|
الذين ....لا يصدأون // الدكتورة . ثريا العريض كاتبة صحفية سعودية
|
الذين ....لا يصدأون ..
بقلم : الدكتورة . ثريا العريض كاتبة صحفية سعودية
صديقة أجنبية .. زوجة لدبلوماسي تنتقل معه في بلاد الله الواسعة .. قالت وقد آن أوان السفر “... سوف ننتقل الى السودان ... وقد عشت في تونس وعمان والعراق قبل السعودية ... أما السودان فلا أعرفه. أنتم في البلاد العربية تتشابهون كثيراً وتختلفون كثيراً.. لا أجد ما يجمعكم في البلد الواحد ولا في المجموع .. لا أدري إن كانت تجربة الماضي تفيد في التنقل بينكم" فكرت في حلم الوحدة العربية.. والتجمعات الراهنة في ارتباطات إقليمية .. والخلافات على حدود سرابية .. ومناسبات جماهيرية .. ولم استطع أن ألغي ملاحظتها.. قلت لها صادقة: ستحبين السودان.. وأكاد أجزم على ذلك وربما لقناعة في نفسي .. نعم قد لا يكون السودان في رخاء البلاد الأخرى التي عشت فيها .. ولكنه غني بروحانيات خاصة.. لم تتح لي زيارة السودان ولكني عايشت الكثيرين من أبنائه وبناته متغربين للدراسة أو العمل في بقاع مختلفة من العالم تمتد من بلادنا العربية الى أمريكا وأوروبا.. وأستطيع أن أقول عنهم ما لا أستطيع أن أقوله عن أي جماعة أخرى منا : لم أجــد في التعامل مــع أي منهم ما أفقدني احترامي له شخصيــاً أو لأبناء بلــده.. وجـــدت في الزملاء والزميلات من السودان ذلك الشعــور بالمسؤولية والرغبـة في القيــام بالواجب على الوجه الأكمل .. ووجــدت فيهم الطيبـة دون غبــاء .. والاعتزاز بالنفس دون غــرور.. واحترام الآخــرين دون تذلل .. ومعــرفة حـدود حقـــوقهم وحقـــوق الآخـــرين.. لهم شخصية مميزة .. شعب عرف الاستعمار ولم يتعــود الخنوع .. وعاش الفقـر ولم بتقمص الذل .. وحفظ انتماءه الى عروبته وافريقيته وإسلامه دون أن يشـرخ ذلك شخصيته الخاصــة. أين في البلاد العربية أو غيرها من يقـــوم بانقلاب ناجـــح ضد سلطـة مرفوضة ثم يترك كرسي السلطــة راضياًطائعا عن زهـــد وطيب خاطــر ..؟ إنه درس بليغ لحكامنا لو يعلمــــون . أين في البـــلاد التي تعاني كوارث العالم تجدين الصبر والاتزان والهــدوء الذي واجه به السودانيون مجاعاته وجفــافه وفيضاناته حكــومة وشعبــاً ؟ ستحبين السودان .. لأن أهله .. يحبـــون بعمق .. ويحسون بعمق ويتألمون بعمق .. ولكن أصواتهم تظـــل هادئـــة.. بلد طيب .. يملؤه الناس الطيبــــون. ربما.. تجدين سودانياً يبستم فقط عنـــدما يحتــاج شيئاً منك وينسى ملامــح وجهك حين لا يحتاجـــه. وقد تجـــدين سودانياً يحلف ألف يمين ليقنعك أنه صـــادق وهو يتكلم بلسان مقسوم.. وقد تجدين سودانيـــاً يرتشي ويختلس ويسرق ويهــرب من مسؤوليــاته أو يتلاعب بصلاحياته.. ولو حـــدث ذلك .. يا سيدتي .. فستكونين قد التقيت بظـــاهرة نادرة بينـــهم.. لأنهم حقاً شــــرفاء .. ولا ينسون ذلك. مثلك درت العالم عدة مرات وزرتُ بلاد الجهات الأربع .. عربية وغير عربية .. فوجدت أن ابن البلد أطيب في بلاده منه في خارجهـــا .. ربما يتأثر بالهــواء الملوث فيصدأ بعض معدنه .. ربما هو دفاع عن النفس في مواجهــة الغربة.. لا أستطيــع أن أقول لك أنني عايشت السوداني داخل حــــدود بــلاده.. ولكن إن كان مثل من عرفت منهم خارجهــا .. فسوف تحبين السودان والسودانيين.. أكـاد أجزم أنهم من معــدن أصيل لا يصدأ أبدا.. !! _______________________________________________
|
|
|
|
|
|
|
|
|