مقال لدكتور الشفيع خضر "ديمقرطية رجع الصدى"

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 04:26 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-17-2011, 01:19 PM

ibrahim alnimma
<aibrahim alnimma
تاريخ التسجيل: 03-28-2008
مجموع المشاركات: 5197

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مقال لدكتور الشفيع خضر "ديمقرطية رجع الصدى"

    د. الشفيع خضر سعيد لأكثر من أسبوعين، كان السودانيون يتابعون بإهتمام، وقلق أيضاً، أخبار البركان والزلازل المتفجرة في شمال الوادي. وكنت من زمرة المحظوظين الذين استمتعوا برؤية أمواج الثورة المصرية الهادرة تبثها الفضائيات المختلفة، إلا فضائيات بلادي! أما الفضائيات في بلد الحدث، فكأنها لم تعلم به إلا لحظة الإنهيار والانتصار. قلت في نفسي: مفهوم جداً تجاهل الفضائيات المصرية للحدث، ومفهوم جداً التشويش على الفضائيات الأخرى، كما ظلت تردد قناة الجزيرة عبر التشويش على القمر الصناعي المصري نايل سات. فالإعلام المصري الرسمي ظل في خدمة نظام ديمقراطية “رجع الصدى” لأكثر من أربعين عاماً، وتمّ استخدامه بكفاءة منقطعة النظير حتى يستمر هذا النظام، نظام الاستبداد الملطف، سائداً لأربعين سنة أخرى. فكيف نتوقع منه أن يحتفي بهدير الغوغاء في ميدان التحرير وهم يصرخون كذباً ” الشعب يريد إسقاط النظام”؟! أما بالنسبة لصمت الفضائيات السودانية، فقد سمعت تفسيراً واحداً مشتركاً، اتفق حوله كل من التقيتهم: إنه الخوف من انتقال الثورة عبر رياح التلقيح الهابة عكس إتجاه مجرى النيل. وكنت أردد في نفسي: إنها السمة المشتركة لأنظمة الاستبداد ناعم الملمس؛ ولكنها سمة تتناقض ومجرى العصر، إذ ما أكثر البدائل والخيارات في عصر ثورة التكنولوجيا والاتصالات. فبديلاً للفضائيات المحلية، هنالك الفضائيات الأجنبية أوالهاتف أوالانترنت أو المذياع أو الصحيفة. وأهم من ذلك، انفجارات الشعوب لا تصدر ولا تستورد، ولكنها تلهم وتحرض، وما جاءت من فراغ تمنيات الناس “العقبال عندكم”. وقد جاء في الرصد إن الدافع المحرك لغضب الشارع المصري هو ثورة الياسمين في تونس، ولكن الحقيقة الثابتة، هي طالما هنالك ظلم واستبداد من أي مجموعة حاكمة، وعدم رضى من الشعب “أي شعب” فعلى نظم الاستبداد والطغيان ناعم الملمس أن “تبل رأسها”، فالثورة قادمة لا محالة. هذه الحقيقة أشاعت حالة من الذعر والهلع في جنوب الوادي، فأعلنت حالة الاستعداد الكامل في كل أجهزة مقاومة التغيير، الناعم منها والخشن. فمن خلال أجهزة مقاومة التغيير الناعمة، ووفق خطة تمّ رسمها في غرفة الطوارئ المعروفة، وعنوانها إجهاض الإلهام والتحريض، يتظاهر إعلاميو النظام بتبني المناهج الانفتاحية، فيعربون عن ترحيبهم بالثورة المصرية، لكن الجوهري في لغتهم ظل دائماً هو التبخيس من قدراتها التحريضية، وفي نفس الوقت الدق على وتر النظام المحصن ضد أي هزات هنا، ووتر ضعف القوى المعارضة له، ومحاولة النيل من الرأي الآخر المرحب برياح التغيير بتشويهه وإفراغه من محتواه. وهؤلاء الإعلاميين، ماداموا ارتضوا القيام بدور الملطف لنظام الاستبداد، فمهما بلغت تطلعاتهم الوطنية شأوا عالياً، فهي دائماً منقوصة لأنها تدور في ترسانة الخوف من فقدان الأمان الزائف الذي يعيشونه؛ لذا مهما اجتهدوا، فكلماتهم دائماً بعيدة عن ملامسة الواقع لأنها مغتربة ولا تتمتع بالأصالة التي يشكلها ويغذيها الانخراط مع الناس في تطلعاتهم وطموحاتهم الحقيقية. إنّ الذي يهول من انعدام البديل لنظام الاستبداد العصري، كما صرح، قبل انتصار الثورة، رئيس تحرير الجريدة الأكبر في مصر، وكذلك رئيس تحرير إحدى الصحف السودانية في معرض تقليله من شأن المعارضة السودانية وشأن أثر التغيير في مصر، لا يعرف شيئاً عن كيمياء الشعوب والثورات. فإضافة إلى أنه لا يوجد في الكوكب نظام يكتسب شرعية ديمومته من إنعدام بديل له، فإنّ الثورات تصنع رموزها وقياداتها حتى ولو تأخر ذلك إلى لحظات التغيير، إما بإذكاء الروح في القيادات التقليدية القديمة أو بإفراز قيادات جديدة. أما أجهزة مقاومة التغيير الخشنة، فيكفي هنا الإشارة إلى حدثين لهما دلالاتهما الواضحة. الأول هو التعامل بالعنف المفرط مع مظاهرات 30 يناير الماضي واعتقال أكثر من مائة شاب وشابة، بعضهم لا يزال رهن الحبس. والثاني التصدي بالعنف المفرط أيضاً لمجموعة من الشباب في شارع المطار خرجوا للتعبير عن فرحتهم بانتصار ثورة مصر. وفي الحقيقة، فإن النظام يبذل كل الجهود الممكنة و غير الممكنة؛ لتحصين نفسه ضد أي معارض حتى ولو كان من أربابه. فأنظمة الاستبداد الناعم دائما تعاني من داء الاختلافوبيا، حتى ولو كان صاحب الرأي المعارض من داخلها. أنظر كيف كان مدير جامعة الخرطوم، البروفسور مصطفى إدريس يعكف على تقديم النصح والارشاد مؤملاً أن ينصلح حال النظام، ولكنه في عرف النظام تعدى الخطوط الحمراء فأطيح به. وهكذا فإن الأولوية عند أهل الاستبداد هي أجهزة القمع التي بدونها لا يضمن النظام طول عمره، لذلك يغدق عليها الصرف البذخي لتنتهك حرمة الإختلاف بأي وسيلة تخطر على بالك، دون مراعاة لما اكتسبته الإنسانية من ثقافة ترسخت منذ القدم عندما كان أعتى الأعداء يحترم الإشارات الواردة من أضعف الخصوم، وكان هنالك دائماً حدود. لكن أنظمة الاستبداد الملطف شيمتها الانتهاك بلا حدود، فهي مثلاً لا تكتفي بالاعتقال، بل تتبعه بالتعذيب علماً بأن لا شيء مخفي وليس هناك اعتراف خطير يتم انتزاعه من المعتقل سيغير مجرى الأحداث؛ لكن النظام يهدف أن يكون المعتقل عبرة للآخرين ويسعى لكسر المعارضين. وهكذا نفهم لماذا عندما يعتقل النظام شاباً صغيراً، يعرضه للصعق بالكهرباء! ولكن ما لا يفهمه النظام، أنّ الشاب وهو يخرج للمظاهرة يضع في ذهنه كل الاحتمالات بدءاً بالموت. أرى الآن أمامي بكل وضوح شهيد الاسكندرية الشاب صغير السن، وهو يكشف صدره لرصاصة رجل الأمن القاتلة. ترى ماذا دار بخلد شهيد الاسكندرية: هل كان ينتظر الموت مرحباً، أم كان ينتظر أن يتحرك الانسان داخل القاتل فيرمي بسلاحه وينخرط معه في التظاهر؟. ورجل الأمن القاتل: هل ياترى كان يريد أن يقتل الجسارة التي لا يمتلكها هو بالتحديد، كونه قد باع نفسه لحماية مجموعة من الأفراد سرعان ما تبرأوا منه في اليوم التالي؟ وهل سيفرح بالمكافأة أم سيرضى بفكرة أن لا أحد سيعرف أنه بالتحديد هو القاتل؟ وفي الحقيقة لا يتردد نظام الاستبداد الملطف لحظة في أن ينتهك إنسانية أناس مقابل حفنة من الدولارات، مفوضاً لهم أمر الخصوم ليعيثوا فيهم ضرباً وتقتيلاً. ولكن ألا يدرك هولاء أنّ التبريرات التي تعطى كمصوغات للقتل هي من أعظم التحديات التي تواجه البشرية اليوم، ألم يعاف الأسد منازلة أندرو الذي سبق وتفضل عليه بنزع شوكة من قدمه؟ فكيف لا يعاف الإنسان قتل أخيه الإنسان؟ حدث آخر من يوميات الثورة المصرية له دلالته الواضحة والخاصة جداً أسوقه هنا دون تعليق، العرب البدو سكان سيناء والمناطق القريبة من طابا، كانوا الأكثر عنفاً منذ اللحظات الأولى للمظاهرات، ومباشرة وجهوا هجومهم على مراكز الأمن والشرطة مخلفين عدداً من القتلى، ولكن سرعان ما عرف السبب فذاك العنف لم يكن بسبب فطرة البداوة أو لمجرد الرغبة في القتل؛ بل لأنّ أجهزة الأمن والشرطة أذاقتهم الهوان ومر التعذيب أثناء التحقيقات بعد تفجيرات طابا. فعندما فشل أفراد جهاز الأمن في انتزاع أي إعترافات منهم، أتوا بنسائهم وظلوا ينتهكون عروضهن أمامهم…..! وهكذا، وعبر جهازي مقاومة التغيير، الناعم منها والخشن تشتد الحلقة إحكاماً فيفرح أهل النظام بهذه الدائرة المغلقة عليهم ويتباهون بأنهم محبوبون ومقبولون من قبل جميع أفراد الشعب، لا سيما وهم يدفعون بالأعمال القذرة ليتولاها آخرون، ما دام وجه القباحة له ناسه وثمنه. لكنهم واهمون! فعاجلاً أم آجلاً سيأتي من يحاصر هذه الدائرة المغلقة من خارجها. إنه جيل أكوام البشر والغلابة الذين ناهزوا الفقر والقهر، واقتاتت عقولهم من الكلمة الممنوعة فنما وعي هذا الجيل بضرورة استرداد حقه المحتكر في الدائرة المغلقة، وهو نفس الجيل الذي أعاد للشعب المصري كرامته المهدرة وإنسانيته الحقة، والذي لقننا درساً في فنون التغيير، فكان كلما يتنازل النظام خطوة علها تنقذه وترخي قبضة الحبل حول عنقه، يتقدم شباب التغيير ليحتل هذه الخطوة ويواصل تقدمه بثبات حتى انهزم النظام لينتصر جيل التغيير، مدركاً أنها الجولة الأولى وليست النهائية في معركة الحرية والديمقراطية.. يقول مصطفى حجازي: ” …في حالة الالتزام بقضية كبرى تتجاوز الكيان الذاتي، فإنها تعيد إليه التوازن وتعطيه القيمة. عندها يصبح الوجود بكل محنه وشدائده وهدره المادي، ذا معنى يحمله بالقيمة. ويتحول بذلك من الخسارة والخيبة والعجز إلى مشروع الربح المستقبلي الذي لا بدّ من القيام بأعبائه، ودفع كلفة تحقيقه. تصبح الجهود والمعاناة وحتى العذابات، هي التضحيات التي تشكل الكلفة المستحقة التي يدفعها المرء عن طيبة خاطر. بهذا يأخذ الكيان بعداً وقيمة ودلالة تتجاوز حدوده الذاتية، بما فيها من عجز وقصور وثغرات. وبذلك يزول الفراق وتتلاشى الهوة الداخلية ويمتلئ الكيان.” ( كتاب “الإنسان المهدور” صفحة 443). (نواصل) رد
    المصدر

    http://www.midan.net/almidan/?p=21331#more-21331
                  

02-17-2011, 03:59 PM

عاطف مكاوى
<aعاطف مكاوى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 18633

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال لدكتور الشفيع خضر "ديمقرطية رجع الصدى" (Re: ibrahim alnimma)

    قراءة في المشهد السياسي:

    د. الشفيع خضر

    انهيار ديمقراطيات " رجع الصدى " (2)

    أنظمة الاستبداد الملطف شيمتها الانتهاك بلا حدود

    * طالما هنالك ظلم واستبداد من أي مجموعة حاكمة وعدم رضى من الشعب “أي شعب” فعلى نظم الاستبداد والطغيان ناعم الملمس أن “تبل رأسها”، فالثورة قادمة لا محالة.


    لأكثر من أسبوعين، كان السودانيون يتابعون بإهتمام، وقلق أيضاً، أخبار البركان والزلازل المتفجرة في شمال الوادي. وكنت من زمرة المحظوظين الذين استمتعوا برؤية أمواج الثورة المصرية الهادرة تبثها الفضائيات المختلفة، إلا فضائيات بلادي! أما الفضائيات في بلد الحدث، فكأنها لم تعلم به إلا لحظة الإنهيار والانتصار. قلت في نفسي: مفهوم جداً تجاهل الفضائيات المصرية للحدث، ومفهوم جداً التشويش على الفضائيات الأخرى، كما ظلت تردد قناة الجزيرة عبر التشويش على القمر الصناعي المصري نايل سات. فالإعلام المصري الرسمي ظل في خدمة نظام ديمقراطية “رجع الصدى” لأكثر من أربعين عاماً، وتمّ استخدامه بكفاءة منقطعة النظير حتى يستمر هذا النظام، نظام الاستبداد الملطف، سائداً لأربعين سنة أخرى. فكيف نتوقع منه أن يحتفي بهدير الغوغاء في ميدان التحرير وهم يصرخون كذباً ” الشعب يريد إسقاط النظام”؟!

    أما بالنسبة لصمت الفضائيات السودانية، فقد سمعت تفسيراً واحداً مشتركاً، اتفق حوله كل من التقيتهم: إنه الخوف من انتقال الثورة عبر رياح التلقيح الهابة عكس إتجاه مجرى النيل. وكنت أردد في نفسي: إنها السمة المشتركة لأنظمة الاستبداد ناعم الملمس؛ ولكنها سمة تتناقض ومجرى العصر، إذ ما أكثر البدائل والخيارات في عصر ثورة التكنولوجيا والاتصالات. فبديلاً للفضائيات المحلية، هنالك الفضائيات الأجنبية أوالهاتف أوالانترنت أو المذياع أو الصحيفة. وأهم من ذلك، انفجارات الشعوب لا تصدر ولا تستورد، ولكنها تلهم وتحرض، وما جاءت من فراغ تمنيات الناس “العقبال عندكم”. وقد جاء في الرصد إن الدافع المحرك لغضب الشارع المصري هو ثورة الياسمين في تونس، ولكن الحقيقة الثابتة، هي طالما هنالك ظلم واستبداد من أي مجموعة حاكمة، وعدم رضى من الشعب “أي شعب” فعلى نظم الاستبداد والطغيان ناعم الملمس أن “تبل رأسها”، فالثورة قادمة لا محالة. هذه الحقيقة أشاعت حالة من الذعر والهلع في جنوب الوادي، فأعلنت حالة الاستعداد الكامل في كل أجهزة مقاومة التغيير، الناعم منها والخشن.

    فمن خلال أجهزة مقاومة التغيير الناعمة، ووفق خطة تمّ رسمها في غرفة الطوارئ المعروفة، وعنوانها إجهاض الإلهام والتحريض، يتظاهر إعلاميو النظام بتبني المناهج الانفتاحية، فيعربون عن ترحيبهم بالثورة المصرية، لكن الجوهري في لغتهم ظل دائماً هو التبخيس من قدراتها التحريضية، وفي نفس الوقت الدق على وتر النظام المحصن ضد أي هزات هنا، ووتر ضعف القوى المعارضة له، ومحاولة النيل من الرأي الآخر المرحب برياح التغيير بتشويهه وإفراغه من محتواه. وهؤلاء الإعلاميين، ماداموا ارتضوا القيام بدور الملطف لنظام الاستبداد، فمهما بلغت تطلعاتهم الوطنية شأوا عالياً، فهي دائماً منقوصة لأنها تدور في ترسانة الخوف من فقدان الأمان الزائف الذي يعيشونه؛ لذا مهما اجتهدوا، فكلماتهم دائماً بعيدة عن ملامسة الواقع لأنها مغتربة ولا تتمتع بالأصالة التي يشكلها ويغذيها الانخراط مع الناس في تطلعاتهم وطموحاتهم الحقيقية. إنّ الذي يهول من انعدام البديل لنظام الاستبداد العصري، كما صرح، قبل انتصار الثورة، رئيس تحرير الجريدة الأكبر في مصر، وكذلك رئيس تحرير إحدى الصحف السودانية في معرض تقليله من شأن المعارضة السودانية وشأن أثر التغيير في مصر، لا يعرف شيئاً عن كيمياء الشعوب والثورات. فإضافة إلى أنه لا يوجد في الكوكب نظام يكتسب شرعية ديمومته من إنعدام بديل له، فإنّ الثورات تصنع رموزها وقياداتها حتى ولو تأخر ذلك إلى لحظات التغيير، إما بإذكاء الروح في القيادات التقليدية القديمة أو بإفراز قيادات جديدة.

    أما أجهزة مقاومة التغيير الخشنة، فيكفي هنا الإشارة إلى حدثين لهما دلالاتهما الواضحة. الأول هو التعامل بالعنف المفرط مع مظاهرات 30 يناير الماضي واعتقال أكثر من مائة شاب وشابة، بعضهم لا يزال رهن الحبس. والثاني التصدي بالعنف المفرط أيضاً لمجموعة من الشباب في شارع المطار خرجوا للتعبير عن فرحتهم بانتصار ثورة مصر. وفي الحقيقة، فإن النظام يبذل كل الجهود الممكنة و غير الممكنة؛ لتحصين نفسه ضد أي معارض حتى ولو كان من أربابه. فأنظمة الاستبداد الناعم دائما تعاني من داء الاختلافوبيا، حتى ولو كان صاحب الرأي المعارض من داخلها. أنظر كيف كان مدير جامعة الخرطوم، البروفسور مصطفى إدريس يعكف على تقديم النصح والارشاد مؤملاً أن ينصلح حال النظام، ولكنه في عرف النظام تعدى الخطوط الحمراء فأطيح به. وهكذا فإن الأولوية عند أهل الاستبداد هي أجهزة القمع التي بدونها لا يضمن النظام طول عمره، لذلك يغدق عليها الصرف البذخي لتنتهك حرمة الإختلاف بأي وسيلة تخطر على بالك، دون مراعاة لما اكتسبته الإنسانية من ثقافة ترسخت منذ القدم عندما كان أعتى الأعداء يحترم الإشارات الواردة من أضعف الخصوم، وكان هنالك دائماً حدود. لكن أنظمة الاستبداد الملطف شيمتها الانتهاك بلا حدود، فهي مثلاً لا تكتفي بالاعتقال، بل تتبعه بالتعذيب علماً بأن لا شيء مخفي وليس هناك اعتراف خطير يتم انتزاعه من المعتقل سيغير مجرى الأحداث؛ لكن النظام يهدف أن يكون المعتقل عبرة للآخرين ويسعى لكسر المعارضين. وهكذا نفهم لماذا عندما يعتقل النظام شاباً صغيراً، يعرضه للصعق بالكهرباء! ولكن ما لا يفهمه النظام، أنّ الشاب وهو يخرج للمظاهرة يضع في ذهنه كل الاحتمالات بدءاً بالموت. أرى الآن أمامي بكل وضوح شهيد الاسكندرية الشاب صغير السن، وهو يكشف صدره لرصاصة رجل الأمن القاتلة. ترى ماذا دار بخلد شهيد الاسكندرية: هل كان ينتظر الموت مرحباً، أم كان ينتظر أن يتحرك الانسان داخل القاتل فيرمي بسلاحه وينخرط معه في التظاهر؟. ورجل الأمن القاتل: هل ياترى كان يريد أن يقتل الجسارة التي لا يمتلكها هو بالتحديد، كونه قد باع نفسه لحماية مجموعة من الأفراد سرعان ما تبرأوا منه في اليوم التالي؟ وهل سيفرح بالمكافأة أم سيرضى بفكرة أن لا أحد سيعرف أنه بالتحديد هو القاتل؟ وفي الحقيقة لا يتردد نظام الاستبداد الملطف لحظة في أن ينتهك إنسانية أناس مقابل حفنة من الدولارات، مفوضاً لهم أمر الخصوم ليعيثوا فيهم ضرباً وتقتيلاً. ولكن ألا يدرك هولاء أنّ التبريرات التي تعطى كمصوغات للقتل هي من أعظم التحديات التي تواجه البشرية اليوم، ألم يعاف الأسد منازلة أندرو الذي سبق وتفضل عليه بنزع شوكة من قدمه؟ فكيف لا يعاف الإنسان قتل أخيه الإنسان؟

    حدث آخر من يوميات الثورة المصرية له دلالته الواضحة والخاصة جداً أسوقه هنا دون تعليق، العرب البدو سكان سيناء والمناطق القريبة من طابا، كانوا الأكثر عنفاً منذ اللحظات الأولى للمظاهرات، ومباشرة وجهوا هجومهم على مراكز الأمن والشرطة مخلفين عدداً من القتلى، ولكن سرعان ما عرف السبب فذاك العنف لم يكن بسبب فطرة البداوة أو لمجرد الرغبة في القتل؛ بل لأنّ أجهزة الأمن والشرطة أذاقتهم الهوان ومر التعذيب أثناء التحقيقات بعد تفجيرات طابا. فعندما فشل أفراد جهاز الأمن في انتزاع أي إعترافات منهم، أتوا بنسائهم وظلوا ينتهكون عروضهن أمامهم…..!

    وهكذا، وعبر جهازي مقاومة التغيير، الناعم منها والخشن تشتد الحلقة إحكاماً فيفرح أهل النظام بهذه الدائرة المغلقة عليهم ويتباهون بأنهم محبوبون ومقبولون من قبل جميع أفراد الشعب، لا سيما وهم يدفعون بالأعمال القذرة ليتولاها آخرون، ما دام وجه القباحة له ناسه وثمنه. لكنهم واهمون! فعاجلاً أم آجلاً سيأتي من يحاصر هذه الدائرة المغلقة من خارجها. إنه جيل أكوام البشر والغلابة الذين ناهزوا الفقر والقهر، واقتاتت عقولهم من الكلمة الممنوعة فنما وعي هذا الجيل بضرورة استرداد حقه المحتكر في الدائرة المغلقة، وهو نفس الجيل الذي أعاد للشعب المصري كرامته المهدرة وإنسانيته الحقة، والذي لقننا درساً في فنون التغيير، فكان كلما يتنازل النظام خطوة علها تنقذه وترخي قبضة الحبل حول عنقه، يتقدم شباب التغيير ليحتل هذه الخطوة ويواصل تقدمه بثبات حتى انهزم النظام لينتصر جيل التغيير، مدركاً أنها الجولة الأولى وليست النهائية في معركة الحرية والديمقراطية..

    يقول مصطفى حجازي: ” …في حالة الالتزام بقضية كبرى تتجاوز الكيان الذاتي، فإنها تعيد إليه التوازن وتعطيه القيمة. عندها يصبح الوجود بكل محنه وشدائده وهدره المادي، ذا معنى يحمله بالقيمة. ويتحول بذلك من الخسارة والخيبة والعجز إلى مشروع الربح المستقبلي الذي لا بدّ من القيام بأعبائه، ودفع كلفة تحقيقه. تصبح الجهود والمعاناة وحتى العذابات، هي التضحيات التي تشكل الكلفة المستحقة التي يدفعها المرء عن طيبة خاطر. بهذا يأخذ الكيان بعداً وقيمة ودلالة تتجاوز حدوده الذاتية، بما فيها من عجز وقصور وثغرات. وبذلك يزول الفراق وتتلاشى الهوة الداخلية ويمتلئ الكيان.” ( كتاب “الإنسان المهدور” صفحة 443).

    (نواصل)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de