|
الحرب .. ديمومة الرعونة !
|
*الحرب .. ديمومة الرعونة ! شاذلى جعفر شقَّاق
مثل كُلِّ مرَّةٍ تأبَّط الصبْيةُ الأشقياء مساندَ كراسى الجلوس من (الديوان) العتيق فى ذلك الظلام الدامس عقابيلَ شهر رمضان الساهر ، عندما أعلن البص السفرى – القادم من أقاصى السافل- عن دُنُوِّه من القرية عبر أنينه المموسق وبوقه المُتكفِّف إلحافاً للرُكَّاب.. لا بُدَّ أنَّ أشباحهم الراكضة – وهم يتأبَّطون مساندهم – فى ذلك الغبَش ، ستتبدَّى لسائق البص النعسان فى صورة المسافرين .. سيتوقَّف من أجلهم ولكنهم سيركضون قافلين إلى (الديوان) ضاحكين من السائق الغشيم الذى شرب (المقلب) ! ولكن هذه المرَّة لم تسلم الجرَّة ؛ فقد قفز السائق من مقعده وهو يحمل خيزرانة طالما تمنَّى أنْ يُلهب بها ظهور هؤلاء الأشقياء (المسخوتين) قليلى الأدب ! الآن أدرك (سليمان) عقلُهم المُدبِّر – وكان أطولهم قامةً وبالتالى يداً – أنَّ السائق الغضبان مُدركهم لا محالة .. فما كان منه إلاَّ أن استعار من بديهته الحاضرة وقارَ شيخٍ رشيدٍ ليستدير بسرعةٍ نحو أقرب أصدقائه (ياسر) ويصفعه براحة يده حتى يسقط المسكين .. ثم يهمهم (سليمان) بعد ذلك بطلاسم اعتذارٍ للسائق المُتراجع فى صوتٍ حاول غاية جهده أنْ يجعله غليظاً ، قبل أن يعضَّ سبَّابته توبيخاً ووعيداً لـ (الشُّلَّة) الهاربة التى سينضم إليها بعد لحظات ليستحيل ما تبقَّى من ليلهم كورالاً مِن الضحك المتمرِّغ بالشهيق على مشارف السَّحور ! ومثل كلِّ مرَّة – فى ديمومة رعونتها- ( تَرْطُنْ) الحرب ؛ تعزف نشازها وتقرع طبولها لتتطاير رؤوس البسطاء من شعبنا فى جنوب كردفان .. لتنزحَ كادقلى الكلمى وهى تحمل جراحها ضاربةً فى بيدِ النجوع القاحلة .. لا شئ خلفها سوى براكين الضغائن المتفجِّرة .. لا شئ خلفها سوى بُقَع الدماء المتخثِّرة وأخاديد الدموع .. لتنزفَ سكينة الدلنج .. تُلملم أساها على عجَل .. تبعثر خطواتِها الدامية الهلوعة .. ليخرجَ أهلوها مُكرهين ؛ رِجالاً وعلى صهوات الكفاف والعَنتْ الذى يجعل من متون شاحنات التراب ذُرىً تكلِّف مَن يرتقيها – إلى الأبيِّض – خمسين جُنيهاً للراكب الواحد ؛ هذا إذا ما وجد إلى ذلك سبيلا !! ومنهم من تمترس واستمسك بعُرى متاعه وأنعامه ، فلا بقيتْ أنعامُه ولا عبَر إلى شَطِّ الأمن و الأمان ! والأمن معضلةُ الإنقاذ الكبرى وعقبتُها الكؤود فى هذه المرحلة الحرجة التى بلا شكٍّ هى نتاج سياساتها المستأصلة لكلِّ ما سواها ، وحصاد زقُّومها الذى روته بلُعابها السائل على ذقن مصلحتها الحزبية والولائية منذ نشأتها الأولى ونظرتها المستدامةتحت قدميها الراسخين فى رمال التمكين ! الإنقاذ التى سكبتْ زجاجةَ سمن الوحدة على راس السلام الأصلع .. فلا بقى سمن الوحدة ، ولا نبتَ شَعْرُ السلام ! إنَّما اشتعل رأس أبيي دُخاناً .. فإنْ هى هشَّمتْ زجاجتها الفارغة على الرأس الجديب ؛ فالعقرب فى (نَبْرتَه) ، بل أصبحتْ عقرب (حِزَّة) من خلال قطاع الشمال فى جنوب كردفان التى تنزع فتيلة مبادرتها الآن ، والنيل الأزرق التى تضع سبَّابتها على الزناد ! عسكرياً ..الطبيعة الجغرافية لجنوب كردفان تستعصى على المشاة .. والطيران الحربى يُعيد سيرة دارفور .. فجيش الحركة الشعبية إذا حمى الوطـيـس وأمطرتْ السماءُ الموتَ الزؤام سيحتمى بالمواطنين والمقدَّسات ..فإن ركبت الحكومة رأسها فسيدفع الأبرياءُ قسْطاً كبيراً من فواتير الخطايا للجانبين ، وإنْ تراجعتْ الحكومة تغلغلتْ خلايا الحركة الشعبية فى أحشاء المُدن لتفتكَ بها مثلما حدث من تصفية لقيادات الوطنى بكادوقلى فى الأحداث الأخيرة مسجِّلةً طوراً جديداً وخطيراً من أطوار العراك السياسى فى بلادنا! أمَّا التلويح الأميركى بالعُزلة الدولية للسودان لا يبعد عن هذا السياق ، فالضغط الداخلى مرحلة من مراحل الهيمنة الخارجيَّة ، أو قُل هو (قولة خير) لعروسة لم تقل خيراً !! فالوضع الذى تعيشه بلادنا سيِّئٌ للغاية ، وإذا ما سارت الأمور على هذه الوتيرة فالأسوأ سيتناسب تناسباً طردياً مع مرور كلِّ دقيقة .. إذاً نحن فى حاجة ماسَّة إلى فقيهٍ سياسيٍّ ينتشل هذه البلاد من غيابةِ جُبِّها المهجور ، شريطة أن لا يكون قد تعاطى فقه الضرورة أو السترة فى أىٍّ ركنٍ من أركان القِبل الأربعة !! * نُشر بالوفاق
|
|
|
|
|
|