الاعلام الذى يكذب والاعلام الذى يقنع(المرى والمقرو والمسموع والصحفيون )

Quote: ربما لا يذكر كثير من الناس الإذاعي الشهير أحمد سعيد ... مدير إذاعة صوت العرب، وصاحب المقولة الشهيرة: "سوف نلقي بهم في البحر" ويعني الجنود الإسرائليين الذين كانوا يسجلون تقدماً في الأراضي المصرية خلال حرب 67.. وربما نسي حتى من تابع أحداث حرب 67 وما اعقبها من هزيمة شنيعة، أطلق عليها تلطفاً بالنكسة، أن أحمد سعيد كان يعلن من أستديو صوت العرب بالقاهرة عن انتصار كبير حققته "القوات الظافرة"، بينما كانت الجيوش المصرية تتلقى الضربة تلو الضربة، والهزيمة بعد الهزيمة، حتى فاق الناس على الحقيقة المرة التي طالما حاول أحمد سعيد أن يخفيها أو يحيلها إلى وهم جميل. لكن ما اسرع ما يتلاشى السراب ولا يبقى إلا الحقيقة. أحمد سعيد هو مدرسة أو حالة دراسية إن جاز التعبير يدرسونها الآن لطلبة الإعلام ليتعلموا الفرق ما بين الإعلام الذي يعني الحقيقة دون سواها، وبين الدعاية التي تعني الخداع والكذب وتعبئة عقول الناس وقلوبهم بالسراب والأحلام. المدرسة الإعلامية المصرية متقدمة على غيرها من المدارس العربية الأخرى على الأقل تاريخياً. لكن المتابع لما يقوم به هذا الإعلام يتأكد انه لم يستفد من كل سنوات الخبرة المتراكمة، والرصيد التاريخي الكبير.. وأن سلوكه ما يزال يدور في نفس المدرسة القديمة أو مدرسة أحمد سعيد. ومن يتابع ما يجري اليوم في الشارع المصري سوف يتأكد من ذلك بوضوح كبير. خلال الأيام الماضية كنت أتنقل بين المحطات الفضائية العربية المختلفة الحكومي منها أو الخاص .. وكنت أسعى لمتابعة ما يجري أيضاً في كثير من الصحف ومنها الصحف المصرية سواء الموالية للنظام أو المعارضة. وبمسح سريع لما قمت بتغطيته ولدت لدي قناعة أن ما يقوم به الإعلام المصري محض دعاية ولا يمت للإعلام بصلة. لقد عانينا من هذا السلوك مراراً، ولن أبتعد كثيراً، فذاكرة الناس ربما لا تحفظ الأحداث البعيدة.. ولكن لنرجع فقط لشهر نوفمبر الماضي وتلك المباراة الشهيرة بين مصر والجزائر. لقد مارس الإعلام المصري في تلك المبارة وما صاحبها من أحداث أجلى صور الدعاية، وكيف صور لنا أن المصريين تعرضوا للإرهاب من الجزائريين أمام أعين الشرطة السودانية التي عجزت أن تفعل شئياً بينما كان المصريون يسحلون في طرقات الخرطوم وأزقتها الضيقة. أما خلال المبارة فكان المشجعون الجزائرون يمارسون الإرهاب الحقيقي، وقد تمكنوا من إدخال السكاكين والسواطير ... حتى أنهم استعانوا بمقطع فيديو يظهر أحد المشجعين وهو يلوح بسكين وخلفه شجرة كبيرة بينما السحب الغائمة كانت تظهر في ذلك المقطع بوضوح. وكلنا يدرك أنه لا توجد أشجار في استاد المريخ الذي لعبت فيه المبارة، ولم تكن هناك أمطار في شهر نوفمبر بالسودان. اليوم في عدد من القنوات المصرية وجدتهم ينهالون بأقذع الشتائم على قناة الجزيرة لأنها رصدت ما يحدث في ميدان التحرير.. وكالت السباب على قناة الـBBC لأن هاتين القناتين تحديداً لا تريدان خيراً للشعب المصري، وأن ما يتم بثه هو محض خيال أكثر من الحقيقة. لا أود الدفاع عن أي من هاتين القناتين، فهذا شأن آخر يخضع لمنهج علمي يمكننا أن نحدد إذا كانت هذه القنوات محايدة أم تسعى لتحقيق أجندات خفية كما أطلق الإعلاميون المصريون أثناء تعرضهم لهذه القنوات. لكن فقط نرجع بالذاكرة لنفس المكان وأعني ملعب المريخ والمباراة الشهيرة بين مصر والجزائر.. فنفس المذيع الذي ينتقد قناة الجزيرة اليوم بوصفها قناة تسعى لتأجيج الأحداث وتهييج الجماهير، هو ذاته الذي كان يصيح وبمنتهى الاستخفاف: صحوا مدير المطار، صحوا البشير.... ونفس المذيع الذي كان يعتمد في أخباره على بعض مشجعي الفريق المصري ليبنى عليها الحدث ينتقد قناة الجزيرة اليوم أنها تعتمد على شهادات الجمهور في ميدان التحرير وهو ما يعد في نظره خروجاً عن المهنيـة. هذا النوع من الإعلاميين الذين تجاوزهم الزمن كانوا أحد الأسباب التي قادت مصر لما تعيشه اليوم. فقد صورا لنا الواقع المصري بمشهد مغاير، وزينوا لنا الصورة وأخرجوا لنا أجمل المناظر بينما كانت الصورة تخفي خلفها كثيراً من الرماد والذي لم يحتمل البرواز فخرج لنا تراباً مثل الذي نراه أمامنا اليوم خلف الشاشات الصغيرة. الحقيقة مرة، لكنها لن تكون شيئاً آخر. وليس من مهام الإعلام أن يقول ما يرضي الناس، بل أن ينقل ما يجري على الأرض. نسأل الله ان يلطف بمصر وشعبها، وأن يعوضهم خيراً من هؤلاء.