|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: Rawia)
|
الأستاذ العزيز كوستاوي، سلامات اليوم فقط "هذه اللحظة" أستطعت التعرف على المنبر من جديد. طالعت لبعض الوقت مواضيعه ومن ضمنه راقني موضوعك هذا عن حوار حول : (سايكولوجية الشخصية السودانية ) . في الحقيقة أنا أحد الناس مهتم بمثل هكذا أطروحات. عندي أيضآ مساهمة صغيرة مماثلة تحت عنوان "سيكولوجية الزول" أشتغل عليها مذ بضع سنوات وقد سبق أن نشرت شذرات منها عند اللنك أدناه على فيها ما يسهم في الحوار المزمع إنعاقاده عندكم.
وهنا لنك الموضوع المعني تحت عنوان: "سيكولوجية الزول" من منبر سودانفوروول:
"""" معذرة وجدت أن منبر سودانفوروول معطل مؤقتآ"""" ربما آتي باللنك المعني في وقت لاحق. شكرآ لصبركم.
مع أسمى معاني الود والمحبة
محمد جمال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: محمد جمال الدين)
|
Quote: يتقدم المشروع النوبى بفائق الشكر والتقدير لمنظمة المرأة السودانية ومنظمة الأسرة السودانية والأخوان الجمهوريين وناشطى واشنطن والجالية السودانية بدلاس تكساس ودنيفر كلورادو ومعهد السلام المستدام على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة للدكتورة ناهد. |
السادة فى المشروع النوبى لكم التحيه والسلام السيدات والساده نشطاء واشنطن لكم التحيه
يسعدنا مشاركتكم بحضور ندوة الكتوره ناهد محمد الحسن
والى ان نلتقيكم اجمل المنى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: محمد جمال الدين)
|
Quote: الأستاذ العزيز كوستاوي، سلامات اليوم فقط "هذه اللحظة" أستطعت التعرف على المنبر من جديد. طالعت لبعض الوقت مواضيعه ومن ضمنه راقني موضوعك هذا عن حوار حول |
يا سلام يا أستاذ جمال شركنا قبض! شوفت كيف سنارة فزع صيدنا بتقبض كيف? السمكة لا حيلة لها و لا حولة لها بعد (شبكت تشبكت)
I will take it from where you had stopped. Enjoy the net Lol ___________________________________________________________
سيكولوجية "الزول" (1) في بوست "الإنسان والمجتمع والدولة في السودان - نحو أفق جديد" تحدثت عند الصفحة الثامنة في محور جانبي أسميته " سيكولوجية "الزول". الآن وبعد مرور بعض الوقت على حديثي ذاك رأيت أن هذا الشيء "الكائن المدعو زول" قمين بإفراد بوست خاص به لما ينطوي عليه من دهشة ومفاجئات ومفارقات وتمايزات... وكارثة!. هناك عقدت مقارنات بين الزول والزول الآخر كما بين الزول واللا زول بشكل مجمل و هنا عندما أتقدم في الحكي قليلآ سأعمل على عقد مقارنة هذه المرة بين سيكولوجية "الزول" و سيكولوجية "الخواجة" على وجه التحديد ولربما حصلنا من واقع المفارقة المحتملة على إحداثيات جديدة ومختلفة عما فعلنا عند بوست المجتمع المدني والدولة في السودان. وذاك هو سر فتح هذا البوست.
وأراه حسنآ أن أنقل إلى هنا كلامي المعنى من البوست الآخر ولكن ببعض التصرف.
فهيا بنا يا أخوتي نشوف قصة "الزول" نشرح ونشرح الزول على أمل أن نستطيع رؤيته من الداخل لأجل هدف أساس محوره "معرفة الذات" عمليآ ومفهوميآ. وعلى ذاك الأساس تقوم محاولتي هذه. ومعرفة الذات أمر جلل كما يعلم العالمون!. عشان كدا ما تخلوني براي.
متمنيآ لي ولكم الصبر على مكاره القراءة والكتابة والنصر على شرور سيكلوجياتنا وسيئات آيدولوجياتنا... و"الزول" من وراء القصد.
تحياتي،
محمد جمال(more to come)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: Kostawi)
|
تحذير وتنبيه!
منظومات القيم في السودان؟
حا أتحدث من جديد عن المنظومات القيمية في السودان وهي الميكانزمات التحتية التي تشكل سيكولوجية "الزول" وتجعل منه زولآ مميزآ ومتمايزآ عن الآخرين.
لكن قبل أن أبدأ أرجو أن تأذنو لي بإطلاق تحذير هام كما تنبيه صغير.
تحذير: المنظومات القيمية المعنية كما جاءت في بوست المجتمع المدني والدولة هي من إختراعي الخاص إذ ليست بشيء مجمع عليه ولا يوجد ما يطابقها في العلوم الإجتماعية القائمة والمعلومة أبدآ لا، لا بتصنفيها الذي فعلت ولا لغتها. ولإن بحث أحدكم مثلآ في محرك البحث قوقل وكتب أيآ من المنظومات القمية الثلاثة بلغتي 1- منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" 2- منظومة قيم الروحانية "الغيب" 3- منظومة قيم العقلانية "الموضوعية" فلن يحصل على شيء غير كتابتي هذه والأمر سيان إن فعل البحث باللغة الإنجليزية 1- Value system of corporality, “Knighthood”. 2- Value system of spirituality, “Met.aphysical”. 3- Value system of rationality, “Objectivity”.
الخلاصات التي توصلت إليها حتى الآن حول المجتمع المدني والدولة موضوعة أيضآ باللغة الإنجليزية ومنشورة في عدة مواقع وهي في مجملها أرائي الخاصة التي أحاول فرضها على العقول. وليست منظومات القيم فحسب بل كل شيء تقريبآ فيما يتعلق بالخلاصات المعنية حول المجتمع المدني والدولة. ليه التحذير دا؟. عشان دا عمل تجريبي ينطوي على مغامرة خطيرة فإما هو حدث جديد "نظرية إجتماعية جديدة" أو هو تزييف ليس إلا. دا عشان الأمانة وعشان عايز أشعل روح العقول الناقدة. وعندي ظن إن كدا أنا شخصيآ بستفيد.
تنبيه صغير: ناس الحتمية التاريخية والجدلية المادية ما يستعجلوا عند بداية حديثي هذا!. أظنكم أنتم عارفين أنا بقصد شنو؟. وحدث أن قلت معرفآ ماهية "القيمة":
منظومة القيم = حزمة متجانسة من المسلمات الإجتماعية "المثالية" الراسخة في العقل الجمعي. "القيمة" تقوم من جسد الجماعة بمثابة الشفرة الجينية DNA من جسد الفرد. هي محور إالتقاء "تلاحم" الجماعة وإعادة إنتاجها "نسخها" كل مرة مع جعلها متمايزة عن الجماعات الأخرى ك"وحدة إجتماعية واحدة ذات خصائص متفردة". كما أن "القيم" هي القوة الخفية الدافعة الى الفعل الموجب في سبيل تحقيق الهدف الكلي والنهائي للجماعة وهو على الدوام (البقاء أو/والمعاش أو/والأمن أو/والرفاهية) وبهذا المعني تمثل القيمة أيضآ معيار الجماعة للتفريق بين ما هو خير وما هو شر بالإحالة الى نجاعة الفعل من عدمه في نزوعه الى تحقيق "الهدف".
يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!
محمد جمال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: Kostawi)
|
المنظومات القيمية ... (لطفآ، راجع للأهمية خلاصة الإنسان و المجتمع والدولة في السودان كاملة في المداخلة المقبلة):
نستطيع أن نلاحظ أن هناك ثلاث منظومات قيمية رئيسية تقف خلف مجمل تمظهرات المجتمع المدني في السودان. وتمثل سببآ جوهريآ في تنوع تمظهرات المجتمع المدني وتمايزها عن بعضها البعض، وهي: 1- منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" 2- منظومة قيم الروحانية "الغيب" و 3- منظومة قيم العقلانية "الموضوعية". (مع الوضع في الحسبان إختلاط وتشابك القيم).
أ- تقف منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" خلف جل التمظهرات المدنية الإثنية "العرقية" وأهمها القبيلة والعشيرة. و"الجسدانية" تكون في إعمال طاقة الجسد في سبيل سيطرتها على العقل والروح في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف هو: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته. وأهم قيم "الجسدانية" هي: الرجولة والشجاعة والأمانة والكرامة والشرف والمروءة والشهامة والكرم. وهي قيم "نحن". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الفرسان "أولى القربى = وشائج الدم". ورمز مكانها المادي هو "السرج" ورمز فعلها هو "السيف". وأسمى معانيها "التضحية" وأسوأ مثالبها "الإنحيازية العمياء" كما "اللاإنسانية".
ب- تقف منظومة قيم الروحانية "الغيب" خلف جل التمظهرات المدنية الدينية "بالمعنى الواسع للكلمة" وأهمها الطريقة الصوفية والطائفة والمسيد والمسجد والكنيسة والكجورية. و"الروحانية" تكون في إعمال طاقة الروح في سبيل سيطرتها على الجسد والعقل في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف دائمآ واحد: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته. ومن أهم قيم الروحانية: الزهد والتواضع والإيمان والإتكال على قوة ما ورائية. وهي بدورها قيم "نحن". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من المؤمنين ب"الغيب" = "عالم ما وراء الطبيعة المادية". ورمز مكانها المادي هو "السجادة" بمعناها الصوفي ورمز فعلها هو "الفزعة" بالمعنى الغيبي للكلمة. وأسمى معانيها "النزاهة" وأسوأ مثالبها "العبثية" كما "الإتكالية المفرطة".
ج- تقف منظومة قيم العقلانية "الموضوعية" خلف جل التمظهرات المدنية "المدينية" ومثالها النقابة والمصنع. و"العقلانية" تكون في إعمال طاقة العقل في سبيل سيطرتها على الروح والجسد في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف دائمآ واحد: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته . ومن ضمن قيم "العقلانية": الإستنارة والتجربة والإنسانية والنظافة والنظام والإدخار. وهي قيم "أنا". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الأفندية "الوطنيين" والمثقفين والمتعلمين بالمعنى الحديث للكلمة. ورمز مكانها المادي هو "المكتب" ورمز فعلها هو "القلم". وأسمى معانيها " الموضوعية" وأسوأ مثالبها "الإستغلالية" كما "الأنانية".
د- القيم في تنزلها كفعل يسبغ حياة "الإنسان" تستطيع أن تشتغل مفردة أو ممتزجة. فالإنسان يمكن أن يكون "فارس" محض أو "زاهد" محض أو "متمدن" محض. كما أن الإنسان يستطيع أن يكون "فارس زاهد" أو "فارس متمدن" او "زاهد متمدن". ليس ذاك فحسب بل الإنسان يستطيع أن يكون "فارس وزاهد ومتمدن" في ذات الأوان!.
الفارس هو المنتمى بالكامل إلى منظومة قيم الجسدانية "الفروسية". والزاهد هو المنتمي بالكامل إلى منظومة قيم الروحانية "الغيب". والمتمدن هو المنتمي بالكامل إلى منظومة قيم العقلانية "الموضوعية". و"متمدن" هذه لا تعني بالضرورة ساكن المدينة على وجه الحصر وإنما صفة لكل من ينتمي بالكامل إلى منظومة قيم الموضوعية حتى لو كان يقيم "فيزيائيآ" في الريف لا المدينة كما أن العكس صحيح بنفس القدر من الصحة فكثيرآ ما يكون سكان المدن أكثر ريفية من أهل الريف وأهل الريف أكثر مدنية من أهل المدينة.
-الفارس في نسخته المثالية هو الإنسان "الضكران"، الشجاع، الكريم، الشهم، الأمين، ذو المروءة والشرف والكرامة.
-الزاهد في نسخته المثالية هو الإنسان المتواضع، الصبور، المتوكل، الورع التقي ، المحسن والمؤمن ب "الغيب".
-المتمدن في نسخته المثالية هو الإنسان المستنير، المنظم، النظيف، المدخر و الإنساني.
مع الوضع في الأفهام أن بعض هذه القيم تستطيع أن تتبادل المواقع لكن دون أن تفقد المنظومة المحددة خصائصها كلية. كما أن القيم "المفردة في نوعها" والمشكلة لكل منظومة قيمية تكون في الغالب أكثر وأغنى بكثير مما حصرناه لدى هذه النقطة.
ه- "القيمة" تقوم من جسد الجماعة بمثابة الشفرة الجينية DNA من جسد الفرد. هي محور إلتقاء "تلاحم" الجماعة وإعادة إنتاجها "نسخها" كل مرة مع جعلها متمايزة عن الجماعات الأخرى ك"وحدة إجتماعية واحدة ذات خصائص متفردة". كما أن "القيم" هي القوة الخفية الدافعة الى الفعل الموجب في سبيل تحقيق الهدف الكلي والنهائي للجماعة وهو على الدوام (البقاء والمعاش والأمن والرفاهية). وبهذا المعني تمثل القيمة أيضآ معيار الجماعة للتفريق بين ما هو خير وما هو شر بالإحالة الى نجاعة الفعل من عدمه في نزوعه الى تحقيق "الهدف".
يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!
محمد جمال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: Kostawi)
|
الإنسان والمجتمع المدني والدولة في السودان - نحو أفق جديد
خلاصة
تعريف المجتمع المدني (مفهوميآ وعمليآ) وفي مقابل الدولة "السودان مثالا"
1- "مدني" في عبارة "المجتمع المدني" تعني لا "رسمي"، لا غير.
كلمة "مدني" في عبارة: المجتمع المدني تقوم ضد الرسمي "الدولة" على وجه الإطلاق.
المدني هو المجتمع اللا رسمي والدولة هي المجتمع اللا مدني.
مدني في مقابل رسمي.*
وبهذا النحو فإن "مدني" في عبارة "المجتمع المدني" لا تحيل إلى أي معنى آخر من معاني التميز والإمتياز من قبيل مدنية بمعنى حضر أو حضارة أو حداثة أو علمانية. كما ان الكلمة "مدني" لا تحيل الى أي معنى من معاني الإلتزام الأخلاقي أو الأدبي أو الآيدولوجي. وإنما تعني فقط لا غير: غير رسمي (كل شيء أو فعل أو شخص خارج إطار منظومة الدولة). فالمجتمع المدني بهذا المعنى يكون هو محصلة حراك الناس "الهيكلي واللا هيكلي" خارج منظومة الرسمي "الدولة". وبغض النظر عن مغزى وشكل ذاك الحراك. ولا يهم ان وصف بأنه حديث أو تقليدي، تقدمي أو رجعي. كما لا يهم مكان حدوثه في الريف أو المدينة. وبغض النظر عن زمان حدوثه. فهو في كل الأحوال والأماكن والأزمان فعل "مدني": مجتمع مدني.
2- جوهر "المجتمع المدني" في مظهره، إذ لا ذات قائمة بذاتها للمجتمع المدني .. كما ان المجتمع المدني يتمظهر هيكليآ في ذات الوقت الذي يتمظهر فيه لا هيكليآ ودائمآ بطرق منوعة ومتمايزة.
فإن جاز تشبيه المجتمع المدني بالبحر فان موج البحر هو تمظهره. وإذا تحقق أن نرى البحر في سكونه بأعيننا ونسبح فيه بأجسادنا، فالمجتمع المدني عكس ذلك تماما فهو لا يرى ولا يحس الا حينما يتمظهر. لأن لا ذات للمجتمع المدني قائمة بذاتها. لا يوجد جوهر للمجتمع المدني. فجوهر "المجتمع المدني" هو مظهره هو "تمظهراته" ليس إلا. المجتمع المدني مجرد خط بياني متصور الغرض منه قياس الحالة، ليس إلا. ولهذا لا تتحدث الناس عن المجتمع المدني والا تطابق حديثهم مع تمظهراته أي هياكله وأحداثه. كما لا يوجد مجتمع مدني واحد يحمل نفس الصفات والمواصفات ويتمظهر بنفس النسق والمنوال. كل تمظهر مدني عنده خصائصه المتفردة وفقآ للأسباب الواقفة خلف كل تمظهر من التمظهرات. التمظهر المدني مثل بصمات الأصابع لا يتكرر مرتين في نفس الآن والمكان، فعلى سبيل المثال النقابة المحددة لا تتطابق مع نقابة أخرى في كل شيء كما الأمر نفسه يكون لدي الطائفة والعشيرة وإلخ... تلك التمايزات "متفاوتة الحجم" تجد خلفيتها في جدلية "الهدف والقيم واللائحة".
3- تمظهرات المجتمع المدني الأفقية والرأسية: يتمظهر المجتمع المدني أفقيآ كما رأسيا. أفقيآ في صورة أحداث وهياكل (هيكليآ ولا هيكليآ). كما يتمظهر رأسيآ (في نسخته الهيكلية) في صورتين 1- "أصيلة" = "تحتية" و2- فوقية (مولدة عن الأصيلة). النسخة المدنية الأصلية تستند على منظومة قيم إجتماعية تنقسم الى ثلاثة أنماط: 1- جسدانية "فروسية" 2- روحانية "غيبية" و 3- عقلانية "موضوعية". بينما يستند التمظهر الفوقي "المولد" إلى منظومة آيدولوجية "رؤيوية".
أ- أحداث "لا هياكل" المجتمع المدني: يتمظهر المجتمع المدني لا هيكليآ في شكل أحداث متكررة وراتبة من خلفها قيم وعندها أهداف وأعراف وسوابق راسخة في العقل الجمعي. مثال ذلك التظاهرات الجماهيرية والألعاب الشعبية ومراسم الزواج وشعائر الجنازة والفزعة والنفير و"الظار" والمبارزة و "البطان" والحكاوي الشعبية و"القعدات" بأشكالها المختلفة كجلسات القهوة "الجبنة" و الشاي والخمر ولعب الورق "الكتشينة".
ب- منظمات "هياكل" المجتمع المدني: يتمظهر المجتمع المدني هيكليآ في شكل تجمعات مجتمعية طويلة الأمد، وتسمى بأسماء مختلفة غير أن أكثر إسم شائع في الوقت الراهن هو: منظمة، وتجمع منظمات. والمنظمة هنا تشمل في الأساس القبيلة والعشيرة والطائفة الدينية (التمظهرات الطبيعية والوراثية و التقليدية وهي في الأساس تمظهرات المجتمع المدني "الريفي") يقابلها في الجانب الآخر تمظهرات المجتمع المدني "المديني" كالنقابات والإتحادات والنوادي والمنظمات الحقوقية والبيئية والإبداعية والعلمية والروابط الفئوية المختلفة ومصانع القطاع الخاص. فالمجتمع المدني بمثل ما يتمظهر "لا هيكليآ" في شكل أحداث فإنه أيضآ يتمظهر "هيكليآ" في شكل منظمات عندها أعضاء مسجلون أو غير مسجلين على الورق بغرض انجاز أهداف محدده وفق نظم وقيم ولوائح محددة مكتوبة أو غير مكتوبة على الورق.
ج- شروط تمظهرات المجتمع المدني: لا يستطيع المجتمع المدني أن يتمظهر هيكليآ أو لا هيكليآ "على مستوى بنياته الأصيلة" إلا في حالة تحقق ثلاثة شروط في نفس الآن ودون نقصان: 1- هدف 2- منظومة قيم و 3- لائحة .. وقد تكون تلك الشروط اللازمة موضوعة على الورق "مكتوبة" في حالة النقابة مثلآ أو مرسومة في العقل الجمعي للجماعة المحددة "غير مكتوبة" في حالة "العشيرة" أو "شعائر الجنازة" مثلآ.
د- كل حراك جمعي هيكلي أو لا هيكلي هو مجتمع مدني وعلى وجه الإطلاق: كل حراك مدني هيكلي هو منظمة مجتمع مدني بغض النظر عن أهدافه وشكل عضويته ومكان وزمان وقوعه وبغض النظر عن إعتراف الرسمي به أو لا، يكون منظمة مجتمع مدني حتى لو كانت عصابة إجرامية. كما أنه بنفس القدر كل حدث جمعي غير هيكلي يقوم على أساس هدف محدد وقيم محددة وأعراف وسوابق متعارف عليها هو حدث مدني أي مجتمع مدني، مثال ذلك التظاهرات الجماهيرية والألعاب الشعبية ومراسم الزواج وشعائر الجنازة والفزعة والنفير و"الظار" والمبارزة و "البطان" والحكاوي الشعبية و"القعدات" بأشكالها المختلفة كجلسات القهوة "الجبنة" و الشاي والخمر ولعب الورق "الكتشينة".
ه- التمظهرات المدنية الهيكلية واللا هيكلية تمثل التمظهرات الأصيلة للمجتمع المدني والتي بدورها قد تتمظهر في أشكال أخرى "فوقية" بهدف الجدل مع الدولة = تمظهر مولد عن الأصيل ( جماعات وأحزاب سياسية "رؤيوية موضوعية" أي آيدولوجية).
و- الأحزاب السياسية لا تكون ذات فاعلية وديمومة إلا إذا جاءت كتمظهر فوقي لتمظهر مدني أصيل.
ز- البنية المدنية الفوقية هي مكان الرؤى الشتيتة = "آيدولوجيات متصارعة" في سبيل الفوز بأكبر قد من التاُثير في عملية بناء وسيرورة رؤية موحدة للعيش المشترك، بينما تكون الدولة هي مكان الرؤية الموحدة للعيش المشترك = "عقد إجتماعي".
4- المنظومات القيمية:
نستطيع أن نلاحظ أن هناك ثلاث منظومات قيمية رئيسية تقف خلف مجمل تمظهرات المجتمع المدني في السودان. وتمثل سببآ جوهريآ في تنوع تمظهرات المجتمع المدني وتمايزها عن بعضها البعض، وهي: 1- منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" 2- منظومة قيم الروحانية "الغيب" و 3- منظومة قيم العقلانية "الموضوعية". (مع الوضع في الحسبان إختلاط وتشابك القيم).
أ- تقف منظومة قيم الجسدانية "الفروسية" خلف جل التمظهرات المدنية الإثنية "العرقية" وأهمها القبيلة والعشيرة. و"الجسدانية" تكون في إعمال طاقة الجسد في سبيل سيطرتها على العقل والروح في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف هو: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته. وأهم قيم "الجسدانية" هي: الرجولة والشجاعة والأمانة والكرامة والشرف والمروءة والشهامة والكرم. وهي قيم "نحن". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الفرسان "أولى القربى = وشائج الدم". ورمز مكانها المادي هو "السرج" ورمز فعلها هو "السيف". وأسمى معانيها "التضحية" وأسوأ مثالبها "الإنحيازية العمياء" كما "اللاإنسانية".
ب- تقف منظومة قيم الروحانية "الغيب" خلف جل التمظهرات المدنية الدينية "بالمعنى الواسع للكلمة" وأهمها الطريقة الصوفية والطائفة والمسيد والمسجد والكنيسة والكجورية. و"الروحانية" تكون في إعمال طاقة الروح في سبيل سيطرتها على الجسد والعقل في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف دائمآ واحد: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته. ومن أهم قيم الروحانية: الزهد والتواضع والإيمان والإتكال على قوة ما ورائية. وهي بدورها قيم "نحن". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من المؤمنين ب"الغيب" = "عالم ما وراء الطبيعة المادية". ورمز مكانها المادي هو "السجادة" بمعناها الصوفي ورمز فعلها هو "الفزعة" بالمعنى الغيبي للكلمة. وأسمى معانيها "النزاهة" وأسوأ مثالبها "العبثية" كما "الإتكالية المفرطة".
ج- تقف منظومة قيم العقلانية "الموضوعية" خلف جل التمظهرات المدنية "المدينية" ومثالها النقابة والمصنع. و"العقلانية" تكون في إعمال طاقة العقل في سبيل سيطرتها على الروح والجسد في مواجهة الطبيعة والآخر. والهدف دائمآ واحد: (بقاء ومعاش وأمن ورفاهية الجماعة). وكل له حيلته . ومن ضمن قيم "العقلانية": الإستنارة والتجربة والإنسانية والنظافة والنظام والإدخار. وهي قيم "أنا". وجسدها تمظهر هيكلي أس عضويته من الأفندية "الوطنيين" والمثقفين والمتعلمين بالمعنى الحديث للكلمة. ورمز مكانها المادي هو "المكتب" ورمز فعلها هو "القلم". وأسمى معانيها " الموضوعية" وأسوأ مثالبها "الإستغلالية" كما "الأنانية".
د- القيم في تنزلها كفعل يسبغ حياة "الإنسان" تستطيع أن تشتغل مفردة أو ممتزجة. فالإنسان يمكن أن يكون "فارس" محض أو "زاهد" محض أو "متمدن" محض. كما أن الإنسان يستطيع أن يكون "فارس زاهد" أو "فارس متمدن" او "زاهد متمدن". ليس ذاك فحسب بل الإنسان يستطيع أن يكون "فارس وزاهد ومتمدن" في ذات الأوان!.
الفارس هو المنتمى بالكامل إلى منظومة قيم الجسدانية "الفروسية". والزاهد هو المنتمي بالكامل إلى منظومة قيم الروحانية "الغيب". والمتمدن هو المنتمي بالكامل إلى منظومة قيم العقلانية "الموضوعية". و"متمدن" هذه لا تعني بالضرورة ساكن المدينة على وجه الحصر وإنما صفة لكل من ينتمي بالكامل إلى منظومة قيم الموضوعية حتى لو كان يقيم "فيزيائيآ" في الريف لا المدينة كما أن العكس صحيح بنفس القدر من الصحة فكثيرآ ما يكون سكان المدن أكثر ريفية من أهل الريف وأهل الريف أكثر مدنية من أهل المدينة.
-الفارس في نسخته المثالية هو الإنسان "الضكران"، الشجاع، الكريم، الشهم، الأمين، ذو المروءة والشرف والكرامة.
-الزاهد في نسخته المثالية هو الإنسان المتواضع، الصبور، المتوكل، الورع التقي ، المحسن والمؤمن ب "الغيب".
-المتمدن في نسخته المثالية هو الإنسان المستنير، المنظم، النظيف، المدخر و الإنساني.
مع الوضع في الأفهام أن بعض هذه القيم تستطيع أن تتبادل المواقع لكن دون أن تفقد المنظومة المحددة خصائصها كلية. كما أن القيم "المفردة في نوعها" والمشكلة لكل منظومة قيمية تكون في الغالب أكثر وأغنى بكثير مما حصرناه لدى هذه النقطة.
ه- "القيمة" تقوم من جسد الجماعة بمثابة الشفرة الجينية DNA من جسد الفرد. هي محور إلتقاء "تلاحم" الجماعة وإعادة إنتاجها "نسخها" كل مرة مع جعلها متمايزة عن الجماعات الأخرى ك"وحدة إجتماعية واحدة ذات خصائص متفردة". كما أن "القيم" هي القوة الخفية الدافعة الى الفعل الموجب في سبيل تحقيق الهدف الكلي والنهائي للجماعة وهو على الدوام (البقاء والمعاش والأمن والرفاهية). وبهذا المعني تمثل القيمة أيضآ معيار الجماعة للتفريق بين ما هو خير وما هو شر بالإحالة الى نجاعة الفعل من عدمه في نزوعه الى تحقيق "الهدف".
5- وظائف وأدوار البنيات المدنية الأصيلة و الفوقية: وظيفة البنية المدنية الأصيلة في الأساس تنحصر حول إنجاز هدف الجماعة الكلى أو الجزئي من (البقاء أو/و المعاش أو/و الأمن أو/و الرفاهية) للجماعة المدنية المحددة في مواجهة الطبيعة والآخر على وجه الإطلاق كما تشهد عليه الحياة العملية. إذ ليس من أهداف البنيات المدنية الأصيلة الجدل المباشر مع الدولة إلا في الحالات غير الطبيعية. تلك مهمة البنيات المولدة " الفوقية" لا الأصيلة "التحتية". مرة ثانية ليس من وظائف أو أدوار البنيات المدنية "الأصيلة" الجدل المباشر مع الدولة. كما ليس من مصلحة الدولة في شيء الجدل المباشر مع تلك البنيات المدنية الأصيلة. بل ذاك إن حدث من البنيات المدنية الأصيلة أو من الدولة سيؤدي على المستوى البعيد إلى التـأثير السالب من حيث المبدأ على وجودهما المادي على حد سواء، كون إذن منظومات القيم المثالية "المدني" ستصطدم بمبدأ المصلحة "المنفعة" المجردة = "الدولة". وهما حقلان وجبا أن يكونا متوازيان على الدوام لا يتقاطعان أبدآ وتقوم في الفضاء الفاصل بينهما البنيات الفوقية = الآيدولوجيات. وإلا هناك مشكلة دائمآ ما تتجسد في فساد الرؤية الموحدة للعيش المشترك.
6- السمة الغالبة للمجتمع المدني هي التضحية بجهد الجماعة لمصلحة الفرد (كشف الفراش = دفتر تبرعات المأتم) مثالآ. بينما تكون السمة الغالبة للدولة هي التضحية بجهد الفرد لمصلحة الجماعة (الضرائب) مثالآ.
7- المجتمع المدني كمصطلح تقني: المجتمع المدني يجوز أن ننظر إليه كمصطلح تقني بحت (لا قيمي و لا أخلاقي) لا يتعرف في جوهره بالخير ولا الشر ولا الحداثة أو التقليدية ولا التقدم أو التخلف ولا العلمانية أو الدينية. تلك الفاظ قيمة تتعرف وفق منظوماتها القيمية المحددة ولا يجب أن تحيل بحال من الأحوال الى "المدني". فالمجتمع المدني يكون بمثابة الميدان المادي للصراع القيمي والآيدولوجي لكنه هو ليس ذاته الصراع. إنه الفضاء فحسب. فضاء التجليات!. الفضاء الذي تحلق فيه العصافير الملونة "الجميلة" والبريئة والصقور الجارحة والبعوض والحشرات العديدة. هو الفضاء فحسب، هو ليس العصافير الجميلة البريئة ولا الصقور الجارحة. إنه الفضاء الشاسع القابع في سلبيته. فضاء للخير بقدر ما هو فضاء للشر، فضاء للباطل والحق وللقبح والجمال. هو الرمز ليس إلا بينما تكون تجلياته هي الحقيقة!.
8- جدلية الخير والشر "أ": يتعرف المجتمع المدني بخيره من شره القائم أو المحتمل لا ببنياته قديمة أو حديثة وإنما بحسب أفعاله الصالحة أو الطالحة من مجالات الفعل الموجب والتي يمكن رؤيتها في: 1- التنمية 2- السلام 3- الحكم الرشيد 4- الحقوق )حقوق الإنسان والحيوان والطبيعة(Human, Animal and Nature Rights "HAN" 5- الإبداع و6- المجال المفتوح (الثقافي-الإجتماعي- الترفيهي). وذلك بقياس المسافة بين الصفة الخيرة ونقيضها، من مثل: التنمية مقابل الدمار والسلام مقابل الحرب والرشد مقابل الطغيان والحق مقابل الباطل والإبداع مقابل التحجر و المفتوح مقابل المغلق.
9- جدلية الخير والشر "ب": في جميع الاحوال وفي كل الأوقات فإن الفعل في سياق المجتمع المدني هيكليآ أو لا هيكليآ يقود الى منفعة محددة تجد تعبيرها في مساهمة مادية نقدية أو عينية كما بذل الجهد المجاني أو مدفوع الأجر بهدف جلب الخير او درء الاذى، في فضاء خارج الرسمي "الدولة" وفق منظومة قيمية أو رؤيوية محددة ربما يكون نتاجها شرآ في نظر الآخر.
10- جدلية المدني و الرسمي: لا يكون "المدني" الا في مقابل "الرسمي" والعكس صحيح، وبإنتفاء أيآ منهما ينتفي الآخر بالضرورة، فلا مجتمع مدني بلا دولة ولا دولة بلا مجتمع مدني. فعلى سبيل المثال فإن أي منظمة تقوم خارج السودان "بحدوده كدولة" لا تمثل "مجتمع مدني" لأنها ببساطة لا تقوم في مقابل الدولة. والأصح (أي ربما يجوز) أنها تمثل مجتمع مدني فقط بالنسبة للدولة التي نشأت بها. وبالتالي فإن تسمية "منظمات مجتمع مدني" بالنسبة للمنظمات "الموصوفة بالمدنية" التي ينشأها السودانيون بالخارج لا تصح إلا كمجاز. إلا إذا حتم واقعها الموضوعي أن تكون فروعآ مرحلية لكيانات مدنية أصيلة أو فوقية تقوم بداخل البلاد وإستنادآ عليه تكون أهدافها ورؤيتها ورسالتها، وهو ما نلمسه في الواقع المعاش في حالة كثير من الأحزاب السياسية السودانية.
11- التمظهرات الهيكلية "العملية" للمجتمع المدني: يتمظهر "المجتمع المدني" في السودان عمليآ ويبدو للعيان بشكل "هيكلي" في أربع أنماط رئيسية: 1- تمظهرات عقلانية موضوعية "الشكل الحديث" ورمزها النقابة 2- تمظهرات جسدانية إثنية "القبيلة والعشيرة" 3- تمظهرات روحانية غيبية (الطرق الصوفية والمسيد والمسجد والكجور والكنائس) وأخيرآ 4- تمظهرات القطاع الخاص (بدورها عقلانية).
12- التمظهرات الهيكلية للدولة: تتمظهر الدولة على وجه العموم "هيكليآ" في ستة أشكال رئيسية هي: 1-الجهاز التنفيذي (الحكومة) 2-الجهاز التشريعي "البرلمان" 3-الجهاز القضائي 4-المؤسسة العسكرية (الجيش والبوليس وأجهزة الأمن) 5-الخدمية المدنية و6- القطاع العام. (كما أن الدولة بدورها تستطيع أن تتمظهر في أشكال غير هيكلية من قبيل مرموزات قيمية ومفاهيم آيدولوجية وهنا يكمن معزي تأثير الدولة على أحداث وهياكل "المجتمع المدني" سلبآ وإيجابا. وهنا تكون جدلية "المجتمع المدني والدولة" في أسطع صورها).
13- صراع الريف والمدينة و نزاع الذات: من خلال الملاحظة نستطيع ان نتحسس أن المجتمع المدني في السودان ينقسم في مستوى بنيته الأصيلة على وجه الإجمال في كتلتين هما كتلة الريف وكتلة المدينة. هذان الكتلتان تتوازيان مرة وتتقاطعان في بعض المرات، تختصمان في لحظة ما وتتصالاحان في لحظة اخرى، في نفس الوقت الذي يعتمل في داخل كل منهما مجموعة من التناقضات الذاتية بفعل اختلاف واختلال منظومة القيم الواقفة وراء تمظهرهما ( أي ان كل كتلة في ذاتها تتراكب من جزيئات تتشابه حينآ و تتمايز تراكيبها بعضا عن بعض أحيانآ أخرى). هذان المجتمعان يتمثلان بشكل مجمل في المجتمع المدني "المديني" والمجتمع المدني " الريفي". ولكل منهما تمظهراته المختلفة إختلافآ جذريآ عن الآخر كون تلك التمظهرات المعنية تقوم على سند من منظومات قيمية متمايزة "جذريآ". وهذا التمايز والإختلاف لدى البنية المدنية التحتية يسقط على التجلى الفوقي "الآيدولوجي" لكل منهما (مثال لذلك الصراع السياسي الذي وسم تاريخ السودان الحديث بين الطائفيين والأفندية). كما أن في الجانب الآخر كل كتلة من الكتلتين الأصيلتين موسومة بإختلال قيمي "ذاتي" يجعلها في نوعها متمايزة في تراكيبها وهذا التمايز في إطار النوع الواحد يسقط بدوره على البنية الفوقية (مثال لذلك الصراع السياسي بين العلمانيين والغيبيين "يسار يمين" على مدى تاريخ سودان ما بعد الإستقلال).
-14البنيات المدنية التحتية تبقى على الدوام ممثلة في مستوى الدولة عبر الآيدولوجيا (البنيات الفوقية) في ثلاثة مستويات متباينة: أ- تمثيل بالأصالة (هو التمثيل المثالي) ب- تمثيل بالإنابة (يعتمل ضمان الحقوق المادية والمعنوية) و ج- تمثيل بالإحالة (يحتمل القهر المادي والمعنوي).
15- سايكولوجيا الإنسان "الفرد" تتخلق وتعيش وتموت وتولد من جديد وفق القيم المشكلة للبنيات المدنية التحتية. كما أن تلك البنيات التحتية تقوم في و "على" جدل مستمر مع الرؤى "الآيدولوجيا" كما الزمكان "الدولة" . و تكون البنية المدنية التحتية كما الفوقية والدولة مكان هويات الفرد "القيمية والرؤيوية والزمكانية" على التوالي. كما أن للفرد هويته "الفردانية" أي سايكلوجيته الخاصة. (سايكلوجيا الفرد تعني تجربته الذهنية والنفسية والجمالية وذوقه الحسي. هناك أربعة مستويات للهوية: هوية "قيمية"، هوية "رؤيوية"، هوية "زمكانية" وهوية "فردانية". ولكل كائن بشري بالضرورة شعور بهوية "فردانية" وهوية "قيمية" وليس بالضرورة أن يشعر الفرد على الدوام بهوية رؤيوية أو/و هوية زمكانية).
16- فرضية أخيرة: المجتمع المدني هو الاصل كما هو سديم الدولة:
الأصل في الإجتماع البشري هو "المجتمع المدني" ببنياته الأصيلة ثم تأتي البنى الفوقية ومن ثمة تتشكل الدولة. فالمجتمع المدني هو بذرة الدولة. الدولة بكل بساطة هي: نقطة تلاقي المصالح/تعارضها. أي نقطة تلاقي/تعارض مصالح البنيات المدنية الأصيلة في حيز زماني وجغرافي محدد "زمكان" وما يقتضي ذلك بالضرورة من نظام لا مفر منه يسمى في شموله: الدولة. وإذ يقوم المجتمع المدني على "القيمي" في تمظهره الأصيل وعلى "الآيدولوجي" في تمظهره الفوقي تقوم الدولة على نظام "المنفعة = المصلحة" مجردة بلا قيم ولا آيدولوجيا في نسختها المثالية. وإلا ستتعارض الدولة وتتصادم بإستمرار مع كثير من البنيات الإجتماعية الأصيلة مما يؤدي في نهاية المطاف (في الغالب الأعم) إلى واحد من إحتمالين: موت "فناء" الدولة السائدة بشكل نهائي وبالتالي موت المجتمع المدني "موت القيم السائدة" أو إعادة تشكل الدولة في صيغة جديدة وبالتالي تمظهر المجتمع المدني في لباس جديد "قيم جديدة". مرة ثانية الصورة المعتادة هي أن تتشكل القيم أولآ تتشكل الرؤى تبعآ للقيم تتشكل الدولة وفقآ للرؤى. تتشكل المستويات الثلاثة للهوية "القيمية والرؤيوية والزمكانية" في نسق ما. تموت القيم السائدة تموت الرؤى السائدة تموت الدولة السائدة. تتشكل القيم من جديد تتشكل الرؤى من جديد تتشكل الدولة من جديد. تتشكل المستويات الثلاثة للهوية في نسق جديد. وهكذا تكون على سبيل المثال مروي ثم المقرة وعلوة فسنار. وتكون بالطبع تلك التموجات "الزمكانية" مشحونة بملايين الهويات القيمية والرؤيوية "أي تتصارع الكتلة الواحدة في ذاتها حتى الفناء". قيم فرؤى فدولة.
غير أنه في مرة من المرات تتعقد تلك المعادلة إذ يحدث في لحظة ما إستثنائية العكس تمامآ بحيث تتشكل الدولة "الزمكان" أولآ ثم تتشكل من بعدها الرؤى فلقيم (حدث في واقع السودان بصورة حادة مرتين عام 1821 "ما عرف بالغزو التركي المصري" وحصل مرة ثانية عام 1899 " ما عرف بالغزو الإنجليزي المصري"). ليس ذاك فحسب بل أن الزمكان على الدوام يخرق الرؤى والرؤى تخرق القيم وتلك هي جدلية المجتمع المدني والدولة "المعنية".
• التكرار مقصود عند نقطة رقم "1"
محمد جمال الدين حامد، لاهاي/هولندا 10 يونيو 2011
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: Kostawi)
|
بعد المقدمة الصغيرة دي ممكن نبدأ الكلام... خليكم معاي... لطفآ... والناس المستعجلة وبتقرأ سطر وتفط سطر للأسف غير مرحب بيها هنا... بحكم الضرورة... ما حا إنفع... ما ممكن... لكن هناك حل لبعضهم... أن ينظرو الخلاصة التي ربما جاءت بعد عدة أشهر من الآن... و لا بأس ... عندها سنبلغهم بالأمر أعني بالخلاصة و ستكون هنا في ذيل هذا البوست... خليهم مرتاحين أصلآ نحن ربنا خلقنا للشقاوة!... والله المستعان.
قلنا نبدأ!.
يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!
محمد جمال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: Kostawi)
|
سيكولوجية "الزول"
قلنا أننا سنحاول تقصى سيكولوجية "الزول" أي الإنسان السوداني!. هذا المحور ستهيمن عليه "منظومة القيم" كما هو معلن!. وسأبقى أصيلآ في إعتمادي على ملاحظتي الذاتية كما هو الحال "إشارة إلى البوست الآخر".
نبدأ بالإنسان "الفرد" = " الزول". أ- الزول من حيث هو زول .. ب- الزول في نظر الزول الآخر .. ج- الزول في نظر الآخر المطلق "اللازول"!.
أ- الزول
(إذا ما شب حريق بشكل مباغت ... ماذا يفعل الزول؟) مثال.
أولآ دعوني أعرفكم على ثلاثة شبان سودانيين كل "زول" منهم من جهة ما مختلفة. الأول يدعى أحمد سمير من حي الصافية بالخرطوم موظف صغير ببنك الخرطوم والثاني عدلان أب شرا مزارع "صاحب حواشة" من طيبة الشيخ عبد الباقي والثالث آدم بحر الدين راعي أبقار قبالة كفيا كنجي. ولو أن عدلان وآدم تركا مهنتيهما ونزحا بعيدآ فعاشا في مناطق مختلفة في إحدى أحياء أمبدة بإمدرمان منذ عامين.
جمعت هولاء الثلاثة مصادفة غير عادية في دار مغلقة بإحكام شديد تشبه إلى حد كبير صوامع الغلال. وكان هناك ثلاثة أطفال نائمون في سرداب بالداخل. وفجأة حدث أمر غير متوقع. بدأ "أنبوب" غاز ما يشتعل نارآ دون إدراكهم. لكنهم أخذوا على حين غرة بصوت فتاة صغيرة جملية وهي تصيح في منتهى الهلع: النار النار النار.. حريق حريق حريق. (الأطفال الثلاثة كانوا إخوان وأخوات تلك الفتاة).
فماذا فعل كل من أحمد وعدلان وآدم في النصف الأول من الثانية الأولى من الوقت إلى إكتمال الثانية الثالثة؟.
-قفز أحمد قبالة الباب المغلق ويده تتحسس الموبايل في جيبه. -نهض عدلان متجهآ قبالة الفتاة. -نظر آدم ناحية إشارة الفتاة إلى مكان الحريق.
(كل تصرف من تلقاء نفسه ودون أن يشعر أو يعير إنتباهآ لما يفعل الآخر)
بين الثانية الثالثة والعاشرة، كان الوضع كالتالي:
-أحمد إستطاع بقدرة خارقة كسر الباب والولوج إلى الخارج في الوقت الذي يحاول فيه إبلاغ شرطة المطافيء بالحدث. -عدلان كان يهز كتفي الفتاة "التي كانت في منتهي الهلع" ويقول لها: "قولي: يا الشيخ اب شرا". -آدم كان يقف قبالة الحريق ويبحث عن وسيلة لإطفائه.
ماذا حدث بين نهاية الثانية العاشرة وإلى إكتمال الدقيقة الأولى؟.
قبل أن أخبركم بكل ما جرى في الدقيقة الأولى هناك أمر مهم جدآ وهو: بعد إكتمال تحريات "البوليس" ثبت أن مواقف الشبان الثلاثة وإنفعالاتهم التلقائية مع الحدث في العشرة ثواني الأولى كانت صحيحة وصحيحة بنفس القدر من الصحة، على حد سواء!. لقد كان حكمآ مدهشآ جدآ لكثير من الناس!.
وبإكتمال الدقيقة الأولى:
-آدم شرع في إطفاء الحريق وحده وبكل السبل الممكنة ... كان أمرآ صعبآ... لكنه على كل حال إستطاع حجب بعض ألسنة اللهب من أن تصل إلى مدى الإنفجار قبل الخمسة دقائق الأولى.
-عدلان إستطاع تهدئة روع الفتاة بحيث عملت على قيادته إلى مكان الأطفال الثلاثة.
-أحمد إستطاع إبلاغ شرطة المطافي بالحدث وظل يراقب بتمعن من الخارج.
بعد سبع دقائق وصلت شرطة المطافي. فوجدت عدلان وآدم وأحمد والفتاة والأطفال الثلاثة بالخارج وبحالة ليست سيئة جدا. ولو أن أحمد جرح جرحآ صغيرآ لكنه مؤلمآ في يده اليمنى أثناء محاولة خروجه من الدار وعدلان أصيب بألم حاد في السلسله الفقرية من جراء حمله للأطفال الثلاثة على عجل إلى الخارج وآدم أصابته النار في قدمه اليسرى. الفتاة لا تزال مرتعبة والأطفال الثلاثة بدأ عليهم الخوف والإرتباك.
في خلال عشر دقائق إحترق المكان عن بكرة أبيه كونه كان يحتوي بداخله عدد من أنابيب الغاز الطبيعي. غير أن المتحدث الرسمي بإسم شرطة المطافي بولاية الخرطوم صرح في اليوم التالي بأن نجاح العملية يكمن في أن النار لم تصل إلى مناطق الجوار كما أنه لا يوجد أذى جسيم .. وقدر أن لولا -شجاعة و-حكمة و-عقلانية الشبان الثلاثة لكانت كارثة لا يمكن التنبؤ بمآلاتها. وبعد عدة أيام أقام تلفزيون السودان إستطلاعآ خاصآ حول الحدث أشاد فيه بالطريقة العقلانية التي تعامل بها أحمد وأشاد بذات القدر بحكمة عدلان وشجاعة آدم الفائقتين... (-عقلانية، -حكمة و-شجاعة). إنتهى. (لا أحد منهم ذكر أو تحدث عن أي دور موجب للفتاة) هكذا علق بعد عدة أيام أحد محرري صحيفة الصباح الحر "متعجبآ"!.
يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!
محمد جمال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: Kostawi)
|
أهم ما في المشهد "المتخيل" إعلاه هو معقوليته. أي أن "الزول" عندما يقرأ أو يسمع تلك الحكاية لا يجد مفارقة لما قد يحدث في الواقع المادي. تلك تكون قمة نجاح المثال في مقاربته للحقيقة. بمعنى آخر فان المواقف المختلفة التي تبناها الرجال الثلاثة تكون معقولة ومنسجمة مع خلفياتهم القيمية. فبالإحالة إلى منظومات القيم التي خلصنا إليها من خلال هذا السرد يكون أحمد "أفندي" وعدلان " زاهد" وآدم "فارس". أي أن المواقف التلقائية التي تبناها الرجال الثلاثة حيال حدث مباغت يهدد حياة الكائن البشري ماديآ لم تأتي من فراغ بل تنبني على المحمول القيمي الجمعي للزول. وذاك طبعآ السبب الذي يقف خلف تباين المواقف الثلاثة للرجال الثلاثة في مشهد النار أعلاه.
فأحمد أول ما فكر فيه هو "أحمد" أي الذات "أنا" . وكان الفعل هو النفاد بالجسد أمام مشهد "النار" المرتبطة في المخيلة بالموت والبشاعة. غير أن الشيئين الأوليين الذين فكرا فيهما علان وآدم كانا مختلفين جذريآ. فكرا في الآخر. فعدلان همه المباشر تركز حول الفتاة. بينما فكر آدم في النار. أي أن فكرتهما الأولى لم يكن محورها المباشر الذات ال"أنا" بل ال"نحن". فالفتاة تمثل جزءآ لا يتجزأ من الجماعة كونها وجدت في الحيز المكاني والزماني بينما إطفاء النار يعتمل خلاص الجميع.
غير أن القصة لا تنتهي هنا.
فيبدو أن أحمد بخلاصه لنفسه "أولآ" يعتقد خلاص الآخرين عبر إستخدام فكرته المجردة أي عقله. وعدلان في مسعاه لخلاص الآخرين إعتمد على قوة ما ورائية "غائبة" كلية هي "الشيخ أب شرا". بينما نجد أن آدم واجه "النار" مباشرة بكل ما ينطوي عليه الفعل من مغامرة بالجسد أي "الآذي الجسماني" أي أنه كان مؤهلآ للتضحية بالجسد أو بعضه في سبيل خلاص الجماعة دون الركون إلى فكرة مجردة أو قوة أخرى "غائبة".
وبغض النظر عن ما هو رأي الناقد المحايد عند مقارنة صحة المواقف التلقائية الثلاثة ببعضها البعض يكون ذاك هو ما جرى في ميدان الواقع، وعنده ما يبرره!.
ومن هنا ربما أجد مدخلآ إلى القول بأن آدم كان في مقام الفارس the knight وعدلان في مقام الزاهد "المؤمن على طريقة التصوف" وأحمد في مقام الأفندي "الموضوعي". وبالأفندي أؤشر على وجه الأجمال إلى سكان المدن الأصيلين والملتزمين بقيم المدينة الخالصة وهي قيم ال "أنا"، بمنأ عن معنى الكلمة التقليدي "موظف حكومي". وقد أفضل في المستقبل إستخدام كلمة "أنوي وأنوية" إشتقاق من "أنا" بدلآ عن أفندي وأفندوية.
وعندي أن القيم التي تقف خلف جل تمظهرات المجتمع المدني في السودان "ثلاثة" منظومات قيمية لا غير. هي قيم الجسدانية "الفروسية" وقيم الروحانية "الغيب" وقيم العقلانية " الموضوعية" (فروسية، غيب وموضوعية). وأشعر أنه توجب علي في لحظة ما أن أشرح ماذا أعني بكلمة جسدانية كوني أعتقد أن الروحانية والعقلانية كلمتان واضحتان في السياق. تلك القيم تسقط على فعل الزول أي تتجسد في أفعال.
وتلك المنظومات القيمية تفعل فعلها الأصيل كل بمفردها أو تنمزج "تتداخل وتتشابك" مع بعضها البعض لتشكل في نهاية المطاف "الزول" الذي نراه الآن يمشى في الأسواق ويعمل ويتكلم ويكتب ويشعر ويغني ويرسم ويحكم ويعارض ويسافر. وتجعل الزول مميزآ أو متمايزآ في سلوكه عن الزول الآخر كما في ذات الأوان هي السبب المباشر في تنميط الزول لدى الآخرين كما نرى لاحقآ (عبر أخذ عينات من الواقع) كيف يكون "الزول" في مخيلة البشر الآخرين في بعض بلدان أفريقيا والعرب وربما بلدان أخر.
يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!
محمد جمال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: Kostawi)
|
فرسان لا إنسانيون!!!
قيم "الجسدانية"
قلت في مكان آخر أنني أشعر بأنه توجب علي أن أوضح بعض الشيء عن ماذا أقصد بالجسدانية في عبارة "قيم الجسدانية". إذ أن منظومات القيم الرئيسية عندي في السودان يمكن حصرها في ثلاثة مجموعات كبيرة هي 1- قيم العقلانية "الموضوعية" 2- قيم الروحانية "الغيب" و 3- قيم الجسدانية "الفروسية".
ورأيت أن كلمتي العقلانية والروحانية ربما تكونا واضحتين في سياقهما ولكن "جسدانية" قد تكون غريبة في السياق الذي وضعتها فيه أو كما شعرت من بعض نقاشات الصحاب.
ماذا تكون تلك القيم؟. ولماذا هي جسدانية؟.
هنا حزمة متجانسة من قيم الجسدانية (كما هي مضمنة في الخلاصة): الرجولة، الشجاعة، الأمانة، الكرامة، الشرف، المروءة، الشهامة والكرم. و يجوز عندي تكنيتها بقيم الفروسية. وهي عندي في الأساس قيم الأسرة الممتدة كما العشيرة والقبيلة. وهي قيم "ذكورية بحتة لدرجة أن صفة النوع "المذكر" تكون قيمة في حد ذاتها فيصبح الرجل الهمام "ضكران" ولا تكون الأنثي "المرأة" بشيء سوى بت رجال وإن ووصفت بالعفة والشرف فهي بت رجال أشراف، أصحاب مروءة وكرم ولا تكون المرأة ولا يجوز أن تكون شريفة وعفيفة أو كريمة ككائن قائم بذاته ما لم تكن تلك هي صفات الرجال من خلفها "ضكرانين تب" وإلا لن تكون بشئ سوى إمرأة "مكسورة جناح". ذلك هو المجرى العام مع إستثناءات لا يعتد بها. ولا تكون صفة النوع "نتاية" مقابل "ضكر" إلا ذمآ في مواجهة قيم الفروسية كون محور تلك القيم ورأس سنامها "الضكرنة" لدرجة أنه لا يوجد في اللغة السودانية "العربية" الدارجة ضد للإسم "ضكرنة" من ضكر مقابل نتاية أو إنتاية إذ أن "نتوية أو إنتاوية" كإسم من الصفة نتاية لا يوجد بمعنى معطل الإستخدام. لا حوجة له!. وهو الأمر نفسه بالنسبة لكلمة "رجولة" من رجل مقابل إمرأة. وبهكذا "قيم" فإن الغالبية الساحقة للتمظهرات المدنية الإثنية يقودها رجال "ضكور" في جميع أرجاء السودان بلا إستثناء يستحق الذكر وما أوضحها عند مكوك الجعليين وسلاطين الدينكا وشراتي الفور وعمد السلامات والتعايشة والبني هلبة وكذلك الأمر لدى النوبة والنوبيين والبجا والفونج وإلخ. وهو أمر يبدو في غاية الوضوح لدرجة البدهية. وخلاصة الأمر فالمجتمعات السودانية المستندة في تمظهرها كليآ أو جزئيآ على منظومة قيم الجسدانية هي تمظهرات ذكورية تشكلت منذ مئات السنين وظلت بنسب متفاوتة تحافظ على ذات القيم المتوارثة والتي تقف خلف تجلياتها وإستمراريتها في الوجود المادي.
ولماذا هي جسدانية؟.
تكون قيم "جسدانية" لعدة أسباب تحدثنا عن بعضها في أوقات سابقة. لكن أهمها عندي:
1- هي قيم وشائج الدم (من جسد قديم إلى جسد جديد).
2- هي قيم الفروسية وبما ينطوي عليه المعني من إستخدام للجسد في مواجهة الطبيعة والآخر. إنها قيم صاخبة. هي من أشد القيم المشكلة للمجتمع المدني السوداني بأسآ وصيتآ وقوة (راجع ص 3 من هذا الخيط "نظرة في مرثية بنونة بت المك"). كما أن هناك إشارة متعلقة في مشهد "النار" أعلاه.
3- هي قيم القبيلة وبنية القبيلة في الأساس علمانية لا دينية وبذات القدر فهي لا عقلانية (راجع علمانية بنية القبيلة ص 3 اربع مداخلات) ... وإن صح ذاك الزعم تكون قيم القبيلة هي قيم الدنيا وبما ينطوي عليه المعنى من علاقة مباشرة بالعالم المحسوس، مرة ثانية "الجسد".
وأظنه من نافل القول أن القبيلة كما العشيرة والأسرة الممتدة يشكل الجسد "الدم" مركزها الحتمي. وبهذا يكون للجسد عند القبيلة قداسة لا حدود لها. فمن الجسد تخرج القبيلة وبالجسد تعيش وبفتوة الجسد تبقى وتحقق أمنها ورفاهيتها وعزتها وسط القبائل. ففي الجسد السر كله.... هو الدم!. الجسد مكان محرم "تابو" عظيم... هو مكان الشرف. ولهذا يكون غسل العار. أي غسل جسد القبيلة كلها بدم الضحية "إمرأة ما نامت على فراش رجل غريب". كما للثأر "التار" أيضآ علاقة مباشرة بالجسد. الجسد لا شيء غيره هو الحياة كلها منه تخرج إلى الوجود وبه تغيب في العدم.
ربما نلاحظ عند الخطوات المقبلة كيف أن قيم الجسدانية "الفروسية" تكاد لا تفارق مخيلتنا جميعآ مهما أدعينا البعد عنها!. إنها تشكل لا وعينا وتسيطر على قدر كبير من سلوكياتنا وتصرفاتنا.
يتواصل... سيكولوجيا الزول والمجتمع المدني والدولة في السودان!.
يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!
محمد جمال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: Kostawi)
|
خصائص المنظومات القيمية "الثلاثة"
أستطيع أن اقول بشكل مبدئي أن الخصائص الجوهرية للمنظومات القيمية الثلاثة تكون على الوجه التالي: محور منظومة قيم الفروسية يكون في الجوهر "المضمون" مع التقليل من أهمية الشكل "المبنى" ومحور منظومة قيم الغيب يكون في الجوهر مع إحتقار الشكل ومحور منظومة قيم الموضوعية يكون في الشكل والجوهر على حد سواء منظومتي الفروسية والغيب هما في الأساس سمة الريف بينما تكون منظومة الموضوعية هي في الاساس سمة المدينة كما أن منظومتي الفروسية والغيب هما منظومتا "نحن" بينما تكون منظومة الموضوعية هي منظومة "أنا".
وإذا ما ثبت لنا أن منظومتي الفروسية والغيب هما في الأساس سمة الريف فهذا لا يمنع أن يكون الريف في قلب المدينة والعكس صحيح فكثيرآ ما نجد ريفيين يمتثلون بالكامل إلى قيم الموضوعية أي "الفردانية". والأمثلة هنا لا حصر لها ونستطيع بسهولة أن ننظر إلى سلوك الأمدرمانيين الأصيلين لنجد أن قيم الفروسية ما تزال تشكل لا وعي معظمهم ويظهر ذلك جليآ في فخرهم بمدينتهم أو أحيائهم العريقة بدلآ عن قبائلهم كما هم أولاد بلد عوضآ عن أولاد قبائل. وسبق أن عقدنا في بداية هذا الخيط مقارنة عاجلة بين بعض أحياء الخرطوم ورد في نهايتها ملاحظة صغيرة حول أمدرمان تقول: ( نجد في واقع الحياة اليومية أن كثير من الأمدرمانيين يحيلون ذواتهم الى مدينتهم، ويجدون فخرا وعزا وكرامة في انتمائهم الى امدرمان (احساس عالى بروح الجماعة) و"نحن" تطغى على "الأنا". فالأمدرماني شهم وكريم وصاحب مروءة وعزيز وأصيل ونبيل وأخو أخوات أو كما يحاول أن يرسم ذاته في مخيلة الآخرين. وتلك كلها قيم "نحن" إذ يكون بعضها في نزاع مع قيم المدينة الخالصة مثل الكرم سمة الريف مقابل الإدخار سمة المدينة. وسأفرد في وقت لاحق مساحة خاصة للقيمة "إنسانية" كأحد ابرز قيم الموضوعية لما لها من علاقة تعارضية وصدامية واضحة مع قيم الفروسية.
وعندي إعتقاد أن منظومة الفروسية هي المنظومة الأكثر سيادة على واقع الحياة في السودان تليها منظومة الغيب. وإن صح هذا الزعم فإن العجينة الإساسية لنفسيات "الزول" تشكلها منظومتي الفروسة والغيب وتأتي منظومة الموضوعية في المرتبة الأخيرة في الريف وفي المدينة على حد سواء. فالمدينة في السودان لم تأخذ بعد هيئتها الأخيرة كمدينة مكتملة الشروط.
يتواصل.... سيكولوجية "الزول"!
محمد جمال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: malik_aljack)
|
الأخ مالك سلامي ليك و شكرا على المداخلة أسمح لي أن أضع تعقيبك على كلام الأخ عادل in this post لماذا لم تنشر هذه الدراسة عن بعانخي في ناشونال جغرافيك (النسخة العربية __________________________________________________________________________
تعقيبين عادل هنا
1- لم أفهم معنى (النسخة العربية) فالمقال لم يشر إلى ذلك
2- المقال يركز على مفهوم العنصرية الذي كانت تتشبع به القوات المستعمرة و لكنه أيضا يشير إلى أن هذا الفهم العنصري (ربما) يكون السبب في عدم تناول أمر الفراعنة السود
عموما نحن شعب نحاول مجتهدين في أن نجد عليّة نعتليها فوق الأقوام التي تعاملنا حسب ما بنته في أذهانها من خلال التفاعل مع سكني هذه المنطقة المسماه بالسودان
و امتدادا لجلبك هذه النقطة نطرح أسئلة للتناول العلمي فقط و ليس لخلق حالة جديدة:
1- ما هي نظرة الآخرين و مفهومهم للهوية السودانية؟ 2- :يف تشكلت هذه المفاهيم و النظرات؟ 3- ما هو تأثير هذه المفاهيم على الشخصية السودانية الآنية؟ 4- ما هي أشكال ردود الفعل التي تقوم بها الشخصية السودانية الناتجة من تأثير التفاعل مع الآخرين؟ 5- ماذا يمكن أن يجلب الرضاء للشخصية السودانية في هذا السياق؟ 6- كيف يتم انتاج مقومات الرضاء؟ 7- و ما هي احتمالية استمراره؟؟؟
شفت كيف؟؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: Kostawi)
|
الاخ -كوستاوي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته- وكل عام وانتم بخير لامس فيني موضوع الندوة وكذا بحث الاستاذ محمد عادل هوي قديم وهاجسا اجتره مرارا كلما زادت مشاكل السودان في كل الاتجاهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية فلم يتبقي لنا من زاد الدنيا الفانية سوي التاريخ حيث هجرتنا الجغرفية في بكائية ثالثة الاثافي والجمع يتفرج. اخي الكريم: عطب ثقافتنا وسبل اللحاق بالركب موضوع شاغلني كثيرا وعندما تصفحت هذا الصباح خبر الندوة المنوه عنها للدكتورة ناهد وكذلك مشروع الاخ محمد عادل عن الزول استبشرت خيرا لتلك الفتوحات في زمن الانكسار والاحباطات هذا. اود منك مشكورا الاخ الكريم مدي بوقائع تلك الندوة وكذلك بحث الاستاذ محمد عادل وسوف اتواصل معك للربط بين تلك المساهمات ومساهمتي حول (الثقافة السودانية الارث والمأمؤل) سعيانحو الاماني لبلوغ غدا افضل لهذا الشعب كريم ودمتم اخي الكريم- هذه دعوة للتواصل مع كل الاطراف
اخوك عبدالفتاح علي خلف الله
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: محمد جمال الدين)
|
شكرا كوستاوى على النشر وحمدالله على سلامة موقعنا بقيادة الربان بكرى ابوبكر .. نحن معك الى آخر المشوار واستعادة زمام الامور,, شكرا للمتداخلين على اسهاماتهم ونشكر للراغبين فى حضور الندوة لأهمية الموضوع.
ارفق لكم أجزاء من مقال طويل للكاتبة دكتور ناهد محمد الحسن بعنوان "
دعوة للخروج من القطرميز... مقاربة لشخصية سودانية (1)
د.ناهد محمد الحسن
لأن الاستقلال اتى كحدث هادئ, ظل السودان عالقاً فى حالة من الفشل المكتسب والمرتبك ازاء اسئلة وجوده وهويته... وهى حالة تشرحها الدكتورة وفاء سلطان فى اقتباس عن تجربة علمية تقول: قام عالم نفس امريكى بوضع مجموعة من البراغيث داخل قطرميز محكم من الزجاج, حاولت البراغيث الهرب فارتطمت بالغطاء ومات بعضها. بعد مرور زمن على المحاولات اليائسة تبنت البراغيث طريقة جديدة وهى القفز الى مستوى اخفض بقليل كى تتجنب الارتطام. وانتظر العالم طويلاً حتى تأكد من ان البراغيث يئست وتكيفت مع وضعها الجديد فقام بفتح الغطاء غير ان البراغيث اصرت على التحليق المنخفض.. ففسر ذلك بحالة الاحباط المكتسب جراء الالم الذى تتعرض له البراغيث عند الارتطام.
تعتبر حالة الاحباط المكتسب فى نظرى السبب وراء اهدار الطاقات الانسانية القادرة على التحرر والابداع وهى حالة اسهم فيها اننا لم نساهم بفاعلية فى حفل رفع الغطاء اذ كنا غارقين فى بؤسنا الوجودى وتعاستنا القدرية نجتر حزننا وهزائمنا... ذلك قبل ان نعى هويتنا الجديدة ونحسم النقاش حول الدستور السودانى الجديد.. وقبل ان تعتاد ألستنا على نشيد العلم الذى يرفرف بحرية ليلهمنا الطريق الى الحرية والكرامة, هجم العسكر على الحكم, ابناء القهر وصنيعته, ليمرروا عبر تسلطهم فينا تاريخ قهرهم الشخصى متعللين بعجز الحكومات المدنية عن ادارة شؤون البلاد وان الشخصية السودانية اكثر قابلية وملاءمة للحكم العسكرى. ومن هنا صار تاريخ السودان مسلسلاً من القهر تحت ظل الانظمة الشمولية والاستبدادية التى اغرقت البلاد فى الخوف والتعذيب والفساد وحرمت الانسان السودانى من فترة نقاهة يستعيد فيها ذاته ويخرج فيها من حالة العجز او الاحباط المكتسب. ولست هنا بصدد سرد احداث ووقائع يعرفها الجميع, شارك فيها البعض منا بفاعلية وكان جزءاً منها. وتمتلئ بها الكتب التحليلية والوصفية والدراسات. لكننى بصدد الحديث عن الانسان نتاج هذا القهر ومحاولة تلمس لطريق يخرجنا من الاحباط الى الفعل بقدر الامكان... باعتبار ان الغطاء الآن مرفوع بأفق مستقبل واعد بانتخابات نرجو ان تكون _حرة ونزيهة _ قادمة ولكن من يخبر الذات البرغوثية التى تسكننا بذلك ويخرجها من الخوف التاريخى ويرشدها الى افق الحرية الجديد؟! مات غول القهر وهو الآن فى طريقه للسقوط ولن أشغلكم برؤية دابة الارض وهى تأكل منسأته...اذ علينا الحديث عن مخلفاته فينا قبل ان نستعد للتحديات القادمة, باعتبار ان اى حديث عن التنمية والتقدم دون استصحاب التنمية البشرية غير ذى قيمة. وهذه رحلة لا بد ان يكون حاديها العقل الواعى الناقد, فلنأخذ طريقنا محلقين خارج القطرميز يجب ان نعى اولاً حدود القطرميز والضيق الذى نعيش فيه والامكانات المحدودة له والتى فى سياق تكيفنا معه, ضحينا بالكثير من أنانا الى درجة التسليم بوضع القهر كوضع طبيعى نناضل لنظل تحته قامعين اى عملية تغيير احيائية جديدة تساهم فى كسر الجمود والشلل الفكرى الذى نغرق فيه. فلنطير مرة اخرى علينا ان نمرن اجنحتنا الكسولة وندرك ان البقاء طويلاً فى قطرميز قد يجعلنا نفضل سجننا الضيق الآسن الذى اعتدنا عليه على فضاء الحرية العاصف واللامحدود.
فماذا فعل فينا القهر؟! ما سأسرده هنا نماذج لتمظهرات القهر الكثيرة والمختلة, كتأملات على محاور الرؤية الانسانية للذات والاخر والكون.. باعتبار ان اولى مراحل العلاج هى التشخيص ومعرفة تمظهرات الداء لنقف منه موقف التغيير. فى نقاش لى مع بعض الذين يحرصون على مناقشتى في ما اكتب لمست منطقة غائبة عن الفهم في ما يتعلق بتعريف الصحة النفسية والسواء النفسى, اذ يعتبرها البعض الخلو من الاعراض والعلامات المرضية, والحقيقة ان هذا التعريف هو جزء من مفهوم الصحة النفسية الذى خطا الى آفاق أبعد من هذه اذ غدا المرض ما تفعله من تصرفات مرضية وما لا تفعله من تصرفات معافاة. يعرف كل من العلامة اليس والعلامة بيك المرض النفسى بسيطرة ردود الفعل الانفعالية السلبية على الشخص وسلوكه وتعود ردود الفعل هذه الى نظام من الافتراضات المعرفية الخاطئة تبعاً لأليس والى نظام الافكار الآلية المرتكز على نواة نظام من المعتقدات العميقة حول الذات والعالم تبعاً لبيك. الانسان يقع صريع المعاناة والاضطراب والاكتئاب والقلق نتيجة لخلل فى نظام المعتقدات. اما الشخص المعافى فهو ذاك الذى يتمتع بنظام معتقدات واقعى فى النظرة الى الذات والآخرين والدنيا. وينتج عن هكذا نظام واقعى عقلانى سيادة التفكير الايجابى فى المواقف الحياتية كما فى الموقف من الذات وما يعتمل فيها. ويشكل الوصول الى التفكير الايجابى من خلال دحض نظام المعتقدات الخاطئة والسيطرة عليها الشفاء النفسى واستعادة العافية فى حالة من سيطرة العقل على الحالات الانفعالية السلبية _ حجازى, د. مصطفى, مفهوم متكامل لدينامية النمو فى البيت والمدرسة. وعلى ضوء هذا التعريف سأتتبع تمظهرات القهر على مستوى الرؤية للذات والآخر والكون لبناء الوعى والاقتدار والكفاءة النفسية.
الرؤية للذات:
خلفت سيرة القهر الطويلة والمستمرة ندوباً فى الذات السودانية اثرت فى نظمها المعرفية ورؤيتها للذات من خلال النظرة الدونية وعقدة النقص. وبالتالى حكمت ردود افعالها تجاه واقعها والتى اتسمت فى مجملها بالسلبية والانسحابية وانعدام المبادرة والفعل الابداعى والتماهى مع القاهر.
رسم العلامة اريكسون فى كتابه الطفولة والمجتمع طريق النضج النفسى والاجتماعى وفقاً لمدرسته الخاصة التى تتحدث عن فترات حرجة يمر بها الانسان من الميلاد الى الموت.. تسم ردود فعله تجاهها فى طروفه البيئية والاسرية المعينة مستقبله النفسى والاجتماعى كناضج. واهم ركائز الذات السوية فى طريقها لخلق هوية فردية متماسكة وبالتالى هوية مجتمعية واضحة ومعافاة هى العلاقة الاولية مع الأم والاسرة ثم التفاعلات مع الأصدقاء والشلة فى فترة المراهقة.. ومما لايخفى علينا ان انظمتنا التربوية تقوم بدورها فى تدجين الشخصية السودانية وسحق ارادتها لتعليمها الأدب الذى = فى مفهوم التربية النفسية انعدام الشخصية واضطراب الشخصية وبالتالى انعدام الادب!. وعادة ما ينجو الطفل الاول من مسلسل القهر هذا نسبة لقلة الضغوط حول الأم والاسرة. ولكنها نجاة شكلية اذ سرعان ما يتماهى فى شخصية الأب او الأم ان _ كانت فتاة _ فيتبنى القهر ويسقطه على اخوته والآخرين او تبتلع القهر ان كانت فتاة.. فتتراوح النماذج التى تفرخها انظمتنا التربوية من العدوان الى السلبية والانسحاب. بذلك يستمر نظام القيادات الهرمى فى السودان من الأب الى الابن الأكبر وهكذا. تعتمد الاسرة السودانية عادة على الابن الاكبر فى تسيير امورها والذى سرعان ما يغدو والداً لوالده حتى من ناحية المسؤولية لدرجة اننا نجد الابن فى السودان يزوج اباه او يرعى اخوته الصغار بدلاً من ان يتزوج ويرعى اطفاله هو. وهى حالة تبناها النظام الاجتماعى السودانى بوصفها النظام الطبيعى الذى يلام عليه الابن إن هو قصّر او فكر ان يتزوج باكراً. وهذا النموذج يعكس المفاهيم التى تقوم عليها الانظمة التربوية فى السودان والتى تعتبر الابناء ملكاً كالمقتنيات الخاصة التى عليها ان تشبع طموح الآباء. فنحن نربى ابناءنا لنا لا لهم, لذلك نقوم بردود فعل عنيفة ازاء اى بادرة استقلال ونقمعها كفعل عسكرى ضد السلطة! وهذا ما كرس الولاء للقبيلة والذى رغم رسم ملامح السودان كدولة منذ العهد التركى ما زال هو الحاكم فينا عرفاً وتقاليد وعصبية. كرس لذلك واستدامه بالطبع غياب المؤسسات الحزبية فى ظل الانظمة الشمولية التى لم تترك للمواطن ملجأ غير حضن القبيلة.
يحتقر السودانى ذاته ولا يثق بها لذلك نفشل فى اداء العمل الجماعى والمؤسسى باعتبار ان الثقة فى الآخر هى شكل من اشكال الثقة فى الذات... فإيمانك بقدراتك يعنى بالضرورة تصديقك بقدرات الآخرين والعكس صحيح فان كنت عاجزاً عن تصديق قدراتك الذاتية فبالتالى انت اقرب الى التشكيك فى مقدرات الآخرين. وهذا الشك يقوم بدوره فى كبح الطاقات والامكانات اللامحدودة التى تنتظر بعض الثقة وشيئاً من الفرص. ومن هنا اتت لا مبالاتنا بالزمن, والذى قد يرى فيه البعض ارثاً بدوياً ورثناه من سنوات الرعى الطويلة. وفى نظرى ان هذا القول يصدر من اشكالات الذات التى تبحث لها عن تبريرات قدرية لا تخلو من تحميل الآخرين وزرها وتبرئة الذات. فالرعى عملية انضباط عالية بالزمن. اذ يقوم الرعاة فى اوقات مبكرة جداً والتزام جاد يومياً بأخذ ماشيتهم الى المرعى ليبحثوا لها عن المراعى المناسبة ويقضوا نهارهم فى ضنك عالٍ ليعودوا عند المغيب مجهدين من العمل الطويل دون كلل او ملل. وهذا التزام نفتقده بافتقادنا للثقة فى الذات وامكاناتها. والزمن عندنا توقف فكرياً وشعورياً فى حقبة ما ما زلنا نستلهم حكمتها ونتمسك بها دون مراعاة للمتغيرات. لا احترم الزمن لاننى لا ادرى ما افعل به؟ّ! فان كنت ادرك قيمة وجودى ودورى فى دولاب العمل وبالتالى التنمية العامة والتطور والحضارة, لفعلت فى العمل اليومى اكثر من اكل الفول وشرب الشاى وقراءة الجرائد والتحدث عن البدلات والعلاوات والصناديق او عبر الموبايل فى نقل (الشمارات وكافة انواع البهارات) حتى يأتى الترحيل. ويغضب الموظف السودانى جداً إن قطعت له _ ونسته_ لتطلب منه خدمة بعينها هى من صميم واجباته وغالباً ما ينتهى الأمر بشجار يذهب منه الموظف بيقين ان المواطن _ثقيل ولا يجيد التعامل, فيقرر ان يعاقبه بالمزيد من العراقل ما استطاع الى ذلك سبيلاً! وبالتالى مزيد من العراقيل والعوائق للتنمية وللعلاقة مع الآخر التي يجب ان تصدر من موقف تعاطف ورغبة فى المساعدة وتنحية العنف اللفظى جانباً لنفتح الطريق امام اللغة المهذبة والجميلة. ولأننا لا نثق فى انفسنا لا نثق فى الآخر الخبير لمجرد انه شاركنا سودانيتنا وعادة ما نقوم بالسؤال الآتى: اين اجد نجاراً مضموناً او سباكاً او حداداً... الى آخر القائمة وقد بدأت بالأعمال اليدوية لاننى اعرف ان السودانيين يأنفون منها, لذلك لا يذهب اليها الا عاطل عن العمل قرر ذاك الصباح فجأة ان يكون سباكاً ليجعل السؤال الاول رغم دلالاته المحزنة مشروعاً جداً وحصيفاً. تمتد قائمة الاسئلة لتشمل حتى الاكاديميين, لتصبح اين اجد طبيباً ممتازاً؟... طبيب اسنان بأسعار معقولة... محامى ود ناس؟..استاذ محترم؟... الى آخر القائمة التى تنتهى بسؤال اين اجد بنت او ود الحلال؟!!
فمصيبة القهر انه يغرق الذات فى دوائر مرضية معيبة لا يمكنها الفكاك منها بسهولة وكل تداعى للقهر يؤسس لامتهان آخر للكرامة والثقة فى الذات وتقديرها وتأكيدها.
عبر العلم والعمل تخطو الذات اولى خطوات التحليق للخروج من القطرميز, بتحويل المفاهيم والنظرة الى العمل باعتباره مصدراً لاثبات الذات وتحريرها واعادة الثقة اليها عبر الانخراط فى عمل مفيد, ترسى عبره علاقة معافاة مع الآخر بالتعاطف وبالتالى تكتسب به معنى جديداً لوجودك واهميته. فتنتقل علاقتك بالعمل من مجرد علاقة عابرة تنتهى بانتهاء الدوام الى عمل دؤوب لا يعرف له حداً ولا نهاية نحو مسيرة عملية مليئة بالعطاء والانجاز تضمد بها الذات جرحها النرجسى.... وكلها دوائر يعزز بعضها البعض بطريقة من شأنها ان تعيد الثقة الى النفس.
يتبع...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: Mannan)
|
مقاربة لشخصية سودانية...دعوة للخروج من القطرميز(2)
د.ناهد محمد الحسن
خلفت سيرة القهر الطويلة والمستمرة ندوبا فى الذات السودانية اثرت فى نظمها المعرفية ورؤيتها للذات والآخر والكون من حولها وحكمت ردود افعالها تجاه واقعها والتى اتسمت فى مجملها بالسلبية والانسحابية وانعدام المبادرة والفعل الابداعى. ولقد تعرضنا فى المقال السابق لتمظهرات القهر على الشخصية السودانية على مستوى الرؤية للذات, فى علاقتها بالزمن والعلم وقيمة واخلاقيات العمل. باعتبار ان هذه الثلاثية هى مفاتيح تفعيل الاقتدار والكفاءة وبالتالى حالة من السواء النفسى يعزز بعضها البعض. ونحن فى هذا المقال بصدد مواصلة الحديث عن الرؤية للذات فى فكرها وتداعياتها السلوكية.
الرؤية للذات:
تفتقر الشخصية السودانية للعقل النقدى حتى فى اوساط المثقفين, ويأتى العقل الغيبى والاستسلامى كمرجعية فكرية اساسية. فالتصوف فى السودان سلوك تبعية وانقياد لا يقوم على فلسفة دينية لذات تحتاج لمن يقودها الى امان ترقبه وتتطلع اليه. ويعتبر دكتور حيدر ابراهيم (السبحة) احد ملاجئ الهروب التى لا تقل فى غيبوبتها عن مغيبات العقل الحسية كالخمر مثلا - صياغة اللغة من عندى -. يحيل الفرد منّا فشله وعجزه الى العين والسحر والعمل ويتم اهدار المال والوقت فى اثر الدجالين والسحرة.. أعرف سيدة لديها سبعة اطفال تعولهم بالعمل فى المنازل ليلا ونهارا ركضا وراء ملاليم سكبتها برضاء نفس تحت اقدام شخص يقوم بعمل احجبة للناس, حيث تعتقد السيدة ان قدوم فترة البلوغ لفتاتها الصغيرة يستوجب عمل حجاب يعرف باسم ام الصبيان ليقيها شر العقم مستقبلا!!!!!!... فى الجامعة كان لدينا زميل غير ملتزم بالدراسة مما جعله يتخلف اكاديميا فسألته عن موقف اسرته من تأخره الدراسى, فقد كنت أعوّل عليهم فى خلق ضغوط محددة عليه تجعله اكثر جدية فى دراسته الاكاديمية, فأجابنى ببساطة: مافى اى زول بسألنى.. طبعا انا كاتبانى مرة أبوى!! فالكتابة و_ المحاية _ مبررات للبعض ووظيفة للآخرين تستمر وتتعزز بوجود المستفيدين الذين تفرخهم هذه العلاقة... فالفرد المهمل يجد فى الكتابة عذرا مقبولا وكذلك اسرته التى تريد ان تبرر فشلها فى تربيته وعدم قدرتها على خلق فرد منتج ومتزن بالاضافة الى تمرير عاطفتها السالبة تجاه (الضرّة), والجارة المفترى عليها او القريبة او البعيدة... إلخ لدستة الاعداء الحقيقيين والمتوهمين بالاضافة الى الشيخ الذى يدعم هذا التغييب جيبه الشخصى. وتاء التأنيث المرتبطة بامتهان (الكتابة), ليست سهوا, اذ يوقع القهر المزدوج المرأة فى دائرة التغييب الذى يكرس لهذا الفعل تداولا وانتاجا. يقف هذا الفكر مع الاحساس بالدونية وعقدة النقص وراء اهمال المظهر العام والاستهتار بالنظافة. اذ تختلط القذارة الشخصية بالدروشة والمرقوعة وكسر النفس فى مزيج فكرى يتلبس الحقيقة ويصعب عليك فصل المزيج الذى يتستر بالعلم اللدنى ويقف امام التوجهات الشرعية بالنظافة كأساس للايمان بمعناها الظاهر والعميق. حتى فى اوساط المثقفين.. اذ يميل الكثيرون الى اهمال المظهر العام والتزام السلوكيات المختلة والغرائبية التى تتعالى على الواقع والعاديين مستلهمة موقف ارثر ريمبو: تفوقى يعود لكونى بدون قلب! يتبع الفنانون فى بلادنا شاذا شوهت طفولته الانتهاكات الجنسية! فوقعنا فى مصيدة الجنون كمبرر ضرورى للابداع, والنتيجة وقت مهدر فى (برم) اطراف الشعر لمنحه جنونا خاصا يقول بلغة الجسد غير المنطوقة انه مثقف وكاتب مختلف. وهنا تغازلنى فكرة الحديث عن مبدع سودانى استمتعت بحضوره فى النادى العائلى وتحاشيت صداقته ليخرج من سمعى ويدخل زمرة الاطياف الخالدة. لذا تعجبت وأنا اقرأ فى الدعوة: مناقشة تجربة الاستاذ ازهرى محمد على الشعرية, اذ بدت لى علمانية جدا هذه المناقشة التى تخوض فى المقدس. فأزهرى ليس مجرد شاعر كبير وناضج فحسب وإلا لناقشته فى مكان آخر من هذه الجريدة.. لكنه حالة ابداعية عالية من السواء النفسى... يعرف كيف يمرر آلام الكتابة فى مسيحية عالية تتحرر وتتوازن كلما صعدت صليبا... لذا كلما خرجت اشعار ازهرى مجنونة جدا وتدعو للتأوه من الجمال القاسى الذى يغرقك فيه, ازداد ازهرى رزانة وعقلا!! فالفعل الابداعى حتى فى اوساط المرضى هو اشراقة منفلتة من الذات فى اقصى حالات سواءها النفسى. يتطور هذا الكسل عن الجمال ليصبح فلسفة يدافع عنها المثقفون بضراوة يؤسسون لها ثقافة مضادة للجمال والتهذيب والانضباط (من فاكيها فى روحو FFR مرورا ببتاع قشرات الى ماعندو موضوع وبرّاى الى آخره). ومن معانى الكتابة الى كتابة اللامعنى يا قلب لا تحزن واذا جرؤت على رفع اصبعك لاستيضاح المعانى يقومون بتجهيلك واتهامك بسلسلة من الاتهامات اكثرها تهذيبا الكسل الذهنى! اما موقف العامة من النظافة وان لم تسنده فلسفة بعينها الا انها ليست بعيدة عن (نظافة مرة الفكى الغسلت كتاب راجله!).. ضحك السودانيون كثيرا مع تور الجر (استحم كل يوم ليه حواتى؟!) ونكتة محمد موسى (العيد خلاس جا لى برودو), (والله ما استحم عرس ولا عيد)... غير ان هذه الضحكات لم تنتقل كما مقدر لها من توظيف الفعل الادبى فى تغيير السلوك.. الى خجل من سلوك القذارة, على العكس من هذا كرست هذه النكات للقذارة كسلوك يومى تسنده الضحكات وتبرر له.. ربما لانها خرجت كما خرج غيرها من ردود الفعل السودانية (ساااااااااكت).و(سااااااااكت) هذه علامة مرضية للامعنى واعتلال المزاج, فالقيام بأى عمل يجب ان يكون له دوافعه بينما هذه الساكت علامة على اللامعنى للاشياء لم اجدها الا فى حالات الفصام (الشذوفرينيا) وانواعها العصية على العلاج!. ولأن النظام والنظافة شكلان لا نغسل ايادينا الا بعد الاكل ولا نفرّش اسناننا الا صباحا وننظف بيتنا ونلقى الاوساخ خارج المنزل ونفشل فى ابقاء مكاتبنا نظيفة لدقائق ونلقى بالقاذورات والعلب والاوراق فى الطرق العامة, نبنى بيتا من خمسة طوابق ونجد صعوبة فى ازالة بقايا البناء من امام المنزل او ردم الشارع المجاور للبيت حتى لا تضطر للخوض بسيارتك الفارهة وحذاءك الغالى فى الاوحال! ننظف البيت ونعد له الجميل من الاثاث لنتركه للضيوف و(نتردم جميعا فى الراكوبة البرّه). والاطفال لا يستحمون او يتهندمون الا فى حضور الضيوف او عند الخروج من المنزل... نعود الى المنزل نخلع الملابس النظيفة ونرتدى الملابس القذرة ونأكل فى الاوانى القبيحة ونترك الجميلة للضيوف... نهتم بغذاء الكبار – الرجال غالبا- ويأكل الاطفال الاكثر حوجة للتغذية بقايا (الصينية)!
علينا ان نبدأ باحترام الذات بتحسين صورتها الداخلية والخارجية وبالتالى تقبلها وتقديرها لذاتها الذى يؤدى فى النهاية للسواء النفسى البداية الضرورية لاى تنمية وابداع
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: Mannan)
|
مقاربة لشخصية سودانية..دعوة للخروج من القطرميز (3)
د.ناهد محمد الحسن
خلفت سيرة القهر الطويلة والمستمرة ندوباً فى الذات السودانية اثرت فى نظمها المعرفية ورؤيتها للذات وللآخر والكون من حولها وحكمت ردود افعالها تجاه واقعها والتى اتسمت فى مجملها بالسلبية والانسحابية وانعدام المبادرة والفعل الابداعى. ولقد حاولت فى المقالات السابقة ان اتحسس تمظهرات القهر فى الشخصية السودانية على مستوى الرؤية للذات باعتبارها قاعدة اساسية للتحرر من سطوته. وسيكون موضوع هذا المقال. .تمظهرات القهر فى حيز العلاقة مع الآخر.
الرؤية للآخر:
ينمو الانسان ويتطور فى سنوات الطفولة الاولى وهو يحاول ان يدرك شيئاً عن ذاته ومن هو؟...ومن خلال التفاعل بينه وبين واقعه,اسرته,والمجتمع من حوله. .تتضح اولى معالم هويته الفردية كشخص محدد ينتمى الى جماعة محددة لها عادات وتقاليد وثقافة ودين بعينه وهكذا. ..وعندما يلج الطفل مرحلة المراهقة يجد تلك الهوية على المحك تحت ضغوط الشلة والاصدقاء ويبرز جدال مجتمع (النحن) مقابل مجتمع (الهم) , وهذه مرحلة من الحرج بمكان اذ انها تهدد الهوية الفردية للإنسان وعليه ان يجد مخرجا آمنا منها , اذ من المفترض ان تكون العلاقة بين (النحن) و(الهم)علاقة آمنة يسودها الحوار فكما يقول الاستاذ امين معلوف فى كتابه الهويات القاتلة : علينا ان ندرك اين ينتهى التأكيد المشروع للهوية واين يبدأ انتهاك حقوق الآخرين !
تحتاج ادارة العلاقة بين النحن والهم الى وعى فردى ومؤسسى ومجتمعى والى دولة تتيح للجميع فرصاً متساوية والى قانون دستورى يراعى كفالة هذه الحقوق. اذ مادام البشر بشراً وليسوا ملائكة. .ستحكم العلاقة بين النحن والهم المصالح ذات الاهمية لكليهما , وهى ليست بالضرورة اقتصادية وحسب. اذ تحتاج مجتمعات النحن والهم دائما لتأكيد ذاتها وهويتها المجتمعية الخاصة وهو تأكيد يحتاج فى تمييزه لذاته الى مرجعية للمقارنة. ..لتظهر الف التفضيل نحن افضل منهم او هم افضل منا. .وقد تمر هذه المقارنات بسلام فى المجتمعات المعافاة الكبيرة عادة. ..بينما تحت المجتمعات الصغيرة القبلية مثلا تنتهي الى نهاية ايجابية تعزز قوى العصبية لديها وتبذر العداء. ..اذ حرصا على التوازن النفسى والمصالح الاخرى الاقتصادية او غيرها تمرر مجتمعات النحن او الهم عقد نقصها واحساسها بالدونية الى الاخر المختلف والاقل فى السلم الاجتماعى الذى وضعت الاعراف القبلية ملامحه ومرجعيته. .فتسود النزاعات بين الجميع حين ترغب مجتمعات النحن مثلا فى الحصول على التقدير وتأكيد الذات والاعتراف بالسيادة والتميز. ولتمنح مجتمعات النحن مثلا مهمتها قداسة معينة تساعدها فى تقديم مبررات لعدائها تقوم بتحميل مجتمعات الهم سبب بؤسها وتعاستها الابدية. ...ما حدث حدث بسببهم. ..انهم وراء كل مصائبنا وهكذا. ...
تحافظ هذه المجتمعات على وحدتها بوضع قوانين واعراف صارمة تفترض إذعان الجميع لها. ..وهكذا يجد الفرد نفسه مجبراً على إطاعة السلطة الهرمية للحصول على الامان النفسى والاجتماعى. وتشكل القبيلة بعلاقتها الفردية وعلاقتها الخارجية مع الجماعات الاخرى التمظهر الحقيقى لجدلية الهم /النحن. باعتبار ان القبيلة فى السودان لازالت الملاذ الوحيد الآمنفى قطر منى فى تاريخه الطويل بالانظمة الشمولية التى لم تتح للفرد من الحريات والحقوق ما يجعله يستبدل ولاءه الضيق والمحدود للقبيلة بولاء اكبر للوطن الام يجعل القابلية لازالة الفواصل العرقية والإثنية والاختلافات بانواعها بين مجتمعات النحن / والهم خياراً متاحاً.فمشكلة القبيلة التى تطالب بالولاء الكامل انها تجعل افرادها احيانا يحاربون ضد قناعاتهم كما قال الشاعر الجاهلى :
وما أنا الا من غزية إن غزت * غزوت وإن ترشد غزية ارشد
وهكذا تصبح القبيلة هى المرجعية الوحيدة للخطأ والصواب , مما يكرّس للعقل الاستسلامى وسلوك القطيع. فبوجود مجتمع الهم الذى يتربص بك ليس بمقدورك ان تقف فى وجه القبيلة وتتمرد على اعرافها , لانك تدرك تماما مآلات هذا السلوك. ..والادهى من ذلك ان فكرة التمرد نفسها لاتخطر الا على بعض العقول التى بها شئ من الرؤى والبوادر القيادية , حيث تهدد هذه الافكار الوجود الذاتى للانسان الذى لم يحصل على وقت كاف يمرّن فيه ارادته ويمتحن خضوعه وإستسلامه. وفى المجتمع السودانى تقف القبيلة باعرافها خلف الكثير من الممارسات السالبة. ..مثلا يتم تعيين البعض فى الوظائف ليس وفقا لمؤهلاتهم بل لقرابتهم للشخص المسؤول. .وقد رسخت المحسوبية والواسطة فى المجتمع السودانى الى الحد الذى صار الناس لا يخجلون منه ويعتبرونه عرفا وحقا معلوما !حتى إن البعض يغضب إذا رفض قريب لهم مساعدتهم بإختراق القوانين واللوائح وعادة ما ينتهى بهم الامر الى شتمه والتحدث عن اصله القبلى ال######## ولعن الدنيا التى اضطرّت سيدا وابن سيد مثله الى اللجوء لهذا الشخص وغيرها من السيناريوهات التى نعيش فيها يوميا وترهقنا غير اننا لا نستطيع منها فكاكا. لاننا تحت رحمة القبيلة فإننا لن نعرف لنا قانونا غير صلة الدم نطيعه ونحتمى به. ومن نتائج المحسوبية والواسطة وجود الشخص غير المناسب فى معظم الوظائف خصوصا تلك التى تحتاج الى مؤهلات عالية وبالتالى دائرة معيبة من الاداء المتدنى فى العمل وبالتالى انتاج ضعيف , اهدار للموارد والطاقات والزمن وتأخير لعجلة التقدم والحضارة.
من الطبيعى ان يجد مجتمع النحن ذاته احيانا بين من هم فوقه ومن هم دونه. ..فان كان كالمجتمع السودانى مثلا مجتمع تعرض لليل قهر طويل وبالتالى حالة من الاضطراب النفسى الذى يبحث له عن توازن فى علاقته السالبة مع الآخر. ..فيتماهى مع من هم افضل منه ويمرر عقد نقصه واحساسه بالدونية الى من هم دونه.فاذا كانت اولى مهام ما بعد الاستقلال هو خلق هوية جماعية واضحة المعالم. ..فهى مهمة لازالت اسلحتها مشرعة فى السودان اذ خطت الذات السودانية فى هشاشتها الاولى بعد الاستقلال وإختارت التماهى مع الآخر القاهر فاصبحت مصر هى الخيار الاول فى السياسة لدى الحزب الاتحادى الديموقراطى فى شعاراتهم الانتخابية..كما شكلت المرجعية الايديولوجية للاحزاب اليمينية واليسارية اللبرالية. .حيث شكلت حركة الاخوان المسلمين والحزب الشيوعى فى مصر المرجعية الايديولوجية والتنظيمية لاحزابنا السودانية المقابلة...وبالتالى بدا واضحا اننا كسودانيين لسنا مستعدين للاجابة عن سؤال الهوية الذى يحتاج الى نضج خاص ووعى بالمكون القبلى والاثنى فى السودان والذى يحتاج الى رؤى كلية بمقدورها استيعاب هذا التعدد. ولان الضبابية فى الوعى والفكرة لها مدى رمادى خاص بمقدوره ان يثير بحياده القاتل من كان فى ثبات عميق فما بالك بالاخوة فى الجنوب الذين كانوا ينضجون تحت نيران شك ما لم يطق حياد ولا وعى النخبة الشمالية الحاكمة فكان تمرد توريت الشهير الذى قدم 300 روح سودانية نتاج الرؤى القاصرة واول وقود بشرى لعلف المزيد من النار. وقد ساهمت الهوية العروبية الاسلامية فى ايجاد حلول للذات المقهورة التى تعانى من عقدة نقص واحساس قاتل بالدونية فى ان وفرت لها مسارات معتمة جداً ومنغلقة فى آخرها. .لتمرير طاقة القهر السالبة والتي نعانى اليوم من مردوداتها النفسية السالبة ومآلاتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية بعد ان إمتلأت هذه المسارات عن آخرها وارتفع الضغط فيها قبل ان تعود لتنفجر فى وجوهنا. ..فالاصرار على الهوية العروبية الاسلامية الذى يصدر من عقدة نقص لازالت ترى المستعمر القاهر شخصاًً مقتدراً وجباراً فتتماهى مع جبروته هذا حتى تصبح ملكية اكثر من الملك وتسقط خجلها من ذاتها ونقصها فى الاخر الذى يقع اسفل السلم الاجتماعى فكان الضحايا على الدوام هم الاخر الاقليات والمرأة والطفل. .لذلك تتصدر عبارة (مرة , وعب) قاموس الشتائم السودانية. ...فتراق بذلك الكثير من الدماء على مذابح آلهة ليست جديرة بالعبادة انما تستمد قوتها وعافيتها من جهلنا وصمتنا فتتناسل وعيا ذكوريا صرفا يتلبس حالة من السيادة تبحث لها دوما عن عبد او غراب يوارى سوءتها. ..وياويلها اذ عجزت ان تكون مثل هذا الغراب فتوارى سوءتنا. ...!!!.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: Kostawi)
|
Quote: مقال "الخروج من القطرميز... مقاربة لشخصية سودانية للدكتورة ناهد محمد الحسن سلسلة تمتد لأكثر من ثمان حلقات لم اتمكن من نقل الأجزاء الأخرى منها من باحث قوقل وبعض المواقع السودانية .. ارجو من المتمكنين المساعدة على نقل ما تبقى فالندوة ستدور حول نفس الموضوع... شكرا لكم..
يا سعاتو منان, سلام
و سوف اواصل في باقي الحلقات إن شاء الله
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: فقيرى جاويش طه)
|
في جزء من بحث اقوم به عن الشخصية السودانية
أتناول حالتي القيادة و الانقياد
و اتضح لي بما لا يدع مجالا للشك أن الشخصية السودانية تزداد حدة رد فعلها عند التصرف منفردة إذا لم يكن الخوف أحد العوامل المؤثرة و تنتفي الحدة أو الفعالية تماماً عند العمل من خلال مجموعة بنفس الظروف
أما في حالة وجود الخوف (كالخوف على الوظيفة أو السلامة الشخصية) ةفالشخصية السودانية تجتهد في تلافي المتتابعات و الاختباء خلف المجموعة
هذه النقطة بالذات يمكن أن تكون حجر الأساس لأي عمل استراتيجي يكون السوداني محور له نأتي للسؤال ....
ما الذي جعل السودانيين يفضلون الانجازات الشخصية بدلا عن الانجازات الجمعية؟ و من هم الذين نجحوا في الانجازات الجمعية؟ و على أيي محرك في الشخصية استندت استراتيجيتهم
......
سؤال أخير
عملتوا لينا شنو في ال live chat خلال زمن المحاضرة؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: د. ناهد في ندوة عن سايكولوجية الشخصية السودانية (منبر المشروع النو (Re: Kostawi)
|
الهمباتة فى السودان . . مقاربة لشخصية سودانية
د| ناهد محمد الحسن على فضل
(1) النشأة والدوافع :
يشكل التراث الشعبى من أمثال وأحاجى شعبية وأشعار وأغانى , ورقص وموسيقى وغيرها ...الادوات التى نسجت اللاوعى الجمعى , وشكلت الشخصية الاساسية للفرد . ومن هنا جاء اهتمامى بدراسة الهمبتة فى السودان باعتبارها مجتمعا فولكلوريا قائما بذاته , له عاداته وتقاليده ولغته الخاصة وقيمه المتوارثة واشعاره التى تعبر عن اناه الجمعية , ومنطلقاته الفكرية ومبرراته الوجودية .الشىء الذى يجعله مادة دراسية لاغنى عنها لاى باحث فى الانثربولوجيا النفسية التى تبحث فى الثقافة وأثرها على الشخصية والشخصية وأثرها فى صياغة الثقافة المعينة .
ومع تنامى الاهتمام بتحليل الظواهر العنيفة فى المجتمع السودانى , ابتداءا من اللغة الحادة مرورا بأشكال العدوان المختلفة على الآخرين , والعنف داخل الجامعات , والنهب المسلح والنزاعات المختلفة والحروب . وجب علينا مراجعة قاموس القيم السودانى , بالتنفيب داخل التراث بحثا عن تعريفات مختلفة للحقوق والرجولة والانوثة والادوار الجندرية لكليهما , لان السلام فى فى المقام الاول اتفاقية تبدأ مع الذات ! . لذلك حينما سأل الرسول ( ص) على بن ابى طالب عن الاسم الذى اطلقه على ابنه البكر , واجابه على رضى الله عنه بأنه اسماه حربا ! قال له الرسول (ص) بل هو الحسن , وحين ولد الثانى قال على انه اسماه حربا , فقال ( ص) بل هو الحسين , والثالث الذى توفى , اسماه سيدنا على حرب وقال ( ص ) بل هو محسّن , فقال على والله انى وددت ان اكنى بأبى حرب ! ,لكنه ( ص) بحكمته وبعد نظره اراد له ان يكنى بكل ما هو حسن ومحسّن , غرسا لثقافة السلام فى مجتمع لايؤمن الا بالحرب والعدوان ! . يقول الاستاذ شرف الدين عبد السلام فى كتابه الهمبتة فى السودان * ان هذه الظاهرة انتشرت أساسا فى باديتى كردفان والبطانة بعد مملكة الفونج كامتداد لحالة شبيهة عرفت ( بالقيمان ) , ( والنهيض ) وهى اغارة قبيلة على أخرى , بخلاف الهمبتة التى يقوم بها شخص بمفرده أو مع رفيق آخر أو جماعة محدودة .كما ان الهمبتة تختص بسرقة الابل وحدها دون غيرها قال الكاهلى :
ناس عبد الله علّو وشدّو فوق تباس بقيت حيران وزهجان من خدمة الفاس البكرة العلى جيهة الحبال يا اب راس بنجيبه للحجبوها من عين الحسود والناس
فهنا يظهر الشاعر ضيقه بحرفة الزراعة شوقا للنهب الذى يجلب الابل لارضاء المحبوب وهذه الخصوصية للابل لانها مقياس الثراء فى المجتمع البدوى , ولقدرتها على السير الطويل والسريع هربا من قصّاص الأثر. الاسباب التى تقف خلف ظاهرة الهمبتة كثيرة , اهمها ظهور القبيلة فى السودان بمفهوم شبيه لمفهوم القبيلة فى بادية الجزيرة العربية , والذى يلزم الفرد بقوانين وحياة معينة قوامها العصبية للقبيلة والتفانى فى الدفاع عنها والالتزام بالدور الموكول له القيام به . فالاغارة على الآخرين لم تكن عادة غريبة على ذلك المجتمع , الذى تشح فيه الموارد ويبرّر قانون البقاء فيه ما يبدو اليوم نقيصة أخلاقية كبرى , واضعة بذلك قاموسها الاخلاقى الخاص , والذى صاغته مصلحة أساسية , هى البقاء على قيد الحياة . ومن هناك تبدو القيم الاخلاقية وأحكامها مدلولات نسبية وليست مطلقة خاصة بتكوين ذلك المجتمع وظروفه , وهذا يوافق ( النظرية الانفعالية ) ل Stevenson والتى تقول : ( بأن الاستخدام الرئيسى للأحكام الخلقية انما هو من أجل خلق مصلحة ), _د. صلاح قنصوه _نظرية القيم فى الفكر المعاصر _ ( ص 20 ) لذلك كان الهمباتى ينهب من أجل ارضاء القبيلة ومن هذا قول احدهم :الولد البدور فوق القبيلة يشكّر
يخلف ساقو فوق بلد العدو ويتوكّر أما جاب رضوة البهم اللّهيجو مسكّر اما أب صلعة فوق ضلاعو تيتل وكركر
كما كان الهمباتى يرغب فى ارضاء المرأة المحبوبة زوجة كانت أم غانية , اكراما لها او خوفا من لسانها اوشوقا اليها كما تظهر الابيات التالية , يقول الطيب ود ضحوية :
الليل أمسى والنعسان جرايدو بدحّن كبس الهم على السلّط قلوبن وحّن كضم الجرّه سحّار الغروب اتمحّن نعود (سلمانه) يا (عمر ) الظنون ان صحّن
وقد تكون المرأة ابنة يرغب الهمباتى فى حملها على التباهى به والاعتزاز بسيرته , يقول ود ضحوية :
كم شدّيت على تيسا بسوك الناب وكم جايب زمل من الرهد كسّاب حديث الناّس كتير ما عندى ليهو حساب انقطع اللسان يا( فاطمة ) ابوكى ان عاب
وفاطمة هى ابنة الطيب ود ضحوية التى يقال انها تقطن بقرية ( الشقالوة ) ريفى شندى . وخوفا من لوم الحبيبة , يخشى الهمباتى ان يعود خالى الوفاض , وفى ذلك يقول أحدهم :
ولّع الكدوس تمبكنا يا عبّاس عقيد النوقرن لامن نهارن داس هلّكنا العمير الارب العباد خلاس ما بترضى ام رشوم جيبة السروج يبّاس
والهمباتى الذى يتقدّم فى العمر قد يغلبه شوقه الى لحظات الانس والمتعة فيعود يعتلى بعيره من جديد , شوقا الى اللهو ورغبة فيه :
عكسنا طربنا يا الممنوع ليالى لعبنا وسينا سروجنا فوق النوق بعد ما شبنا قلّت نومى فوسيبة القرير اللّبنة كم لى رضاها بى درب الدراهم غبنا
وقد يسلب الهمباتى خوفا من احتقار النساء ان هو قعد , فالمرأة واجبها ان تحث الرجل على الحرب وتلومه وتحقّر من شأنه ان هو تخاذل , دون التستّر على الاقرباء وان كان القريب ابنا , حتى لايطالها اللوم !ومن ذلك الشعر الذى لامت به (شغبة) شاعرة (المرغوماب) ابنها (حسين ) الذى تخاذل عن نصرة قومه فى حربهم مع البطاحين :
يا حسين انا امّك وانت ماك ولدى بطنك كرّشت غى البنات ناسى ودقنك حمّست جلدك خرش ما فى لاك مضروب بالسيف نكمد فى متين يا حسين أشوف لوحك معلّق لاحسين كتل ولاحسين مفلّق لاحسين ركب الفى الشاية علّق قاعد لى الزكاة ولقط المحلّق
ويقال ان الهمباتة نادرا ما سلبوا لاجل الفقر , وكثيرا ما فعلوا لاجل المتعة الشخصية وحب المغامرة , وليشبعوا حاجتهم الى اللّهو فى مجالس الشرب والنساء :
آح وا غلبى من زولا جمالو ملوكى والحاس بيهو من تالاك يضوقو عدوكى أمّن برضى بالذلّة واتركو لهوكى وأمّن نطلع القلعة وجبال السوكى
وأوضح مثال للهمبتة من اجل المتعة الشخصية , الهمباتى الشهير الطيب ود ضحوية , فالرجل كان ذا سعة فى المال , وقد قيل ان والده بذل ما فى وسعه ليردّه عن حياة الهمبتة حتى أنه قاسمه ماله الخاص , وقد كان وراء بعض اللحظات التى قرر فيها ود ضحوية التقاعد , غير ان الرجل لايلبس ان يعود , وفى مراودة الحنين للهمبتة فى تلك الاوقات يقول الطيب :
قعادا فى البيوت يالرايقة مندون صالح بسمع يا على العاقل بقول مو فالح لو كان مساعدنى الزمن مو مجالح كم ودّيت رزمة للساكنين بلود المالح
| |
|
|
|
|
|
|
|