دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
تركنا الطيب صالح شجرة السودان - محمد زكريا السقال! أروع ما كتبه المغاربة عن الراحل المقيم!
|
Quote: تركنا الطيب صالح شجرة السودان - محمد زكريا السقال 2009-02-21 00:00:12 تركنا الطيب صالح شجرة السودان / محمد زكريا السقال
الخبر الذي جاء برحيل القامة الروائية العربية الطيب صالح ، خبر تتحدد مأساته وكارثيته بالكثير من المعاني ، أولها أن نفقد في هذا العام الكثير من النخب العربية ورواد النهضة والتنوير ، من رحيل المفكر والباحث المناضل محمود أمين العالم الذي أغنى وأثرى المكتبة والفكر العربي بأبحاثه ومؤلفاته ، إلى رحيل عبد العظيم أنيس الذي وسع من دائرة الجهد والبحث في الفكر العربي ، واليوم نفقد شجرة الرواية العربية ، الطيب صالح ، وتعبير شجرة أجده من الصفات التي تلبس الطيب الذي أينع وأثمر في سياق المشروع التنموي التنويري الحلم ، المشروع الحلم لأنه لم يتحقق ، والطيب صالح واحد ممن كرسوا جهدهم وعملهم لهذه النهضة التي سترفع من سوية الأنسان كقيمة عليا تنشد الحرية والعدالة والهواء النظيف بمعنى الحياة التي تنموا لتنتج وتبدع وتعمر وتبني لتشكل الحضارة وتشيد ثقافة الحياة ، أخفق المشروع وأصبحت كل القيم التي انتمى إليها الطيب قضايا خاسرة ، انقلبت الأوضاع وفرت أحلامنا وهربت الأماني ، لم يعد في مجتمعاتنا روابط وامن واستقرار ، هجمت الردة محمية ومسلحة ، مزقت قرى الأوطان ، ،وضاعت عروة التماسك الأجتماعي ولم يعد لمساحة الوطن حدود لتعدد الحواجز ، نفرت اللغة واستوحشت ، لتنقلب لرصاص وقتال وفرق ومجموعات ، وساد خطاب الردة والفرق والتكفير . هذه الأجواء ، وهذا المناخ لايساعد ولا يمد شجرة كالطيب صالح بالحياة والتدفق ، لم تعد التربة الطيبة التي أنتجت شخصيات الحلم السوداني في أدب الطيب ، الشخصيات العفوية والطيبة ، الشخصيات انقلبت وتحولت لشياطين ملثمة ومعصوبة وترطن بلغة لا تحمل غير الموت والأنتحار ، والأستبداد سلطان الموقف يدور ويعربد ثملا بأوهامه وتخيلاته ، لم يعد الفقر والتخلف سمة محسوسة لمجتمع مترابط ، ولم يعد سرقة الجهد واستغلال العمل احساس مشترك ، وصار هناك شمال وجنوب وديانات ومذاهب ، وقبائل ومناطق ، وأشباح تتنافر تتطاول سكاكينها لجز الوطن وتقسيم أحشائه . يلتزم الطيب المنفى ، المنفى بكل صقيعه وبرده ويذوي ويذبل ، وأوراقه تتهاوى كلما أوغل الوطن الملهم في الغي ، وتطاول في الأستبداد ، المصالحات التي تمت وعاد بها رعيل كثير كانت تقاسم ونهش ومحاصصات ، لا تعيد للزين عرسا و لا تشيع الدفئ الذي تحشده دومة واد حامد ، والقرية العامرة بالحب وممارسة طقس انسانيتها بالهواء الطلق ، أصبحت لا تعرف غير الرجم وحد السيف . يموت الطيب ولا تفلح يراعه بهذا الصقيع بشيئ ، كتاب ,, مختارات ،، ذي التسعة أجزاء ، هذا الكتاب يشكل حالة قطع بأبداع الطيب صالح ، كتاب يحدد مرحلة جديدة وباردة في حياة هذه الشجرة اليانعة الثمر ، فقد كان متعدد الأسلوب والأتجاهات والألوان ، حيث تداخلت ما بين السيرة الذاتية ، والخواطر والسرد الصحفي ،إلا أنه يبقى عمل يحدد نكهة ومذاق خاص ، ولكنه لا يتطاول لإعماله الأولى ، وهو ما نلحظه ونحسه حالة من الجفاف والموات والذبول اعترى الطيب ، ونحن بدورنا نعتذر من محبيه ومريديه حيث أعطينا أنفسنا حق الأجتهاد والتعليل لهذا السياق الذي اعترى الكاتب وتوقفه عن الخصب والأنتاج بالأبداع الذي أطل علينا به . كتاب محتارات الذي بدأه الطيب .. بالمنسي ،، هو مقدمة للحياة التي غمرت السودان ، حياة الحلبسة على حد تعبير بطله الذي عبر عن النموذج السائد ، نموذج الشخصية القادرة على تقمص كل الأدوار وتعتلي كل المنصات وتتلون بالكثير من الألوان ولكنها تفشل في التعبير عن ذاتها وروحها كجوهر ذات ميز وخصائص ، شخصية ضائعة وتعيش على كل الموائد ، ولكنها بالنهاية فاشلة لا تنتج سوى الحلبسة والتدليس . لتبقى الأجزاء الباقية تتداعى السودان وتستحضره كذكريات وحلم وآمال متخيلة ومطاردة ومشتهاة ، يدخل بينها جزء ،، في صحبة المتنبي ,, الذي يفتن أديبنا ويتماهى به ، وهو المتنبي شاغل الدنيا ومؤرقها ولكنه لدى الطيب صالح نموذج وقدوة للطموح ومطاردة القمم . رحل الطيب صالح ، رحل الرجل الذي أدخل السودان إلى قلوبنا ، وقرب هذا الشعب الطيب منا ، لم يخدعنا الطيب برسم الشخصية السودانية ، طيبتها وعفويتها وكرم أخلاقها ، تفاعلها مع الأخر ، تواضعها الذي يأسرك ويقودك دون ان تقرر الأحجام او الأقدام . كم سننتظر لننجب مثل الطيب صالح ، وكم هي خسارتنا بهذا المبدع الذي ذوى في ضباب لندن ، وكم هم الذين حملوا الوطن في قلوبهم واستركنوا البلاد البعيدة ، قد لا يتطاولوا لهذه القمة العبقرية ، ولكنهم اشخاصها وأبطالها وبرحيل مبدعهم يقدرون ويستشعرون حجم الفاجعة والخسارة بموت الطيب صالح ، هذه الشخصيات التي تعيش في المنفى ، والتي تقبع في الأرض الغبسة التي لا تتحمل بذور طيبة ، مازالت تحلم بعرس الذين ، ودومة ود حامد ومريود وضو البيت ، ومازال سعيد كمال في موسم هجرته للشمال شاغل النقاد والباحثين . محمد زكريا السقال برلين / 18 / 2 / |
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: تركنا الطيب صالح شجرة السودان - محمد زكريا السقال! أروع ما كتبه المغاربة عن الراحل المقيم! (Re: jini)
|
Quote: رحيل الروائي العالمي الطيب صالح ، بقلم : محمد سعيد ناود التاريخ: الأحد 01 مارس 2009 الموضوع: مقالات وتحليلات
يوم الأربعاء 18 فبراير 2009 غيب الموت في العاصمة البريطانية لندن الروائي والكاتب السوداني الطيب صالح عن ثمانين حولا ، وقد تم إحضار جثمانه الملفوف بعلم السودان ليوارى الثرى بمقابر البكري بأم درمان وذلك بتاريخ الجمعة 20 فبراير الجاري . وقد ظهرت سماحة ووفاء الشعب السوداني في تشييعه إلى مثواه الأخير حيث كان في مقدمة المشيعين الرئيس السوداني المشير عمر البشير ورجالات السياسة والوزراء والأدباء والكتاب والصحفيين . كما رثاه في المقابر وزيرا الدولة دكتور أمين حسن عمر ودكتور منصور خالد وبروفيسور علي شمو . كما رثته الصحافة السودانية . حيث أن وفاته كانت تمثل
فقدا عظيما شعر به الجميع لما كان يمثله الراحل المقيم في خريطة السودان . كما قامت برثائه أمهات الصحف العربية والعالمية وبعض الفضائيات التي تابعت رحيله عن الدنيا وحتى دفنه في عاصمة بلاده . الطيب صالح ، وهذا الوداع الذي لقيه في مثواه الأخير لم يكن لأنه كان منتمياً لأي حزب سياسي ، كما لم يكن ساعيا للسلطة أو جزء منها طوال حياته . كما أنه لم يعمل في أي وظيفة داخل السودان بعد تخرجه من جامعة الخرطوم حسب علمي . بل أنه كان منتمياً لكل السودان . ولأنه خدم شعبه دون تمييز بفكره وقلمه من خلال الآفاق الرحبة التي كان يرتادها ، ومن هنا فجع الجميع برحيله ورافقوا جثمانه إلى مثواه الأخير . ومؤلفاته من الروايات اعترف بها الغرب قبل الشرق وربما قبل السودان ، عندما تمت ترجمتها إلى أكثر من ثلاثين لغة وبالذات رواية ( موسم الهجرة إلى الشمال ) ، وان كل رواياته كتبها عن السودان عموما وحياة القرية والريف بشكل خاص . وقبل أن ينبغ كأديب فقد بدأ حياته العملية كمذيع بهيئة الإذاعة البريطانية من " لندن " كصوت سوداني مميز . وأذكر جيدا بان والده وجماهير الشباب ببور تسودان آنذاك وهم يفاخرون بابن مدينتهم الذي وصل إلى هذا الموقع المرموق . وأرتاد الطيب صالح أمهات الصحف والمجلات العربية بالذات مجلة " الدوحة " ، ومن بعدها مجلة " المجلة " حيث كان القراء يواظبون على اقتنائها لقراءة مايكتب وفي مقدمتهم القارئ السوداني المعروف بنهمه للقراءة والاطلاع ، والقارئ العربي عموما لما يجدونه من المواد الدسمة وعصارة فكره وقراءاته الأدبية والتاريخية التي كان يقدمها بسخاء . أيضا كان الطيب صالح مواظبا على المهرجانات والمنتديات الأدبية وبالذات مهرجان " أصيلة " بالمغرب وكان دوما نجمها اللامع . وفيما كان يكتبه أو يقوله فانه كان مسكونا بوطنه وشعبه السوداني . ودون أن يقوم بذلك كمبعوث من حكومة السودان أو يؤدي وظيفة إعلامية رسمية فانه كان يقوم بذلك من تلقاء نفسه ودون تكليف من أي جهة بل لإحساسه بان هذه كانت مهمته وواجبه كأديب ومثقف . وبرغم انه عاش في الغرب وأحيانا في بلاد العرب إلا انه ظل مشدودا نحو وطنه وشعبه ولم ينفصل عنه بل كان يظهر دوما في السودان ويشارك شعبه في المناسبات . واستطيع القول بأنه لايوجد متعلم أو مثقفا سوداني لم يعرفه أو يقرأ مؤلفاته . ولأن الشعب السوداني معروف بوفائه لرموزه ولأبنائه النوابغ فقد تم تكريم الطيب صالح في حياته وقبل رحيله عن الدنيا عندما تم رصد ( جائزة الطيب صالح للإبداع ) ، والتي كان يتنافس فيها المبدعون شعرا أو نثرا من الشباب السوداني . وبالتأكيد فان الطيب صالح كان سعيدا بهذا التكريم . وأذكر بأن احد أبناء بور تسودان وهو الكاتب والشاعر محمد جميل احمد ، قد فاز في إحدى دورات هذه الجائزة برواية " بر العجم " . ولمن لايعرف فان الطيب صالح ورغم انه شايقي من شمال السودان إلا انه يعتبر من أبناء مدينة بور تسودان حيث كان والده يعمل بها كعامل بسيط . وبور تسودان التي افتتن بها الفنان حيدر بور تسودان ، وشعبها في أغنية " عروس البحر ياحورية " ، يظهر أن هذه المدينة تنجب الفنانين والشعراء والمبدعين . فبجانب الطيب صالح ، أيضا من أبناء هذه المدينة الكاتب والصحفي والأستاذ الجامعي المرحوم سيد احمد نقد الله ، كما انجبت أيضا الفنان الغنائي الأستاذ عبد الكريم الكابلي ، الشاعر حسين بازرعة توأم الفنان عثمان حسين ، شاعر البجة الدكتور محمد عثمان الجرتلي وغيرهم كثيرين . وبالنسبة لنا في ارتريا فان الرعيل الأول من المتعلمين الذين تصدروا الثورة فقد كانوا مهتمين باقتناء الكتب وقراءاتها . واذكر بان البعض من ذلك الجيل كانوا يناقشونني في روايات الطيب صالح التي قرءوها وكذلك في كتابات المفكر والفيلسوف المصري سلامة موسى ، ولذا فان مانستفيده من دروس في سيرة الطيب صالح فإن الشباب الارتري اليوم عليهم أن يحملوا وطنهم وشعبهم في جوانحهم أينما حلوا وعاشوا ، فالوطن وفي كل الأحوال يجب حفظه في حدقات العيون لأنه لابديل للوطن ، وكما قال الشاعر : بلادي وان جارت علي عزيزة وأهلي وان ضنوا علي كرام أيضا إن المنافسة الحقيقية والشريفة بين الشباب يجب أن تكون حول الإبداع في شتى مجالات الحياة وبما يعود بالفائدة على شعبهم ووطنهم . أيضا علينا بتكريم المبدعين من أبناء شعبنا وهم على قيد الحياة لابعد رحيلهم عن دنيانا فالشعوب الأصيلة هي التي تتولى تكريم رموزها . وأخيرا على الشباب الاهتمام بالقراءة واقتناء الكتب لأن هذا هو طريق الرقي والتقدم . ألا رحم الله الطيب صالح الذي يعتبر مفخرة للسودان ولكل إفريقيا وللأمة العربية .
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تركنا الطيب صالح شجرة السودان - محمد زكريا السقال! أروع ما كتبه المغاربة عن الراحل المقيم! (Re: jini)
|
Quote: اتصالاستقبال فسحة حوارات مع محمد شكري المعيش قبل المُتخيَّل
شهادات "شكرية" حول الأدباء العرب 18 أنجز هذا الحوار بين صيف 1998 وشتاء 2001· واستغرق حوالي خمس عشرة جلسة عمل، توزعت بين أماكن عدة بطنجة· راجع شكري مخطوطة الحوار، أدخل عليها بعض التعديلات الطفيفة، وأجازها· حسن أحمد بيريش - السي محمد، ثمة أسماء أدبية مغربية وعربية سوف أذكرها لك، بشكل تلقائي، دون أي ترتيب مسبق من جانبي، وأريد ان أعرف رأيك فيها بإيجاز· أحمد عبد المعطي حجازي: ـ شاعر أحسه وأفهمه· له صور، أو التقاطات، في شعره معجزة، مشرقة، لمن لم يعش تجربتها العميقة· إنه أصيل في منطلقه الابداعي· لكن أستاذيته عندما يشرح إبداعه، أو إبداع الآخرين، تحرج الذين استمتعوا بشعره قبل أن يفسره! كاتب ياسين: ـ لم أقرأ كل أعماله، ولكن يبدو لي أنه روائي كبير ومتميز· قرأت له روايته "نجمة"، وأعتبرها من أهم النصوص الروائية التي صدرت في المغرب العربي· وميزتها تتجلى في استثمارها للتراث العربي· نزار قباني: ـ شاعر في شعره· شاعر في نثره، وشاعر في أحاديثه الصحفية· لم أتعرف عليه شخصيا، ولكن أتيح لي لقاء قصير تبادلت فيه الحديث مع ابنته، التي بدا لي أنها جد معجبة بشعر والدها· وقد تقاسمت معها هذا الإعجاب· فاروق عبد القادر: ـ لايمكن الحديث عن النقد الأدبي العربي الحديث دون الوقوف طويلا أمام فاروق عبد القادر، هذا الهرم الكبير الذي يجمع بين الموسوعية الشمولية والتخصصية المعمقة· إنه ناقد من طراز رفيع، ومبدع في نقده· سهيل ادريس: ـ دوره في الأدب العربي هو نشر بعض الأعمال الأدبية والفكرية، التي أصبحت لها قيمة كبيرة· أما ككاتب ومبدع فلم يستطع أن يطور كتاباته أكثر مما كانت تستحقها الفترة التي كتب فيها! إدوار الخراط: ـ عندما ينتابني الملل من قراءة الروايات الواقعية الشبيهة بالربورتاجات، ألجأ الى صوفية إدوار الخراط "النفارية"· إدوار كاتب جيد، وناقد عميق· ومبدع كبير في الابتكارات اللغوية والتعبيرية· إنجازه يتخلف عن طموحه الكبير· الطيب صالح: ـ أسس أسطورة الانسان الافريقي الفحولي في الغرب، كما عرَّف الانسان الغربي للإفريقي في استغلاله ومباذله له· أعتقد أن الطيب صالح تعمقت رؤيته لوطنه السودان· وهو بعيد عنه البعد الحلو· وميزة الطيب صالح، الروائي الكبير، أنه لم يحشر المنازعات القبلية السياسية، في كتاباته· لذلك جاءت أعماله الابداعية متسمة بصبغة انسانية تمجد الفن من أجل الحياة· أكثر مما هي شاهدة على مرحلة سياسية واجتماعية تخضع لديمومة الابداع· محمود درويش: ـ درويس من أهم شعراء هذه المرحلة في تاريخ أدبنا، أصيل في شعره· أصيل في نضاله السياسي· وميزته الكبرى، عندي، أنه استطاع أن يزاوج بين الابداع والنضال، دون أن يضحي بأحدهما على حساب الآخر· وهذا ليس أمرا يسيرا كما قد يعتقد الكثيرون· جمال الغيطاني: ـ معلوم أن كل جديد غالبا ما يتم في إطار القديم· وأن كبار المبدعين هم من كبار المتمكنين من التراث، بالمفهوم التحديثي لا للثبات ولكن للتثوير المثير· جمال الغيطاني أحد هؤلاء الكبار· إنه رائد الشفافية الصوفية في الرواية العربية الحديثة· معروف عنه أنه من مريدي نجيب محفوظ· ولكنه لم يقلده، وهذا أحسن له· حسونة المصباحي: ـ قليلون هم الكُتَّاب العرب الذين أخذوا الكتابة بجدية فاعلة· حسونة المصباحي أحدهم· جند نفسه ليكون في صف الذين سبقوه الى المغترب البطولي· يتبدى، من خلال ما نقرأه له، سواء عن وطنه تونس، أو عن المنفيين المبدعين أمثاله، أنه أخذ مشعل النضال الذي تنتصر فيه فكرة شجب الإحباط أينما كان· صلاح فضل: ـ صلاح فضل ناقد كبير يوظف ثقافته لخدمة النص الأدبي، على مستوى تحليله وإضاءته، ومساعدة المتلقي على الوصول الى الوعي والفهم والتذوق· إنه يمتلك خبرة نقدية نظرية لايملكها إلا القلة من النقاد العرب· يمنى العيد: ـ ناقدة من طراز نادر· وجه مشرف للنقد الأدبي النسائي· شاعرة في نقدها· أما أسلوبها الأدبي، فإنه لايوازيه سوى إشراقة أفكارها، وتوهج منطقها الفني· علي جعفر العلاق: ـ صديق عزيز· وشاعر كبير أعرفه منذ نهاية السبعينات· قرأت له قصائد كثيرة وأعجبتني، وقد كتبت عن ديوانه الجميل "وطن لطيور الماء"· اللغة، الصورة، الاحساس بانفلات الزمن، تلك من مميزاته الخاصة· ـ إشارة: ثمة أسماء أدبية أخرى، مغربية وعربية، رفض شكري إبداء رأيه فيها، سلبا أو إيجابا· حاولت معرفة سبب رفضه، الذي بدا لي غريبا عليه هو الصريح الى حد الإحراج··· لكنه واجه إلحاحي بصمته! |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تركنا الطيب صالح شجرة السودان - محمد زكريا السقال! أروع ما كتبه المغاربة عن الراحل المقيم! (Re: jini)
|
Quote: في رواية عرس الزين للطيب صالح سعيد يقطين 1. تقديم 2. الخبر والرواية 3. توسيع الخبر 4. القسم والتنبؤ 5 . تركيب
1. تقديم : 1. 1 . تأصيل أم تجريب؟ تشيع حاليا في النقد الروائي العربي مصطلحات مثل : التراث والحداثة ، والتأصيل والتغريب ،،، غير أن توظيف هذه المصطلحات في علاقته بالنص الروائي ، لايستند في الأغلب إلى خصوصية ما تقدمه الرواية العربية ، ولكن إلى مشاكل حيوية يخوض فيها الفكر العربي الحديث . لذلك تتم معالجتها من منظور تقييمي وموقفي . ولما كانت لنا نظرة مختلفة إلى مثل هذه القضايا ، إيمانا منا بأن اتخاذ المواقف وأحكام القيمة هما معا من محصلات رؤيات مسبقة عموما ، وليسا مقدمات للبحث والتحليل ، ارتأينا تجاوز هذه التصنيفات الثنائية لما فيها من اختزال وتعميم . إننا نذهب في مسار آخر ، ونعتبر تجربة التأصيل يمكن أن تكون حداثة ، كما يمكن لمغامرة روائية تجريبية أن تصب في مجرى التأصيل الروائي ،،، وهكذا . فالتجربة الروائية المتطورة والمبدعة تكتسب خصوصيتها من مدى قدرتها على تحقيق مستوى من " الإبداعية " يؤهلها للتفاعل مع الواقع والعصر ، سواء تحقق ذلك من خلال استلهام التراث ، أو تجريب تقنيات جديدة . ولا مشاحة في أن المادة الحكائية أوالتقنية التجريبية ليست هي التي تحقق للرواية وحدها طابعها "الروائي " أو" السردي" في بعديه التأصيلي أو التجريبي . إن لصناعة الكاتب وقدرته الفنية على الإبلاغ والإمتاع ، دورهما الأساسي في إضفاء الطابع الفني والجمالي على العمل الروائي أو الأدبي . انطلاقا من هذه الرؤية ، نرمي إلى تجاوز التصنيفات الجاهزة ، ونعانق جمالية الرواية لنكشف عن مكامنها ومميزاتها ، وما يجعل منه جديرة بأن تكون رواية فعلا ، تسهم في إثراء المجال الأدبي العربي ، وتنفتح على قضايا الإنسان والمجتمع العربيين بناء على ما تزخر به من مقومات جمالية وتعبيرية . وفي هذا المضمار أبادر إلى القول بأن رواية " عرس الزين " (1) للطيب صالح تتوفر على جانب أساسي من هذه المقومات وعلينا أن نضطلع بالبحث والكشف عنها من خلال الاشتغال ببعض عناصرها الدالة على ذلك . 1 . 2 . واقع أم تراث ؟ على غرار التصنيفات الثنائية ، ومن ذيولها يسود الاعتقاد بأن الرواية حين تعانق التراث تكون بذلك تساهم في التأصيل لأنها تبتعد عن الحاضر ، وتنغمس في الماضي أو التاريخ . ويظهر ذلك بجلاء من خلال استعمال اللغات العتيقة وأساليب الحكي التقليدي أو بواسطة توظيف المادة التاريخية أو تقنيات مستمدة من أجناس الكلام العربي القديم . وكل الروايات المعالجة في نطاق " التأصيل " والتراث تتوفر على بعض هذه السمات التي تظهر بصورة أو بأخرى . وتعتبر الرواية تجريبية أو " تغريبية " حين توظف عوالم تتصل بالعصر الحاضر ( هنا ـ الآن ) وبلغات جديدة ، وتقنيات حديثة . إننا بحسب هذا التصور ، لانميز بين التراث كواقع ، والتراث كمفهوم ، والواقع باعتباره مفهوما وتجربة في آن واحد . وعدم التمييز هذا يجعلنا نضع حدا زمانيا فاصلا يغدو بمقتضاه ماهو "تراث " منتهيا ، ومتصلا بالماضي ، وما هو واقع ما يزال قيد الوقوع . ولا ننظر في الزمان بصفته امتدادا يتداخل فيه الماضي السحيق بالحاضر والمستقبل . ومرد هيمنة هذا التصور يؤوب في تقديري إلى ارتهاننا إلى رؤية خاصة تتصل بالرواية من حيث نشأتها في تاريخنا الحديث . لكننا عندما نتأمل النصوص الروائية ، وهنا نحن أمام "عرس الزين" ، نجد أنفسنا أمام رواية تحطم هذا الاعتقاد الزماني : فهي تقدم لنا " الواقع " المعيش من خلال قرية سودانية ، والآن ( العصر الحديث ) باعتبار صلاتهما بما هو " تراثي " وعلى أصعدة شتى ، سنتوقف عندها ، بحيث تدفعنا إلى التساؤل في نهاية التحليل : ما هي حدود الواقع ؟ وما هي حدود التراث ؟ وما هي حدود " التأصيل " الروائي ؟ وماهي حدود التجريب على صعيد الكتابة ؟ 1 . 3 . الرواية والاختلاف : الرواية نوع سردي يقوم على الاختلاف مع الأنواع السردية العتيقة ، وله قدرة على استيعاب مختلف الأجناس والأنواع وتحويلها . وهنا مكمن إنتاجيتها كي لا أقول "حداثتها". إنها منفتحة على الزمان وعلى الإبداع . هذا الانفتاح هو مصدر فنيتها وإبداعيتها ، سواء تحقق ذلك من خلال معالجتها الحدث في التاريخ السحيق أو في الواقع المعيش ، أو المستقبل الممكن أو المتخيل . لذلك عندما نعتمد البعد الفني أساسا للتحليل ، نكون نسعى إلى تجاوز التصنيفات المسبقة التي تتحدث عن " التأصيل " أو "التحديث " بناء على علاقة القصة بالخطاب في الرواية فقط ، دون اعتبار علاقة الخطاب بالقصة . وتبين لنا "عرس الزين" باعتبارها رواية كيف يتحقق الاختلاف من خلال استيعابها أنواعا قديمة ، وتفاعلها معها عبر تحويلها وهي تجري أمامنا في الواقع .
2 . الخبر والرواية : 2 . 1 . الخبر والأثر : يستيقظ مجتمع الرواية على خبر . الخبر بسيط بالنسبة إلينا نحن القراء ، لأننا خارج " مجتمع " الرواية . لكننا بالتدريج ، أي كلما انخرطنا في عملية القراءة ، ندخل هذا المجتمع ، ونحقق نوعا من التماهي معه ، فتبدو للخبر طبيعة خاصة بالنسبة إلينا نحن كذلك . مفاد هذا الخبر : " الزين يتزوج " . وتأتي الرواية بكاملها لتفسير هذا الخبر وتحليله ووضعه في سياقه . وبكل ذلك يتأتى لنا نحن القراء دخول عالم الرواية ، وفهم طبيعة هذا الخبر و" سره " . كما أن العنوان يجسد لنا الخبر ذاته : " عرس الزين " . إن مادة الرواية الحكائية بهذا التحديد تتمحور حول فعل "الزواج "، وفاعل " العريس / الزين " . ويمكننا تبعا لذلك أن نختزل الرواية بكاملها إلى مبتدأ وخبر على النحو التالي : " الزين يتزوج " . خبر عادي ، كما نلاحظ . إنه طبيعي وعادي ، وواقعي . لكن نسبة الزواج إلى " الزين " يجعلنا نتساءل عن أسباب كون هذا الزواج يكتسب بعدا خبريا . ويتحول من فعل عادي وطبيعي إلى فعل "عجيب ". وطابع العجب الذي اتسم به الخبر هو الذي أضفى عليه "الخبرية " ، وجعله قابلا لـ" التداول " والتلقي . وهو في تداوله وتلقيه أحدث أثرا في متداوليه ومتلقيه على السواء ، داخل مجتمع عالم الرواية . الخبر إذن نوع سردي بسيط يتمحور حول " فعل " مركزي ، ويقبل التداول لأثر يحدثه في المتلقي . 2 . 2 . الخبر : نفتح الرواية على خبر يتحقق من خلال الملفوظات الثلاثة التالية : 1 . " سمعت الخبر ؟ الزين مو داير يعرَس " . ( ص . 5 ) قالتها حليمة بائعة اللبن لآمنة . 2 . " الزين ماش يعقدو له بعد باكر " .( ص .6 ) يقولها التلميذ لناظر المدرسة . 3. " ... اقعد انحكيلك حكاية عرس الزين " ( ص. 6 ) . يقولها التاجر علي لعبد الصمد . هذه الملفوظات الثلاثة تأتي من ثلاثة أصوات مختلفة ( امرأة ـ تلميذ ـ رجل ) ، وفي ثلاثة أزمنة متباينة ( قبيل شروق الشمس ـ الصباح ـ الضحى ) ، وفي ثلاثة سياقات تختلف فيها العلاقة وتتوتر بين راوي الخبر ومتلقيه : ا. حليمة بائعة اللبن تريد أن تغش آمنة . ب. التلميذ الطريفي يأتي متأخرا عن حصة الدرس . ج. علي لايريد أداء ما عليه من دين ، ويماطل عبد الصمد . إن كل واحد من هؤلاء الرواة الثلاثة ، يوظف " الخبر " للتأثير على متلقيه ، والتدليس عليه لتحقيق غاية خاصة ، وهو متيقن من حصولها لخصوصية الخبر ، وطبيعته الخاصة. وفعلا ما أن سمع المتلقون الثلاثة الخبر حتى ظهر الأثر : 1. " وكاد الوعاء يسقط من يدي آمنة " ص . 5. 2. " وسقط حنك الناظر من الدهشة " ص . 6 . 3 . " وجلس عبد الصمد ووضع يديه على رأسه ، وظل صامتا " ص .7 . نعاين بجلاء من خلال التعابير الموظفة لرصد ردود أفعال المتلقين أمام خبر " غير عادي " في حياة القرية : فالوعاء يكاد يسقط ، والحنك يسقط ، ويصاب عبد الصمد بالذهول ، فيظل صامتا . يولد الخبر العجيب الأثر العجيب داخل عالم الرواية . ويدفعنا هذا الأثر ، وذاك الخبر ، نحن القراء إلى التساؤل عن مكمن " العجب " وموئله في هذا الخبر ، وعن طابعه الخبري الذي يتميز به ، والبحث عن الجواب عنه من خلال عملية القراءة . تأتي رواية عرس الزين بكاملها لتكشف لنا عن هذه الخبرية ، وهي تحقق من خلالها سرديتها وروائيتها . ويمكننا معاينة ذلك من خلال المشاهد الثلاثة التي تم عبرها ترهين الخبر . ويفرض علينا هذا الوقوف على طبيعتها ، وخصوصيتها في عملية بناء النص على النحو التالي : 1. من حيث المفارقة الزمنية : نجد الرواية تنفتح على " استباق " ، وذلك على اعتبار أن حدث العرس هو ما تختتم به الرواية . 2 . من حيث التواتر : نحن أمام " التكراري " ، لأن الحدث الواحد قدم إلينا ثلاث مرات ، ومن خلال ثلاثة أصوات مختلفة . 3 . من حيث المدة : يقدم إلينا " الخبر " من خلال " المشهد " الذي يتوازى فيه زمن القصة وزمن الخطاب . إن اجتماع الاستباق والتكراري والمشهد يوحي إلينا نحن القراء ، أننا أمام خبر غير عادي . وذلك بناء على أن الاستباق يبين لنا قيمة الحدث أو الخبر الذي دشن به السرد ، لأن كل ما سيأتي يبنى عليه . وأن التكراري يكشف لنا عن الطبيعة الخاصة للحدث ، ولذلك استرعى الاهتمام أكثر ، وكان له أكثر من راو ، وطريقة في الأداء . وأخيرا يبرز لنا المشهد أن مختلف أطراف مجتمع الرواية ( الشخصيات من مختلف الفئات ، وسواء كانت تمارس السرد أو تتلقاه تنفعل بالحدث ) تمحضه القيمة نفسها . كل هذه الاعتبارات تجعلنا نرى " الخبر " نواة السرد ، ومولِّده في آن واحد . لذلك فإننا على صعيد بناء الرواية ما أن نتجاوز هذه المشاهد الثلاثة ( التي نعتبرها مجتمعة بمثابة مطلع الرواية ) حتى تشرع الوحدات السردية اللاحقة في تحليل الخبر وإضاءته عبر إعادة ترتيب الزمن ، ويظهر لنا ذلك بجلاء في قول الراوي : " ولما انتصف النهار كان الخبر على فم كل واحد " . ( ص . 11 ) يولد الخبر "العجيب " الأثر " العجيب " في مجتمع الرواية ، ويدفعنا هذا نحن القراء إلى التساؤل عن سر "العجب" في هذا الخبر ؟ وذلك ما تضطلع الرواية بالجواب عنه ، ومن خلاله تعمل على إدماج القارئ في النص الروائي .
3 . توسيع الخبر : بما أن الخبر جاء على شكل استباق ، فإن الدخو ل إلى عالم النص ، يتحقق أولا بوضع شخصية " الزين " وقت انتشار الخبر في القرية بكاملها ( منتصف النهار ) قرب البئر يملأ أوعية النساء ، وهو يضحك معهن بطريقته الخاصة ، والأطفال يتصارخون من حواليه "الزين عرس ،،،" وهو يطاردهم ، ويرميهم بالحجارة ، والكل يضحك ويصرخ ، لكن ضحكة الزين كانت تعلو فوق ضحك الجميع ، تلك " الضحكة التي أصبحت جزءا من البلد منذ أن ولد الزين " ( ص . 11 ) . في منتصف النهار ، يصل الخبر الجميع ، ويواجه به الزين ، وكان " الضحك " سائدا مجتمع القرية . وبعد هذا المشهد ينتقل بنا الراوي ، على إثر إشارته إلى " الضحكة" المتميزة للزين إلى ميلاده العجيب ، وإلى الوقوف على صفاته الخارجية ، وموقعه داخل البلد ، ومجموعة من الأفعال التي وقعت له إلى حين إعلان " زواجه " التي كان مثار حديث الشخصيات وتعليقاتها وتأويلاتها . يتم توسيع الخبر باتباع استراتيجيتين اثنتين ، تركز أولاهما على موضوع " العجب " المتصل بالشخصية المحور ، وثانيتهما على أسباب حدوث الأثر في شخصيات عالم القرية ، وهو ما سنتوقف عنده من خلال النقطتين معا . 3 . 1 . الشخصية العجيبة : يتصل الخبر الذي اعتبرناه موئل السرد ب" الزين " الشخصية المحورية في الرواية . إنه مختلف عن باقي الشخصيات ، ولو كان الزواج لشخصية أخرى في البلد ، لما كان له كل الأثر الذي خلفه . ينبري الراوي لتجسيد خصوصية هذه الشخصية انطلاقا من ميلادها إذ هي على غرار الشخصيات العجيبة ذات ميلاد عجيب . أول مظهر للعجب الذي يتميز به عن غيره من الأطفال ساعة الميلاد هو الضحك:"يولد الأطفال فيستقبلون الحياة بالصريخ ،،، ولكن يروى أن الزين ، والعهدة على أمه والنساء اللائي حضرن ولادتها ، أول مامس الأرض ، انفجر ضاحكا . وظل هكذا طول حياته ،،، ". (ص . 15 ) . ثاني مظهر للعجب أنه " كبر وليس في فمه غير سنين ، واحدة في فكه الأعلى ، والأخرى في فكه الأسفل " ( ص .15 ) . ويتوسع الراوي في تقديم أوصافه الخارجية مشفوعة بتشبيهات تتصل بعالم الحيوان : حواجب ولا أجفان ، عنق طويل كالزرافة ، ذراعان طويلتان كذراعي القرد ، ساقان رقيقتان طويلتان كساقي الكركي ، الضحك الغريب الذي يشبه نهيق الحمار ،،، هذان المظهران المتصلان بالعجب يجعلانه فريدا ومتميزا عن الجميع ، بحيث كان "موضوعا " للحكي منذ ولادته : الضحك الذي واجه به العالم كما ترويه أمه والنساء اللواتي حضرن فترة ولادته ، وفقدانه الأسنان البيضاء هو كذلك مما ترويه أمه عندما كان في السادسة من عمره ، ومرورها وهو صحبتها بخربة يشاع أنها مسكونة قبيل المغرب ، وكيف تسمر الزين فجأة " مكانه وأخذ يرتجف كمن به حمى ، ثم صرخ ، وبعدها لزم الفراش ، ولما قام من مرضه كانت أسنانه جميعا قد سقطت ،،، " ( ص. 15 ) . إننا أمام شخصية تنهض على تنافر الأضداد : قبح ظاهر وضحك نادر . وكل ما يتصل بسلوكه وأفعاله هو وليد شخصيته المتميزة المائلة إلى الهبل : شخصية غير عادية ، تفنن الراوي في جعلها قطب رحى البلد ، فإذا هي عفوية ، وبسيطة وساذجة ، يتخذها البعض موضوعا للهزء ، والتندر ، ويراها البعض الآخر وليا من أولياء الله . شخصية بهذه المواصفات لايمكن أن تتزوج أبدا ، ولاسيما عندما نعرف أن الفتاة التي يتزوج من عائلة ذات موقع متميز في البلدة . إنها " نعمة " التي يتهافت عليها الجميع . وعندما يشاع أنها قبلت الزواج منه ، فلا يمكن لذلك إلا أن يكون حدثا استثنائيا في حياة البلدة ، بل إن العام الذي يتزوج فيه " الزين " سيصبح في تاريخ القرية معروفا ب " عام العجائب ".ألم يصرخ ناظر المدرسة ، وهو متوجه إلى دكان الشيخ علي وعنده عبد الصمد قائلا قبل أن يصل إليهما : "شيخ علي ، حاج عبد الصمد ، السنة دي سنة العجايب دا كلام إيه دا ؟ ". ( ص.88) . إن بناء شخصية " الزين " من خلال تجسيد عناصرها الفيزيولوجية والذهنية تجعلنا فعلا أمام شخصية غير عادية ، ولا طبيعية بمقارنتها مع باقي الشخصيات . ويبين لنا هذا الملمح لماذا كانت للخبر كل الآثار التي لمسناها في مطلع الرواية من خلال الاستباق . 3 . 2 . أثر الخبر : تتطور أحداث الرواية متخذة من شخصية " الزين " محورا مركزيا . وفي هذا التطور يتوسع الخبر عبر استدعاء كل واحد من المشاهد الثلاثة . ومن خلال هذا التوسيع يتم تفسير دواعي حصول الأثر في الشخصيات من جهة ، وإبراز العلاقات التي تربط بين مختلف الشخصيات في الرواية من جهة ثانية ، وأخيرا يتم الكشف عن خصوصياتها وطبائعها . 3 . 2 . 1 . آمنة ، وبائعة اللبن : ينتقل بنا الراوي في الصفحة 41 إلى المشهد الأول بين حليمة بائعة اللبن وآمنة ليكشف لنا سر حصول الأثر في آمنة وأسبابه . قبل شهرين من شيوع الخبر ، كانت بين آمنة وسعدية أم نعمة قطيعة بسبب موت أم آمنة ، ولم تأت سعدية لتعزيتها ، أنها كانت مريضة في المستشفى . وعندما خرجت منه لم تذهب آمنة للاستفسار عن صحتها ، لأنها لم تعزها . لكن بعد مدة ذهبت آمنة إليها لتطلب يد اينتها "نعمة " لابنها أحمد . وكان الجواب هو الرفض " والآن يزوجونها للزين . هذا الرجل الهبيل الغشيم . يزوجونها للزين دون سائر الناس ... " (ص .43 ) . إن الأثر الذي أحدثه الخبر في آمنة جاء مشفوعا بالغضب بسبب كون أهل العروس رفضوا تزويجها لابنها أحمد ، لذلك " شعرت آمنة كأن في الأمر إساءة موجهة إليها شخصيا ، عن عمد " ( ص . 43) . هذا الغضب أحست به بائعة اللبن ، فحسبت آمنة قد أدركت أنها غشتها ، فزادتها قليلا لتأخذ بخاطرها . 3 . 2 . 2 . نجد الأمر نفسه مع ما رأيناه في المشهدين الثاني والثالث . فمن الصفحة 87 إلى الصفحة 95 يضعنا الراوي أمام الناظر والشيخ علي وعبد الصمد . حين سمع الناظر بخبر زواج الزين من التلميذ الطريفي نسي أن التلميذ جاء متأخرا ، وعليه أن يعاقبه . ولم يمكث إلا برهة في القسم ، وطلب من التلاميذ مراجعة درس الجغرافيا ، وخرج من القسم مسرعا ، وتوجه نحو دكان الشيخ علي . بواسطة الخبر نجا لطريفي من العقاب ، ونجا التلاميذ من درس الجغرافيا . تماما كما نجح الشيخ علي في عدم ماعليه من دين لعبد الصمد الذي جاءه ليخلص منه دينه بالخير أو بالشر . لكن الحديث عن " زواج " الزين أنسى عبد الصمد تخليص ماله من الشيخ علي . ونتبين من العرض غير المباشر الذي جرى بين الثلاثة حول الزواج أن الناظر كان قد فكر ذات مرة في خطبة " نعمة " من أبيها ، لكنه رده لفارق السن بينهما ، ووعده ألا يذكر ما جرى بينهما . لكن الناظر " لما سمع بأنها ستزف للزين دون سائر الناس أحس الخنجر ينغرس أكثر في قلبه " . ( ص. 92 ) . لايختلف موقف الناظر عن موقف آمنة ، فكلاهما يرى أن زواج الزين من نعمة هو موقف شخصي من كل واحد منهما . لكن المسألة لاتتعلق فقط بالرفض ، وتزويج نعمة ، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه على كل واحد منهما ، هو لماذا الزين بالضبط ؟ ونلاحظ ذلك بجلاء في " تعجب " كل من آمنة والناظر ، وتساؤلهما " لماذا الزين دون سائر الناس ؟ " . هذا التساؤل يؤكد لنا الطابع الخاص الذي تتميز به هذه الشخصية في عالم الرواية . إن توسيع الخبر لايظهر لنا فقط من خلال " عجائبية " الشخصية ، أو تفسير الأسباب الكامنة وراء الأثر الذي أحدثه الخبر في مجتمع الرواية ، ولكنه علاوة على ذلك ، يكشف لنا عن عوالم شخصيات الرواية ، وما تعرفه من اصطفافات ( معسكر العقلاء / فريق الشبان/ فريق محجوب ،،، ) وتقاطبات ( التحولات الطارئة على مجتمع القرية من خلال ما يجري فيها ) ، ومجمل العلاقات العامة والخاصة التي تربط أو تفصل بينها . وهذا الكشف له صلة وثيقة ببناء " شخصية الزين " وموقعها داخل مجتمع الرواية لأن " الزين كان فريقا بذاته " ( ص . 100 ) . 4 . القسم / التنبؤ : إذا كان توسيع الخبر قد تم من خلال استراتيجيتين تتصلان به ، وتفسران طبيعة الشخصية المحورية ، وعلاقات الشخصيات بعضها ببعض ، وموقفها من الزين ، فإننا نجد أنفسنا أمام ما يسمح لنا بالحديث عن " تشعب " الخبر من خلال توظيف أسلوبين لايختلفان معا عن الخبر في حد ذاته باعتباره نوعا سرديا ولكنهما يساهمان معه في تشكيل عالم الرواية وتأثيثه وبنائه . هذان الأسلوبان هما : 4 . 1 . القسم : توظف الرواية إلى جانب الخبر القسم متصلا بالزواج ، مباشرة بعد وصف الزين . ذلك أن الزين كان في مجلس يحكي للحاضرين عن إحدى مغامراته في الحفلات التي يحضرها بقصد الحصول على الطعام ، ولكي يؤكد لهم حكيه ، قال :" علي بالطلاق آزول الريحة سكرتني " . ( ص . 19 ) إن القسم بالطلاق جزء أساسي من بنية الكلام ، وقد يستعمله المتكلم لتأكيد كلامه ، لكن عبد الحفيظ اعترض على حلف الزين بالطلاق ، مبينا أن الزين لن يتزوج أبدا من خلال قوله : " وضحك عبد الحفيظ : " وين المره البطلقها مع الرجال ؟ " لم يعبأ الزين بهذا ، ولكنه استمر يحكي في القصة ،،، " ( ص . 19 ) . إن عبد الحفيظ حين يقاطع الزين بعد سماعه قسمه بالطلاق يؤكد لنا نحن القراء الصورة التي بدأت تتشكل لدينا بصدد الخبر ، ونحن نتساءل عن إمكانية تحققه أو أسباب الأثر التي خلفها ، بعد أن عاينا ما أحدثه في الشخصيات الثلاث في مطلع الرواية . إن موقف عبد الحفيظ يعكس لنا بدوره خصوصية الزين وإجماع الناس بصدده ، وأنه لايمكن أن يتزوج أبدا . لكن تطور الأحداث ، وحصول الزواج في نهاية الرواية ، يضعنا أمام تحويل الرؤية الأولى التي تشكلت لدينا عن الزين . وفي حفل العرس ، كان الزين يقف بنفسه ليحث الناس على الأكل "،،، يبتسم ويضحك ، يدخل بين الناس ، يهز بالسوط ، ويقفز في الهواء،،، ويحث هذا على الأكل ، ويحلف على هذا الطلاق أن يشرب " . ( ص. 121) . يذكرنا هذا القسم بما رأيناه في بداية الرواية ، لكن القسم الآن صار له معنى كما يبدو لنا ذلك من خلال تعليق محجوب على كلام الزين " وقال له محجوب : " دحين أصبحت بني آدم . حلفتك بالطلاق يادوب أصبح ليها معنى " . ( ص . 121 ) . واضح الفرق بين الصيغة الأخيرة ، والأولى . فالآن صار الزين " إنسانا " بتحقق فعل الزواج وأن حلفه بالطلاق صار له معنى ، أما قبل ذلك ، فلم يكن سوى لغو .
4 . 2 . التنبؤ : إذا كان " القسم " بالطلاق هو ملفوظ الشخصية الذي يثير السخرية والضحك في بداية النص ، لأن الزين لايمكن أن يتزوج ، كما كان ذلك في وعي الشخصيات ، فإن "التنبؤ " ملفوظ شخصية الحنين الشيخ الناسك في القرية . وهذاا الملفوظ له طابع سحري ، ويأتي من شخصية " عجائبية " ، لأنه كما يرى محجوب بصدد أقوال الحنين "نبوءات هؤلاء النساك لاتذهب هدرا " ( ص . 67 ) . بعد الشجار الذي وقع بين الزين وسيف الدين بسبب أخت سيف الدين ليلة عرسها ، وكاد الزين أن يقتل سيف الدين ، جاء الحنين ليوقف الزين وهو ممسك برقبة سيف الدين ، وقال له " باكر تعرس أحسن بت في البلد دي . وأحس محجوب بخفقة خفية في قلبه . كان فيه رهبة دفينة ما لأهل الدين ،،، " ( ص . 67 ) . تتضافر هذه النبوءة مع القسم لتلعب دورا مهما في تشعب خبر الزين ، وتفسير العوامل المتعددة التي ساهمت في تحققه ، وتقديم مختلف العناصر التي تجعله ممكنا ، وفي النهاية واقعا . وفعلا نلاحظ أنه إذا كانت هذه النبوءة قد جاءت في منتصف الرواية ، فإننا نلاحظ في المجلس الذي ضم الناظر والشيخ علي وعبد الصمد ، وهو يتحدثون عن الزين والزواج ، كيف يتدخل عبد الصمد ليقول : " كلام الحنين ما وقع في البحر . قال له باكر تعرس أحسن بت في البلد" ( ص .89 ) . ويعلق الناظر : " أي نعم والله . أحسن بت في البلد إطلاقا . أي جمال ! أي أدب ! أي حشمة ! ... " (ص . 89 ) . ويتكرر المشهد بحضور الزين في مجلس يضم محجوبا وسعيد والطاهر الرواسي ،،، وهو يتحدثون عن عرس الزين متعجبين ، فيتدخل الزين " وقال في سرور : الحنين قال لي قدامكم كلكم : باكر تعرس أحسن بت في البلد " .( ص . 112 ) . إن التعبير عن كلام الحنين من خلال التكراري له أكثر من دلالة في توجيه الأحداث ، والهيمنة عليها . إنه يوجهها لأن النبوءة ليست فقط قولا عاديا من شخصية عادية ، ولكنه يساهم في تشعب الحدث بجعله " مقبولا " من قبل الشخصيات التي لايمكنها أن تعارضه أن تتدخل ضده . وسنلاحظ ذلك بجلاء في التأويلات التي رافقت الحدث ، وما جره من أقاويل وتعليقات . 4 . 3 . تأويلات وأقاويل : لقد وظفت لتقديم المادة الحكائية في رواية عرس الزين أنواع ثلاثة هي : 4 . 3 . 1 . الخبر : الذي قد جاء عن طريق الاستباق ، وتم توسيعه من خلال الذهاب إلى "الحكي الأول " المتصل بميلاد الشخصية العجيبة ، وبدأت الأحداث تتطور ، وتتشعب من خلال توظيف : 4 .3 .2 . القسم : وهو نوع كلامي وظفه الروائي ليضعنا أمام احتمالين : إمكان نفاذ وتحقق الزواج أو عدمه . 4 .3 . 3 . التنبؤ : وهو كذلك نوع كلامي لا يمكن أن يصدر إلا عن شخصية لها خصوصيتها. وإذا كانت الرواية قد افتتحت باستباق ( الخبر ) ، فإن النوعين الآخرين ( القسم / التنبؤ ) تم توظيفهما في منتصف الرواية ، ليتم تحققهما في النهاية . وبذلك تتضافر هذه الأنواع الثلاثة ، وتتكامل لتشكيل عالم الرواية ، وتضمن تلاحم بنيتها الحكائية وانسجامها. إننا كما رأينا " التكراري " يبرز لنا بجلاء من خلال الأنواع التي ألمحنا إليها وهي تقدم لنا " الحدث " المحوري ، أو من خلال توسيعه أو تشعبه ، نجده باديا كذلك في نهاية الرواية ، وقد وصلنا إلى الحدث نفسه ( الزواج ، وقد أخذ موقعه ضمن الترتيب إذ به تكتمل دورة الرواية ) ، لكن هذه المرة ليس من خلال الإعلان عن الخبر ، ولكن من خلال تأويلاته ، وما رافقه من أقاويل في مجتمع الرواية ، وبالأخص من خلال الأصوات التي من خلالها وصل الخبر : " اختلفت الأقاويل . قالت حليمة بائعة اللبن لآمنة ، وكأنها تغيظها ،،، إن نعمة رأت الحنين في منامها ، فقال لها : عرسي الزين . اللي تعرس الزين ما بتندم ،،، وزعم الطريفي لزملائه أن نعمة وجدت الزين في يحشد من النساء ،،، فحدجتهن بنظرة صارمة وقالت لهن : باكر كلكن تأكلن وتشربن في عرسه ،،، وروى عبد الصمد للناس في السوق أن الزين هو الذي طلب الزواج من نعمة ،،، إلا أن المرجح أن الذي حدث غير هذا ، وأن نعمة ، بما فيها من عناد ، وربما بوازع الشفقة على الزين ، أو تحت تأثير القيام بتضحية ، قررت أن تتزوج الزين ،،،( ص . 116 ـ117) هذه التأويلات المتعددة التي تقدمها لنا الرواية تأتي على شكل أقاويل لايمكن إلا أن نشك في صحتها أو ملاءمتها لما تقدمه لنا لرواية من إمكانات ومعطيات . فحليمة بائعة اللبن لاتسوق ( تروي ) الخبر إلا بقصد مركزي : إغاظة آمنة . ولذلك فإنها تذهب إلى اختلاق سبب وجيه يقضي بالزواج بين الزين ونعمة بإعطائه بعدا عجائبيا ( حلم نعمة بالحنين ) . وعلينا ألا ننسى في هذا السياق " التنبؤ " الذي جاء على لسان الحنين . إن حليمة تستثمره بذكاء مركزة على بعده القابل للتحقيق ، فهو الكلام الذي لايرد . أما الطريفي ( التلميذ ) فيجعل الزواج جاء بإرادة " نعمة " لما رأت الزين وسط النساء وهن يضحكن منه . إنه التحدي الذي تمارسه نعمة حيال قريناتها . أما عبد الصمد فيجعل أمر طلب الزواج جاء بناء على رغبة الزين ، فهو الذي أقدم على ذلك بتوجيه من "كلام " الحنين الذي يعتقد فيه ، وسبق أن بينا استشهاد الزين بكلام الحنين . تتعدد هذه التأويلات ( الأقاويل ) وتختلف باختلاف أصوات الرواية . تركز حليمة على نعمة من خلال حلمها بالحنين ، والطريفي كذلك ينطلق من نعمة تبعا للمشهد الذي عاينته هذه الأخيرة ، بينما يركز عبد الصمد على الزين . هذه الاختلافات في تأويل "الخبر" ترتبط بجلاء باختلاف طريقة تقديم الخبر من قبل الأصوات التي وقفنا عليها . لكن الراوي له وجهة نظر خاصة بصدد هذه التأويلات ، فهو يستبعدها جميعا ، ويقدم لنا تأويلا آخر يراه مناسبا . يبدو لنا ذلك بجلاء في قوله " من المرجح أن الذي حدث غير هذا " . إن الصيغة بينة في الكشف عن التأويلات المقدمة ومدى مجانبتها للصواب ، لذلك يقترح علينا تأويلا مغايرا " إن نعمة بما فيها من عناد ، وربما بوازع الشفقة على الزين ، أو تحت تأثير القيام بتضحية ، قررت أن تتزوج الزين " ( ص . 117) . يركز الراوي على البعد النفسي ل" نعمة " وما تتميز به من عناد ، ويفسر ذلك بتشديده على " ربما " من خلال الإيحاء إلى شفقة نعمة على الزين ، ورغبتها في التضحية . يلتقي التأويل الذي يقدمه لنا الرواي مع ما نجده عند التلميذ الطريفي من خلال تركيزه على " رغبة " نعمة في الزواج من الزين . لكن الراوي يعطيها أبعادا أكثر وضوحا ، مادام التلميذ يبرزها لنا من خلال " المشهد " الذي جمع النساء بالزين ، وهن يضحكن منه . إنه موقف لايمكنه إلا أن يثير الشفقة ، ولاسيما إذا عرفنا أن نعمة بنت عم الزين . هذا الترجيح الذي يقدمه الراوي نجد ما يعضده و يفسره في بداية الرواية عندما انبرى لتقديم صورة عن شخصية " نعمة " من خلال تركيزه على عنادها ، ورغبتها في التميز . فهي في طفولتها أرغمت أباها على دخولها الكتاب لتتعلم القرآن ، وهي عندما كانت تقرأ القرآن الكريم كانت تشعر بنشوة عظيمة ، ولاسيما " حين تصل إلى الآية : " وأتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا " وتتخيل رحمة امرأة رائعة الحسن ، متفانية في خدمة زوجها ، وتتمنى لو أن أهلها سموها رحمة . كانت تحلم بتضحية عظيمة لاتدري نوعها . تضحية ضخمة تؤديها في يوم من الأيام " ( ص .52 ) . كانت نعمة تتمنى لو كانت " رحمة " زوجة أيوب ، ولو سماها أهلها رحمة ، لأنها "منذورة " لتقديم تضحية عظيمة . لذلك فإن رغبتها التي تكونت عندها منذ طفولتها ، صارت بمثابة " التنبؤ " أو " الحلم " الذي ظل مسيطرا عليها منذ زمان . وهي حين كانت تضع صورة عن فارس أحلامها ، لم تكن تفكر كثيرا فيه ، وكأنها قد حسمت الأمر مع نفسها منذ اكتشافها الزين . إن الزين في وضعه الاجتماعي لايختلف كثيرا عن " أيوب " فهو عرضة للهزء والسخرية من الغير ، ومدعاة للرحمة والشفقة من نعمة . ولنا أن نتذكر هنا المشهد الذي يرويه التلميذ الطريفي عن نعمة ، وهي تخاطب النسوة اللواتي كن يضحكن من الزين . إن التأويلات أو الأقاويل لاتختلف من حيث الجوهر ، حتى وإن رجح الراوي واحدا منها على غيره . إن دلالتها واحدة وتبرز في كون " نعمة " منذورة للزين ، سواء جاء ذلك بناء على رعبتها في التحدي ، أو الشفقة ، أو استجابة للحلم الذي رأت فيه الحنين . 5 . تركيب : ينجح الطيب صالح في بناء رواية عرس الزين على " الخبر " . ويوظف لتوسيعه وتشعبه نوعين آخرين هما " القسم " و" التنبؤ " ، وانطلاقا من استثمار عالم القرية في جزئياته وتفاصيله ، يقدم لنا تجربة روائية يتداخل فيها " الواقعي " ( واقع القرية السودانية ) مع " التراثي " ( من خلال العديد من العناصر الدالة عليه ) بحيث لانجد مسافة بينهما . إن التاريخ القديم بأشكاله ومثله وقيمه ما يزال ممتدا في الحاضر . يبرز ذلك بجلاء في كون استثمار البنيات الحكائية القديمة ( الخبر ) وأشكال تلقيه وتأويله، ومختلف أنواع الحديث أو القول ، وخاصة " القسم " ، وأٌقوال الزهاد ذات الطابع التنبؤي، جاءت لتصب جميعا في قالب " العجائبي " الذي تزخر به الرواية ، وتكشف لنا عن العلاقة بين الواقع والتاريخ والتداخل الحاصل بينهما : فالحلم ، والخربات المسكونة ، ودعوات الحنين كلها لها دور كبير في طبع عالم الرواية ومجتمعها بالطوابع التي تؤكد ذلك التواشج الذي نلمسه في التاريخ العربي ، وإذا هو متصل بعالم القرية . وهناك عناصر أخرى لها أكثر من دلالة في النص الروائي ، وهي تعمل مجتمعة على تأكيد ما نرمي . إن تداخل الواقعي والتاريخي ، يجعلنا نستعيد ما قلناه في البداية عن العلاقة بين التـأصيل والتجريب ويدفعنا إلى استخلاص أن الروائي وهو يشتغل بما يزخر به الواقع من قيم متناقضة وممتدة من التاريخ ، يمكن أن يسهم في تـأصيل الرواية العربية دون أن تكون تجربته مستمدة من التراث السردي العربي . فالتداخل بين الواقع والتراث ممتد في الزمان ، وهناك العديد من العناصر التي نتعامل معها الآن بأنها من صميم التراث ما تزال تجلياتها بارزة في واقعنا . وحين يوظفها روائي من طراز الطيب صالح ، فإنه بذلك يدفعنا إلى معاينة الحدود القائمة بين الواقع والتاريخ ، بين الحداثة والتراث من منظور مخالف لما يشيع في الأدبيات الرائجة ، وينبهنا إلى ضرورة التساؤل بصددها . نجد الجواب الواضح عن الإشكال الذي نطرح الآن كامنا في ما يسمى ب " الثقافة الشعبية "، إذ كلما نجح الروائي في الإنصات إلى نبض الواقع وبما يمور به كان التداخل واضحا بين التاريخي والواقعي ، وبينهما والأسطوري ، وبين مختلف الأشكال السردية التي وظفها العربي منذ القدم للتعبير عن هواجسه وأحلامه . وحين يمسك الروائي بمختلف هذه المكونات ، تتداخل الرواية بغيرها من الأشكال ، فيقع استثمارها على النحو الذي يضعنا أما الفعل الإبداعي الذي يظل ينهل بوعي أو بدون قصد من الثقافة الشعبية باعتبارها ذاكرة ، أو تجسيدا ثقافيا ما يزال ينبض بالحياة . والروائي الحقيقي هو الذي يلتفت إلى هذا الطابع الشعبي الذي ترثه الرواية بامتياز ، فإذا هي تنفتح على كل التراث، وتتمثله ، وتستوعبه ، موظفة إياه في صور نابضة بالحياة فيتصل الزمن الماضي بالحاضر ، بشكل يجعلنا نرى التداخل والتكامل بينهما . هذا التوظيف الخاص للواقع في امتداده التاريخي ، هو الذي أعطى لرواية " عرس الزين " طابعها الخاص ، الذي يتمثل في اتصالها بالواقع ، وبالحياة الشعبية في أعمق تجلياتها ، وصورها التي تصلها بالتاريخ وبالإنسان العربي في انتمائه الثقافي والحضاري ، ولعل تحليلا شاملا وأوسع للرواية قمين بجعلنا نلتفت إلى هذه الطوابع المهمة والغنية ، والتي بدأت الرواية العربية تتعامل معها بوعي ، وبصور عديدة تستدعي البحث والسؤال. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 . عرس الزين، الطيب صالح ، دار العودة ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1970
|
| |
|
|
|
|
|
|
|