ومازال الشهيد الأستاذ محمود طه أرقا مالحا لكل المهووسين.عفيف اسماعيل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 12:35 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-23-2012, 05:01 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ومازال الشهيد الأستاذ محمود طه أرقا مالحا لكل المهووسين.عفيف اسماعيل

    ".. أيتها الكلاب الجليلة.. رحماك!! فلقد نلت قبل قليل حصة من النباح تكفي إلي نهاية العمر "
    ..
    ..
    المكان: نادي الاهلي الرياضي الاجتماعي الثقافي بالحصاحيصا.
    الزمان:27 رمضان 1991
    عندما حاول صناع القبح الإسلاموي المنظم بايدولوجية وحيد القرن طمس أرث النشاط الثقافي في تننافسه الصحي والشريف بالتغول علي مكتسبات دور العمل الأهلي الثقافي الابداعي بمدينة الحصاحيصا، وبإحلال بيت الثقافة كبديل وحيد لها، وخاصة رابطة الأداب والفنون كأنشط جسد يضم كافة أشكال الفنون الإبداعية، وجدت خطوتهم معارضة فاعلة ضد مشروعهم لسرق كل ما يجمل الحياة بالمدينة والوطن.
    مع مجموعة كبيرة من الحادبين علي امر العمل الثقافي بالمدينة توحدنا حول هدف واحد وهو ان تبقي مكتسبات المؤسسات الأهلية وممتلكاتها ملكاً لأهلها، وضد ان يستحوذ بيت الثقافة علي قطعة الارض المصدقة لرابطة الآداب والفنون، إن ارادت الدولة الإسلاموية بمالها المنهوب من ثروات الشعب أن تبني و تأسس ما يخصها من منظمات عليها تأسيسها بعيدا عن دور هذه المؤسسات التي تعمرت بعرق الجهد الذاتي لكل اهل الحصاحيصا ومبدعيها. واعلنا بشكل واضح عن عدم مشاركتنا في اي انشطة يقيمها بيت الثقافة بالمدينة. وبدأ اثر تلك المقاطعة فاعلا عندما لم تحقق كل انشطة بيت الثقافة ما كان تلك الطغمة ترجوه منها.عانت انشطتهم من البوار لفقر خيالها الابداعي و لبعدها عن هموم الناس وتركيزها علي تجييش الشعب السوداني.
    لكن هؤلاء القوم الذين قرصنوا الوطن بليل، يمتكلون ثعلبية ودهاء كبيرهم الذي علمهم السحر حتى انقلب عليه. تفتقت عبقريتهم الماكرة في الاستفادة من ارث النشاط الثقافي الحيوي لمدينة في شهر رمضان من كل عام. أكثر من ذلك تم دعوتي وصديقي الشاعر الكبير أزهري محمد علي تحت اسم رابطة الاداب والفنون التي نكن لها كل تقدير واحترام ونشارك في انشطتها من حين لآخر، وعلي مسرح النادي الاهلي شيخ اندية الحصاحيصا الذي لا يمكن باي حال رفض دعوة تاتي من طرفهم.
    رافقت أزهري محمد علي إلي مكان الاحتفالية، لطمتنا فور وصولنا لافتة كبيرة الحجم تحتها اسماؤنا مع بقية المبدعين المشاركين وتتصدرها ديباجة بيت الثقافة كجهة منظمة، وإمعانا في المخاتلة وإدقان في اللؤم تم لحظة وصولنا الإعلان عن ضيف شرف الأمسية وهو محافظ محافظة الحصاحيصا مبارك "الكوده" العائد من الاراضي المقدسة بعد أن أداء عُمرة رمضان.
    سريعا أزهري وانا حسمنا امرنا باننا سوف نقرأ اشعارنا فقط تكريما للحضور الذي اكتشفنا من معظمهم قد تم دعواتهم تحت اسم رابطة الاداب والفنون.
    صعدت إلي المنصة، وبعد تحية شهداء الوطن في الديمقراطية والسيادة الوطنية وخاصة شهداء انتفاضة 6 ابريل التي كانت تحل ذكراها في تلك الايام، اعلنت بأنني لن اقرأ في هذا اليوم غير اشعاري التي كُتبت للشهداء، وكان الأول نص بعنوان "لوحة" مهداة لشهيد الفكر الاستاذ محمود محمد طه،النص الثاني بعنوان" نجمة الجنوب تقود إلي كل الإتجاهات" مهداة إلي الشهيد د. علي فضل الذي لم يجف دمه بعد، وتبعني أزهري في تحية الشهداء وذكري ابريل وقراءات نصوص للشهداء ايضا.
    كان التصفيق يهز ارجاء المدينة الصغيرة بعد كل قراءة . طلب الكوده من مدير الليلة فرصة للحديث، صعد الرجل بهدوء كظيم تبرزه تلك الحركة العصبية علي فكيه وفضحه اصككاك اسنانه عندما حاول الابتسام قبل بداية حديثه. تمالك نفسه سريعا، وتحدث بهدوء مفتعل عن العشرة الاواخر من رمضان وكيف كان السلف الصالح يقيمها، عن فضل ليلة 27 رمضان، وعن فضل ليلة القدر، وتحدث عن طرق مختلفة للعبادة واقامة الليل تقربا للخالق، قال منها يمكن ان نتقرب إلي الله مثلما نفعل الليلة، من خلال الغناء والشعر، وجميع الفنون، فجأة ثار الرجل مثل بركان محبوس منذ الآف السنين وصرخ باعلي صوته في نوبة من الهياج تفضح الأسس التي بني عليها المشروع الحضاري الاسلاموي لأذلال الشعب السوداني:
    - لكن لن نسمح بتدنيس هذه الليلة المباركة بتمجيد الهالك محمود محمد طه، ولن نسمح ان تستغل منابرنا من قبل الشيوعيين، والبعثيين، نحنا الله ذرعنا في البلد دي وغيروا ما في زول بقلعنا، ،ثم صار يهذي مثل مصاب بالملاريا ويردح مثل مثكول: شيوعي تاني ما بجي، بعثي تاني ما بجي، أمه تاني ما بجي، اتحادي تاني ما بجي، والجمهوريين ديل قطعنا راس الحية زمان، ومحمود الهالك شبع موت، منو الداير يبعثوا لينا تاني كمان.. ثم رمى بالمايك مفتوحا فوق الطاولة الحديدية فصار يصدر صفيراً عاليا يصم الأذان.
    بارتباك أعلن مدير الامسية عن الفقرة التالية، همس ازهري في اذني بأنه سوف يذهب لأن لديه ضيوف بالبيت، وخرج مباشرة بعد أن انتهي احد الشعراء من قراءة نصه الأول.
    أحسست بان هناك من يحاول ان يهمس في اذني بفحيح أعمى ولا يريد ان يسمعه من هم حولي قائلا:
    - يا عفيف عايزنك
    التفت نحوه، وحدقت مباشرة في عينيه وبين وجهينا مسافة اقل من شبر هو يردد: عايزنك قوم يالله معاي.
    تجاهلته التفت جهة المسرح، فجاء حانقاً وجلس في المقعد الذي كان يشغله ازهري
    - عايزنك..معاك أمن
    قلت له بصوت عال كي يسمعه كل من حولي:
    - عندك ما يثبت انك أمن
    ارتبك قليلا، ثم أخرج من جيبه بطاقة وأخفى بعض معلوماتها باصابعه وضعها علي فخذ رجله اليسرى.
    بنفس الصوت المسموع لمن حولي كي يدركوا حقيقته
    - انتا خجلتا من انها بطاقة امن ولا شنو خاتيها بعيد كد ، ارفعها فوق في الضو دا عشان اشوفها ولا قايل النظارات دي انا لابسه زينة ساي، قرب البطاقة شويه، ما قادر اشوفا.
    ارتبك مرة أخري من صوتي الذي صار يلفت بعض جمهور الأمسية، ولم ينتبه هذه المرة أن يغطي بقية المعلومات التي اراد أن يخفيها في المرة الأولى فحفظت ذاكرتي تلك التفاصيل، لتشكل أول بلاغ حزبي عن أحد كوادر الأمن الجدد بالمدينة الذي كشف نفسه في تلك الليلة.
    - يأخي مامكن تصبر شويه لحد ما الليلة تنتهي
    - لا.. عايزنك هسع
    وتم اعتقالي من وسط جمهور الأمسية الرمضانية، وطار الخبر بين جهات المدينة الصغيرة سريعا،تحركت معه لأجد قوة كاملة العتاد تقف خارج النادي،واخذتني إلي مكاتب الأمن بالمدينة.
    تزامن وصولنا مع عربة الكوده الفارهة، ارتبك افراد الأمن الجالسين في باحة المكتب في مقدمتهم أحد مؤسسي وحدة الأمن بالمدينة وهو حسن العوض من قرية "دلوت البحر"، وقفوا جميعا لتحية الكوده الذي لم يبادرهم بالسلام الذي قال بلهجة آمرا
    - خلو لي شاعر الشيوعيين دا الليله عشان ادبوا ليكم..
    لدهشتي وجدت في احد المكاتب صديقي الشاعر أزهري محمد علي الذي كنت أظن انه الآن يستمتع بعشاء رمضاني بين اسرته وضيوفه، كان يحقق معه أحد ابناء المدينة العاملين في جهاز الأمن اللاوطني وهو عزالدين الصول ومعه آخر، فور دخول الكوده، وقفا معا في لحظة واحدة كمن يؤدي تحية عسكرية، بينما اتسعت ابتسامة أزهري وهوجالس ينظر إلي ارتباكهما، وحاول عز الدين الصول الذي تربطني به ملاعب صبا وجيرة في الحي عندما قدمت اسرته من ود مدني لتستوطن بالحصاحيصا الخروج من الغرفة، فأمره الكوده بالبقاء وان يحضر ورقة وقلم، وامر الآخر بان ياخذ أزهري محمد علي إلي غرفة أخري..
    مازالت نوبة الهياج تكسو وجه الكوده، عروق رقبته تكاد ان تنفجر وتشنجت كل ملامحه حتي خلت انني ارى وجهه قادماً للتو من الموت وقال:
    - أكتب اي كلمة يقولا الزول دا، اسمك منو؟
    -عفيف
    وابتسم تلك الابتسامة الثعلبشيطانية او الشيطثعلبية الصفراء التي دربهم عليها شيخهم الكبير ثم اردف :
    - عفيف حاف كدا ولا ما عندك ابو؟
    لم استجب لإستفزازه واجبت بهدوء
    - عفيف اسماعيل
    وصار يهذي ويبصق في فضاء الغرفة بذاءته النتنه والتجريح، وساقط القول والاسفاف الذي يعف عنها القلم واللسان، و التي تفضح وجهه الحقيقي ثم اختتمها بقوله:
    - ها.. عفيف!! العفه وين تلقاها بلسانك الزفر دا البمجد الهالك محمود، محمود مات وشبع موت مالك تاني جايب سيرتو ليه الناس نسوا زمان، انتا قايل نفسك بتعبي في الناس ضدنا، يمين زي شغلك دا انا اشتغلوا في زمان وعارف بعملوا كيف." يضحك بعصبية ثم يواصل" ها.. كادر دعائي قال، وبعبي في الجماهير، وقف فجاة وصار يقلد قراءتي:
    وارسم وجها لرجل قال:لا
    سجنوه قال:لا
    عذبوه: قال لا
    - وينهم الناس الدايرهم يقولوا "لا" وراك ديل، نفخك تصفيقهم وعامل فيها بطل، والله الليلة ما يفكك مني إلا الجن اللحمر، ولا اقول ليك انا هسع بعربتي الجديده دي في ساعة بس ممكن اسوقك اوديك الخرطوم يمين الجن اللحمر زاتو ما يعرف انتا وين، وتلحق محمود الشاقي حسك وداير ترفعو لمصاف النبوة كمان، كدي اقرأ لي الحتة بتاعة النبوة دي
    - الدفتر الكنت بقرأ منو صادروا ناس أمنك ديل
    - هو كان شعر فيهو فائدة كان حفظتو، شعر مسيخ بلا طعم، ولا وزن ولا قافية، رجلا قال: لا ، عذبوه قال:لا، الليلة ح نوريك العذاب لحد ما تقول يا ريت لو ما اتولدت من اصلوا، كدي وريني الكلام الفارغ دا كتبتوا مخصوص عشان تحرض بيهو الناس الليله؟
    - لا.. النص دا مكتوب من سنة85
    - هيي..هيي ماتتفلسف علىّ انتا قايل نفسك لسه في الندوة، نص وبتاع، داك كلام اي زول من الشارع بقولوا قال رجلا قال لا، ومن سنة 85 مكتوب طيب لزوموا شنو تقراهوا الليله بالذات، كدي اشرح لي تقصد شنو برجل قال لا
    - اقصد رجل اسمه محمود محمد طه و قال لا
    - يا زول انتا بصحك، عندك عقل في رأسك دا، وفاهم الكلام البتقول فيهو دا؟
    - ايوه
    - وعرف معناهو شنو؟
    - ايوه
    - هل انتا عارف انو مفروض هسع تقوم تغتسل وتتوضأ وتصلي لربك لحد الصباح كان يقبل توبتك، تلقاك هسع ما بتعرف معني غسل ووضوء وتوبة ذاتو،انتا عمرك كم؟
    -31 سنه
    - متزوج
    - لا
    - شغال شنو؟
    - مصور
    - مصور بتاع شنو؟
    - مصور فوتوعرافي
    - عندك اخوان؟
    - ايوه
    - كم اخو؟
    -سبعه
    - عندك اخوات؟
    - ايوه
    - شنو انتا شابكني ايوه ايوه، وتجاوب علي بالقطاره وينا فصاحتك الكنت بتسو فيها قدام الناس دي، ولا الشوعيين مدربنك علي انك تجاوب كدا، جاوب زي الناس لما اسألك، عندك كم اخت؟
    - اتنين
    - متزوجات؟
    -لا
    - ابوك وامك حيين؟
    - ايوه
    - كبار في العمر؟
    - ايوه
    - يعني انتا بتساعدهم في المعيشة؟
    - ايوه
    ارتخت ملامحه وحاول ان يلعب دورا آخر وقال برقة مفتعلة:
    - هسع كان حصل ليك حاجه لا قدر الله، غير تعذب ابوك وامك واخوانك وراءك شنو، اخير ليك تخليك في تصويرك دا، وبطل كلام التحريض الفارغ البتسوي فيهو دا، قبل شويه كنتا عامل فيها بطل قدام الناس، آهه هسع الناس الناس ديل وين هم؟ ما براك شايل شيلتك. أنت شكلك طيب وابن ناس، ما تكون اناني وتفكر في نفسك، فكر في اهلك ديل.انت عارف انا ذاتي كنت فنان، وبعزف الكمان، وبحب الموسيقي والشعر، لكن لاي حاجه زمنا، عشان كدا ماتضيع نفسك ساي ورا نزوة شهره وبطوله فارغة، اختا درب درب الكفار ديل الجمهوريين والشيوعيين، فكر في الكلام دا كويس، انا ح اجييك تاني بعد شويه. واشار لعزالدين الصول
    - وديهو جوه وجيب لي الشاعر التاني دا.
    جلست في تلك الزنزانة وحيدا لمدة ثلاثة ساعات، قرب الفجر استدعاني مدير وحدة الأمن واستمر التحقيق معي لأكثر من نصف ساعة من البذاءات المتواصلة تشبه الوجه الاخر لعملة الكوده الصدئة من صديد الكلمات الساقطة التي ينعم بها قاموسهما معا، ثم طل الكودة فجأة وقال له:
    - خليهو يمشي، ما دايرين نعمل منو بطل.
    فاطاع مدير الأمن بلا تردد امر المحافظ. فالأمن ليس أمن الوطن بل هو أمن حزب الجبهة القومية الإسلاموية.
    وخرجت ونسمات اول الصباح تزهر في الأفق مشبعة بطمي النيل الأزرق
    بدات تغسل بعض من سموم بدني وروحي من بذاءات اصحاب المشروع الاسلاموي الحضاري. حدقت بإتجاه النيل الأزرق حيث يقبع بنطون الحصاحيصا رفاعة مثل كائن خرافي ، ثم حدقت في الأفق فرأيت وجه محمود يتخلق بتحولات الالوان الفجرية في لوحة شفقية كاملة الزهو والابتسام، تسندني في تلك اللحظات العجاف فدبت العافية والنشاط في بدني وروحي وصرت اسير بخطوات اكثر رشاقة وانسجام.
    تجاوزت حي المايقوما متجها إلي حيث أسكن بحي أركويت. فجأة علي مشارف الحي بدا ######ين في النباح، ثم تحول إلي عاصفة من النباح من خلفي، فتمتمت سرا بحنو:
    - أيتها الكلاب الجليلة.. أعلم انك تؤدين واجبك المقدس تجاه من يقدمون إليك الطعام والمأوي،أيتها الكلاب الجليلة.. رحماك!! فلقد نلت قبل قليل حصة من النباح تكفي إلي نهاية العمر
    الجمعة 18 يناير 1985:
    أين كُتب نص "لوحة" المهداة لروح الشهيد الأستاذ محمود محمد طه؟

    بعد أن اكملت محكمة الطوارئ المهزلة والهزلية مسرحيتها العابثة واصدرت قرار حكمها بإعدام الاستاذ محمود محمد طه، عم الآسي والحزن كل ارجاء مدينة الحصاحيصا، حين تأكد تاريخ التنفيذ، فر الشيوعيون والديمقراطيون باكراً بحزنهم في صبيحة يوم 18يناير 1985 إلي خارج المدينة إلي تلك الغابة الصغيرة الواقعة بين أربجي والعيكورة، يعلكون حزنهم بعيدا ..ذاك حزن لا يمكن احتماله بين جدران المدينة.
    كان الصديق محمد نور الدين في ذاك الوقت يعمل مهندسا بمشروع الجزيرة اوقف عربته علي مقربة من الشجيرات الجافة التي تظللنا، وكان يساسق بين راديو العربة ومجلسنا وينتظر معجزة ما، وكان يهمس لي بين وقت وآخر بأنه يحس بأنه يري تفاصيل كابوس مزعج يتخلق امامه وهو لا يستطيع أن يفعل شئيا. كان الاستاذ عبد الرءوف عمر بصرامة يضعها قناع كي يخفي حزنه، يوزع في مهام العمل لذلك اليوم. واختفت ضحكة أنيس عبد الرحمن الانيسة وارتسمت علي جبينه تغطيبة عبوسه، ابحرت عينا الشاعر محمد رملي إلي ما وراء الأفق مثل ملاح تائه، وجلس عاطف اسماعيل بعيدا يمضغ حزنه وحده، ومبارك محمد الحسن يحاول يختبي خلف اطار نظارته.
    وعندما عاد محمد نورالدين بعينين مملؤتين بدمع دامي وتحولت عينيه مثل الجمر ادركنا بأن محمود قد صعد إلي حيث أختار. بدأ النص يتخلق في ذهني جملة جملة، صورة صورة وتجمعت حتى شكلت النص الشعري المعنون بلوحة:
    وارسم وجها لرجل قال: لا
    سجنوه قال:لا
    عذبوه قال: لا
    قايضوه ان يشتري روحه بدمه
    قال:لا..
    ان يبيع روحه ليربح دمه
    قال:لا..
    أوثقوه: مشى
    عصبوا عينه: أبصر
    شنقوه: انتصر
    واكمل رسم وجه رجل طيب يدعي محمود
    نبيا في وردة التكوين
    أوحت له الأرض بالعشق: فسما
    عندما حاولت تنقيح اشعاري في منتصف التسعينات والدفع بها للطباعة، تتضألت كل النصوص الشعرية التي كتبتها في فترة الثمانينات عدا نص"لوحة" المهداة للاستاذ محمود محمد طه ونص آخر اصطحبتهما معي للطباعة ليجد نص " لوحة" حظه من النشر في مجموعتي الشعرية الثالثة"ممر الى رائحة الخفاء" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب تحت سلسلة كتابات جديدة الشهرية. لقد تركت المجموعة بحوزتهم قبل مغادرتي للقاهرة إلي بلاد الكانغرو في عام2003، ففاجأني الناشر في عام 2006 بطباعة المجموعة الشعرية ويزين غلافها الخلفي مقطف من نص "لوحة".
    أيضا فاجأني الصديق الموسيقار ربيع عبد الماجد في خواتم العام الماضي بوضع نص موسيقي مواز للنص الشعري "لوحة" التي لحنها وتغني بها وعندما سمعتها اعاد إلي لحنه الجميل وصوته المعبر كل تداعيات ليلة النادي الأهلي بالحصاحيصا في 27 رمضان 1991م، وضيق أفق السلطة الحاكمة التي يمثلها محافظها بالمدينة مبارك" الكوده" أعلي سلطة أمنية لقمع سكانها.
    من زنزانة الأعتقال في تلك الليلة تكون منتدى الحصاحيصا الأدبي بعضوية كل من الشعراء أزهري محمد علي، د.طلال دفع الله عبد العزيز ومعتصم الطاهر وكنت أكمل مربعهم، وترافقنا جميعا في قراءات شعرية بطول بالبلاد وعرضها خاصة في الجامعات والمعاهد العليا.
    ظل لحن الموسيقار ربيع عبدالماجد يتدفق ويتجول بين كثير من الزكريات، منها كوابيس تلك اللحظة التي أغتيل فيها فادي الشعب السوداني الشهيد الأستاذ محمود محمد طه،علي الشبكة العنكبوتية في الرابط ادناه سوف تجدوا أغنية "لوحة".
    http://www.youtube.com/watch?v=RxKOPvxnANw
    ..
    ومازال الاستاذ محمود محمد طه أغنية للصلابة والجسارة..
    ومازالت ابتسامة الاستاذ محمود محمد طه مشرقة في جنبات روحي بإخضرارها المورق، وكل ما حاصرتني الأوجاع والكوابيس تضي لي عثار الخطى..
    ومازال الشهيد الأستاذ محمود طه يتجلى بهيا مثل عنقاء تنفض موتها كل يوم..
    ومازال الشهيد الأستاذ محمود طه أرقا مالحا لكل المهووسين.



    http://www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?t=2&aid=292268
                  

01-23-2012, 05:44 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ومازال الشهيد الأستاذ محمود طه أرقا مالحا لكل المهووسين.عفيف اسماع (Re: Sabri Elshareef)

    قتل فقير بخراب أمير

    د. مختار عجوبة
    لقد خربت ديار جعفر نميري بقتله لشهيد الأمة السودانية محمود محمد طه، ومن قبل خربت ديار الفونج بقتلهم للشيخ عبداللطيف بن الخطيب عمار، فقد قتله الملك بادي بعد أن وشى به بنو عمه، فقال الشيخ عبداللطيف قبل ان يقتل صبرا، عسى أن يكون قتل فقير لخراب أكير، وقد صدقت نبوءة ابن عمار ودارت الدوائر على الملك بادي، فقد حورب ونفي وطرد وقتل صبرا، وقتل أولاده من بعده، واستمر القتل والنفي والطرد الى زماننا هذا، "زمان ود ضيف الله" وحوش ملكهم بقي كناسة ومأوى للكلاب.
    ما كنت أعتقد لحظة ان محمود محمد طه قد وشي به بعض فقهائنا الذين أجلّهم وأقدّرهم وقد تتلمذت على فتاويهم ردحا من الزمن في العمل العام والحياة الخاصة الى أن خاب ظني فيهم بعد سماعي لخطبة الجمعة بمسجد النيلين بتاريخ 11 شوال 1405 هـ.
    وليت الذين افتوا – بردة محمود محمد طه قد افتوا بردة الطاغية من قبل ومن بعد.
    فقد بدأ الإمام خطبته بأن طلب من ربات البيوت أن يدرن الأجهزة لتسجيل خطبة الجمعة فظننت انها ستكون خطبة في كيفية طهي واعداد الطعام أو في الإقتصاد المنزلي الإسلامي على أحسن الأحوال في أعوام المجاعات ومتطلبات الإغاثة.
    فاذا بالخطيب يفاجيء المصلين ويفضح ويبين عن عن مقصده السياسي قبل الديني من خلال تناوله لقضية محمود محمد طه، ولا أدري لماذا خص ربات البيوت بإدارة أجهزة التسجيل، هل أخبره أحدهم بأنه أصبح خطيب ربات البيوت، وهل رفعت صلاة الجمعة عن ربات البيوت ليقرن في بيوتهن، ويسجلن ما يقولونه على الهواء مباشرة، دون رقيب أو عتيد على أجهزة اعلام يتوقع ان تكون قومية، دع عنك أن تكون منبرا لسدنة مايو المباد، فأين خطبة أمامنا من سياسة حسن الجوار سياسة ثورة رجب؟؟
    ومن الغريب ان الإمام لم يستهدف محمود محمد طه بقدر ما استهدف الدكتور عبدالله الطيب، وأخذ عليه مرثيته في محمود، علما بأن الدكتور عبدالله الطيب لم يكن الوحيد من الشعراء العرب والمسلمين الفحول الذين جادت قريحتهم رثاء وبكاء على الظلم الذي أحاق بمحمود على يد الطاغية وأعوانه، بل ويبالغ خطيبنا في حملته على الدكتور عبدالله الطيب ويشبهه بشيطان أخرس أو يكاد، والخشية أن يكون خطيبنا قد أعد فتوى مع بقايا سدنة مايو لتكفير عبدالله الطيب، الذي وصفه أو كاد أن يوصفه بالشيطان.
    وما درى خطيبنا ان شيطان نميري قد ولى الى غير رجعة، وبحق صيامك وقيامك يا خطيبنا أيهما أشد خطرا على الإسلام، محمود محمد طه أم النميري ونائبه.
    لم يتورع الخطيب من ذكر حادثة كان يجب ان تجره الى محاكم العدالة الناجزة، لو كان لثورة رجب مثل هذه المحاكم، وليطمئن خطيبنا على وضعيته ومكاسبه، فان وثائق لجان التحقيق مع سدنة مايو قد تسرق جميعها قبل ان يقدم أحدهم للمحاكمة، وقد تطمس كثير من الحقائق لبطء الإجراءات، فالشعب السوداني متسامح، والنائب العام أكثر تسامحا، فقد أكد أنه لن يعير ولن يبدل ولن يلغي قوانين سبتمبر، فشريعة نميري باقية (رغم أنف) التجمع والأحزاب والجماهير التي تجهل القوانين كما يقول النائب العام "قنابير قنابير من هنا للصعيد".
    لقد جاء في خطبة الجمعة ان ثلة من الفقهاء اجتمعت وتشاورت طواعية أو طمعا مع عمر محمد الطيب في أمر محمود محمد طه، وقد اصدرت هذه الثلة فتوى أظنها سرية وغير دستورية فمنهم من هو غير سوداني ومنهم من هو غير مؤهل قانونيا بتكفير محمود قبل أشهر من تلفيق التهمة ضده.
    وقد اعتبر الخطيب محمودا عميلا لليهودية العالمية، وقد نسي خطيبنا أو تناسى عمدا أن رئيس جهاز أمن الدولة يواجه اتهاما بترحيل الفلاشا لإسرائيل فهل قام عمر محمد الطيب بالمشاركة في ترحيل الفلاشا من أجل تحرير بيت المقدس الشريف من أيدي اليهود؟؟ فلماذا خفي ذلك على خطيبنا الذي صب جام غضبه على الدكتور عبدالله الطيب محاولا مصادرة حقه في الإبداع وعلى محمود ومصادرة حقه في الإجتهاد، وما هو موقف خطيبنا من بعض المجددين في السودان؟؟ وقد فاقت تجديداتهم تجديدات محمود محمد طه.
    هل يبكي خطيبنا على طلل الماضين من أسد سدنة مايو المباد، أم على رئيس جهاز أمن الدولة الذي فتح له قصر الشعب فكان هارون زمانه وفتح له ولثلته منزله ومسجده وبني مسجد النيلين ليكون مقبرة أو ضريحا لرئيسه المخلوع ليدفن فيه بعد أن يكون قد أسكت أصوات الشرفاء ودفن كل شعب السودان بمجاعات تسبب فيها عمدا، والجوع كافر.
    فرعون وادي النيل شيّد معبده على ضفاف النيل وسار اليه عاريا من الإيمان، وكون له مجلس ادارة ليرأسه كبير الكهنة ووزير شئونه الخاصة، ولكن ارادة الله كانت فوق ارادة الطاغية، فلم يسعد كهنته وزبانيته بدفنه في مثواه الأخير الذي تمناه وكأنه ابن الإله رع، الذي ظن أنه الإمام المجدد على رأس هذا القرن، وظن انه مبعوث العناية الآلهية الذي استخار الله في أمر محمود فلم يجد له مخرجا، ليته في حيثيات المصادقة على الحكم قد كشف عن استخارته لثلة الفقهاء الذين استعان بهم رئيس جهاز أمن الدولة.
    لقد كنا نتوقع من خطيبنا ان يحدث وفود العلماء العرب عن براءة السودان من ترحيل الفلاشا أم لدى رئيس جهاز أمن الدولة فتوى شرعية تجيز له ترحيلهم؟؟ وأيهما أخطر على أمة الإسلام محمود الشيخ الكهل، أم فتية الفلاشا الأقوياء الأشداء؟؟ وهل نسي خطيبنا دور صحف الخليج في اسقاط حكم الطاغية بعد اعدام محمود محمد طه وترحيل الفلاشا مباشرة؟؟
    ان على السودانيين ان يبتعدوا عن أسلوب ابتكرته بعض الجماعات حتى اصبحت ظاهرة التسوّل ظاهرة عامة للأفراد والجماعات والأحزاب لتضرب بعضها بعضا، فهذا حزب ليبيا وذلك يموّله العراق، وآخر سوريا ورابع موسكو وخامس مصر وسادس ايران وسابع دول الخليج وثامن مجلس الكنائس العالمي وتاسع المخابرات الأمريكية، وتدور الإتهامات همسا وعلانية، فكأننا قد اصبحنا عاجزين عن الإعتماد على الذات وشعبنا يصنع الثورات فتجهضها القيادات. لقد أعاننا الأخوة العرب وعلينا ان نبرهن لهم على اننا قادرون على عون أنفسنا، علينا أن نظهر لهم وحدتنا قبل أن نجرّهم الى تعميق الفرقة بيننا.
    لقد عمد خطيب مسجد النيلين الى استجداء زواره وضيوفه من علماء وأمناء منظمة الدعوة الإسلامية (والتي نتمنى الاّ توظف لأغراض سياسية)، راجيا من فاعل خير تزويده بمبالغ تساعده على اسماع صوته للمسلمين الخارجين على دينهم من خلال اقامة وكالة اسلامية للأنباء لتساعده على طباعة المناشير بدلا من محاربة المجاعة، ويستعدي ضيوفنا الكرام على النقابات والتجمعات والأحزاب السودانية المخالفة له، ليتك أصدرت منشورا أو فتوى عن الطاغية وزمرته.
    ويتحسر الخطيب لأن صوته لا يسمع كمعارضيه، وينسى أو يتناسى ان كل أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية تنقل خطبة كل جمعة على الهواء مباشرة وتلك مكرمة من مكارم الديمقراطية التي حققتها ثورة رجب التي اعجب بها رجال الدين المسلمين حقا.
    ان بعض الجماعات تحاول ان تستعدي ائمة الإسلام وعلماءه وكأن الإسلام يواجه خطرا بعد ثورة رجب في السودان، وقد كان الخطر على الإسلام كامنا في عهد ونظام مايو الذي عذّب وشنق وقطع أوصال الفقراء المعوزين، وأعفى الأثرياء القادرين باسم الإسلام، وهذه قضية فهمها العرب وعلماؤهم اجمعين مثلما فهمها شعب السودان، وقد رثت الصحافة العربية على وجه العموم والخليجية على وجه الخصوص محمود محمد طه قبل أن تتاح للسودانيين فرصة رثائه على صفحهم. ونحن نرثي محمودا انما نرثيه كبطل كان استشهاده الشرارة الأولى التي عجّلت بالقضاء على نظام مايو البغيض، وهذا درس تعلمه العرب من السودان جيدا ووعاه الكتاب والأدباء المخلصون من أبناء العرب وأبناء شعبنا وجادت قرائحهم كما جادت قريحة عالمنا الفذ عبدالله الطيب بقصائد رثاء لم تنظم في شهيد قبله. فما الؤي يستفز أمام مسجد النيلين "كاد المريب أن يقول خذوني"، ولكن ثورة رجب لا تأخذ الناس بالشبهات والأحقاد، فلا نريد ان يستمر التكفير والمحاربة والنفي والقتل والطرد حتى لا تخرب ديارنا مثلما خربت ديار الفونج من قبلنا.

    صحيفة الأيام 3 يوليو 1985
    أعيد نشرها في كتاب "قادة السودان... وآفة النسيان" صفحات 101 - 107

    http://www.alfikra.org/article_page_view_a.ph...le_id=1158&page_id=1
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de