط)، وقبله سد تِسْ أباي، وسد فينشا. وهاهي قد أوشكت على إكمال بناء سدِّ النهضة العظيم الذي سيولّد أكثر من 6,000 ميقاوط من الكهرباء.
    كما أن تنزانيا قد أكملت المرحلة الأولى من مشروع "شين يانغا" لمياه الشرب الذي يأخذ المياه من بحيرة فكتوريا لشمال غرب تنزانيا، وبدأت في المرحلة الثانية من المشروع. وتواصل يوغندا بناء مشاريع سدودها على النيل الأبيض، فقد افتتحت سد بوجاغالي في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر عام 2012، وبدأت العمل في سد كاروما العام الماضي (2013)، ثم سد إيسمبا هذا العام (2014).
    معظم هذه المشاريع تمّت بدون مشورة مصر والسودان، وبعضها تمّ حتى بدون علمهما. وتتطلّب الحكمة والمنطق انضمام السودان لاتفاقية عنتبي حتى يتسنّى له الجلوس مع هذه الدول تحت مظلّة المفوضيّة المشتركة، ومناقشة هذه المشاريع، وإمكانية التعاون حولها، بدلاً من المقاطعة، ودفن الرؤوس في الرمال، والحديث الممجوج والمكرّر، والخالي من المضمون والمصداقية، عن التعاون.
    10
    سادساً: إن هناك غُبناً تاريخياً كبيراً وسط دول المنبع بسبب سياسات مصر والسودان الاستعلائية والإقصائية في مياه النيل، ومطالبتهما الدول الأخرى تقديم طلبٍ لهما لأية استعمالاتٍ من مياه النهر. كما أن هناك تعاطفاً دولياً كبيراً مع هذه الدول بسبب سياسات ومواقف مصر والسودان حول مياه النيل، خصوصاً مع ما رشح قبل أعوام بواسطة "ويكيليكس" عن تخطيط مصر، بالتعاون مع السودان، إبان السنوات الأخيرة من فترة حكم السيد حسني مبارك، لضرب السدود الاثيوبية من موقعٍ قرب مدينة كوستي، رغم نفي الدولتين لهذا الزعم.
    إن الانضمام لاتفاقية عنتبي سيزيل جزءاً من هذا الغبن والتعاطف، ويُبرِز حسن النية من جانب السودان، ويدفع بإمكانية التعاون الجاد (وليس تعاون الشعارات الجوفاء) مع دول النيل الأخرى.
    11
    سابعاً: يتوقّع المراقبون انضمام دولة جنوب السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى اتفاقية عنتبي بسبب العلاقات التاريخية والجغرافية والعرقية والثقافية التي تربطهما بدول المنبع الأخرى. وعندما يحدث هذا فسينشأ تكتّلٌ من ثمانية دول، ضدّ تكتّل مصر والسودان الذي أنشأته اتفاقية مياه النيل لعام 1959. وقتها سيواجه السودان عزلةً كبيرة تخوّف منها بعض أعضاء وفد التفاوض السوداني نفسهم. لتفادي هذه العزلة، ولتأكيد شعار التعاون الجاد، فإنه من مصلحة السودان الانضمام لاتفاقية عنتبي الآن.
    12
    ثامناً: إن المُرتكز الأساسي للقانون الدولي للمياه هو التعاون. وتشمل اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية الدولية على كلمة "التعاون" ومشتقاتها أكثر من 15 مرة. وينبني التعاون بموجب هذه الاتفاقية، وبموجب اتفاقية عنتبي أيضاً، على مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول الذي أكّدت محكمة العدل الدولية سيادته على كل المبادئ الأخرى. وكما ذكرنا أعلاه، فقد وافق السودان في عام 1999 على أن يكون هذا المبدأ هو مرتكز مبادرة حوض النيل. وقد دخلت اتفاقية الأمم المتحدة حيز النفاذ في أغسطس هذا العام (2013)، مما يشير إلى أن مسألة دخول اتفاقية عنتبي حيز النفاذ هو مسألة زمنٍ فقط.
    عليه فإن انضمام السودان لاتفاقية عنتبي المتناسقة مع اتفاقية الأمم المتحدة سيعكس قبول السودان لمبادئ القانون الدولي للمياه التي تمّ الاتفاق والتراضي عليها عالمياً. تجدر الإشارة هنا إلى أن السودان كان قد صوّت في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 مايو عام 1997 لصالح اتفاقية الأمم المتحدة وأشاد بها، ولكنه لم يوقّع أو ينضمَّ لهذه الاتفاقية بعد، لأسباب لن تخفى عن فطنة القارئ.
    13
    لقد بدأ الجدل حول سدِّ النهضة في السودان في شهر أبريل عام 2011، بقدرٍ كبيرٍ من التهريج، وبغيابٍ أو تناسي كبيرين لمعرفة أين تكمن مصالح السودان الحقيقية. وعندما انقشع الضباب وضختْ المنافع الكبيرة التي ستعود للسودان من السد. فقد أكّدت الأخبار مؤخراً بدء السودان استيراد الكهرباء من إثيوبيا، مما يوضّح عملياً فوائد سدود إثيوبيا على السودان. ولا بد من التذكير أن عجز السودان من الكهرباء يبلغ حالياً حوالي 40% من احتياجاته. ولم يستطع سد مروي الوفاء بوعد توليد 1250 ميقاواط لعدّة أسباب، يضيق المجال هنا عن مناقشتها. ولن يستطيع السودان بناء سد كجبار، أو أي سدٍ آخر، بسبب اعتراضات المتأثّرين القويّة والمنظّمة هذه المرّة، وبسبب غياب التمويل، والحجم الكبير لديون السودان الخارجية. عليه فإن السودان قد وعى إلى أن كهرباء إثيوبيا، التي تُكلِّف ربع تكلفة كهرباء السودان، هي الحل لمشاكله المتزايدة في قطاع الطاقة. ولا بد من التذكير أيضاً أن الربط الكهربائي بين البلدين قد اكتمل في شهر ديسمبر عام 2013، بتمويلٍ من صندوق المانحين لمبادرة حوض النيل الذي يديره البنك الدولي.
    14
    لقد وضحت، إثر تأييد السودان لسدِّ النهضة، الفوائدُ التي يمكن أن تنتج عن التعاون الجاد. وبنفس القدر، فإن اتفاقية عنتبي، التي ترتكز على التعاون، سوف تفتح آفاقاً أخرى أكبر وأوسع للتعاون مع دول حوض النيل الأخرى. وسوف يُظهِرُ هذا الانضمامُ السودانَ، (الذي يقع أكبر جزءٍ من حوض النيل في أراضيه)، بمظهرِ الدولةِ الجادة في مجال التعاون حول الأحواض المشتركة. كما سيعطي الانضمامُ السودانَ موطئ قدمٍ في مفوضية حوض النيل، والتي ستكون رأس الرمح للتعاون، وتبادل المعلومات، وحلِّ النزاعات. وسوف يشير هذا الانضمام إلى أن السودانَ يملك الإرادةَ السياسية لاتخاذ قراراته التي تعود عليه بالمنفعة، كما فعل مع سدِّ النهضة.
    لهذه الأسباب فإننا نرى أنه يتعيّن على السودان الانضمام إلى اتفاقية عنتبي، وبشكلها الحالي، وعلى وجه السرعة. فبالتعاون والعمل الجماعي الجاد تحت مظلة الاتفاقية سوف تبدأ دول حوض النيل فصلاً جديداً يرمي إلى إخراج شعوب الحوض من الفقر والجوع والعطش والظلام والتخلّف الذي يسود معظم الأرجاء في هذه الدول، ويزداد يوماً بعد يوم.

    mailto:[email protected]@gmail.com
    http://http://www.salmanmasalman.orgwww.salmanmasalman.org
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de