الطيب صالح يرسم زينب تحت ضوء المصابيح

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-14-2024, 12:52 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الراحل المقيم الطيب صالح
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-23-2009, 10:30 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الطيب صالح يرسم زينب تحت ضوء المصابيح

    الطيب صالح
    _____

    الذين حضروا ايام الانجليز من المخضرمين امثالي، يذكرون ان في المديرية الشمالية، كانوا يشقون قنوات على ضفتي النيل على طول امتداده في ذلك الاقليم.
    كان لذلك فائدتان..حين يفيض النيل يفتحون تلك القنوات، فيسيل الماء على الضفتين، فتمتص الارض الظمأى فائض الماء على الضفتين، فلا يحدث الخراب والدمار الذي يحدثه اذا لم يجد له متنفساً. وقد كان ذلك في ظني هوالهدف الاهم من فتح تلك القنوات.
    الفائدة الثانية هي ان ماء الفيضان يصل الى اماكن لا يصلها عادة، فتكون زراعات ومراعي اغنام وغابات طلح وسيال وعشر، وغير ذلك. كل ذلك كان يثبت الارض الرملية ويقي من رياح السموم، ويبسط الظل على عدوتي النيل.
    وكان في بلدنا غابة كبيرة من اشجار الطلح يسقيها النيل من تلك القنوات من عام الى عام. وقد نمت وازدهرت لان الحكومة كان تمنع منعاً باتاً قطع اي شجرة إلا باذن خاص وفي حالات نادرة.
    من تلك الحالات النادرة، قطع طلحة العرس، فقد كان من طقوسهم في الاعراس، انهم يمشون الى الغابة في زفة عظيمة، فيقطعون شجرة طلح ويعودون بها الى دار العروس.
    اذكر وانا صبي في الاربعينات عرساً كانت له شنة ورنة، من تلك الاعراس التي يؤرخ بها، وتظل اصداؤها تتردد زمناً طويلاً.
    كان العريس اسماعيل ودصبير، وكانت العروس ابنة المرحوم عبدالله عباس، الذي كان يومئذ من كبار موظفي الجمارك، وكان من اوائل خريجي كلية غردون، من اهلنا اضافة الى ان ام العروس كانت ابنة عبدالحليم فضل عمدة العفاض.
    انما الذي اعطى العروس بهاءه ورونقه واصداءه البعيدة فوق ذلك كله، ان اخت العريس، زينب بت صبير، عملت لاخيها سيرة لم يحدث مثلها من قبل ولا من بعد.
    كانت شابة وضيئة الحسن، متزوجة ولكن لا أظن ان سنها كانت تزيد على خمسة وعشرين عاماً. اذكر لونها العسلي وثغرها البراق ووقفتها النبيلة، وصوتها العجيب الذي تعجز الكلمات عن وصفه، بدت لي تحت ضوء المصابيح، ولابد انها ظهرت كذلك لاهل البلد كلهم، كأنها طيف ملائكي حل علينا من كوكب آخر.
    سرنا معها كالمسحورين يحدونا صوتها الاسطوري، من دار العروس في «كرمكول» شاقين البلد من الغرب الى الشرق، حتى وصلنا الغابة عند «دبة الفقراء» ظلت تغني كأنها ترتجل حتى قطعنا الطلحة وعدنا بها الى كرمكول.. ربما اكثر من ثلاث ساعات، وربما اربع، وصوتها يزداد عمقاً ومدى وجاذبية، والصور والمعاني تصل الى وجداننا منها مثل رفيف اجنحة القطا:
    جيد لي انا، جيد لي بي ذاته
    يا نمر الخلا الفارد سلاحاته
    حين صرت اكبر سنا واكثر ادراكا، فهمت ان زينب بت صبير صنعت «فنا» عظيما في تلك الليلة، خلقت اسطورة لاخيها، فاذا هو اجمل واكرم واشجع واغنى..وادخلت اهل البلدة قاطبة في نسيج عالمها الاسطوري، فاذا بلدنا كما نعرفها وزيادة، واذا نحن جميعاً كما نعرف انفسنا واكثر.. كذلك يصنع الفن العظيم.
    إنما الحياة كانت بالفعل حلوة في تلك الايام..حلوة حلاوة لا يعرف طعمها إلا من ذاقها، فماذا كان عندنا يومئذ ولم يعد عندنا اليوم؟
    لم يمهل القدر زينب بت صبير.. بعد أشهر معدودات من تلك الليلة المشهودة اختطفها الموت فجأة دون علة واضحة، رحمها الله، كأنها كانت حقيقة طيفاً ألم بالبلد ثم عاد من حيث أتى.
    لا توجد اليوم اعراس كالعروس الذي غنت فيه زينب، في اي من قرى شمال السودان، فقد فرغت القرى من اهليها الذين تفرقوا ايدي سبأ... اختفت الغابات على الضفتين وهاجرت القماري بشجوها.
    النيل الرحيم الودود عادة، ظل في العهود الاخيرة يطمس المعالم ويمحو الآثار، كأنه يريد ان يقول شيئاً.. كأنه ضاق بحبسه بن الضفتين .. فمتى تفتح القوات للنهر وللبشر؟ ومتى تهدأ ثورة النيل؟ ومتى تعود القماري بشجوها؟
                  

07-23-2009, 11:47 PM

معاوية المدير
<aمعاوية المدير
تاريخ التسجيل: 03-24-2009
مجموع المشاركات: 14411

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح يرسم زينب تحت ضوء المصابيح (Re: Osman Musa)

    Quote: النيل الرحيم الودود عادة، ظل في العهود الاخيرة يطمس المعالم ويمحو الآثار، كأنه يريد ان يقول شيئاً..



    في عصرنا هذا اخي عثمان, حتى النيل اصبح يتحرك وفق
    تعليمات العسكر, فهو لايتمتع بكامل حريته كما كان
    يتجاسر على الناس ويقاومهم ويقاوموه, ويهدا ليصالحهم
    ويصالحوه. ليس في مقدوره ان يقل شئ, او ان يعبر عما
    تجيش به دواخله...

    النيل اخي عثمان ليس عليه لوم فقد اصبح مغلوب على
    امره...
                  

07-24-2009, 05:20 PM

Osman Musa
<aOsman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح يرسم زينب تحت ضوء المصابيح (Re: Osman Musa)

    الرمز عند الطيب صالح
                  

07-24-2009, 05:34 PM

محمد الطيب يوسف

تاريخ التسجيل: 02-22-2008
مجموع المشاركات: 3088

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطيب صالح يرسم زينب تحت ضوء المصابيح (Re: Osman Musa)

    بوست جدير بالمتابعة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de