|
حكاية الطيب صالح مع "التومات" !..
|
حكاية الطيب صالح مع "التومات" خط الاستواء عبد الله الشيخ Monday, 02 March 2009 سمِعت الدنيا بكرمكول ، بلد الطيب صالح ، ولكنها لم تسمع كثيراً ببكبول ، وكدكول، وجقوب .. هذه الأسماء لها مدلولها في اللغة النوبية ..فالأسماء في اللغة النوبية لها تعليلها ‘ على عكس القاعدة التي تقال عند العرب بأن الأسماء لاتُعلّل..
واللغة النوبية ، لمن يعرفها ، لاتعطي فرصة لأية تكهنات، فلكل اسم معناه ، سواء كان مركباً من كلمة أو رمز، سواء أكان مضافاً أو مضافاً إليه .. الحقيقة أنني لا أعرف معنى كرمكول ، ولكني لكثرة ما قرأت الطيب صالح أستطيع القول: إن كرمكول معناها فاكهة .. فاكهة الكروم.. وكذلك أستطيع القول: إن كرمكول تعني "أهل الكرم" .. ودونكم كرم الطيب صالح؛ وضحكته المجلجلة ، فهي لا تبارح الأذن التي سمعتها ، ولو مرة واحدة.. لعل الباحث في معنى كرمكول عليه أن يستصحب معه ضحكة الطيب التي لاتموت .. وكلماته التي لاتموت .. وهذه القرية التي يحفها الحلفا من جهة الغرب والجنوب ، والنيل من جهة الشرق والشمال ستبقى حية رغم الأوبئة، والغبار ، والهدام .. وفساد الحكام بفضل الطيب صالح .. الذي لاشك أنه سمع فى صباه ، وخلال زياراته لها .. لاشك أنه سمع المراكبية يجرون النّم ، كلما أبحرت المراكب في "الصلاح " وداعب عمائمهم هبهاب النسيم الذي يسري بين دبة الفقرا وكرمكول .. وللمراكبية عادة لاتنقطع أبداً .. كلما جاؤوا كرمكول: قالوا "الله هوي ليلي انا".. ثم ينزلق الغناء .. "أنت ياعمدة كرمكول ..كل يوم ضابح لك دعول يا.. الله هوي "..
وزرت كرمكول مرة واحدة .. أذكر الآن نخلها الضامر قبالة الصحراء .. والحلفا يحف حواف القرية؛ يحرسها من الرمال الزاحفة .. وانسربت بين النخيل ، الذي- رويداً رويداً- يزدان بالخضرة ، حتى تلتقي قبالة المعنى الذي أطلقه عبد الله محمد خير"يا قصيبة التقنت الفرهد تسابا.. من الحورأكيد صلة انتسابا".. وكان الطيب صالح يذوب مع ألحان صديق احمد .. ويردد المقاطع .. ويقال: - والعهدة على الراوي- إنه أطلق ضحكته المجلجلة مرة وهو يستمع إلى صديق يشدو بأغنية التومات.. ضحك الطيب ، وكأني أسمعه الآن يضحك .. حين شدا صديق قائلاً:ـ "خلهن سوا ، لاتفرقن .. ياالله ..توماتي أنا بعشقن ..والدن قال مايمرقن .. خايف النظرات تلحقن ، وخايف العين لاتعوقن ".. يقال: إن الطيب ضحك "دون رقابة " من حسيب أو رقيب .. وقال: إن هذا البيت جديد .. من حيث المعنى ، ومن حيث المضمون .. بل إن التجربة نفسها تجربة عشق توأمان "سياميان".. لم يقدمها إلى الحياة الأدبية غير هذا الشاعر .. أو كما قال ..
وطرب الطيب كذلك حين غنى الشادي في إحدى بيوت الفرح :ـ "حيلك كلو في عينيكي ، والايد ما خلق لها حيلي ..إيدك تتعبا الهبابة ، والعين متعبالا قبيلى ".. ضحك الطيب ..ها ، ها ،ها.. وقال هذا جميل ، جميل ..
وعرف مما كتب الطيب عن ليل القرية أن الطيب صالح كان يحب ليل القرية .. والليل في تلك المنطقة من العالم سربال من الربيع .. رائحة لوبيا وسيسبان و شبت ..عواسة الكسرة بقعور الدوم ، والعشميق .. وطلع النخل الفواح من ضكر الحمام.. كان هذا عبق الطيب في طفولته وفي صباه .
وحين غاب بعيداً ، ظل يبحث عن شيء من هذا .. فامتدت يده الى القلم يتجاوز به غصة الاشتياق ..
فما معنى كرمكول إذن ؟.. لا أعرف "كرم" .. وماتعني ، ولكن "كول" في لغة النوبة تعني المالك ، صاحب الشيء أو المكان .. وكدكول ، ماذا تعني ؟ "كدا " بفتح الكاف تعني الجلابية أو اللباس ، على ذلك ،فإن كدكول معناها ـ بالتقريب- أبوجلابية .. وغير بعيد إعتقاد اهل المنطقة فى السيد الحسن أبو جلابية ..
وطالما أننا في حضرة الطيب صالح ، فحق علينا أن نعلل اسم قريته ، فهي أشهر قرية في هذه الدنيا .. إن كرمكول ياسادتي ،، معناها سيد المعبد ..وهل هناك سيد لمعبد غير هذا الطيب ؟..
..وقال الطيب صالح " البساطة هي كل أملنا في الخلاص "..
|
|
|
|
|
|