أضاءت الليلة الثالثة عشر لخيمة الصحفيين التي تنظمها طيبة برس بفندق ريجينسي أمس الأول، جوانب مهمة لنقل آثار النوبة للمتحف القومي، ليلة التراث النوبي إستضاف فيها الإعلامي الطاهر حسن التوم، المهندس محمد فائق، الذي تقول سيرته الذاتية أنه عمل بمصلحة الآثار، وعمل مع الخبير الألماني مستر فريدريك دبليو هينكل الذي كان يقول إنهم في سباق مع الزمن وعليهم إنقاذ الاثار من المياه، كما قام فائق بترجمة الكتاب الذي كتبه مستر هينكل عن التجربة.
تخللت الليلة فواصل غنائية بمشاركة فرقة حلفا القديمة، ومداخلات للحضور الذي شكل إضافة حقيقية. وبدأ المهندس فائق سرد القصة باتفاقية مياه النيل 1959م، التي كانت تشمل بنود لتقسيم المياه وعلي بند ينص علي موافقة السودان علي إقامة خزان السد العالي، وموافقة مصر علي تشييد السودان لخزان الروصيرص، يقول فائق إن ما يهم هو بناء السد العالي وإغراقه مساحة 500 كيلو متر من الأرض يقع حوالي 170 كيلو متر منها داخل الأراضي السودانية، وتحتوي علي كنوز من الآثار ليست النوبية فحسب يعود بعضها إلي ما قبل التأريخ، وإن إغراق الأرض يعني إغراق حضارة كاملة، ويري فائق إن هذا الجزء لم ينل الوقت الكافي، وإن القرارات اتخذت بتعجل شديد شأنها شأن القرارات التي تتخذها الحكومات العسكرية.
وقال بأن المهجرين قوبلوا بالإهمال في تقرير مصيرهم، وفي تحديد المكان الجديد، مشيراً إلي أن الأمر كان سهلاً للمصريين ونقل الآثار إلي منطقة أعلي قريبة بينما رحلت الآثار إلي الخرطوم، بحجة أنها ستكون مهملة إذا رُحلت إلي موقع قريب، والحجة الثانية ليراها الناس ويستمتعون بها في الخرطوم، وتغلبت فكرة نقلها إلي الخرطوم، ليدور جدل حول موقع وضعها واستقر الأمر علي حديقة المتحف القومي، وتقرر حفظها بطريقة معينة بهياكل وصناديق زجاجية لاسباب مناخية، ويقول فايق إن في هذا الأمر ظلم كبير لها لانك لا تستطيع أن تري المعابد. ويحكي فايق إن عام 69 كان عاماً مفصلياً علي الأقل في الجانب السوداني حيث وقع الناس في حيرة، وكيف تتم عملية نقل الآثار وبأي تمويل؟، إلي أن جاء نداء اليونسكو وإصدار الأمين العام للمنظمة نداء لكل العالم لإنقاذ آثار النوبة، ليتداعي العالم وحضرت البعثات الحكومية وغيرها، بالإضافة إلي الجامعات من مختلف العالم التي جاءت بتمويلها وخبراتها وتكنلوجيتها وقاموا بعمل لولاه لضاعت المعابد وكنوز المنطقة، يقول فايق لا يستطيع أحد أن يقول كم فقدنا، وصحيح إن المسح الذي تم علي الموقع كبير، لكن ما لم يدرس ولم يكتشف بالتأكيد كبير ولا يستطيع أحد تحديد قيمته.
وعن قصته مع مستر هينكل الذي حضر إلي السودان سنة 1960 يقول أنها بدأت مصادفة قبل إلتحاقه بمصلحة الاثار عندما كان طالباً في كلية الهندسة جامعة الخرطوم حيث كانت مصلحة الآثار وقتها في الجامعة نفسها وكذلك المتحف، ويضيف بأنه التقي به في المتحف وقال له بأنه منتدب في مهمة شرحها له، وأنه بعد تخرجه من الجامعة عمل في مصلحة الأشغال وإلتحق بالقسم المعماري الذي يرأسه المرحوم حامد الخواض، لينتدب بعدها إلي مصلحة الآثار التي طلبته ليعمل مع مستر هينكل، ليسافر معه بعدها إلي الخلاء، ويقول عنه بأنه شخص أصبح محبب إلي نفسي، واعترف إنه رعاني رعاية أبوية خاصة وقدم لي الكثير حيث كنت وقتها مهندس قليل الخبرة وتلقيت منه الكثير، كان شخص ودود ومحب للعمل.
وأضاف بأن العمل علي نقل الآثار تم علي ثلاثة مراحل بدأت المرحلة الأولي بمسح آثاري جاءت إليه عشرات الجامعات والبعثات التي أخذت جزء من هذه الآثار ما عدا المعابد التي تقرر أن تنقل وهي أربعة، رغم عدم وجود أي وسيلة من وسائل العصر الحديثة كالرافعات في تلك المنطقة، وقال لجأنا إلي الحيل التأريخية وأبتداع الوسائل التي إبتدعها بناة المعابد وكيف تم ترحيلها من المحاجر إلي هذه المناطق، وأضاف بأن الحجارة تم ترقيمها وتصويرها في موقعها ومن ثم تثبيتها في طبليات من خشب المهوقني، ويقول فايق عند إعادة بناء الآثار التي تم نقلها كانت الفكرة أن يبني متحف جديد ليتم إختيار هذه المنطقة حيث لم يكن بهذه المساحة التي تم توسيعها لاحقاً، ويضيف إن عملية التشييد لم تكن أقل صعوبة رغم إستعانتهم بالرافعات الميكانيكية في الخرطوم، وصعوبة المهمة التي تتطلب إعادة 150 حجر دون فقدان أو كسر شئ، وبعد الإنتهاء من ترحيل الآثار يحكي فايق عن آثار أخري وتماثيل للملك تهارقا كانت موجودة في متحف مروي ويقول إن عملية نقلها كانت سهلة، بعكس عملية نقل التمثالين الكبيرين الموجودين الآن في واجهة المتحف القومي، وكيف كانت عملية النقل في غاية الصعوبة والتعقيد. وتحدث فايق عن الكتاب الذي ألفه مستر هينكل (Exodus from Nubia) .
ويقول إنه لم يجد صعوبة في ترجمة الكتاب لمعايشته الأحداث وما كتبه مستر هينكل بالالمانية، والذي صدرت نسخته الإنجليزية في سنة 1971، وأن الإتفاق حول النسخة العربية مع المستر أن تتم الطباعة في ألمانيا بعد الترجمة والذهاب إلي الناشر. ويري فائق أن ظلماً كبيراً وقع علي النوبة والحضارة النوبية، وأنه ما كان يفترض أن يفرط فيها، وقال لو كانت هناك ضرورة لابد منها كانت تتم بطريقة غير التي تمت، وأضاف كيف تسني للمسؤلين في ذلك الوقت بأن تسمي القري التي هجر إليها النوبيين بأرقام ولا تعطي علي الأقل أسماء القري القديمة والإحتفاظ لهم بالذاكرة الجمعية، وزاد قائلا أنه لابد للمختصين أن يعيدوا النظر في هذه التجربة وسلبياتها وآثارها وماذا حدث لهم بعد التهجير، وحكي كيف أن المستر هينكل ذهب إلي القرية 29 وزار الطباخ الذي كان يعمل عنده وتعرف علي المشاكل التي يواجهونها، وأنه غاص في الحياة الإجتماعية في تلك المنطقة ووثق لها كما لم يوثق لها شخص من قبل، ووصفه بالذاكرة الوحيدة لهذه الملحمة وإمتلاكه لوثائق قيمة لا توجد عند أحد باعتبارها ملك للشعب السوداني، بالإضافة لزيارات إجتماعية وحضوره لزواج أحد الذين كانوا يعملون معه في ود مدني، وقال ماذا لو إهتم النوبيين بهذا الأمر خاصة وإن النوبيين في مصر ما زالوا يتحدثون عن هذا الخطأ وكيفية إصلاحه وما زالت مطالبهم مستمرة، ويقول محمد فائق إن قيام سدي كجبار ودال سيضيع التراث والحضارة، وأن كجبار سيغرق 12 قرية كبير وقري صغيرة أخري لينتج فقط 300 ميقاواط بتكلفة 705 مليون دولار، مؤكداً أن الآثار السودانية التي توجد خارج السودان أكثر وأغلي واثمن من الذي يوجد داخل السودان، وقال بأن جزء سرقه الرحالة الأوائل، وآخر أخذته البعثات الأجنبية بالإتفاق مع الحكومة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
اخبار سودانيزاونلاين
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست