|
الموت عشقا في الطلح
|
الموت عشقا في الطلح
تواجدت شجرة الطلح بين أشجار الأبنوس, المهوقني, الهشاب و اللالوب مع تواجد اقل كثافة لأشجار السنط والباباي. تميزت شجرة الطلح عن هذه التوليفة المبللة بضحكات الخريف بلطافة ظلها وخفة أفرعها وهذا القوام الأهيف ( الفارع) ذو الملمس البض, وبها استطاعت شجرة الطلح في فترة وجيزة التحكم في اتجاهات ( الهبوب) والذي ما أن يصل عندها حتى يبقي دائرا حول نفسه مأخوذا بهذا الرحيق الربيعي النفاذ. كثيرا ما يقف هذا الهبوب متسمرا وهو يتأمل أفرع الطلح تتحرك في دلال وغنج لتحرك معها كل جحافل الاشتياق الهبوبي إلا أنه يقوم بقمعها سريعا أمام أصوات الاحتجاج الآتية من الأشجار الاخري وهي تطالبه بـ(الديمقراطية الهوائية). و المغرضين في المدينة أشاعوا أن الهبوب قد تخلي عن أصوله الهبوبية و فقد بوصلة الاتجاهات وأمتهن الركون إلي عواطفه. واتهمته اللالوبة صراحة أن أكل الملوخية عوضا عن ملاح الخضرة خيانة عظمي لكل المبادئ والقيم. أما أكثر أنواع النقد (المهبب) فقد جاءه من شجرة ( الدليب) والذي حلف أمام التبلدية بكل كتب الجغرافيا أن الهبوب مخترق وعميل. ولأن التبلدية تعلم جيدا سمعة شجرة الدليب لم تعر اهتماما لهذا الاتهام الدليب. كان الهبوب يبذل جهدا خارقا لإنهاء واجب الهبوب علي كل الأشجار حتى يعود سريعا ويبقي أطول فترة ممكنة بقرب أميرة الطلح, والتي دائما ما يهب عليها في لحظة تكون جميع الأشجار قد نكست أفرعها اتقاء للحر إلا هي تقف في هدوء مشغولة بغزل أشعة الشمس إلي ثوب من الظلال الرقيقة. وقف الهبوب مبهوتا أمام شجرة الطلح وهو يتأمل لوحة الخالق عندما تقاربت أوراقها الطلحية الرقيقة لتعتقل تلك الأنوثة التي تتيه غرورا وتأبى الإزار. وطاشت كل الخطط التي راجعها مرارا مع نفسه بعد أن أدرك أنه لا مفر من (فتح الخشم) و إلا ستمل الطلح هذا المسلسل الهبوبي. ولقد قطع عهدا علي نفسه بأن يكون اكثر جراءة اليوم حيث لا يستطيع كتمان هذا الأمر أكثر من ذلك خاصة وأنه قد تجاوز كل علاقاته اللزجة مع أشجار الهشاب والكِتر بعد صارت الطلح تعايشه كل المواسم دفعة واحدة وهو من لا يري فيها غير الربيع. ولم يجد الهبوب ماأعده من كلمات وليكسر حاجز لجأ الي اجترار الحديث عن ( آليات إسقاط النظام) وعن شروط (الديمقراطية المستدامة) مع شرح مستفيض وممل لمقررات إيقاد التي أنجبت نيفاشا وعلاقة كل ذلك بندرة (النبق) و اختفاء (التنباك). ظلت شجرة الطلح صامتة دون تعليق علي كل تلك الخطرفات الهبوبية فاعتقد هذا الاخير أنها قد سحرت بثقافته الكونية, وتوقف لالتقاط أنفاسه حينها انتهزت شجرة الطلح المبادرة: بالمناسبة عيد ميلادي الأسبوع الجاي وما عارفة أعمل شنو.. هذه الجملة القصيرة كانت كافية لإخراجه من حالة التستر خلف وهم المثاقفة والكلام الدٌراب. فكل هذا التنظير لن ينقذه من حقيقة أنه معدم وكٌحيت و(الطلح شجرا ما عندك ليهو رقبة). تشاغل الهبوب بشئ ما وهو يهرب بعينيه بعيدا عن الطلح.. وسريعا وجد ضالته في الدين. أنا عندي رأي في بدعة أعياد الميلاد لأنها مخالفة دينية "وأن شر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة". ولكني أوعدك بحفلة علي مقرن النيلين. غمزت شجرة الطلح لتلك الابنوسة التي تشاطرها المكان في إشارة واضحة الي أنها كانت تتوقع الهروب الهبوبي, بعد أن امتهن هذا الأخير ترحيل الأمنيات لأجل غير معلوم. ظل الهبوب يواعدها سنويا بتلك الاشجار( التترب حتقوم) وتملا شوارع الخرطوم ليحتفل الجميع برحيل الشجر( البروس), وكمان( الفولة تتملي والبقارة يجوا). لم يحتط الهبوب لتلك السنوات التي أدمن توديعا حتى باب الخروج ليجدها قد عادت و سبقته إلي مخدعه عبر النوافذ لتطول عذابات أشجار المهوقني الميتة وواقفة. انتفض الهبوب عندما أدرك بفطنته كيف تنظر اليه الطلح وأمسك قبضته وحركها وهو يقسم بالكتاحة والهبباي.. مهلا أميرة الطلح فأنا من مات فيك عشقا.. لن أغير أشرعتي أو أعلن انكساري مع بدايات الخريف شمس الدين السنوسي
|
|
|
|
|
|