شارع أفريقيا (ذيله تراب، وظلام، وصدره بلاط، ورأسه زهور، وأنوار)!!...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 12:09 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-13-2012, 10:41 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
شارع أفريقيا (ذيله تراب، وظلام، وصدره بلاط، ورأسه زهور، وأنوار)!!...

    ....


    إلى حبيبتي عزة


    (شارع أفريقيا)!!
    وله من الجبة ألوان حديقة

    (الجزء الأول)



    بقلم عبد الغني كرم الله
    [email protected]

    sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan175.jpg Hosting at Sudaneseonline.com




    عزة السمراء..
    صبح متعدد المواهب، كبنيك، أجمعين..

    أحكي لك اليوم عن شارع، من شوارع مدينتك الخرطوم، شريان أسود، يجري في عروقك السمراء، حكى الناس عن أمدرمان، حد الإسراف، ولم أر إسرافا مباركا، سوى ذلك، لم يعشق بني أمدر مدينتهم بهذا الوله؟، حتى أنهم أصدروا مجلة باسم (وشل)، وهو اسم أطلق عليها قبيل المهدية، ناهيك عن مجنون امدرمان (على المك)، كان يوقر روحها المبثوثة في أركان البيوت، والزرايب، حتى خيرانها، ذوات الحصى الأملس، يراها نحر أسمر، لامرأة حالمة، أما أنشودة (حكاوي امدرمان)، للمتيم بأحياء المدينة، وظرفائها، ومقالبها، بل وجرائمها، السيد شوقي بدري، (فقد أحبها، وأحبته، ويحب ناقتها بعيره)، و جعله حبه الأصيل لها، من كل رجال ونساء امدر أبطالا، "ولم يفارق الحق"، ورغم نداءات الباعة في سوقها القديم، فقد تعالت بيانات الإمام المهدي، وخليفته، والتي يتلوها رجال شرطته، وبيده صوت عنج، بصياح أعلى من صوت الباعة (لا لخروج المرأة سافرة، ولا لخروج الجواري الجميلات)، كي تروض المدينة، وهيهات، فيالها من مدينة عشقت حد التطرف، وبغضت حد العتاب (وما البغض سوى حب أصيل لتبرئتها من العيب)، كما جرت معلقة الواثق (امدرمان تحتضر)، وكذا نقد دكتور النور حمد الطيب الموزون لها في كتابة البديع (مهارب المبدعين)، وبأنها (مدينة عادية، بل جافة، وصخرية، لها عشاقها الكبار)، كما جرى حب نفر عزيز، لجمعياتها الادبية، (الابرفيون، وأضرابهم)، ومن سلك دربهم في بيوت عتيقة، احبت الأدب والفن والسياسة، بصدق أقرب للرسل، من السياسة المبتذلة، الكيدية، وللحق لم يحب الرجال المدن؟ ولم بكى المعصوم عليه السلام، جواره أبي بكر يكفكف دمعه، وهم يذكرون شعاب مكة ومراتع الطفولة، ولم أصر يوليس تحدى الاعاصير والعفاريت، وجبال الموج كي يرى ولو دخان يتصاعد من أثينا؟ المدينة مكان، والجسد مكان (العين والانف والراس والقلب النابض تقع في مدينة الجسد)، والمدن أليست جسد حي،نابض؟..ألا يذكرنا ايقاع نعل بشارع ما؟ وتلك الرائحة ألم تجري بك لعقود خلت في شارع النيل، أو حفل بسيط، أو حتى مأتم ما؟..

    ولكني سأحكي عن الخرطوم، عن شارع طويل يشقها، ذيله تراب، وظلام، وصدره بلاط، ورأسه زهور، وصلبان، وأنوار
    ..


    (1)


    عزة الصابرة..

    سأحكي لك عن 21 كيلو متر، هي طول روح هذا الشارع، (شارع أفريقيا)، ويالتعاسته، وهو بهذا القامة الطويلة،النحيفة، لم يجد في سهول السودان الواسعة، سوى مدينة الخرطوم مرقدا له، لو اتكأ، وهو بهذا الطول في وهاد بلادي، أو بين جبال البحر، أو الصحراء، عساه ينام من وعثاء الرحل فوقه سويعات، ولكن كتب القدر أن يرقد في مدينة لاتنام، ليلها، كنهارها، ولا ينقضي وطرها، أبد الدهر، ينام المارد العملاق ممددا من الشمال للجنوب، وعلى جنبيه تبدو الأحياء، والعمارات، والمقابر، وطلمبات البنزين، والأسواق صغيرة كالنمل، ومثل عملاق قصة رحلات جيلفر الشهيرة، العملاق الذي وجد نائما عند الشاطي، حين عثر عليه الأقزام، حتى أنهم لم يجدوا كوبا يشرب به، سوى براميل الحي كلها.

    يتكي غرب المطار، يحن للراحة، ولو لحظة واحدة، كي يغفو من هم عظيم، حمله طوال عقود، ومن حيوات وغرائب جرت على ظهره الأسود، والأسمر، فعلى جنبيه أقيمت عمارات، وحفرت مقابر، ورواكيب، وعلى ظهره جرت كل وسائل النقل في التاريخ، من الحمير، والجمال، وحتى الرقشة، والبرادو، ليتنا نصغي لحياته، ونتركه ينام، غفوة هنيئة، بعيدا عن بوق السيارات، وصراخ الباعة، وجرس الكنائس، وضغط نعل السيارات على ظهره الطويل، عله ينام ويحلم بسيارات في خفة الفلين، وأسورة مزينة بالزهر تطل عليه، وبحركة مرور تنساب صاعدة، ونازلة، كشهيق عروس هنيئة وزفيرها.. ليته، عساه يجتر ذكرياته الغريبة ..

    (2)

    يتكئ رأسه عند سور مقابر المسيحيين، وتلك الصلبان الأسمنتية، التي تحكي آلام صلب المسيح، تلقي ظلالها الصباحية عليه، كأنها تشعر بأنه مصلوب مثلها على ظهر الأرض، أحسه يسمع نحيب عشرات الأهل عند الدفن، ثم سمع ضحكهم بعد حين، ثم غناؤهم بعد أشهر، فتعجب من حال الإنسان والموت والنسيان، فما أعجب حياة الشارع، فكم حمل على ظهره من هموم وغم ودواب وسيارات وشاحنات، ومشاة، ومسيرات، وكم أريقت على ظهر من دماء شباب، وأطفال وكهول، وكم من زهور رميت على ظهره الأملس الأسود، ومخلفات زجاج، أحس يعجب من حياة بني آدم، كما تعجب فرويد، وماركس، ويونج، والجيلاني (لم أظهر في شئ، كظهوري في الإنسان)...

    ينحني بعيد نادي الضباط، أحس بمعاناته، كأنه يتلوى من ألم، أو عشق (الله وحده يعلم)، ثم يضرب جنوبا، عسى يجد هدوءا ألطف من وسط المدينة، فيضع يديه، شرق العمارات، وقبالة مسجد القبة، فيسمع بتأني خرير ماء الوضوء يجري تحته، (لم تغسل الجوارح عند كل صلاة؟ اليد، واللسان والأنف، والأرجل)، كأنه يتعجب مثلنا، أيطالعه حديث المعصوم (وهل يكب الناس في النار إلا حصاد ألسنتهم)، (والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده)، ألهذا تغسل الجوارح خمس مرات قبيل كل صلاة؟، كأن قلبه يوسوس له بأكثر من هذا، ثم يضع الشارع صدره بين ضجة المطار، ونادي الضباط، وعند حوضه يسمع لغط الباعة عند عفراء، وضجة الرقص في قاعة الفردوس، وركبتيه بين المدينة الرياضية، والسوق المركزي، وقدميه الطويلة، المعفرة بالتراب تمتد بين الإنقاذ والأزهري، حتى يضع قدمه المتعبة عند عد حسين ومايو، وتغيب أصابعة النحيفة، المغبرة في الغابات الجنوبية، في خلاء مظلم، شارع يحكي قصة مدينة، ودولة...

    شارع يدخل المدينة كشهيق، شهيق القرى والضواحي، ويخرجهم كزفير حار، متعبين، حيارى، بعد أن قضوا للمدينة وطرها، ينامون قبل أن يصلو بيوتهم، ورواكيبهم، فيسمع الشارع نبض قلوبهم، وأحلامهم، كأنه سرير أسود، طويل، ينام عليه التعابى، تعب في حافلات مايو، والانقاد، والأزهري، الساعات الطوال، كي ترتاح ركبها من وعثاء التجوال في طرق الخرطوم المزدحمة، الناس تملا الشوارع، وليس المكاتب، أو حتى المصانع أو الحقول البعيدة، كلحية برنادشو، وصعلته، حين مسك حليته، وقال (غزارة في الإنتاج)، ثم لمس صلعته اللامعة كبلي الاطفال في حي الأزهري والانقاد، وقال (وسوء في التوزيع)....

    (3)

    أوله عمارات، وخضرة، وزهور، وبلاط، وسفارات، وذيلة طين، وحمير، يمر الشارع على المطار، ويعبره كل المسافرين، والمرضى والسفراء، وتسعى في نهايته الحمير، ومعاز، وأبقار عجفاء، كأنه تاريخ بلد، عبر حقب طويلة، وليس شارع واحد، تختلف الحياة فيه، من كيلو متر لآخر، كأن حقب بل قرون كاملة، تمر فوقه في يوم واحد، فهناك من يركب حماره ويجري على ظهره المترب، عند عجز الشارع، وإلى من يمتطي بي ام دبليو، ويتهادى في صدره، له من الجبة ألوان حديقة..

    (4)

    الآن مرت به سيارة تحمل عرسان في طريقهم لاسمراء، عبر المطار، وقربها عربة تنقل مريض يحتضر، وقربهم حافلة في طريقها لمباراة حبي العرب والمريخ، وسيارة برادو لفتى في طريقه لحفل، وعربة شرطة تحمل مساجين، حكم عليهم بالإعدام، وامرأة نائمة في حافلة مايو، أنهكها طول العمل، وطول الطريق لمايو، تلك هي الحكايات التي تعرفها، فينقبض قلبك، ويفرح، ويسر في ذات الوقت، ومع هذا تكتم سرك، متوحدا مع آلامك، وكأنك أخرس، أصم، أعمى؟ متى تبوح لنا بما يعتريك؟ وتحكي لنا حكاية يوم واحد، متى، حتى ندرك ما يجري حولنا، (ويمسنا ما نمسهم)، ألم يقل عمر لأبنه (كيف يعنيني حال رعية، إذا لم يمسني ما يمسهم)، ليتنا ندرك ما يمسك، ويجرى فوقك، حًٍتى نشعر بأحزانك، ونتطلف معك، ونهدئ روعك، فأنت نهر حزن، أحيانا، ونهر فرح حين آخر، ونتعاطف معك، ونرق حالك، ليتنا نعرف لغتك، ...

    ***

    شارع قصة، قبالة نادي التنس، ومن باب مطعم مؤمن الزجاجي، يخرج نادل أسمر، يسعى الحبشي النحيل، كي يدلق في سلة الأوساخ بقايا سندوتش، يكاد لم يقضم، وعصير برتقال رشف ثلثه، رماها من بعد، برشاقة لاعب سلة، فرقدت في قعر السلة، وفي المدرسة الابتدائية، التي تقع عليك أيضا، في نهاية ذيلك، رن جرس نهاية حصة الإفطار، وعشة، وكلتوم، وحفصة، دخلوا الفصل جوعى، صيام قسري، في غير رمضان، لضيق ذات اليد، أين العدل؟ بات شبعان وجاره جائع، ألهذا تصيب الهلاوس النيام؟ قصاصا لنوم بطن متخمة، وهي تعلم عضة الجوع، عند الجار، في شارع واحد، طويل كحزن بلادي..

    (5)

    سوق عفراء، وسوق ستة تفتح عليه، (كل فوله ولها كيالها)، بضائع تعرض داخل زجاج يلمع كخد عروس، وهناك على تراب الأرض تعرض الخضروات والفواكه، ترن فوقها وتزن سرب من الذباب، وملابس كأنها أميرة تنام داخل الفترينات الزجاجية، وفي جو بارد بالمكيفات، وأناس تحت كبد الظهيرة، والشمس يجلسون القرفصاء، وأمامهم شوالات خيش عليها بقايا سقط متاع، صواميل، علب صلصة، وفتايل، حين يرفعها الشاري، تتعجب من انطماس بصيرتك، (فكل الأشياء لها قيمة، وأن بدت لك سقط متاع)، صحن مكسور اشترته امرأة، ومضت سعيدة، وكأنها ملكت الدنيا بحذافيرها، كل قلب له موازينه، والكفه ترجح حسب الثقل في القلب، وليس في المادة الموزونة، ما أعجبك ايها الشارع الطويل، الغريب، الحزين، أحكي لنا عنك، فالزمان طويل، مثلك، أحكي علنا نعتظ، فنحن كالنخلة الحمقاء، فصلنا ظلنا على جسدنا، فلا علم لنا بما يجري حولنا..

    (6)

    بربك، أيها الشارع الحكيم قل لي، بمادا تحس الآن، وأنا أرى عملية قلب مفتوح لرجل قرب كمبيوترمان الآن، وارى عرس هناك في كزام، وأرى مسيحي يوارى التراب عند رأسك، بأي عاطفة يمور قلبك الآن؟ تبكي بعين، وتفرح بأخرى، وتغمض ثالثه؟ أم لا تعجل بعجلة أحدنا، نسيج وحدك؟ نهر لا يبالي بما يجري على جنبيه؟ كنهر توضأ من مائه يهودي أو مسيحي أو ملحد، يسقى شجر السيال والسدر، والزهر، والحنظل، بحياد غريب، كأنه متفرج فقط، يتفرج على عجائب الحياة، حتى العربات المسرعة على ظهرك لا تبالي بها، عجلة تشئ بجهل، سيارات خائفة من فوات الوقت؟ وقد تفوت حياته كلها بسبب العجلة، أين الحكمة، حدثهم عن الحوادث التي لطخت ترابك، وظهرك الأسود، علهم يتعظون، (سر ببطء، كي تصل بسرعة)، أحكي لهم جهل السرعة، وسرعة الجهل، فالشباب يموتون كل يوم على جنبيك، أكثر من موتهم في الحرب، السرعة ضعف يقين، أليس كذلك؟ حدثني عن فضائل السرعة المقبولة، وعن تأمل جنبيك بمهل، كرحلة داخل مدينة، أيها الشارع الغريب أنت ملئ بالغرائب، فليتريث هولاء الحمقى، (نظري عبرة، ونطقي ذكرا، وصمتي فكرا)، فما أكثر العبر في كل شبر فيك، وما أطولك، أحكي لهم عن البيوت التي تشقها (والبيوت أسرار)، أحكي لهم عن المطار؟ فالحافلة التي تسعى من مايو الآن، في طريقها للخرطوم، أنظر إلى النافدة الشرقية، هناك فتاة تحدق في الطائرة وهي تهبط في مطار الخرطوم، أتعلم الفتاة بأن فيها جثمان رجل عاش في الغربة عمره كله، ويقبر بالوطن (حتى الموتى يحنون للوطن)، وهل يعلم الفتى في الطائرة، بأن هذه الفتاة ستكون زوجته بعد أربع أشهر، حين توشك اجازته على الأنتهاء، (أنظر حولك بجهل، فما هي سوى ظنون نعرفها، عما يحيط بنا),,..

    ***

    عمارت تحد من الخيال، ولا مسارح على جنبيه، أو دور موسيقى، فقط جري النحل، والنمل، متى يتكئ مسرح وفكر على جنبيك؟ متى يسير الناس بدعه فيه، وحوله، وحولك، متى تتوفر الخدمات والمدراس، وكل أوطار الناس في الأحياء الشعبية، كي تنام، كي تغفو، فما أتعبك ياشارع أفريقيا..

    ***

    في المساء تولع الأنوار الساطعة عند رأسه وصدره، شمال المدينة وتغوص ساقيه، وقدميه في ظلام دامس جنوب المدينة، الله وحدة يعلم ما يمور على جنبي هدا الشارع الطويل، الغريب، من أحوال وأفعال، وأسرار..

    (7)

    لا أدري ما يدور بخلده، وهناك دور من أربع طوابق تفتح أبوابها عليه، وتعلو عتبتها عنده، وبيوت طين، وخيام، ورواكيب تلامس جنبيه هناك، غنى وفقر، تضحك جارحه منه، وتبكي أخرى، تنام رجليه مبكرا، ويسهر صدره، ويتكئ رأسه بعيد منتصف الليل، قرب المقابر، وكأنه يسمع همس الأرواح، ولكنه لا يحكي لنا، ويظل صدره يقظا بفعل الطائرات التي تقلع وتحط، طوال اليوم، وآلام الفراق تعصر القلوب، ودموع الفرح تبلل الشارع، (فالسفر ضربا من الموت)، كما يصغي حينا للحفلات التي تساهر به، وهو المتعب من حمل ألف سيارة وقاطرة، وشاحنة طوال اليوم، طوال العام، طوال الحقب، حفلات في نادي الضباط، والنوبي، والسوري، والالماني، فتيات حسان، يشم عطرهن، ويسمع ضرب ارجلهن، وهو يصغي في ذات الوقت للمارة، والشحادين في الاشارات، ولفتيان من اصقاع بلادي، يفترشونه للبيع، والعمل، له ألف أذن، لا يشغله شأن عن شأن، أنين المرضى في القلب المفتوح، والأهل بالخارج في أسى الأنتظار، (وكل شفيق بسوء ظن مولع)، يبدو الشارع حينا كنهر أسى، يربط أناس ودور ومبان أنهكها الدهر، مستشفيات، ومراكز صحية، والمطار وأحزان الرحيل، وبيوت خيم الفقر والجهل فيها، ويبدو حينا، نهر فرح، يدلق موج الفرح في قلوب العرسان في الصالات التي تطل عليه، والحدائق، والاسواق..

    (8)

    امرأة تقف امام صيدلية المك نمر، تطلب دواء لأبنتها المريضة بالبيت، تجد السعر غال، تخرج حزينة، وتحدق في السيارات المسرعة في الشارع، لا أحد يشعر بها (لمن أشكو همي، قصة تشكوف كأنها عنها)، دموع تملأ عينيها فترى الأشياء حولها كأنها تغرق في نهر دموع، تقطع الشارع غير آبة، رجل يدلق بوق سيارته عاليا، ويسبها، فتاة تمر قربها، يرن هاتفها (قاسي قلبك علي ليه)، يبتسم وجه الفتاه، وتتحدث بهمس جميل لحبيب بعيد، وتبكي ا الأم المكلومة، من الأغنية (قاسي قلبك علي ليه)، الله هو الشافي، فقد سمعتها بلحن آخر، عكس الفتاة العاشقة، وكل على ليلاه..

    ***


    من جامع "القبلة"، يسمع حلو الآذان، ومن كنيسة الشرق، يصغي لطيب إيقاع أجراس القداس، أحس فطن، محايد، أو متعجب كشيخ المعرة (في اللاذقية ضجة ما بين أحمد والمسيح، هدا بناقوس يدق، وداك بمئدنة يصيح، كل يمجد دينه، ياليت شعري ما الصحيح"، فك الله للمعري، ولشارع افريقيا كربتهما، وأراهم ما الصحيح...

    أهل الأزهري، والجريف وسوبا، واركويت والصحافة شرق والانقاد وعد حسين ومايو، يلتقون يوميا بلا تعارف، أخوة طريق عابر، المريض والعامل والحرامي يمضون معا، والشارع يسترهم جميعا، تتعرق مفاصلة من ثقل الشاحنات، والسيارات متى يكف بني آدم عن الترحال، ويقضي وطره، ويكف عن الحركة والسفر؟ متى؟ ويرتاح الشارع ولو سويعة، ينام صدره وعجزه ورجيله معا، متى؟..
    ***

    كم حزينة أشجار الشارع، ففي صلف قامت عمارات على جنبيه، طوال كليل الحزن، وحجبت الشمس عن الشجر، والباعة، بل عن الحياة بأسرها، وصار نهار الشارع أقصر من 4 ساعات، تبدو الشمس في الحادية عشرة وتغيب في الثالثة، أتلك سنة الحياة، حين جعلت النهار واليل متساوقه، كل من يسكن الشارع في تلكم المنطقة حرم من نعمة الغروب، وبركة الشروق، والشارع ينام تحت البيوت في ظلمة في وضح النهار..

    في الصبح تعبره ألف سيارة، وسيارة، قادمة من الجزيرة؟ هناك خطل ما، لم؟ شباب وفتيان، أولى بهن الحقول؟ من يرسم لبلادي غدها؟ من؟ تمتلئ شوارع الخرطوم منك، أنت النهر، وهي الجدوال، والآن منتصف الليل فتاة ترقص في عرس في النادي النوبي، ترقص على انغام زيدان، والشارع يصغي لها، ولألف عصفور في اشجار نبتت في سرته الطويلة، ويصغي لمريض بمستشفى القلب المفتوح، لا يشغله شأن عن شأن...

    عزة المباركة...
    لا يزال الحديث عنه ذو شجون، وسأحكي لك ما جرى على اطرافه، وجنبيه من أحداث وأحداث، واعتذر لك عن حلقة (وردي ومحجوب شريف)، لأسابيع أخر، لو مد الله في العمر والمدد، فإن الكتابة عن الشعراء تستوجب فهم ذواتهم، ولم يطيب لي أن أحوم حول الحمى، دون القلب، وهيهات لي، هيهات ..

    طبتي، وطابت حياتك، وحيات بنيك، أبد الدهر..


    عميق محبتي
    ابنك المخلص
    عبدالغني كرم الله
    حي الأزهري، جنوب الخرطوم
    أبريل 2012م


    .....
                  

05-11-2012, 10:59 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شارع أفريقيا (ذيله تراب، وظلام، وصدره بلاط، ورأسه زهور، وأنوار)!!. (Re: عبدالغني كرم الله)

    ملامح،
    أخرى من الشارع...


    في الطريق إلى قلب الخرطوم، من حي مايو.....


    تتوقف الحافلة، امرأة عجوز تتباطأ في الركوب، وأنت ستتابع فتاتين يقطعان الشارع " من هما؟ فيما يفكران، أنت بالنسبة لهن "عدم"، تحس بهوان، "نكره"، ماذا تريد؟، تخضع لك الفرسان، ياذو الفخار والجود، أن تكون شمسا؟ يعرفك الأنس، والجن، ورؤس الجبال، وبتلات عباد الشمس الصفراء؟، وما جدوى ذلك؟ النملة المجهولة، في عتمة جحرها، تتمتع بحياة وشعور، أمتع من تبلد الشمس الشهيرة، لا أحد يشعر بالمرأة المسنة، "الله"؟، يشعر بها، ويريد لها فوات الحافلة؟ غموض العقل القديم، يجعل العقل يتريث، أو يثور، أو لا يأبه، عشرون رجل يتدافرون في الباب؟ أنانية؟ حرص على الوصول في الوقت؟ فشل السياسة في توفير المواصلات؟ !!...

    اختفت الفاتين عبر منعطف شارع المستشفى، تحاول تمثل حالهما؟ تفشل كعادتك، (أحقا هما موجودات، أم توهم حدث)، لا تراهما الأن، بل مجرد ذكرى، ستمحى، مثل ألف الصور التي رأيتها، لم؟ وما أهمية ذلك، مجرد صور عابرة، أم ترجع مرة أخرى، وما جدوى ذلك... تسرح، بعيدا، والحافلة تمضي في طريقها المعلوم.

    حافلة فارغة تقف امام المرأة، ترفع قفتها وتركب.. تجلس على قرب النافدة، وتسرح بعيون طيبة حولها، كأنها جلست على عرش قصر، شعورها أعمق من دلك، ...

    وتمضي الحافلة،...




    يتبع..

    ,,,
                  

05-11-2012, 12:20 PM

سلمى الشيخ سلامة
<aسلمى الشيخ سلامة
تاريخ التسجيل: 12-14-2003
مجموع المشاركات: 10754

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شارع أفريقيا (ذيله تراب، وظلام، وصدره بلاط، ورأسه زهور، وأنوار)!!. (Re: عبدالغني كرم الله)

    شكرا لك اخى على هذه السياحة التعريفية بمكان لم اخبره فى حياتى
    فنحن اهل امدرمان نعرف حصاها وصخورها واحياءها وناسها
    شكرا لك عبد الغنى الجميل
                  

05-11-2012, 07:35 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شارع أفريقيا (ذيله تراب، وظلام، وصدره بلاط، ورأسه زهور، وأنوار)!!. (Re: سلمى الشيخ سلامة)

    العزيزة استادة سلمى الشيخ


    أجمل التحيات الليلية "الخرطوم هسي ليل"، وخاصة نحن أهل جنوب الخرطوم، الاحياء التي قامت في العشرين سنة الأخيرة، بعد فشل الدولة في تعمير الريف والهامش، فصارت احياء كبيرة جنوب الخرطوم الازهري، المجاهدين، المنصورة، وابو آدم، والاندلس، حتى حدود الجزيرة، وجبل اوليا..


    للحق الشارع طويل، وأمر به كثيرا، فقد لم لا أكتب عنه، وعن مشاعره، وأهله، وتناقضات ساكنية، وطول الشارع دليل على اخطاء المدن المكتظة، وليس في الشارع مسرح، أو سينماء (سوى عفراء المحروقة، والنخبوية في السعر)، ولا مكتبات عامة، ولا شئ يقرئي العقل، سوى زحم سيارات وفوضى مرور، رغم جماليات الشارع بالنسبة لشوارع أخرى..

    للحق الخرطوم اتسعت، وتستحق الكتابة، والتصوير والتأمل، والنقد...
    تسلمي، وبرضو مشغول بالكتابة عن سوق ضخم جنوب الخرطوم، وهو سوق مايو..

    عميق محبتي وتقديري استادة سلمى..

    اخوك كرم الله
    الازهري
    جنوب الخرطوم..


    ..
                  

05-11-2012, 07:55 PM

عماد الشبلي
<aعماد الشبلي
تاريخ التسجيل: 06-08-2008
مجموع المشاركات: 8645

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شارع أفريقيا (ذيله تراب، وظلام، وصدره بلاط، ورأسه زهور، وأنوار)!!. (Re: عبدالغني كرم الله)


    عبد الغني
    قلت في الاول اصلح ليك الصورة شوية وبعدين اقول ( مشتاقين )
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de