|
التبون زمان..حكايه من حلتنا...
|
في ذلك الزمان البعيد الذي تظهر فيه الشمس مرةً كل يوم بعد أن نكون قد استمتعنا بيوم وضيوفٍ من أقاصي القرى المتناثرة حولنا وأولئك النسوة من الجارات اللائي لايبارحن زوجات أبي الأربع، كانت الشمس لاتغيب حتى يدركها المغيب . عكس شمس هذا الزمان التي تحمر خدودها منذ الساعة الرابعة فتنهار في آفاقها القريبة. . اليوم كان الاثنين حيث سوق حلتنا الشهير ، وأن من جماليات الأقدار أن يصادف هذا اليوم مرور قطار المشترك الذي يدخل حلتنا من دار صباح حاملاً أناساً وبضائع وصحف وخطابات يكون بعض راسليها في أقصي الشرق فيقطع قطار تلك الأيام بها السهوب والفيافي فيعطيها طعم التاريخ وعبق الحياة فالذين ينقطعون في دار صباح من أبناء قريتي كثيراً ما تنقطع معهم أخبارهم وأحوالهم مع صخب المصانع وسمومها بعد أن تكون قد أعمت أعينهم أقطان التريكو وغيرها .
سوق الاثنين يبدأ بليلةٍ الأحد ، وبالرغم من أن لواري كثيرة تحمل البضائع في تلك ألليله وأولئك التجار الذين يغامرون بأموالهم من بقاع نائية ، إلا أن دخول عربة( كوليه ) الذي يحمل إلي التبون تجار أبو بطيخ والمجلد والميرم ، أن لعربة كوليه وقعها وصوتها الخاص في وجدان أهل التبون ، فهو من السائقين المهرة منتصف السبعينات ، فكان علينا معشر المغامرين الصغار نرقب نوراً (وبهار ) هذا اللوري الذي يعلو ضوئه ثم يخبو فيظهر جهات الكماين بعد أن يكون كوليه قد عشق _ بتشديد الشاء _ عشرات المرات أنغاماً مختلفةً ، قال أحد زعارة الحي إن كوليه لابد أنه يشاغل ويضاجع في كل الأحوال النعاس في أعين بنات الحلة ، فتلك النغمات من سيارته لم تكن بريئة..... كانت النسوة اللائي يقضين معظم الوقت مع زوجات والدي الأربعة ، يرتبن أنفسهن ويحقبن الحقائب والصرر ، فبعض اللائي أتينا من أريافٍ بعيده سيغادرن في في ذلك اليوم بقطار دار صباح إلي نيالا حيث يمكثن شهوراً في قطع السعف من منحدرات ومتعرجات ووديان نيالا البحير . ثم تكون لهن رحلةٌ أخري بقطار الغرب ،، ففي الوقت الذي يحمل إلينا فيه قطار دار صباح لأهل والأحباب والمعارف والعلم والصحوة المبكره علي صحف حواء والمصور والشبكه وآخر ساعه والخطابات ،تلك التي كان كمساري عربة الفرملة يقرأها وينده علي الحضور ،، ما مر قطار صباح إلا وكان لمسعود خطاب أو خطابان .
علمت فيما بعد أن امرأة أعجبت به حينما كان يسكن حي كوبر ويعمل في مصانع النسيج ، هي التي تراسله من الخرطوم ليرتمي مكتوبها في أحضان مسعود في أقصي غرب ولاية جنوب كردفان .
ليتنا قرأنا صحف محمود تلك ربما أفادتنا في أشياء أخري كثيرة .. ولكن تظل كتابات إمرأة كوبر حسب مقربين من محمود حاملاً لها في مخلاتيه التي لاتفارق ظهره وهو يقوم بخدمة زبائنه في قهوة أبي فقم الشهيرة منتصف السبعينات..
ولكن في يوم غير سعيد سقطت ورقةٌ فقرأها أحد مثقفي التبون فشاع الخبر ، فانقطعت علاقة محمود بإمراة كوبر تلك .
أما شأن قطار الغرب مختلفٌ تماماً حيث يحمل لنا الفواكه و الخضر ومنتجات بساتين نيالا البحير .. فيجتهد العم عمر سبت وسعدية الخضرجيه وآدم كسار الليحان الذين وحدهم يمتلكون عربات كارو تجرها خيولٌ منعمه مبطنه . حاملين أولئك النسوة السعافيات وكراتين المانجو والقريب فروت والرارينجا ،، كل ذلك يصادف يوم الأثنين حيث تختلط روائح الخضر والفواكه والروب وندي الملوخيه برطوبة السعف الأخضر واليابس .
من ناحية يكون قد فرغ عتالة التبون من تفريغ اللواري التي دخلت ليلاً ، فيصبحون وصناديق الشاي المقسطر وكراتين الصابون والشعيريه ومنتجات بلدية اخري كالسمن والعسل وحتي السرنه والكرناكه ، يصبحون وهم ينقلونها للمشترين من كبار التجار .. يوم واحد فقط يموج فيه كل الناس ،، حتي زريبة البهائم التي يشرد ثيرانها فيطاردها أصحاب الخيول الجاسره لإعادتها لتجار المواشي .. كانت لاتخلو الزريبه من حراك بشري وتجاري . ثم يتحرك القطار بعد أن يكون أجتهد عمال الدريسه في تنظيف الأسطبه التي إتسخت ، فيتم تزييتها ثم تضع داخل (عجلات) القطار حتي لايتآكل البلي أو يصدأ. [
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: التبون زمان..حكايه من حلتنا... (Re: محمد قور حامد)
|
Quote: إلا أن دخول عربة( كوليه ) الذي يحمل إلي التبون تجار أبو بطيخ والمجلد والميرم ، أن لعربة كوليه وقعها وصوتها الخاص في وجدان أهل التبون |
نتابع بحب وفخر ياقور سوق "الإتنين" بالتبون عبر وصفك له أعادنى عبر حاستى الشم والذوق إلى سوق "الخميس بالمجلد...طعم السرنو والكركر والجوغان والكرناكة وغير ذلك ... التبون : قرية عظيمة على الخط الحديدى بين بابنوسة ونالا وهى تحديدا بين الضعين وبابنوسة بعد عديلة قرية يسود بها أكثر من قبيلة جلها المعاليه وجانب من المسيرية تحديدا الفيارين وبعض الكلابنه كما بها جلابة من دار الصباح ... كوليه: هو عمر كولية من ابناء الفلاته بالمجلد له لورى شهير جدا يحمل التجار فى اسواق الضهارى الاسبوعية إلى اب بطيخ والميرم والتبون وهو سائق شهير جدا تمتاز عربته "التيمس" ببورى محبب يعرفه الجميع ويشتهر بالزينه ... أبناء التبون كانوا يدرسون معنا حتى نهاية السبعينات بالمجلد المتوسطة ويمتازون بالذكاء الشديد واشهرهم دكتور بركات المحاضر بكلية البيطرة جامعة الخرطوم وخالد وصلاح التجانى محمد زين ومستور بخيت رابح واحمد بركه وغيرهم نتابع يامحمد قور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التبون زمان..حكايه من حلتنا... (Re: احمد الامين احمد)
|
Quote: نتابع بحب وفخر ياقور سوق "الإتنين" بالتبون عبر وصفك له أعادنى عبر حاستى الشم والذوق إلى سوق "الخميس بالمجلد...طعم السرنو والكركر والجوغان والكرناكة وغير ذلك ... التبون : قرية عظيمة على الخط الحديدى بين بابنوسة ونالا وهى تحديدا بين الضعين وبابنوسة بعد عديلة قرية يسود بها أكثر من قبيلة جلها المعاليه وجانب من المسيرية تحديدا الفيارين وبعض الكلابنه كما بها جلابة من دار الصباح ... كوليه: هو عمر كولية من ابناء الفلاته بالمجلد له لورى شهير جدا يحمل التجار فى اسواق الضهارى الاسبوعية إلى اب بطيخ والميرم والتبون وهو سائق شهير جدا تمتاز عربته "التيمس" ببورى محبب يعرفه الجميع ويشتهر بالزينه ... أبناء التبون كانوا يدرسون معنا حتى نهاية السبعينات بالمجلد المتوسطة ويمتازون بالذكاء الشديد واشهرهم دكتور بركات المحاضر بكلية البيطرة جامعة الخرطوم وخالد وصلاح التجانى محمد زين ومستور بخيت رابح واحمد بركه وغيرهم نتابع يامحمد قور |
الاخ احمد الامين
شكرا ً علي المرور
سأواصل هذه الحكايه .. التحية لك وللأخوة من أيناء التيون ممن زاملوك الدراسة فهم فعلا ً من النوابغ .. ولايعرف قدر الرجال إلا الرجال أمثالكم..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التبون زمان..حكايه من حلتنا... (Re: محمد قور حامد)
|
ليل التبون
كان الليل الطويل يتسرب من بين أظافري ..
ورياح الشتاء الجافة يئز صريرها المتقاطع حدقات الذكري ويوقظ أشجان القلوب .
فكلما سقطت ورقةٌ جف غصنها ،، حملته أمي وغزته غزاً وحشرته حشراً في حوشنا الكبير . الذي لايخلو من حصائر من أعواد الكريكدان ومطارق العرد والغبيش .
تمضي الحياة ولاشيئ هنا يتغير ,, ذات الشمس التي تشرق فوق منازل السكه الحديد صيفاً ,, وتتناسل خيوطها من بين طيات أزقة وحارات حلة برقو شتاءً
إنها شمسنا العظمي التي نتخذها إتجاهاً وقبلةً للصلاة ,, منذ بزوغها وحتي الغروب ,, لولا ذاك الرجل من ديار فلاته الذي زعم بأن الشمس ليست دليلاً جغرافياً قاطعاً يشير إلي القبله ,, وكنا قد عبنا عليه أفكاره والتي كانت تخرج من بين أسنانه وكأنه يتنفس بفمه ..
تمضي الحياة والظلال ذات الظلال ,, فثمة شيئٌ لم يتغير ,, بائعات الروب والخضره ودينق مرانق ذاك المهووس القابع
تحت طرابيز الجزاره ونداوة الليل , ديكوراً ثابتاً في سوق الخضر والفواكه واللحوم .
صافرة القطار الأولي عند بلوغه الصيمافور الخارجي ،، ثم صافرةٌ ثانية في موازات الصيمافور الداخلي ،، عندها يتحرك في مسامعنا المرهفة صرير إطارات كارو حاج الصافي سيك ،، سيك،، سيك، فتطغي علي صوت حوافر حصانه التي غاصت في رمالٍ بالغة العمق .
غير أن ذات الحصان المرهق البدين ،، كثيراً ما أحرز قصب الفوز ،،في مواسم الأعياد وختان الذكور والإناث وقتها
ولكن ثمة رجل يقف هنا في هذا الموقع القريب من قضيب القطار ، أنه ناظر المحطه ،، يقف علي دكةٍ عاليةً أشبه بمشانق حكومات الإعدام ،، ولكنه يتبادل مع سائق القطار شيئاً أكثر جمالاً وحتميةً.
يسلم سائق القطار تابلت المرور الذي يحوي أحوال القاطرات الطالعه والنازله ،، وأحوال الطقس ومواعيد ووقت التحرك
ويستلم الناظر تابلت الدخول ..
هي ساعةٌ واحدهٌ في محطة قطارنا ،، نلتقي فيها كل الأحبه ،، فللقيا في محطة القطار طعماً خاصاً لنا نحن الذين لاتعرف قرانا مسارح أو نوادٍ ،، فالناس هنا لايعرفون السهر ،، إلا أولئك المزعجين من مرتادي أنداية القريه المشهوره ،،هؤلاء وحدهم من أطلق فرية الجنون علي في فكي آدم ،، وسيروا في تلك الليلة الماجنة السكري بعد إذ نام بوليسها السري الوحيد ، ، مسيرةً إنتهت أمام بيت الرجل الفقيه ،، لمجرد كونه حزرنا ذات يوم من عدم قرب الناس الصلاة وهم سكاري .
كل شيئ كان هكذا يسير ،، ثم يتغير فجأةً في ثابت تاريخي يظل محفوراً في أفئدة الناس ..
طاخ ،، طاخ ، نعم , هكذا بإستمرار في كل عام ، إنه شرطي القريه يطلق النار علي علي ###### مسعور
كل شيئ مرتب ،، الصلاة الأكل الشراب الملبس المسكن الناس الدونكي الشفخانه المدارس المعلمين والمعلمات والزعاره والآبقين ،، عالمٌ أحسه يتسرب من بين أظافري يجره خلفه هذا الليل الطويل .
(عدل بواسطة محمد قور حامد on 02-22-2011, 10:53 AM)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التبون زمان..حكايه من حلتنا... (Re: احمد الامين احمد)
|
Quote: نتابع بدهشة وحب يامحمد وعبر ماكتبت حتى الراهن نجحت بقوة فى تأسيس المكان/ الفضاء وتحديد ملامحه بدقة وحب عبر مخاطبة اكثر من حاسة عند المتابع تحديدا الشم والذوق...ما اجمل شجر العرد عند الاصيل وما أطيب مذاق ورائحة نبات الغبيش إلذى يداوى الكثير من الامراض ... عبر ماكتبت حتى الراهن تقترب كثيرا من عوالم القرية التى رسمها كتاب غرب أفريقيا تحديدا النيجيرى Chinua ,والسنغالى المسلم شيخ حميدو كين خصوصا عندما تلتفتون إلى دقائق المخلوقات فى القرية وغرائبها ... قطار المشترك الذى كان يشق دار الصباح من الخرطوم حتى نالا مرورا بأكثر من 80 محطة كان عالم غريب وسريالى يحمل وطن كامل عبر مهن وقبائل يسافرون لاكثر من 3 ليال واحيانا تمتد الرحلة لاكثر من 15 يوما عندم يكون الخريف تقيل وتنقطع الخطوط بين ابوزبد والفولة تحديدا فيختلط ركاب مشترك نيالا مع سكان تلك الاماكن ويتبارون وياكلون وتحصل علاقات تؤدى إلى مصاهرة ..لاحظت لهذا القطر حضور قوى كذلك فى تشكيل ذاكرة فضيلى جماع كروائى حيث يدور داخله مشهد من دموع القرية تحديدا عندما يتحاور بطله منصور مع مؤلفات العقاد وسيد قطب وعبدالله الطيب و يحي فضل الله كقاص والدكتور ابوالقاسم قور كمتحدث بارع جدا تحديدا عندما تحدث ابوالقاسم قور عن هذا المشترك بحب وإحترام فى برنامج إذاعى سمعته live قبل 18 عاما تقريبا اسمه " عندما كنت صغيرا" تقديم محمد السنى دفع الله .... أرجو ان تواصل السرد ولاتهمل ماتكتبه فى هذا الخصوص لانه تاريخ جمالى عالى القيمة يمكن بقليل من الاجتهاد ظهوره فى كتاب |
نعم الدكتور أيوالقاسم قور هو شقيقي الأكير .. وهو قاص وناقد شهير .. مثلك تماما ً..
| |
|
|
|
|
|
|
|