|
تحصلون على لبن الطير ولا تحصلون على حوار ! على حمد ابراهيم
|
فى السودان ينفرد السيد الصادق المهدى ، زعيم طائفة الانصار ، ورئيس حزب الامة ، أكبر الاحزاب السودانية، ينفرد بخاصية الصبر على تجاوزات نظام الحكم القائم فى السودان منذ ربع قرن من الزمن ، والذى جاء الى السلطة بإنقلاب عسكرى ضد السيد المهدى شخصيا فى صبح يوم الجمعة ، الثلاثين من يونيو 1989 . وبالرغم من زجه فى السجن مرات عديدة ، ومصادرة ممتلكاته وممتلكات حزبه دوره ومركباته وارصدته ، وبالرغم من الحملات الاعلامية القاسية و الاهانات التى ركزت ضد السيد المهدى ، إلا أن السيد المهدى أظهر صبرا وتمسكا بروح التسامح حيال النظام بصورة لم يتفهما حتى اقرب الاقربين اليه من قيادات حزبه و كبار معاونيه الحزبيين ، وجعلت بعض جماهير حزبه تخرح عن طورها فى حالات كثيرة و تضيق قلوبها التى فى الصدور و هو سلوك نادر فى تعامل جماهير الانصار مع زعاماتها الروحية ، إلا أن تلك الجماهير الانصارية الغاضبة وجدت نفسها أنها ما عادت قادرة على تفهم وفهم سلوكيات التسامح المفرط الذى يسير عليه زعيمها الروحى ، فجاهرت بالهتاف والصراخ فى وجهه واصفة النظام بالشيطان ، وذلك التسامح تفريطا وتماهيا لا يليق مع نظام مزق حزبها شذر مزر . الامام المهدى ، من جانبه ، لم يتفهم ثورة جماهيره ، ورد عليها بغضب غير مسبوق بجملة حادة نالت نصيبا من الاشتهار والسخرية " الماعاجبو الباب يفوت جمل " .ردة فعل من هذا النوع عادة لا يذهب اليها السياسيون فى التعامل مع جماهيرهم لأنهم يدركون ان الجماهير تستطيع اصدار احكاما سرسعة النفاذ دون انتظار . ولكن الامام ذهب فى ذلكم الشوط بانفعال شديد ونادر لماعرف عن الرجل من سعة فى الصدر وعفة فى اللسان . أثناء وجوده فى السجن اصدر المكتب السياسى لحزب الأمة قرارات سياسية حادة احتجاجا على الاعتقال غير المبرر منها الانسحاب من الحوار مع النظام ، والعودة الى ممارسة نشاطه فى منظومة المعارضة المسماة قوى الاجماع الوطنى . واعلان التعبئة الجماهيرية وسط انصاره فى العاصمة والاقاليم استعداد ا للاشتراك فى أى حراك شعبى ثورى يستهدف النظام . كثير من المراقبين اخذوا قرارات المكتب السياسى بشئ من الحذر . ولفتوا الى أن التسامح وطيب الخاطر هى مترادفات متجذرة فى روح ووجدان امام الانصار بصورة لا يمكن ان تعلو عليها ردات فعل غاضبة وقتية بمثل ما يعتور السلوكيات الشعبية فى الشارع العريض . وبالفعل لم تخب تقديرات اؤلئك المراقبين . أول ما نطق به (امام الصابرين) هو قوله ان الحرب هى البديل للحوار . وهو لا يريد الحرب . لم يستنكف الامام من أن يسأله سائل متى توقفت الحرب . ولم يبد السيد الامام أى قدر من الغضب او الاحتجاج ضد الحكومة حين دمغه برلمانها بالخيانة والعمالة للخارج والاساءة الى القوات المسلحة . رغم أنه ان كان من اساءة للقوات المسلحة فهى التى وجهها لها العميد حميدتى ، قائد مليشيا الجنجويد التاريخية التى غير اسمها الى قوات الدعم السريع الذى قال مخاطبا جنوده المتفلتين ان الحكومة ما (عندها جيش . ولما تعمل ليها جيش تجى تتكلم معانا !) ليس اعنف ولا ابلغ من هكذا اساءة من العميد حميدتى القائد الميدانى لمليشيا الجنجويد وليس من امام الانصار . اما عندما يقول العميد حميدتى بلغته الدارجة : ( الحكومة دى بلفها عندنا ، نقول اقبضوا الصادق المهدى ينقبض الصادق المهدى ، زول ما بحارب ما عندو كلام ، عندما يقول السيد حميدتى هذا الكلام الفكه يكون قد جاب الحكاية من الآخر : زول ما بحارب ما عندو كلام . صحيح ما قال المدعو حميدتى ، فقد ظل يحارب اهل دارفور العزل و يقتلهم و يحرق قراهم خلال عقد كامل من الزمن . وبدلا من جلبه الى ساحات العدالة الدولية ، جرت محاولة من قبل وزارة الخارجية لتسويقه فى شكل مؤتمر صحفى . ولكن ليست كل الدول نعسانة سياسيا . فقد منعت الدول سفراءها من الاجتماع بهذا الآدمى الخفيف _ تحسبو لعب !
|
|
|
|
|
|