|
مقال لـ محمد المكي إبراهيم جديرة بالقراءة
|
بل أنا اطلب عفوك سعادة المقدم محمد المكي إبراهيم [email protected] في كلمة بالغة التهذيب مستقيمة المنطق كتب سعادة مقدم شرطة محمد عبد الله الصايغ يعاتبني عن كلمة قلت فيها إن انقطاع الكهرباء أيام الانتفاضة عام 1985جعل الشرطة "تنهج –خلف المتظاهرين مقطوعة الأنفاس في الحواري الشعبية المتعرجة "مما قادها "إلى التسليم بأمر الشعب والانضمام إليه".وبكلماته الرقيقة المهذبة أعاد سيادته إلى ذاكرتي مشهدا من مشاهد الامتنان العميق لا زلت احمله لجهاز الشرطة وكافة العاملين فيه.
كنت في تلك الأيام سفيرا للسودان لدى باكستان وكنت مهددا بقدوم النميري على ذلك البلد في زيارة لم افهم لها مغزى ولم أر لها داعيا وقد حاولت الاعتراض عليها وطلب تأجيلها بكل الوسائل وكان من ضمن ذلك ما ذكره الصحفي والمؤرخ اللامع محمد سعيد محمد الحسن (في كتابه عن الدبلوماسية السودانية)عن البرقية التي أرسلتها لرئاسة الخارجية حين قام النميري باعتقال الدكتور الترابي ورهط من أصحابه بعد إعلانه عن زيارته لباكستان وذكرت فيها أن الرئيس ضياء الحق درج على سؤالي كلما جمعتنا المناسبات قائلا :كيف صديقي حسن الترابي How is my friend Turabi وقد أوردت ذلك ضمن اعتراضاتي على موعد الزيارة.وقد تأكدت أن زملائي الكرام في رئاسة الوزارة نقلوا تلك البرقية بحذافيرها إلى النميري في واشنطن التي بقي فيها إلى حين سقوطه النهائي.
ولا اخفي عليك أنني كنت متوترا من فكرة حضور رئيس البلاد على رأس وفد يكاد يكون عائليا في زيارة رسمية بلا أجندة ولا هدف وقد بحت بدخيلة نفسي لاثنين من السفراء الذين أكن لهما بالغ الود واضع فيهما كامل الثقة وهما السفير النيجيري بابا كنجبي الذي عمل في السودان فيما بعد ممثلا للاتحاد الإفريقي والسفير السوري سيفي الحموي وهو رجل من ذهب.
كان من رأي الحموي أن لا استعجل الأمور وان لا أقوم بتصرف غير دبلوماسي وان أبقى مكاني مستطلعا الأمور لان الله سيهيئ لي مخرجا.وكان من رأيه أيضا أن أتحرى الأخبار من عديد المصادر نظرا لقلة اهتمام الصحافة العالمية بأخبار السودان.وكانت الخطوة الأولى في ذلك السبيل أن اطلب من السفير الكويتي أبو احمد (ذكره الله بالخير) أن يوافيني برسائل وكالة الأنباء الكويتية – كونا- إذ أن مسكنه كان مزودا بجهاز لاستقبال رسائلها(تيكر) فاستنكر أن ابعث في طلبها كل مساء ووعد بأن ينقلها إلى ولو بنفسه فقد كان الرجل على علاقة قديمة بصهري الأستاذ إبراهيم الياس الاقتصادي المعروف وبالفعل أصبح سائق السفير الكويتي يقصد داري مرتين في اليوم ليسلمني الرسائل – مرة في الصباح الباكر قبل الذهاب إلى العمل ومرة في المساء.
وفي ذات مساء أغر محجل طالعت في تلك الرسائل نبأ يقول إن الشرطة السودانية وزعت منشورات تحث الشعب على الاستمرار في التظاهر متكفلة بعدم التعرض للمظاهرات أو تفريقها.وعندما قرأت الخبر قلت لنفسي :"لقد انتهى حكم النميري" وكررت ذلك لأصدقائي سيفي وبابا كنجبي ولكنني كتمته عن وفد المقدمة الكبير الذي وصل منذ عدة أيام وكان –والحق يقال-مكونا من ثلة من كرام الرجال من الشرطة والأمن ومراسم القصر وعلى عكس ما أوردت بعض المجلات العربية لم أصادر الأموال التي استودعوني ولم اقل فيهم ما لا يتفق وقواعد المروءة وقد عجب الكثيرون للمودة التي نشأت بيني وبين العميد النميري الذي لم يكونوا يعلمون انه من تلامذة أهلنا الإسماعيلية وقد وجدته يحفظ ويردد الاماديح التي نشأنا عليها أطفالا في حي القبة.ويرى سعادة المقدم من ذلك مدى إعزازي للشرطة واهتمامي بدورها ليس فقط في حفظ الأمن والنظام وإنما أيضا في العمل ضمن ضبطها وربطها لإطاحة الظلمة والقتلة من سدة الحكم وذلك في إطار ظروف تاريخية استثنائية الطابع. وفي الظروف العادية تجدنا جميعا مهتمين بدورها الوطني في صون الأمن وإخماد الفتن ويكفيها ذلك فخرا ومجدا بل أنا شخصيا من أنصار ابتعادها – هي وكل الأجهزة النظامية من الانحيازات السياسية لهذا الجانب أو ذاك.وفي إطار دورها الدستوري المحدد تجد الشرطة ورجالاتها (وسعادتك على رأسهم) كامل تقديري وامتناني وإنه من أخيك
محمد المكي إبراهيم عن سودان نايل
|
|
|
|
|
|