|
|
 د. محمد الرازي : لن ننسى المضيفة سهام يا كابتن سعيد
|
لن ننسى المضيفة سهام يا كابتن سعيد
كلما تذكرت الرحلة س د 109 تتملكني مشاعر الغضب. تلك الرحلة التي شدت أنظار العالم اجمع إلي مطار الخرطوم والطائرة الايربص تحترق داخله. خليط من الغبن والحسرة والغيظ علي ما آل إليه إحساسنا بالغلط والصاح وكيف وصلنا الي هذه المرحلة التي يموت فيها أبناء هذا البلد ثم ننكب علي حياتنا كأن شيئا لم يحدث. بالرغم من العلاقة الطيبة التي جمعتني بك منذ ان كنت مضيفا تحت التمرين بسودانير وأنت مساعد طيار في أواسط السبعينيات, وبرغم الحب والاحترام الذين أكنهما لك ولأسرتك الصغيرة وتبادلني ذات الحب لأسرتي ايضا, إلا أن تلك الرحلة المشئومة وبكل المعاني الصادقة بداخلي اجرت تحولا كبيرا في نظرتي إليك. فمنذ تلك الرحلة, آليت علي نفسي ان لا أدلوا برأي سوى بمقال تم نشره بالصحف حينها وكنت تساءلت فيه لماذا فتح مخرج الطوارئ 3R والنيران ملتهبة في الجانب الايمن من الطائره. وقد كتبته محللا لما جري في تلك الرحلة وإنصافا للسيدة البطلة الشهيدة سهام عبد الرحمن المضيفة التي فقدت روحها لتنقذ أولئك الذين كانوا تحت مسؤوليتها كما القائد الحربي في المعارك الميدانية.
ولكن لماذا اكتب اليوم؟؟
في ردك علي احد الصحفيين الذي كتب مقالا عنك حاولت اقناعنا بلغه ركيكه بعدم مسؤوليتك عن الحادث وانك من أكفا وأكثر السودانيين تأهيلا للعمل كطيار ومدير للسلامة الجوية مما حدا بالمسئولين للاتصال بك ورجاءك بالعودة للعمل بالقسم حيث قلت" فأنا ولله الحمد لدى خبره في مجال سلامه الطيران لأكثر من عشرين عاما ولدى من التدريب وشهادات السلامة ما يؤهلني لتولى هذا المنصب عن جداره وكنت ولازلت مثال للانضباط والحرص والتقيد بكل متطلبات ألسلامه ولى سجل حافل ومشرف بالشركة" تقول هذا رغم علمنا التام انك قد بلغت السن المعاشية. هذا الرد جعلني أفكر مره أخرى وإعطاء نظره أكثر عمقا لتلك الرحلة من جهة قسم السلامة وأداء السلامة لطاقم الضيافة الجوية.
يا سبحان الله !!!
مال هذا البلد يفقد صوابه؟ بعض الناس يحالون إلى المعاش وهم في ريعان شبابهم وآخرون يعينون في وظائف حساسة. ليس الخبر في انهم في أرذل العمر ولكن في استجدائهم للقبول كأن هذه البلد الطيب لم ينجب من هو كفؤ للقيام بذلك. الم نسمع قول الله تعالى والذي يطالبنا فيه بالحكم بين الناس بالعدل؟
((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)) [ سورة النساء : الآية 58].
فبالرغم من الصفات التي اضفيتها على شخصك وأن سودانير لم تكن لتعرف كلمة السلامة لولاك ، الا أنني اعتبر ان المسؤولية الكاملة لكل ما حدث في تلك الرحلة يقع علي عاتقك شخصيا وذلك لثلاثة أسباب رئيسيه:
أولا :بصفتك مديراً للسلامة الجوية او من المؤسسين لذلك القسم.
ثانيا : بصفتك قائد لتلك الرحلة المشئومة.
وأخيرا : لأنك رجل والرجال في عالمنا الإسلامي مسئولين في وقت المحن by nature خصوصا إذا كانوا علي راس المجموعة وأنت كنت كذلك.
من المسؤوليات الأساسية لمدير السلامة الجوية بإدارة العمليات الجوية الأشراف علي تجهيز مجلدات السلامة الجوية والتي تحتوي علي نظم وإجراءات السلامة الواجب إتباعها في حالات الطوارئ. ويقوم القسم ايضا باختيار الكادر البشري المؤهل فنيا ولغويا ووضعهم في لجان دائمه الانعقاد لرصد ما يجري في عالم الطيران وحوادثه اليومية مع التركيز علي اختلاف أنوع الطائرات والطرق المتبعة في حالات الطوارئ لكل طائرة.
يكون القسم مسئول أيضا عن تجديدات الرخص لطواقم الطائرات والتي لا تتم إلا في حاله الجلوس لامتحانات نظريه وعمليه علي كل حالات الطوارئ المحتملة . نعني بأطقم الطائرات هنا طاقم كابينة القيادة والمكون من الكابتن ومساعده (وأنا غير معني هنا بما يخصهم) وطاقم الضيافة والذي تتحدد تراخيصه والامتحانات الخاصه به حسب نوعيه الطائرات الذين سيعملون فيها. فبصفتك مديراً لقسم السلامة الجوية تكون مسئولاً عن أطقم الضيافة من حيث تجديدات رخصهم, وتجهيز مجلدات السلامة خاصتهم لجميع الطائرات وتدريبهم بما يتماشى مع المتطلبات العالمية.
فالغبن الذي أحس به تجاه الرحلة 109 نابع من تقصيركم في التدريب اللازم لطاقم الضيافة لتلك الرحلة بصفتك مديراً للسلامة الجوية. ففنيا إذا كانت حاله الطوارئ التي حدثت للرحلة 109 كانت ما يسمي )حاله طوارئ غير متوقعه un expected ( ,فما هي الإجراءات الواجب إتباعها في حالات الطوارئ الغير متوقعه والمفروض أن تكون في مجلدات السلامة الخاصة بذلك النوع من الطائرات لطاقم الضيافة؟ إنني أري أن الكارثة التي وقعت في الرحله 109 اذا اعتبرناها حاله غير متوقعه يتحمل مسؤوليتها مدير السلامة لعده عوامل اهمها:
1- فتح منفذ الطوارئ 3R -والذي أدي فتحه بصوره مباشره لكل الربكه التي حدثت في مؤخره الطائرة والتي ربما كانت احد الأسباب في إعاقة عمل المضيفة الشهيدة سهام عبد الرحمن مما يترك احتمالا بأنها لم تستطع الخروج من الطائرة وجعلها تدفع حياتها ثمنا لذلك. تلك الربكة ربما كان سببها الأساسي ايضا بقيه طاقم الضيافة والذين كانوا يعملون وسط الطائرة. فعدم وجود التعليمات الواضحة لكيفية التصرف في مثل هذه الحالات لمضيفي الوسط (وهي من المهام الأساسية لقسم السلامة) جعلت كل واحد منهم يتصرف حسب ما تمليه عليه اللحظة لا حسبما وضعته لهم كمدير للسلامة. حتى إذا سلمنا بوجود تلك التعليمات فهذا لا يعفيكم من المسؤوليه في قسم السلامة لتقصيركم في المراجعة الدورية(المطلوبه عالميا) لأطقم الضيافة حتى تتأكدوا من فهمهم المستمر لتلك التعليمات وذلك بما يسمي بمراجعه معلومات الطوارئ قبل الرحلة.
هل قام طاقم الضيافه علي تلك الرحله بمراجعه الإجراءات الواجب إتباعها في حالات الطوارئ المتوقعه او الغير متوقعه قبل تلك الرحلة؟ او أي من رحلات سودانير منذ ان تم تعينكم مديرا للسلامه الجويه؟؟؟
2- عدم اعداد كتيبات توضح الإجراءات المتبعة في حالات الطوارئ الغير متوقعه لطاقم الضيافه بحيث يسهل عليهم استيعابها والعمل بها . ومن أمثله ذلك ان يقوم طاقم الضيافة المسئول عن منافذ الطوارئ الغير مستخدمة باعادة توجيه الركاب إلي المنافذ المستخدمة كما يقوموا ايضا بحجز الركاب من التوجه إلي المناطق المزدحمة ( منطقه المنفذ 3R في تلك الحالة) وتوجيههم إلي المنافذ الأقل ازدحاما وأكثر أمناً(كل منافذ الطرف الايسر في تلك الحاله ايضا) . وكذلك تدريبهم و اعادة التدريب المتكرر علي تلك الحالات والتركيز علي كيفيه التفكير واتخاذ القرارات الفردية (state of mind) لطبيعة هذا النوع من الحالات والتي تتطلب ذلك.
أخيرا التركيز الشديد علي تفادي استعمال المنافذ جهة الحريق إذا كان هنالك
حريق وهذا ايضا يتوقف علي الطاقم المسئول عن تلك المنافذ.
من وجهة نظري أجد ان قسم السلامه الجوية قد فشل فشلا ذريعا في تجهيز طاقم الضيافة الجوية للتعامل مع الحالات الطارئة الغير متوقعه للاسباب اعلاه, وعليه تقع المسؤولية عليكم كاملة عن هذا الاخفاق بصفتكم مديرا لهذا القسم .
اما الحديث عنك كقائد لتلك الرحلة فأنت مسئول مسؤولية مباشره عن كل الخسائر التي نجمت عن الحادث وذلك استنادا لمجلد العمليات الخاص بسودانير والذي يشير بوضوح ان الكابتن مسئول عن الرحلة منذ قيامها والي هبوطها مره أخري. ويعني ذلك المسؤولية المباشرة عن كل ما بداخل الطائرة من ركاب وعفش وطاقم. إذن أنت مسئول عن أفعال طاقم الضيافة علي تلك الرحلة.
قبل أن أبدا في هذه النقطة دعني أسالك سؤالا مهما ومحوريا وأنا إلي هذه اللحظة لا اعرف الإجابة عليه. هل كانت حاله الطوارئ متوقعه او غير متوقعه. بمعني اخر وكقائد لتلك الرحلة هل كنته تعلم بان هنالك حاله طوارئ قبل حدوثها أم أن الحالة حدثت بعد الهبوط و تفاجأت بها؟ مع العلم بان الفرق بين الحالتين لن يبعد المسؤوليه عنكم.
- ففي حاله انها متوقعه لديكم (كما في حاله رحله الفوكرز س د 312 الي ملكال) كان لزاما عليك التخطيط السليم لكيفية التعامل مع تلك الحالة حسب تعليمات مدير السلامة الجوية (شخصكم) والمتمثلة في مرشد السلامة بحوزتكم كما فعل كابتن ياسر القائد الشجاع لرحله الفوكرز والذي ردد علي مسامعنا عشرات المرات علي التلفاز انه ما كان لينجح بانقاذ من كانو علي متن الطائره لولا تنفيذه للتعليمات الموجودة في مجلد السلامة الموضوع ومراجع بواسطة قسم السلامة.
كيف وجهكم مرشد السلامة في التعامل مع طاقم الضيافة عند حدوث حالات كتلك؟
ولقد علمنا أن كابتن ياسر قد تعامل بمهنية عاليه مع طاقم الضيافة مما نتج عنه إخلاء الطائرة تماما في وقت قياسي (20 ثانيه حسب قوله). إني أري لو تعاملت شخصيا كما فعل الكابتن الشاب لربما أخليت الطائرة في نفس الزمن او أكثر بقليل.
- اما إذا كانت الحالة غير متوقعه فأرجو أن تحدثنا عن الإجراءات الموضوعة بواسطة قسم السلامة بالشركة وماذا قال مديره عن كيفية التعامل مع تلك الحالات؟ إذا كانت هنالك تعليمات واضحة ومكتوبة ولم تتبعها فقد قصرت كقائد للرحلة. لان تلك التعليمات كانت ستقود طاقم الضيافه الي تفادي فتح المنفذ R3 واعاده توجيه الركاب الي المنافذ الشماليه بعيدا عن النيران. اما اذا لم تكن التعليمات موجودة او غير واضحة فتكون ايضا قد قصرت كمدير لقسم السلامة. و النتيجة النهائية هنالك خطا ما قام به اما كابتن سعيد مدير السلامة الجوية او كابتن سعيد قائد الطائرة وأدى هذا الخطأ الي وفاة عدد مقدر من الركاب واحد أفراد طاقم الضيافة.
أخيرا كلنا نعلم, خصوصا نحن الذين عملوا داخل الطائرات, ان القائد هو آخر من يغادر الطائرة. أنت كقائد لتلك الرحلة هل كنت آخر من غادر الطائرة؟
نرجو أن تحدثنا إذا كنت فعلت ذلك لأننا نريد أن نعرف الحالة التي وجدت عليها الشهيدة سهام المضيفة الكادحة المظلومة والتي طالما تم التعامل معها كتمومة جرتق في إدارة العمليات الجوية من قبل إدارتها العليا وأنت واحد منهم. هل كانت قد فارقت الحياة؟ ام كان هنالك أمل في إسعافها؟
هل كانت جثتها محاطة بعدد وافر من جثث بقيه الشهداء نتيجة للتزاحم الشديد والذي كان يمكن تفاديه إذا كان قسم السلامة قد وضع الإجراءات التي يجب أن تتبع في مثل تلك الحالات تفاديا للازدحام أم كانت محترقة تماما نتيجة لدخول النيران عن طريق منفذ الطوارئ 3R والذي ما كان يجب أن يفتح إذا كانت التعليمات واضحة من قسم السلامة لعدم فتح أي منفذ توجد نيران خارجه.
صدقني انا في قمه الفضول لمعرفه إجاباتك لتلك الأسئلة. وفي حاله انك لم تصل المكان الذي أسلمت فيه روحها فإنني لا أحملك المسؤولية كقائد لتلك الرحلة فقط وإنما أحملك إياها كرجل مسلم مسئول, ومن أوجب واجباته تفقد مرؤوسيه لمعرفه ما حدث لهم في حالات كتلك.
في خلال علمنا بالضيافة الجوية, بح صوتنا لتوضيح عدم شموليه و كفاءة مجلدات السلامة الخاصة بالضيافة الجوية وتعقيد الاجراءات المكتوبه فيها وكذلك القصور في ممارسه التدريب المناسب لتلك الإجراءات. والاهم من ذلك النقص الحاد في الكادر المؤهل أكاديميا ولغويا وفنيا للقيام بذلك.
في احدي مطالعاتي لأحد المواقع المعنية بالسلامة علي الانترنت, كتب احد الطيارين بان أسهل حاله طوارئ يمكن أن تمر علي الطاقم هي "تلك الحالة التي تهبط فيها الطائرة علي المدرج ثم تتوقف تماما. فمهما كانت حاله الطائرة عندئذ , لن يحتاج الطاقم لأكثر من 90 ثانيه لإخراج أي عدد من الركاب من جوفها سالمين إلا إذا كان هذا الطاقم غير عالي التدريب او ليس لديه المعرفة لكيفيه التعامل في حاله الطوارئ" . ألا ينطبق هذا الحديث علي الرحلة 109؟؟
ليقف جميع مضيفي العالم ويقرأوا الفاتحة علي روح الشهيدة سهام عبد الرحمن. فقد عاشت وحدها أهوال تلك اللحظات بدون مرشد سلامه يدلها علي الطريق, او مسئول يشاركها ذلك الحمل الذي دفعت في النهاية حياتها ثمنا له. ونحن الذين تكونوا في رحم الضيافة الجوية, لن ننسي المضيفة سهام عبد الرحمن يا كابتن سعيد.
د الرازي ابوقنايه
مشرق جوي سابق بسودانير
أكتوبر 2011
|
|
 
|
|
|
|
ابراهيم عدلان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست