|
خطاب الأمة القومي - للقاء الحوار الوطني
|
بسم الله الرحمن الرحيم خطاب الأمة القومي للقاء الحوار الوطني 5 أبريل 2014م السودان وطن تأليف الاختلافات، فالدولة الحديثة في منطقة النيل كانت تأليفاً ثنائياً تحت الفونج مثلما كانت صنوها في منطقة الغرب تأليفاً جامعاً تحت الفور. وكانت الدعوة المهدية أول جامعة على الصعيد الشعبي لسودان النيل وسودان الغرب. وكثير من قبائل السودان تشتق أسمها من الثلاثي جمع: جمع، جوامعة، جموعية، حوازمة، وغيرها. وكان مؤتمر الخرجين العام 1938م تعبيراً عن إرادة جامعة. ومهما اختلف شعبنا حول المصير الوطني فقد اجتمعت الكلمة حول نداء الاستقلال في 1956م. وثارت الإرادة الشعبية الموحدة في أكتوبر 1964م وتجاوبت معها القوات المسلحة فاستردوا نظام الكرامة والحرية. وتكرر المشهد مرة أخرى في السادس من أبريل 1985م بنفس الملامح ما أدى لنفس النتائج. أحيي ذكرى انتفاضة رجب أبريل في يوم السادس من أبريل، وأقول إن أشواق شعبنا للكرامة والحرية وكفالة المعيشة الكريمة لم تزدها الأيام إلا قوة، فما ضاع حق قام عنه مطالب. ها نحن نلبي دعوة لحوار بلا استثناءات وبلا سقوف لتحقيق مقاصد رجب أبريل بوسيلة مختلفة تأسياً بنبي الرحمة الذي ما خيّر بين أمرين إلا اختار ايسرهما ما لم يأثم. أخي الرئيس أخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي أخاطبكم وأخاطب عبركم الشعب السوداني الكريم: نحن نرحب بهذه الدعوة للحوار الوطني الجامع، ونعتقد أن أهدافها تصب في المشروع الذي أعلناه في مايو 2013 تحت عنوان (مشروع ميثاق لنظام جديد). تضمن المشروع تعبئة فكرية وسياسية وشعبية للنظام الجديد، وحدد وسيلتين هما انتفاضة شعبية سلمية أو إذا استجاب النظام الحاكم يعقد مؤتمر قومي دستوري أو مائدة مستديرة أسوة بكوديسا جنوب أفريقيا في التسعينيات، أو إسبانيا في السبعينيات، أو مؤخراً التجربة التونسية الرشيدة. تحفظ بعض غير الملمين بالواقع السياسي، والمراهنين على خلاص يأتيهم بقوة السلاح، آملين أن يمنحهم الوضع الجديد الحرية المنشودة. قال الزعيم الهندي العظيم غاندي: ما يؤخذ بالعنف لا يحتفظ به إلا بالعنف. ولكننا لا نيأس من التصدي بالحجة للرأي الآخر. هناك حاجة نتفق عليها جميعاً وهي إقامة نظام جديد وإن كانت وسائل تحقيق النظام الجديد محل خلاف. يا أهلنا إن البلاد في خطر شديد. لنجد في الحوار بضوابطه وآلياته، فإن أخفق فلكل حادث حديث. قالوا أربعة آراء تستحق الجواب. قالوا: · جربتم في نداء الوطن، والتراضي، وكنانة ووقعت الاتفاقيات وبقى النظام على حاله. · وقع النظام اتفاقيات سلام مع كثيرين عابها عدم التنفيذ. · وما فائدة اتفاقيات والحروب الأهلية مشتعلة؟ · وما جدوى حوار والحريات مقيدة، ولا دليل على تحقيق إجراءات بناء الثقة المطلوبة. نقول: · حواراتنا واتفاقيات الماضي لم تذهب سدى بل صنعت رأياً عاماً قوياً داخلياً ودولياً لصالح الأجندة الوطنية بما في ذلك أصداء داخل الحزب الحاكم، حتى صار مشهد المطالبين بنظام جديد عنقودياً حقاً للنجاح آباء كثيرون. · عيوب اتفاقيات السلام صارت هي الآن حجة لتجنب عيوب الماضي للتطلع لسلام عادل وشامل. · الحروب لن تقف تلقائياً وسوف يكون وقفها من أولويات الحوار الوطني لتدخل مخرجات عملية السلام القومية المنشودة في بنود نتيجة الحوار الوطني. ونقول: نعم لإجراءات بناء الثقة كحاضنة لمناخ الحوار الوطني وأهمها: أربعة: · كفالة الحريات العامة. · العدل والإنصاف لشهداء سبتمبر 2013م. · رفع القيود عن الأنشطة الإنسانية الدولية كالصليب الأحمر، لا سيما مع تزايد الحاجة للإغاثات الإنسانية وتشريد المدنيين في مناطق العمليات، وكذلك عن أنشطة المجتمع المدني الوطنية التي أغلقت العديد من منظماتها الفاعلة. · الالتزام القاطع بحياد إدارة الحوار والالتزام القاطع بتنفيذ نتائجه. · قال لاوتسي أحد حكماء الصين: من لا يعرف الهدف لن يجد الطريق. لذلك أصدرنا كتاباً عرضناه على مؤتمر صحافي أمس السبت، ونلخص لكم أهم ما فيه في عشر نقاط: (أ) بطاقة هوية تتناول قضايا الدين والدولة، والتنوع الثقافي، تتجنب التفكيك وتحقق التسبيك الوطني. (ب) مشروع للسلام العادل الشامل ينطلق من إعلان مبادئ محددة ويدار عبر مجلس قومي للسلام يفاوض الجبهة السودانية الثورية إذا قبلت مبدأين هما الالتزام بالأسلوب السياسي لتحقيق الأهداف، وبوحدة السودان. (ج) الالتزام بالمواثيق والعهود الدولية التي وقع عليها السودان خاصة: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966م، والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966م. والالتزام بإلغاء أو تعديل القوانين المقيدة للحريات لتتوافق مع الدستور والمواثيق والعهود الدولية المذكورة. (د) الدستور القادم: ينبغي الاتفاق على مبادئ للدستور اقترح مشروعنا 24 مبدأ. وتشكيل لجنة قومية للحوار حول الدستور تكون مستقلة سياسياً وإدارياً ومالياً وإصدار قانون يضمن حياد ونزاهة لجنة الدستور المنشود، واقترحنا تسع خطوات لتوسيع المشاركة في صياغة الدستور ولإجازته عبر آلية ديمقراطية. (ه) لا جدال في حقيقة ظاهرة الفساد في البلاد بشهادة تقارير المراجع العام، وثراء محاسيب بوسائل طفولية، وشهادات منظمة الشفافية العالمية، ما يوجب تعيين مفوضية مستقلة مكلفة بملف الفساد في البلاد. (و) قدمنا تشخيصاً لحالة التردي الاقتصادي التي زاداه سوءاً سوء التصرف في إيرادات البترول بصورة لم تراع ما حدث في بعض البلدان من تصرف حكيم في إيرادات الموارد الطبيعية- مثلا- ملاوي وتشاد وعدم الاحتياط لاحتمال انفصال الجنوب في عام 2011م، والحالة تتطلب إجراءات استثنائية أهمها: · خفض المصروفات العامة بنسبة لا تقل عن 50%. · دعم الإنتاج الزراعي والصناعي بإجراءات استثنائية. · ترشيد الاستيراد بأولويات محددة. · تشجيع التصدير بكل الوسائل الممكنة. · وضع حد نهائي للتجنيب لضبط الإدارة المالية. · السودانيون يملكون حوالي 50 مليار دولار في الخارج، والدولة العربية النفطية تكسب 1.6 ترليون دولار سنوياً هذه المصادر التي ينبغي اتخاذ الخطوات اللازمة لشدهم للاستثمار في السودان. · هذه الأهداف الاقتصادية يتفق عليها ويسند الإشراف على تنفيذها لمجلس أعلى للتخطيط الاقتصادي. (ز) أسس قومية الحكم. لا يرجى إصلاح حقيقي للخدمة المدنية والنظامية ما لم يتفق على مشروع ملزم لإزالة آثار التمكين الذي شرد الكفاءات الوطنية وحول الدولة من دولة الوطن لدولة الحزب. (ح) لم تعد العلاقات الدولية أمراً خارجياً بل صارت سياسة البلاد الخارجية مهمة للغاية في نجاح السياسة الداخلية في مجالات الأمن والدفاع والتنمية والتجارة. (ط) إجراء انتخابات عامة حرة بإدارة تحقق حريتها ونزاهتها. (ي) هذه البرامج تنفذها حكومة قومية انتقالية، محكومة بإعلان دستوري متفق عليه، إلى حين الدستور الجديد. وفي هذا الصدد فإن الموقف من تطورات الأحداث في مصر الشقيقة ودولة الجنوب الشقيقة تتطلب مواقف واضحة بالنسبة لمصر، فإن بعض أصحاب المرجعية الأخوانية وبعض أصحاب المرجعية العلمانية يجرون بالقول والعمل المشهد المصري إلى الساحة السودانية، هنأنا ونهنئ الشعب المصري على الدستور الذي خاطب المطالب الشعبية الأساسية وهي: الوحدة الوطنية، والديمقراطية، والمرجعية الإسلامية، والعدالة الاجتماعية؛ وهي معان يحصنها الوئام المرجو تحقيقه عبر مراجعات لمواقف نفي الآخر، ما يفتح الطريق لحوار مجتمعي شامل، فإن استقرار مصر ونظامها الديمقراطي يعم بالخير كل المنطقة. وبالنسبة لدولة الجنوب نحن نرحب بزيارة الرئيس سلفا كير للسودان بالأمس وتلزمنا الشرعية الدستورية التعامل معه بصفته الدستورية، ولكن هنالك شرعية مجتمعية تتطلب المصالحة من أجل الوحدة والديمقراطية في دولة الجنوب ويهمنا في هذا الصدد استخدام علاقاتنا مع طرفي النزع للدفع في اتجاه المصالحة، ويهمنا أن يلتزم الطرفان بعدم إقحام البترول في المساجلات الحربية. كما يرجى أن يستخدم الرئيس سلفا علاقاته بالجبهة السودانية الثورية لاختيار الأسلوب السياسي لتحقيق أهدافها. عندما انفصل الجنوب سادت في الجنوب روح عدائية نحو الشمال بلغت الذروة، كذلك تصرف مسؤولون ومواطنون في الشمال بروح عدائية كريهة نحو مواطني الجنوب. ولكن بعد تجربة عامين ومحاولة القضاء على أية علاقات مع السودان تغير الحال بصورة إيجابية نحو السودان: عَتَبْتُ عَلَى سَلْمٍ فَلَمَّا هجرتهُ وَجَرَّبْتُ أَقْوَامًا بَكَيْتُ عَلَى سَلْم علينا أن نتبع سياسة ودية تامة نحو اللاجئين الجنوبيين من ويلات الحرب الأهلية، وأن نحرص على الأخوة معهم. قيام السودان بدور وفاقي وتصالحي في الجنوب، والتعامل الودي مع منكوبي الحرب الأهلية مطلوب للتمهيد لما دعونا إليه من توأمة بين البلدين. فمصالح دولة الجنوب معنا، ومصالحنا مع دولة الجنوب ذات خصوصية ينبغي أن تجسدها العلاقة بين دولتينا. ينبغي أن نستقبل اللاجئين الجنوبيين في معسكرات خاصة، وأن نكون صندوقاً لدعم هذه المعسكرات نستقطب له بآلية قومية دعما عربياً ودولياً. كما حذرت الأمم المتحدة من مجاعة قادمة في الجنوب، ونحن أولى بالإغاثة لدرجة أن نخصص أراض معينة لزراعة الذرة هذا الموسم حتى نكون أكثر عطاءً من أية جهة أخرى في هذه الإغاثة. ختاماً: نحن نرجو لهذا اللقاء أن يتفق على إعلان مبادئ للحوار الوطني لكيلا يبدأ من خانة الصفر. ونقترح أن يتفق على آليات الوفاق الوطني وهي: · ملتقى تحضيري يسفر عنه هذا اللقاء ويكلف بالتحضير للملتقى الجامع: زمانه، ومكانه، وأعضاؤه، وأجندته. · تكوين مجلس قومي للسلام يعلن مبادئ للسلام ويستعد للتفاوض مع القوى المسلحة. · الملتقى الجامع يبحث ويجيز الأجندة الوطنية ويشترك فيه بعد إبرام اتفاقية السلام ممثلو الجبهة السودانية الثورية. · يتفق على قيد زماني لهذه الإجراءات لكيلا تتجاوز شهرين من يومنا هذا. لقد سبقنا إلى هذا النهج من حوار مجتمعي شامل آخرون جزاهم الله خيراً. ولكن خبرة الشعب السوداني السياسية، ووجود تواصل مستمر بين كافة الأطراف السياسية حتى الآن رغم التوترات، وحقيقة أن العقد لم ينفرط بعد كما حدث لبعض جيراننا، ورصيد الوفاق في التاريخ السوداني الحديث، واقتناع رئيس الجمهورية وزملاؤه بأنهم على أعتاب إنجاز تاريخي تسجله لهم الأجيال، عوامل تدفعنا أن نستمطر الوعد الإلهي: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[1]. والوعد الإلهي في الحديث القدسي: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَإِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ الْخَيْرُ"[2]. والحكمة الأدبية: إذَا التَفَّ حَوْلَ الحقِّ قَوْمٌ فَإنّهُ يُصَرِّمُ أحْدَاثُ الزَّمانِ وَيُبْرِمُ والسلام عليكم ورحمة الله.
[1] سورة هود الآية (117) [2] صحيح البخاري
|
|
|
|
|
|