ماذا قالت الغيمة للعشب- قصة قصيرة – يحي الحسن الطاهر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 12:41 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-18-2012, 10:58 AM

Yahia Elhassan
<aYahia Elhassan
تاريخ التسجيل: 06-13-2011
مجموع المشاركات: 57

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ماذا قالت الغيمة للعشب- قصة قصيرة – يحي الحسن الطاهر

    لم تكن هذه الحادثة الأولي التي أجد فيها شقيقتي تبكي في صمت وحرقة في ظلام غرفتها المجوف كقاع بئر عميقة، ولكن ما شد انتباهي أكثر في هذه المرة هو ما كانت تحمله في يدها الصغيرة وتحدق إليه متحدية كل قوانين انعكاس الضوء وما يقال عن إننا لا نستطيع أن نرى إلا إذا كان هناك ثمة ضوء كاف ينعكس من ما نود رؤيته..وهو أمر لم تثبت صحته بعد كما تعلمون ، لايهم ، سألتها في دهشة:
    كيف ترين في الظلام ؟ يمكنك أن تشعلي المصباح..متواطئا كنت في تكاسل ذهني مع ما يعتقده الجميع ، ومتصامما عن كل لجاجات ما يستبصره العارفون بشأن خداع حواسنا وزيف معرفتها المشروطة بما نتعلق به من أوهام.
    قالت وكأنها ذعرت من دخولي المفاجئ الى الغرفة الذي يبدو إنها لم تلاحظه لاستغراقها العميق فيما كانت تحدق فيه بدهشة وغرابة :
    لا ليس هذا مهما ..ثم حاولت إخفاء ما بدا لي إنها صورة فوتوغرافية لشخص ما لم أتبين ملامحه جيدا ..
    ليس مهما ..غمغمت في شعور غريب بعدم التصديق لكوني رأيتها بوضوح وهي تخفي يدها وراء ظهرها في خوف راعش ، تتبلور غماماته بشكل أثيري حول وجنتيها ..
    نعم ليس مهما ..ويمكنني حتى أن أريك إياه ..أنظر..ثم مدت يدها وهي تحدق في بعينين مستطلعين..كنت أرى انعكاس شغفها بقراءة ما سيجول بخاطري وأنا أتأمل الصورة التي كانت تقطع المسافة بين يدها ويدي ، وفي ذات الوقت – كما علمت فيما بعد- تقطع المسافة بين ما كنت أستسره من مخاوف عميقة وبين انفجار هذه المخاوف هكذا دفعة واحدة كانبجاس عطر منسي ما لأنثى تقبع في قيعان ذاكرتي وأوديتها السحيقة ، تلك الأنثى التي كتبت لي ذاتغسق ما:
    أحسك أبني..أود أن أهدهدك على صدري وأحكي لك حتى تنام ..ترى أين هي الآن ؟ وهل مازلت أنا صغيرها ذاك ،..رأيتها تتسلل عبر شقوق ذاكرتي وهي تتلوى في الطريق موال عطر عنيف الى مقعدها الأثير في تلك الحديقة التي كنا نتخالس فيها الهوى ، ورأيتني ممسكا بيدها مغمضا عيناي في تبتل لا يعرفه سوى النفري ، وقد ضاقت عبارته حين اتسعت رؤاه ، كنت في ذات الوقت أتشمم عبقها ، أتسمع وجيب قلبها الخافت ، كنت مصغ بشكل كلي في تلك اللحظة ، كأني أدشن بحضورها ميلادا لحواسي جميعها كي تقتنص كل عبق ذاك الحضور وتمتصه: عطرا، صمتا وصوتا وكانت دنان أنوثتها الرائعة التسكاب تهاطل على جديب قلبي كل بهاء حنانها الدفاق الذي –للحق – كنت أغار من ذلك الفراغ البهيج الذي يلف كينونتها –زمانا ومكانا – أن يحتويه بدلا عني ، كنت أحاول امتصاص كينونتها جميعا ، وكانت شفتاي تتنزهان في حبور على كل مسام جسدها الرشيق ، ترى أين هي الآن ؟
    هل عرفته؟ أتاني صوت شقيقتي كأنشوطة بديعة تعلقت بها متسلقا تلك الحواف المدببة للزمن عبر ثلاثين عاما الى حيث أنا الآن واقفا بغرفة شقيقتي ...عرفت من؟ نظرت إلي في حيرة عميقة ..أين كنت ، ومن أين أتيت بكل هذا الغبار الذي يعلق بملابسك؟ ألم تدخل قبل قليل وأنت –كما العادة في كامل أناقتك ؟ ولماذا تبدو مجهدا هكذا قلت : دعيني الآن ، واخبريني ماذا كنت تقولين ، ثم في موجة تذكر غامرة رأيتني وأنا أمعن النظر في دهشة الى صورته بين يدي..وسمعتني أقول:
    من أين أتيت بهذه الصورة ؟ لم أتذكر بعد ذلك أي شيء آخر، غير إني وجدتني مضجعا على سرير أبيض وحولي الكثير من الناس، أذكر بينهم بعض الأصدقاء الذين خفوا لزيارتي بعد أن أخبرتهم شقيقتي بما حدث:
    لا أدري تماما كيف حدث كل هذا، فقد كان معي بالغرفة نتحادث حول صورة لشخص غريب أتاني هذا الصباح يسألني عن شقيقي وما إذا كان موجودا أم لا وحين أخبرته بأنه خرج لشراء بعض الأشياء..أعطاني صورته وطلب مني إعطاءها لأخي حينما يعود ..وقال لي في لهجة حاسمة ولكنها ودودة في ذات الوقت:
    أخبريه باني ما عدت أحتمل كل هذا ، وبأن من الخير لكلانا أن نلتقي ونتفاهم حول بعض الأمور ، سألت الغريب:
    وهل يعرفك شقيقي؟ ويعرف كيف يتصل بك ..حدق في بسخرية مريرة ولم يقل شيئا وخرج..وحين أتى شقيقي حاولت إلهاءه بشتى الطرق حتى إنني أطفئت كل مصابيح الغرفة في إشارة الى رغبتي في النوم ، وكنت ما أزال أحدق في صورة ذلك الغريب ، حاول أخي مرارا أن يكتشف ما الذي ا أخفيه في يدي وتحت إلحاحه مددت اليه بالصورة ، حدق فيها مليا وأذكر انه سألني عن مصدرها وكيف أتت إلي ، لكنه فجأة سقط مغشيا عليه ، ثم حدث ما تعلمون جميعا من نقله الى المستشفى حيث هو الآن أمامكم.
    وكنت أرقب الجميع وهم يتحدثون ، واسمعهم بوضوح ، ولكني لم استطع قول أي شيء ، كنت أود أن أحكي لهم ما الذي جرى في تلك اللحظة قبل أن اسقط على الأرض ، وعنه ، أعني صاحب الصورة ، ولكني بذات السكون والعجز الكامل الذي حدثتني عنه جدتي ذات مساء وهي تحكي لي :
    هذا أمر معروف تماما ..الأموات جميعا يعرفون قبل وقت كاف ساعة موتهم بدقة شديدة، لكنهم لا يستطيعون إخبار أحد، عدا جدك،فقد كان رجلا صالحا ، وبركاته يتحدث عنها كل أهل القرية ، أتاني في المساء وجالسني وتحدثنا كثيرا عن كل شيء وعن لاشيء تقريبا ، ثم شرب الشاي بالحليب الذي كان يفضله في مثل ذلك الوقت ، وقال لي :
    يا أم الحسن أنا ذاهب الى بعض الأخوان ، أسدد ديون البعض ، وأستسمح بعض من أغضبتهم، ولا أدري يا ولدي لم انقبض قلبي في تلك اللحظة بصورة غريبة جدا لم أألفها من قبل ..كنت أشعر بأن شيئا ما ..رهيبا ومخيفا على وشك أن يحدث ..ويبدو إن جدك رأى مخاوفي تلك لأنه نظر إلي بعمق ومحبة ثم قال:
    لا عليك يا أم الحسن حين أحضر سأخبرك بكل شيء ..لا تحملي هما ..سأعود قريبا ..ثم خرج ..جلست بعدها طويلا أتساءل عن ما يحدث ، ناديت أمك ..وكنت أنت ما زلت صغيرا تحملك في تلك اللحظة ..ولعلها كانت تعطيك دواء فقد كنت كثير المرض..حضرت أمك بعد زمن ..قلت لها يا بنية ..ألا تعرفي ما يحدث لأبيك ؟ ألم يخبرك بشيء؟ أراه مهموما كثير الصمت في هذه الأيام وكأنه يخفي أمرا ما ..فزعت أمك وقالت ..والله لا أعلم حقا ولكني لاحظت ما تقولين ( كنت أنا في الثالثة من العمر حينها وقد سمعت كل حوارهما ولم أتعجب من أي شيء لأنني كنت أعرف بصورة واضحة إن جدي سوف يموت قريبا ..أخبرني بذلك صديقي الصغير الذي يأتيني دوما حينما أكون نائما وغالبا ما أستيقظ على رفرفة جناحيه وهو يحط على الصخرة التي تعودنا على الالتقاء بجانبها ويحكي لي عن أشياء كثيرة ستحدث ..ولكنه يلح علي أن لا أخبر بها أحدا أو سيكف هو عن إخباري بالمزيد..لذا حين سمعت جدتي تحادث أمي هممت باطلاعهما على ما أعرف ..لكني فضلت السكوت وقتها حتى لا أحرم نفسي تلك الغبطة الصغيرة بمعرفتي بكل شيء قبل أوانه ) قالت أمي : لعله قد أخبر هذا الصغير بشيء فهو دوما يحمله معه أينما يذهب ، وحتى انه في بعض الليالي يأتي ويأخذه من سريره بغرفتي ويخبرني : أريده أن ينام معي الليلة ..لا عليك سأعتني به جيدا ..كنت حينها اشعر بسرور بالغ لأنه في تلك اللحظات فقط . وحينما يلف سكون الليل بعباءاته الثقيلة كل أركان المنزل يهبط صديقي الصغير ونلعب سويا مع جدي ويعطينا الكثير من الحلوى ..لا يأتيني في النوم كما يفعل دوما حينما لا أنام مع جدي في غرفته بل يأتي فعلا وغالبا ما لا ينام ثلاثتنا حينها ..يظل يحكي لنا أشياء كثيرة جدا بعضها عن أماكن وبشر لا اعرفهم حتى ، وعن أحداث سعيدة وأخرى حزينة ..
    قالت شقيقتي وهي تخاطبني:
    مالك صامتا ؟ هل تحس بألم ما ؟ هل تحتاج الى أي شيء ؟ هل أحضر لك كوبا من الماء؟
    أومأت برأسي موافقا ..وكان أحد أصدقائي جالسا بجانبي على طرف السرير وهو يمسك بمودة واضحة يدي ويربت عليها في مؤاساة عميقة وكان هناك فيما اذكر جوا عميقا من التعاطف ، أعانني كثيرا حينما انصرف الجميع وتركوني وحيدا أرقب الليل وهو يهاطل أحزانه على روحي ..وفي استدعاء كثيف لذاكرة ما قبل دخولي الى المستشفى.....................( البقية تأتي)

    قصة قصيرة
                  

12-18-2012, 01:03 PM

Mandingoo
<aMandingoo
تاريخ التسجيل: 09-28-2002
مجموع المشاركات: 2316

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ماذا قالت الغيمة للعشب- قصة قصيرة – يحي الحسن الطاهر (Re: Yahia Elhassan)

    في انتظار البقية على أحر من الجمر

    يا أديب يا مبدع

    أخوك

    عمر حسن غلام الله
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de