|
الطيب مصطفى: قصة شعبية سودانية (الآخرون يمتنعون)
|
في صباح يوم مشرق خرج السيد (عربي فخرالدين عبد القديم) من منزله بحي (الغروب الهادئ) وهو يقود سيارته (كلاسك بورش) ذات الإطارات المتميزة المتينة والتي كان يفخر بين أصدقائه في النادي (العتيق) بقوله: - إن شركة (old way)، التي انا من زبائنها الدائمين، تمتلك أمتن الإطارات في العالم. كان من الواضح أنه يحب أن يضفي كلمة (انا) على جمله حتى ولو كانت (قصيرة). ولكن هذا يبعدنا عن حكايتنا قليلا. في ذلك الصباح المشرق كما قلنا خرج من منزله ليشتري (جريدة) يومية، ولكنه أراد ان ينتهزها فرصة يرى فيها (احوال) الوطن والشعب! فلقد كان السيد (عربي فخرالدين عبدالقديم) مهموما بالوطن، ومهتما بالشعب. كان كثيرا ما يحدث أصدقائه في النادي (العتيق) عن همومه الوطنية فيقول: - هذه البلاد تسير نحو كارثة، انا قلت هذا لوزير الداخلية. هل لاحظتم كيف يدخل كلمة (انا) على جمله؟ نعم نعم أدري انني ابعد عن الحكاية.. حسنا.. اين توقفنا.. نعم عند الجريدة. كانت الشوارع في ذلك اليوم – وعلى غير العادة– خالية تماما من المارة، بل حتى السيارات لم تكن موجودة، حينها ظن السيد (عربي فخر الدين عبدالقديم) أن اليوم (جمعة)، فيوم الجمعة يستغله (الشعب) للراحة.. الشيء الذي لم يرض عنه ابدا.. كيف يرتاح مرتاح اصلا، كان يقول لاصدقائه دائما: - هذا الشعب لا بد له من نهضة، انا قد تكلمت مع الرئيس وأوضحت له ضرورة اتخاذ ترتيبات في هذا الموضوع. لكن هناك أيضا موضوع الأجانب.. يجب الا ننسى هذا الموضوع الخطير، انا لا انساه ابدا. حسنا.. انا انحرف الان عن الحكاية ولكم مطلق الحرية في تركها كاملة. لقد كان السيد (عربي) يخاف أكثر ما يخاف من الأجانب، فهم أصل البلاء والداء.. يحملون الى (الشعب) عاداتهم السيئة، ويعيثون فسادا في الأرض، مجرد حثالة.. (اوباش) على حد تعبيره. انه لا زال يذكر تلك الضجة التي حدثت من الموظفين الفرنسيين عند فوز بلادهم بكأس العالم.. خرجوا الى الشوارع شبه عراة وهم يهتفون ويعربدون.. والنساء!!!! ياللهول كن شقراو.. احم .. شقيات وشبه عاريات، تبرز اثدائهن كرومانات..لم يكن السيد (عربي) يسترق النظر، حاشا لله بل فوجئ بهذا المنظر اللعين فوقف رغما عنه فاغرا فاه، ومرخيا وجنتيه، وشادها عينيه من هول المصاب.. رحمه الله، كاد أن يهلك في تلك الليلة، كن النساءءءء يلبسن الجنز!! وينتعلن الأرض.. وكانت احداهن ترقص رقصة غريبة تتحرك معها أردافها كقوالب الجلي.. وهي تتمايل بخفة، كل هذا والسيد (فخر الدين) لا يبارح مكانه دهشة وذهولا. اليس له حق في كره الأجانب: - انا قلت للرئيس أنه يجب قفل هذه البلاد.. والا ستعم الفوضى. حسنا "سأبطل الثقالة" واواصل القصة.. لسوء حظ السيد (عربي فخرالدين عبدالقديم) لم يكن ذلك اليوم يوم جمعة.. لقد كانت الأربعاء، ولم يكن عيد الاستقلال بالطبع فبيننا وحشرناير أشهر فنحن لا زلنا في زفتمبر(هذه هي الألقاب التي يطلقها السيد عربي على الشهور). على العموم لم يكن اليوم عيد الاستقلال، ولا العمال، ولا عيد الثورة، ولا عيد توقيع اتفاقية بيع الايسكريم للصين، ولا عيد استيراد اولاد سمحين من ماليزيا، ولا اي عيد.. كان اليوم (يوم الله) وبس. مثله مثل اي يوم عادي الأربعاء الخامس وال (وهنا بدأ الأمر يتضح) هذا شهر زفتمبر أقصد سبتمبر، وهو شهر مولده.. اها لا بد أن (الشعب) يجهز لي مفاجأة ما، هكذا فكر، لطالما قلت لهم في النادي: - هذا الشعب سيعرف قيمتي يوما ما انا من اشد المهتمين به طوال عمري. اها.. لا بد أنه قد فطن للدور الذي لعبته في الابقاء عليه صحيحا ومعافيا.. خصوصا ابعادي للاجانب. الحق ان السيد (عربي) قد إجتهد في ابعاد الاجانب ايما اجتهاد، لقد كان السبب المباشر في سحب فرنسا لبعثتها من كافة البلاد، كيف لا وهو رأى ما رأى وشاهد ما شاهد طوال نصف ساعة هي الفترة التي استغرقها حتى يفيق من ذهوله ويهرع الى منزلهم الذي كان يقف خارجه. بعدها كان يدبر للأمر، وكانت الفرصة سانحة عندما شاهد أحد الفرنسيين يلج الى إحدى الكنائس النائية.. حينها تكشف المخطط ووضحت المؤامرة وطرد الفرنسي بسفارته.. وهذا ما فعله مع الطليان والالمان وكل الفرنجة.. ولكن كان هناك الهنود.. ذلك الشعب الهمجي اللاديني حارقي الجثث.. ولكنه تمكن من بعد جهد خارق أن يكتشق علائقهم المريبة باسرائيل وأن يفضح المخطط (اليهودي النصراني الهندوسي اللاديني الماسوني). كانت جهود السيد(عربي) كبيرة لفضح كل المخططات، وكان من الطبيعي أن يرد له (الشعب) جميلا بجميل، فكر، لابد أنهم مختبئون في مكان ما.. لقد قلت في النادي مرة: - الشعب يعرف كيف يفاجئ قواده. هذه هي المرة الوحيدة التي لم يقل فيها لفظة أنا.. هل لاحظتم ذلك.. يجب ان تلاحظوا ذلك لأن هذه الجملة قد كانت صحيحة 100%، فلم يشأ (ولعله جمال الطبيعة الأم) ان يشينها (بـ انا) فلفظة كتلك كانت... حسنا ساواصل القصة، ولو أنها كادت أن تنتهي. لقد استقر رأي السيد (عربي) على تلك الفرضية.. وهي أن الشعب يدبر له (surpriiiiiiise) في عيد ميلاده، نعم كان هنالك ذلك الاحساس بعدم الطمانينة لأن يوم ميلاده هو الثالث عشر، أي انه قد فات، ولكنه لم يسمح لذلك الاحساس أن يسيطر عليه (ويخرب) شعوره بالزهو والكبرياء والعزة.. - والله لم يكن هناك أي داع لهذا.. كان الأجدر بهم أن يهتموا بأمور أخرى، فالبلد بها كثير من المبدعين.. فبدلي انا كان احق لهم ان يكرموا الطيب صالح فهو شخص مش بطال والله، انا لا استحق كل هذا، صحيح ان الطيب صالح لم يلعب دورا مهما في طرد الأجانب، ولكنه الف قصة عظيمة في سبهم وبلدهم.. عجبني جدا الولد مصطفى سعيد واللي عمله مع الخواجيات قليلات الأدب.. نعم بلا شك أن موسم البتاع الى الهناي هي قصة مش بطالة.. وان كنت لا احب القصص، لكن انا لا استحق كان الأولى أن يكرموا اسمه ايه ده... الله على الذاكرة الخربة... هو الواحد يتذكر ايه ولا ايه.. وهكذا.. راح السيد عربي يأكد لنفسه (مفاجأة) الشعب له ويدور بعربته في كل انحاء (البلاد) مترقبا خروجهم من إحدى (الملفات) وهم يحملون (تورتة) ضخمة بحجم الصينية، على ظهور اعضاء من (الشعب). كانت الطرقات خالية تماما، وكان الشعب قد حقق مفاجأته المرتقبة. ق ص م 8/سبتمبر/2006 الثانية صباحا
|
|
|
|
|
|