نهرُ النيل بينَ سدِّ النهضةِ الإثيوبي وسدِّ كارُوما اليُوغَندِي د. س

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-13-2024, 11:43 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة د. سلمان محمد أحمد سلمان
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-18-2013, 03:40 PM

سلمان محمد أحمد سلمان


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نهرُ النيل بينَ سدِّ النهضةِ الإثيوبي وسدِّ كارُوما اليُوغَندِي د. س



    نهرُ النيل بينَ سدِّ النهضةِ الإثيوبي وسدِّ كارُوما اليُوغَندِي
    د. سلمان محمد أحمد سلمان
    1
    بعد أقل من عامين ونصف من إعلان إثيوبيا في نهاية مارس عام 2011 أنها ستشرع في بناء سدِّ النهضة على النيل الأزرق، فاجأت يوغندا دول حوض النيل الأخرى، خصوصاً مصر والسودان، بإعلانها بدء العمل في سد كارُوما على النيل الأبيض. وقد جاء الإعلان اليوغندي في 12 أغسطس عام 2013، بعد خمسة أسابيع من إطاحة الجيش المصري بالرئيس محمد مرسي في 3 يوليو عام 2013، بينما جاء الإعلان الإثيوبي بعد ستة أسابيع من نجاح الثورة المصرية واستقالة الرئيس حسني مبارك في 11 فبراير عام 2011.
    ورغم مدلولات التوقيت في الحالتين (انشغال مصر بمشاكلها الداخلية)، إلا أنه لا بُدّ من توضيح أن مسألة بناء السدود في هذين البلدين على نهر النيل ظلّت تجري على قدمٍ وساق لبعض الوقت. وقد قامت إثيوبيا منذ الستينيات ببناء سدودها على النيل الأزرق ونهر عطبرة دون إخطار أو مشورة مصر والسودان، بل ودون علمهما في بعض الحالات. وكان ذلك نتيجة إحساس إثيوبيا بالغبن تجاه رفض مصر والسودان الاعتراف بحقوق اثيوبيا في استخدام مياه النيل. أما يوغندا فقد كان إعلان البدء في بناء سد كاروما رسالةً واضحة أنها قد تحلّلت من قبضة الاتفاقيات التي كانت ترزخ تحتها منذ أن قامت انجلترا التي كانت تستعمر يوغندا بمنح مصر حق النقض على السدود والمشاريع اليوغندية عام 1949، وبفتح الباب أمام المهندسين المصريين للقدوم والبقاء في يوغندا لمراقبة تلك السدود.
    سوف نتعرّض في هذا المقال للمشاريع والسدود الإثيوبية واليوغندية، خاصةً سدّي النهضة وكارُوما، ونوضّح ثلاث نقاط. أولى هذه النقاط أن دول المنبع قد قرّرت أخذ حقوقها بيديها بعد أن فشل التفاوض مع السودان ومصر إثر إصرار هاتين الدولتين على استعمالاتهما وحقوقهما القائمة والتي تعني الهيمنة الكاملة على حوض النيل. ثاني هذه النقاط أن دول المنبع تريد أن تُثبت وتؤكّد أنه من حقها بموجب القانون الدولي الاستفادة من مياه النيل لمحاربة الفقر والجوع والعطش والظلام كما فعل السودان ومصر. ثالث هذه النقاط أنه ليست هناك أي تأثيراتٍ سلبية من مشاريع دول المنبع على السودان ومصر، وعليه فليس هناك سببٌ منطقيٌ للاعتراض عليها. بل إنه من مصلحة السودان ومصر الترحيب بهذه المشاريع ومساندتها والاستفادة من منافعها وتجربتها.
    2
    بدأت إثيوبيا فى التخطيط لاستغلال مياه أنهارها فى ستينيات القرن الماضي بعد توقيع مصر والسودان على اتفاقية مياه النيل لعام 1959، ورفضهما مشاركة إثيوبيا في المفاوضات. وبحكم العلاقة ا########دة التى كانت تربط نظام الامبراطور هيلاسيلاسي بأمريكا وقتها، وكردّة فعل على ارتباط نظام عبد الناصر بالاتحاد السوفيتي وتمويل وبناء السوفيت للسد العالى بمصر، فقد قامت إحدى المؤسسات الأمريكية بدراسةٍ مفصّلة ومتعدّدة الجوانب للاستغلال الأمثل لموارد المياه في إثيوبيا. أوضحت الدراسة أن الطاقة الكهربائية التي يمكن استغلالها من مياه الأنهار في إثيوبيا تزيد عن 45,000 ميقاواط، وتشمل 30,000 ميقاواط من منظومة نهر النيل داخل إثيوبيا. وهذه أكبر طاقة كهربائية متاحة في أفريقيا بعد تلك التى تتميزّ بها جمهورية الكونغو الديمقراطية.
    انشغلت إثيوبيا بحروبها الداخلية والخارجية وظروفها الاقتصادية السيئة وقلّة التمويل الخارجي بسبب هذه الظروف. وقد حدّ كل ذلك من آمالها فى تنمية طاقتها الكهربائية خلال القرن الماضي. لكن هذا الوضع بدأ فى التغيير مع بداية هذا القرن. فقد توقّفت الحروب مع جيران إثيوبيا وانتهت إلى حدٍّ كبير نزاعاتها الداخلية، وشرعت إثيوبيا إثر هذا الاستقرار النسبي في تخطيط وتنفيذ مشاريع تنموية ضخمة. ساعد إثيوبيا فى ذلك علاقاتها الجديدة والجيّدة مع الدول الغربية وارتفاع أسعار البُّنِ الإثيوبي عالمياً والنمو المتزايد للاقتصاد الإثيوبي وكذلك الدراسات التى أشارت الى وجود كمياتٍ ضخمة من الغاز الطبيعي فى إقليم الأوغادين فى إثيوبيا. إضافةً إلى هذا فقد برزت جمهورية الصين الشعبية كمستثمرٍ وممولٍ وبانٍ للسدود ومتلهفٍ للموارد الطبيعية خصوصاً فى أفريقيا.
    3
    بدأت السلطات الإثيوبية برنامج السدود ببناء سدٍ صغير على نهر فِينشا أحد روافد النيل الأزرق في ستينيات القرن الماضي، وأكملت المرحلة الأولى منه لتوليد 80 ميقاواط عام 1973. كان ذلك أول سدٍّ تبنيه إثيوبيا على النيل. تلى ذلك بناء مشروعٍ آخر صغير يقع على النيل الأزرق عند مخرج النهر من بحيرة تانا ويُسمّى تِسْ أبّاي لتوليد 12 ميقاواط من الكهرباء.
    وقامت إثيوبيا بعد ذلك ببناء مشروع تِسْ أبّاي الثاني والذي كان امتداداً للمشروع الأول. وقد بدأ العمل فيه عام 2001 واكتمل عام 2005 ويُولّد 75 ميقاواط من الكهرباء.
    غير أن السد الرابع على منظومة النيل - سدّ تكزّي الذي يقع على نهر عطبرة - هو أكبر هذه السدود وأهمها. وقد بدأ التخطيط لبناء هذا السد فى عام 2002. وهذا أول سدٍ كبير تقوم الحكومة الإثيوبية ببنائه على منظومة النيل، إذ يبلغ ارتفاعه 188 متر وتحجز البحيرة التى يخلقها السد أربعة إلى خمسة مليار متر مكعب من مياه النهر. وقد قامت الحكومة الصينية بتمويل الجزء الأكبر من تكلفة المشروع البالغة 360 مليون دولار، وقامت إحدى الشركات الصينية بالبناء، واكتمل العمل بالمشروع عام 2010. ويُولّد المشروع 300 ميقاواط من الطاقة الكهربائية.
    تزامن مع بناء سد تكزي مشروعٌ كبيرٌ آخر هو سدّ تانا بيليس. يقوم هذا المشروع بربط نهر بيليس (أحد روافد النيل الأزرق) ببحيرة تانا وبناء محطة لتوليد الطاقة عند مكان الربط. بدأ العمل بالمشروع فى عام 2004 واكتمل فى عام 2010. وقد قامت شركة ساليني الإيطالية ببناء المشروع بتكلفةٍ قدرها 125 مليون دولار. ويقوم المشروع بتوليد 460 ميقاواط من الطاقة الكهربائية.
    4
    لا بد من الإشارة هنا إلى إدعاء مصر والسودان أن اتفاقية عام 1902 بين إثيوبيا وبريطانيا تلزم إثيوبيا بعدم إقامة أي مشاريع على أيٍ من روافد نهر النيل تُضِرُّ بمصالح مصر والسودان المائية دون موافقتهما. غير أن إثيوبيا بنت مشاريعها تلك دون إعارة هذه الاتفاقية أي اهتمام لعدم اعتراف إثيوبيا بها. فقد تمّ بناء هذه المشاريع بدون إخطار أو مشورة مصر أو السودان، وفي بعض الأحيان دون علمهما. إضافةً إلى هذا فإن مصر والسودان لم يثيرا نصوص هذه الاتفاقية أو يحاولا إلزام إثيوبيا بها. وقد عبرت إثيوبيا بسد تكزي الكبير الخط الأحمر الذي كانت مصر قد رسمته بتمسّكها باتفاقية عام 1902، وأعلنت النهاية العملية والقانونية لتلك الاتفاقية.
    وبالتزامن مع هذه المشاريع كانت الدراسات تسير فى مراحل متباينة فى أكثر من17 مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية من أنهار إثيوبيا الإثني عشر . وتشمل هذه الدراسات ثمانية سدود كبيرة على منظومة نهر النيل.
    5
    وقد بدأت إثيوبيا هذه المشاريع الطموحة والكبيرة بتنفيذ سد النهضة، أكبرها وأكثرها إثارةً للجدل والنزاع. يقع سدّ النهضة الإثيوبي (والذي كان يُعرف بسدِّ الألفية) على النيل الأزرق على بعد 40 كيلومتر من الحدود مع السودان.
    وقد أعلنت إثيوبيا عن نيتها بناء السد في نهاية شهر مارس عام 2011، وبدأ العمل بالفعل في أوائل أبريل من ذلك العام. يبلغ ارتفاع السد 170 متر ، بينما تبلغ كمية المياه التي سوف يحجزها السد 62 إلى 74 مليار متر مكعب. وهذه الكمية تساوي أكثر من ضِعف كمية مياه بحيرة تانا (32 مليار متر مكعب)، وأقل بقليل من نصف مياه بحيرة السد العالي (التي تبلغ سعتها 162 مليار متر مكعب). ويُتوقّع أن يقوم هذا السدّ بتوليد 6,000 ميقاواط من الطاقة الكهربائية عند اكتماله بعد أربع إلى خمس سنوات من بدء التنفيذ، أي أكثر من مرتين ونصف من كهرباء السدّ العالي. أوضحت إثيوبيا أنه نسبةً لعمق بحيرة السد واعتدال المناخ في المنطقة فإن التبخر سيكون قليلاً ولن يتجاوز مليار متر مكعب سنوياً. جديرٌ بالذكر أن التبخّر من بحيرة السد العالي يبلغ سنوياً عشرة مليار متر مكعب، بينما يبلغ التبخر من سدود السودان أكثر من سبعة مليار متر مكعب.
    تبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع 4,8 مليار دولار. وقد أشارت الحكومة الإثيوبية أنها ستقوم بتمويل المشروع من مواردها ومن خلال إصدار سنداتٍ للإثيوبيين. وتقوم الشركة الايطالية "ساليني" ببناء السدّ، ويُتوقّع أن تقوم الشركات الأوروبية ببيع إثيوبيا المعدات والتشغيلات الميكانيكية. وتخطّط إثيوبيا للانتهاء من العمل في السد في عام 2017، ليكون عند اكتماله أكبر سدٍّ في أفريقيا والعاشر في العالم.
    فور الإعلان الإثيوبي عن قرار بناء سد النهضة أعلنت مصر اعتراضها التام على قيام السد وأوضحت أنه سيحرم مصر من جزءٍ كبير من حقها الطبيعي والتاريخي في مياه النيل، وسيحيل أراضي زراعية مصرية ضخمة إلى صحراء، ويؤثر سلباً على توليد الكهرباء في السد العالي. رفضت إثيوبيا الاعتراض المصري وأعلنت أن السد ستكون له تأثيرات إيجابية على السودان ومصر . وقد أوضحنا من قبل تلك الآثار الإيجابية والتي تشمل حجز السد لكميات الطمي الضخمة التي يحملها النيل الأزرق، وتنظيمه لسريان النهر طوال العام ووقفه للفيضانات المدمّرة في السودان. كما أوضحت إثيوبيا أن المياه التي ستولّد الكهرباء ستعود للنيل الأزرق وتواصل انسيابها للسودان ومصر دون أي استخداماتٍ استهلاكية. كما أعلنت إثيوبيا استعدادها لبيع جزءٍ من كهرباء السد للسودان ومصر بسعر التكلفة (والتي تبلغ ربع تكلفة الإنتاج الكهربائي من السد العالي وسد مروي).
    وقد تواصل بناء سد النهضة واكتمل قرابة 25% منه. من الواضح أن السد قد أصبح حقيقةً واقعة وأنه يمثّل الكبرياء الوطني الإثيوبي، تماماً كما مثّلَ السد العالي ذلك لمصر في ستينيات القرن الماضي، وعلى مصر السودان التعايش مع هذه الحقيقة. كما على السودان المسارعة للاستفادة من المنافع الجمّة التي سيحقّقها هذا السد للسودان وينهي حالة الارتباك التي صاحبت موقفه.
    6
    تشكّلت أولى ملامح برنامج يوغندا لاستغلال مياه بحيرة فكتوريا والنيل الأبيض فى توليد الطاقة الكهربائية فى أواخر أربعينيات القرن الماضى عندما كانت يوغندا مستعمرةً بريطانية. وقتها قرّرت الإدارة البريطانية فى يوغندا الاستفادة من مجموعة الشلالات التى تقع فى نيل فكتوريا عند خروجه من بحيرة فكتوريا لتوليد الطاقة الكهربائية من انسياب المياه عبر هذه الشلالات بدون الحاجة إلى تخزين للمياه، مما سيُقلّل التكلفة بصورةٍ كبيرة. وقد أشارت بعض الدراسات إلى أنّ الطاقة المتاحة ليوغندا من منظومة النيل الأبيض تصل إلى 8,000 ميقاواط.
    دخلت الإدارة البريطانية فى يوغندا فى مجموعةٍ من الاتفاقيات الثنائية مع مصر بدايةً في عام 1949، تضمّنت موافقة مصر تحت شروط معيّنة على قيام أول مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية من مياه النيل الأبيض فى يوغندا - مشروع سدّ شلالات أوين لتوليد الطاقة الكهربائية. يقع المشروع قرب مدينة جِينجا عند مخرج نيل فكتوريا من بحيرة فكتوريا، ويُولِّد 180 ميقاواط من الطاقة الكهربائية.
    تخوّفت الإدارة البريطانية من اعتراض مصر على مشروع سدّ شلالات أوين لتوليد الطاقة الكهربائية بحجّة أن هذه المشروع قد يُسبّب ضرراً لمصر بأن يُقلّل كميات المياه الواردة، كما تنصُّ اتفاقية مياه النيل لعام 1929. وكانت بريطانيا نفسها قد وقّعت على تلك الاتفاقية مع مصر بالنيابة عن مستعمراتها فى شرق أفريقيا (يوغندا وكينيا وتنجانيقا)، بالإضافة إلى السودان. عليه فقد بدأت بريطانيا مفاوضاتٍ مكثّفة مع مصر حول المشروع فى نهاية الأربعينيات ونتج عن تلك المفاوضات التوقيع على ثلاث اتفاقيات يمكن تلخيص مضمونها فى الآتى:
    أولاً: بما أن المشروع كان سيُغرِق شلالات ريبون التى كانت تنظّم بشكلٍ طبيعىٍ انسياب مياه بحيرة فكتوريا إلى نيل فكتوريا فهذا يعني أن المشروع قد حوّل بحيرة فكتوريا إلى مستودعٍ للمياه. عليه فقد طلبت مصر ووافقت بريطانيا على رفع مستوى البحيرة لزيادة مخزون المياه فيها.
    ثانياً: بما أنه لم يعد هناك انسيابٌ طبيعي للبحيرة فى نيل فكتوريا بعد إغراق شلالات ريبون فقد اتفق الطرفان على معادلة جديدة لانسياب المياه تربط بين معدّل المياه فى البحيرة والكميات التى يمكن السماح بتدفّقها فى نيل فكتوريا.
    ثالثاً: لمراقبة تنفيذ هذه الاتفاقيات وافقت بريطانيا بالنيابة عن يوغندا على تواجد مهندسين مصريين بصفة دائمة فى مدينة جِينجا. وقد شملت مهامهم تحت هذه الاتفاقيات مراقبة بناء سد أوين، والإشراف على تطبيق المعادلة الخاصة بتدفّق المياه من بحيرة فكتوريا إلى نيل فكتوريا.
    7
    على ضوء هذه الاتفاقيات بدأ العمل فى بناء سد أوين فى عام 1949 واكتمل فى عام 1953 ليولّد 150 ميقاواط من الكهرباء. ظل سد أوين المصدر الرئيسي للكهرباء لدولة يوغندا في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. لكن الوضع فى السد ومحطّة توليد الكهرباء تدهور كثيراً إبان فترة حكم الرئيس عيدي أمين وفترة الحروبات الداخلية في سبعينيات القرن الماضي. وقد تمّ إعادة تأهيل السد والمحطّة فى ثمانينيات القرن الماضي، وارتفع معدل الطاقة الكهربائية المُولّدة إلى 180 ميقاواط بعد التأهيل الثاني، وتمّت إعادة تسمية المشروع بـ "محطّة نالوبالي للطاقة الكهربائية."
    ولكن المتعلمين والسياسيين اليوغنديين لم يعترفوا بالاتفاقات مع مصر التي وقّعتها بريطانيا بالنيابة عنهم، ولم يرحّبوا بوجود المهندسين المصريين في يوغندا بعد استقلالها، ورأوا فيه انتقاصاً لسيادة يوغندا. وهذا هو من الأسباب الرئيسية التي دفعت يوغندا للتوقيع على اتفاقية عنتبي لحوض النيل في 14 مايو عام 2010. ويُتوقّع أن تكون يوغندا الدولة الثانية التي ستصادق على الاتفاقية بعد إثيوبيا التي صادقت عليها في 13 يونيو عام 2013.
    8
    ازدادت احتياجات يوغندا من الطاقة الكهربائية بازدياد السكان والهجرة إلى المدن وبقيام بعض الصناعات الخفيفة. وقامت يوغندا ببناء مشروع طاقة كهربائي ثاني في عام 1993 هو امتدادٌ للمشروع الأول. وقد تضمّن هذا المشروع شقّ قناة من بحيرة فكتوريا إلى موقع محطة الكهرباء الجديدة على نيل فكتوريا. اكتمل المشروع عام 1999 وبدأ فى توليد 80 ميقاواط من الطاقة الكهربائية عام 2000. وقد سُمّي هذا المشروع بـ "محطّة كيرا للطاقة الكهربائية."
    انتقلت يوغندا بعد ذلك للعمل في مشروع بوجاغالي للطاقة الكهربائية. ويتكوّن هذا المشروع من سدٍ ارتفاعه ثلاثين متراً على نيل فكتوريا ومحطة لتوليد الطاقة. ويقع المشروع على بعد 15 كيلومتر من محطتي نالوبالي وكيرا. وفى عام 2007 نجحت يوغندا فى الحصول على التمويل اللازم بعد دراسة مكثّفة للتأثيرات البيئية ووضع خطّة متكاملة لدرء التأثيرات السلبية الناجمة عن المشروع.
    وقد أوضحت وثائق المشروع التى أمدّت بها يوغندا دول حوض النيل الأخرى أن المشروع سوف يستعمل نفس المياه التى يستعملها مشروعا نالوبالي وكيرا، ولن يستعمل أى مياهٍ إضافية لتوليد الطاقة الكهربائية، ولن يقوم بتخزينٍ دائمٍ المياه. ولم تُبدِ أيٌ من دول حوض النيل اعتراضاً أو تحفّظاً على المشروع. اكتمل المشروع عام 2012 ويولّد 200 ميقاواط من الكهرباء.
    9
    تُجري يوغندا حالياً مجموعة من الدراسات لمشاريع جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية من مياه النيل. وقد اكتملت الدراسة الخاصة بمشروع كارُوما للطاقة الكهربائية عام 2012. وهذا مشروعٌ كبير يقع على نيل فكتوريا. وقد قام الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني في يوم الاثنين 12 أغسطس عام 2013 بقصِّ الشريط التقليدي إيذاناً ببدء العمل في سدِّ كارُوما. ويُتوقّع أن يُولّد المشروع 600 ميقاواط من الكهرباء عند اكتماله عام 2017. وبهذا يصبح سد كارُوما أكبر مشروعٍ لتوليد الطاقة الكهربائية في يوغندا حتى الآن، بتكلفةٍ قدرها 1,4 مليار دولار. وقد وافق بنك التجارة الخارجية الصيني على تمويل مكوّن النقد الأجنبي للمشروع، والبالغ حوالى نصف التكلفة الإجمالية، بقرضٍ ميسّر. وتقوم الشركة الصينية "ساينو للطاقة الكهربائية" ببناء السد وتركيب وتشغيل الأعمال الهندسية. عليه فإن جمهورية الصين الشعبية ستقوم بعمليتي التمويل والبناء.
    ويُتوقّع أن تبيع يوغندا بعض هذه الطاقة إلى كينيا لتسديد ديونها من المشروع إلى بنك التجارية الخارجية الصيني. كما أن اكتشاف كمياتٍ من النفط في يوغندا قد فتح شهيّة جمهورية الصين لدخول سوق السدود اليوغندية والمساهمة في بنائها وتمويلها. وتشمل الدراسات اليوغندية أيضاً سدّي إيسمبا وكالاغالا الكبيرين على نيل فكتوريا.
    10
    غير أنه لا بُدّ من توضيح أن هذه السدود لن تسبّب أي أضرارٍ للسودان ومصر وذلك لسببين:
    أولاً: إن مستنقعات جنوب السودان تمثّل حاجزاً ضخماً لانسياب مياه النيل الأبيض، وتنظّم وتحدّد هذه المستنقعات كميات المياه التي ستنساب عبرها إلى شمال السودان ومصر بصرف النظر عن كمية المياه في النيل الأبيض. وقد أوضحت عدّة دراسات أن استعمال دول البحيرات الاستوائية لعشرة مليار متر مكعب من مياه النيل الأبيض (وهذا رقمٌ عالٍ ولن تستطيع هذه الدول استعماله لسنواتٍ طويلةٍ آتية) لن يتجاوز تأثيره على السودان ومصر مليار متر مكعب واحد. ويعود السبب في ذلك إلى مستنقعات جنوب السودان التي تحجز وتقرّر كميّة المياه التي ستنساب عبرها إلى شمال السودان ومصر. عليه فليس هناك أضرارٌ ذات شأن على السودان ومصر من هذه المشاريع. وإذا كنا نتخوّف من فقدان هذا المليار من مياه النيل الأبيض فعلينا أن نتذكر أن التبخّر في خزان جبل أولياء وحده يستهلك مليارين ونصف مليار متر مكعب سنوياً، علماً بأن هذا سدٌّ قد انتفت أسباب وجوده بعد قيام السد العالي. كما أن التبخر في بحيرة السد العالي يستهلك أكثر من عشرة مليار متر مكعب سنوياً.
    ثانياً: رغم ما ذكرنا أعلاه من دور مستنقعات جنوب السودان في تحديد كميات المياه المنسابة في النيل الأبيض، فلا بُدّ من إضافة أن هذه السدود اليوغندية لن تُخزّن أي مياهٍ بصفةٍ دائمة. فهذه السدود بُنيت أو ستُبنى على مجموعة الشلالات التى تقع فى نيل فكتوريا. وتقوم هذه السدود بتوليد الطاقة الكهربائية من اندفاع المياه عبر هذه الشلالات بدون الحاجة إلى تخزينٍ دائمٍ للمياه كما يحدث في سدود السودان ومصر. بل إن مشروع سد كارُوما سوف يستعمل نفس المياه التى تستعملها مشاريع نالوبالي وكيرا وبوجاغالي، ولن يستعمل أي مياهٍ إضافية لتوليد الطاقة الكهربائية.
    11
    عليه فإن سدود يوغندا، بما فيها سد كارُوما الكبير، مثل سدود إثيوبيا، بما فيها سد النهضة العظيم، لن تسبّب أي أضرار للسودان. لقد استيقظت دول حوض النيل الأخرى على حقوقها في مياه النيل، واستخدامها في التنمية وفي محاربة الفقر والجوع والعطش والظلام، مثلما فعلت مصر والسودان تماماً. وقد صار هذا الهدف أقرب للتحقيق بعد أن أصبح لدى دول منبع النيل ما تستطيع أن تجذب به الممولين الدوليين (خصوصاً جمهورية الصين الشعبية) من نفطٍ وغازٍ وموارد طبيعية أخرى، يمكن استعمالها كضمانةٍ لسداد قروض بناء هذه السدود.
    إن على السودان ومصر الترحيب بهذه السدود والتعاون مع إثيوبيا ويوغندا لإكمالها والاستفادة من منافعها وتجربتها. كما عليهما فتح صفحةٍ جديدة لعلاقاتٍ تقوم على الاعتراف بحقوق هذه الدول والتعامل والتعاون معها بحسن نية ونديّة للاستفادة من مياه النيل لمصلحة شعوبها، مثلما فعلت مصر والسودان. وعليهما أيضاً إغلاق ملف اتفاقيات عام 1902، وعام 1929، وعام 1959 التي تجاوزتها المشاريع والأحداث وعفا عليها الزمن، والانضمام إلى اتفاقية عنتبي لحوض النيل. فهذه الاتفاقية مبنيةٌ على مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول وليس بها محاصصة لأي دولة. كما أن احتياجات دول المنبع محدودة، ولن تكون لمشاريعها تأثيرات سلبية على مصر والسودان كما أوضحنا في هذا المقال.
    وتُنشئ اتفاقية عنتبي مفوضيةً شاملةً لكل دول الحوض، تتمَّ من خلالها حماية وإدارة النهر والمشاركة في الانتفاع منه بصورةٍ جماعيةٍ ومتّسقةٍ وبروحٍ تعاونية. وستساهم هذه الروح التعاونية، دون شك، في انتشال شعوب حوض النيل من الجوع والعطش والظلام والفقر الذي يرزخ تحته غالبية سكان الحوض في دول النيل الإحدى عشر، والذين يزدادون عدداً وبؤساً كل يوم.
    [email protected]
    www.salmanmasalman.org
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de