محاضرة سيد الصادق المهدى فى الذكرى (49) لثورة اكتوبر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-19-2024, 09:42 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اخبار و بيانات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-22-2013, 05:58 PM

اخبار سودانيزاونلاين


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محاضرة سيد الصادق المهدى فى الذكرى (49) لثورة اكتوبر

    21 أكتوبر 2013م

    أخواني وأخواتي ، ابنائي وبناتي
    نرحب بكم في دار الأمة، ونشكر الذين لبوا هذه الدعوة للاحتفال بذكرى 21 أكتوبر الثورة المجيدة، ومثلما أجلنا موضوع الاتفاق على ميثاق النظام البديل لإجراء مزيد من الحوار والتمهيد، نقدر تأجيل اجتماع دار الزعيم الأزهري حرصاً على وحدة الكلمة.
    1. جيل مؤتمر الخريجين العام قاد الحركة السياسية السودانية بكفاءة عالية: بلوروا الإرادة الوطنية السودانية، كونوا الأحزاب الوطنية، وحققوا استقلالاً فريداً في سبقه الزماني في أفريقيا وفي نقائه السيادي في القارة.
    2. ولكن مشكلتين نقضتا غزل جيل الرواد:
    الأولى: عدم الاهتمام الكافي بالخصوصية الجنوبية، وكذلك عدم مراعاة التظلم الجهوي بين أقاليم البلاد المختلفة، والتظلم بين الريف والحضر داخل كل إقليم. والثانية: معاناة من علل تطبيق ديمقراطي لم يسبقه تمكين لثقافة الديمقراطية، ومن أهم تلك العلل ثلاث:
    - هشاشة التكوين الحزبي.
    - الحجم الكبير لأبوة زعامات الولاء الديني.
    - عدم إدماج القوى السياسية الجديدة برافديها اليميني واليساري في العملية السياسية بالقدر الكافي.
    3. هشاشة التكوين الحزبي أدت لانقسام حزب الأغلبية في الانتخابات العامة الأولى إلى حزبي الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي. وانقسم الرأي في حزب الأمة في مرحلة لاحقة إلى تيارين أحدهما يرى الاستمرار في ائتلاف كونه لقاء السيدين بين الأمة والشعب الديمقراطي، وتيار يرى أن الأجدى للاستقرار الديمقراطي في السودان هو ائتلاف بين الأمة والوطني الاتحادي.
    وعدم مراعاة الخصوصية الجنوبية لا سيما في ملفات السودنة، وملف القوات المسلحة أدى لحركة أغسطس 1955م الجنوبية.
    واضطراب المشهد الحزبي أودى بالاستقرار السياسي وحال دون كتابة الدستور غير المؤقت للبلاد.
    وكان يوم 17/11/1958م موعد استئناف البرلمان جلساته ومتوقع أن يحقق الائتلاف المنشود بين الأمة والوطني الاتحادي أجندته.
    4. التيار في حزب الأمة الذي كان يرفض الائتلاف الجديد، ويتوقع هزيمة داخل البرلمان، قرر عدم إمكانية الاستقرار السياسي في ظل الديمقراطية، واستبق انعقاد البرلمان بتسليم السلطة للقوات المسلحة، والتف حول قيادة حزبي الأمة والوطني الاتحادي السياسية بالحصول على تأييد السيدين، مشبوه النتائج، لانقلاب 17/ نوفمبر 1958م، ما منح الانقلاب نوعاً من الشرعية.
    قيادة حزب الأمة السياسية، ممثلة في رئيسه السيد الصديق المهدي وغالبية أعضاء مجلس إدارته الساحقة التي كانت رفضت اقتراح تسليم السلطة للقوات المسلحة حينما عرضه رئيس الوزراء لهم من قبل، اعتبرت الانقلاب موجهاً ضد أجندتها السياسية فأعلنت رفضها له منذ البداية وطبعاً عارضه الحزب الوطني الاتحادي وحزبا القوى الجديدة الإسلامي والشيوعي.
    من هؤلاء تكونت الجبهة القومية المتحدة التي بمذكراتها ومواقفها والأنشطة المطلبية المختلفة سحبت الشرعية من نظام 17/11.
    5. منذ مؤتمر جوبا 1947م كانت الحركة السياسية الجنوبية قد ربطت بين الموافقة على وحدة البلاد وتحقيق ضمانات حصلت عليها في شكل تمثيل في مجلس السيادة والوزارة والبرلمان، والوعد بعلاقة فدرالية في ظل دستور البلاد القادم. انقلاب 17/11 جردهم من هذه الضمانات والنتيجة لجوء القياديين الجنوبيين للخارج وتكوين حركة سانو ثم بعد إطلاق سراح المحكومين في حركة أغسطس 1955م تكوين حركة المقاومة المسلحة أنيانيا.
    6. واجه نظام 17/11 تعرية سياسية بقيادة الجبهة القومية المتحدة والحركة المطلبية، واستنزاف مستمر بنشاط المقاومة الجنوبية. حاول النظام مواجهة التعرية السياسية بانفتاح محدود بتكوين المجلس المركزي ومجالس المديريات، ومواجهة المقاومة الجنوبية بإجراءات تثاقف فوقية وإجراءات أمنية واسعة من بينها طرد القساوسة الأجانب من الجنوب. مسألة التثاقف الفوقي هذه وفرض برنامج تعريب في المدارس الجنوبية وتغيير الإجازة من يوم الأحد إلى يوم الجمعة هذا أثار حفيظة وتحرك ومعارضة النظام من الجهات التبشيرية سيما المبشرين الأجانب ولذلك طردهم من الجنوب.
    إجراءات نظام 17/11 هذه دفعتني لإصدار أول كتاب لي في أبريل 1964م بعنوان (مسألة جنوب السودان) فحواه تشخيص غير أمني لقضية الجنوب، أن القضية ثقافية وسياسية واقتصادية، ولكن لا يمكن أن تعالج في الإطار الأمني وحده، والربط بين حوار حر منشود والبحث عن حل للمسألة. وفي مرحلة لاحقة نشط الحوار حول قضية الجنوب في الرأي العام السوداني عامة وفي جامعة الخرطوم خاصة.
    احتضنت الجامعة ندوة د. حسن الترابي التي ربط فيها المحاضر بين توافر الحرية المطلوب وحل مشكلة الجنوب المنشود، الندوة الجامعية الثانية حول مسألة الجنوب واجهها النظام بإجراءات قمعية مبالغ فيها إذ استخدم الرصاص الحي لتفريق جمع طلابي أعزل، أدت هذه الحماقة إلى ردود فعل واسعة نظمت الهيئات والنقابات موكباً أمام دار القضاء لتقديم مذكرة تطالب بالتحقيق العادل في أحداث الجامعة ومحاسبة الجناة، وكتبت القيادات السياسية مذكرات تعلن فشل النظام الانقلابي وتطالب باسترداد الديمقراطية أخص بالذكر هنا مذكرة الإمام الهادي المهدي، وكتب كذلك سائر الزعماء السياسيين مذكرات.
    كعادته القمعية تعرض النظام لموكب الهيئات الذي كان يقوده قضاة المحكمة العليا فأدى الصدام لإعلان قيادة الموكب الإضراب العام، الذي وجد تجاوباً واسعاً وحركة مظاهرات في الشارع وتكون في المعارضة للنظام بعد هذه الهبة تكون مركزان: أحدهما بقيادة جبهة الهيئات في نادي أساتذة جامعة الخرطوم والآخر في بيت الإمام المهدي بأم درمان.
    الإضراب العام وحركة الشارع الواسعة أحدثا تحركاً متعاطفاً في القوات المسلحة.
    أهم وجه من وجوه هذا التعاطف العسكري بشهادتي زيارة لواءين لنا في بيت الإمام المهدي هما المرحومان الطاهر عبد الرحمن المقبول وعوض عبد الرحمن صغير، هما وغيرهما تحدثوا مع المرحوم الفريق إبراهيم عبود في اتجاه حل سياسي غير قمعي وربما كان تصورهم إجراء تسوية مع مركز أم درمان وعزل مركز الخرطوم. على كل حال جاءوا لنا في مركز ام درمان وكان حضورهم يدل على أن هناك رأي تكون داخل القوات المسلحة يناقش أن واجب القوات المسلحة ليس هو قمع المدنيين وإنما الدفاع عن الوطن ولذلك رأوا أن يتخذوا الخطوة للتفاوض مع القوى السياسية.
    بدا لنا في مركز أم درمان أن القوات المسلحة لم تقبل دور قمع المظاهرات المدنية وصارت تتطلع لتسوية سياسية للأزمة وربما تصوروا أن البحث عن هذه التسوية أفضل وأكثر قبولاً من غيرها مع قوى غير راديكالية. اعتبروا القوة المتمركزة في الخرطوم قوة راديكالية ورأوا أنه أسهل أن يتفاهموا معنا في أم درمان.
    الضابطان المذكوران رتبا للقاء يجمع بيننا وبين الفريق إبراهيم عبود وأعوانه، قلنا لهم نحن نرحب بزيارتهما وبالمقابلة وسوف نعمل على توحيد موقف المعارضة، غير مستعدين أن ندخل في تفاهم ثنائي إذا دخلنا في تفاهم فليكن تفاهماً قومياَ.
    كان الأخوة في مركز المعارضة في الخرطوم قد أدركوا أهمية وحدة المعارضة ففي نفس اليوم زارنا وفد مكون من قيادة جبهة الهيئات في بيت المهدي، وتفاكرنا في تكوين وفد مشترك لمقابلة الفريق إبراهيم عبود، والمدهش (وهذا هو الدرس الذي يجب أن نعيه الآن) أننا حتى تلك اللحظة كان الجامع المشترك هو اسقاط النظام دون بيان للنظام الجديد الذي نريد، وهذا الذي يدعنا دائما نقول إن الحديث عن أن الشعب يريد إسقاط النظام أفضل منه الشعب يريد نظام جديد، لماذا؟ إسقاط النظام وسيلة من وسائل النظام الجديد والغاية هي النظام الجديد. وفي حضرة الجمع تناولت ورقة وكتبت فيها ميثاقاً يحدد ما نريد وبعد دراستها بيننا وبين وفد جبهة الهيئات اتفقنا عليها فصارت هي ميثاق ثورة أكتوبر ثم ذهبنا لمقابلة الفريق إبراهيم عبود وأعوانه، قابلناه في القصر ثم انتقل الحوار إلى القيادة العامة حضره في القيادة العامة وفدنا وقادة القيادات في القوات المسلحة. اتفقنا على الآتي: إحياء الدستور المؤقت الذي كان انقلاب 17/11 قد ألغاه مع تعديلات تناسب المتغيرات، واتفقنا على تكوين حكومة قومية انتقالية على أن يظل الفريق إبراهيم عبود كرأس دولة بصلاحيات محدودة على أن تتولى الحكومة الانتقالية برئاسة المرحوم سر الختم الخليفة التنفيذ والتشريع.
    واتفقنا أن يكون لجماعة 17/11 عفو من أية مساءلة.
    ميثاق أكتوبر كان فضفاضاً للغاية كذلك حال الحكومة الانتقالية ومع ثورية المرحلة ظهر أن استمرار الفريق إبراهيم عبود في مركز الرئاسة شاذ فأرسلت له المرحوم اللواء أحمد عبد الوهاب يعرض عليه الاستقالة مع كفالة مستقبله والتزامنا المستمر بالعفو المتفق عليه فلبى الطلب بلا تردد. الفريق إبراهيم عبود رحمه الله كان مشبعاً بروح الانضباط العسكري وكذلك مهتماً بالمصير الوطني وحقن الدماء.
    صحيح بعضنا نادى بالمحاكمة، حتى بعد أن اتفقنا واعطيناهم الأمان بعض الناس قالو لازم يحاكموا، ولكننا وآخرون رأينا أن الوعد ملزم ولا سبيل لمراجعته. وفي النهاية تم تطبيق العفو برغم محاولة البعض النكوص، ولكن لإثبات الحقائق للتاريخ، فبعض الناس الآن يتكلون عن انقلاب 17 نوفمبر بصورة فيها عشوائية وكلام فارغ بينما هي وقائع معروفة ومحددة، فقد كونت لجنة تحقيق قضائية وضحت لأنها حققت مع كل المشتركين في الانقلاب الفريق إبراهيم عبود ومع قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومع والسيد عبد الله خليل لتثبيت الحقائق للتاريخ، حققت مع المشتركين في الانقلاب والشهود عليه وشهاداتهم موثقة ومودعة بدار الوثائق القومية في الخرطوم الآن.
    7. استرد الوضع الانتقالي الحريات وشرع في الترتيب لمؤتمر للحل السلمي لمشكلة الجنوب ما أثمر مؤتمر المائدة المستديرة أول خطوة في التناول السياسي لحل مشكلة الجنوب. ولكن التكوين الانتقالي كان هشاً للغاية، وميثاق الثورة كان محدوداً، لذلك اضطربت الأوضاع عندما اختلفت العناصر المكونة للحكومة الانتقالية. وأيضا لأن التركيبة الانتقالية كانت هشة حينما يحدث اختلاف داخل مجلس الوزراء لم يكن هناك أساس أو مجلس تشريعي لكي يحسم هذا الموضوع لذلك صارت هناك أزمة باعتبار أن الأفكار أو الاتجاهات المختلفة داخل مجلس الوزراء صارت تتصارع في الشارع، ولكيلا تتحول الأمور لمساجلات لا تؤمن عقباها في الشارع عرضنا على رئيس الحكومة السيد سر الختم الخليفة أن يستقيل وباستقالته تستقيل الحكمة طبعاً ثم يعيد تكوين الحكومة بصورة متوازنة من جديد فوافق إذا أجاز ذلك مجلس السيادة، كان رئيس المجلس في ذلك الشهر المرحوم د. التجاني الماحي. شرحنا له الموقف فوافق ما أدى لتكوين حكومة السيد سر الختم الثانية وانقشعت الأزمة.
    8. أنا أود الآن أن أتكم عن الدروس المستفادة من تجربة ثورة أكتوبر لأنني أسمي اكتوبر اسمين مهمين الاسم الأول: أنها مدرسة الثورة الديمقراطية، والاسم الثاني: أنها أم ثورات الربيع العربي فهي المدرسة وهي الأم وطبعا الأم مدرسة. الدروس المستفادة من تجربة ثورة أكتوبر هذه مهمة لأن الذي لا يستفيد من عظة وعبر الماضي عليه حتما أن يكرر الأخطاء فيه مرة أخرى فلا بد أذن أن ندرس مدرسة أكتوبر وأن نعي ما تقول هذه المدرسة:
    أولاً: كل الذين لجأوا لاختصار الطريق لتحقيق أهدافهم السياسية عبر انقلابات عسكرية سوف يحققون أهدافاً محدودة في المدى القصير ولكنهم سوف يجدون أنفسهم في صف الضحايا، مثلما قال أبو الطيب المتنبي:
    وَمَن يَجعَلِ الضِرغامَ بازاً لِصَيدِهِ تَصَيَّدَهُ الضِرغامُ فيما تَصَيَّدا
    وقد عبرت ببيت عن نفس المعنى:
    من تمطى باسما ظهر النمر حتما سيأكله ويبتسم النمر
    فالسيد عبد الله خليل أدرك ذلك في أقل من عام وصار ضمن معتقلي النظام، حقيقة سجلها القيادي البعثي منيف الرزاز في كتابه (التجربة المرة) وقال نحن لجأنا للانقلاب لكي نتخلص من خصومنا. الانقلابيون خلصونا من خصومنا السياسيين وبعد ذلك تخلصوا منا! وسجلتها تجارب الحركات الإسلامية في الكتاب الذي حرره السيد عبد الله النفيسي بعنوان (مستقبل الحركات الإسلامية) الصادر عام 1989م.
    ثانياً: النظم الدكتاتورية عادة أكفأ في حفظ أمنها ولذلك يطول عمرها. ولكن طبعا من تعريف الشقاء طول العمل مع سوء العمل! ولكن شرعيتها لا تدوم بل تتراكم ضدها المعارضة حتى تبلغ كتلة حرجة. بعض الناس يقولون ما حصل في سبتمبر انتهى، أصلها حاجة تتكتل باستمرار. ثورات الربيع العربي هذه سبقتها حركات عديدة، في مصر سجلت تظاهرات واعتصامات بلغت ثلاثة الف مرة ثم في النهاية صار هناك التراكم الحرج الذي أدى إلى التغيير.
    ثالثاً: أشواق المواطنين للكرامة والحرية والعدالة وتوافر ضرورات المعيشة وتقصير النظم الدكتاتورية في توفير ذلك كفيلة ببث الرفض لها، والتحركات الاحتجاجية ضدها، ولكن هذا التحرك مهما كان واسعاً ما لم يصحبه رافع عسكري ينذر بحمامات الدماء بلا نهاية كما دلت على ذلك تجربتا السودان في أكتوبر 1964م وفي أبريل 1985م، وتجارب دول الربيع العربي قاطبة.
    رابعاً: لا يكفي أن تتفق القوى الرافضة لنظام دكتاتوري على رفضه بل يجب أن تتفق على النظام الجديد المنشود بصورة محكمة حتى لا يولد النظام الجديد مأزوماً، ويصير بفشله دعاية لصالح النظام الاستبدادي المباد. في كثير من بلاد الربيع العربي الآن يبكون على ما فات باعتبار أن الذي تحقق الآن مشوه.
    هذه كلها قواعد عامة، ابن خلدون لديه عبارة قال: ما من ظاهرة في الوجود طبيعية أو اجتماعية إلا ولها قوانين. وأنا اتكلم عن قوانين الظواهر الاجتماعية.
    خامساً: النظام المحاصر شعبياً سوف يحاول فك حصاره بتقسيم مواقف معارضيه، والذين يشطتون في مواقفهم يسهلون مهمته، بينما الذين يحرصون على وحدة المعارضة يقفلون ذلك الباب.
    على ضوء تلك الدروس الخمسة المستفادة من ثورة أكتوبر ما هو الموقف الآن في بلادنا؟ أقول:
    النظام الحالي مسؤول عما آل إليه حال الوطن وأهم معالم حالة الوطن الفكري بين غلو علماني وغلو إسلامي، وتمزق الجسم السياسي الحاد، والحالة الأمنية المتردية، والحالة الاقتصادية المتردية، والوصاية الأجنبية على البلاد، هذه كلها حيثيات، أقول، تستوجب اتحاد كل القوى الرافضة لهذا النظام حول ميثاق للنظام الجديد المنشود لتحقيق تحول ديمقراطي كامل وسلام عادل شامل في ظل وحدة الوطن.
    هذا الاتفاق وسائل تحقيق أهدافه سلمية تشمل كل التحركات ما عدا العنف والاستنصار بالأجنبي وتضع النظام أمام أحد خيارين هما: الإضراب العام والعصيان المدني أي الانتفاضة الشعبية، أو المائدة المستديرة القومية التي لا يسيطر عليها أحد ولا تستثني أحداً. هذان الخياران إما أن يمشي الناس في عمل الانتفاضة أو يلمس النظام رأسه ويدرك أن الزمن خلاص ويعمل كما عمل دي كليرك مع مانديلا في جنوب أفريقيا.
    نعم الاجماع الكامل مستحيل ولكن الممكن هو كتلة حرجة ذات جدوى سياسية، نحن في حزب الأمة القومي لن نألو جهداً في سبيل ذلك، ونمد يدنا للجميع فالوطن في خطر وخلاصه ممكن.
    ختاماً: سبتمبر الدامي حلقة من حلقات الاحتجاج على سياسات الظلم الاقتصادي ولا يمكن لدماء شهدائنا أن تذهب هدراً، فلا بد من تحقيق عادل ومحايد لبيان الحقائق ومحاسبة الجناة. نحن عندما زرنا دارفور في عام 2004م قلنا إن هناك انتهاك لحقوق الإنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وما لم يحدث تحقيق عادل ومحاكمة ومساءلة سوف تتقدم بهذا وتقوم به الأسرة الدولية لأن الأسرة الدولة لديها مواثيق مرتبطة بحماية المدنيين من العدوان فستتدخل حتماً لأنه حصل حقيقة موت لعدد كبير جدا من الابرياء، وهذا ما كان.
    بعض المسؤولين يبررون على طول عهد هذا النظام سفك الدماء بمقولة منسوبة للإمام مالك، نسب إليه إنه قال بجواز قتل الثلث لإصلاح الثلثين قالوا الإمام مالك قال هذا، وطبعا هذا أصبح بردا وسلاماً على من يريدون تحقيق هذه الاهداف. لكن الحقيقة أن شرع الإسلام لا يجيز قتل غير الجاني قصداً لمصلحة غيره، (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)[1] لا يوجد كلام من هذا النوع.
    وكل علماء المالكية الأعلام: شهاب الدين القرافي، وأبو بكر بن العربي، والزركشي، ومحمد الأمين الشنقيطي، وأبو عبد الله القرطبي، أنكروا أن يكون مالك أو أي من علماء المالكية قال هذا الكلام.
    ونسب القرافي هذه الاشاعة عن مالك للجويني الشافعي الذي أراد أن يشنع على مقولة مالك عن المصالح المرسلة، فنسب إليه هذا الكلام ومالك منه برئ. وقال ابن حزم: هذه أقوال الشيطان الرجيم وأتباعه.
    بالإضافة إلى ذلك كله نحن موقعون على مواثيق حقوق الإنسان الدولية وكلها تتنافى مع هذه المقولة. هؤلاء الناس أين يعيشون في أي كوكب من الكواكب يتكلمون بهذه اللغة، هذا كلام مرفوض جملةً وتفصيلاً وافتراء على الإمام مالك.
    أختم حديثي هذا فأقول: إن شهداءنا في أكتوبر وعلى رأسهم ابننا الشهيد أحمد قرشي طه وأسرته المكلومة لازم يعرفوا أن ابنهم هذا بوفاته هذه قد كتب لهم تاريخاً عظيماً وأدخلهم في التاريخ من أوسع الأبواب، وصحيح كما قال أخوه فإن الكلام عن أنه كان ذاهباً للحمام فرية، ولا شك أبداً إنه كان شهيداً وأن دمه غسل عار الدكتاتورية، هو وزملاءه الذين استشهدوا، ونحن نعتقد أن كل الشهداء في كل الظروف هذا هو دورهم:
    أتَـعْـلَـمُ أمْ أنـتَ لا تَـعْـلَـمُ بـأنَّ جـِراحَ الضحـايـا فـمُ
    نسأل الله سبحانه وتعالى لهم الرحمة، وأن يكن من دمائهم هذه نور لمستقبل الوطن الذي حتماً إن شاء الله يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل، ويجعل قصص الاستبداد قصصاً عفا عليها الدهر.
    والسلام عليكم.


    [1] سورة الأنعام الآية (164)























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de