|
حوار حول الهيكل الحكومي والترضيات القبلية
|
«الفدرالية كآلية لحل الصراعات في المجتمعات المتعددة إثنياً وثقافياً»، كان هو موضوع رسالة الدكتوراة التي حصل عليها في العام 2006م .. وبمرتبة الشرف في كلية الحقوق بجامعة فريبورغ،ضيفنا د.عمر عوض الله علي المستشار القانوني، و الخبير الإستراتيجي والمحلل السياسي.. وهو يرأس مركز الفدرالية للبحوث وبناء القدرات، آخر لحظة جلست إليه للحديث حول التغيير والإصلاح؛ وقد أشاد به مع بعض التحفظات حول تغيير المنهج والبرامج والسياسات، فماذا قال د.عمر حول هذا الأمر..
برأيك ما هي الإنعكاسات الإيجابية للتغييرات التي قام بها حزب المؤتمر الوطني على مستوى قياداته في الحزب والحكومة؟
- في الإطار العام لابد من الإشادة بأي محاولة للتغيير يكون هدفها تجديد الدماء والأفكار والرؤى والعطاء وأعتقد أن هذا ما رمى إليه المؤتمر الوطني من التغييرات الأخيرة كما يأتي استجابة للحراك الداخلي للحزب عبر حركات ومجموعات إصلاحية تفاوتت أساليبها في المناداة بالتغيير والمراجعة الشاملة ولكن أعتقد أن التغيير على مستوى الجهاز الحكومي يحتاج إلى عمق أكثر يتجاوز تغيير الأسماء.
كيف ذلك؟
- ستثبت المرحلة القادمة قدرة القيادات الجديدة على صحة خطوة التغيير عبر دفع الأداء التنفيذي والتشريعي للأفضل بالمقارنة مع عطاء القيادات السابقة، غير أن المتابع للأداء التنفيذي يدرك أن التغيير المطلوب هو تغيير الهيكل والبرامج والمنهجية.
إذن كيف ترى الهياكل الآن وكيف يتم التغيير؟
- المتابع للهيكل وللتشكيل الحكومي الذي أعقب انفصال الجنوب من مناداة بتقليص الهيكل بما يتناسب مع ترشيد الإنفاق وغيرها من الأسباب، يلاحظ أن التقليص طال الوزير فقط وبقيت كافة الأجهزة كما هي، هل هذا يسمى تغييراً، هذا قطعاً تبسيط مخل للخطوة ولن يحقق الهدف من التغيير. كذلك التغيير الآن لا ينطلق من مراجعة عميقة لهيكل وأداء الأجهزة التنفيذية، ففي الحكومة القومية خذ مثلاً أداء الوزارات الخدمية «الصحة والتعليم» ووزارة الرياضة.
ماذا تتوقع من أداء هذه الوزارات إذا علمت أن اختصاصات وصلاحيات هذه الوزارات نفسها قد أصبحت شأناً ولائياً خالصاً؟
- إن استمرار الهيكل لا يعمل فقط على تخبط الرؤية لدى الجهاز السياسي والتنفيذي إنما كذلك يعتبر مخالفة صريحة للدستور الذي بين بجلاء هذه القضايا، الدستور مثلاً في جداول السلطات ذكر أن القضايا ذات الطبيعة الدينية هي شأن ولائي، إذن كيف نبرر وجود وزارة للأوقاف وما هي المرجعية الدستورية لاستمرار عمل ديوان الزكاة إن لم يكن الهدف هو التحصيل، كذلك استمرار العديد من المجالس الدينية، يبرر البعض استمرار هذه الوزارات بهدف التخطيط والتنسيق والعلاقات الخارجية والتدريب وهو مبرر غير منطقي لاستمرار عمل وزارات ومؤسسات بها وزير ووزراء دولة وجيش من العاملين في حين أن هذه الاختصاصات كلها يمكن أن تقوم بها إدارة واحدة فقط كما هو معمول في التجارب المقارنة، وأعتقد أننا أهدرنا الكثير من الجهد والوقت والمال بلا طائل، والمؤلم أن الإصلاح حتى الآن لم يبدأ.
ما هو دور مراكز البحوث في هذه المعادلة خصوصاً لوضع المعايير؟
- هذا التخبط أيضاً يبين غياب وعدم كفاءة أجهزة المتابعة والتقويم والقياس التي يقع على عاتقها تبيان مواقع الخلل والإشارة إليه بصورة قاطعة وحاسمة، هنالك غياب أيضاً للمؤسسات الاستشارية والبحثية الحكومية وغير الحكومية التى يمكن أن تعين متخذ القرار على هكذا قضايا. العالم الآن يدار بهذه المؤسسات الاستشارية والبحثية والتي تصدر التقارير والكتب لدراسة كل المواضيع وتخرج بخيارات وبدائل تعين مؤسسات الدولة، كما أنها تقوم بتوعية المجتمع وتنويره بهذه القضايا والذي يمكن بدوره أن يشكل مجموعة ضغط عبر الإعلام أو منظمات المجتمع المدني لإحداث الإصلاح والتغيير المطلوب.
كيف نقرأ مجمل الوضع؟
- الممارسة الحالية في السودان تشير إلى مؤسسات تشكو من غياب الرؤية أو نقص الكوادر المؤهلة ومعظم أنشطتها وتقاريرها تشير إلى ما يرغب المسؤولون في سماعه ومجاراة الخط والمزاج العام للدولة، وأعتقد أن هذا فيه ظلم كبير للدولة التي أوجدت تلك المؤسسات لتقديم دراسات موضوعية وعلمية، تشير الممارسة أيضاً لضعف ثقافة الاستعانة بالجهات العلمية في الدراسات واتهامها بأنها نظرية وغير واقعية وغيرها والاستعاضة عنها بصفات ونظريات المسؤول نفسه الذي يتخبط ويعمل بنظرية التجربة والخطأ، وللأسف تهدر الموارد والوقت والجهد وفي بعض الأحيان تدفع موارد إضافية من أجل العودة لنفس النقطة التي بدأ منها المسؤول، بإيجاز أعتقد أن التغيير مطلوب ولكن يتجاوز تغيير الأسماء إلى إحداث مراجعة حقيقية وعمق أكثر، الحديث عن التغيير يقودنا إالى منحى آخر لتحديد مواقع الخلل وكيفية الإصلاح في ظل ما يتردد عن عزم المؤتمر الوطني طرح وثيقة لإصلاح الخدمة المدنية.
كيف نربط هذا بذاك؟
- كما ذكرت لك أن موضوع التغيير والإصلاح يحتاج إلى عمق في الدراسة والتحليل ولن أستطيع طبعاً الإحاطة بكل جوانب الموضوع في هذا اللقاء ولكن هنالك أسئلة مشروعة أظنها تحتاج إلى نقاش مثل لماذا هنالك وزارة لرئاسة الجمهورية ووزارة وأمانة عامة لمجلس الوزراء، فالمعلوم أن السودان يتبنى النظام الرئاسي للحكم وفيه يتولى الرئيس قيادة العمل التنفيذي وليس هنالك رئيس للوزراء..! إن المهام الحالية من اجتماعات ومتابعة وتنسيق وبروتكول تستطيع إدارات وزارة رئاسة الجمهورية القيام بها.
هل تعتقد أن توسع الهيكل الحكومي الحالي في الحكومة القومية والولايات يهدف للترضيات السياسية؟
- أعتقد أن الترضيات السياسية تلعب دوراً كبيراً في هذا التوسع نسبة لكثرة «الأحزاب السياسية» ودفع استحقاقات اتفاقيات السلام بالإضافة إلى انتشار ما يعرف بالأثنية السياسية وهي المطالبة بمواقع تنفيذية إرضاء لقبيلة محددة، وهذا الحال ينطبق على الحكومة القومية وبصورة أكبر في الولايات
الهيكل الحكومي وتعيين الدستوريين بين الواقع والمفروض؟
- إن أبعاد مناقشة قضية الهيكل الحكومي والدستوريين وتعيينهم ترتبط برؤية وإستراتيجية الدولة في التعامل مع المكون القبلي والجهوي لأغراض الخروج بتوصيات ناجعة، هنالك عدة فرضيات تستوجب النقاش والحوار توحيداً للرؤية والفهم، وهي: أولاً: دور القبيلة: تتخذ الدولة حالياً - كما تفعل معظم الدول الأفريقية - منهج الاستقطاب لضمان ولاء المكونات الاجتماعية والدينية «الصوفية» للدولة وبناء منهج التعيين على هذا الاستقطاب، لذلك نقترح إدارة حوار وتبني إستراتيجية تقوم على المباديء التالية: القبيلة مكون اجتماعي مصدر للتفاخر لكل من ينتمي لها ولا يوصف من يحتفي بهذا الانتماء بالعنصرية.. فعلى الدولة الاعتراف واحترام تلك الخصوصية والاحتفاء بالقبيلة على كافة المستويات، وتقوية الإدارة الأهلية على هذا الأساس واستبعاد دورها السياسي.. توفير الأمن والاستقرار وفرض هيبة الدولة...
مقاطعاً.. ماذا تعني؟
- لأن فشل الحكومة في تأكيد هذه العوامل يجبر الأفراد على طلب التأييد والحماية من قبائلهم الخاصة.. تقوية المؤسسات الديمقراطية كالأحزاب السياسية والبرلمانات ومنظمات المجتمع المدني المؤسسة، ثانياً: مفهوم اتساق الحكم: تتبع الدولة منهجاً في تطبيق النظام اللا مركزي يقوم على الاتساق في التطبيق دون مراعاة خصوصية وظروف الولايات المختلفة، هذا المنهاج أضر بمعايير تعيين الدستوريين وإدخال الأثنية السياسية، فإذا تم تفهم منهاج الدولة في التعيين لإحداث الموازنات السياسية في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان مثلاً، نجد من الصعب تفسير ذلك في ولايات مثل الشمالية والجزيرة والنيل الأبيض وغيرها من الولايات، يقضي المقترح بتبني نظام يقوم على المرونة في التطبيق: اتباع المنهج المتدرج للتعيين القائم على المكونات الاجتماعية في بعض الولايات والتشدد بالتمثيل النوعي للشباب والمرأة في الولايات المستقرة سياسياً واجتماعياً، ثالثاً: التسويات السياسية مع الحركات المتمردة: إن اتباع منهج قسمة السلطة مع الحركات المتمردة «القائمة على بعد أثني»، يضر بقضية هيكل الحكومة أولاً من حيث ترهله، وثانياً يعمق الشعور بالغبن للمجموعات التي انحازت للتعبير السلمي عن مطالبها وذلك عندما يتم تعيين حامل السلاح كوزير أو مسؤول عليهم.
.. شكراً لك د.عمر..؟
لكم التحية ولجميع قراء آخر لحظة.. وكل عام وأنتم بخير.
|
|
|
|
|
|