|
الخرطوم تكتب من الذاكرة!
|
تحدياً للمقولة التى تقول (القاهرة تكتب ولبنان تطبع والخرطوم تقرأ) خصَّصت الفضائية السودانية برنامجاً فى ظل الخرطوم عاصمة للثقافة العربية بعنوان (الخرطوم تكتب) درج على نبش أسفار قيمة قبرتها الايام فى ضريح الذاكرة الذى لم تطف حوله الاجيال الحديثة ليس لعدم قناعتها به ولكن لقطع الطريق المعرفى بينها وبينه,فأنَّى لهذه الاجيال الجائعة ان تلتهم كتاباً من نسخة مخطوطة واحدة على نطاق الوطن استعارها مقدم البرنامج بضمان شخصى ليعيدها عقب تقديم الحلقة ,واعنى بذلك كتاب نفثات اليراع فى الادب والتاريخ والاجتماع لكاتبه محمد عبد الرحيم الذى تناولته احدى حلقات البرنامج. مثل هذه الاسفار التى نعتز بها ايما اعتزاز لكى تتواصل عبر الاجيال لا بد ان يتجرعها الطلاب عبر مراحلهم الدراسية مثل التطعيم ضد الامراض الستة -ان وُجد-ولكن كيف يتم ذلك وحظها من النشر مثل حظ الانثى من الشهادة,أو مثل حظ شاعرنا الذى وصفه بدقيق فوق شوكٍ نثروه ثم قالوا لحفاةٍ يوم ريحٍ أجمعوه,كيف نحمل اسفارنا هذه لنروِّجها على الملا وطلابنا لم يدرسوها بل لم يقرؤوها وربما لم يسمعوا بها,فالمثل السودانى يقول( الزاد كان ما كفَّى ناس البيت يحرم على الجيران) كيف ذلك ونحن لا (نشبع شوف) فى اديبنا العالمى الطيب صالح من خلال اعلامنا المحلى ؟كيف ذلك وعدد الاغنيات التى شدا بها الراحل المقيم مصطفى سيد احمد اضعاف اضعاف المسجلة بالتلفزيون والاذاعة ؟وكيف ذلك ولوحات مبدعنا ابراهيم الصلحى ترتع فيها العيون الزرقاء بعيداً عن مضارب الوطن؟فالكبت الثقافى يخيِّم على على كل الفنون فى بلادنا وليس مقصوراً على الكتابة فحسب. فاذا اردنا للخرطوم ان تكتب لا بد من تذليل صعاب الطباعة وقهر معضلات النشر واذا تحدثنا عن النشر لا بد من العبور من خلال النفق المظلم الذى يسمى بلجنة النصوص او قل اللصوص التى تسرق جيب الابداع السودانى كل صباح ,وتثبِّط همم الاقلام التى لا تستمد مدادها من تر ع الانظمة الشمولية الآثنة,ويحضرنى فى هذا الخصوص تعليقان لشاعرين من شعراء بلادى الرائعين ,اما الاول فهو الشاعر الكبير عبد القادر الكتيابى عندما كتب قصيدته الشهيرة (على كيفى) التى تعرض لها اللصوص وعاثوا فيها كشطاً وحذفاً حتى فقدت معناها الامر الذى جعله يقدم لها بقوله: (حكى ان تشكيلياً مر على لافتة سمَّاك كتب عليها) محلات السر لبيع السمك المشوى والمقلى والمحمر ) فأقنع السمَّاك ان يستغنى عن عبارة -محلات بيع-لعدم جدواها ففعل ثم مر عليه بعدها وأقنعه بان السمك عادةً يشوى او يقلى او يحمر ولا داعى لها فى اللافتة فحزفها ثم مر عليه بعدها وفهمه ان كلمة السمك تحصيل حاصل بسبب الرائحة المنتشرة فى الشارع فلم تبق على اللافتة الا كلمة (السر)!!! واما الثانى فهو الشاعر الشعبى الكبير محمد الحسن سالم حميد الذى شرب من كأس الكتيابى نفسه عندما تعرضت قصيدته لسكاكين اللصوص سلباً وبتراً ونتفاً حيث قال عندها (مسكينة القصيدة انها كحمامة نُتف ريشُها وأُمرت أن تطير) فما نحلم به هو ان لا تكتب الخرطوم من الذاكرة ولكن ان تكتب من خلال المطابع ودور النشر وان تتحرر اقلامها من عبودية لجنة النصوص ومقصاتها الحمقاء.
|
|
|
|
|
|