|
عندما تلفظ أنبوبة الغاز أنفاسَها الأخيرة !!
|
عندما تلفظ أنبوبة الغاز أنفاسَها الأخيرة !!
شاذلى جعفر شقَّاق
- الله يسلِّط عليك كديساً يصبِّحَك مافى !! هكذا ثفَلَ صديقى سخطَه واستياءَه ذات أربعاء غبراء مِن أواخر الشهر الجارى دوماً مِن رمْضاء المُنصَرِف
إلى نارِ الدَّيْن المُستعِرة حيث يُصبحُ ذوو الأجور الشهرية (أفلَس) مِن فأر المسيد !!
فأنا أعرف شعورَ رَبِّ الأسرة عندما تلفظ أنبوبة الغاز أنفاسَها الأخيرة فى مثل تلك الأيام
العصيبة ، متزامنةً – فى تضامُنٍ نبيلٍ – مع عدَّاد الكهرباء الذى يُرسل اشاراتِه المتقطِّعة مُعلناً عن فقرٍ
حادٍ ونبضٍ واهنٍ ومُضاعفات ماحقة ؛ إنْ لم يتم تدارُكها عاجلاً ؛ حَلَّ البيتُ فى ظلامٍ دامسٍ وفراغٍ حائر ،
وربما لم يقف الأمرُ عند حَدِّ هذا التضامُن النبيل إذا ما دخل فى شراكةٍ ذكيَّةٍ مع بعض المشاوير الاضطراريَّة
والمجاملات والواجبات الاجتماعية التى لا تحتمل التأجيل .. كلُّ ذلك فى وقتٍ تعذَّرتْ فيه أبجديَّات الحياة
لدرجة أنَّ (صاحب الدكَّان) أشاح بوجهه عن دفتر الاستدانة شاكياً مِن صداعٍ عنيفٍ إنْ لم يكن ورَماً خبيثاً ألَمَّ
برأسِ مالِه من شرِّ المَدِينين!!
كلُّ ذلك أعرفه – عزيزى القارئ – وتعرفه ، ولكن ما لا نعرفه هو : إلى مَن يوجِّه صديقى خطابَه
أعلاه ؟!! ..قلتُ مُستفسِراً عن وُجْهةِ كلامِه :
- كديس شنو ؟ وسِمِعْ شنو ؟ وكلِب ضال منو ياخ ؟انتَ يا زول عاضِّيكَ ضَب ؟!!
قال متعجِّباً مِن استيضاحى :
- أأأقصد الفار ياخى ..لأنِّى أخشى الحيرة فى مثل هذه الحالات ؛ كنُ قد اتَّفَقتُ مع زوجتى المُدبِّرة أنْ
تضع ثمن استبدال أنبوبة الغاز تحت الأنبوبة نفسها ؛ حتى لا تطاله ضرورةُ المعاش أو تقضمه حاجَةٌ عابرةٌ
، هذه هى الحيلة الوحيدة التى اهتديْنا إليها بعد طول جِدالٍ فى هذا الخصوص ، ونحن نعلم أنَّ الفحم
(شَعَر ما عندنا ليهو رقَبَة )!.. المهم أنَّ الفأر الحفَّار لم يجد فى مطبخنا ما يلتهمه سوى هذه الورقة
النقدية المُدَّخرة تحت الأنبوبة ؛ وفى الورقة ذاتِها لم يرُقْهُ سوى قرْض أرقامها بعد أنْ بعَجَ بطنَها
مستهدِفاً (مُصرانَها) الذهبى وخلَّفَ بَعْرَه على حروف قيمتها المكتوبة .. هسَّه ده يقولو عليهو شنو؟ عليك الله
الفار ده ود حلال ؟!!
كلُّ هذا العناء يا صديقى لأجلِ عيون أنبوبة الغاز المنزلى الذى ننتجه فى بلادنا ذهباً أسوداً
ليومنا الأبيض ، حُلُماً طالما راودناه فى صحونا ومنامنا ليصبح حقيقةً ماثلةً للمُبصرين والعميان والصُّمِ
والبُكْمِ ؛ وحتى أولئك الذين فى أنوفِهم طينٌ لازبٌ يقيهم استنشاق (كبريتات الهيدوروجين) المنبعثة من
مصفاة حلمنا الواقع ! .. والتى أقمناها داخل ولاية عاصمتنا ، نَعَم ، تأكيداً لهذا الفتح الاقتصادى
العظيم ؛ شعلةً ترفرف فى عنان السماء ..وهجاً لا ينطفئ .. برقاً لا ينى يُبشِّر با نعكاس الضوء على سراديب
(الغُبُش) وأكواخ المُعدَمين ودهاليز الصابرين على مرِّ السنين والباركين على جمر الخصاصة – دون كلَلٍ أو
ملل – منذ الأزل !
ثم شيَّدنا لمِصفاتنا هذه قُبابَ مخزونها الاستراتيجى لتكفى حاجَةَ هؤلاء الصابرين إذا ما أعلنت
المصفاةُ عن صيانتها الدورية مثلاً .. وبذلك نكون قد قطعنا الطريقَ أمام صيادى المياه العكرة ؛ حتى لا
يمُدَّنَّ السوقُ فماً بلا لسان ٍ ؛ أو يدفن بَيْضاً فاسداً فى رمل الاحتكار .. !! أوَ بعد كلِّ ذلك – يا صديقى
العزيز – تشكو مِن قِلَّة أدب الفئران داخل مطبخك ؟!!
* نُشر بالوفاق
|
|
|
|
|
|