عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 09:52 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-24-2011, 06:36 AM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله

    طلب السيد سلفا كير، النائب الأول لرئيس الجمهورية في قداس بكاتدرائية القديسة تريزا بجوبا، من الجنوبيين إلى مسامحة الشماليين على نهج المسيح لتسببهم في قتل أشقاء وشقيقات من الجنوب في حروبهم الكثيرة على أرضه.
    ولن يمنعني مقام الرجل السامي من أن أطلب منه أن يكف عن توزيع صكوك الغفران من فوق حصانه المسيحي الأخلاقي السامق. ولا أجد غير المضاضة في نفسي لتطاوله الخلقي طالما لم يفرز بين الشماليين وجاء بهم على إطلاقهم. فأنا وجيلي الشمالي من الرعيل اليساري الباكر في الحركة الجماهيرية الديمقراطية لا نرزح تحت أي إحساس بالذنب الموجب للغفران تجاه محنة الجنوب. فقد حاولنا جهدنا الوقوف معها فكراً وممارسة. وأدبياتنا في وجوب احترام التنوع وحسن إدارته ملء الصحائف:
    وقف نائبنا المحترم حسن الطاهر زروق في البرلمان الأول كالسيف وحده يطلب للجنوبيين مواطنة حقة بمساواة أجورهم (والنساء) مع رصفائهم رجال الشمال. والتمس حماية ثقافتهم من الأسلمة والتعريب وترتيب حكم ذاتي لهم. وكان أول كتاب نشره أستاذنا عبد الخالق محجوب تعريباً لكتاب ستالين عن اللغة ومسألة القوميات. وسهر بعده على حق القوميات في أمنها الثقافي حتى ضمنها "حول البرنامج"، آخر ما خطه قبل رحيله في 1971. وجسد هذه المعاني رفيقنا الدكتور مصطفى السيد خلال عمله في مريدي كما صورها في كتابه "مشاوير الحياة". وبلغ من حرصه على ثقافة الجنوب أنه كان يطبع منشوراتنا للزاندي بلغتهم. وستجد انغماسه الجنوبي مذكوراً في كتاب التحقيق عن أحداث الجنوب (1955). فقد وصفه المحققون، لبياض لونه، ب "الطبيب المصري" الذي يخالط الجنوبيين ويسيسهم.
    وكنا ترياقاً مضاداً للشوفينية الشمالية حين استفزها بحق ذبيح 1955 والانفلات الجنوبي عصاري لأحد الدامي في 1965. وقفنا نسأل الشماليين التعقل بعد "تمرد" 1955 الذي قتلت فيه الفرقة الإستوائية الجنوبية الشماليين المدنيين العزل من الرجال والنساء والأطفال . . . وبالعائلة جملة واحدة. وهي المذبحة التي ميزتها سيدي نائب رئيس الجمهورية وجعلتها عيداً للمحاربين الجنوبيين القدامي. واستعجبت لك أكثر مرة كيف يربح محارب قديم من الفتك بالأبرياء. وعَيّنت اليوم سيدي نائب الرئيس في غير ما ضرورة ملجئة. فأيام حرب الشمال والجنوب طويلة وعديدة. ولم تعتبر بالأخاء السوداني فتحيله جاذباً .
    لم تقرأ سيدي عن جيلنا اليساري والوطني يدعو أهله للتسامي فوق الشحن البغيض الذي تبرع فيه مثقفون كبار بتذكيرنا بيوم لنا في عهد الزبير باشا. ووقف نفس هذا الشباب يوم الأحد الدامي في 1965 يحمي ظهر الجنوبيين في بري اللاماب وشمبات. سهرنا الليلة بطولها في بري اللاماب مع أستاذنا عبد الخالق محجوب والمرحوم أحمد السيد حمد نأخذ بيد بالجنوبيين حتى نبلغ بهم عتبة السلامة. وكنا في اتحاد الطلبة جامعة الخرطوم نحمل المؤن من مطاعمها لمن لجأوا بدار الرياضة بالخرطوم طلباً للسلامة.
    ومن بين الجيل الوطني واليساري اندلعت ثورتان ضد "نظام جلابة الخرطوم"، كما هي عبارتكم. وكانت المسألة القومية الجنوبية على رأس أجندة الثورة واستعادة الديمقراطية. وستحتاج ايها النائب الأول إلى أن تسأل ما فعلتم بثمار الثورية الشمالية. فقد أرخى الانفصاليون من أمثال أقري جادين بصلفهم فوق مدوالات مؤتمر المائدة المستديرة واستعلوا علواً كبيراً على التجربة الديمقراطية الني أطلت ودخلوا الغابة. وسيظل جيلنا يذكر للشهيد وليام دينق أنه انغمس في اللعبة الديمقراطية ودفع حياته ثمناً. نذكره رجلاً حراً وعزماً لا يلين. قتلوه سودانياً جسوراً رائداً في طريق الحق في ركب كثير ممن سبقوه ومن تبعوه. وكنت سيدي النائب الأول للرئيس من قادة الحركة الشعبية الذين قاطعوا برلمان 1986 بسبب أوهى من خيوط العنكبوت. ولم تقل انتفاضة 1985 "أحي يا العافية" يوم اعتزلتموها وسحبتم وزنكم المرموق من المعادلة الديمقراطية في البلد. وأرتمت الديمقراطية على قارعة الطريق من فرط الاهمال لم يقل أحدنا "جر" لمن طلبها وانقلب عليها.
    الكلام كثير سيدي. وخلاصته: أنا عبد الله الشيوعي دا لم أطلب منك صفحاً ولن أقبله منك. بل أرنو ليوم تجد في نفسك الشجاعة فتجرد الحساب لتعتذر لشماليين بلا حصر لم يألوا جهداً في الدفاع عن مسألة الجنوب التي ليست بالضرورة مسألة الحركة الشعبية.
    وكا قالت أمي يوماً: تمر أيام وتتعدى ونقعد نحسب المدة.

    [email protected]
























    المتصفحون الآن
    يوجد 1888 زائر حالياً
    إجمالي الزوار
    عدد مشاهدات المحتوى : 14964832

                  

01-24-2011, 06:41 AM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: mohmmed said ahmed)

    بعد قراتى لمقال عبد الله على ابراهيم
    قلتا بسم الله
    دا ما هو
    عبد الله ذاتو
    الجانا فى ابوظبى وقدم محاضرة
    قال فيها
    كلنا فى الشمال سيم سيم بلغة البتان العجيبة
    وسيم سيم فى لغة البتان بتعنى سوا سوا
    واستخدام مصطلح الشمال
    رد عليه المفكر الراحل الخاتم عدلان بمقال رصين وقال ما كلنا سيم سيم
    وكتب عن مواقفه الشخصية ومواقف اتحاد طلاب جامعة الخرطوم فى مناصرة قضايا الجنوب
    الغريب عبد الله
    يكتب اليوم انا عبد الله الشيوعى دا ويعبر عن فكرة الخاتم عن التمايز الموجود فى الشمال

    لم احصل على مقال الخاتم

    وجدت مقال لمصطفى البطل يحمل نظر وجهه النظر فى الرد على عبد الله

    (عدل بواسطة mohmmed said ahmed on 01-24-2011, 06:43 AM)

                  

01-24-2011, 06:46 AM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: mohmmed said ahmed)

    منذ قرأت الورقة التي كتبها الراحل الأستاذ الخاتم عدلان تعليقاً على محاضرة للدكتور عبد الله قدمها بأبي ظبي في الحادي عشر من يوليو ٢٠٠١م وأطلق خلالها في الهواء فقاعات درامية كتلك التي أطلقها في منتدى نادي الفكر بالخرطوم الأسبوع الماضي، ومنذ عرفت عن فتوحات عبد الله (الفكرية) ما عرف الخاتم، لم تعد الحيرة والدهشة تجد بغيتها عندي كلما قرأت عن الرجل وعروضه الاكروباتية.

    كان عبد الله قد زعم في محاضرته أمام الجمع من المغتربين بأبي ظبي أن السودان الشمالي كله ينتمي الى الثقافة العربية الإسلامية انتماءً يمتنع معه التمييز بين شمالي وشمالي آخر، يسارياً أو يمينياً، حاكماً أو معارضاً، غنياً أو فقيراً، داعياً للدولة الدينية أومنادياً بالدولة العلمانية، وان كل الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة ديمقراطية أو شمولية في حق الوطن، بما فيها مأساة جنوبي السودان، هي في نهاية المطاف مسئولية الشمال العربي الإسلامي يتحملها كل فرد من أهل السودان الشمالي. وأن أيادينا جميعاً في السودان الشمالي ملطخة بدماء قتلى حروب الجنوب وفظائعها. وعقابنا جميعاً واحد لأننا مشتركون في نفس الجريمة وبنفس المستوى. ولذلك فإن مصلحتنا الشخصية، مصلحة كل واحد منا، هي ألا يطالب بعقاب أحد لأنه ارتكب ذنباً في الجنوب لأن العقاب سيطالنا جميعا. وان ما قامت به الجبهة الإسلامية القومية في الجنوب بعد انقلاب الإنقاذ ليس أسوأ مما قامت به الأحزاب الأخرى يمينا ويسارا وأن عذرها في ذلك هو الشفرة الثقافية المركبة فينا جميعاً (تلخيص الخاتم عدلان، ٢٠٠١). وفي تلك الورقة – وبعد أن سخّف مقولة عبدالله التى تقف معلقة فى الهواء بغير ساقين، وبيّن زيفها وخطلها ومفارقتها للروح العلمية والقيم العدلية - عبّر الخاتم عن اعتقاد راسخ لديه، كونه عرف عبد الله عن قرب لعهد طويل وعايشه معايشةً لصيقة شخصاً وفكراً، بأن عبد الله ( يعتمد على تكتيكات معينة في تسويق أفكاره وفي الإيحاء للآخرين من خلال هذه التكتيكات بأنه عالم كبير لا يُشق له غبار، وانه مؤلف للنصوص الكبيرة، وأنه علم من أعلام التنوير في بلادنا)، وهي، بحسب الخاتم، ( أوصاف تجانب حقيقة عبد الله مجانبة تكاد تكون كلية ). والواقع يحدثنا بلا مراء أن عبد الله يسيطر عليه وهم المقولات الذاهلة، اذ يظن أن الفرقعات الاعلامية مثل إطلاق تصريحات فاقعة الألوان فى شكل ألعاب نارية بين الفينة والفينة، ومحاولة إكسابها جلال الثقافة عن طريق القولبة الدرامية والتقعر اللغوي ، كتلك التي أشرنا إليها، تجعل منه نجما ثقافيا وعلماً فكرياً، بل انها ربما قادت خطاه يوما ما الى رئاسة الدولة فيصبح معمّرنا القذافي الجديد! ومن رأي الخاتم أن التشويش الفكري الذي يعاني منه ويصدر عنه عبد الله ناتج عن افتقاره الى الأدوات الدقيقة التي تصنف المفاهيم وتحدد الدلالات وتزيل التناقضات. وهو ما ينتهي به دائماً الى تحليلات معطوبة ونتائج متنكبة لجادة الصواب. وليس أدل على ذلك من مزاعم عبد الله عن الشمال العربي الإسلامي التي تستند فى لبّها الى فكرة هجرتها البشرية وتركتها وراءها ظهريا وهي فكرة النقاء العرقي، وادعاءاته البلقاء – في مواجهة تاريخٍ معاش لم ترثُّّ صفحاته بعد– عن غياب أنموذج واحد لحوار لاجب ذى فكر جاد في جميع مسارح السياسة والثقافة على مدى نصف قرن من تاريخ السودان!
    [align=center](4)[/align]مهما يكن من أمر أطروحة الخاتم بشأن توهمات عبد الله وتوسله لمقام المفكر القومي بالتنطّع في التنظير والإغراب في التعبير، فإن المتابعة اللصيقة لآثاره المسطورة في الحقلين السياسي والثقافي خلال العقدين الأخيرين تؤشر الى اضطراب لا يخطئه الراصد لمواقف الرجل وتوجهاته. وقع انقلاب الحركة الإسلامية في السودان عام ١٩٨٩م والدكتور خارج لتوه من قلب حملة صحفية مستأسدة شنها ضد الجيش الجزائري الذي كان قد استولى على السلطة ليقطع طريق الحكم السياسي على الإسلاميين، تأسيساً على زعم بأنه يرفض الانقلابات العسكرية من حيث المبدأ، ولكن ما أن أذاع الانقلابيون بيانهم الأول في الخرطوم حتى سارع الى صفوفهم ينفق عليهم من شرعيته (الفكرية) بغير حساب. ونجد عبد الله في حاضره المعاش يعلن مفارقته للحزب الشيوعي ويلبس لبوس التدين السياسي، ثم نفاجأ به ينتقد الشيوعيين السودانيين على أساس أنهم ليسوا ماركسيين بما فيه الكفاية. ويكتب عبد الله كتاباً كاملاً يمجد فيه فكر الترابي الإسلاموي ويزكي تطبيقات الشريعة الإسلامية في السودان على يد القضاة الشرعيين، ولكنك تقلب صفحة الإهداء فتراه يهدي الكتاب إلى القائد الشيوعي عبد الخالق محجوب. ثم إذا به يمسك بخناق عبد الخالق، الذي يطلق عليه صفة "أستاذنا" فيبتذل فكره على رؤوس الأشهاد. ثم يعيد البصر كرتين ليقول بأن علاقته بالحزب الشيوعى كانت عبارة عن حالة تعاقد شخصي مع عبد الخالق. ويدور عبد الله دورةً عبثيةً كاملة فيصف نفسه على حين غرة بأنه ناصري الهوى. ويعلن الرجل عن محاضرة يلقيها بعنوان (في كون السودان ليس رجل إفريقيا المريض)، ويتداعى الحضور من المهتمين بمادة المحاضرة فيعاجلهم بأنه لا محاضرة ولا يحزنون وانه إنما دعاهم ليعلنهم بخبر ترشيحه لرئاسة الجمهورية وفتحه لباب التبرعات والهبات المالية الداعمة لحملته الانتخابية. غير أنه يفاجئ ناخبيه المفترضين بأنه لا يملك برنامجاً يطرحه عليهم ولا تصوراً محدداً للحكم، وان كل ما عنده هو "رؤية " لسودان جديد. ولكننا نعلم أن حكم البلدان وسياستها لا يتصل بالرؤى وإنما بالخطط والبرامج التطبيقية التي تحيل خيالات الرؤى الى منجزات ترفل على الأرض. جميع بني وطني لهم رؤى. رؤاهم أن يتحول السودان الى جنة. وكاتب هذه الكلمات له رؤية. رؤيتي أن يشرب كل سوداني من ماء النيل وأن يتملك منزلاً من طابقين وسيارة كورولا. وعبد الله أيضاً له رؤية، ولكنه لا يملك برنامجاً ذا خصائص تطبيقية نفحصه بمقتضاه ونقوّمه على أساسه. هو يريد منا فقط أن ننتخبه وأن نُوهطه على مقعد رئيس الجمهورية، فيغيظ منصور خالد ويفقع مرارته، ويصفي معه الحساب القديم، حساب "الملتقى الفكري" الذي طرده منصور من سكرتاريته عام١٩٧٠م، فكسر شوكته وحطم كبرياءه وأحدث فى خويصة ذاته جرحا نفسيا غائرا استعصى على الزمان مداواته.
    [align=center](5)[/align]وصف عبد الله في محاضرة نادي الفكر جميع الحوارات والسجالات التي شهدها السودان خلال نصف القرن الماضي بأنها كانت صراعاً من أجل الصراع، ومبارزات تمحورت حول الشخص، وأنها تفتقر الى الفكر، وان أطرافها لم يتجاوزوا كونهم راقصي كمبلا. كيف لا واللغة العربية أصلاً، بحسب عبد الله، (لغة هرج)! عظيم. هذا رأيه وهو فيه حر. ولكن ليسمح لنا عبد الله بأن نتوجه إليه بالسؤال: وماذا بشأن مبارزته مع الدكتور منصور خالد التي ظل خلالها ممتطياً صهوة جواده عامين متصلين، دلق خلالهما حبراً لم يدلقه ابن حجر العسقلاني. هلا تكرم المفكر الكبير فدلنا على مواقع (الفكر) في تلك المبارزة التي ملأ بها الدنيا وشغل الناس؟ لا بد أن يكون هناك (فكر) أليس كذلك؟ فلا يعقل يكون ذلك العمل الضخم بدوره من قبيل رقص الكمبلا أو (صراعاً من أجل الصراع). خاض عبد الله بنا في لجج حرب مستعرة ضد الدكتور منصور خالد بلغت ذروتها بنشره جزءاً من وثيقةٍ استخرجها من خزانة للوثائق الأمريكية باحدى المكتبات. استخدم عبد الله في المقال القصير الذي أبرز فيه وثيقته وعنوانه (منصور القوّال) عبارة (المخابرات الأمريكية) باللغة العربية أربعة عشر مرة بالتمام والكمال، وأورد مرادفها بالحروف الإنجليزية (سى آى ايه) مرة واحدة، وعبارة (عميل لإدارة من إداراتها) ويقصد المخابرات الأمريكية مرة واحدة، وكلمة (المخبر) و(المخبرون) مرتين، باجمالى يبلغ عشرين فى العدد لاستخدام ذات الالفاظ او المعانى. وزع صاحبنا العبارات توزيعاً ذكياً بين بداية المقال ومنتصفه وخاتمته. مثال ذلك: (علقت بمنصور تهمة العمالة للمخابرات الأمريكية). ثم: (وقفنا على وثائق [تثبت] أن منصور خدم المخابرات الأمريكية عام ١٩٥٣م). ثم: (لم يكن بوسع المخابرات الأمريكية أن تترك الحبل للشيوعيين على الغارب)، وهكذا. والوثيقة المشار إليها كتبها دبلوماسي أمريكي اسمه جورج سويني، ومع أن السيرة الذاتية لسويني هذا متاحة لكل من يعرف الطرقعة والغوغلة فى بطون الحواسيب، شأنها شأن السير الذاتية لغالب رجال الدبلوماسية الأمريكية الراحلين والأحياء، وتقول سيرته انه موظف فدرالى من كادرات الخدمة الدبلوماسية، ولد عام ١٩١٢م وتُوفيَ في ١٩٧٩م. ومع ذلك فإن عبدالله لم يطرف له جفن وهو يوحى لقارئه كتابةً بأن سوينى ضابط مخابرات يتبع للسى آى ايه. مع انه يعلم أنه موظف دبلوماسى يتبع لوزارة الخارجية، تماما كما يعلم ان الجاسوسية والدبلوماسية فى الولايات المتحدة خطين متوازيين، وان بين جهازيهما وعناصرهما البشرية ما صنع الحداد. والوثيقة نفسها لا تعدو كونها مذكرة دبلوماسية وليست تقريراً استخبارياً بالمعنى الاصطلاحي، بقرينة أنها موجهة من السفارة (مكتب الاتصال) بالخرطوم الى رئاسة وزارة الخارجية الأمريكية، شأنها في ذلك شأن المئات من وثائق الخارجية الأمريكية التي تعني بتوصيف وتحليل الأحوال السياسية في السودان التي ظل الصحافي محمد علي صالح يقوم منذ زمن بعيد بنقلها من الأرشيف الأمريكي و ترجمتها الى العربية دون عجيج أو ضجيج. بل ان الاستاذ محمد على صالح، وهو خبير مخضرم ومحلل معتق للنظم والشئون الامريكية لما يقرب من اربعة عقود من الزمان، كان قد وقع على ذات الوثيقة وقام بايرادها ضمن ترجماته على انها وثيقة كتبها دبلوماسى تابع لوزارة الخارجية وليس عميل للسى أى أيه يتبع لوكالة المخابرات. ولعل هذا ما حدا بالسوداني الأمريكى المقيم بمنطقة واشنطون عادل عثمان، أن يبادر وفي ظرف دقائق معدودة من نشر مقال عبد الله علي أحد المواقع الالكترونية الواسعة الانتشار، بكتابة وإرسال التعليق التالي: (كلام عبد الله عن عمالة منصور للمخابرات الأمريكية غريب. المخابرات الأمريكية لا تكشف أسماء عملائها، خاصة إذا كان العميل حياً ويشغل منصباً قيادياً في دولته. هذا التقرير من صميم عمل الدبلوماسيين في أي سفارة. مهمة أي دبلوماسي أن يكون على صلة بمواطني البلد الذي يعمل فيه وبالذات مثقفيه ومتعلميه وصناع الرأي من الصحفييين والكتاب والسياسيين....). وكاتب التعليق، مثل كثيرين غيره من الذين عاشوا في الولايات المتحدة لعهودٍ متطاولة، لا يجوز عليهم التخليط والهرج والتأثيرالايحائي وأشغال الاكروبات اللغوية. ولولا اننا لا نأخذ مأخذ الجد تقويم عبد الله وتصنيفه للغتين العربية والإنجليزية، لدفعنا في مقام التفسير بالزعم بأن عملية تدوير المعلومات الأصلية لدى السودانيين الأمريكيين والمحتوى التحليلي المصاحب لها، إنما يتم في المقام الأول باللغة الإنجليزية، التي يصفها عبد الله بأنها (لغة تفكير)، لا باللغة العربية التي نعتها بأنها (لغة هرج)!

    وقد ذكرت أول ما ذكرت عند وقوفي على قنبلة عبد الله الدخانية لقائي في مايو ١٩٨٩م بصحبة الاستاذ علي الجندي، السفير بوزارة الخارجية حاليا، بالمسئول عن الشئون السودانية في
                  

01-24-2011, 01:29 PM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: mohmmed said ahmed)

    كتب عبد الله على ابراهيم
    يشيد بانقلاب الانقاذ
    واشاد بعمر البشير باعتباره عسكريا قادرا على التفاهم مع حركة عسكرية
    يقصد بها الحركة الشعبية
    قادا لبشير حملات القتل والتدمير فى الجنوب وارسل الشباب لمحرقة الحرب
    واعدا بفتيات حور
    فى كل ذلك كان عبد الله يكتب فى صحافة الانقاذ مؤيدا
                  

01-25-2011, 07:09 AM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: mohmmed said ahmed)

    يكتب عبد اله
    انا الشيوعى دا
    ويستشهد بمواقف حسن الطاهر زروق وعبد الخالق محجوب ومصطفى السيد

    وفى كتابات اخرى كثيرة يكيل الاتهامات للحزب الشيوعى


    هسا الزول دا معانا فى الباردة والحارة
    ولا فى الباردة بس

    ولا حكايتو شنو بالظبط
                  

01-25-2011, 08:10 AM

بدر الدين احمد موسى
<aبدر الدين احمد موسى
تاريخ التسجيل: 10-03-2010
مجموع المشاركات: 4858

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: mohmmed said ahmed)

    محمد سيد احمد

    سلامات

    كلامك في المليان والله!



    """""منذ قرأت الورقة التي كتبها الراحل الأستاذ الخاتم عدلان تعليقاً على محاضرة للدكتور عبد الله قدمها بأبي ظبي في الحادي عشر من يوليو ٢٠٠١م وأطلق خلالها في الهواء فقاعات درامية كتلك التي أطلقها في منتدى نادي الفكر بالخرطوم الأسبوع الماضي، ومنذ عرفت عن فتوحات عبد الله (الفكرية) ما عرف الخاتم، لم تعد الحيرة والدهشة تجد بغيتها عندي كلما قرأت عن الرجل وعروضه الاكروباتية.

    كان عبد الله قد زعم في محاضرته أمام الجمع من المغتربين بأبي ظبي أن السودان الشمالي كله ينتمي الى الثقافة العربية الإسلامية انتماءً يمتنع معه التمييز بين شمالي وشمالي آخر، يسارياً أو يمينياً، حاكماً أو معارضاً، غنياً أو فقيراً، داعياً للدولة الدينية أومنادياً بالدولة العلمانية، وان كل الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة ديمقراطية أو شمولية في حق الوطن، بما فيها مأساة جنوبي السودان، هي في نهاية المطاف مسئولية الشمال العربي الإسلامي يتحملها كل فرد من أهل السودان الشمالي. وأن أيادينا جميعاً في السودان الشمالي ملطخة بدماء قتلى حروب الجنوب وفظائعها. وعقابنا جميعاً واحد لأننا مشتركون في نفس الجريمة وبنفس المستوى. ولذلك فإن مصلحتنا الشخصية، مصلحة كل واحد منا، هي ألا يطالب بعقاب أحد لأنه ارتكب ذنباً في الجنوب لأن العقاب سيطالنا جميعا. وان ما قامت به الجبهة الإسلامية القومية في الجنوب بعد انقلاب الإنقاذ ليس أسوأ مما قامت به الأحزاب الأخرى يمينا ويسارا وأن عذرها في ذلك هو الشفرة الثقافية المركبة فينا جميعاً (تلخيص الخاتم عدلان، ٢٠٠١). وفي تلك الورقة – وبعد أن سخّف مقولة عبدالله التى تقف معلقة فى الهواء بغير ساقين، وبيّن زيفها وخطلها ومفارقتها للروح العلمية والقيم العدلية - عبّر الخاتم عن اعتقاد راسخ لديه، كونه عرف عبد الله عن قرب لعهد طويل وعايشه معايشةً لصيقة شخصاً وفكراً، بأن عبد الله ( يعتمد على تكتيكات معينة في تسويق أفكاره وفي الإيحاء للآخرين من خلال هذه التكتيكات بأنه عالم كبير لا يُشق له غبار، وانه مؤلف للنصوص الكبيرة، وأنه علم من أعلام التنوير في بلادنا)، وهي، بحسب الخاتم، ( أوصاف تجانب حقيقة عبد الله مجانبة تكاد تكون كلية ). والواقع يحدثنا بلا مراء أن عبد الله يسيطر عليه وهم المقولات الذاهلة، اذ يظن أن الفرقعات الاعلامية مثل إطلاق تصريحات فاقعة الألوان فى شكل ألعاب نارية بين الفينة والفينة، ومحاولة إكسابها جلال الثقافة عن طريق القولبة الدرامية والتقعر اللغوي ، كتلك التي أشرنا إليها، تجعل منه نجما ثقافيا وعلماً فكرياً، بل انها ربما قادت خطاه يوما ما الى رئاسة الدولة فيصبح معمّرنا القذافي الجديد! ومن رأي الخاتم أن التشويش الفكري الذي يعاني منه ويصدر عنه عبد الله ناتج عن افتقاره الى الأدوات الدقيقة التي تصنف المفاهيم وتحدد الدلالات وتزيل التناقضات. وهو ما ينتهي به دائماً الى تحليلات معطوبة ونتائج متنكبة لجادة الصواب. وليس أدل على ذلك من مزاعم عبد الله عن الشمال العربي الإسلامي التي تستند فى لبّها الى فكرة هجرتها البشرية وتركتها وراءها ظهريا وهي فكرة النقاء العرقي، وادعاءاته البلقاء – في مواجهة تاريخٍ معاش لم ترثُّّ صفحاته بعد– عن غياب أنموذج واحد لحوار لاجب ذى فكر جاد في جميع مسارح السياسة والثقافة على مدى نصف قرن من تاريخ السودان!
    [align=center](4)[/align]مهما يكن من أمر أطروحة الخاتم بشأن توهمات عبد الله وتوسله لمقام المفكر القومي بالتنطّع في التنظير والإغراب في التعبير، فإن المتابعة اللصيقة لآثاره المسطورة في الحقلين السياسي والثقافي خلال العقدين الأخيرين تؤشر الى اضطراب لا يخطئه الراصد لمواقف الرجل وتوجهاته. وقع انقلاب الحركة الإسلامية في السودان عام ١٩٨٩م والدكتور خارج لتوه من قلب حملة صحفية مستأسدة شنها ضد الجيش الجزائري الذي كان قد استولى على السلطة ليقطع طريق الحكم السياسي على الإسلاميين، تأسيساً على زعم بأنه يرفض الانقلابات العسكرية من حيث المبدأ، ولكن ما أن أذاع الانقلابيون بيانهم الأول في الخرطوم حتى سارع الى صفوفهم ينفق عليهم من شرعيته (الفكرية) بغير حساب. ونجد عبد الله في حاضره المعاش يعلن مفارقته للحزب الشيوعي ويلبس لبوس التدين السياسي، ثم نفاجأ به ينتقد الشيوعيين السودانيين على أساس أنهم ليسوا ماركسيين بما فيه الكفاية. ويكتب عبد الله كتاباً كاملاً يمجد فيه فكر الترابي الإسلاموي ويزكي تطبيقات الشريعة الإسلامية في السودان على يد القضاة الشرعيين، ولكنك تقلب صفحة الإهداء فتراه يهدي الكتاب إلى القائد الشيوعي عبد الخالق محجوب. ثم إذا به يمسك بخناق عبد الخالق، الذي يطلق عليه صفة "أستاذنا" فيبتذل فكره على رؤوس الأشهاد. ثم يعيد البصر كرتين ليقول بأن علاقته بالحزب الشيوعى كانت عبارة عن حالة تعاقد شخصي مع عبد الخالق. ويدور عبد الله دورةً عبثيةً كاملة فيصف نفسه على حين غرة بأنه ناصري الهوى. ويعلن الرجل عن محاضرة يلقيها بعنوان (في كون السودان ليس رجل إفريقيا المريض)، ويتداعى الحضور من المهتمين بمادة المحاضرة فيعاجلهم بأنه لا محاضرة ولا يحزنون وانه إنما دعاهم ليعلنهم بخبر ترشيحه لرئاسة الجمهورية وفتحه لباب التبرعات والهبات المالية الداعمة لحملته الانتخابية. غير أنه يفاجئ ناخبيه المفترضين بأنه لا يملك برنامجاً يطرحه عليهم ولا تصوراً محدداً للحكم، وان كل ما عنده هو "رؤية " لسودان جديد. ولكننا نعلم أن حكم البلدان وسياستها لا يتصل بالرؤى وإنما بالخطط والبرامج التطبيقية التي تحيل خيالات الرؤى الى منجزات ترفل على الأرض. جميع بني وطني لهم رؤى. رؤاهم أن يتحول السودان الى جنة. وكاتب هذه الكلمات له رؤية. رؤيتي أن يشرب كل سوداني من ماء النيل وأن يتملك منزلاً من طابقين وسيارة كورولا. وعبد الله أيضاً له رؤية، ولكنه لا يملك برنامجاً ذا خصائص تطبيقية نفحصه بمقتضاه ونقوّمه على أساسه. هو يريد منا فقط أن ننتخبه وأن نُوهطه على مقعد رئيس الجمهورية، فيغيظ منصور خالد ويفقع مرارته، ويصفي معه الحساب القديم، حساب "الملتقى الفكري" الذي طرده منصور من سكرتاريته عام١٩٧٠م، فكسر شوكته وحطم كبرياءه وأحدث فى خويصة ذاته جرحا نفسيا غائرا استعصى على الزمان مداواته.
    [align=center](5)[/align]وصف عبد الله في محاضرة نادي الفكر جميع الحوارات والسجالات التي شهدها السودان خلال نصف القرن الماضي بأنها كانت صراعاً من أجل الصراع، ومبارزات تمحورت حول الشخص، وأنها تفتقر الى الفكر، وان أطرافها لم يتجاوزوا كونهم راقصي كمبلا. كيف لا واللغة العربية أصلاً، بحسب عبد الله، (لغة هرج)! عظيم. هذا رأيه وهو فيه حر. ولكن ليسمح لنا عبد الله بأن نتوجه إليه بالسؤال: وماذا بشأن مبارزته مع الدكتور منصور خالد التي ظل خلالها ممتطياً صهوة جواده عامين متصلين، دلق خلالهما حبراً لم يدلقه ابن حجر العسقلاني. هلا تكرم المفكر الكبير فدلنا على مواقع (الفكر) في تلك المبارزة التي ملأ بها الدنيا وشغل الناس؟ لا بد أن يكون هناك (فكر) أليس كذلك؟ فلا يعقل يكون ذلك العمل الضخم بدوره من قبيل رقص الكمبلا أو (صراعاً من أجل الصراع). خاض عبد الله بنا في لجج حرب مستعرة ضد الدكتور منصور خالد بلغت ذروتها بنشره جزءاً من وثيقةٍ استخرجها من خزانة للوثائق الأمريكية باحدى المكتبات. استخدم عبد الله في المقال القصير الذي أبرز فيه وثيقته وعنوانه (منصور القوّال) عبارة (المخابرات الأمريكية) باللغة العربية أربعة عشر مرة بالتمام والكمال، وأورد مرادفها بالحروف الإنجليزية (سى آى ايه) مرة واحدة، وعبارة (عميل لإدارة من إداراتها) ويقصد المخابرات الأمريكية مرة واحدة، وكلمة (المخبر) و(المخبرون) مرتين، باجمالى يبلغ عشرين فى العدد لاستخدام ذات الالفاظ او المعانى. وزع صاحبنا العبارات توزيعاً ذكياً بين بداية المقال ومنتصفه وخاتمته. مثال ذلك: (علقت بمنصور تهمة العمالة للمخابرات الأمريكية). ثم: (وقفنا على وثائق [تثبت] أن منصور خدم المخابرات الأمريكية عام ١٩٥٣م). ثم: (لم يكن بوسع المخابرات الأمريكية أن تترك الحبل للشيوعيين على الغارب)، وهكذا. والوثيقة المشار إليها كتبها دبلوماسي أمريكي اسمه جورج سويني، ومع أن السيرة الذاتية لسويني هذا متاحة لكل من يعرف الطرقعة والغوغلة فى بطون الحواسيب، شأنها شأن السير الذاتية لغالب رجال الدبلوماسية الأمريكية الراحلين والأحياء، وتقول سيرته انه موظف فدرالى من كادرات الخدمة الدبلوماسية، ولد عام ١٩١٢م وتُوفيَ في ١٩٧٩م. ومع ذلك فإن عبدالله لم يطرف له جفن وهو يوحى لقارئه كتابةً بأن سوينى ضابط مخابرات يتبع للسى آى ايه. مع انه يعلم أنه موظف دبلوماسى يتبع لوزارة الخارجية، تماما كما يعلم ان الجاسوسية والدبلوماسية فى الولايات المتحدة خطين متوازيين، وان بين جهازيهما وعناصرهما البشرية ما صنع الحداد. والوثيقة نفسها لا تعدو كونها مذكرة دبلوماسية وليست تقريراً استخبارياً بالمعنى الاصطلاحي، بقرينة أنها موجهة من السفارة (مكتب الاتصال) بالخرطوم الى رئاسة وزارة الخارجية الأمريكية، شأنها في ذلك شأن المئات من وثائق الخارجية الأمريكية التي تعني بتوصيف وتحليل الأحوال السياسية في السودان التي ظل الصحافي محمد علي صالح يقوم منذ زمن بعيد بنقلها من الأرشيف الأمريكي و ترجمتها الى العربية دون عجيج أو ضجيج. بل ان الاستاذ محمد على صالح، وهو خبير مخضرم ومحلل معتق للنظم والشئون الامريكية لما يقرب من اربعة عقود من الزمان، كان قد وقع على ذات الوثيقة وقام بايرادها ضمن ترجماته على انها وثيقة كتبها دبلوماسى تابع لوزارة الخارجية وليس عميل للسى أى أيه يتبع لوكالة المخابرات. ولعل هذا ما حدا بالسوداني الأمريكى المقيم بمنطقة واشنطون عادل عثمان، أن يبادر وفي ظرف دقائق معدودة من نشر مقال عبد الله علي أحد المواقع الالكترونية الواسعة الانتشار، بكتابة وإرسال التعليق التالي: (كلام عبد الله عن عمالة منصور للمخابرات الأمريكية غريب. المخابرات الأمريكية لا تكشف أسماء عملائها، خاصة إذا كان العميل حياً ويشغل منصباً قيادياً في دولته. هذا التقرير من صميم عمل الدبلوماسيين في أي سفارة. مهمة أي دبلوماسي أن يكون على صلة بمواطني البلد الذي يعمل فيه وبالذات مثقفيه ومتعلميه وصناع الرأي من الصحفييين والكتاب والسياسيين....). وكاتب التعليق، مثل كثيرين غيره من الذين عاشوا في الولايات المتحدة لعهودٍ متطاولة، لا يجوز عليهم التخليط والهرج والتأثيرالايحائي وأشغال الاكروبات اللغوية. ولولا اننا لا نأخذ مأخذ الجد تقويم عبد الله وتصنيفه للغتين العربية والإنجليزية، لدفعنا في مقام التفسير بالزعم بأن عملية تدوير المعلومات الأصلية لدى السودانيين الأمريكيين والمحتوى التحليلي المصاحب لها، إنما يتم في المقام الأول باللغة الإنجليزية، التي يصفها عبد الله بأنها (لغة تفكير)، لا باللغة العربية التي نعتها بأنها (لغة هرج)!

    وقد ذكرت أول ما ذكرت عند وقوفي على قنبلة عبد الله الدخانية لقائي في مايو ١٩٨٩م بصحبة الاستاذ علي الجندي، السفير بوزارة الخارجية حاليا، بالمسئول عن الشئون السودانية في """""


    احيك على وقفتك القوية
    يجب وقف الحربائوية اينما كانت
                  

01-25-2011, 04:04 PM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: بدر الدين احمد موسى)

    تحياتى اخى بدر الدين

    المقال ليس لى هو لمصطفى البطل


    الدارس لكتابات عبد الله على ابراهيم
    لابد ان ينتبه لمحاولاته لاعادة الخمر القديمة فى اناء جديد

    عبد الله يكرس كل قدراته للترويج لافكار اسال اصحابها الدماء وحكموا بالحديد والنار
    وحاولو المستحيل بقهر ثقافة المختلف

    فما بال عبد الله يعيد تكوير الكرة
                  

01-25-2011, 05:10 PM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: mohmmed said ahmed)

    الحاج وراق: ديمقراطي على مسوؤلية أربابه ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
    الثلاثاء, 25 كانون2/يناير 2011 06:28

    لم أعد اطيق قراءة ما يخطه الأستاذ الحاج وراق. وجدت قلمه منذ جنح نحو الحركة الشعبية قد نزل في إجازة طويلة عن نقدها واغلظ في نقد سواها. فحتى مقاله "القائد لا يتحول إلى ديوث"، الذي قاضاه جهاز الأمن بسببه، هو طلاء علاقات عامة يزين لسحب الحركة للأستاذ ياسر عرمان من سباق الرئاسة. بل ربما احتاج له وراق نفسه بمثابة العزاء عن مصرع حملة إنتخابية "ولدة نجاح" كان هو أحد أركان حربها. زعم وراق في المقال أن عرمان انسحب لأنه لا يريد أن يكون طرفاً في انتخابات مزورة. فهو قائد وليس ديوثاً. ولا ادري كيف جاز لمثل من هو في خبرة وراق وقوة عارضته وذوقه الترويج لمثل هذا الزعم ًالباير.
    عادني هذا الخاطر وأنا أقرأ لوراق مقتطفاً من كلمة له ب "حريات" في مناسبة إدلاء الجنوبيين باصواتهم في استفتاء تقرير مصيرهم. فوجدته لا يكترث ل "وزنة بلوفة" القلم التي هي سمت الكاتب. وجاء فيه بتاريخ أحادي الجانب للعلاقة بين الشمال والجنوب. وهو التاريخ الفاسد الذي ذاع عن الشماليين (بلا فرز) في دوائر معارضة الإنقاذ. وهو تاريخ أعدى أهله ب"عقدة الذنب الليبرالية" بإخجالهم من تاريخهم جملة واحدة وحتى النخاع. ومعروف أن هذه العقدة أوسع الأبواب لعقم السياسة لأن المصاب بها يتعاطي الآخر ، الجنوبي في حالنا، بوصاية وشفقة.
    ووجدت إناء وراق ناضحاً بهذه العقدة الليبرالية. قال مخاطباً الجنوبيين حال توجههم إلى صناديق الاقتراع للتصويت ما يلي:
    ( اذ تتوجهون اليوم الى صناديق الاقتراع, فاننا نعلم بانكم تصوتون وطائرات الانتنوف التي تقصف المستشفيات والمدارس ودور العبادة تتراءى في مخيلتكم ، وسنوات المنافي والشتات تثقل على افئدتكم ، ومرأى القرى المشتعلة والاشلاء المبعثرة يطفر الدمع في عيونكم ، وملايين الضحايا من الاعزاء والاحباب تطوف اخيلتها بكم , اننا كديمقراطيين شماليين نعلم بكل تلك الفظائع ، ونقر بانها ارتكبت باسم ثقافتنا , ونحن الآن نبرأ منها ونعتذر عنها ، ونتفهم كيف ان التصويت اذ يتم في هذه الظروف الطاردة والبغيضة فانه ليس بين الوحدة والانفصال وحسب ، وانما كذلك بين الكرامة والمهانة).
    لولا أنني ووراق شركاء في "ديمقراطي" بإيحاءاتها اليسارية ، لما اكترثت لما كتب لأنني منصرف منذ زمن لوقف ضخ هذا التاريخ الرديء في منبعه عند منصور خالد. ولا أدري كيف ساغ لوراق أن يفترض فينا، نحن معشر الديمقراطيين، الغفلة عن محنة الجنوب حتى خلا الجو لأشرارنا فارتكبوا الموبقات باسم ثقافتنا. فحقيقة الأمر أننا نازعنا شرارنا في ثقافتنا بنفثنا فيها من روح العصر وفكره فصارت حفية الأكناف بالاخر إرثاً وحاضراً: الجنوبي والمرأة والشباب والمستضعفين قاطبة. لقد سهرنا عليها تتفتق بصبر عن منظمات حديثة جامعة مانعة تأوى إليها الإلفة السودانية الناشئة. فالنقابة لعمال المنشأة جميعاً بغير نظر لقبيلة أو عرق أو نوع أو مذهب. فما بلغت نقابة السكة الحديد بابنوسة وواو حتى دخل فيها مستخدموها من البقارة والجنوبيين بنعمة الله إخوانا. لم نترك للاشرار ثقافتنا العربية الإسلامية يسومون الآخرين العذاب بها. لقد وقفنا دون حياض إنسانيتها نذود عندها "لنا الصدر دون العالمين أو القبر".
    وكنا نريد للجنوبيين عند التصويت أن يستصحبوا، بجانب بعض ما بالغ فيه الوراق من ضروب أذاهم، المعاني العربية الإسلامية الغراء التي اسهدتنا لثلثي قرن وما تزال. وقدوتنا كان أستاذنا عبد الخالق محجوب. قيل لنا "أولاد الزبير باشا". فقال في مؤتمر المائدة المستديرة(1965) نحن لا ندفن رؤوسنا في الرمل من تاريخنا ولكن صار لاولاد الزبير حزباً شيوعياً.
    ابو الزفت!


    [email protected]






















    نقلا عن سودانايل
                  

01-25-2011, 05:10 PM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: mohmmed said ahmed)

    الحاج وراق: ديمقراطي على مسوؤلية أربابه ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
    الثلاثاء, 25 كانون2/يناير 2011 06:28

    لم أعد اطيق قراءة ما يخطه الأستاذ الحاج وراق. وجدت قلمه منذ جنح نحو الحركة الشعبية قد نزل في إجازة طويلة عن نقدها واغلظ في نقد سواها. فحتى مقاله "القائد لا يتحول إلى ديوث"، الذي قاضاه جهاز الأمن بسببه، هو طلاء علاقات عامة يزين لسحب الحركة للأستاذ ياسر عرمان من سباق الرئاسة. بل ربما احتاج له وراق نفسه بمثابة العزاء عن مصرع حملة إنتخابية "ولدة نجاح" كان هو أحد أركان حربها. زعم وراق في المقال أن عرمان انسحب لأنه لا يريد أن يكون طرفاً في انتخابات مزورة. فهو قائد وليس ديوثاً. ولا ادري كيف جاز لمثل من هو في خبرة وراق وقوة عارضته وذوقه الترويج لمثل هذا الزعم ًالباير.
    عادني هذا الخاطر وأنا أقرأ لوراق مقتطفاً من كلمة له ب "حريات" في مناسبة إدلاء الجنوبيين باصواتهم في استفتاء تقرير مصيرهم. فوجدته لا يكترث ل "وزنة بلوفة" القلم التي هي سمت الكاتب. وجاء فيه بتاريخ أحادي الجانب للعلاقة بين الشمال والجنوب. وهو التاريخ الفاسد الذي ذاع عن الشماليين (بلا فرز) في دوائر معارضة الإنقاذ. وهو تاريخ أعدى أهله ب"عقدة الذنب الليبرالية" بإخجالهم من تاريخهم جملة واحدة وحتى النخاع. ومعروف أن هذه العقدة أوسع الأبواب لعقم السياسة لأن المصاب بها يتعاطي الآخر ، الجنوبي في حالنا، بوصاية وشفقة.
    ووجدت إناء وراق ناضحاً بهذه العقدة الليبرالية. قال مخاطباً الجنوبيين حال توجههم إلى صناديق الاقتراع للتصويت ما يلي:
    ( اذ تتوجهون اليوم الى صناديق الاقتراع, فاننا نعلم بانكم تصوتون وطائرات الانتنوف التي تقصف المستشفيات والمدارس ودور العبادة تتراءى في مخيلتكم ، وسنوات المنافي والشتات تثقل على افئدتكم ، ومرأى القرى المشتعلة والاشلاء المبعثرة يطفر الدمع في عيونكم ، وملايين الضحايا من الاعزاء والاحباب تطوف اخيلتها بكم , اننا كديمقراطيين شماليين نعلم بكل تلك الفظائع ، ونقر بانها ارتكبت باسم ثقافتنا , ونحن الآن نبرأ منها ونعتذر عنها ، ونتفهم كيف ان التصويت اذ يتم في هذه الظروف الطاردة والبغيضة فانه ليس بين الوحدة والانفصال وحسب ، وانما كذلك بين الكرامة والمهانة).
    لولا أنني ووراق شركاء في "ديمقراطي" بإيحاءاتها اليسارية ، لما اكترثت لما كتب لأنني منصرف منذ زمن لوقف ضخ هذا التاريخ الرديء في منبعه عند منصور خالد. ولا أدري كيف ساغ لوراق أن يفترض فينا، نحن معشر الديمقراطيين، الغفلة عن محنة الجنوب حتى خلا الجو لأشرارنا فارتكبوا الموبقات باسم ثقافتنا. فحقيقة الأمر أننا نازعنا شرارنا في ثقافتنا بنفثنا فيها من روح العصر وفكره فصارت حفية الأكناف بالاخر إرثاً وحاضراً: الجنوبي والمرأة والشباب والمستضعفين قاطبة. لقد سهرنا عليها تتفتق بصبر عن منظمات حديثة جامعة مانعة تأوى إليها الإلفة السودانية الناشئة. فالنقابة لعمال المنشأة جميعاً بغير نظر لقبيلة أو عرق أو نوع أو مذهب. فما بلغت نقابة السكة الحديد بابنوسة وواو حتى دخل فيها مستخدموها من البقارة والجنوبيين بنعمة الله إخوانا. لم نترك للاشرار ثقافتنا العربية الإسلامية يسومون الآخرين العذاب بها. لقد وقفنا دون حياض إنسانيتها نذود عندها "لنا الصدر دون العالمين أو القبر".
    وكنا نريد للجنوبيين عند التصويت أن يستصحبوا، بجانب بعض ما بالغ فيه الوراق من ضروب أذاهم، المعاني العربية الإسلامية الغراء التي اسهدتنا لثلثي قرن وما تزال. وقدوتنا كان أستاذنا عبد الخالق محجوب. قيل لنا "أولاد الزبير باشا". فقال في مؤتمر المائدة المستديرة(1965) نحن لا ندفن رؤوسنا في الرمل من تاريخنا ولكن صار لاولاد الزبير حزباً شيوعياً.
    ابو الزفت!


    [email protected]






















    نقلا عن سودانايل
                  

01-25-2011, 05:17 PM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: mohmmed said ahmed)

    وكنا نريد للجنوبيين عند التصويت أن يستصحبوا، بجانب بعض ما بالغ فيه الوراق من ضروب أذاهم، المعاني العربية الإسلامية الغراء التي اسهدتنا لثلثي قرن وما تزال. وقدوتنا كان أستاذنا عبد الخالق محجوب. قيل لنا "أولاد الزبير باشا". فقال في مؤتمر المائدة المستديرة(1965) نحن لا ندفن رؤوسنا في الرمل من تاريخنا ولكن صار لاولاد الزبير حزباً شيوعياً.
    ابو الزفت!

    المعانى العربية الاسلامية

    هل اسهدت عبد الخالق محجوب

    المعانى العربيةالاسلامية اصبحت تسهد عبد الله على ابراهيم مؤخرا
    فيا زول افرز عيشتك
                  

01-25-2011, 05:28 PM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: mohmmed said ahmed)

    في السادس عشر من يناير الجاري أي غداة انتهاء التصويت على الاستفتاء على حق تقرير مصير السودانيين الجنوبيين، خاطب النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب الفريق أول سلفاكير مياردت المصلين في كاتدرائية القديسة تريزا للكاثوليك في جوبا عقب قداس الأحد، وفي خطابه دعا الجنوبيين إلى مسامحة الشماليين على الحروب التي خاضوها ضدهم وأضاف "من اجل اشقائنا وشقيقاتنا الذين فقدناهم، وخصوصا الذين رحلوا عنا خلال المعارك، ليباركهم الله وليعطهم الراحة الابدية، اما نحن فعلينا مثلما فعل السيد المسيح على الصليب ان نغفر للذين تسببوا في قتلهم".عندما نقلت وسائل الإعلام هذا الخبر أقامت الأقلام الموالية للمؤتمر الوطني الدنيا ولم تقعدها!! واعتبرت أن تصريحات السيد سلفا كير استفزازية للشماليين وهاجمته على هذا الأساس!!
    في اليوم التالي لهذه التصريحات طالعتنا صحيفة الرأي العام بعمودين للأستاذين راشد عبد الرحيم ومحمد عبد القادر، محمد عبد القادر روى رواية مفجعة عن جدته التي رزئت بفقدان ابنها البكر الذي كان (ركازة البيت) وكانت تجهز لعرسه فقتله الجنوبيون في أحداث توريت مطعونا محروقا، وراشد عبد الرحيم روى رواية أخرى عن خالته التي نزع جندي جنوبي ابنها ذي العشرة أشهر حتى فارق الحياة في ذات الأحداث، وذلك في سياق استنكارهما لدعوة السيد سلفاكير الجنوبيين لمسامحة الشماليين، وكأن السيد سلفا كير أو أي واحد من أبناء شعب الجنوب ليست لديه قصص وروايات مماثلة بل أكثر بشاعة وقسوة عن أقارب قتلوا أوأحرقوا أحياء أو تشتت شملهم بعد أن أحرقت قراهم وهذا على مدى سنوات الحرب التي استغرقت أكثر من عشرين عاما وليس يوما أو بعض يوم كأحداث توريت! الجنوب كان هو مسرح القتال وبداهة كانت المعاناة فيه أطول عمرا وأفتك أثرا وعدد ضحاياه لا يقارن بعدد الشماليين، فليس هناك أساس للمقارنة أصلا، ولكن العنصرية المستوطنة في نفوس البعض تفقدهم الإحساس بعذابات الآخرين،
    الكاتبان جعلا تاريخ العلاقة بين الشمال والجنوب يبدأ في أحداث توريت عام 1955 ، وهي الأحداث التي تعرض فيها عدد من المدنيين الشماليين الأبرياء للقتل والتنكيل، وقتل الأبرياء والتنكيل بهم أمر لا يمكن تبريره أو اللجلجة في إدانته واستنكاره، ولكن الفاجعة أن الكاتبين استدعيا تلك الأحداث وجعلا عقارب الساعة تتوقف عندها بحيث تكون هي الحدث الضخم الكبير الذي حدث دون مقدمات تاريخية قادت إليه، وبقي هو الحدث الوحيد فلم تعقبه أحداث أخرى أكثر ضخامة ومأساوية منه، في عملية تجهيل وتضليل وتزييف مكتملة الأركان هدفها تحويل الشمال بصورة دراماتيكية إلى ضحية مظلومة ومجني عليها وتبرئته من كل خطأ طيلة تاريخ العلاقة بين الشمال والجنوب،هل يليق بمن منحوا أنفسهم الحق في ممارسة التأثير في الرأي العام وبالتالي المساهمة في صياغة الوعي السياسي والاجتماعي أن يفسروا أحداث توريت بأنها مجرد حقد جنوبي هبط من السماء وليست له جذور تاريخية ومسببات اجتماعية! هل يستقيم عقلا وعلما وخلقا ودينا الحديث عن هذا الحقد دونما إشارة ولو عابرة إلى مؤسسة الرق التي عرفها المجتمع السوداني وهي السبب المسكوت عنه في تسميم العلاقة بين الشمال النيلي والوسط المستعرب وبقية شعوب السودان ذات الأصول الزنجية؟! لا سيما أن هذه المؤسسة(مؤسسة الرق) ذات ثقافة متكاملة في تحقير الآخر القادم من الجنوب أو الغرب أو جبال النوبة، ثقافة لها مفرداتها القبيحة وأمثالها السقيمة الحية حتى الآن، ووعي أهل الشمال والوسط لم يتحرر من أسر مفاهيم هذه المؤسسة، بل إن منهم من يمجد الزبير باشا وهو نخاس كبير، ويرى فيه بطلا قوميا! وفي عاصمتنا شارع باسمه فهو الشجاع المقدام الذي حضر (العبيد) وجيشهم للدفاع عن بيضة الإسلام! الدكتور منصور خالد في سفره الرائع (جنوب السودان في المخيلة العربية: الصورة الزائفة والقمع التاريخي) علق على هذا الموقف من الزبير باشا بقوله:"هي نظرة ظلت تتملك فكر أهلنا في الشمال، بمن في ذلك الثقاة العارفين منهم، من أولئك الأستاذ العالم عبدالله الطيب الذي لم يجد له طللا يتوسل به في بكائيته على ضحايا أحداث الجنوب في الخمسينات غير قبر الزبير: ألا هل درى قبر الزبير بأننا/ نذبح وسط الزنج ذبح البهائم) هذا البيت من الشعر هو الفصل الأخير في رواية أحداث توريت وهو فصل مهم بدونه لا يمكن فهم الفصول الأخرى !
    وإمعانا في الاستعلاء(الإنقاذي) الأجوف كتب الأستاذ محمد عبد القادر في ذات عموده البائس (لقد كان الشمال متسامحاً معكم سيد سلفا كير للحد الذي وضعكم فيه على أعتاب دولة جديدة، واقتسم معكم (الملح والملاح) وصنع لكم التشريفات وصولجان الرؤساء و(أبهة) الحاكمين، ولكنه للأسف لم يجد منك إلاّ الجحود ونكران الجميل)!!
    الذي وضع السيد سلفاكير وشعبه على أعتاب الدولة الجديدة هو كفاحهم المسلح لأكثر من عشرين عاما، والذي ضمن لهم قسمة(الملح والملاح) وصولجان الرؤساء وأبهة الحاكمين هو جيشهم الذي عضوا عليه بالنواجذ! ورحم الله الشهيد جون قرنق الذي وقف( ألف أحمر) أثناء المفاوضات في قضية الاحتفاظ بجيشه! ولو لم يفعل ذلك لذهبت (نيفاشا) في طريق (أديس أبابا) أو (اتفاقية الخرطوم للسلام)، ولاحتل حق تقرير المصير موقعه في سلسلة نقض العهود والمواثيق! ولا أظن أن محمد عبد القادر غافل عن حقيقة حزبه الذي(يخاف ولا يستحي) ولا يعرف معنى التسامح وقسمة(الملح والملاح الوطني) إلا تحت ضغط السلاح والعصا الأمريكية الغليظة!! ولكنه كإنقاذي لا بد أن يبخس الناس أشياءهم!
    وبذات منهج راشد عبد الرحيم ومحمد عبد القادر كتب الأستاذ عبد المحمود نور الدايم الكرنكي بصحيفة ألوان عدد الخميس 20 /يناير الجاري ساخرا ومستنكرا تحت عنوان (غرائب دولة الجنوب الانفصالية: سلفاكير كتر خيرك وبارك الله فيك)، في مقالته هذه كسرعنق الحقيقة ونفى تماما أن تكون هناك عنصرية في الشمال ضد الجنوب، وذكر قائمة طويلة تضم أسماء لجنوبيين تخرجوا من الجامعات السودانية واستفادوا من منح دراسية وردد مزاعم جوفاء عن تنمية الشمال للجنوب وعلى هذا الأساس طالب الجنوبيين بتقديم الشكر الجزيل لحكومات الشمال على التنمية والتعليم!! شكر على ماذا؟ هل الجنوبي في السودان لاجئ أجنبي عليه أن يشكر الدولة المضيفة على خدماتها؟ وأية تنمية هذه التي لا ترى بالعين المجردة في الجنوب الذي يبدأ الآن من تحت الصفر بسبب الإهمال المتطاول له؟ ولماذا لم يشكر الكرنكي واخوته الإسلاميون الشعب السوداني الذي علمهم مجانا فكان ردهم للجميل بعد أن حكموا هو إلغاء مجانية التعليم، والعجب العجاب في مقالة الكرنكي هو قوله ان(تصريحات سلفاكير عن (المسامحة) تبني سور الصين العظيم من الكراهية ليفصل بين الجنوبيين والشماليين إلى الأبد)!!! كيف تبني دعوة مسامحة سور كراهية؟
    بأي منطق إنساني وأخلاقي دعوة السيد سلفا كير لشعبه إلى التسامح ونسيان الماضي هي دعوة نبيلة وكريمة إذ ان شعبه هو الخاسر الأكبر من الحرب الأهلية، ولا يمكن أن يتناطح كبشان حول ان شعب الجنوب هو من دفع القسط الأكبر من فاتورة الحرب اللعينة أرواحا تحسب بمئات الآلاف ومجتمعات دمرت بالكامل ونزوحا مرا وتشردا قاسيا، ولا يمكن لأي منصف أن يقارن خسائر الشمال بخسائر الجنوب لا كما ولا كيفا! وبالتالي فإن المنطق الإنساني والأخلاقي يقتضي أن يتقدم الشمال بالاعتذار ويطلب الصفح والسماح، وهذا الواجب من المفترض أن يبادر بتأديته المستنيرون من أهل الشمال ولا سيما الذين يعملون في الفضاء الإعلامي بحكم مسئوليتهم المباشرة عن الارتقاء بوعي عامة الناس والمساهمة في علاجهم من داء العنصرية والتعصب، وهو دور لا نتوقع من الأقلام الموالية للمؤتمر الوطني القيام به بحكم أن هذا الحزب هو النموذج الذي يجسد ثقافة الاستعلاء العنصري في الشمال في أكثر صورها سفورا ووقاحة، ولهذا السبب لم يكن مفاجئا أن تتناول تلك الأقلام دعوة السيد سلفاكير بصورة سلبية، ولكن المفاجيء حقا كان درجة العدوانية والعنف اللفظي الذي قابلت به تلك الأقلام دعوة التسامح التي وجهها السيد سلفا كير لشعبه ولم يوجهها للشمال ولم تتضمن أي سرد لمآسي أواجترار لمرارات!! لقد كنا نظن أن العنصرية المتأصلة في الشمال والتي تمثلها تلك الأقلام تقف عند حد رفض الاعتذار للجنوب ولكن لأن أهل المؤتمر الوطني دائما ما يفوقون سوء الظن العريض فقد فجعتنا أقلامه بأن عنصريته لا تقف عند حد رفض الاعتذار بل تتجاوز ذلك إلى مطالبة الضحايا بالاعتذار لجلاديهم الذين استرقوهم واضطهدوهم وقتلوا منهم مئات الآلاف وأحرقوا قراهم وجعلوا من قتلهم سببا لدخول الجنة! ليس هذا فقط بل إن أحد أسباب انفجار تلك الأقلام بهذه الصورة الهستيرية أمام دعوة السيد سلفاكير هو استنكار أصحابها (لا شعوريا) لأن يمارس الجنوبيون إنسانيتهم! يتذكرون الأرواح التي فقدوها ويحزنون ثم يقررون بمحض إرادتهم بحكمة ووعي يتطلع للمستقبل مسامحة القتلة في تفوق أخلاقي حاسم على هؤلاء القتلة الذين ظلوا يكابرون ويمتنعون عن مجرد الاعتراف بأخطائهم في حق الآخرين ناهيك عن السعي لتصحيحها، فهؤلاء لا يحتملون رؤية الجنوبي يقرر شيئا ما حتى لو كان هذا الشيء مسامحة جلاده!! لذلك يكثرون من عبارة(من يسامح من؟) و(من يعتذر لمن؟) لأن الشمال في نظر هؤلاء العنصريين مبرأ من كل عيب ومن كل خطيئة، وتهميشه للآخرين وممارسته للاستعلاء عليهم وازدرائهم على أسس عرقية هو ناموس طبيعي وبداهة يجب أن يتقبلها هؤلاء الآخرون ليس من حق أحد مجرد الاعتراض عليها ناهيك عن ان يحمل سلاحه ضدها متمرادا! أما مطالبة الشمال بالاعتذار فهي جريمة! وإذا بادر الجنوب وفكر في أن يسامح فهذه جريمة أكبر لأن مجرد الحديث عن المسامحة يتضمن اتهاما للشمال بأنه أخطأ في حق الآخرين وتعالى الشمال عن ذلك علوا كبيرا!! فالشمال لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه!! هذه هي الذهنية العنصرية وهذه هي طريقة تفكيرها، ولن يغير من حقيقتها مزاعم الأستاذ / راشد عبد الرحيم حول محبته لاخوته الجنوبيين فهو لا يحبهم كاخوة أنداد بل يحبهم كما يحب الرجل (أشياءه) التي ليس من حقها أن تفكر أو تغضب أو(تسامح)!! هنيئا للزبير باشا بأحفاده الذين يستحضرون روح تجارته البائدة من حين لآخر في أعمدتهم الصحفية التي تخاطب أهل القرن الحادي والعشرين!

    rasha awad awad [[email protected]]























    مقال لرشا عوض
    مع
    الكرنكى
    راشد عبد الرحيم
    محمد عبد القادر

    اعضاء المؤتمر الوطنى
    يكتب عبد الله على ابراهيم
    رافضا فكرة سلفا كير حول التسامح
                  

01-25-2011, 05:47 PM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: mohmmed said ahmed)

    بالرغم من انحيازه من حين لآخر لتاريخه الشيوعي القديم خاصةً عندما يجد بعض الإشراقات في التجربة الشيوعية السودانية مما يتفق مع رؤاه الحالية وبالرغم من تنصيبه عبد الخالق محجوب أستاذاً له على الدوام إلا أن هناك التزاماً أخلاقياً لا تخطئه عين المراقب لكتابات د. عبدالله علي إبراهيم يجنِّبه في كثير من الأحيان الانزلاق في شطط الخروج على الحقائق التاريخية فعلاوة على تصدِّيه للفريق سلفا كير حين استدعى أحداث تمرد توريت ونفض عنها الغبار وأعلن عن الاحتفال بها كل عام بالرغم من الجرح النازف الذي خلّفته في ذاكرة الشمال وشعبه فقد تصدّى د. عبدالله علي إبراهيم كذلك للواء جوزيف لاقو حين رمى كل دائه على الرئيس الأسبق نميري وانسلّ كما الشعرة من العجين فيما يتعلق بتعديل اتفاقية أديس أبابـــــا التــــــــي وُقِّعت عام 1972م، فقد دُهش د. عبدالله كما دُهشنا جميعاً للكذب الصراح الذي جعل لاقو يقول بجرأة وتطاول على التاريخ «إذا كان نميري نفذ اتفاقية أديس أبابا لما جاء الاستفتاء» ونسب لاقو مقتل تلك الاتفاقية إلى الرئيس نميري الذي قال لاقو إنه خرج للجميع فجأة وألغى الاتفاقية»!!

    «الحفار» عبدالله علي إبراهيم حسب الاسم الذي سمّاه به الأخ صديق محيسي «رد الله غربته» حين نجح في إخراج الوثائق الأمريكية التي تثبت عمالة منصور خالد لأمريكا مما كتبنا عنه سابقاً... أقول إن د. عبدالله حفر مجدَّداً وأخرج كتاباً ألّفه جوزيف لاقو بعنوان «اللا مركزية ضرورة للمديريات الجنوبية دعا فيه إلى «استفتاء لتعديل الاتفاقية ليصبح الجنوب ولايات بدلاً من إقليم واحد وفحواه أن يُعاد تقسيم الجنوب لأن شعب الدينكا سيطر عليه عن طريق حكومة الإقليم الجنوبي الواحدة فظلم الآخرين»!!

    المهم هو أن لاقو كعادة النخب الجنوبية مثل أبيل ألير وباقان وسيده قرنق وغيرهم ممن ظلوا يتهمون الشمال بخرق العهود وظلم الجنوب في حين ظل الشمال صامتاً لا يدافع عن نفسه أو يتصدى لتزوير التاريخ الذي ظلت النخب الجنوبية تمارسه... أقول إن لاقو نسي تماماً أنه هو الذي أوعز لنميري بخرق الاتفاقية التي كان هو من وقَّعها ودعاه بقوة لفعل ذلك كما أبان د. عبدالله.

    قبل أن أواصل الحديث عن لاقو أرجو أن أعبِّر عن إعجابي بانحياز د. عبدالله إلى المسيرية الذين تنكّرت لهم قبيلة اليسار المتعاطفة على الدوام مع الجنوب والحركة الشعبية على حساب موطنهم الشمال وبني جلدتهم وهل كان اليساريون من قديم إلا كذلك حين هاجروا إلى فكر غبي وميت اخترعه مفكرٌ ميت وملحد ذو جذور يهودية هو ماركس وتركوا دين الله الحي القيوم تنكراً لمعتقدات أهليهم الذين مارسوا عليهم استعلاء فكرياً وثقافياً أوردهم موارد الضلال والهلاك؟!

    فقد سلق د. عبدالله د. عمر القراي بلسان حاد وجهّله تجهيلاً ثم سخر من منصور خالد الذي لم يكن شيوعياً بل أمريكياً فقد قال منصور خالد «إن المسيرية من قبائل الشمال التي وجدت نفسها في أتون حرب لم تشنّها ابتداءً ولم تجنِ فائدة منها في النهاية» وليت منصور خالد نظر إلى نفسه وتاريخه هل هو الذي شنّ حرب الحركة الشعبية على الشمال ابتداءً أم انساق إليها كما العملاء انسياقاً ثم ماهي الفائدة التي جناها من الحرب التي شنّها على أهله وعشيرته ووطنه؟!

    لا يفوتني كذلك أن أشير إلى مرافعة د. عبدالله علي إبراهيم التي أبان فيها عوار وجهل اليساري العلماني العريق أمين مكي مدني صاحب التاريخ الحافل بالعداء لمدرسة الإسلام وفكره الرباني فأمين الذي يدّعي العلم بالقانون حاول أن يلوي عنق الحقيقة حين دافع عن منح الجنوبيين الجنسية المزدوجة حتى بعد أن قرروا الانفصال فتصدّى له د. عبدالله ومرمطه في التراب وأبان ضعف حجته مستشهداً ببعض التجارب العالمية التي حدث فيها انفصال حيث لم تُمنح الجنسية المزدوجة لشعبي البلد الذي كان يضمهما وذكر نموذج تشيكوسلوفاكيا وجزر الهند التي كانت مستعمَرة لفرنسا.

    أرجع لجوزيف لاقو الذي عمل مستشاراً للإنقاذ إبّان الصراع والحرب بين الحركة الشعبية والقوات المسلحة السودانية وكان من مساندي الرئيس خلال حملته الانتخابية الأخيرة لكنه سرعان ما قلب للشمال ظهر المجنّ بمجرد أن عُيِّن مستشاراً لحكومة الجنوب وصار حرباً على الشمال يهجوه آناء الليل وأطراف النهار.. اسمعوا له أو اقرأوا ما يقوله عن الشمال: «نحن اكتوينا بنار الاستعمار الإنجليزي والشمالي طويلاً ولن نسمح للعرب الشماليين باستعمارنا من جديد»!! يستعمرونكم يا مفتري بعد كل التدليل والمعاملة الكريمة التي غمروكم بها؟!

    إنها نفس اللغة التي تقيأها بوث ديو عام 1948م عندما قال لو كنت شمالياً لانتحرت.. نفس اللغة والحقد العنصري الذي فجّر أحداث توريت وأشعل التمرد عام 1955م أي قبل خروج الإنجليز من السودان ونفس الحقد الذي فجّر أحداث الإثنين الأسود في الخرطوم بعد 50 عاماً من أحداث توريت في عملية تطهير عِرقي ضد الشماليين شبيهة بأحداث توريت وأحداث الأحد الدامي عام 1964م في قلب الخرطوم وسلسلة المذابح التي أجهضت وأفشلت جميع الاتفاقيات المبرمة بين الشمال والجنوب على مدى نصف القرن الماضي.. تلك المشاعر التي تغافل عنها السياسيون جميعاً وتنبه إليها منبر السلام العادل وهو يضع رؤيته التي خرج بها على المشهد السياسي السوداني لحل مشكلة العلاقة المأزومة بين شعبي الشمال والجنوب والتي سمّى فيها إقرار تقرير المصير بعودة الوعي الذي جاء متأخراً وكان ينبغي أن يأتي عشية الاستقلال.

    لقد كشف منبر السلام العادل الحقيقة المُرة.. حقيقة أنه من المستحيل أن تجمع بين الشحمة والنار والقط والفار والليل والنهار في عش زوجية هانئ وسعيد ولذلك كان لابد من الحرب التي لا يمكن أن تُطفأ ما لم يحدث الانفصال.. بل إن المنبر كشف القناع عن حقيقة أن الجنوب لم يختَرْ في يوم من الأيام التوحُّد مع الشمال وأبان أن مؤتمر جوبا المنعقد عام 1947 قد زُوِّر.

    مبروك على د عبد الله
    كتاباته بقت تعبر عن الطيب مصطفى
                  

01-26-2011, 00:25 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: mohmmed said ahmed)

    الأخ محمد سيد أحمد السلام والرحمه

    ألم تقرأ المقوله الفلسفيه (أنك لا تدخل البحر مرتين) أو ما معناه_
    ألا تدرى بأن فى كل جزء من الثانيه يغمرك بحر آخر عزيزى الأستاذ محمد
    سيد أحمد دكتور عبدالله على إبراهيم ليس بساكن منعتق منغلق متقوقع
    ولكنه إستاتيكي دايناميكى منفعل بعقله من معين المعارف وشموس التنوير
    الوضيئه وينبغى عندما نود أن ننقد فكره أن ننقده بكلياته وأن
    نبين مواطن الإيجاب وميع السالب فيه وأن لا نجزئ فكره ونغض الطرف عن
    البعض الآخر منه فكما قدم لنا دراسه عن منصور فنتمنى لمن يود نقده
    أن يقدم لنا دراسه متكامله عنه ويصنع لنا معرفه فعبدالله على إبراهيم
    مفكرا بأدوات تخصصه وحصيلة معارفه وذخيرة تجاربه وكذا الخاتم بأدواته
    الفلسفيه وتجاربه كما إن لمنصور خالد أدوات أخر وطرائق أخر وجميعهم
    قدموا لنا رصيدا زاخرا من المعارف لا بل مازال عبدالله على إبراهيم
    ومنصور خالد يطرحان ما تنفعل به العقول قبولا ورفضا فيا أستاذى محمد
    سيد أحمد أراك تلبس وجه حديد لكل ما يطرحه عبدالله دون أن تأتى بنقد
    عضم يعضد إحساسك ذلك تجاهه فأتنا يا أستاذى بورقة كالتى جاء بها الخاتم
    أو كالتى إستنسخها البطل من قول الخاتم حتى نكون على بينة من مصدر خلافك
    الفكرى معه وأن تصل إلى سمؤ نظره بأمان وتجرد وحياديه وبذاك تضيف لما
    قدم من نقد لدكتور عبدالله نقدا آخر ونكون نحن القراء لله قد وقفنا على ذلك
    ومتعنا به أنفسنا ولله أمر المقاصد ولك كل الود والسلام.



    منصور

    (عدل بواسطة munswor almophtah on 01-26-2011, 00:29 AM)

                  

01-26-2011, 05:42 AM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: munswor almophtah)

    سلام المفتاح كالعادة انبريت للدفاع عن عبد الله
    لا نعبر النهر مرتين
    ولكننا لا نغير جلودنا كل مرة

    لا نعبر النهر مرتين


    لكننا لا نكيل بمكاليل متعددة

    الاتساق سمة من سمات المفكر الاصيل
    وعبد الله حيرنا
    باخذ على الحزب الشيوعى ماخذ عديدة
    ويكيل له اتهامات بالحق والباطل
    يسخر من قادته ويشبه التجانى الطيب بالرجل الفسل
    ويقول متجينيا ان عبد الخالق محجوب لم يكن ضد تطبيق الشريعة الاسلامية
    وانه اى عبد الخالق مع انفصال الجنوب

    ثم ياتى ليسبح بماثر الحزب الشيوعى فى الدفاع عن قضايا الجنوب

    مصدر خلافى الفكرى مع عبد الله
    فى ترويجه لفكرة سيادة ثقافة واحدة على باقى ثقافات واعراق الوطن



    اخيرا يا مفتاح

    زول بيشكرو الطيب مصطفى
                  

01-27-2011, 07:10 AM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: mohmmed said ahmed)

    أحب أولا أن أعبر عن شكري الجزيل للأخ عبد المنعم عجب الفيا، على وضعه لفكر صديقنا الدكتور عبد الله علي إبراهيم، في بؤرة الضوء، سواء محاضرته في أبوظبي التي نشرها عجب الفيا في هذا الموقع بعد نيل موافقة المحاضر على سلامة النص، وهو تقليد حميد اقتضته الأمانة ، أو ورقته بعنوان تحالف الهاربيين حول «مدرسة» الغابة والصحراء، أو كتاباته اليومية في الصحف السودانية. وبالطبع فإنني أوافقه على المجرى العام لحجته الراجحة كما يتضح من مداخلتي الحالية.
    وأبدأ بأن هناك إختلال أعتبره جوهريا في نقاش أفكار عبد الله على إبراهيم، هو غياب الرجل نفسه عن ساحة الحوار. وهو غياب بغير حجة على ما أعتقد، لأن عبد الله، حسب ما ذكر في هذه المحاضرة وفي مواضع غيرها، مطلع على ما يدور في الإنترنت، وخاصة حول أفكاره وآرائه، وقد شاء مرة أن يرد عليها بصورة غير مباشرة في موضع غير موضعها. غياب عبد الله عن المحاورة يشعر بعض المشاركين فيها أنهم ربما يخرقون قواعد « الفروسية الفكرية» إذ ينازلون رجلا لا ينافح عن نفسه بما يملك من العدة والعتاد، بل ربما يشعر آخرون بأنه ألقى سلاحه وهرب من ميدان المعركة كليا. وهذا الغياب نفسه هو الذي دفع آخرين، لا يتفقون تماما مع عبد الله، إلى تبني قضيته، وربما بحماس أكثر من حماس صاحبها نفسه، وهذا يجلب التشويش أكثر مما يحقق الوضوح الذي هو بغية الجميع. وقد وصفت نصوصه بأوصاف ربما توحي إلى البعض بأنهم غير مؤهلين بصورة ما لمناقشتها، وتحت مثل هذه الأوصاف ترقد أنواع من المجاملة أو الغفلة، بل حتى المبالغة والتخويف، لا يبررها لعبد الله، ماضيه أو حاضره.
    من أجل تلافي هذا الخلل الذي أشرت إليه أرجو أن نوجه الدعوة لعبد الله أن يشارك في التوضيح والشرح والرد، والدفاع، عما طرحه هنا من آراء، حتى نصل إلى نتيجة ما، بضمير مرتاح وشعور وافر باللياقة الفكرية.
    النص المقدم هنا يصعب أن يطلق عليه مصطلح المحاضرة، فهو ينطوي على إهمال كبير وارتجال فتك بالإبانة فتكا غير رحيم، كما به من التهافت من حيث البناء المنطقي ما قل أن نجده حتى في نصوص العوام. وهي أمور يمكن إقامة الدليل عليها بالإقتطاف المباشر من النص المبذول بين يدينا، والذي تشهد كل عبارة فيه تقريبا على ما نقول. وربما يغريني توفر مثل هذه الأمثلة بكثرة جالبة للملل، على تتبعها وإبرازها، ولكني لا أريد أن أسير في هذا الطريق. أولا لأن فطنة القراء لا تحوجني إليه، وثانيا لأنني مهتم بالمفهومي في نص عبد الله، حتى وإن توارى تحت عويش من الكلام، أكثر من طريقته في التعبير عنه. ولن أتعرض للتعبير إلا في إطار ما أراه فضحا للمفهوم الثاوي تحت طياته.
    أستطيع أن ألخص أهداف محاضرة عبد الله، مع تحفظي حول الإسم، فيما يلي:
    • نحن في السودان الشمالي ننتمي إلى الثقافة العربية الإسلامية، وهي سوية يمتنع معها التمييز بين أي شمالي أو آخر، سواء كان يساريا أو يمينيا، حاكما أو معارضا، غنيا أو فقيرا، مجاهدا من أجل المشروع الحضاري، أو مناضلا من أجل السلام، مشردا عن الوطن أو ناهبا لثرواته، قاهرا لشعبه أو خارجا ضد ذلك القهر، داعية للدولة الدينية أو مناديا بالدولة العلمانية. كلنا سواء: إذا ارتكب قادة الحكومات المتعاقبة، الديكتاتورية اوالديمقراطية، أخطاء قاتلة في حق الوطن، فإننا نكون كلنا قد ارتكبنا تلك الخطايا حتى وإن كانت ضدنا. إذا شن عبود والصادق المهدي وعمر البشير الحرب ضد الجنوبيين فإننا نكون كلنا قد شننا تلك الحرب حتى وإن عارضناها. أيادينا ملطخة بالدماء حتى وإن لم يطرأ لنا يوما أن نقتل احدا ولو في الأحلام. وعقابنا جميعا واحد لأننا مشتركون كلنا في الجريمة وبنفس المستوى. ولذلك فإن مصلحتنا الشخصية، مصلحة كل واحد منا هي ألا يطالب بعقاب أحد لأنه ارتكب ذنبا في الجنوب لأن العقاب سيطالنا جميعا.
    • يقول عبد الله في تسويقه لفكرته السابقة: « أصبحت السياسة تتكلم عن قطاع عريض، تتكلم الآن مش عن حزب كذا وحزب كذا، ومن أخطأ في حق الجنوب. وإنما بتتكلم عن قطاع، عن « ريس»، عن عنصر، ودا مهم لأنو دي الوقت بداية دخول فكرة الريس، العنصر، يعني في تناولنا وفي نظرنا الثقافي والسياسي، يعني نحن كنا بنتكلم عن والله الخطة بتاعت الجمهوريين هي كانت أفضل عن الجنوب وإنو مثلا اليسار كان أحنى بالجنوب، اليسار الشمالي، والجمهوريين الشماليين. لكن السيد الصادق والنظر العام دي الوقت يقول نحن الشمال السوداني، تتعدد اللافتات والشمال السوداني واحد. ودا مهم لأنو نحن دي الوقت بنتكلم عن ريس، كمدخل لدراسة التعقيد الجاري في السودان ودا بزيل المزاعم الخاصة للجماعات السياسية الشمالية من اليمين إلى اليسار إلى الوسط على أنها هي الفرقة الناجية في مسألة الجنوب: أنا أحسن من ديل، أنا كنت قدمت الفكرة الفلانية والموقف الفلاني وكذا وكذا.»
    • الفكرة الثانية المرتبطة بهذه هي أن ما قامت به الجبهة الإسلامية في الجنوب ليس أسوأ مما قامت به كل الأحزاب الأخرى وأن عذرها في ذلك هو الشفرة الثقافية المركبة فينا جميعا، وحقيقة أن القومية العربية الإسلامية خلقت وطنا أكبر منها وحررته بطريقة خرقاء ومأزومة.
    • يتبع من كون القومية العربية الإسلامية خلقت وطنا أكبر منها، وبصورة منطقية، أن تصغر وطنها ليتطابق مع ذاتها، وأن تترك ما عداه لمن لا ينتمي إليها، وهي دعوة إلى الإنفصال، يشارك عبد الله فيها عتاة العروبيين الإسلاميين وغلاتهم.
    • بعد أن يتساوى الوطن مع القومية العربية الإسلامية فإن الدعوة موجهة لنا جميعا لدخول برج الإنقاذ حتى وإن كنا نكرهه لأن دخوله يعني أننا لن نراه.
    وإذا كانت هذه هي القضايا الاساسية التي طرحها عبد الله في هذه المحاضرة، فما هي علاقتها بالثقافة؟
    الإجابة على هذا السؤال تدخلني إلى تكتيكات عبد الله في تسويق افكاره، وفي الإيحاء للكثيرين، من خلال هذه التكتيكات، وكما ظهر في تقديم الأخ محمد عبد القادر سبيل، بأنه عالم لا يشق له غبار، وأنه مؤلف للنصوص الكبيرة، وأنه علم من أعلام التنوير في بلادنا. وهي اوصاف تجانب حقيقة عبد الله مجانبة تكاد أن تكون كلية، وخاصة بعد أن سبق عليه كتاب الإنقاذ وزلزله نداؤها من ابواب الجحيم، وهو أمر سأوضحه في نهاية هذه المساهمة.
    التكتيك الأول: إخفاء الموقف السياسي المباشر في طيات الرطانة الثقافية، التي غالبا ما تكون خالية كليا من المعنى. فعندما أراد عبد الله أن ينفي حجج المعارضة السودانية في إدانة الإنقاذ لأجندتها العروبية الإسلامية الأصولية قال:
    « دا ما صحيح، الصحيح هو أنو نظام الإنقاذ مستل من شفرة في الثقافة ومن مستودع في الثقافة ومن دلالات في اللغة ومن دلالات في الثقافة بحيث إنو لربما كان الأخير في زمانه ولكن جاء بما لم تستطعه الأوائل من حيث البشاعة « ضحكة» لكن البشاعة، إذا شئت إنه في بشاعة أو أنو في عنف، أو في، هو مستل من شفرة أساسية وهذه الشفرة الأساسية زيادة على الثقافة العامة التي درجنا عليها، لكن تأسست بشكل أساسي في فترة الحركة الوطنية.»
    فهذا الحديث المكتسي جلال الثقافة خاو تماما من المعنى. فما معنى أن يكون الإنقلاب العسكري الذي نفذته الجبهة الإسلامية عن طريق التأمر يوم 30 يونيو، مستلا من شفرة ثقافية عربية أو غير عربية؟ الشفرة الوحيدة في إنقلاب الإنقاذ هي «سر الليل» الذي استخدمه الإنقلابيون في تلك الساعات الأولى من الصباح، وهي شفرة فشل في حلها أحمد قاسم فلقي حتفه صباح ذلك اليوم، رغم ما يحمله، حسب عبدالله، من شفرة ثقافية عربية أسلامية أصيلة. وهل يمكن الحديث عن شفرة ثقافية، كما نتحدث مثلا عن شفرة جينية؟ هل إندغمت الثقافة في مفاهيم عبد الله الحديثة جدا في البيولوجيا؟ ومن كان يملك تلك الشفرة: الترابي مجدد العصر، الذي هجره المفتونون به عندما فقد السلطة، أم علي عثمان الذي أكتشف البعض قرابتهم معه بعد أن آلت إليه الأمور؟ وهل الشفرة الثقافية العربية الإسلامية واحدة؟ بحيث يتساوى فيها محمود محمد طه وقاتلوه؟ هل كل مسلم هو بالضرورة أخ مسلم؟ ما هذا الحديث الفج عن الشفرات الثقافية، بينما المقصود معنى سياسي واضح هو الدفاع عن الإنقاذ وجرائمها.
    • لا يستخدم عبد الله الثقافة وحدها في الدفاع عن آرائه السياسية، بل يستخدم كذلك الهراء المحض. وأنا استخدم كلمة «الهراء» هنا، بالمعنى الذي استخدمها به أحمد بن الحسين، عندما فسر الهراء بأنه : « الكلام بلا معاني»:
    ولولا كونكم في الناس كانوا "هراء كالكلام بلا معاني"
    • . فلنستمع لعبد الله مرة أخرى وهو يحاول أن يدمغنا جميعا بما أقترفه نظام الجبهة الإسلامية من خطايا في حقنا، وأقصد نحن كجنوبيين وشماليين:
    « نحن كلنا إذا كنا سودانيين شماليين في هذا اللقاء، لنا إشكال في شفرة ثقافتنا، وفي رموز ودلالات لغتنا وفي شحناتها التاريخية وفي علاقاتها التاريخية بحيث أنه يصبح مفهوم الفريق الناجي ضئيل جدا. وبحيث تكون التبعة والذنب والخطأ هو الخيط الذي يصل بين الجماعات الشمالية كلها.» ولاحظ هنا أن الإستنتاج السياسي، وهو تجريم الجميع، واضح جدا ومقيل بلغة لا لبس فيها ولا غموض، لغة سياسية صافية، أما المبررات فهي الهراء المحض الذي لا معنى محددا له، والذي يلوذ بالشفرات والرموز والدلالات والشحنات.
    • لقد تساءلت بيني وبين نفسي: هل أنا مسؤول عن الجرائم التي حاقت بأهلي في الجنوب؟ هل ساهمت فعلا في قهرهم؟ بل هل توانيت في استخدام كل ما أملك من طاقات للدفاع عنهم من مواقعي؟ وأجبت بضمير مرتاح: أنني لست مذنبا. صادقت الجنوبيين والجنوبيات منذ نعومة أظفاري، لم أشعر بتفوق عليهم، وإن شعرت بتفوق الكثيرين منهم عليّ، ولم أحتج في ذلك إلى جهد كبير، لأنني تحررت من أوهام التفوق العرقي وأنا لم أشب بعد عن الطوق، في عام 1969 اقترحت في أتحاد طلاب جامعة الخرطوم أن نبعث لجنة لتقصي الحقائق في الجرائم التي ارتكبت ف الجنوب عامي 1965 و1966، وذهبنا في وفد من أربعة أعضاء في اللجنة التنفيذية، هم أبدون أقاو، وحاتم بابكر، وعبد الله حميدة وشخصي، وحققنا في جرائم الملكية في جوبا، وفي مذبحة العرس في واو، وهددنا مدير المديرية الإستوائية، يوسف محمد سعيد، بالسجن لأننا رفضنا لغته المسيئة ومفاهيمه النازية، وتضامنا مع صديقنا ورفيقنا أبدون أقاو، ضد تهجمه الشخصي. وعندما عدنا إلى الخرطوم عرضنا الحقائق الدامغة في مؤتمر صحافي غطته كل الصحف في اليوم التالي، وأصدرنا إدانتنا الدامغة للجيش السوداني و قيادته السياسية. وكنا نسعى إلى المواصلة لولا قيام إنقلاب مايو بعد ذلك بأقل من أسبوع. وفي 1970 ذهبت ضمن مجموعة كبيرة من أعضاء جمعيتي الثقافة الوطنية والفكر التقدمي إلى جوبا وواو وملكال، وعشنا مع الناس واقمنا الفصول للطلاب والاسواق الخيرية لصالحهم وحلقات محو الأمية للكبار، وساعدنا النساء والعمال على التنظيم وخرجنا من كل ذلك بصداقات باقية حتى نهاية العمر. صادقت أخوتي الجنوبيين في الجامعة، وصار «بيتر نيوت كوك» أعز أصدقائي وأعتبره عالما، ديمقراطيا، مثقفا، وقانونيا ضليعا، ضمن مثقفين وعلماء كثر يعج بهم هذا السودان. أيدت نضال الحركة الشعبية لتحرير السودان منذ أن إنشئت، وأشدت ببرنامجها ودافعت عنها في جميع المنابر دفاع من لا يلوك كلماته أو يخشي في نصرة الحق لومة لائم. وناديت في رفق من يفهم ظروفها، والتعقيدات المحيطة بها، والشروط التاريخية التي لا تملك منها فكاكا، وليس المتحامل عليها من مواقع التآمر السياسي مع الطغاة الأصوليين، إلى تحولها إلى حزب سياسي من حلفا إلى نمولي كما يعبر قادتهأ، واقمت مع هؤلاء القادة أنفسهم ومع أسرهم علاقات حميمة وقوية.
    • كيف إذن يحملني عبد الله علي إبراهيم بدوافع تواطئه المذموم مع الجبهة الإسلامية الخطايا التي ارتكبها القتلة والمجرمون والمهووسون في نظام الإنقاذ أو خارجه؟ وقد تحدثت عن نفسي هنا، ليس لتفرد موقفي أو شخصي، بل لإعطاء مثال محدد لا يستطيع عبد الله أو غيره أن ينازعني عليه. مع علمي أن موقفي هذا هو الموقف المشترك، وإن اختلفت التفاصيل، لمئات الآلاف من أبناء وبنات وطننا الكبير الذين لا يكنون لأخوتهم الجنوبيين سوى الإعزاز. وليس سرا أن عشرات الآلاف من أبناء وبنات الشمال قاتلوا في صفوف الحركة الشعبية طوال هذه السنين، وبلغوا في ذلك شأوا لم نبلغه.
    • هل معنى ذلك أن « الثقافة العربية الإسلامية» وحتى في أكثر صيغها رقيا، خالية من النزعات الإستعلائية، المحقرة للآخر والمقصية له من مجال الكرامة، أو حتى من مسرح الحياة نفسها؟ طبعا لا. ولكن القول بأننا جميعا مشتركون في هذه المفاهيم الحاطة من قدر الإنسان وكرامته، هو القول المرفوض والمردود في تهجمات عبد الله الغليظة علينا جميعا. شخصيا، لا أحمل من هذه النزعات شيئا كثيرا أو قليلا، بل سخرت عمري حتى الآن لمحاربتها ودفعت مستحقات موقفي. وهنا أيضا لا أتحدث عن تفرد شخصي، بل أريد أن أقيم الحجة على عبد الله بصلابة لا يستطيع أن يتخطاها أو يلتف حولها، وأعلم في نفس الوقت أن مئات الآلاف من أبناء السودان وبناته يحملون الموقف ذاته، ومنهم من يعبر عنه بعمق أكثر مما أستطيع، ويدفع مستحقاته بتحمل أقدار من الظلم لم تطالني بنفس الدرجة. كما أعرف أيضا أن عبد الله سار في هذا الطريق لبعض الوقت، وهاهو قد سبق عليه كتاب الإنقاذ، فتنكب ذلك الطريق، وصار يقبل من الثقافة العربية نفسها أكثر جوانبها معاداة للديمقراطية والإستنارة، وتغييبا للإنسان.
    • ليس صدفة أن عبد الله يتحدث عن شفرة ثقافية، غير عابئ بالخلط بين العلوم والتخصصات والفلسفات. فغرضه من ذلك تحقيق سوية غير متمايزة من الشماليين جميعا، ليسوقهم، بالتخليط والتشويش، وبالإبتزاز الصريح المستند إلى الجدار القمعي الحاكم في السودان، والمعتمد في المدى البعيد على مستودعات التجهيل التي أشاعتها الإنقاذ، إلى خطيئة واحدة، وثقافة واحدة ، وتاريخ غفل من الفعلة، وجرائم غاب مرتكبوها في سديم الشفرات. ولا يجد عبد الله صعوبة في كل ذلك، نتيجة للتشويش الفكري الذي يعاني منه هو شخصيا، لإفتقاره للأدوات الدقيقة التي تصنف المفاهيم وتحدد الدلالات وتزيل التناقضات.
    • ماهي هذه الشفرة الثقافية يا ترى؟ ما هي طبيعتها؟ كيف نفك رموزها ومن يملك تلك الرموز؟ أيملكها حسن عبد الله الترابي أم علي عثمان محمد طه أم البشير؟ أم يملكها عبد الله شخصيا ولا يريد أن يجود علينا بأسرارها؟ أمن ضمنها الأصولية الإسلامية والدولة الدينية، والحرب الممتدة، والتطهير العرقي والإسترقاق، وإضطهاد النساء والبتر والقطع والصلب والخلافة عن الله؟ أمن ضمنها الطغيان والدكتاتورية؟ أمن ضمنها النهب الإقتصادي والأثرة والأنانية والشراهة التي تغطي عوراتها بالنصوص المقدسة؟ أمن ضمنها تقسيم البلاد إلى حاكورات يملكها أهل الإنقاذ فيسدون أبواب الرزق على كل من عداهم من أهل هذه البلاد؟ أية شفرة يتحدث عنها عبد الله؟
    • يسهل على عبد الله أن يتحدث عن سوية غير متميزة، لأنه يعتقد أنه يمكن حتى الآن، أن نتحدث عن المجتمع، وهو هنا المجموعة الشمالية العربية المسلمة، في تصنيف عبد الله، وكأنها «جوهر» مستقل عن خصائصه! وهو في ذلك يتخطى إلى الوراء، وفي قفزات نكوصية مذهلة، إرث أكثر من ألفي عام من المنطق الفلسفي والعلمي، وتلك نقطة سنعود إليها في غير هذا السياق.
    • يهمني أن أقول هنا، أنني، ولإنتمائي لشعبي، لا أنتمي لمقولة عبد الله الذهنية حول «الجماعة العربية المسلمة»، بل أنتمي لهوية أوسع هي الشعب السوداني، المتمايز قوميا ونوعيا وطبقيا ودينيا وثقافيا، والذي يشد عراه مع ذلك إنتماء جامع إلى وطن واحد، نحاول أن نوسعه ليشمل الجميع ويحتفي بالجميع. المقولة الذهنية الخاصة بعبد الله، تقوم على فكرة هجرتها البشرية حاليا، هي فكرة النقاء العرقي، بل إن كل قرون إستشعار المخاطر المحدقة، تستيقظ وتدق أجراسها عندما تسمع من يردد هذه الفكرة التي تترتب عنها مناهج في التفكير أورثت البشرية اضرارا فادحة. وقد دفعنا ثمنها في السودان، قبل أن تجيئ حكومة الإنقاذ، ولكن حكومة الإنقاذ حملتها إلى نهاياتها الأكثر دموية وعنفا. وإن أي تحليل يحاول أن يطمس الحدود بين الإنقاذ وما عداها، ويساوي بينها وبين من سبقها، أو حتى يساوي بينها وبين من يحمل هذه الافكار نفسها ولكنه لم يشأ أن يطبقها أو لم يجد وسيلة لتطبيقيها، لهو تحليل معطوب ومتنكب للصواب. ولذلك فإن وضع عبد الله الطيب، أو الطيب صالح على سبيل المثال، في نفس معسكر الترابي والبشير، وإن حمل الرجلان بأقدار متفاوتة مفاهيم عروبية ذاهلة عن حقيقة شعبهما ونفسيهما، من الأخطاء المنهجية الكبيرة التي تورط فيها البعض دون أن يستبينوا الخطل فيما يزعمون.
    • إنتمائي للسودان كهوية جامعة لا ينفي بل يغذي، الإنتماء لهويات أصغر، شريطة ألا تتعارض تلك الإنتماءات، أو تلك الهويات الأصغر، مع المباديء الجامعة للجماعة السودانية، الشمالية الجنوبية الشرقية الغربية الوسطية، وهي مبادئ المساواة والعدالة والرفاه والكرامة والحقوق الإنسانية المملوكة ملكية جماعية. أي أنها لا تتعارض مع الإسلام المستنير، بل تتقف مع جوهره الخير الداعي للحرية، والمتصالح مع العلمانية، وحقوق الإنسان وكرامته. وما العلمانية سوى إدارة الناس لشؤون دنياهم بعيدا عن أي كهنوت. وهي بهذا المعنى حركة مجتمعات لا محيد عنها ولا مهرب منها، طالما أن المجتمعات تسير دون هوادة في إتجاه الإمساك بمصائرها، وإقامة بنائها على أساس من العدل والرشد. وهذا قول يحتاج إلى تفصيل لا يتسع له المقام الحالي. كما لا تتعارض مع المسيحية أو الديانات العريقة المبجلة للطبيعة او للجوهر الإنساني، ولا تتعارض مع علوية الإنسان من حيث هو إنسان، بل تمتد بهذه العلوية إلى آفاق أكثر رحابة باستمرار, وتتسع الهوية السودانية الجامعة لكل الهويات العرقية الأصغر، ومنها الهوية العربية بخصائصها السودانية التي وصفناها. أقول السودانية، وأعتبرها مركز جملتي، لأن الأوطان تصبغ خصائصها وتعطي إسمها لكل الجماعات الوافدة عليها، وحتى وإن كانت وفادتهم تدشينا لعهد جهد جديد، ومرحلة تاريخية متطورة. وهي تعطيهم إسمها، وسماتها، وخيراتها، وتفرض عليهم واجبات حمايتها، وتصوغهم وفق قوانين اجتماعها، في نفس الوقت الذي تتسع لمواهبهم وثقافاتهم وألسنتهم وأديانهم أو تتبناها. وهذا أيضا يحتاج إلى تفصيل لا يتسع له المقام الحالي. ولا ترفض الهوية السودانية الجامعة بالطبع، اللغة العربية، ولكنها لا ترفض كذلك اللغات الأخرى بل تحتفي بها. ونسبة لحاجة الجماعة الموحدة في الوطن إلى لغة مشتركة، فنحن نرشح اللغة العربية لتكون ذلك الوسيط، على أن تتطور هي نفسها لتكون لغة عالمية، علمانية لا يشعر المتحدث بها أنه ملزم، لهذا السبب، بالإيمان بدين غير دينه. أي فك الإرتباط الأيديولوجي بين اللغة والمكونات الثقافية الخاصة بجماعة في الوطن دون سواها، وتوسيع القطاع العلماني في التعبير بطابعه الإنساني الشامل، المتمايز عن الخطاب الديني الأصولي، الذي يحاول في كل مناسبة أن يستر ضعفه ويخفي تهافت منطقه، بالتحصن والتسلح والتصفح، بالنصوص المقدسة التي يحرفها عن مواضعها ويستغلها في استدامة أنماط تفكيره وإحكام أدوات سيطرته على العقول. وهو ما فعلته كل اللغات المتطورة في العصر الحالي، دون أن تكون عاجزة بالطبع عن التعبير عن القيم الدينية لمن يريد أن يعبر عن تلك القيم. ويتبع ذلك رفع الحرج، التأصيلي، الذي ابتليت به اللغة العربية على أيدي بعض ممثليها من حراس القديم، والمتمثل في تحفظها في الأخذ من اللغات السودانية الأخرى، من نيلية وحامية ونوبية بدويت، ومن الدارجة السودانية وترقية تعابيرها ورفعها كل يوم إلى مصاف اللغة الفصحى، كما ترفع الفرق الكروية التي تتميز في أدائها إلى المستويات الممتازة، باعتبار هذه اللغات هي المستودع الذي لا تنضب مياهه للتعبير اللغوي المعاصر والمتطور والذكي والطريف. وباعتبار قربها من الوجدان الشعبي ومقدرتها على التعبير عن أدق خلجاته. ويمتد رفع الحرج إلى الأخذ من اللغات العالمية كل ما تحتاج |ليه لغتنا لتكون بالفعل لغة للعلوم والفلسفة والإزدهار الأدبي والثقافي. ونخص هنا اللغة الإنجليزية، مذكرين بما حدث لهذه الأخيرة نفسها في بداية النهضة الصناعية، إذ تمثلت في ظرف عدة سنوات أكثر من عشرة ألاف كلمة من اللغة الفرنسية التي كانت أكثر تطورا منها، ليس في مجال اللاهوت، بل من حيث قابليتها للتعبير عن النهضة العلمية الكاسحة التي شهدتها بريطانيا في ذلك الوقت. ولا يساعد على تطور اللغة العربية في هذا الإتجاه، خطاب المهووسين من الأصوليين، الذين يريدون أن يوحوا في كل ما يكتبون بأن إجادة اللغة العربية مرتبطة باعتناق الإسلام. كما لا يساعد فيه ما يوغل فيه بعض اليساريين السابقين، من إبداء طقوس تدينهم في كل حرف يكتبونه، تملقا للمهووسين. وليربأ هؤلاء بإيمانهم من هذا الإستخدام غير الوقور. وهم على كل حال لن ينالوا رضا الأصولين ولن يأمنوا شرهم عن هذا الطريق. فأنت لا تأمن شر الإنقاذيين إلا بالإذعان لهم، إذعانا كليا، أو النهوض في وجوههم وكسر شوكتهم. فهم يفضلون الإذعان على الإيمان، في حالة التخيير بين هذا وذاك. وهم ليسوا وحدهم في ذلك، فجنود إبن العاص كانت تصد أفواج الفلاحين المصريين عن دخول الدين الجديد، لأنهم حينها لن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، والصغار هو الإذعان كما تعلمون. نرشح اللغة العربية، ونعتقد أنها يمكن أن تقوم بهذا الدور، دون استبعاد لأية لغة أخرى، وتجيئ المسألة كاقتراح لأن المجال مفتوح أمام تنافس لغوي لا يمكن حسم نتيجته بصورة مسبقة. وهذه أيضا من أمهات القضايا التي لا بد أن يدور حولها الحوار المفتوح والمثقف.
    • « الجماعة العربية الإسلامية »، التي يتحدث عنها عبد الله علي إبراهيم، هي جماعة عربية نقية العروبة، لم تخالطها دماء زنجية أو حامية، ربما لأن الجماعة العربية الإسلامية التي جاءت إلى السودان، أبادت شعبه الأصلي، من بناة الحضارات القديمة، الذين تمتد جذورهم إلى ما وراء التاريخ، والذين اختلطوا بهذه لأرض، يأخذون سيماءها وتأخذ سيماءهم، ويغيرونها بالفعل المديد، وتمتد فيهم وتخالط منهم الدماء. ربما أبادتهم القبائل العربية الباحثة عن الأرض والفضاء والماء والمرعى، والضائقة بمن لا ينتمون إلى شفرتها الجينية من الشعوب.« يسميها عبد الله الشفرة الثقافية» ربما ابادتهم هذه القبائل، لأننا لا نجد عند عبد الله تفسيرا لمقولته الذاهلة، حول النقاء العرقي لهذه القبائل، وحول أختفاء هذه الشعوب التي صارت أثرا بعد عين. إن أقل إتهام نوجهه لعبد الله هنا، هو أنه ذاهل كليا عن النتائج المترتبة على مقولته، وأنه عن طريق الخرق " بفتح الخاء والراء" الفكري القليل المثال أزال شعبا كاملا من الوجود دون أن يشعر أنه مطالب بأن يقول شيئا، ولو قليلا، عن هذه الصور التوراتية لزوال الشعوب. فهل جاءت القبائل العربية بنظرية عرفناها بعد ذلك عند اليهود، وهي قصة شعب بلا أرض، يبحث عن أرض بلا شعب؟ ولكن التاريخ والحقيقة أكثر حكمة من عبدالله، وأحكم منه كذلك جميع المؤرخين وعلماء الأنثربولوجيا والآثار، الذين قالوا، وأطنبوا في القول، أن الجماعات العربية الوافدة إلى السودان اختلطت بشعبه، وأن اختلاطها قد أذاب العنصرين في هوية جديدة، لا يمكن أن نسميها عربية خالصة إلا بمصادرة غافلة عن الحقيقة والواقع، ولا نفعل ذلك إلا لأننا نحقر جزء أصيلا من مكونات الهوية الجديدة، مما يفتح الأبواب لانفصامات النفس وفساد الوجدان وخلل العقل. ولا أحب أن أوحي من قريب أو بعيد، بأن عملية الإختلاط هذه شملت الجميع من العنصرين، بل لا أستطيع أن أحدد لها نسبا كمية دقيقة. كما لا أحب أن أتبع المنهج الشيلوخي في تقسيم الإنسان إلى أرطال من اللحم أو أوقيات من الدم، أضع لها قيما متفاوتة كما يفعل القصابون. ولكني اقول باطمئنان أن هذا الإختلاط وإن لم يشمل أغلبية العناصر السودانية العريقة، فإنه شمل الاغلبية العربية الوافدة، ودون أن يحط من شأن هؤلاء أو يعلي من أقدار أولئك. وهذه هي الحقيقة الهامة فعلا، وهي وحدها كافية لدحض مقولة عبد الله عن النقاء العرقي العربي.
    • والجماعة العربية المسلمة، في تعريف عبد الله، أصولية العقيدة محكومة بالشريعة الإسلامية في اقصى صورها بعدا عن العصر، وهي دعوة دعا إليها عبد الله مرارا وتكرارا، وطالب الآخرين بالإنتماء إليها. والجماعة العربية الإسلامية إنقاذية الإنتماء السياسي، منكفئة على ذاتها، رافضة للآخرين، كارهة للتعددية بكل أشكالها وألوانها. إنها سوية أيديولوجية غير متمايزة، مقولة ذهنية في ذهن "مرهق"، ذاهل عن العصر. أقول لعبد الله ولأمثال عبد الله، إنني شخصيا لا انتمي إلى هذه المقولة الذهنية. فليكف عن تصنيفي على هذا الأساس. إنني أنفي عن نفسي فكرة النقاء العرقي، بل تجري في عروقي دماء الأقوام السودانية العريقة، كما تجري في عروقي دماء عربية لا أنكرها ولا أتيه بها على الآخرين. وعندما أتحدث عن الدماء فإنني أتحدث بكثير من المجاز، لأن الموضوع الوراثة يتعلق بالحامض النووي، وبالمورّثات عموما، والتي تعطي الفرد خصائصه الجسدية، ومصطلح الدم، كمحدد للهوية، مثله مثل مصطلح القلب كمكمن للعواطف، مصطلح مجازي تخطته العلوم. ولا فرق بين دماء عربية أو زنجية، حامية أو سامية، ملكية أو عامية. كما يمكن للإنسان أن يغير دمه كليا ولا تتغير هويته في قليل أو كثير، وهو أمر يحدث أمام أعيننا كل يوم. ولا يقتصر الأمر على الذين يغيرون دماءهم لأمراض تصيبهم، بل إن الناس جميعا تتغير دماؤهم كليا أو جزئيا عدة مرات في العام الواحد. وقد آن لنا أن نتحرر من جهالاتنا "الدموية"! الدم حامل للحمض النووي ولكنه متمايز عنه تمايزا كليا. وإذا كان الأمر لا يتعلق بدماء نقية أو ملوثة، نحسها تجري في عروقنا، بل يتعلق بشفرة جينية، تكاد أن تكون، من فرط دقتها، مفهوما رياضيا، فإن جوهر المسألة يصبح هو قبولنا لأنفسنا وتأمل ذواتنا في مرايانا الخاصة، وليس النظر إليها بمرايا الآخرين. حينها سنكتشف كم هي جميلة هذه الهوية السودانية، وكم هي متمايزة عن الآخرين في نفس الوقت. ولكن مرايانا نفسها تحتاج إلى التطوير والصقل، لترى تلك القوى الهاجعة في بطن هذه الأم الرؤوم المعطاءة، "المملوءة الساقين أطفالا خلاسيين." وحينها سيكتشف السودانيون أن ما يطلبونه، أي يبحثون عنه، " قد تركوه ببسطام" كما نقل عبد الحي عن فتوحات إبن عربي المكية. فقد تميز السودانيون في كل أرض حلوا بها، لأنهم يملكون طاقة التميز والفوت، عندما يتعلق الأمر بالخصائص الجوهرية في الإنسان، أي علمه، وعمله، وأخلاقه وكرامته. أي لم يكن أكثرهم تفوقا، بالضرورة، أولئك الذين يحملون سمات خارجية أقرب إلى تلك المجتمعات الجديدة التي حلوا بها. ومن يتأمل هذا الأمر يعود إلى ذاته راضيا عنها مرضيا.
    • أتحدث عن نفسي في قضية الهوية، لدوافع ذكرتها تتعلق بالإختيار، وهذا زمن الخيارات الحاسمة، ولكني أعتقد أن ما أقوله عن نفسي ينطبق بصورة أو أخرى، وبهذه الدرجة أو تلك على كل هؤلاء المتحاورين حول الهوية، ومنهم عبد الله علي إبراهيم، كما ينطبق على زعمائنا جميعا دون استثناء. ينطبق على الشريف زين العابدين الهندي، الذي قال أننا جئنا إلى هنا وتزوجنا الإفريقيات، ومن هنا جاءتنا هذه "الشناة"، في مناسبة حضرتها شخصيا، وفي قول أورده صديقي الباقر العفيف الذي تناول الهوية وكتب عنها ما لم يكتبه سواه، وحلل كلمات الهندي بما لا يحتمل الزيادة، كما تنطبق على أحمد الميرغني، وعلى أخيه محمد عثمان، وعلى الصادق المهدي، وعلى حسن عبد الله الترابي، وعلى محمد إبراهيم نقد وعلى عثمان محمد طه وغير هؤلاء. وقد طالبت هؤلاء جميعا، بأن يبرزوا " أشجار نسبهم" السودانية الحقيقية، التي يخفونها كما يخفي الإنسان عورته، كما ابرزوا من قبل أشجار نسبهم العربية المؤسطرة والمتخيلة، لأنهم إن فعلوا ذلك، فإنما يقدمون لأهلهم خدمة جليلة، تفتح لهم الطريق إلى التصالح مع أنفسهم، وإطراح الأوهام التي تضر ولا تفيد، عن أصلهم المتميز والمتفوق.
    • ثم يصل عبدالله بعد ذلك إلى قمة محاضرته، وهي في نفس الوقت قاعها، وهي دعوة الجميع إلى دخول برج الإنقاذ. يقول: « في هذا الصدد أري إنو يجب أن نعترف أننا كلنا ننتمي إلى النظم السيئة، مش النظم السياسية. ننتمي إلى الشفرة الثقافية الموصوفة بالسوء. بقول كان البروفسور إدوارد سعيد ضرب مثل، وأنا أستعين بيهو هنا، قال إنو في كاتب فرنسي كان يكره برج أيفل جدا، لا يطيق رؤية برج إيفل، وكان حله لما يضيق به الضيق النهائي، ويصبح برج إيفل بالنسبة له شبح وكذا، يصعد البرج ويجلس في مطعم البرج ويأكل. قيل له: ليه. قال، لانو تلك اللحظة الوحيدة التي لا أرى فيها البرج «ضحكة». فيا أخوانا نظام الإنقاذ أنا بصفه بأنه برج أيفل لينا « ضحكة ». لا نطيقه، مزعج، كلنا عندنا مواقف حتى أنصاره « ضحكة ».»
    • دعوة عبد الله هنا هي أن ندخل برج الإنقاذ « ونأكل» منه حتى لا نراه. وهو يستعين على دعوته هذه، بالأمثلة، ويعاني في طرحها حرجا عظيما تنوء به الجبال، تظهره الضحكات العصبية المستوحشة، وتظهره العبارة المتهالكة، المستعصية على الفهم، ويظهره تداخل الكلام بعضه في بعض، و الزوغان في نهاية العبارة من معناها الواضح الصريح. ما الذي يجبر عبد الله على كل هذا العناء وهو المشفق على الجميع من الإرهاق؟ ودعونا هنا نناقش المثال الذي أورده عبد الله، وهو يقع في مجال المجاز، وإذا كانت لعبد الله مساهمة متميزة فهي في مجال المجاز وحده وليس سواه. رجل وحيد، غريب الأطوار، يكره برج إيفل، وليس غريبا أن يكون الرجل وحيدا وغريب الأطوار، لأن من يكره إنجازا حضاريا مثل برج إيفل يجب أن يكون كذلك. فهو يكره إنجازا حضاريا يمثل مصدر فخر للشعب الذي شيده، وتفخر به البشرية في عمومها لأن من عاداتها أن تفخر بمثل هذه الإنجازات. هذا الرجل يعتقد أن برج إيفل هو مظهره الخارجي وحده، أي هذا الإمتداد الفولاذي الذي يشق عنان السماء، وليس باطنه، بما فيه من عجائب هندسية ورؤية ساحرة، وأماكن للترويح عن النفس من ضمنها المطاعم التي يأكل فيها ذلك الرجل. رجل يجهل حقيقة يدركها كل الناس وليس السواح وحدهم، وهي أنك عندما تدخل برج إيفل فإنما تراه بصورة أفضل، بل يعتقد أنك إذ تدخله لن تراه. ما الذي يقابل هذا الرجل عندما يتعلق الأمر بمن يكرهون الإنقاذ؟ وما الذي يقابل برج إيفل عندما يتعلق الأمر ببنائها الداخلي؟
    • إن حقائق الواقع الماثلة تقول أن الاغلبية الساحقة من شعب السودان تكره الإنقاذ، لأسباب أقوى بكثير من تلك الأسباب التي تحمل بعض الشعوب على كراهية حكوماتها. والاغلبية الساحقة إن كرهت نظاما سياسيا فإنما تسقطه ولا تدخله. وهذا هو الطريق الذي يسير فيه شعب السودان حاليا، بعد أن ساعدته الحركة الشعبية لتحرير السودان على قطع نصف الطريق. ومهما تغيرت الأساليب فإن الغاية واحدة، وهو إسقاط نظام الإنقاذ وتفكيكه طوبة طوبة، طال الزمن أم قصر. ولكن ذلك سيحدث عن طريق صعود الشعب السوداني مراقي جديدة في التمسك بحريته وحقوقه، وامتلاكه أدوات جديدة، سلمية في غالبها. وهذا أمر طبيعي فالإنقاذ بكل ما تمثله من فكر وممارسات عملية ليست سوى بثور علقت بهذا الجسم الجميل وهي لا شك زائلة. وهذا من طبائع الأشياء لأن الشعب الفرنسي، وليس ذلك الرجل الغريب الأطوار، إذا كره برج إيفل، فإنه سيقتلعه من " الجذور"، ليزيل الأذى عن خط باريس السماوي. ومن الناحية الأخرى، هل يمكن المقارنة بين الإنجاز الحضاري المتمثل في برج إيفل، و"المشروع الحضاري" المتمثل في الإنقاذ؟ ندخل برج إيفل فنأكل الفروي دوميغ، والكوت دو بوف،والفياند سينيان، وبعضنا يأكل شكروت الألزاس، وما يصاحبها من الأ######## والنبيذ المعتق. فماذا نأكل عندما ندخل الإنقاذ؟ عبد الله نفسه يعطينا مثالا عمليا على ما يمكن أن نأكله، فمن ضمنه الدعوة الصريحة إلى الباطل الصريح ومن على رؤوس البيوت، وخيانة المثقف لواجبات التنوير وإستخذاؤه للطغاة، فقط لأنهم طغوا. وهو طريق لم يختره أولئك الفتية الذين حاضرهم عبد الله في أبي ظبي، أو نشر عليهم افكاره في السودان وفي بلدان الشتات. خيانة النفس، إذن، والتنكر لرسالة المثقف ، هي أفضل وجبة يمكن أن تقدمها إلينا الإنقاذ. ولكن ليس ذلك بالنسبة لها سوى "المقبلات". إذ تجيئ بعد ذلك الوجبة الرئيسة وهي مشاركتها في خطاياها جميعا، المكسوة بالقمع والمتوجة بالإبادة الجماعية للاقوام والشعوب، أما " التحلية" فهي إقامة الرفاه المادي للقلة الغليظة الحس، على خلفية من الإفقار المطلق لشعب كريم. "ثم ثانيا" كما يقول أحد أصدقائي وهو يطرح نقطته الخامسة: إذا كان ذلك الرجل يأكل في برج إيفل ويذهب إلى بيته، فهل يمكن الأكل في برج الإنقاذ والخروج منها بعد ذلك، وكل ليلة؟
    • أقول لصديقي عبد الله: دعوتك مرفوضة يا " أخا العرب"، لأنه مهما بلغ حب الناس لك، فإنه لا يبلغ مبلغا يجعلهم يختانون أنفسهم. فهم لم يحبوك على باطل، بل أحبوك على حق. فهل تسير وحدك في دربك الموحش؟ هل تواصل وحدك " رحلة بائسة"؟ هل تتوغل وحدك في صحراء الإنقاذ؟ هل تخوض وحدك في وحلها؟ وهل صار حتما مقضيا أن تقطع رحلة الألف ميل وقد بدأت بخطوة واحدة؟ الخيار خيارك يا عبد اللهّ. وأقول "وحدك" مشيرا إلى وحشتك في قطيع من الذئاب، وليس إلى خلو المكان من الآخرين، ومنوها بمجدك الذي بنيته على بسط ثوب الإستنارة عندما كتبت عن " الناس والكراسي" مذكرا اللبراليين الذين تعثرت ألسنتهم عن إدانة العدوان البربري على تراث الشعب، الذي قامت به عام 1968 هذه الفئة نفسها التي تدعو الناس إلى دخول برجها اليوم، بتلك اللحظات التي تعثرت فيها أرجلهم في باحات الرقص والمخاصرة في جامعات الغرب، وبذلك الفرح الخجول الذي لا يريدون أن يدفعوا مقابله شيئا.
    • سألت في موقع سابق من هذا المقال عما يجبر عبد الله على مثل هذا المآل، وعما يدفعه إلى تحمل هذا الحرج الكبير. ولو وضع عبد الله في موضع يجبره على الإجابة على مثل هذا السؤال، لتعلق أيضا بمقولة ثقافية ما ، غالبا ما تكون خالية من المعنى. وكما أوضحت أن دوافع عبد الله سياسية بحتة، مكسوة بجلال كاذب ومغشوش، فإني أقول أن بداية التحول الفكري لعبد الله، كانت سياسية أيضا، أو قل أنها كانت سياسية نفسية. وهي تتعلق تحديدا بموقفه من الإنقلاب العسكري الذي حدث صبيحة الثلاثين من يونيو 1989. موقف عبد الله كديمقراطي، وموقفه كعلماني، وموقفه كتقدمي، كان يملي عليه، كما أملى علينا جميعا، أن يرفض ذلك الإنقلاب، حتى ولو لم يكن قادرا على مقاومته. هذا الموقف لم يستطعه عبد الله، ليس لأنه كان طامعا في منصب أو مال أو جاه، ولكن لأنه لم يجد في ذاته قوى وطاقة كافية تسنده ليقف ذلك الموقف. ولذلك عندما دعته السلطة الإنقاذية المغتصبة، إلى المساهمة في إعطائها شرعية أمام الشعب، وخاصة من مثقف تقدمي مثله، له كل هذه الشنة والرنة، فإن عبد الله لم يستطع سوى أن يلبي النداء، وشارك في "مؤتمر الحوار الوطني" وشاهده الناس جميعا، وعلى وجهه ذلك الحرج الأسطوري، وهو يقبل الإنقاذ كبديل للديمقراطية، ويقبل النكوص كبديل للتقدم والتنوير والإنفتاح. وقدفعل عبد الله ذلك والدماء التي أسالتها الإنقاذ ما تزال حارة فوارة، كما أنه في طريقه إلى " المؤتمر" قد مر بالجثة الكبيرة لكيونونة كانت تسمى الديمقراطية الثالثة. تلك خطيئة لم يفق منها عبد الله بعد ذلك، مع أن الطرق كانت أمامه مفتوحة لإنقاذ النفس من "الإنقاذ". عندما خرج عبد الله من السودان، كان يمكن أن يوضح أن موقفه نتج عن غريزة حب البقاء، وهي غريزة مركبة في الناس جميعا، ولكنهم يتعاملون معها بطرق مختلفة، تتراوح بين البطولة والتقية والمخاتلة وتصل إلى قبول الموت المعنوي إنقاذا للجسد. وكان يمكنه أن يعتذر إعتذارا خفيفا، ويواصل الدعوة إلى ما كان يدعو إليه قبل الإنقاذ. ولكن عبد الله لا يجيد الإعتذار، بل لا يقبله حتى وإن كان مستحقا، كما قال في محاضرته هذه، ولذلك اختار أن يحول الموقف الناتج عن ارتخاء الركب، إلى موقف فكري شامل ومحيط. وذاك لعمري اختيار بئيس.
    • في نفس الوقت الذي نشرت فيه محاضرة عبد الله، كنت أعيد قراءة سيرة سقراط، كما جاءت في محاورات أفلاطون، وخاصة كتاب "الإعتذار": أبولوجيا. صعقتني المفارقة بين هذا وذاك. فهذا الرجل الذي عاش قبل ألفين وخمسمائة عام لديه ما يقوله لنا حتى اليوم. فعندما قالت عرافة دلفي، وهي إلهة في ذلك الزمان، وناطقة باسم الآلهة وخاصة زيوس، أنه ليس بين البشر من هو أكثر حكمة من سقراط، حار سقراط حيرة شديدة في هذا الأمر. فهو يعلم أنه لا ينطوي على قدر يؤبه له من الحكمة أو المعرفة، ولكنه يعلم في نفس الوقت أن الآلهة لا تكذب، ولم تغب عن فطنته بالطبع أن شهادة الآلهة لم تكن فقط في صالحه، بل تتوجه حكيما على كل البشر. لم يقبل سقراط، لما ركب فيه من هذا العناد البشري المتطاول، حكم الآلهة، لا من حيث قداسته وتنزهه عن الكذب، ولا من حيث أنه جاء في صالحه وحده دوه سواه. فصار يزور أولئك الذين اتصفوا بالحكمة، من حكام ومفكرين وشعراء وأدباء، فاكتشف لدهشته أنه أكثر حكمة من هؤلاء جميعا، لأنه كان يسألهم عما اشتهروا بإتقانه والتخصص فيه، ويظهر لهم من خلال إجاباتهم وبتلك الماكينة العقلية الهائلة التي كان يملكها، أنهم لا يعرفون، معرفة حقة، ما يدعون أنهم يعرفون. وتوصل إلى أنه أكثر حكمة منهم، لسبب بسيط جدا، وهو أنه يعرف أن معرفته متواضعة، وأن الكون لم يكشف له إلا شيئا قليلا من أسراره، وأن عليه أن يمضي دون هوادة في الإستزادة من المعرفة، بينما تربع هؤلاء على حصاة من المعرفة ظنوها جبالا شوامخ. وقال سقراط وهو يشرح ما توصل إليه من علاقة بين المتعالمين الذين يدعون معرفة ما لا يعرفون، والناس العاديين المتواضعين رغم معارفهم وحكمتهم: "أثناء بحثي في خدمة الإله، وجدت أن أولئك الأكثر شهرة والأكثر ذيوعا في الصيت، هم في الغالب الأكثر نقصا، بينما أولئك الذين يعتبرون أقل شأنا هم الأكثر معرفة. ( ترجمة غير رسمية). "رحلة " عبد الله القاسية من بداية محاضرته وحتى نهايتها أثبتت شيئا عكسيا تماما لمسيرة سقراط. فقد وضح أن هذا المفكر الوحيد في السودان، إن كان في السودان مفكر، كما قال مقدمه الكريم، هو الأكثر جهلا بموضوعه من جميع الذين كان يحاضرهم. ولا شك أنهم كانوا يمدون أرجلهم قليلا قليلا، كما فعل أبو حنيفة، كلما أوغل المحاضر في باطله وهرائه، حتى مدوها عن آخرها في نهاية المحاضرة، هذا إذا لم يفكر بعضهم في إطلاقها للريح. وأكاد أرى صديقي محمد الحسن محيسي، المتبحر في كثير من ضروب المعرفة، وهو يفعل ذلك تحديدا. وأحصر المقارنة مع سقراط هنا فقط، فالمقام لا يسمح بالحديث عن محاكمته وموته.
    • وأخيرا، دخل عبد الله في قلوب وخرج من قلوب، وهو بينما يستطيب الدخول فإنه يكره الخروج، ويحاول جهده الجمع بين هذا وذاك، ولا يعتقد ذلك ممكنا إلا لأنه لا يضع للمنطق في تفكيره ورغباته، وزنا كبيرا. وهو يعتقد أنه بالقاء بعض الملاحظات العابرة، لصالح جمهوره القديم، يمكنه أن يكسب هؤلاء وأولئك في نفس الوقت. أنظر إلى إشارته إلى موت جوزيف قرنق "الباسل"، مع أن محاضرته تلزمه أن يقول أن جوزيف قرنق مات من أجل قضية ليست قضيته، مات من أجل جماعة شمالية عربية مسلمة لا ينتمي إليها، مات من أجل وطن يضع عبد الله يده حاليا في أيادي من يريدون تمزيقه، وتقليصه ليكون في حجم مقدراتهم على القهر والتنكيل والسيطرة. أقول لصديقي عبد الله، خيارك الحالي يمكن ألا يكون نهائيا، إذا التفت قليلا إلى الوراء لترى أن مطارديك أصابهم الإعياء والإرهاق "غير الخلاق"، وبالرغم من أنهم لم يكفوا عن المطاردة إلا أن الصمود في وجههم ممكن وميسور، وقد استطاعه كثيرون لم يدقوا الطبول إعلانا عن صمود، فكيف تدق الطبول إعلانا عن هروب؟

    مقال الخاتم عدلان يرد على محاضرة عبد الله فى ابوظبى
                  

01-27-2011, 07:20 AM

mohmmed said ahmed
<amohmmed said ahmed
تاريخ التسجيل: 10-25-2002
مجموع المشاركات: 8788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: mohmmed said ahmed)

    نحن كلنا إذا كنا سودانيين شماليين في هذا اللقاء، لنا إشكال في شفرة ثقافتنا، وفي رموز ودلالات لغتنا وفي شحناتها التاريخية وفي علاقاتها التاريخية بحيث أنه يصبح مفهوم الفريق الناجي ضئيل جدا. وبحيث تكون التبعة والذنب والخطأ هو الخيط الذي يصل بين الجماعات الشمالية كلها.


    هذا الجزء من محاضرة د عبد الله فى ابوظبى

    يقول بوضوح ان مفهوم الفرقة الناجية ضئيل جدا
    وان التبعة والذنب والخطا هو الخيط الذى يصل بين الجماعات الشمالية كلها


    والان من الذى اصطفاه لفرقة ناجية
    بشير لهل وينتمى لها بقوله
    انا عبد الله الشيوعى دا

    (عدل بواسطة mohmmed said ahmed on 02-04-2011, 01:56 PM)

                  

02-04-2011, 12:00 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبد الله على ابراهيم يازول قول بسم الله (Re: mohmmed said ahmed)




    الصفحة الرئيسية منبر الرأي د.عبد الله علي ابراهيم الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
    الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
    الجمعة, 04 شباط/فبراير 2011 05:56

    عرض نقدي لكتاب الخاتم عدلان (آن أوان التغيير) (1994)

    1
    كتب الخاتم “آن آوان التغير" ( فرغ منه في1991) عن وجوب أن يغير الحزب الشيوعي ما بنفسه ونشرها في طبعة ثانية في فبراير 1994 في "الشيوعي"، مجلة الحزب الشيوعي السوداني النظرية. وهو تغيير أزف في نظر الخاتم من جهة انحطاط نظم الاشتراكية التي تركت عصر البطولة من خلفها وتحولت بأحزابها إلى بديل للطبقة العاملة التي جاءت باسمها إلى الحكم فأذاقتها الويل. ولم يكن فساد الماركسية ووجوب التخلص منها هو شاغله بصورة منهجية. بل جاء إلى إبطال الماركسية من جهة قعود حزبه دون بلوغ مراق كان قد التزم به. فهذا الفشل هو الذي قاد الخاتم ليقول بصورة عامة "إن السير بالطريقة القديمة لم يعد ممكناً. فالإيدوجية القديمة (الماركسية) لم تعد ملهماً للأجيال الجديدة ولا مفجراً لطاقاتها ولا جامعاً لقوى التغيير" (صفحة 12).
    ليس مهماً كيف جاء الخاتم إلى نقض الماركسية. ولكنه متى انشغل بالأمر وقعت عليه تبعة أن ينقضها وجهاً لوجه، نصاً وممارسة، كما هي السنة المتبعة. ولذا نستغرب كيف أبطل الخاتم نظرية خدمها طويلاً أكثر عمره القصير بغير ذكر نص ماركسي واحد سوى إشارة عرجاء لماركس عن نبل البروليتاريا لم يحسن حتى توثيقها. ولم ير غضاضة بالاستعانة بكتاب لمبطل كبير للماركسية هو ألان توفلر "تحول القوة" ( Power Shift). ولم يزد عليه كمرجع على الماركسية أو لها على طول كتابه الذي بلغ 110 صفحة.
    لم نأت بالضمور المرجعي المطلق لكتاب الخاتم جزافاً. فالتخلي عن عقيدة كالماركسية لمن التزمها كالخاتم مسؤولية لم ينهض بها على وجهها الحق. ولم يسعفه دون إطراح الماركسية، جملة وتفصيلاً، لا ذهنه الفلسفي وتدريبه الذي زكاه ليتفرغ مثقفاً في الحزب ولا خدمته الطويلة الممتازة في صفوف حزب ظل حسن الظن به حتى خرج عليه في 1993. وسنرى أنه تعامل بغير قليل من الإهمال مع هذه المسؤولية تجاه ماركس التي أحسن وصفها جاك دريدا الفيلسوف الفرنسي والماركسي الذي انقطع عنها دهراً. فقد صدر له في 1994 كتابه "شبح ماركس" في نفس الوقت الذي ظهر كتاب الخاتم في مجلة “الشيوعي”.
    وأول أبواب هذه المسؤولية لدى دريدا هو أن يكف المثقف عن إعادة اختراع العجلة. فالعقائد التي أبطلت الماركسية في الثمانينات وما بعدها، ورتبت نفسها لتجاوزها، لم تأت بما لم تسبق إليه. ف"نهاية الماركسية"، التي يقول بها فوكوياما صاحب كتاب "نهاية التاريخ"، عند دريدا "قديمة". ولكن نفراً كثيراً من قراء فاكوياما، أو مستهلكيه، أو حتى فاكوياما نفسه، لا يعرف قِدم بضاعة التكهن ب"نهاية" هذا او ذاك من الأمر: "نهاية التاريخ"، "نهاية الماركسية" "نهاية الفلسفة"، "نهاية الإنسان" وهلمجرا. وقال دريدا إنهم مضغوا ذلك شباباًً في الخمسينات. ولذا فإعادة القول عن نهاية هذا الأمر أو ذاك هو حديث خرافة عنده وعند جيله. أما الذين ينتشون بهذه الخرافة بفرح شبابي غرير فيبدون كمن جاء متأخراً إلى الحفل أو كمن يريد ما يزال أخذ آخر قاطرة في حين بارحت تلك القاطرة المحطة: يبدو كمن تأخر حتى عن نهاية التاريخ (شبح ماركس 14-15).
    أما الباب الاخر والمهم في المسؤولية تجاه ماركس وهو أنه لا نهاية له. ولا نقول ذلك لصلاحه في كل زمان ومكان. فحقيقة الأمر أننا لا نتعامل مع الماركسية معرفة بالألف واللام بل مع ماركسيات. فالخاتم نفسه لم ير غضاضة في أن تنفتح فلسفة الحزب الشيوعي السوداني، الذي رنا إليه في كتابه، على نظر كثير آخر من بينه الماركسية. فالماركسية تقليد فلسفي لا "ينتهي". ويقول دريدا:
    "سيظل من الخطأ أن لا نقرأ ماركس أو نعيد قراءته ومناقشة أفكاره . . . وسيكون الإضراب عنه أكثر فأكثر خطأ وفشلاً في المسؤلية النظرية والفلسفية. وسنتذرع لاستدبارنا مسوؤليتنا حيال قراءة ماركس لأنه لن نوفق إلى سبب وجيه لذلك الإضراب بخاصة في الوقت الذي تخلص لنا نصوص الرجل من غوغاء التنطع والأيدلوجية التي تشبثت به طويلاً حتى تلاشت (الدول، الأحزاب، الخلابا، النقابات ومواقع الإنتاج العقائدي الأخرى). فليس ثمة مستقبل بغير تحمل هذه المسؤولية. ليس بغير ماركس: فبغيره يسقط المستقبل. لن يكون هناك مستقبلاً بغير ذكرى الرجل وإرثه. لن يكون ذلك المستقبل بغير ماركس ما، بغير ذكائه، وبغير واحدة من أرواحه على الأقل . . . هناك أكثر من ماركس واحد، يجب أن يكون هناك أكثر من ماركس واحد" (شبح ماركس 13)
    2

    سنلقي في الجزء التالي أضواء على أفكار الخاتم عن منزلة الحزب الشيوعي والنواقص التي أخذها عليه التي جاءته من باب تمسكه بالماركسية. فمن رأيه أن حزبه الشيوعي ليس بمنأى عن الانحطاط الذي ضرب أحزاباً مثيلة وسابقة ومتمكنة في المعسكر الاشتراكي. فليس يسلم حزب السودان من ذلك لدعواه أنه حزب مختلف متجذر في مأثرة وطنه أوأنه حزب "عبد الخالق والشفيع". وقال إن حزبه كان لن يصمد أيضاً متى وضعته الظروف في وضع الأحزاب الشيوعية الحاكمة الظالمة. فقد بدت عليه مظاهر الشيخوخة أيضاً. فنظمه الداخلية "عفا عليها الزمن والديمقراطية يجب أن تدخل من جمبع النوافذ والأبواب، كما ان الوجوه يجب أن تجدد". وميز حزبه مع ذلك بأنه حامل لجينات الخلاص من تاريخه متى ما شرعنا في الإصلاح بعزيمة وقوة (9-11).
    عرض الخاتم لتأريخ موجز للحزب خلص منه إلى أنه كان "جزءا أصيلاً من نضال الشعب السوداني . . . لم يكن نبتاً شيطانياً ولا كياناً مصطنعاً ولا مقولة ملفقة، بل استدعاه الواقع: استدعته المهام الوطنية التي كانت مطروحة أمام الشعب والتناقضات المستعصية التي كانت تنتظر الحل والآمال المشروعة في الديمقراطية والاشتراكية، التي لم يتحرك بها وجدان الشعب السوداني فحسب، بل انداحت دوائرها لتغطي كل القارات، وتأخذ بشغاف أفئدة الشعوب". (19-20). بل تخطى الحزب "مستوى النضال السياسي المباشر إلى مستويات الفكر النظري والخلق الفني والأدبي والثقافي". وكتب عبد الخالق عن النظرية التي تنسق الوجدان وتفسر ظواهر الوجود وتعطي الإنسانية رسالة نبيلة في الحياة" (20). ونسب هذه المهارة السياسية والفكرية إلى الماركسية ونظرتها الطبقية. وميز الشوعيين لتمسكهم بالتحليل الطبقي برغم قول القائلين لهم بفساده لأن الطبقات لم تولد في السودان أو لعدم صلاحية المعيار الطبقي في الحكم على المواقف الاقتصادية والاجتماعية. وميز الخاتم بشكل خاص وثيقة المؤتمر الرابع "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" (1967) التي حاولت إنهاء "غربة الماركسية" بجعلها جزء من نسيج السودانين الثقافي الحي (21).
    ولكن الخاتم لا يحاسب الحزب بالمتحقق من مشروعاته فحسب بل بما التزم به منها ولم تتحقق. وتساءل إن كانت ما تزال قابلة للتحقيق في ظروف عالمية عاصفة وتطورات متلاحقة لا سبيل للتغاضي عنها ثم نواصل السير كما كنا (24-25).ومن المشروعات المركزية للشوعيين التي لم تتحقق هو "تحويل الحزب إلى قوة إجتماعية كبرى" الذي تبناه المؤتمر الثالث في 1956. ورد ذلك إلى:
    (1) القمع الشرس الذي وقع عليه من النظم العسكرية وغيرها،
    (2)تعقد تركيبة المجتمع الذي يغلب فيه القطاع التقليدي بنظمه القبلية والطائفية والعرقية،
    (3) "غربة الماركسية": فالماركسية موقف فلسفي من الوجود عَزَّ على متناول الأغلبية الساحقة من شعبنا وأنه لطموح "غير عقلاني أن تحاول بناء حزب من الفلاسفة في بلد أمي" (22-23). ثم عرض لما يمكن تسميته لإلحاد الشيوعية وكيف سَهَّل لاعداء الحزب "إنشاء جدار أصم بينه وبين أغلبية الشعب". (33-34). وتذكر عرضاً عدم اتساق الخاتم هنا الذي ساغ له القول بهذه الغربة عن الماركسية في حين أطراها بجعل الشيوعيين يقتربون من واقعهم ويصوغون استنتاجاتهم بنظر دقيق فيه برغم النقائص ( 66) بل ونسب إزدهار الحزب إلى الماركسية وإلى تمسكه بطليعية الطبقة العاملة في نشأته الأولى في الأربعينات رغم نصح الناصحين بغير ذلك.
    ويرى الخاتم في برنامج الحزب عقبة كأداء حالت دونه والتحول إلى حزب جماهيري. ونظر إلى ذلك البرنامج من زاوية فريدة. فطبيعة البرنامج نفسها منفرة. فهو برنامج مترابط الحلقات لأنه ثلاثة في واحد. فهو يهدف إلى إقامة الحكم الوطني الديمقراطي فالاشتراكية فالشيوعية. وسمى هذا التثليث بالدعوة للإنتماء للحاضر وكل المستقبل. فيتعذر على المرء بهذا التثليث البرنامجي أن يختار حلقة دون الحلقتين الأخريتين. فهو إن اقتنع ببرنامج المرحلة الوطنية الديمقراطية فلن يصبح عضواً فيه لأنه لم يستنفد البرامج اللاحقة في الاشتراكية والشيوعية. فإن غرّب الدينٌ الحزبَ عن الريف فإن "لزوم ما يلزم" البرنامجي (أن تكون شيوعياً غصباً بمقتضى برنامج الحزب مترابط الحلقات) أبعد الحزب من قطاع واسع من جماهير القطاع الحديث. فلو اقتصر الحزب على مرحلة واحدة (بالطبع هي المرحلة الوطنية الديمقراطية) لأعفى هذا الجيل من التورط في مستقبل سيكون له أهله وخياراتهم. ومن جهة أخرى سيقل الإقبال على الحزب متى وصف نفسه بحزب الطبقة العاملة لأنه كمن يدعو الفئات الاجتماعية الأخرى بالانتحار الطبقي قبل دخوله. وبالطبع فمثل هذا الانتحار نبل لا يقوى عليه إلا القليل. ولهذا تناقص نفر الحزب الشيوعي. وعرَّج الخاتم من هنا إلى نقد عريض للماركسية استعان فيه بتوفلر ليقول إن الصراع الطبقي في عصر رأسمالية الثورة التكنولجية و نبوءة الماركسية باشتداد الاستقطاب بين البرجوازية والبروليتاريا باطلة. وسنعود لذلك حين نضع الخاتم موضعه في السياق الكبير للنظريات التي قضت بنهاية الماركسية.
    وقصور الحزب عند الخاتم براني وجواني. فمصاعب الحزب مع الماركسية ومجتمعه في نظره عوامل "ذات طابع خارجي براني" في تعويق نمو الحزب. وعرج بعد ذلك إلى العوامل الجوانية في مباديء تنظيمه. وسنرى أن هذه العوامل الجوانية مست الماركسية (أو تفريعاتها اللينينة) أيضاً. و هذه العوامل الجوانية هي:
    1- تمسك الحزب بالمركزية الديمقراطية التي عَقٌمت بها حياة الحزب الداخلية لضيقها بالخلاف وبرمها باستقلال الأعضاء ونمو شخصياتهم المستقلة وجعلت الطاعة المطلقة لازمة في كادره وشرطاً للترقي. وشاخت بذلك هيئات الحزب القيادية باكراً. وقال إن المبدأ، المركزية الديمقراطية، لينيني ناسب أوضاع الإمبراطورية الروسية ومستوى الثقافة التنظيمية فيها وليس ماركسياً (46-47)
    2- تهيب الحزب من بناء مركزية قومية للجبهة الوطنية الديمقراطية. وخطَّأ الخاتم الحزب لامتناعه عن بناء تنظيم وطني للجبهة بذريعة أنه سيكون بناء فطيراً عمودياً مستعجلاً لا يرعى انبثاقات مكونات الجبهة القاعدية التي تنضج بصورة متفاوتة بين الجماهير. وقال إن غيبة المركز عن هذه المكونات أدى إلى أن يفوض الحزب الشيوعي نفسه ليكون هو ذلك المركز يحمل منظمات الجبهة القاعدية حملاً لتتبني سياساته ومواقفه الوطنية. وأدخل ذلك المثقف الديمقراطي، الذي ينتمي عن طريق منظمته المهنية أو غيرها لجبهة لا مركز لها، في أزمة لأنه ينفذ ما لم يكن له الفضل في التفكير فيه وبه.ولأنه لم ينشأ مركز لقوى الجبهة الديمقراطية سَاسَهم الحزب ب "الفراكشنات" (خلايا للشيوعيين تنسق نشاطهم في المنظمات الديمقراطية) التي صارت قيادة غير مرئية للجبهة. وأعطى ذلك الشيوعيين حقاً إضافياً في تنظيم الجبهة الوطنية الديمقراطية. وكردة فعل لذلك قام الطلاب الديمقراطيون في السبعينات بإنشاء تنظيم خاص بهم في جامعة الخرطوم سموه "الجناح الديمقراطي" لفرز كومهم عن حلفائهم الشيوعيين. ورغم الحيوية التي رفد بها هذا الجناح أعضاءه في عمل الجبهة الديمقراطية إلا أنها حيوية اتصفت بسلحفائية في تنظيم ذي رأسين (65-72).
    3- حصاد الحزب المتواضع من النفوذ وسط العمال والمزارعين: وقال هنا إن دور العمال تراجع منذ ضربة الحزب بعد انقلاب يوليو 1971 الذي ترافق معه إغلاق كثير من المصانع وتشريد العمال والانهيار الاقتصادي المريع. وخلال عقدين باءت بالفشل "مجهودات الحزب لإيقاظ الطبقة العاملة من سٌباتها". وهذا يمكن في قوله أن يتغير بجهد مثابر ولكن في إطار تراجع الحزب عن دور الطبقة العاملة الرائد النصي في الماركسية. والوضع بين المزارعين في قول الخاتم شبيه بالعمال. بل عزلة الحزب عن القطاع التقليدي برمته بارزة مع أنه يضم أكثر من سبعين في المائة من سكان البلاد، وظل هذا القطاع بوجه عام مغلقاً أمام الحزب الشيوعي، بما في ذلك جنوب البلاد الذي كان الحزب من أوائل الأحزاب التي نشطت فيه، وطرحت رؤية صائبة لحل قضاياه الأساسية (73-74).
    4- سوء أدب الحزب مع المثقفين. قال الخاتم إنه كان للمثقفين دور كبير في بواكير نشاط الحزب ثم اضمحل ذلك الدور في عقديّ الثمانين والتسعين للتحولات التي طرأت على أحوال أفراد منهم (الوظيفة، الارتباط بالدكتاتوريات). أما بالنسبة لأغلبية المثقفين فابتعادهم عن الحزب راجع إلى أسباب متعلقة بالحزب. فقد تواضع على تصنيفهم كبرجوازية صغيرة مع الشناعات المرافقة لذلك التوصيف من نقص في الثورية وتذبذب. وهي طبيعة تقول بها الماركسية في الطبقة المتأرجحة بين العمال والبرجوازية بالنظر إلى وضعها في عملية الانتاج بين الجماعتين. وعليه صار وضع المثقفين في الحزب غير مريح " فهم دائماً في وضع الدفاع عن النفس". وقتلت مسلمات الحزب عنهم هذا الفعالية الحرة للمثقف. فنشاطهم في نظر الحزب ليس غير مرغوب فيه فحسب بل هو عٌصَابي نفساني. "فآثر بعضهم الابتعاد عن الحزب وآثر آخرون الخروج عن صفوفه، وبقي آخرون يضطلعون بأدوار تحدد لهم" ووجه نقده لإتهامات طالت المثقف في ما بعد هزيمة ثورة 1924 في "لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي" ( 1962-1965 ( لأستاذنا عبد الخالق محجوب. فقد نعى عليهم هروعهم للمكاسب الشخصية فصاروا رصيداً للمستعمر وانحصر نشاطهم في أندية الخريجين. ولم ير الخاتم بأساً في تَعَلق المثقف بوظيفيته ولا في الانضمام إلى جمعية أدبية. وهي الجمعيات التي ترعرعت فيها فكرة مؤتمر الخريجين وغذت مجلات تلك الفترة بالفكر (77-79). وقال إن ذلك الحكم لم يكن مطلقاً بل انحصر في فترة العشرينات. والتفت إلى ما جاء في وثيقة "قضايا ما بعد المؤتمر" (1968) التي اشترطت شروطاً إيجابية لجذب المثقفين التي علق عليها "أهمية كبيرة". فقال:
    وذلك بوضعهم في المكان المناسب داخل الحزب، وفتح المجال لتوليهم المسئوليات القيادية حسب مقدرتهم، وعدم إخضاع ذلك للعمر الحزبي، أو سجل التضحيات وبمنع طغيان النشاط السياسي على النشاط الفكري والثقافي بالنسبة لهم . وبالتطبيق السليم للمركزية الديمقراطية لضمان الحرية الفكرية. وبحيث تترك آراء وانتقادات المثقفين أثرها في تطور الحزب واتخاذ قراراته ورسم سياساته. وذلك لأن حركة التثقيف والثقافة لا يمكن أن تنمو في جو تصادر فيه حرية النقد وتصادر فيه حرية التفكير (79-80).
    وقال إن ما نادى به عبد الخالق أعلاه لم يتحقق. فالهجمة الشرسة على الحزب لم تسمح لوظائفه الثقافية بالاتساع ولم تسمح للديمقراطية داخله أن تزدهر. فلم يستقطب جماعة من المثقفين في العقدين الأخيرين. "والذين بقوا داخله أو التحقوا بصفوفه لم يجدوا المكان اللائق بمقدراتهم ولا المناخ المفجر لطاقاتهم الفكرية".فالمركزية الصارمة استبعدتهم من مركز القرار لأنهم كانوا في مؤسسات حزبية لا تتمتع بسلطة يؤبه لها في رسم الخط السياسي العام للحزب. ووقعت الأعباء الفكرية بالنتيجة على السكرتير العام للحزب يعينه بالكاد واحد أو اثنين من الكادر وانحصر دور الآخرين في التلقي والمباركة والتلقين "وظهرت طبقة طفيلية فكرية معتمدة بالكامل على إنتاج السكرتير العام" فصارت تضيق بكل إجتهاد آخر لا يحمل اسم السكرتير وترى فيه مروقاً (80-81)..
    ونبه الخاتم بصدد قعود الحزب عن بلوغ مراميه إلى سبق عبد الخالق في التنبيه إلى "بدائية في الأداء والتنفيذ" وأن الحزب إن لم يغير ما بنفسه "فسوف يصبح تنظيماً بدائياً ومتخلفاً، ولا يكون في مقدمة الأحداث بل خلفها". ويرى الخاتم أنه آن أن يجد المثقف مكانه الرحب في قيادة حزبه. ولن يحدث هذا إن لم نكف من طلبنا عليه أن يتحول ليكون هوية نقيضة بل "المطلوب منه فقط أن يكون أميناً لعلمه ولذاته ولشعبه ولوطنه والانسانية والعصر الذي يعيش فيه". وعاب على الحزب أنه لم يصدر خلال عقدين سياسة متكاملة حول المثقفين (82).

    3
    تلازم عند كل منكريّ الماركسية القول بنهايتها بسبب بطلان أطروحتها في الصراع الطبقي في النظام الرأسمالي. ونقطة التركيز في إنكارهم هي فساد ما علقته النظرية من أمل على البرليتاريا في تحقيق مجتمع للاشتراكية أو الشيوعية. ولم يترك الخاتم مجالاً لمجتهد حول منطلقه في بطلان الماركسية بعد استشهاده بتوفلر. وهو منظر معروف لنهاية الماركسية على حيثيات الثورة المعلوماتية والتكنولجية المعاصرة. وأعاد الخاتم أقوال توفلر بحذافيرها كما سنرى. ولكننا سنعرض أولاً لاجتهادات خاصة للخاتم حول بطلان رهن المستقبل بالطبقة العاملة.
    من رأي الخاتم أن رهن المستقبل بالطبقة العاملة من أضغاث ماركس الشاب. فقد كان افتتن في شبابه بنبل هذه الطبقة افتتناناً لم يتجاوزه وقد تقدم به العمر الكفيل بتبديد نزوات الشباب. وقاريء كتابات الخاتم حتى غير المدقق سيجده يكرر أن من لم يعتنق الماركسية شاباً خاطيء ومن تجاوز الشباب وما زال عَلِقاً بها خاطيء كبير. قال في معرض نبل ماركس الشاب:
    ولعله سيكون من المفيد أن نتذكر أن تعلق ماركس بالبروليتاريا في أساسه كان تعلقاً رومانسياً لفتى لم يتعد العشرين إلا قليلاً عندما كان يبحث عن العدالة المطلقة. فاستعار من دون أن يعي مفهوم المسيح المخلص، وأصبغه على طبقة أثارت شفقته واستفز شقاؤها حسه العميق بالعدالة. وقد ظل ماركس في سنيّ نضجه وشيخوخته أميناً امانة مدهشة لمشروع كان صاغه في صباه. إن الذي يقرأ نصوصه حول العمال الفرنسيين والعمال المهاجرين الألمان "الذين يشع نبلهم من أجسادهم" سيدرك بسهولة ما نرمي إليه. وإن المطلع على أعمال ماركس لن يجد في ترشيحه البروليتاريا لقيادة التاريخ الإنساني سوى أسباب واهية (صفحة 43)
    وهذا شطح من عدة جوانب لا بينة له في سيرة ماركس. فقد صبغ الخاتم ماركس بسذاجة عاطفية لم يسبقها إليه الخبراء في سيرة الرجل. فقد وصفه إزايا برلين، الأكاديمي البريطاني، بأنه رجل منقطع بصورة غير عادية عن البيئة التي حوله. فالذي ليس مطبوعاً في مجلة أو كتاب كأن لم يكن. وإنه ظل حتى وفاته غير ملق بالاً بصورة كبيرة لنوعية الحياة من حوله ولا لخلفياتها الطبيعية أو الاجتماعية. فقد خلت طبيعته من العاطفية بل هي طبيعة مَثلوجة إن أردنا الدقة. فللبيئة من حولها تأثير يكاد لا يذكر . . . فهو كاره لكل شغف وبالذات ذلك الذي يتغذى بالعبارات البطولية.
    كان ماركس، والقول ما يزال لبرلين، لا يطيق البسالة بغير نظر والولاء بغير بصر. وليس أدل على ذلك من حكايته مع الداعية الاشتراكي وليهام ويتلينق، الترزي، الذي دعا إلى حسم الصراع الطبقي بالإرهاب. وكان الرجل خطيباً مؤثراً على العامة. ويقال إنه التقى بماركس الذي طلب منه أن ينوره بما ينوي فعله للطبقة العاملة. ومن بين ما قاله الداعية إن نقد أوضاعها بالكتابة بعيداً عن عالم شقوتها غير مجد. وواضح أن الرجل من العمليين الذين يعتقدون أن شقاء الجماعة البين هو كل ما يحتاجه الرجل العطوف للنضال من أجلها. وليس هذا مزاج ماركس ولا فكره. فخبط ماركس على المنضدة وصرخ فيه " لم يخدم الجهل أحداً أبداً". وانفض اللقاء ولم يجتمعا معاً مرة ثانية (برلين 92).
    لم تكن البروليتاريا على رادر ماركس (الذي عاش بين 1818-1883) إلا بعد خمس سنوات من تأرخة الخاتم. وليس المهم هنا سن ماركس بل الأشراط التاريخية والفلسفية التي توصل فيها إلى خطر البروليتاريا في التاريخ. فلم يكن ماركس شيوعياً حتى تهجيره من وطنه المانيا إلى باريس في 1843 لنقده الاستبداد القيصري بقوة في مجلة أصدرها. فقبلها ما عرف سبيلاً للشيوعية. بل جعل الغرض من المجلة، التي قرر معاودة إصدارها في باريس، المدينة التي سماها "الجامعة القديمة للفلسفة" أن تنأى عن التماهي مع أياً من التنطعات الجذرية وذكر منها الشيوعية بالذات لقصورها وتعبيرها عن جانب واحد من جوانب الواقع الإنساني. وكان الهدف من المجلة أن تعين المتنطعين على استيضاح أفكارهم. ولكنه سرعان ما وجد نفسه يحث الخطى إلى الشيوعية. ومن دلائل ذلك نشره مقاله عن هيغل بالمجلة جنح نحو الشيوعية فيها حتى أغضب ممول الجريدة الليبرالي اليوتوبي-الخيالي. وفي ذلك المقال اكتشف ماركس البروليتاريا كالقوة التي ستحل النظام الاجتماعي القائم ومحررة البشرية من أسقامها (بادوفر 173 ).
    نمى ماركس في سنوات المنفى في باريس (بين سنوات 1843 و 1849 داخلاً خارجاً) مفهومه للمادية التاريخية في خضم التيارات الفكرية والمؤثرات العاجة بالمدينة موئل المفكرين الأوربيين الثورييين. وخلافاً لقول الخاتم فإنه تخلص من الرومانسية الهيغلية يوم اكتشافه للبروليتاريا كقوة لبناء المجتمع الجديد. فقرأ الاقتصاديين مثل سميث وريكاردو ووجد أسلوبهم صاف وبارد وغير مؤجج بالعاطفة مما لا يقارن ببلاغية وعاطفية الألمان المزجاة. وجذبه للاقتصاديين مزيج من المكر العملي وتركيزهم على التحري الإمبريقي بالفرضيات العامة الحاذقة. وقوى ذلك ميله الطبيعي لتفادي كل أشكال الرومانسية والقبول بالتفسير الطبيعوي للظواهر وحده لا غيره مما يمكن إثباته بدليل من الملاحظة العلمية. وخلَّصه الاقتصاديون الإنجليز والاشتراكيون الفرنسيون بالتدريج من ركام غيوم الهيجلية. فآخى بين هيغل والاقتصاد السياسي الذي استولى على فؤاده في باريس. فأعطى مفهوم التغريب الهيغلي الفلسفي المجرد معنى جديداً ربطه بالعالم المادي وبخاصة عالم الشعور الإنساني والفعل الإنساني. وجاء بمفهوم "تغريب العمل" في النظام الرأسمالي وهو تغريب العامل عن ما ينتجه في الصناعة للآخرين (بادروفر 191) .
    جاء ماركس للعمال بمقتضى النظر للتاريخ الذي وضع سره في الطبقة العاملة كالطبقة التقدمية للإنسانية الجديدة في العصر الرأسمالي. وهذا ما دفعه ليكون سيء الظن بالفرنسي الاشتراكي الفوضوي ببيير-جوزيف برودن. فقد وجده أخلاقياً أكثر منه تاريخياً. فمواقفه قبولاًً ونقداً للظواهر بناها على معايير أخلاقية مطلقة وجَهِل تماماً اعتبار الأهمية التاريخية للنظم والمؤسسات. ونقد ماركس كتابه "فلسفة البؤس" بغير رحمة لأنه، كما قال، مضلل. فمن بين مائة عامل قرأوه ربما تجاوز عشرة منه أفكاره ولكن التسعين الباقين سيعمهون في ضلاله. وقال لاحقاًً في وجوب نقد مثل برودون لإنه إذا تركت الخطأ بغير فضح فإنك إنما تشجع التبذل الفكري أو الخنا.
    ومن فرط "لا رومانسية" ماركس أن أواصر صداقته لفردريك إنجلز التي نوه بها الخاتم تنويهاً خاصاً، انعقدت انتصاراً للنهج العلمي والعقلي. فرد سول بادوفر، مؤلف ترجمة عصماء عن ماركس، صداقته مضرب الأمثال مع إنجلز إلى مقتهما معاً للرومانسيات. كان ماركس أعجب بمقال لإنجلز نشره في مجلته عرض فيه لتطور الرأسمالية من الميركنتالية إلى نظام المصنع في انجلترا. ثم استمد من كتاب إنجلز عن أوضاع الطبقة العاملة في بيريطانيا علماً غزيراً. ووجد ماركس الجاهل بالشأن في شغل صديقه دراسة مبادرة ملموسة لواقع ملموس هو تطور النظم والمؤسسات الرأسمالية. وفي لقاء الرجلين (28 أغسطس إلى 6 سبتمبر 1844) تطارحا افكارهما ووجدا أنهما متطابقان في نظرتهما للأشياء وقررا التناصر في خدمة الشيوعية (بادوفر 184).
    تحول ماركس إلى الشيوعية بتداخله مع العمال في باريس. وقد عرّفه بهم جماعة من حلقة منعقدة حول موسيس هيس، المعجب بماركس. وكذلك أقامت بباريس جماعة عمالية وصنائعية من الألمان احتكرت صناعة الأحذية وسادت فيها اتجاهات شيوعية قوية. وتعرف ماركس على منظمة شيوعية وسطها اسمها تحالف العدالة وتركت أثراً قوياً عليه. بل نجده نظم الدولية الشيوعية الأولى في 1864 على هيكلها التنظيمي (بادوفر 177-178). من جهة أخرى كان الصراع الطبقي مٌلقَى على أرض باريس ليراه الغادي والرائح. فذكرى ثورة 1789 كانت ما تزال عابقة فيها تلهج بها البرجوازية والعمال معاً. لهجت بها البرجوازية لأن الثورة مكنت لها فأمسكت بمقاليد البلد تحت لويس فليبي. وتتذكرها البروليتاريا الغبينة بالهزيمة أيضاً. وقال بادوفر : "كان التباين الطبقي في باريس ,واضحاً وحاداً ولا تنازل لطرف عنه. ولم يكن ماركس بجاجة لاختراع الصراع الطبقي أو تصوره. يكفيه من ذلك أن يدير النظر في ما حوله". (بادوفر 177).
    وفي مناخ هذه الزمالة المبتكرة قال ماركس بنبل عمال باريس الذي أخذه الخاتم عليه ونسبه لرومانسية الشباب. قال ماركس: الزمالة بين أولئك العمال ليست شعاراً ولكنها الحقيقة ويشع النبل من وجوهم التي أيبسها العمل . . . وعليك أن تحضر واحداً من اجتماعاتهم لتقف على ال(.........)اجة والنبل العذريين اللذين تنتجهما لقاءات أولئك العمال" ( بادروفر 183).
    ولا سبب عندي لربط الزمالة ونبلها بالشباب. فهي مطلوبة في كل كدح وضمانة نجاحه. وربما عزت في الكبر ولكن ماركس تحلى بها في كبره. علماً بأن الخاتم نفسه لا يبدو أنه يعترض على نبل الزمالة. فقد جاء في موضع آخر من كتابه بالبشريات التي قدحتها الماركسية في العقول والقلوب والأجساد. فقال إن ماركس وإنجلز رسما مشروعاً لشبحهما الذي طارد أوربا العجوز"، الشوعية، بما جذب إليه "أكثر العقول إستنارة، وأكثر المناضلين شرفاً وحماسة، وقد تفجرت في صدور الرجال والنساء احلام، وأمتلأت آفاقهم باحتمالات نبيلة وخيرة، كفيلة باجتياح السماء" (صفحة 1). وزاد بأنه نشأت لتحقيق هذه المطامح "أخويات بشرية لم تكن أقل من تلك الأخويات التي حققها الأنبياء وسط أتباعهم". وقال إن نضال القوى التي تجيشت للمهمة اتسم "بالبطولة وبالشجاعة الفائقة، وبنكران الذات، والإزدراء بالمنفعة الشخصية، والاستهانة بالمصاعب والأخطار" (صفحة 2). ولم يكن هؤلاء الذين نبلت زمالتهم كلهم من الشباب بالطبع.

    4
    ونريد في ما تبقى من هذه الدراسة مناقشة الخاتم في حيثياته التي إطرح الماركسية على ضوئها. وسنتسعين هنا بشكل رئيسي بكتاب "ماركس الإسفيري" للدكتور نيك داير-وزيفورد الصادر في 1999 عن جامعة إلينوي للنشر. فبه سنضع الخاتم في وضعه اللائق من مبطلي الماركسية ومدارسهم وحججهم. وسَنٌعَرِف بفكر توفلر، الذي اقتدى به الخاتم بصورة مطلقة، في سياق هؤلاء المنظرين لنفهم بصورة أقضل فكرة الخاتم في تخطي الماركسية. من جهة أخرى سنرد على الخاتم في قوله إن ماركس لم يعتبر الثورة التكنولجية المعلوماتية التي ألفت بين رأس المال والبروليتاريا فطفت فتيلة الصراع الطبقي. ثم نعرض لبعض الماركسيين المعاصرين الذين واجهوا تحدي "نهاية الماركسية" الذي يروج له منظرو الثورة التكنولجية.
    ونوجز هنا بسرعة غرض داير-وزيفورد من كتابه ليتابع القاريء أفكاره التي عليها اعتمادنا هنا. أراد المؤلف بكتابه المحاجة كيف أن عصر المعلوماتية الجديدة (كمبيوتر، اتصالات، هندسة وراثية)، خلافاً لقول القائل إنه تجاوز الخصام التاريخي بين رأس المال والعمل، يشكل حالياً آخر المعارك في المواجهة بين الخصمين. وكيف أن التكنولجيا المتقدمة قد جرى تشكيلها لتسليع (من سلعة) عام غير في مسبوق في عالميته. فخرج بكتابه لبيان كيف أنه، خلافاً لمراد من تواضعوا على هذه التكنولوجيا بقصد كسر شوكة الطبقة العالمة،وللغرابة، سيخرج من كنفها للوجود قوى تنتج مستقبلاً مغايراً قائماً على تشارك الثروة هو شيوعية القرن الحادي والعشرين (صفحة 2).

    صنّف داير-وزيفورد المدارس الفكرية القائلة بنهاية الماركسية وقال إنها الليبرالية الجديدة والتوفلرية. وشرح منطلقها ومرماها كما يلي:
    1-الليبرالية الجديدة: وهي ردة فعل على الليبرالية الاجتماعية التي اعتقدت في دور للدولة في إحلال العدل الاجتماعي وأفضل تمثيل له الرئيس ريغان ومارقرت تاتشر اللذان حاولا سحب الدولة من "التطفل" على المجتمع. ومن باطنها خرجت دعوة فوكاياما عن "نهاية لتاريخ" التي قوامها أن الماركسية قصرت دون استيعاب ثورة المعلومات. فتهافت الاتحاد السوفياتي راجع إلى تنكبه ثورة المعلومات وهو تنكب دفعته إليه نواقص كامنة في الماركسية وعلل. أما الرأسمالية فقد أنجاها أنها استصحبت هذه الثورة لذا توجت التطور البشري بصورة خاتمة.
    وجاء نقد فوكاياما للماركسية بحليف غير متوقع لها هو الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا كما رأينا. وسبق لنا عرض مقولة دريدا عن "شبح ماركس" واستعيد أكثره هنا من على لسان داير-وزيفورد طلباً للتوسعة في مسألة ربما كانت جديدة على أكثرنا. نقد دريدا فرضية نهاية التاريخ القائلة بأن تهافت اشتراكية الدولة في آخر العقد الثمانين من القرن الماضي استأصل "الشبح" الثوري" (الماركسية) الذي لاحق رأس المال لحقب طويلة. وأحيا دريدا بذلك فهماً مستقراً في بعض الدوائر مفاده أن الماركسية ليست جسداً جامعاً للفكر ولكنها اشتملت على عديد النسخ المتداخلة والتي بينها تناقضات جذرية. وتحدى دريدا كل قائل أن التقليد البلشفي السوفيتي قد استنفد مأثرة الماركسية. فخلافاً للزاعمين أن الماركسية قد ولى عهدها بعصر المعلومات فإن أهميتها لن تتضح بصورة كاملة إلا حين نأخذ في الحسبان بعض التطورات المعلوماتية (العولمة، طغيان الوسائط) التي أتى عليها ماركس بنصوص شددت على الكوكبية وأتمتة الإنتاج. فدريدا يتحدث لا عن ماركسية وإنما عن ماركسيات. فقد كتب ماركس أشياء مختلفة في أوقات مختلفة وليس كلها سوية أو أن كلها يصلح لينتظم في أنساق تامة ومختلفة. وأخذ الناس جمل ماركس في سياق تطور الماركسية التاريخي وأصعدوا بها واسفلوا وصبوها في طيف من أشكال شتى وفي أحوال كثيرة متشاكسة. فبعيداً عن الزعم بموت الماركسية، في قول دريدا، التبعة الآن أن نرى من فرجة تهافت البلشفية فضاء تينع فيه فروع مصمتة من شجرة نسب الماركسية وتزدهر (4-6).
    2-التوفلرية: عائدة إلى الآن توفلر الذي اشتهر بالتنظير لثورة المعلوماتية والاتصالات التي تخطت الماركسية وقتلتها. سبقت التوفلرية، ثورة المعلومات، نظرية ما بعد المجتمع الصناعي. والأخيرة تتحدث عن طبقة تكنوقراطية في المجتمع ما بعد الصناعي تراوح في التوتر القائم بين راس المال والعمال. ولكن ثورة المعلوماتية ذهبت إلى القول إلى أن الكمبيوتر ومتعلقاته نَقَض نظرية ماركس وألف بين العمل ورأس المال فصارا بفضل وفرة المجتمع ما بعد الصناعي إخوانا.
    ولا ينكر منظروّ ثورة المعلوماتية ماركس وإنما يستدركونه بملاحقة كر الزمن الذي فاته. فهم يأخذون بمنطقه ذاته ولكنه يبلغون به غايات ما طرأت له. فبالنظر إلى نظريته عن تطور وسائل الإنتاج يقولون إنه إذا أعطتنا طواحين الهواء النظام الإقطاعي وأعطتنا الآلة البخارية الرأسمالية الصناعية فلا بد من قبول أن الكومبيوتر سيعطينا المجتمع المعلوماتي. فعليه فهم على نهج ماركس ماديون تاريخيون التاريخ عندهم تطوري جدلي.
    وليس بين دعاة نظرية المعلوماتية من أمعن فيها التنظير مثل توفلر الذي تخلى عن ماركسيته سقماً من الإستالينية وعِزة برفاه المجتمع الأمريكي ووفرة حياته. وغدا توفلر ناقضاَ لا يريم لفكرة ماركس من فوق مفهوم ماركس نفسه للتاريخ. فتجد مطابقة بين موجاته التاريخية الثلاث: الزراعية ثم الصناعية فالمعلوماتية وبين موجات ماركس الثلاث: الإقطاعية فالراسمالية فالشيوعية. الفرق أن موجة المعلوماتية، بحسب توفلر، لا تتحقق بالصراع الطبقي. فلن يتخلل تحقيقها صراع طبقي، أو استغلال للعمال، أو تغريب، أو تركيز للثروة ومركزة لها، أو مكننة لا إنسانية.فكل ذلك من عقابيل المرحلة الثانية، الراسمالية الصناعية، التي هي سمة الماركسية. فالتكنولجيا وحدها ستتكفل بتحقيق المعلوماتية التي ستبسط المجتمع اللاطبقي والعمل الذي لا يٌغَرِب العمال، وتتلاشي فيه الملكية الفردية.
    ويرى توفلر أن قصور الماركسية عن اللحاق بالمعلوماتية علة فيها. فمادية ماركس قائمة على معارضة بين عالم الأشياء الفيزيائي الحسي، ساحة الإنتاج، وعالم الأفكار الأثيري المجرد. وهذه المعارضة هي التي تلتبس مجاز ماركس الزائط "القاعدة-والبناء الفوقي". ومفاده أن المعلومات والفن والثقافة والنظريات وغيرها من منتجات العقل غير المحسوسة هي جزء محض من "البناء الفوقي" الذي يٌحَلق فوق الأساس المادي للمجتمع. ومع أنه من المتفق عليه أنه يغذي واحدهما الآخر إلا أن القاعدة، حسب ماركس، هي التي تتحكم في البناء الفوقي وليس العكس. وهذه الإزدواجية هي التي تعمي الماركسية عن القيمة الإنتاجية للأفكار والعوالم الرمزية. فمن رأي توفلر أن المعرفة هي التي تََقطٌر قطار الاقتصاد لا العكس. فإذا كان ماركس بمعارضته البناء الفوقي -القاعدة (واختياره للقاعدة كالمسبب للبناء الفوقي) قد جعل هيغل (الذي يقدم الفكرة على القاعدة المادية) يقف ، في قول ماركس نفسه، على رأسه فالمعلوماتية، بإعلاء الفكر، قد جعلت ماركس يقف على رأسه، أي في الوضع الخطأ.
    ما استنكره توفلر على الماركسية هو قولها بأن الخلاص الثوري في طبقة البروليتاريا. فمن رأيه إن ما حفز العمال للثورة ليس ملكية الرأسماليين لوسائل الإنتاج بل التكنولجيا المتخلفة لعصر المداخن التي أرهقت العمال فثاروا. فهو يقول بأن الماركسية تٌعلي من قدر العمال الجٌهم ذووي العضلات المشدودة في مصانع الحديد. ولكن كتل العمال تلك تتبخر الآن. فاقتصاد المعلومات يلغي المصنع وبالمرة العمال الذين عهدت لهم الماركسية بمهمة الثورة.ويتخذ "وداع العمال" في نظرية المعلوماتية وجهان:
    أ-الأتمتة (بما يصير العمل كله رهن الالآت) ستحوجنا إلى عمال أقل فأقل مما يضعف حجم العمالة،
    ب- لن يقود هذا بالضرورة إلى التبطل. فالأتمتة ستفتح جبهات جديدة لتشغيل العمال في حقول الكنولوجيا العليا وحقول للصناعة تطغى فيها المعلوماتية. وهي أشغال أفضل لن يعاني بها العمال من التغريب. فالحاسوب خلق آلي آخر يستبدل شقوة العمل اليدوي بصحو العمل الذهني وتنحل به هرميات المصنع التقليدي وتسترد للعامل كينونته فيرضى بما يقوم به من عمل.
    ويفترق رواد ثورة المعلوماتية حول ما هم بصدده: هل مجتمعهم الموصوف تجاوز للرأسمالية أم أنه مجرد مجتمع لرأسمالية متطورة. فجماعة "ما بعد الرأسمالية" منهم يقولون إن تكنولوجيا المعلومات وفيضها سيؤدي إلى انحلال قبضة العلاقات الرأسمالية وتوؤل فيه الملكية إلى العمال والمواطنين. فالمصادر التي ستوفرها ثورة المعلومات ستلغي تبادل السلع وسنكون بإزاء مجتمع إلكتروني لاطبقي.
    وكان لتوفلر موقفان. بدأ "ما بعد رأسمالياً" يرنو لمجتمع يتجاوز الرأسمالية ثم تحول إلى الاعتقاد بأن ثورة التكنوولجيا ستقتصر على "أنسنة" الرأسمالية. في موقفه الاول قال إن عامل مجتمع ثورة المعلومات، خلافاً لعامل ماركس الصناعي الذي تملك النذر من أدوات الإنتاج، يمتلك شفرة الإنتاج في ذهنه. وعليه فهو يحتفظ في رأسه بالرموز التي يتكاثر بها رأس المال. وعليه فهو "يمتلك نصيباً هاماً وغير قابل للإحلال من وسائل الإنتاج". وهنا تسقط نظرية ماركس للصراع الطبقي. فالنزاع الطبقي في مجتمع توفلر المتصور لن يتبخر فحسب بل سيصبح الفصل بين العمال والإدارة مستحيلاً. وستحل محل النزاع خلقية مشتركة من المساهمة والمهنية يغذيها اقتسام الأرباح، وفرص الحصول على أسهم في المنشأة، والميزات النوعية لبيئة العمل. سيكون هناك عملاً بلا طبقة عاملة لأن الطبقة، كهوية جماعية قائمة على التباغض في الإنتاج، ستنحل.
    أما الداعون لرأسمالية أحسن، وهو الموقف الذي تبناه توفلر بآخرة، فهم يقولون إن تكنولوجيا المعلومات ستأتي بوفرة ترسي رأسمالية رحيمة. ومع اختلاف المدرستين فهما متفقان في أن مفهوم ماركس للثورة والصراع الطبقي قد بطل (26-30).



    5
    أضع في هذا القسم من البحث الخاتم في سياق مبطليّ الماركسية. وهو بالطبع توفلري كما شهد بنفسه وكما سنترك للقاريء استنتاجه (أو دحضه) من قراءة تخريده للماركسية بعد أن وقفنا على آراء توفلر في نفس الموضوع . وحرصت على المجيء بأكثر ما جاء به الخاتم بخصوص فساد الماركسية في مبحث كهذا لأنني لا أعرف مقدار ذيوع كتابه "آن أوان التغيير".
    دلف الخاتم إلى تعطيل الماركسية من باب نقده لقصور حزبه كما رأينا ومن ذلك تبنيه الماركسية فلسفة ما يزال. فقال إن الحزب يدعو إلى أنه حزب الطبقة العاملة منحاز لمصالحها في وقت لا تنحاز الطبقة نفسها لمصالحها وفكرها. فمثل هذه الدعوة ربما نجحت لو صدقت "النبوءة الماركسية الأساسية حول الاستقطاب الاجتماعي الشامل بين البروليتاريا من جانب، والبرجوازية من الجانب الآخر. ذلك الاستقطاب الذي لا تجد إزاءه الطبقات الوسيطة سوى الانحياز إلى هذا الجانب أو ذاك". وبقفزة طويلة للأمام إلى أوضاع صناعية وطبقية في الرأسمالية المتقدمة، وعلى بينتها، قال الخاتم قال إن هذا الاستقطاب لم يحدث. ولبيان ذلك لجأ إلى توفلر، أحد ابرز المنقلبين على الماركسية وناشر بطلانها بالنظر إلى الثورة المعلوماتية كما رأينا، وكتابه "تحول الشوكة" (Power Shift).
    قال الخاتم ناظراً لتوفلر إن الطبقات التي تناقصت لعهدنا هي البروليتاريا والبرجوازية لتنامي الطبقات الوسطى وعلى حساب البروليتاريا أساساً. فهذه الطبقات أصبحت تشكل الأغلبية الساحقة في كل المجتمعات الرأسمالية المتقدمة. فالثورة العلمية والتكنولجية همَّشت البروليتاريا فصار عددها يتراوح بين 10 و15 % من السكان. وزاد بقوله إن انتاج الثروة القومية قد تحول "بصورة حاسمة من اليد إلى الدماغ. وأصبحت المعرفة والمعلومة والفكرة والتصميمات الذهنية هي أداة الإنتاج الأساسية". وتملٌك هذه الخزائن المعرفية الجديدة، بصورة حصرية، الطبقات والفئات الجديدة التي ولدتها الثورة العلمية وأهلتها وحدها دون غيرها لقيادة المجتمع. وسمى توفلر هذه القوى الجديدة ب"الكمومنتاريا" (من "كومنت" تعليق comment أي التي بيدها القلم الفصيحة) تلك "التي تمتلك وسائل إنتاجها بامتلاكها للمعرفة، وهي أدوات إنتاج لا تستطيع البرجوازية نفسها أن تجردها منها. وهذه ظاهرة جديدة لم يعرفها ماركس ولم ينظر لها" (37-38).
    ثم نجد الخاتم يوالي نظرية الثورة المعلوماتية في قولها بنفي الصراع الطبقي من المجتمع المعلوماتي. فقد انتهى مجتمع المعلوماتية إلى سلام طبقي بفضل المساومة التاريخية التي تنزلت عندها البرجوازية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي البرجوازية التي يصفها منظرو ثورة المعلوماتية ببرجوازية "ما بعد الفوردية". ويعنون ب"فورد" هنا صانع السيارات الأمريكي الأشهر الذي يعتقد أولئك المنظرون أن ما بعد الرأسمالية قد تجاوزات مصنعه الكلاسيكي الذي شهد مواجهات العمال ورأس المال. فبفضل المساومة المذكورة بين العمال والبرجوازية أصبحت البرجوازية أكثر ديمقراطية عن طريق إشراك العاملين في رسم أهداف الإنتاج وفي ملكية وسائل الإنتاج بأقدار متفاوتة. ووقع ذلك في سياق تنامي خلق ديمقراطي تسرب إلى خلايا المجتمع ترسخت به حقوق ديمقراطية وضمانات اجتماعية. وقيدت الأعراف الاجتماعية المبتكرة سيادة البرجوازية على العملية الإنتاجية والمجتمع.
    وقال الخاتم إن هذه البروليتاريا، التي لم تنشأ عندنا في السودان أصلاً، مكتوب عليها الاضمحلال (متى جئنا لها) أسوة بالدول الصناعية التقليدية "التي ربطت إنتاج القيمة الزائدة بالانتاج اليدوي أساساً، والاتجاه إلى التغليب التدريجي للانتاج الفكري المستند على المعرفة والمعلومة والوسائل التكنولوجية الحديثة. و"سنحرق مرحلة" الإنتاج القائم على العمل اليدوي" في السودان لأنه "ليس مكتوباً على مجتمعاتنا أن تترسم خطى المجتمعات المتقدمة وقع الحافر على الحافر". فسنبلغ بالطائرة ما بلغته هي بالقطار. وطالما ستضمحل البروليتاريا عندنا، أو هي لن تنشأ أصلاً عندنا نشأتها الأولى، فأولى بالحزب الشيوعي، الذي يرتكز على عقيدة أن الطبقة العاملة هي القوة القائدة في المجتمع، أن يركب "طائرة التاريخ" إلى المجتمع ما بعد الصناعي الذي لم تعد فيه هذه الطبقة سوى جزء من المنتجين لا أعظمهم (40-41).
    ثم يعرج الخاتم على الطبقة العاملة كما هي عليه في السودان حالياً. ويدعو للكف عن التعامل معها "كمقولة ذهنية خيالية وكستودع خيالي لكل ما هو خير ونبيل والتعامل معها كما هي في الواقع" ونحدد مكانها بمعطيات موضوعية ومقدمات الحقيقة. ومن هذه المقدمات أن هذه الطبقة "ضيئلة الوزن بالقياس إلى مجموع السكان وهي محصورة في قطاع حديث محدود وهي غير نقية في تكوينها الطبقي لأن عدداً كبيراً من أبنائها يجمع بين الانخراط في العمل المأجور والاحتفاظ بالملكية الصغيرة". وهي غير مستقرة بالنظر إلى موجات العمال الموسميين الذين يرواحون بينها وبين الريف. وتوصل الخاتم من ذلك إلى أن موقع الطبقة العاملة في الإنتاج ليس المحدد الوحيد لإيدلوجيتها حتى بقولنا جدلاً أن الأيدلوجية تابعة لموقع الجماعة من الإنتاج. وبناء على ذلك يزعم الخاتم صعوبة الحديث عن إيدلوجية للطبقة العاملة السودانية "إلا إذا تعاطينا مع التلفيق وحددنا بصورة مسبقة وتحكمية أن الماركسية اللينينة هي تلك الأيدلوجية وأن على الطبقة العاملة أن تتيبناها رغم أنفها. وهذه وصاية لا تستقيم مع تنامي الوعي الديمقراطي" (41-42).
    ومن تلك المقدمات التي جاء بها الخاتم ليطعن في تمييز الحزب الشيوعي لقيادة الطبقة العاملة تشخيصه للتناقضات في المجتمع. فالتناقض الأساسي ليس بين الطبقة العاملة والبرجوازية "بل هو التناقض بين المجتمع ككل والشرائح الطفيلية السائدة والحاكمة، بين المجتمع ككل والتخلف، بين المجتمع ككل ودوائر الاستغلال الإمبريالي " وستلعب الطبقة العاملة هنا دوراً لن تكون له الغلبة لضآلة وزنها السياسي والاقتصادي والثقافي والبشري. وغالباً ما يذهب هذا الدور المقدم "إلى الفئات المرتبطة بالثورة العلمية والتكنولوجية من المثقفين والفنيين والتقنيين والطلاب". وسيتجه نضال هذه الجماعات الغالبة ضد دعاة الديكتاتورية من كل شاكلة ولون بما في ذلك دعاة "ديكتاتورية البروليتاريا". ويقر الخاتم بدور هام للطبقة العاملة في السودان في هذا النضال. فهي ذات "أرث مجيد" فيه ولكن الزعم بأنها "وحدها تملك المفاتيح السحرية للابواب المفضية إلى التحرر الإنساني الشامل، زعم لم يؤكده الواقع، ولم يشهد له التاريخ" (42-43)
    ويعرج الخاتم من هنا إلى ماركس. فيرى أن ما أضر بالحزب هو تمسكه بهوية الحزب البروليتارية وكدحه ل"ترقية تكوينه البروليتاري". قساقه هذا التمسك إلى ضيق في الاهتمامات "وغذى روح الانتظار الحالم لتلك اللحظة التي تنمو وتنضج وتسود فيها الطبقة العاملة. وقد أدى ذلك إلى غربة الشيوعيين عن واقعهم غير البروليتاري أساساً. فأعرضوا عن الانخراط اليومي الحميم في معرفة الواقع وتوجيهه وفق منطقه الخاص وليس وفق تصورات ذهنية غير واقعية". وسلب التركيز على البروليتاريا الحزب من الحساسية "تجاه الفئات والطبقات الأخرى. وأنشأ جداراً من الاستعلاء والغربة بين الحزب وبين العناصر الراغبة في الانضمام إليه من تلك الفئات والطبقات." كما أدى طلبه (النقاء البروليتاري) إلى التعصب واحتقار الرأي الآخر بما يقرب من التخوين لاتهامه بأنه فكر غريب عن إيدلوجية الطبقة العاملة". ونٌشرت بذلك محاذير الخروج عن "ملة البروليتاريا" جواً فكرياً حانقاً في الحزب عطل خلاف الرأي وأخرس حرية التعبير وفرض لغة مؤممة للحديث لا مجال فيها للخطاب الخاص. ونشأ حراس أشداء ل "ملة البروليتاريا" هم قساوسة في خطر سوسولف الروسي. وهكذا خرَّجت الأحزاب الشيوعية روبوتات بدلاً عن الأفراد ذوي صوت الخاص. وربما لم يحدث هذا بكامله في جميع الأحزاب "ولكنه اتجاه قوي لا يستطيع أن ينكره أحد" (44-45).
    نجحت الرأسمالية في رأي الخاتم في عقد مساومة تاريخية بينها والمنتجين كسبت به بعداً اجتماعياً تصور المنظرون الباكرون أنها غير قادرة على تحقيقه. فالربح، هذا الدافع الأزلي للانتاج الرأسمالي، "لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تنازلات حقيقة للمنتجين. وصارت العملية الانتاجية أكثر ديمقراطية بما لا يقاس. إذ دخل المنتجون والإداريون والتقنيون والمستهلكون في تحديد أهدافها، وفي كيفية الوصول إلى هذا الأهداف، جنباً إلى جنب مع مالكي وسائل الإنتاج." وظهرت فئة الحرفيين الجدد الذين يبيعون منتجاتهم وليس قوة عملهم من المهندسين والمصممين والفنانين والمبدعين وصانعي الموضة ونجوم الرياضو البدنية والذهنية إلخ." ارتبطوا بالثورة العلمية التكنولجية (91-92).
    ويزكي الخاتم الصفوة التكنولجية لقيادة مجتمع المصالحة بين الرأسمال والمنتجين. فمع رأيه في وجوب تجييش قوى الشعب كلها للنهضة لتجاوز التخلف إلا أنه يرهن القيادة المأمولة إلى المثقفين الذين ارتبطوا بالثورة العلمية. فهي الفئة "القادرة على استيعاب العملية الاجتماعية في كلياتها والمنخرطة في أرقى العلاقات الانتاجية والتي سيتعاظم نصيبها في انتاج الثروة القومية باستمرار. وهي القادرة على قيادة المجتمع وتسيير وسائل التوجيه والاتصال، وتفجير منابع الطاقة بكل اشكالها والتي لا يمكن لمجتمع معاصر أن يحلم بالتقدم بدون تفجيرها". وهو ينفي أن قوله بما تقدم "نظرية جديدة للصفوة" لأن المراد منه مجرد استيعاب متواضع لطبيعة عصرنا وإلمام بسيط بقواه المنتجة. ويركز الخاتم على "المثقف الشعبي الديمقراطي، المزود برسالة وطنية جامعة، الشاحذ ذهنه لمواجهة التحديات الكبيرة" وهو لايرى أن المثقفين عندنا مؤهلين لذلك الدور إلا بعد تغيير أنفسهم(93-94). وربما لم تكن أشراط الخاتم للمثقف الشعبي مما ينطبق على مثقف صفوة الثورة المعلوماتية. فقد بدا لي وكأنه هو نفس المثقف الذي طمع الشيوعيون في استنباته طويلاً ولم يوفقوا. وزاد الخاتم بأن الدور الذي رسمه للمثقفين لا يقلل من أدوار الطبقات والفئات الأخرى. ولكن المثقفين قطاع ديمقراطي يدخل إليه الأفراد من كل الطبقات. وسيخضع دوره القيادي لأعراف المجتمع وإرادته. وينتهي الخاتم برسم المثقفين قادة لهذا المجتمع بقوله "وهذا يرشحهم لدور وطني قيادي ويجعلهم مجسدين لوحدة المجتمع" (95-96). وهو يدعو إلى استيعاب للمثقفين الأكفاء "دون تصورات إيدلوجية مسبقة" مستفيدين من كل الإرث الفكري الإيجابي "في العالم ومنها وعلى رأسها الماركسية وما حققته من منهج علمي في الاقتراب من الواقع، وما كشفته من حقائق إجتماعية واقتصادية وثقافية لا يستطيع أي مفكر جاد أن يتجاهلها . . " وميز في الماركسية انطلاقها في النشاط النظري أو العملي من "دراسة المنطق الملموس للواقع الملموس" (102).
    وعليه فالحزب الذي يدعو إليه الخاتم فوق هذه المقدمات هو حزب القوى الحية في المجتمع (منتجين بالدماغ واليد، رأسماليين مرتبطين بالانتاج والوطن، أقليات قومية ودينية وثقافية) يجبه التخلف. وعليه فهو ليس "الحزب الشيوعي" لأنه "لا يتبنى موقفاً إيدلوجياً متكاملاً إزاء الكون، ولا يبشر بمرحلة معينة يتوقف عندها المجتمع البشري، ولا يرمي إلى صياغة المجتمع وفق مخطط نظري شمولي. إنه حزب للعدالة الاجتماعبة التي هي مقولة عامة مفتوحة (105-106). وهو حزب سيخرج من حزب شيوعي قرر الانتحار. فهو يدعو إلى عقد المؤتمر الخامس وحل الحزب الشيوعي وتكوين لجنة تمهيدية من الشيوعيين السابقين وعناصر ديمقراطية مؤثرة وشخصيات وطنية مثقفة ومناضلة وممثلين للأقليات العرقية والثقافية لوضع برنامج الحزب الجديد ولوائحه (108).

    6
    اختار الخاتم كما رأينا أن يخلع الماركسية حين بدا له تراخيها عن تطور التكنولوجيا ومجتمعها الجديد. وسنعرض هنا لماركسيين عضوا على الماركسية بالنواجذ وجابهوا بها تحدي الثورة التكنولجية. ومنهم من أحسن ومنهم من أساء. ونبدأ بمقدمة عن أفكار ماركس نفسه عن الثورة العلمية والكنولجية وجدلها في عصره.
    من رأي داير-وزيفورد أن مزاعم منظريّ الثورة التكنولوجية وبطلان الصراع الطبقي هي خمر جديدة في قناني قديمة. فأرجع فكرة من قالوا بأن ثورة المعلومات ستلغي الصراع الطبقي في الرأسمالية إلى منظرين من عصر ماركس نفسه. ففيه كتب شارلس بابيج مؤلفاً عن اقتصاد الألات والصناعات في 1835. وبحث فيه عن سبل أتمتة العمل (الذهني والجسدي) للتقليل من وزن العامل البشري في الإنتاج، بل والتخلص منه نهائياً. فقد كدَّر الصناعيين الذين نظروا إليه كمصدر خروج عن الضبط والربط والخلل والخطر. ومن رأي بابيج أنه ستقوم على تعبئة الموارد النظرية لخدمة الصناعة "طبقة جديدة من محللي إدارة الأعمال".
    قرأ ماركس كتاب معاصره بابييج. ولم ير في فكرته سوى استراتيجية أخرى للتخلص من الصراع الطبقي. وكان من رأي ماركس أن استخدام الآلات في الصناعة هي من حيل البرجوازية لإخضاع البروليتاريا المتمردة. ولمّح لبابيج في فصله "الالآت والصناعة الثقيلة" من كتاب رأس المال بوصفه للصراع الطبقي كواقعة بين العامل والماكينة. ونظر ماركس في ما كتبه أحد أنصار بابيج القائل "حينما يوظف رأس المال العلم لخدمته فإن ذلك يكسر شوكة العامل ويؤدبه". وعلق ماركس أنه بالوسع كتابة تاريخ مٌكَمل عن الاختراعات التي تمت منذ 1830 لغرض وحيد هو تزويد رأس المال بسلاح ضد ثورة الطبقة العاملة. فهو يرى أن العلم ومنتوجاته مشروع إنساني جماعي استأثرت بثمرته "جماعة من النوع الرديء من راسماليّ النقد" (3)
    وقف ماركس على هذا التوتر بين الطبيعة الجماعية للتطور التقني العلمي واستئثار رأس المال به في مذكراته لكتابه رأس المال. وتنبأ ماركس بأن خلق الثروة الحقة سيعتمد أكثر فأكثر على الحالة العامة للعلوم وتقدم التكنولجيا لا على الوقت المبذول في العمل أو كمية العمل المبذول. وسيكون العامل المفتاحي في الإنتاج هو المعرفة الاجتماعية اللازمة للابتداع العلمي التكنولوجي. وسمى ذلك "الذهن العام" (general intellect). وهو ذهن يقوم على نظامين تكنولوجيين سيميزانه عما سواه متى بلغا أشدهما:
    1-الآلات التي تنبأ ماركس بأنها ستستأصل العمال من المصنع،
    2-وشبكة دولية من المواصلات والاتصالات تَصِل السوق العالمي بعضه ببعض.
    وهذا حلم الرأسمالي وغايته. ولكنه حلم تنخر فيه من غير أن يدري حقيقة أخرى. فمتى أطلق رأس المال عنان قوى المعرفة التكنولجية والتعاون الاجتماعي فإنه إنما يبذر بذرة تضعضع حكمه. فالأتمتة، بسبب تخفيضها المبالغ فيه للحاجة للعمال، ستهدم علاقة الأجور التي هي ركن ركين في الرأسمالية. فكلما أزداد تطبيق العلم التكنولوجي في الانتاج سيصعب ربط الدخول بالوظائف واحتواء الإبداعية في حيز صور السلعة. ففي عهد الذهن العام إذاً يعمل رأس المال نحو تحلله كصورة من صور الانتاج الغالب.
    ويخلص الكاتب إلى أن كل من بابيج وماركس من أنبياء مجتمع ثورة المعلومات الحالي. وخلاف الرجلين راكز في أن الأول يعتقد في التمكن العلمي التكنولجي لعلاقات السوق بينما يرى الثاني تحلل هذه القاعدة. ومع فارق الزمن بينا وبينهما فتفكراتهما القديمة تبدو معاصرة في الذي نراه في القول الرائج الآن بموت الماركسية بالنظر إلى هجوم عصر ثورة المعلومات الذي لم تتحسب له (4).
    وعرض المؤلف في فصل كتابه الثالث لفكرة أن الماركسية إنما هي ماركسيات لا ماركسية واحدة. وفيه تطرق أولاً لما كتبه ماركس عن التكنولوجيا ثم عرض لكيف استفاد منها ماركسيون في صراعهم الفكري ضد ثورة المعلوماتية ومقابلة تحدي نظريات القائلين بموت الماركسية. فيقول الكاتب إن ماركس مثلنا جميعاً متعدد. وقال الرجل عن التكنولوجيا أشياء مما يصعب مواقعة بعضها على بعض أو مما يمكن مواقعته ولكن بصور مختلفة وربما بصور جذرية في خلافها. ونشأت من جراء ذلك ثلاث مدارس ماركسية تصدت لتثبيت الماركسية من حيث أرادت ثورة المعلوماتية خلعها وهي:
    1-الاشتراكية العلمية
    2-اللودية الجديدة
    3-ما بعد الفوردية
    والكاتب يعتقد أن أصحاب هذه المدارس جميعاً لم يحسنوا الاستجابة لتحدي ثورة المعلومات. ففي ماركس نسب إلى ثورة المعلومات بقوله: الطاحونة الهوائية جاءتنا بالإقطاعية وآلة البخار بالراسمالية الصناعي. هذه التحكمية التكنولوجية ليست كماً مهملاً في فكر ماركس. فهو القائل في مقدمة كتابه (المساهمة لنقد الاقتصاد السياسي): "يدخل الناس في الإنتاج الاجتماعي لحياتهم في علاقات إنتاج محددة مستقلة عن إرادتهم، علاقات تتطابق مع مرحلة محددة من تطور قوى إنتاجهم المادية" ويضيف أنه في طور من تطور الناس "تدخل القوى الإنتاجية المادية للمجتمع في نزاع مع علاقات الإنتاج السائدة" وتتحول هذه العلاقات من مٌعين لتطور قوى الإنتاج إلى قيد يثقل على تطورها. وهنا منشأ الثورة الاجتماعية,
    واضح هنا في قول ماركس أن القوي الإنتاجية هي تكنولوجية بينما علاقات الإنتاج إجتماعية. وللأولى سبق على الثانية. ورد داير-وزيفورد هذه الفكرة إلى أثر إنجلز على ماركس. فألهمت ماركسيين مثل نيكولاي بوخارين الذي فهم أن التطور التكنولوجي طاقة مستقلة، محركة للتاريخ، تهدم قواها الإنتاجية المطردة أشكال الملكية المتخلفة في مسار قاصد لنصر الاشتراكية.
    ولكن لماركس عبارات أخرى تعدل بل تنقض هذا الفهم الميكانيكي للتاريخ. ففي رأس المال يحكي عن رأسمالية، ولسيطرتها على مواقع العمل والمجتمع، تحول وسائل الإنتاج بتعميقها. ويصور ماركس حدوث ذلك في درجات متفاوتة متلاحقة منا التضمينات. في الفترة الأولى يفرض رأس المال العمل المأجور على أنماط أقدم موروثة من عهد الإنتاج الحرفي. وفي الطور الثاني يعيد رأس المال تنظيم العمل فيطبق العلم في الصناعة فيفشو الإبتداع التقني ويتصل بلا توقف، ويصبح الاستغلال، لا في تمديد ساعات العمل، بل في التكثيف النسبي للإنتاجية. ويقع هنا استبدال العمل العضلي بالعمل بالآلات. وما يدفع الرأسمالي لذلك هو أنه يريد تعظيم سيطرته على القوى العاملة بتجريد الحرفيين من مهاراتهم وتوسيع مستودع جيش العاطلين. وهنا يعكس ماركس آية روايته الميكانيكية التحكمية آنفة الذكر (طاحونة الهواء أعطتنا الإقطاعية إلخ) . فالذي يدفع بالآلة ويزكيها هو نازع الرأسمالي للتحكم بالقوى العاملة (وهو عامل اجتماعي) وليس العكس. وخرجت من هذه الماركسية الأخرى قراءة للماركسي جورج لوكاش تصر على أن الآلات ما هي إلا لحظة في حياة قوى الإنتاج التي يخضع تشكيلها نفسه للشوكة الاجتماعية.
    ماركس حمَّال أوجه في نظرته للتكنولوجيا والإنسان. فيمكن النظر إليه كمنظر رائد ل "النظم التقنية الاجتماعية" للعلاقة المعقدة التي أقامها أعلاه بين "الاجتماعي" و"التكنولوجي". ولكنه في أحوال أخرى يكون "لودياً جديداً" مصاباً بالتكنوفوبيا (أي كراهة الكنولوجيا). ونعني باللودية الجديدة مدرسة من المفكرين ناقدة للتكنولوجيا وآثارها على الفرد والمجتمع. وقد أخذت اسمها من لودية القرن التاسع عشر التي احتج فيها حرفيون صنائعية في بريطانيا ضد استخدام الآلات التي جاءت مع الثورة الصناعية بل وسعوا لتهشيمها لأنه رمت بهم في البطالة وقطعت رزقهم. فقد حفلت كتابات ماركس أيضاً بتصاوير من قرنه التاسعشري دالة على بغض التكنولوجيا. وفيها نجد آلة البخار تصادم العامل كتجسيد بليغ لرأس المال. فالآلة بذلك نظام متقن لتعذيب العامل. فتكنوفوبيا ماركس تظهر في قوله بأن كل مخترعاتنا وتقدمنا تبدو وكأنها تنتهي إلى تزويد القوى المادية بحياة فكرية بينما تشل الحياة الإنسانية وتجعلها قوة مادية. وهذ الغضبة من الالات تظهره ك "اللودي الجديد" الذي ألمحنا إليه أعلاه. ولكن تجد ماركس في مواضع أخرى يتحدث في نفس الوقت عن الوعد التحريري للآلات. قال في كتابه رأس المال إن الصناعة الحديثة تحول نفسها وتغيرها "بواسطة الالآت والعمليات الكيمائية وغيرها" وبفعلها هذا تٌهًجِر كتلاً من العمال ورأس المال من قطاع صناعي إلى آخر". وهو يرى في هذه المرونة والتغير هجمة على العامل تنزع الطمأنينية من نفسه. ولكنه يرى من الجانب الآخر في هذا الإبتداع حسنة. فهو يهدم التخصص الضيق الذي مَيَّز الصناعة الحرفية بجعله التباين في العمل شِرعة تؤهل العامل ليعمل في العديد من أنواع الشغل. وهنا نرى ماركس آخر مأخوذاً بالإمكانيات التقدمية لعلاقة الماكينة والإنسان.
    مثلاً: كيف نظر ماركس إلى تقدم تقنية الاتصال في عصره من تلغراف وبواخر وسكك حديد؟ هي عنده أدوات لا محيص عنها لتطوير انتاج المصنع ولخلق السوق العالمي وثمرة لتثوير رأس المال الذي لا يني لوسائل الإنتاج. فهذه التقنيات هي التي تضطر البرجوازية لتضرب في أنحاء سطح المعمورة لتنسرب في كل مكان وتقيم العلائق في كل فضاء. فهذه الوسائط التقنية في نظره أخطبوط يمدد من نظام سيطرة رأس المال. وفي عبارة له سبق بها عولمتنا قال: كل تطور في وسائل القوى الجديدة هو في نفس الوقت سلاح ضد العمال. فكل تحسين في وسائل المواصلات هو مكون هام في أتمتة السوق العالمي" تحيل التبادل النقدي قوة تبدو أنها تقف بوجه أي إمكانية للتحول الإنساني أو للتدخل الإنساني من فرط عملياتها الموضوعية غير الشخصية التي لا تني". وهذه عبارات جعلت ماركسيين كثيرين يركزون على التأثير الهيمني للوسائط الرأسمالية في صناعة المعلومات كما سنرى بالذات عند مدرسة فرانكفورت وثورة طلاب الستينات التي انتظمت حول أفكار هربيرت ماركوز .
    ومن جهة أخرى نظر ماركس إلى الإمكانية التي وفرتها ثورة اتصالات القرن التاسع عشر (التلغراف، البريد المتسارع) لهدم الحواجز الريفية والقومية وتدويل البروليتاريا. وسبق ماركس وإنجلز شعار "يا عمال العالم اتحدوا" في المانفستو بقولهم إنه قابل للتحقيق لظرف" تحسن وسائل الاتصالات التي خلقتها الصناعة الحديثة ووشجت ما بين العمال في مواضعهم المختلفة". ولهذا قالا بأن البرجوازية، وهي التي خلقت هذه البئية من التآخي العمالي، قد شحذت "الأسلحة التي ستقضي عليها" في الوقت الذي جاءت لمسرح التاريخ "بالرجال الذين سيمتشقون هذه الأسلحة، الطبقة العاملة الحديثة، البروليتاريا". وأهتبل ماركس هذه السانحة للدعوة لنظريتهما على نطاق اسع. فسعى مع إنجلز للتسلل، عير وكالة أنباء سويسرية ، إلى وكالات أنباء عالمية في بروكسل، لبث أفكارهما على نطاق واسع. وقال الكاتب معلقاً إن هذا لن يجعل ماركس "هاكر" بالمعنى الحرفي ولكنه يشف عن تعلقه بإمكانيات ثورة الاتصالات في عصره.
    واضح أن كتابات ماركس عن الآلة تأرجحت بين قطبين. الأول هو أن التكنولوجيا هي أداة لتمكين الرأسمالية ولتعزير استغلاها واعتقال العالم في التبادل السلعي. أما القطب الثاني فهو أنها قاعدة للحرية من العوز وللتداخل الاجتماعي اللذان هما بمثابة تمهيد للمجتمع الشيوعي. ومن إتبع ماركس جنح إلى قطب دون آخر أو راوح بينهما (39-42).
    وبعد هذه المقدمة المفيدة نظر الكاتب إلى الثلاث مدارس الماركسية التي نازلت مدرسة ثورة المعلوماتية (التي قضت بنهاية الماركسية) وعرض لاستجابتها لتحدي تلك الثورة وعلاقة التكنولجي والثورة. وسنعالج أدناه كل منها ونتعرف على كيف لاقت التحدي ومدى نجاحها من إخفاقها.

    1-الاشتراكية العلمية: ركزت على مقولة ماركس عن التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقاته. وعليه رأت التاريخ مدفوعاً في سيره بقوانين نافذة تجاه الاشتراكية (42). وتمثلت هذه المدرسة بأجلى صورها في كتاب إرنست ماندل "الرأسمالية المعاصرة-المتأخرة) (1968). وفيه يرد على بشائر دعاة إلغاء الماركسية بالنظر إلى ثورة المعلومات التي كان نجمها آنذاك دانيل بل بكتابه (قدوم مجتمع ما بعد الصناعي)(1973). وكان دافعهم لنقض الماركسية هو ما بدا لهم من قوة السبرنيطيقا وتنامي أهمية التخطيط والتعليم وتنامي "قاعدة المعرفة" التي يقوم عليها التطور الاقتصادي. وتمسك ماندل بماركسية ماركس. وقسّم المجتمع الراسمالي في الغرب إلى رأسماليات: رأسمالية السوق وتكنولجيا الآلة البخارية، فرأسمالية الاحتكار وآلتها كهربائية واحتراقية، فالرأسمالية المتأخرة وآلتها الكمبيوتر والذرة. وكل تحول في الرأسمالية يجلب مزيداً من الربح للرأسماليين (43).
    ويصف ماندل الرأسمالية المتأخرة بتزايد وتيرة الأتمتة وإحلال نظم السبرنيطقيا محل العمال. ويترتب على ذلك أمور1- يتحول العمل الحي من معالجة مواد خامة حقيقية إلى وظائف تحضيرية وإشرافية، 2-تقع تطورات مبتكرة في تنظيم الأبحاث والتعليم الجامعي، 3-تسارع في الإنتاج وضغوط لإحداث ضبط أفضل للتفريدة inventory وأبحاث السوق وإدارة سوق الطلب وزيادة الاستثمار في نظم تكنولوجية سرعان ما يجري استبدالها بأخرى أفضل. وستٌملى هذه القسمات على الرأسمالية المتأخرة ضرورة تنظيم أدق للإنتاج لا يقتصر على المنشأة بل يشمل الاقتصاد بأسره. وسيقود هذا جميعه إلى تدخل الدولة في الاقتصاد. ولن يغير هذا كله من الغريزة الأم للرأسمالية وهو الحفاظ على نسبة الربح.
    وهكذا واجه ماندل طلائع نظرية مجتمع ما بعد الرأسمالية. ورفض فكرتها القائلة بأن المركزية الاقتصادية الناشئة للعلم والمعرفة التكنولجية هي من علائم مرحلة جديدة في التاريخ. قال: "إنه خلافاً لزعم الرأسمالية المتأخرة من أنها تمثل مجتمعاً ما بعد صناعي تبدو كالفترة التي (تصنعت) فيها كل فروع الاقتصاد للمرة الأولى". وقال بأن الاعتقاد في فحولة التكنولوجيا هو الشكل المخصوص من إيدولوجية البرجوازية في الرأسمالية المتأخرة. وهي "نظرية تزعم أن بوسع النظام الاجتاعي القائم، وبالتدريج، أن يستأصل شأفة بؤر الأزمات وأن يجد حلاً "تكنيكياً" لكل تناقضاته، وأن يدمج فيه كل الطبقات الثائرة ،ويتفادى التفجر الثوري". وانتهى ماندل إلى وصف الزعم بأن الإبتداع في التكنولوجيا سيعين الرأسمالية لتخطي أزماتها المزمنة بالضحالة. فعلى العكس، قال مندل، إن تلك الإبتداعات ستسوقها حتف أنفها إلى الهلاك الحتمي (43-44).
    2- - مدرسة التكنولجيا كإخضاع. تعود فكرة التكنولجيا كقيد إلى مدرسة فرانكفورت (ماكس هوركهيمر وثيودور برونو وهربرت ماركوز) ومفادها أن عقلانية التكنولوجيا خدمت التحرر الإنساني في ما سبق ولكنها صارت الآن ظالمة. وتعاصرت هذه المدرسة التكنولجية في الستينات مع مدرسة الاشتراكية العلمية المشروحة أعلاه. وروادها ماركسيون من أوربا وأمريكا استدعوا الجانب البغيض للتكنولوجيا من ماركس ناظرين إلى سوءة التكنولوجيا في عصرهم من استخدام قنابل النابالم، ووحشة خط التجميع (أسمبلي لاين) في المصانع، ومحطات التوليد الذري. وبدا لهم من عنفوان هذه الأدوات التكنولوجية وقهرها أنها تٌقَوى رأس المال بدلاً من إضعافه. فلم يصح عندهم بالتالي أن قوى الإنتاج الجديدة ستنشق عن وسائل الإنتاج وتحقق الاشتراكية. خلافاً لذلك بدا لهم أن قوى الإنتاج قد حصرتها علاقات الإنتاج التي رتبها الراسماليون لتمكين أنفسهم. وصار رأس المال المدجج بالتكنولوجيا بالنتيجة من المنعة بما مكنه من صناعة "الإنسان أحادي الجانب" في قول ماركوس. واتخذت المدرسة مسارين. ركز أحدهما على مجريات العمل والآخر على اكتشاف الوسائط الجماهيرية (48-49).
    وخلص المسار الأول إلى أن استخدام رأس المال للتكنولوجيا في الصناعة هو ضد الإنسانية في جوهره وناشيء من تصور مفاده ألا حاجة للناس لإحداث التقدم.ويرى مسار الوسائط أن استخدام التكنولجيا يستهدف فرض "ثقافة الصناعة" التي تروج لمنشآت التسلية والإعلان مستنبطة حاجات زائفة في الناس لبضائع يشترونها فيأمنون لها ويلتذون فتٌبطِل فيهم التمرد والإنشقاق وتٌمكن للنظام السائد وتحميه. ومن هؤلاء الماركسيين الناقمين على "ثقافة الصناعة" هربرت شيللر الذي قال إن الاستبشار بثورة المعلومات باطل. فما نراه من مجتمعها المزعوم مجرد مجتمع تستأثر المؤسسة الرأسمالية به بما تذيعه من معلومات وليس مجتمعاً تخطينا فيه الرأسمال إلى مجتمع كوني من أفراد إنسانيتهم معصومة تخدمهم الإكترونيات. ولا يرى أهل المدرسة غضاضة في الرجوع بموقفهم إلى تقليد اللوديون القدامي الذين حاربوا الاستغلال الراسمالي في القرن التاسع عشر بتهشيم الآلة التي استعبدهم المستغلون لها. فشيللر وصحبه هم لوديو ثورة المعلومات. وبلغوا من ذلك أن قال أحدهم إن جوهر مسألة التكنولوجيا الآن أن هناك حرب اجتماعية (بين العمال ورأس المال) ولكن جانباً واحداً منها هو المسلح. وأضاف "إذا بدأ العمال صراعهم بتهشيم الآلات في معادنها لأنها أداة استغلالهم فمسؤولية المثقفين الآن أن يبدأوا بغير تلفت هشم الماكينات الفكرية للاستغلال . وكان ماركس قد تعاطف مع اللوديين. ولكنه قال لقد مضى بعض الوقت حتى تمكن العمال من التفريق بين الماكينة وبين استخدامها بواسطة رأس المال لإستغلالهم. وبهذا الوعي انتقلوا بالتهشيم من الآلة المادية للإنتاج إلى هدم نوع المجتمع الذي يوظف هذه الآلات (50-54)
    3-ما بعد الفوردية (من هنري فورد صاحب مصانع السيارت الأمريكي الشهير). وهي دعوة لرأسمالية عاقبة للفوردية الذي هو مصطلح في رأسمالية التراكم المٌمَيزة للرأسمالية الصناعية لمنتصف الخمسينات من القرن العشرين. فهي نظام شامل للتنظيم الاجتماعي يقوم فيه الإنتاج على مصانع خطوط التجميع ، وسوق استهلاكي جماهيري مشراه بضائع منمطة، ويتمتع باستقرار كينزي (عائد إلى جون كينزي 1883-1946) لدورة المال والأعمال (بيزنس). وكان عصر الفوردية الذهبي في ما بعد الحرب العالمية الثانية. وأخذت ما بعد الفوردية مساراً مختلفاً عن اللودية الجديدة والاشتراكية العلمية. فهي على خلاف اللودية الجديدة متفائلة بالطاقة التحريرية للتكنولوجيا الجديدة. ولكنها خلافاً للاشتراكية العلمية لا تنتظر من هذه التكنولجيا أن تنصر الاشتراكية بل إصلاح ذات بين العمال ورأس المال. وهي بهذا خطاب يقرب الماركسية كثيراً من تحليلات الأكاديميين الليبراليين ومستشاري الإدارة ومنظريّ مجتمع المعلومة (55-56).
    ونشأت مدرسة الفوردية الجديدة من تحليل الأزمة التي استحكمت بالفوردية في الستينات والسبعبنات فابطلتها. وتولت "مدرسة الرقيوليشن (الضوابطية)" الفرنسية التنظير لتلك الأزمة والمخارج منها. فمن أسباب الأزمة في رأيها تشبع سوق الفوردية الجماهيري، وضيق العمال ببيئة الورش، وتفاقم تكلفة دولة الرفاه، وتغيرات في صور المنافسة العالمية. ويقول الانضباطيون في محنة الفوردية إنه منذ منتصف السبعينات تهافت نظامها للتراكم الفوري الناجح من قبل وتدنى الربح فتوالت فترات من الشك والتفكك وإعادة بناء للاقتصاد العالمي ما تزال جارية. وتساءل منظرو الضوابطية عن ماذا بعد الفوردية. ومع تباين الإجابات اتفق للمنظرين أن ما بعدها سيشمل إدخال تكنولوجيا جديدة تغير في وتائر الصناعي. وتكهن المفكر ميشل أقليتا بأنه ستحل بنا فوردية جديدة تستبدل خط التجميع الإنتاجي بنظام حاسوبي مؤسس على مبادي المعلوماتية. ولم يتفاءل أقليتا بهذا التحول لأنه سيضاعف من مطلوبات العمل ويستغني عن المهارة ويطبع المجتمع عامة باتجاهات شمولية تحكمية. واتجه منظرون بالفوردية الجديدة إلى مذهبين. فمنهم من اخذها بنبرتها المتشائمة بينما تفاءل آخرون بها وبنوا على ذلك. وممن تفاءلوا مايكل بيو وسارلز سابل. وهم من غير الماركسيين الذين تقاطعت أفكارهم مع مدرسة الإنضباطية الماركسية التي نظَّرت للفوردية الجديدة. فإطار التكنولوجيا ما بعد الفوردي، في نظر بيو وسبل، سيعيد إلى العمل نعمة النظر والتعلم والتنوع الذي فقده بتمكن الآلة الميكانيكية في فترة الفوردية وخلاصة قول بيو وسبل إن هذا الإنعاش التكنولوجي في مصانع ما بعد الفوردية سيزيل التباغض من موقع الإنتاج الراسمالي ويعلى من قيمة التعاون بين الإدارة والعمال. وصارت ما بعد الفوردية في طبعة بيو وسابل صناعة أكاديمية لرواجها بين اساتذة الجامعات (56-57)
    لا اعتراض لداير-وزيفورد على الفوردية الجديدة من حيث قوة تحليلها لحقائق مبتكرة في الثقافة والأقتصاد في الرأسمالية المعاصرة. فهي أفضل نظراً من نقادها الماركسيين العقائديين. بل طرقت باباً من كتابات ماركس عن الرأسمالية كتجربة غير جامدة أهملها عقائدة الماركسيين. ولكن لا يعني توفيق الفوردية الجديدة في طرق مرونة الرأسمالية إعفاءها من المؤاخذة لتضعيفها التناقض في الرأسمالية. ففي حماسة منظريها ل" الزمن الجديد" للرأسمالية نسيوا "الأعداء القدامى". فركزوا على احتياجات التنظيم الموفق لرأس المال للمجتمع وغضوا الطرف عن العمال الذين نازعوه سلطانه (59). فأعتنوا بنمو رأس المال وتلاؤمه مع بيئاته المستجدة لا بالصراع الطبقي. وقد ألجأهم ً تهافت اليسار في الثمانينات إلى قبول حيوية الرأسمالية قبولاً كفوا به عن التفكير في مصرعها كما راهنت الاشتراكية العلمية بذلك. فلم يعدوا ينتظرون ميلاد نظام جديد بل قنعوا من غنيمته برأسمالية ذات تجليات مرنة وبالصفقة التي ستعقدها مع العمال فينحل الصراع الطبقي. فالنظرية لا تصوب نظرها للعمال الذين يمكن لهم استخدام سعة تجديد الرأسمالية وآلياتها لتداول الثورة لا البضائع. وسمى ناقد للفوردية الجديدة منظريها ب"بيع المستقبل رهنا" . فالمنزل متى أفلس صاحبه يباع بثمن يحل دين الدائن وغالباً ما كان ثمن البيع بخساً (61).
    ونظرا لتعقد هذا الباب وغرابة أطواره في المسميات أترجم هنا تلخيص الكاتب له. قال:
    رأينا في الفصل كيف استجابت مدارس ماركسية بطرق متباينة لتحدي ثورة المعلوماتية. وهذا التباين مردود إلى كتابات ماركس المعقدة عن التكنولوجيا. فكل أخذ ناحية من فكرة ماركس عن التكنولوجيا والمجتمع واشتغلها مخالفاً آخرين. فالاشتراكية العلمية تنبؤوية رأت في تداخل قوي الإنتاج وعلاقاته طريقاً سالكاً مؤكداً لقيام الاشتراكية. بينما رأت مدرسة التكنولوجيا الإخضاعية أن التكنولجيا تمكن للراسمالية. وعالج الفورديون الجدد تطور التكنولجيا كفرصة لأنسنة العمل وتجاوز صور استغلاله الموروثة.
    وتعاني هذه النظريات من نواقص كبيرة. فالاشتراكية العلمية سحبت المكر البشري من المعادلة وأحلت محله آليات تقود بصورة أتومتيكية إلى الاشتراكية. وأما مدرسة التكنولجيا الإخضاعية فردت الفاعلية للمكر الإنساني إلا أنها لم تخرج به من نطاق الاستغلال بما يملي عليه تهشيم التكتولوجيا. أما الفوردية الجديدة فقد امتصت عقائد منظري ثورة التكنولوجيا وتتازلت عن تبعة نقد رأس المال بل بايعته على منطقه في المرونة والتطور.
    وخرجت كل هذه المدراس من الماركسية بطريق أو آخر. فلم يبق حجر على حر في بناء الاشتراكية العلمية المتفائل بمستقبل الاشتراكية بعد تهافت نظمها في آخر الثمانينات. واكتنف مدرسة الأخضاع التكنولجي اليأس. وتحالفت ما بعد الفوردية مع مدارس ما بعد الماركسية التي زعمت تخطي تباغض رأس المال والطبقة العاملة. وهذا العرض صالح مبوجه هام رأينا فيه كيف أمرضت ثورة المعلوماتية الماركسية مرضاً عضالاً (60-61).

    7
    لم تنفد جعبة الماركسية من سهام تتصدى بها لتحدي ثورة المعلوماتية. فالكاتب بعرض في الفصل التاسع إلى مدرسة ماركسية إيطالية فرنسية معاصرة ارتبطت باسم مجلة "فيوتر أنتريو" الفرنسية التي صارت "ملتيود" في 2000 . وهي مزج للمدرسة "العٌمالية-الأتمتة" الإيطالية مع شاغل فرنسي بالماركسية والتكنولوجيا في ستينات وسبعينات القرن الماضي. فالعٌمالية الإيطالية جعلت الطبقة العاملة مرتكزاً لبعثها الفكري. ولما أضطر أنطونيو نقري، نجم العٌمالية، اللجوء إلى فرنسا تشكلت نظرية مزجت عمالية إيطاليا بشاغل مباحث الثورة التكنولوجية الفرنسية وجعلت مجلة فيوتر أنتريو منبرها النظري. وضمت إلى جانب شيوخ ماركسيين مثل نقري شباب مثل مايكل هاردت ومورزيو لازارتو . ومن رأي داير-وزيفورد أنها المدرسة الماركسية الأقرب إلى الإصابة في الاستجابة لتحدي الثورة التكنولجية.
    واسطة عقد المدرسة هو مفهوم "العقل أو الذهن العام". وجاء ماركس بالمفهوم في كتابه "خطوط عامة لنقد الاقتصاد السياسي" (1939) في باب من الكتاب عنوانه "شذرات عن الآلة". في هذا الباب ترك ماركس تأكيده المعروف لدور العمل في خلق الفائض اللازم للتقدم الاجتماعي. بدلاً عن ذلك رأى، أنه عند حد معين من تطور رأس المال، لن يعتمد خلق الثروة على انفاق وقت العمل في الإنتاج. خلافاً لذلك فخلق تلك الثروة سيعتمد على عاملين متناصرين هما الخبرة التكتولوجية، اي العمل العلمي، والتنظيم أو الترتيب الاجتماعي. وسيكون العامل الحاسم في الإنتاج "هو تطور الملكات العامة للدماغ الإنساني" أي "المعرفة الاجتماعية العامة"، "العقل الاجتماعي" وبعبارة سائغة "القوي العامة المنتجة للدماغ الإنساني". ويتمثل التعبير الأساسي لقوة الذهن العام في تصاعد أهمية الآلات، أي رأس المال الثابت في التنظيم الاجتماعي. فالطبيعة لا تصنع الآلات التي هي من صنع الذهن الإنساني معمولة باليد الإنسانية. وعليه فالآلة هي قوة المعرفة موضوعياً (مموضعة). فتطور الآلات يرينا إلى أي مدى أصبحت المعرفة العامة قوة إنتاجية مباشرة. وكذلك المدى الذي أصبحت به أوضاع عمليات الحياة الاجتماعية نفسها تحت تأثير الذهن العام وكيف صارت تتحول بسببه. وكان ماركس يقصد بإشارته للتكنولوجيا إلى الأتمتة والاتصالات التي وحَدَت السوق العالمي (219-220).
    ويعتقد داير-وزيفورد أن قول ماركس في "شذرات عن الالآت" نبؤوي. فهو يكاد يصف مجتمع المعلومات أو اقتصاد المعرفة المعاصر. وهو اقتصاد تتداعي فيه سائر موارد المجتمع الفكرية (في فرق العمال على بلاط المصنع، وشراكات الصناعة مع الجامعات، وغيرها) لتنتج البدائع التكنولوجية للمصانع التي يديرها الروبوت وانفلاق الجين، وشبكات الكومبيوتر الدولية. ولا يصح من ذلك أن نستنج أن الاشتراكية صارت قاب قوسين أو أدني. ما وجب التنبه له أننا نشهد في البادي إعادة تنظيم ظافرة للرأسمالية التي توظف الإبتداعات التكنولوجية المحدثة لكي تمكن لنفسها من سيطرة على الدنيا غير مسبوقة.
    تبقي أن نعرف ما بوسعنا أن نتعلمه من تفاؤل ماركس بالعقل العام. وهذا العلم ما أخذت مدرسة ال "فيوتر أنتريو " على عاتقها الحصول عليه. وملخص فكرتهم هو: اضطر رأس المال، مضغوطاً بصراع العمال الجماعي في الستينات والسبعينات وأزمة الفوردية، إلى اجتراح مستويات غير عادية من التكنولوجيا العالية وسلاسة الحراك العالمي. وجاءت بنا هذه التطورات إلى العقل العام" الذي قال به ماركس. ولكن هذا الزخم لم يؤد إلى هلاك الرأسمالية. ولكن ظهر بعض ما تكهن به ماركس من ذيول هذا الزخم. فقد تآكلت قاعدة العمل المأجور وتزايدت الطبيعة الاجتماعية للانتاج. ولكنها لم تأت بما يشتهي الماركسي من إهلاك الراسمالية. فقد استمر النظام كما كان في إطار للعمل المأجور والملكية الخاصة ما يزال (221).
    ومن رأي مدرسة الفيوتر انتريو أنه لملاقاة تحدي الثورة التكنولوجية لما بعد الفوردية وحقائقها أن نتصالح مع فكرة أن هذه الرأسمالية، التي أنقصت العمل عند محطة الإنتاج بفضل إبتداعها التكنولوجي، ستتطلب نشأة جملة من الملكات الاجتماعية والتعاون: أي رعرعة "المعرفة الاجتماعية العامة". ويبحث منظرو المدرسة جوانب هذا التكوين الذاتي للعقل العام ويسمونه "التثاقفية الشعبية". وهذه التثاقفية هي جماع المعارف-البصائر التي تسند عمليات اقتصاد التكنولوجيا العالية. وهي همة في بروليتاريا الفوردية الجديدة التي تواثقت بصورة مباشرة بعمل إتصالاتي وتكويني الحاسوب لحمته وسداه. وهذا التثاقف الجماهيري شديد الصلة ب"العمل غير المادي" الذي يَسِم الفوردية الجديدة التي تلعب المعلوماتية والاتصالات دوراً هاماً في كل مرحلة من مراحل الإنتاج. وهي مما لا يحتويه تفريق الماركسية بين القاعدة والبناء الفوقي أو الاقتصاد والثقافة. فهذا العقل مما يصعب وصفه بمصطلح الاقتصاد. ولهذا السبب نفسه (لا رغماً عنه) صار هو المكون الاساسي للإنتاج الرأسمالي في أيامنا هذه.
    ويبقي السؤال: إلى أي مدى سيستطيع رأس المال احتواء هذا التثاقف الجماهيري؟ وليس هذا الاحتواء صعباً بالطبع وهو حادث. ولكنه سيستدعي ممارسة درجة عالية من الرصد والتجسس. فالإدارة الرأسمالية وطائفة من المؤسسات، بما فيها المدراس، تحاول قصر استخدام المعارف المنتجة وانتشارها. والفيصل هنا الربحية التي لأجلها يحظرون الروابط والعلائق التي بوسعها أن تغير بصورة جذرية بنية حقل المعرفة. وهذا التضييق على التثاقف الجماهيري هو ما تتفاءل مدرسة الفيوتر انتريو أن يصبح مناسبة لصور جديدة من الصراع الاجتماعي (222).
    ومن رأي نقري ولازاراتو أن هذا الصراع سيقع في حيز "الإدارة التشاركية" التي هي سمة الذهن العام لعصرنا. ويقصدان بذلك ما تبذله الإدارة في ما بعد الفوردية ليبلغ فَضل العمال (اي ما تبقى منهم بعد الأتمتة) أقصى حدود الإنتاج بحفز إبداعيتهم ومشاركتهم ويقظتهم. فروح العامل هي المرغوب أن تتنزل في المصنع بعد الفوردي لا مجرد عضلاته. ولكن من رأيهما أن فريق عمل ما بعد الفوردية المبدع لا يختلف كثيراً عن عمال خط التجميع في مصانع الفوردية. بل ربما كان هذا الفريق أشد شمولية لأن الإدارة تستصحب ذاتية العامل وإرادته ليلجم روحه لجماً يكون به الأمر بالطاعة صادراً عن الذات وعمليات الاتصال نفسها. وهنا منشأ تناقض: فالرأسمال بحاجة إلى إبداعية العامل ولكنه يحذر من استصحابها على طول الخط وسيقلب لها ظهر المجن لأن الإنتاجية هي شاغله الأكبر (223).
    وقد درس لازارتو هذا التناقض بين الدعوة لإبداعية العامل بواسطة رأس المال والتملص منها في أعقاب إضرابات مصانع البيجو الفرنسية في 1989. وهي إضرابات كسرت شهر العسل الطويل بين العمل ورأس المال وذكَّرت بعمال خط التجميع في الفوردية وثورتهم. ووجد لازاراتو بوناً كبيراً بين المفروض من استعداد الشركة لسماع اقتراحات العمال لما ينبغي أن تكون عليه الإدارة وما بين تصميمها ألا تأخذ منها إلا ما يقوي الإنتاج. ووجد لازاراتو أن التراضي المزعوم بين العمال والإدارة مختلطاً بمطلب الأجر الأفضل وبتذمر من إطراد سرعة الإنتاج. وأضرب العمال وكان من بين مطالبهم أن تجعل الإدارة من حديثها عن التعاون واحترام العامل خٌلقاً صناعياً ممارساً. وكشفت دراسة في أمريكا عن أحوال العمال في مصانع ما بعد الفوردية هزء العمال من الإدارة التشاركية. فهم يسمعون بالعلاقة الجديدة مع رأس المال ولا يجدونها. فالعمال كما وجدتهم الدراسة لا يحبون شركاتهم بينما ذلك الحب هو ما قال منظرو ثورة المعلوماتية إنه لحادث. وبرز هذا التناقض في كندا حيث أضرب العمال في مصانع جنرال موتورز في 1996 مطالبين ب "تملك الوظائف" في وجه حملة لإنهاء التعاقد. وزاد العمال بأن طالبوا بيوم عمل أقصر ورفضوا تهجير مصانعهم للخارج وإلى إلزام الإدارة بتخديم أهل المنطقة التي يٌهَجَّر لها المصنع بشروط مجزية. واستمر الإضراب 22 يوماً واحتلوا مصنعاً ولقوا تأييد الرأي العام (224-225).
    وصور التناقض بين زعم ما بعد الفوردية بالإبداعية وتجنبها للعمال مع ذلك عديدة. فوجد منظرو الفيوتر انتريو في بعض المصانع أوضاعاً تحالف فيها العمال مع حركة الخضر للبيئة لأجل "العمل الأخضر" ولتعميمه خلال شبكة عالمية. وفي حالات أخرى نجد العمال جدوا للاستمرار في الإنتاج بكفاءة جديدة في حالات استغناء رأس المال عن العمل المأجور بدلاً من الإضراب لوقف الإنتاج. وقد يكفي هذا لنرى كيف أن العمل الجديد، العمال، يحاول توظيف نفس الطاقات الفكرية والتضامنية التي يوظفها رأس المال في فريق الإنتاج ولكن في وجهة أخرى. وكثيراً ما تقاطعت تحالفات العمل الجديد مع حركة الخضر والنساء والشعوب المقهورة. وعليه نستطيع من وجهة هذه الحركة الجديدة للعمال أن نقول إنها بديل تحت التكوين لتنظيم رأس المال للعقل الجماهيري لأغراضه.
    ومن رأي الفيوتر انتريو أن هذا العقل الجماهيري سينفجر بوجه رأس المال ليس لأن رأس المال سيستغني عن عمال كثيرين فحسب بل لأنه استحصل على المعارف والخبرات من ثورة المعلوماتية التي ستعينه على تدبير المجتمع على نحو مبتكر.ويسمي نقري هذه السعة المبتكرة ب" الشوكة المٌنشئة" التي تهدف سياستها الجذرية إلى إقامة "جمهورية" تتطهر من تأمر رأس المال وسلطنة الدولة. ويرى منظرو الفيوتر انتريو تجلي إمكانات هذا العقل الجماهيري في موجات الاحتجاج الاجتماعي التي انتظمت الدول الراسمالية المتقدمة في التسعينات (226).
    وبالطبع تعرضت فكرة "العقل الجماهيري"، الذي له ولاية الثورة والتغيير في مجتمع ما بعد الفوردية، إلى نقد دقيق. فوصف النقاد منظري العقل الجماهيري بأنهم رجال أوربيون. وعليه استبعدوا ،في تركيزهم على سيادة العمل غير المادي، الذهني، في العقل الجماهيري، النساء وعمال الجنوب، غير أوربا، الذين ظلوا يخضعون لمشاق العمل الجسدي المرهق. فمن رأي النقاد أن رأس المال ما زال يفرق بين طوائف المستخدمين ويرتبهم هرمياً. وتأتي طبقة "المحللين الرمزيين" من مهندسين وعلماء، التي هي ثمرة الثورة التكنولجية، فوق الفراشين وعمال الخدمات عامة.ممن برزوا بشكل واضح في رأسمالية ما بعد الفوردية. فالفيوتر انتريو في نظر نقادهم "صفويون" لم يفارقوا ماركسية الحزب الطليعي الذي عليه ولاية الثورة نيابة عن العمال. وكانت لمنظري الفيوتر انتريو ردودهم على نقادهم وأهمها أن التكنولجيا المتقدمة لن تترك خالفاً لا يتوسل بها إلى اغراضه.وضربوا مثلاً بفراشيّ وادي السيلكون، ذؤابة التكنولوجيا في عصرنا، في كليفورنيا الذين طَوعوا الحاسوب لتقوية حجتهم وصفهم خلال إضراب ما. وكذلك حمل الإنترنت مقاومة مناضلي الزباتيين في المكسيك والمطالبين بحق تقرير المصيرفي تيمور الشرقية. ومن رأي داير-وزيفورد أنه مهما قلنا عن اليوتر انتريو فلا بد أن نذكر لهم أنهم جاءوا بصيغة عن الصراع الطبقي في مجتمع ما بعد الفوردية الذي قال منظرو ثورة المعلوماتية إنه خلا من ذلك الصراع. وهي صيغة صالحة على حاجتها إلى مراجعة مسلماتها واستكمالها بما وصفه ماركس ب"التحري العمالي" تنهض به شبكة باحثين في دراسات متضامنة تقف على أشكال الصراع الطبقي المستجدة (231-232).
    وضرب الكاتب على مثل هذا التحري النافذ إلى التجليات المستحدثة للصراع الطبقي مثلاً على استصحاب رأس المال للفكر وساحاته، الجامعات، خلال العقود الماضية. فمن الملاحظ انكماش المسافة بين الصناعة والجامعة منذ الحرب العالمية الثانية حتى تبخرت فصار الأكاديميون ،وبصورة قاطعة، طرفاً في استحواذ رأس المال على الذهن العام. فقد أصبحت الأكاديمية مسرحاً لذلك الاستصحاب للعقل العام بما جعل الصناعة أكثر فكرية حتى سمت مايكروسوفت موقع إنتاجها ب"الكامبس" وهو لغة في الجامعة. والهدف من ذلك هو تحويل الهمة الأكاديمية إلى رأس مال فكري. فبين عام 1970 و1980 نجح رأس المال في "تسليع" الأكاديمية. وجرى ذلك بخلق شراكة بين الصناعة والأكاديمية تجسدت بقوة في ما عرف ب"منتزه البحوث" (Research Park) التي أصبحت معلماً هاماً في حياة جامعات ذات خطر. وفيها تمول الصناعة ما ناسبها من أبحاث على حساب البحث في المسائل الأساسية التي يمليها الشاغل الأكاديمي وحده.
    وتعددت صور استصحاب رأس المال للجامعة. فجاء رأس المال لها ب "ببراءة الاختراع" لإغراء علمائها بالركون إليه. ثم جاءت الصناعة في التسعينات بمفهوم "الجامعة الافتراضية" (virtual university) زودت به الجامعات بتكنولوجيا الحاسوب المتقدمة ليكون التعليم عن البعد هو الغاية المثلي. وفي هذا "تسليع" لوظيفة الجامعة التعليمية. ويقول نقاد الجامعة الافتراضية إنها مصممة لبيع وظيفتها ومنتوجها التربوي في سوق الله أكبر. مثلاً صار المدرس يبذل مادة كورسه لتعبئها شركات التعليم في أقراص مدمجة للبيع بما أفقده قبضته البيدجاجوية (التربوية) على مادة تدريسه. ومن شأن ذلك أن يجعل الاستغناء عن الاستاذ يسيراً أو أن يٌثقَل عليه بتبعات التدريس من على البعد بالإنترنت. ومع أن جدوى هذا التعليم لم تثبت بعد إلا أن الصناعة وإدارات الجامعات تتوسع فيه غير متحسبة للعواقب.وسمى ديفيد نوبل، الناقد الدقيق لتبذل الجامعة إزاء الصناعة، تلك الجامعات ب"بطواحين الدبلومات الرقمية".
    ومثل هذه الأحوال المتغيرة في الجامعات هي الأساس لعلاقة ناشطة جديدة بين الأكاديميين والطلاب الخوارج على تبذل الجامعة والحركات الاجتماعية المعارضة. وهذا مدخل هؤلاء ليكونوا طرفاً في الذهن الجماهيري وليقوموا ببحث القضايا ذات النفع للحركات الاجتماعية وتدريسها وكسر الحائط الرابع بين الجامعة وقادة تلك الحركات ليكونوا طرفاً في المشاركة بخبراتهم واشواقهم. ويمكن للأكاديميين الخوارج مصادرة الحاسوب، الذي أريد له تدجين العملية التربوية، من أربابه الرأسماليين لخدمة التغيير الاجتماعي. وضرب مثلاً بما جرى في ربيع 1994 الذي دخل فيه الطلاب من أصول أسبانية في جامعات ميتشغان وكلورادو ونبراسكا في إضراب عن الطعام واحتلوا بعض الجامعات. وطالبوا ببرامج تعليم جديدة ومبادرات ضد العنصرية ومقاطعة شراء العنب تضامناً مع لَقَّاطيه من ذوي الأصول الأسبانية وبناء نصب تذكاري لسيزار شافيز أول من نظم العمال الزراعيين في الستينات. وقد استخدموا الكومبيوتر في تنسيق حركتهم والتضامن معها. وجرت أيضاً في 1995 و1996 حملة رسائل إسفيرية منسقة في كندا والولايات المتحدة ضد ارتفاع تكلفة التعليم وضعف العون المالي للطلاب. وصفوة القول إن الجامعات صارت هي مركز للتعبئة السياسة الجذرية مستخدمة ذات الحاسوب الذي ارادت به الصناعة جر الجامعة إلى أغراضها (233 -236).
    وختم داير-ويزفورد الفصل بتأكيده بأن ثورة المعلوماتية لم ترم بالصراع الطبقي إلى سلة المهملات. ففي الجامعة، كما في المصانع، تعلم العمال والطلاب والأكاديميون حيلاً من التكنولوجيا التي سعى بها رأس المال لاستصحابهم في مشروعه لتراكم الثروة. فقد انكشف مستور ثورة المعلوماتية وبان ضحايها فتحفزوا للصراع ضدها بشفرتها نفسها. ففي الثلاثة عقود الأخيرة انكشفت عورة هذه الثورة التكنولجية: لم تبسط بركة تكنولوجياها على الناس كما أشيع وفتجمدت أجور العمال بل تدنت. وما زعموه من تمدد ساعات الفراغ للمتعة صار تزايداً في معدلات البطالة. ولم تحسن الشركات إلى "طبقة المعارف" التي قيل لنا إنها ستكون ربان سفينة المجتمع ما بعد الفوردي (236-238).
    وعموماً فإن يوتوبيا ما بعد الفوردية أسفر عن تزوير كبير. ولن نعلم عنه علم اليقين إذا اقتصرنا على مجرد رفع جهل الناس عن قوة رأس المال ونفاذه في المجتمع مما يمضغه كثيرون باسم الماركسية. فمتى وقفنا عند هذا المضغ فشا الهزء واليأس. فالتحدي الحق أن نضع أصبعنا على إمكانيات أن نبدل حالنا غير الحال مستلهمين ما كتبه ريموند وليامز بأن التحدي الجد للثوري هو "أن يجعل الأمل عملياً بدلاً من تسويق البراهين على حالة اليأس الراهنة". ولهذا وجد الكاتب نظرية الفيوتر انتريو صائبة لقولهها بتجدد حلقات الصراع بين العمل ورأس المال وتغيرها. فهذه النظرية ترى أن ثورة التكنولجيا نفسها، التي قيل إنها رمت بالصراع الطبقي إلى سلة التاريخ، تشكل حلقة من حلقات هذا الصراع الاجتماعي. فهي مما يفتق عنه ذهن رأس المال لتحوير نفسه وتطويرها ليستغني عن العمال ويقمعهم. وأهم من ذلك قول مدرسة الفيوتر انتريو إن حيلة راس المال باءت بالفشل. فبدلاً عن استئصال الصراع الطبقي تسرب هذا الصراع إلى آلة التكنولوجيا وتَقَوى بفنياتها التي كانت تهدف لإزهاق ذلك الصراع. .فالثورة التكنولوجية المزعومة للجم راس المال مثل الساحر الذي استجمع ب "شيخن بيخن" وسائط للإنتاج والتبادل متناهية الضخامة ولكن انقلب السحر على الساحر الذي لم يعد يقوى على السيطرة على عالمه السفلي الذي استدعاه بالرقي والتمائم (237).

    الخاتمة
    شاغلي من تحرير هذا الكتاب ليس تخطئة الخاتم في إطراحه الماركسية. فهذا جائز دائماً وأبداً. فأنا نفسي لا أعرف عن نفسي إنتماءاً للنظرية يخولني "سلطة التكفير" فيها. وأجد في تعلقي بها في زمن الضباب هذا عزاء في قول سيمون جوات عن علاقة ليوتارد الفيلسوف الفرنسي بماركس. قال في ما تقدم إن تعلقه بنصه ليس كنظرية بل كجنون. لم أكتب ما قرأته "دفاعاً" عن الماركسية بل بحس بمسؤولية سواء اعتقدت فيها أو نفضت يدك عنها. وأعني المسؤولية أن نقبلها فوق حيثيات وأن نتركها فوق حيثيات. ووجدت عبارة دريدا المذكورة في أول البحث عن هذه المسؤولية كافية بالغرض. وحررت الكتاب لما رأيت الخاتم لم يأخذ هذه المسؤولية مأخذاً جدياً. فغادر الماركسية كالشعرة من العجينة لم يعلق به نص منها ولا اعتنى بالانتماء إلى سياق من غادروها قبله ليكون مناقشه على بينة من أمره. ووجدته يطرب للحزب الشيوعي وخياراته الماركسية والطبقية الباكرة. وهذه مسؤلية سرعان ما عاد منها ليطالب بحله ورمي طوبة الطبقة العاملة كطليعة للاشتراكية وحل الماركسية في إطار نظريات شتى. وما يلزمنا بهذه المسؤلية إن الماركسية في السودان كتقليد ثقافي هي كل ما لدينا خلال نصف قرن من الزمان وتخللت مجتمعنا من غمار الناس إلى مبدعيهم. فالرمي بها هكذا بلا دليل ولا برهان قفزة في الظلام.
    ولتعميق مفهوم هذه المسؤولية وجدت سيمون جوات في كتابه الجديد "ماركس عبر ما بعد البنائية" دقيقاً في هذا الخصوص. فقال إن "تخريف" الماركسية قديم. فلم تنعم الماركسية بالقبول في فرنسا مثلاً إلا ما بين 1945 و1968. والعام الأخير عام ثورة الطلاب الذي تخطى فيه الفلاسفة الجدد لما بعد البنائية ماركس وانقلبوا عليه بثأرية فظة. فتبارى هؤلاء الفلاسفة الجدد في "تخريف" ماركس وعقيدته (10). ولكن جوات انصرف عن النتيجة التي وصلوا لها ليقف على كيف قرأ هؤلاء الفلاسفة ماركس ووظفوه ونقدوه وكيف أغتنى ماركس من قراءتهم (36). فليوتارد مثلاً لم ير أن الماركسية قد قضت نحبها وتحديها الماثل هو أن تواصل المسيرة ( 38). فهو يستصفي ماركس لأنه ما يزال، بنقده للرأسمالية، وبحربه عليها، يعزز العامل الذي يتعرض ل differend وهي حالة من العقم يعجز فيها المرء عن ردة الفعل على ما ينتابه من ظلم. فالعامل يخضع لإضطهاد مزدوج في نظر ليوتارد. فهو يبيع قوة عمله للراسمالي ويٌحظَر من الوسائط التي يعبر عليها عن ظلمه (58 ). فلا يمكن تبسيط المسألة
    ف"إلحاد" ليوتارد عن الماركسية فتح علاقته بماركس بسبل خصيبة الخيال. فبدلاً أن يتعامل ليوتارد مع ماركس كنظرية تٌفهم وتٌطبق رغب في أن يتعامل مع ماركس ككاتب، ومؤلف مليء بالمشاعر effects , وأن يتعامل مع نصه كجنون وليس كنظرية. فهو لا يريد أن ينظر لعمل ماركس كنظام نسيق يحتاج إلى أن يٌقام على الأرض أو كعلم تحتاج فلسفته إلى إعاد تركيب. ليوتارد تعامل مع شغل ماركس كقطعة فنية تتفجر طاقتها هنا وهناك مستقلة عن تناغم الخطاب. وتنفجر مرات في تفصيل منسي ومرات في منتصف آلية مفهومية راسخة مجذرة وبينة (46). فحتى حين اتفق له أنه قد تخطى ماركس أكد مجدداً أهمية ماركس في محاولتة نقضه.
    أريد بهذا الكتاب أن نعرف عن الماركسية بافضل ما عرفنا عنها حتى قبل أن نستدبرها. فالماركسية، قبلتها أم رفضتها، تستدعي معان لا يكون العالم بدونها.

    المراجع
    Isaiah Berlin, Karl Marx, 1963.
    Simon Choat, Marx through Post-Structuralism, 2010
    Jacques Derrida, Specters of Marx, 1994
    Nick Dyer-Witheford, Cycles and Circuits of Struggles in High-Technology Capitalism, 1999
    Saul K. Padover, Karl Marx, 1978.


    [email protected]





















                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de