|
بعض مارواه البخاري /// سمير السعدي
|
أكتمل صحيح البخاري على يد اثنين من تلامذته وهما محمد بن يوسف الفربري ومحمد بن ابراهيم المستملي, واسم البخاري الاول هو ايضاً محمد بن اسماعيل من بخارى. ويشير ابن حجر ناقد كتاب البخاري وصاحب مؤلف ( فتح الباري في شرح صحيح البخاري ) الى ان التلميذ محمد بن يوسف قد انتسخ كتاب البخاري من أصله, لما فيه من أحاديث وأحداث وتراجم غير مكتملة, فأ ضيف وأُلصق بعضها ببعض حتى أٌخرج الكتاب, وعليه ألّف السلجماني كتاباً بذلك وقد سمّاه ( فك أغراض البخاري المبهمة في الجمع بين الحديث والترجمة ). وشاع عن البخاري اتِباعه مذهب أبي حنيفة الذي كان سائداً في بخارى, كما كان آباؤه كذلك باستثناء جدّه الثالث حيث كان مجوسياً. وبانتقال البخاري الى مكّة انتقل الى المذهب الشافعي, وأعلن عداءه لأبي حنيفة ولأصحاب الرأي والقياس, واصبح أسوةً بنهج أبي هريرة من أهل الحديث. أبو حنيفة الذي يُعد من نوابغ الفكر في تاريخ المسلمين, قال في إفتاء أبي هريرة بأنّه من اجتهاده الشخصي ولا علم له في الحديث, كما في قوله: ( ان أبا هريرة لم يكن مجتهداً, وكان يسمع أحاديث النبي فقط, ولا علم له بالناسخ والمنسوخ, ولا طائل من وراء رواياته ). ان هذه المعارضة الكبيرة لمثل تلك الروايات جعلت فقهاء ذلك العصر يحرّضون السلطة الرسمية على قمع أبي حنيفة, وكان أبرزهم في حملة العداء هذه عبد الله بن الزبير الحميري, وهو أبرز من اعتمدهم البخاري في رواياته والتي تبدأ غالباً ب - حدّثنا الحميري -. والحميري بدوره حين كان يحدّث في المسجد الحرام ويصل بحديثه الى أبي حنيفة فيقول - أبي جيفة – مما يؤشر الى ان البخاري في اعتماده روايات الحميري لم يكن الاّ نكايةً في أبي حنيفة, كما انه حين كان يعدّ أئمّة المذاهب الاربعة يعددّهم جميعاً باستثنائه, وان كان لابد من الإشارة اليه فيقول ( وقال بعض الناس ) وايضاً ( وقول بعض الناس ), ويشير الشارحون الى انها كناية عن أبي حنيفة كما ورد في كتاب الشيخ حسين غلامي في كتابه عن صحيح البخاري. في هذا المناخ المكائدي استثمرت سلطة المتوكّل ذلك خير استغلال, فمنحوا رواة الحديث والمؤلفين والفقهاء المقربين المراتب والعطايا, وقرّبوا من السلطة وكان البخاري في مقدمتهم. وعرف عن المتوكّل عداءه الصارخ للنهج الآخر المغايرالمتمثل بابن أبي طالب واصحابه واهل بيته. وفي عصره كما يورد الذهبي في - تاريخ الاسلام – قد هُدّ ودُمّر قبر الحسين بن علي وسُوّي بالتراب وحُرثت ارضه وغُمرت بالمياه, وفرض حصاراً على المساحة تلك, ومنع المسلمين من زيارة المكان. * هذا المناخ العدائي جعل الشاعر علي بن الجهم - وهو نديم المتوكّل – لأن يشتم أبيه علانيةً لأنّه قد سمّاه عليّاً. وفي تلك الفترة من المكائد والصراعات سطع نجم البخاري وروى ما رواه عن أبي هريرة والحميري وسواهم من رجال الجهاز الاعلامي المركزي خلال حكم بني أميّة وبني العبّاس, وفيما بعد اعتمدها مسلم والترمذي وابن حنبل.
بعض مارواه البخاري وآخرون ان جدوى ما رواه البخاري واعتمده المنهج السلفي ورجال الحكم يكمن في المغزى لا في اسلوب السرد ولا في اهمية الاسماء الداخلة في نسيج الرواية. نعني تلك المرويّات التي تصنع من صورة الرسول المحاط بهالة من العظمة والقدسية في اذهان المسلمين باعتباره - وحي يوحى – و - مبلّغ رسالة الحق – الى صورة رجل عادي كباقي المسلمين, وقد يفوقه بعض الخلفاء في بعض الاحاديث في الالتزام والحشمة, خصوصاً فيما يرويه أبو هريرة وعائشة في تلك الاحاديث الملفقة التي تجعل من الرسول يشرب النبيذ ويصلّي دون وضوء ولا يستر نساءه بالحجاب حتى يشير عليه بذلك احد الخلفاء, ويستمع الى الزمر والطبل. ...... وهكذا. 1- في صحيح البخاري - باب ضرب الدف – الكثير من مثل هذه الروايات التي بقليلٍ من التأمّل نجدها لاتخدم احداً من المسلمين سوى اصحاب هذا المنهج. فنرى في المرويّة التالية كيف ينهر ابو بكر صاحبة المزمار بينما الرسول اراد لها البقاء, وهنا يكمن المغزى, اذ يقول البخاري في صحيحه - ح 2691-: ( حدثنا اسماعيل قال حدثني ابن وهب قال عمرو حدثني ابو الاسود عن عروة عن عائشة: دخل علي رسول الله وعندي جاريتان تغنيان بغناءٍ بعّاث, فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه, فدخل ابو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله؟ فأقبل رسول الله فقال: دعهما, فلما غفل, غمزتهما فخرجتا. ... الخ ). ولا ننسى ان البخاري يكثر من استخدام مفردة ( رسول الله ) و ( صلّى الله عليه وسلّم ) بين سطور الرواية الواحدة في صحيحه لخلط قدسية اللفظ بفجاجة وركاكة مضمون الرواية ومغزاها, وكأنّها حقيقة راسخة لزاماً تصديقها. 2- في صحيح مسلم - ح 4410 – نرى ان الشيطان يهرب من عمر بينما لايفعل ذلك في حضرة الرسول!: ( حدثنا منصور بن ابي مزاحم عن. .. ان محمد بن سعد بن ابي وقاص اخبره ان أباه سعد قال: استأذن عمر على رسول الله وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية اصواتهن, فلما استاذن عمر ممن يبتدرن الحجاب, فأذن له رسول الله فقال: عجبت من هؤلاء اللآتي كنّ عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب! قال عمر: فأنت يارسول الله أحقّ أن يَهبن. ... الخ. وفي صحيح الترمذي ثمة جارية تغني وتضرب الدف بين يدي الرسول, واستمرّت على حالها رغم دخول ابو بكر وعلي ثم عثمان, ولكن حال دخول عمر خبّأت الدف تحت استها وقعدت عليه. ولا أحد يدري حتى اللحظة ما قيمة هذه الروايات التي مازالت سارية ومتداولة في واقع العرب والمسلمين الشائك والمعقد والمتناقض قديماً وحديثاً؟ ثم نصدّق من اذا كانت المقولة الاسلامية الشهيرة تنفي ذلك من ان ( الغناء ينبت النفاق في القلب )؟ وكذلك رواية أبي داوود في سننه - ح 4278 – قال: ( حدثنا احمد بن عبد الله. .. عن نافع قال: سمع ابن عمر مزماراً, قال فوضع اصبعيه على أذنيه ونأى عن الطريق وقال لي: يانافع هل تسمع شيئاً؟ فقلت: لا, قال: فرفع اصبعيه عن أذنيه وقال: كنت مع النبي فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا ). وفي الحديث 4279 في سنن ابن داوود حديث آخر يؤكد مقولة الرسول ان الغناء ينبت النفاق في القلب. 3- في صحيح البخاري ومسلم - باب فضائل عثمان – روايات كثيرة مماثلة اليك واحدة منها كما في الحديث 4414 عن عائشة قولها: بينما الرسول مضطجع وكاشف عن ساقيه, وبقي كذلك حتى عند دخول ابي بكر وعمر بعد الاستئذان, ولكن عند دخول عثمان سوّى الرسول من ثيابه وجلسته, وبعد خروجهم سألته عائشة عن هذا فقال: ألا استحي من رجلٍ تستحي منه الملائكة؟ ! وفي صحيح البخاري ح 1405 ثمة تسويق مريع وخطير لافعال التعذيب والتنكيل التي في الواقع كان قد مارسها الامويون والعباسيون في حق المخالفين وحق العباد, وقد ساقها البخاري بأمرٍ من الرسول: ( حدثنا يحيى.... عن أنس: ان ناساً من عرينة إجتووا المدينة, فرخص لهم رسول الله ان يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها, فقتلوا الراعي واستاقوا الذود, فأرسل رسول الله فأتي بهم, فقطّع ايديهم وأرجلهم وسمّر أعينهم, وتركهم بالحرّة يعفّون الحجارة ). 4- في حديث البخاري 259 يجامع الرسول إحدى عشرة زوجة من نسائه في ساعةٍ واحدة من النهار!! وجاء الحديث على لسان عائشة. ويؤكّد ذلك الحديث 260 على لسان أنس بن مالك قوله بأن للرسول قوّة ثلاثين رجل! فهل من المنطقي او العلمي او الاسلامي ان يضاجع رجل احدى عشرة امرأة بساعة؟ وايّ رسولٍ هذا الذي يتحدث عنه البخاري ولا همّ له غير المضاجعة وبهذه الفترة القياسية!! 5- في صحيح مسلم - ح 3753 - ثمة تبرير لسلوك سلاطين بني اميّة وبني العبّاس من معاوية ويزيد وليس انتهاءاً بأحد بشرب الخمور, لذا نجد الرسول في هذا الحديث يشرب النبيذ, وتقول الرواية: حدثنا ابو بكر بن ابي شيبة عن. .. عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع رسول الله فا ستسقى, فقال رجل: يارسول الله الا نسقيك نبيذاً؟ فقال: بلى, قال: فخرج الرجل يسعى, فجاء بقدح نبيذ فقال رسول الله: الا خمّرته, ولو تعرض عليه عوداً, قال: فشرب ). وفي صحيح البخاري ح 143 يطلب عمر من الرسول تحجيب نسائه, فيرفض الرسول, حتى راقب عمر احدى زوجاته وهي خارجة في البر لقضاء حاجتها, فأبلغ الرسول بذلك, وبناءاً عليه نزلت آية الحجاب!! والحديث: ( حدثنا يحيى بن بكير عن عروة عن عائشة: ان ازواج النبي كنّ يخرجن بالليل الى المناصع - مناطق مكشوفة ناحية البقيع – وهو صعيد أفيح - اي متّسع - وكان عمر يقول للنبي: احجب نساءك فلم يكن رسول الله يفعل. وخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي ليلةً من الليالي عشاءً وكانت امرأة طويلة فناداها عمر: الا وقد عرفناك يا سودة, اي حرصاً على ان ينزل الحجاب, فأنزل الله آية الحجاب ). وفي البخاري ح 3073 يشرب الرسول شرابأً مغمّساً بالذباب, وفي الحديث 3108 يروي عن كذب الانبياء - النبي ابراهيم – وهكذا لاشاعة كل الخروقات مقابل عظمة رجال السلطة وأولي الامر الواجب طاعتهم على الدوام. والعشرات من هذه الروايات التي تبيح السلوك الشائن وتشكّك بفهوم القيادة الفكرية الايمانية مقابل وجوب التمسّك بالسلف الصالح ونهجه. وان هذا التناقض الصارخ قاد الى ازدواجية في رؤية المسلم لسيرة رسوله اصلاً, ومهّد في ذات الان الى امكانية شخصنة الخالق وتجسيمه كفردٍ عادي له اذرع واقدام, يجلس ويهرول ويضحك الى غير ذلك مما بثّه البخاري ومسلم في رواياتهما, واعتمدها ابن حنبل وطورها وبالغ فيها ابن تيمية الحرّاني, وتبناها ابن عبد الوهاب مؤسس الحركة الوهابية, ومن ثم الاخرون من بعده لإقصاء التاريخ الفكري والروحي والاسلامي الحقيقي. هذا النهج الخائف المغلق على الدوام من امكانية التغيير هو الذي لايؤمن بشراكة الاخر الفعلية, فصاغ تاريخه على هواه ورسم صورةً مشوّهة لتاريخ الاصوات المعارضة لنهجه. وهذا التشويش والازدواجية خلقت عبر تراكم الاعوام والاجيال مجتمعات اسلامية ترسّخ في اعماقها وعياً مربكاً, تختلط فيه الصورة النمطية السلفية بنصوصٍ مغلقة الاحكام لا تتقبل المشاركة ولا المعارضة, وتنظر الى الاخر باعتباره ملحداً ومغالياً وزنديقاً دائماً. ومن ناحيةٍ اخرى تبرر للمسلم الاهتمام بالامور الدنيوية, وبحكم الماضي لا بحكم الحداثة والعصرنة الطارئة على هذا الارث. النتيجة هي لم يعد ممكناً الانفصال عن تراث السلف هذا ولا التكيّف مع المجتمعات ومفاهيم الحداثة, لانها مفاهيم إلحادية ومعادية بدليل دعوتها الى التغيير, الذي بالنتيجة ايضاً سيمسّ جذور الازمة الفكرية والسياسية وسيضرّ بأصحاب الطموح السلطوي منذ وفاة الرسول حتى يوم الناس هذا. هذه القلعة المنطوية على تصوراتها وافكارها والمقرّبين منها وبمنطقها المتعالي ونفوذها المالي والحكومي قادت كل الحملات الشرسة ضد حركة الفلاسفة والمتكلمين والمتصوفة -الوجه المشرق للفكر العربي الاسلامي – وتقود اليوم حملات التجهيل والظلامية والتكفير بين المسلمين, تتقدمهم قوافل شتى من شيوخ الفتاوى الرخيصة على الارض وفي الفضاء وبكل الالوان و اللغات.
* تاريخ الاسلام للذهبي ص 357, حوادث ص 241- 250
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2007/7/245792.htm
|
|
|
|
|
|