د. منصور خالد يتحدث عن انفصاليوالشمال وانفصاليوالجنوب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 10:58 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-03-2007, 03:22 PM

democracy
<ademocracy
تاريخ التسجيل: 06-18-2002
مجموع المشاركات: 1707

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
د. منصور خالد يتحدث عن انفصاليوالشمال وانفصاليوالجنوب

    عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة(23)

    انفصاليوالشمال، وانفصاليوالجنوب

    --------------------------------------------------------------------------------

    قــــــراءة خـــــارج النص

    إذ نأتي بهذه المقالات الى نهاياتها تستدعي الاهتمام آراء بدرت من بعض الصحاب والمعلقين، شفاهة أوكتابة، وحَري بنا تعقب تلك الآراء ببيان أو تعليق. من هؤلاء من رمانا بالامعان في نقد الشمال، وكأن الجنوبيين لا يخطئون، وقدروا، فيما استقر في مرآة عقلهم من ظن، اننا نجنح نحواللاموضوعية. حقاً، لم يكن لنا، طوال هذه المقالات، مأرب أو همة في نقد الشمال أو تبرئة الجنوب، كما

    ليس بِنا كَلَف لانشاء كتاب عن مزايا الجنوب ونواقص أهل الشمال، كما فعل الجاحظ في ''فخر السودان على البيضان ''. لو كان ذلك هو الحال، لجاز النقد. ولكن، مرة أخرى نقول إن موضوع هذه المقالات هو اتفاقية السلام الشامل. هذه الاتفاقية تناولت اموراً مختلفات بعضها يعني السودان كله، وبعض آخر يتعلق بالجنوب وحده.

    من الأولى، التحول الديموقراطي من نظام شمولي كان مسعى معارضيه، بمن فيهم الحركة الشعبية، هو اقتلاعه من الجذور. وحين لم يتأت لهم ذلك، أياً كانت الأسباب، آثروا ان يتم التحول عبر حل متفاوض عليه. بسبب من ذلك، كان التمهيد للتحول الديموقراطي عبر دستور وُطِدت فيه حقوق المواطن (وثيقة الحقوق)، وكان نظام الحكم اللامركزي الذي أنهى المركزية القابضة التي ورثناها من عهد ونجت باشا، الحاكم العام الثاني في العهد الاستعماري، وكان الاقتسام الاكثر عدالة للثروة بحيث تلقى التخوم المهمشة نصيبها من الثروة القومية بمقادير معلومة وضمانات دستورية وثيقة. كل هذه أمور لا يخطئ خيرها أهل السودان جميعاً، ولكنه يصيب بقدر اكبر أهل الشمال بعد أن ضمنت الاتفاقية لأهل الجنوب حكماً ذاتياً كاملاً، ونظاماً ديموقراطياً للحكم أكثر إتساعاً في توطيد الحقوق، واستقلالاً مالياً غير مسبوق. فالحركة لم تحارب في نايفاشا من أجل حقوق الجنوب وحده كما قال حاطب الليل الذي نستطرف ما يكتب في

    هذه الصحيفة (الرأي العام 19/3/2007)

    في الاتفاق أيضاً ما يمس الجنوب مساَ مباشراً مثل الضمانات التي وفرها له حتى لا يلحق أى انتقاص بالحقوق التي ضمنتها له الاتفاقية، ومشاركته الفاعلة في الحكم على الصعيد القومي، وضمان حقوق المواطنة له عبر القطر كله، ثم حقه في تقرير المصير الذي سيختار عند ممارسته إما الانفصال أوالوحدة وفق نظام الحكم الذي ارسته الاتفاقية. وفي تناول الباحث لهذه القضايا ليس في البحث مجال لتقصي معايب هذا أو مزايا ذاك. مجال البحث هو ما الذي افترضته الاتفاقية أولاً، لضمان عدم الإخلال بالوضع الدستوري الذي انجبته الاتفاقية. وثانياً ما الذي تستلزمه لجعل الوحدة خياراً جاذباً. أي قراءة أخرى لما كتبنا تصبح، اذن، قراءة خارج النص.


    ونعود على بدء مرة أخرى، لنقول إن الاتفاقية تدعو لـ ''تخطيط وتنفيذ اتفاقية السلام بغية جعل الوحدة خياراً جاذباً وبصفه خاصة لشعب جنوب السودان''. شعب جنوب السودان، في هذا النص، هو في موقع المتلقي، وليس لديه ما يؤديه ليجعل الوحدة جاذبة. من هو المسئول، اذن، عن تحقيـق هـذه المـهمة ؟ أوكـما يـقول أهـل القانـون علـى مـن يـقع عـبءُ الاثبات ( (proof onus of، أى عبء اثبات تحقيق مستلزمات الوحدة الجاذبة. حول هذا الأمر، ينص الدستور على أن الواجب الأول لحكومة الوحدة الوطنية، الى جانب تخطيط سياسات الدولة العامة، هو انفاذ اتفاقية السلام الشامل (المادة 72 (ب)). لهذا لا سبيل لنا لتحميل شعب الجنوب، أو الشمال ككيان جغرافي، المسئولية عن جعل الوحدة خياراً جاذباً. هذا مالم نفعله، بل قلنا حرفياً ان عبء اثبات جاذبية الوحدة لا يقع على ''طه القرشى'' في الشمال أو منقو زمبيزى في الجنوب. المسئولية الكاملة، اذن، هي مسئولية حكومة الوحدة الوطنية، وخاصة المؤتمر الوطني بحسبانه حزب الاغلبية في تلك الحكومة والطرف الآخر الموقع على الاتفاقية، وباعتباره أيضاً الحزب الذي أقام المؤسسات وشَرَع القوانين التي تتعارض مع الدستور الجديد. والانفاذ الذي نتحدث عنه ليس أمراً هلامياً بل هو تطبيق الاتفاقية على الوجه الذي جاءت به، دون زيادة أونقصان ودون ابطاء، لاسيما وقد حدد الاتفاق جدولاً ضابطاً لأداء تلك المهمة.

    من الجانب الآخر، تُلقى الاتفاقية على الحركة الشعبية واجبين،

    الأول هو العمل على انفاذ الاتفاقية بحكم عضويتها في حكومة الوحدة الوطنية، والثاني هو الزامها والتزامها، لا إلزام الجنوبيين، بالدفع باتجاه خيار الوحدة عند تقرير المصير طالما توافرت مقومات الوحدة الجاذبة على الوجه الذي تقضي به الاتفاقية والدستور. ونقدر أن الوجب الأول هو ما تسعى الحركة لفعله وعندما تعييها الحيل، أو ترى تراخياً في التنفيذ، يُعبر بعض مسئوليها عن إحباطهم من أعلى المنابر. وما أن يفعلوا، حتى تتلقف تعبيرهم صحف ''شمالية'' معينة واصمة مافعلوه بالخروج عن المسئولية الجماعية في الحكومة، بدلاً من التحري عن إن كان هناك خروج عن الاتفاقية، كما يزعم مسئولو الحركة، أو أن مزاعمهم تلك حديث خرافة. ذلك ماتقتضيه الحكمة والنظر في العواقب. لوحدث ذلك، لما وجد الناقد الأمين مناصاً من أن يقول للطرف الذي خرج عن أحكام اللعبة foul ''، أياً كان ذلك الطرف.

    لهذا فان كنا تناولنا مواقف تتسم بالسلبية نحو الاتفاقية من جانب آخرين (من غير طرفي الاتفاق)، فانما كان ذلك لإبانة أثر تلك المواقف على الوحدة، خاصة إزاء إصرار أصحاب هذه المواقف على القفز فوق شرائط الاتفاق ومستلزماته وِتراً وِتراً بلا انقطاع. تواتر الخطأ إما أن يكون بسبب الجهل بتلك الشرائط مما يستلزم التنبيه، أوتجاهلها، وللتجاهل، كما قلنا، ثمن باهظ. التبصير بذلك الثمن الباهظ واجب، لأن تلك الشرائط هي الأساس المكين للوحدة. وقد أوردنا نماذج عديدة لذلك التجاهل قارب بعضها

    الزراية مثل إنكار حق الجنوب في الغاء مؤسسات يتعارض وجودها مع نظام حكمه الذي يفصل بين الدين والدولة، وحقه في اقامة نظام مصرفي يختلف عن النظام السائد في الشمال، وحقه في اقامة جيش مستقل يعتبر أحد الاضلاع الثلاثة للجيش الوطني : القوات المسلحة، الجيش الشعبي، القوات المشتركة / المدمجة. انكار هذه الاوضاع، أوا ستنكارها، لا يبدَل من الحقوق التي أقرتها الاتفاقية شيئاً، ولكنه يعمق من عدم الثقة التي نسعى لازالتها حتى يبقى السودان موحداً.

    دعاوى الانفصالية، شمالاً

    ثمة تسأولٌ آخر نُسب الينا فيه اختزال مهددات السلام في دعاوى الانفصالية الشمالية إذ ثمة انفصاليون جنوبيون يجدر بنا، كما

    قال كاتب معلق، أن '' نقعنهم بالتخلي عن دعاواهم الانفصالية '' لأنها دعاوى ''تبدأ بالمناداة بانفصال الجنوب وتنتهي بفصل شماليي الحركة عنها'' (صهيب حامد، الوان 17/2/2007 م). هذا سؤال يثيره الكاتب بموضوعية يُنبئ عنها حرصه الواضح على وحدة السودان، في حين يثيره آخرون وكأنهم يتمنون انفصال الجنوب حتى يصبح ما يسمى بشماليي الحركة طوع الشوامت. بيد أن الذي سيعود خائباً بلا غنيمة من انفصال الجنوب هوالشمال، وليس فقط شماليوالحركة، وتلك بلية لن يفرح الا جاهل بمغبتها.

    ولكن، تماماً كما استقر الرأي على منح الجنوب الحق في الانفصال، فليس هناك ما يحول دون دعوة أي شمالي لانفصال الشمال عن الجنوب، لاسيما ودعاوى الانفصالية الشمالية ليست جديدة. فمع اصرار الحركة الوطنية في الشمال، منذ مؤتمر الخريجين، على وحدة شقي القطر ارتفعت أصوات في ذلك الزمان تنادي بفصل الجنوب، أو بالأحرى تركه لحاله. من أولئك رجال لا يقدح المرء في وطنيتهم مثل يوسف مصطفي التني وحسن محجوب وحسن أحمد الكد. على أن تلك الاصوات بقيت صيحة في البيداء، والا فلماذا خاض الشمال كل الحروب التي خاضها من أجل الحفاظ على وحدة السودان. نقول هذا، بصرف النظر عن رأينا في تلك الحروب، أو رأينا في تواطؤ الكثيرين بالصمت عنها وعن ادراك ماتقود اليه شحنات الكراهية التي ولدتها. تلك حقيقة، لا نعدوالصواب إن قلنا، إن بصيراً واحداً فطن لها يومذاك وجاهر برأيه فيها، ألا وهوشهيد الفكر محمود محمد طه.

    كان الاستاذ يقول، كلما تكاثر الحديث حول مشكلة الجنوب : ''وللشمال مشكلة أيضاً''. وكان، كلما تسمع بياناً من القيادة العامة للجيش يعلن عبر المذياع خبراً مفاده :''لقد فقدنا عشرة شهداء في المعركة ومات الف من الخوارج''، ردد :''الاجدر أن نقول فقد السودان مائة والفاً من ابنائه''. هذا قول رجل يدرك البدهيات، ومن البدهي أن القلوب جُبلت على حب من يحسن اليها، وبُغض من يسئ اليها، ناهيك عن الغضب الذي اورثته لأهل الجنوب مظالم متجذرة. لذلك، ظللنا ندعو، مع قلة ذات حس بالآخر نذكر منها الراحل العظيم محمد عمر بشير، للاعتراف بجذور المشكل بدلاً من الهروب منها الى الأمام بسياسات لا تقود الا لتعميق البغضاء بين ابناء الوطن الواحد. لم نذهب لذلك إلا بدافع الحرص على انقاذ أهلنا في الشمال من أنفسهم، وكان المسار عسيراً. وحمداً لله ان انتهى أهل السودان جميعاً لهذا الرأي. انتهى اليه التجمع المعارض في مقررات اسمرا، وانتهت اليه حكومة الانقاذ في ماشاكوس.

    بيد أن الانفصالية الشمالية الجديدة التي ننكر ليست هي، فحسب، دعوة سياسية كدعوات الأقدمين، بل انفصالية تتوسل لتحقيق أهدافها ببث البغضاء، وافتعال الاكاذيب على الخصوم، واستجاشة العواطف الدنيا في الانسان، بل تكاد تجعل من إهاجة الانفعالات العاطفية رسالة مركزية. الانفصالية الشمالية الجديدة، ذهبت من بعد، لاستيلاد هوية يتماهى فيها الاسلام مع العروبة العرقية ابتناءً على مرجعية ذاتية دأبها العود بأهل الشمال كلهم الى قريش في المشرق، والى آل عبد شمس في المغرب. تلك المرجعية تستأصل، بطبيعتها، الآخر المنافي لها، خاصة عندما يصبح الاسلام عندها هو ما ترى أنه الاسلام، والعروبة هي ما ترى أنها العروبة. وقد اثبتت التجارب الراهنة والسالفة أن توظيف الدين لغايات السياسة، لا الاستهداء بقيمه، يفسد الدين والدنيا معاً، بل يحول الدين الى دوغماطية وثنية. وهي وثنية لأنها تُعمي أصحابها عن البُعد الاخلاقي في الاديان. الدوغماطية، دينية كانت أم وثنية، تفترض دوماً أن هناك وجهاً واحداً للحقيقة. كما أن توظيف العرق لاهداف السياسة في بلد متعدد الأعراق يقود الى فاشية تسحق الخصوصية الثقافية لكل مغاير لها.

    هذا التماهي المفتعل بين العروبة والاسلام، وما يلحق به من تفاخر بالأصل العرقي، ليس من الاسلام في شئ، وليس لوجه الله منه نصيب. ففي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أورده ابن عساكر: ''أيها الناس ان الرب واحد، والاب واحد. ليست العربية بأحدكم

    من أب وأم وانما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي''. هذا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عندما انكر العرب المتعنصرون على صهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وبلال الحبشي عروبتهم. ومهما تنطع البعض بحديث الرسول الكريم عن العصبيات ''المنتنة''، فان اعادتهم القول مرة تلوأخرى عن أصولهم العربية العرقية يتباهون بها على من لا يمت لهذه الأصول بسبب من أبناء وطنهم، هي فلتات لسان تنبئ بما تخفيه القلوب. ونوقن، ولا نتوهم، أن الذين يستنكرون تباهي البعض بأصولهم العربية العرقية هم قوم اختلطت العروبة الثقافية بدمهم ولحمهم، هي لباس لهم وهم لباس لها، وبها يفاخرون.

    توحي تلك الفلتات أيضاً بشئ آخر : الهرب مما تواطأ عليه العالم، وقبلته الانقاذ منذ دستور 1998، باعلاء رابطة المواطنة بين كل أهل السودان بمسلمهم وغير مسلمهم، وبعربهم ونوبهم وبُجتهم وزغاوتهم. ويلوح لنا أنه مازال بيننا حتى اليوم بُقعاً لا يرون في زغاوة هذه غير لونهم الساحم وتجاسرهم على مناجاة البُقْع، أي خليطي اللون، تماماً كما رآهم شيخ المعرة، وهوالأعمى، في شريدته الرائعة التي ودع فيها بغداد: أودعكم ياأهل بغداد والحشا..،

    وما قام في عُليا زُغاوة منذر

    فما بالُ سُحمٍ ينتجين الى بُقع

    الثعلب والعنب

    قصة الانفصاليين الجدد لا تختلف كثيراً عن قصة الثعلب والعنب، إذ

    ظلوا يَكِدون ويستكدون غيرهم كداً مرهقاً لفرض اجندتهم على الوطن كله، بما في ذلك الجنوب ''غير المتجانس''. لم يُجهِضهم عن رغائبهم تلك ويُنحَيهم عنها إلا إجماع أهل السودان على رأيٍ حكيمٍ مفاده : كفي حرباً، وان كان لابد للوطن من التوحد فليكن ذلك برضى أهله. أهل السودان الذين نعني هم الجنوبيون قاطبة والقوى الفاعلة في الشمال التي مثلها التجمع الوطني الديموقراطي (قرارات أسمرا 1995) وحكومة الانقاذ والتيار الاسلامي الذي يتضام في حشاها (اتفاق لام اكول وعلى الحاج في فرانكفورت ثم بروتوكول ماشاكوس). فتاريخ تقرير المصير يعود الى ما قبل نايفاشا بعقد من الزمان وفي وقت كان فيه للناقمين عليه اليوم حضور كثيف في مجالس صنع القرار وفي منابر الدفاع عنه. لهذا لا نظلم هؤلاء ان قلنا انهم، بعد أن اعيتهم الحيـل في خلـق سـودان

    على عيونهم، اخـذوا يقولون: ما أمـره هذا العنب ( the grapes are sour ) لولم يكن هذا حالهم، فما الذي يضيرهم اليوم في تحقيق وحدة بين شقي القطر تضمن لكل شق أن يُرضي مطامحه السياسية، ويحقق أشواقه المعنوية، كما جاء في الاتفاق الذي أرسي أساسه في نايفاشا رجال لايشك أحد في حزم رأيهم، وصدق وطنيتهم وأن اختلفت الرؤى والأفكار. حقيقة الأمر أن الانفصاليين الجدد يعيشون في بهو كله مرايا، لا يرون فيها غير وجوههم.

    المصالح والجغرافيا

    الامر الثاني هو ما ظللنا نكرره حول تداعي مكعبات الدومينو. فالى جانب نوازع الهروب من دولة تشي كل مقولات دعاتها بأنها ستكون دولة نافية للآخر المخالف، هناك المصلحة، والمصالح تحكمها الجغرافيا لا الاوهام الايدولوجية. ففي صيرورة الأمم، الجغرافيا هي التاريخ. تُرى ما الذي سيحمل المواطن الذي يحاد موطنه الجنوب، ويرى ذلك الجنوب يرتحل جنوباً بكل ثرواته النفطية، وعيونه المدرارة، وارضه الخوارة، ومراعيه الخضلاء أن لا يذهب الى حيث الثروة الوفيرة، وحيث المرعى الأكثر اخضراراً. ذلك هو المرعى الذي يعرفون منذ زمان سحيق أنه المأوى والملاذ لهم ولدوابهم في سني الجفاف أوالقحط.

    هذا هوالواقع الذي لا يعني شيئاً لمن تكبل عقولهم الأوهام الايديلوجية إن أحسنا بهم الظن، أو الرغائب الجامحة في تسخير الدين لمطامع الدنيا ان كانت الاخرى. الذي يعنيه أمر أهل

    السودان، خاصة في قضاياهم الحياتية، سيسعى مع غيره لجعل الوحدة خياراً جاذباً، وإن تعذرت، فسيَجدُ لأن تقوم علاقة بين دولتين تقضي المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة أن يتعايشا مع بعضهما البعض في إلفة. ولا سبيل لمثل هذه الألفة في ظل المشاحنة والتباغض والمعاداة التي يبثها اصحاب رغائب يولون اليها وهم يجمحون. مبلغ هَمِ هؤلاء بعيد كل البعد عن إدراك مطالب أهل الشمال الحياتية التي لا حياة لهم بدونها.

    ت.... وانفصاليو الجنوب

    على الجانب الآخر، للتوجه الانفصالي تاريخ عريق في الجنوب يعود الى عهد أقري جادين، مساعد مفتش مركز الفاشر الذي رفع علم الاستقلال على ساريته في تلك المدينة في غرة يناير .1956 أقري، رافع علم الاستقلال، استقر رأيه مع صحب له على أن الشمال شمال والجنوب جنوب، ولن يلتقيا. وكان التعبير الأكثر تطرفاً في موقفه

    هو الاطروحة التي واظب عليها خلال مؤتمر المائدة المستديرة (1965). تلك الاطروحة، لا تختلف في كثير عن اطروحة غلاة العنصريين في الشمال بثنائياتها (dichotomies) المفتعلة : العرب ضد الافارقة، المسلمون ضد المسيحيين، المسترقون ضد الارقاء، دون أدني اعتبار للتقاطعات المتعددة بين هذه الثنائيات الحادة. وأحسن الكاتب المعلق عندما وصف الحالتين، مستشهداً بقول استاذي الأثير جمال محمد أحمد، بـ ''حمق أدى الى حمق''. ولعل الذين ذهبوا إلى اطلاق صفة الافريقانية على تلك الجماعات الانفصالية الاولى، وتابعيهم حتى اليوم، ظلموا الافريقانية كثيراً. فالافريقانية فكرة سياسية لا تقوم على الولاءات البُدائية التقليدية، كما ليست هي مرادفاً للزنوجة(negritnde) التي كان يدعو لها ليوبولد سنغور والشاعر المارتينيكي ايمي سيزار، وتخلى عنها الأول. فدعاة الافريقانية يستدعون امجاد قارة تمتد من القاهرة الى رأس الرجاء الصالح ويفاخرون بأن أولى حضارات الانسان : الحضارة الفرعونية والنوبية (اكسوم، نبتة، كرمة، مروى) نشأت في افريقيا.ولم يكن غريباً أن تلقى التوجهات الاثنية التي حكمت عقل سياسيي ذلك الزمان قبولاً في الجنوب لأن الجنوب، على خلاف الشمال، لم يتعرض للمؤثرات التي خفقت من حدة الاثنية والقبلية فيه، بل كادت تقضي عليها. من تلك المؤثرات الطائفية والطرق الصوفية التي وحدت بين أهل الشمال عبر الولاءات العشائرية

    والقبلية، والاحزاب القومية، بمفهوم القومية الأدني(Sub-nationalism) أي القومية الشمالية، والمنظمات الاجتماعية كالنقابات مثلاً، الى جانب انماط التنمية الاقتصادية والاجتماعية الحديثة.

    ولعل أولى المحاولات للقفز فوق الفوارق الاصلية(primordial) في الجنوب هي مشروع السودان الجديد الذي ابتدره الراحل قرنق بمافيه من آليات تهدف لازالة الفوارق وتكثيف الجوامع. وكما أسلف الذكر،لا يقصد ذلك المشروع الي ازالة الظلامات المو فحسب، وإنما أيضاً لخلق قوة دافعة نحوالمركز(certrupetal) ، لا طاردة منه .(centrifugal) ولعل نجاح الرجل الاكبر كان في قدرته على تهذيب الولاءات الاصلية المتفارقة، بل المتهاجرة، في الجنوب وادماجها في كيان واحد تجمعه رؤية موحدة. وكان الراحل، كما أوردنا في مقال سابق،، يستشرف بتوحيد هؤلاء آفاقاً أبعد من السودان، أو بعبارة أخرى تتجاوز حدوده. ففي ظل التوجه الاقليمي نحوالتوحد، والتوجه العالمي نحو تقوية أواصر التعاون بين ''فقراء'' العالم لمواجهة افرازات العولمة، لا يملك أى سياسي ذي بصيره ان يغمض عينه عن تلك الحقيقة، أو أن لايدرك مافي التشرذم من مخاطر. تلك هي أفكار رجل كان بين سمع الأرض وبصرها، ثم ذهب وبقيت رؤاه. رغم ذلك، ما زال بين سياسِيي الجنوب نفر ما انفكت النظرة الاثنية الانغلاقية تمتلك عقله وتعتمل في مصارينه. هؤلاء، في حقيقة الامر، هم ابناء أقري، لا ''اولاد قرنق''، الذين

    تتملكهم عقدة النقص من ''الجلابي المكار'' الذي لا يرون فيما يقول أو يفعل الا تدبيراً وحيلة. وكثير مما يفعل البعض اليوم، بوعي في بعض الاحيان، وبغير وعي في أغلبها، يُعمق من تلك المخاوف. وعلى أي، فعلاج هؤلاء لما يحسبونه مكراً جسيما كُباراً هو قطع الصلة بالشمال. عقدة النقص عند هؤلاء، تماماً مثل عقدة الاستعلاء عند رصفائهم في الشمال، لا يمكن ان تكون اساساً لاستراتيجية رشيدة.

    ... ثم شماليو الحركة

    في نهاية الأمر، لا يملك أحد، بما في ذلك الحركة الشعبية، عصا سحرية يدفع بها الجنوبيين الى حيث يريد، ان لم تتوافر مقومات الوحدة الجاذبة التي قلنا ونقول وسنقول إنها مضمنة بين دفتي كتاب اسمه اتفاقية السلام الشامل. ذلك الكتاب لن يهجره الا من على قلوبهم

    وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة. ولئن يحدث مالا نتمناه، ولا يتمناه أي حادب على وحدة السودان، فلن يكون السؤال : ما الذي سيفعل شماليوالحركة ؟ بل السؤال : الى أي مَهمَةٍ سينتهي شمال السودان ؟ فشماليوالحركة لم يذهبوا اليها لكسب مادي وانما لتحقيق حلم كبير. وقد شهد القاصي والداني استئناء هؤلاء عند الزحام على الحوض الروي. عن ذلك الحوض تأنى حتى الذين جاءوا الى الحركة في مقتبل العمر وثابروا على البقاء فيها حتى يبس جِريال الشباب في وجوههم، ثم عفوا عند المغنم. فمنذا الذي لا يذكر عبد العزيز آدم الحلوالذي رفض ان يكون حاكماً للاقليم الذي ظل يحارب من أجله على مدي عشرين عاماً ؟ ومن ذا الذي لا يذكر عرمان الذي رفض مواقع عرضها عليه الرئيسان الراحل والحالي تتحلب لها شفاه الآملين الطامعين ؟ مثل تلك المواقع عند هؤلاء وغيرهم حُساف لأنهم يتطلعون الى غاية تمتد امتداد السودان كله، والى ظل يورف ويستطيل حتى يسِعَ الشمال والجنوب. ذلكم هوالسودان الذي يرى فيه كل مواطن وجهه. ولن يكون هذا الظل أبداً هو''ضُل الضُحى'' الذي لا يزدحم عنده إلا المَلْصُ من أية قدرة، والَلَهوُ عن أي مبدأ.

    اتفاقية السلام الدائم ابانت معالم هذا السودان حتى لا يتمزق الشمال بالتداعي إن عجز عن توفير شرائط الوحدة الجاذبة لأهل الجنوب، ولا يتشظى الجنوب بسبب النوازع البدائية فيه ان اختار الانفصال، رغم توافر شرائط الوحدة. ولئن حدث هذا سنثبت للعالم أنا قوم يستمرئون جدلية تدمير الذات، ويكرهون الحب، وينفون العشق والعاشقين. شماليوالحركة، أيضاً، لن يَشجوا بِالهَمِ أن قرر

    شعب الجنوب الانفصال لعدم توافر مقومات الوحدة الجاذبة التي تعاهد طرفا الاتفاقية عليها، لأن أكبر ما يميز هؤلاء عن غيرهم هو تصالحهم مع أنفسهم وتوحدهم مع ذواتهم وقبولهم للنتائج المنطقية للمواقف التي يتخذون.

    المَهَمَةُ الذي سينتهي اليه السودان هو الهَمُ الذي سيُشجِنُنا بعدما تكبدنا من مشاق بعزم حديد وعين ساهرة لنقي اهلنا غوائله

    ومَهَمة طامسٍ تُخشي غوائله

    قطعتُه بكلوء العين مِسهار

    رغم ذلك، فنحن لا نرى السودان ابداً قفراً مُهلِكاً أو أرضاً تيهاً لا يجدي فيها العناء، كما ارتأى ذلك الدكتور طه حسين. ففي كتيبه الممتع ''شوقي وحافظ'' نسب العميد الرقة والجزالة في شعر شوقي الى أثر الاندلس عليه حيث قضى فيه زماناً طويلاً. اما حافظ

    ابراهيم، الذي نُفي الى السودان، فقد كان لغلاظة البيئة السودانية أثر في قصيده، في زعم العميد. قال الاستاذ العميد : ''اما حافظ فقد ذهب الى السودان حيث الشمس مشرقة أبداً، محرقة ابداً، وحيث الكد المضني، والتعب الذي لا يفيد''.

    شماليو الحركة لن يُضنيهم الكد، ولن تصيبهم مشقة في التعب من أجل سودانهم. هم مواطنون بلا حدود لأن الوطن الذي يتمنونه حلم. وقد نصبوا، وسينصبون خيامهم في كل بقعة من ذلك الوطن / الحلم، المشرقة والمحرقة شمسه. لا يفرون، باذن الله، من خيامهم تلك، حتى وان فرت الخيام. ونحن معهم باقون في هذا الوطن / الحلم الذي لن يتساءل فيه سائل من أين جئنا. فقد انحدرنا اليه من عصبة أولي قوة استنفدوا حياتهم كلها في سبيل مرضاة الله، لا يبتغون منها غير السلامة في الدنيا، والكرامة في الآخرة فأطبق عليهم اهل الشمال جميعا لعلمهم وسماحهم، لا لحسبهم ونسبهم.

    بفضل ما أورثنا هؤلاء، وما خبرناه من تجارب عشناها، ومعارف كسبناها في اصقاع العالم، نعمل اليوم لنسمو بالانسانية، لا لنتعزى بالانساب. فالسموالانساني وحده هوالذي يهدي الانسان الى أن لغيره حقوقاً كما له حق. ومتى أحس الانسان احساساً صادقاً بحقوق الآخرين، ازدهرت في نفسه معاني الانسانية.

    هذا هو وحده الطريق الذي يؤدي الى وحدة السودان، وحدة قائمة على الرضا والتسامح. وان اراد الله الاخرى، سنعمل على أن تقوم في السودان دولتان جارتان متآلفتان. فالجنوب لن يرحل بالنيل،

    شريان الحياة في البلدين وفي جارة عزيزة. ومُنتجُه لن يجدَ أسواقاً لسلعه المدارية (tropical) اسواق شرق افريقيا التي تشاركه انتاج تلك السلع، فاسواقه هنا في الشمال وما تِجاوره من دول في شماله وعبر البحر. ومئات الآلاف الذين بنوا وأسسوا في الشمال من ابناء الجنوب لن يرحلوا عن منازلهم ومواطن عملهم. ورجل الاعمال الشمالي الذي بنى وأقام في الجنوب لن يهجر ما بناه. وتداعيات التكامل الاقتصادي التي جعلت من دول الكوميسا من لوساكا الى القاهرة سوقاً واحدة لن تدع مهرباً للشمال من الجنوب أوللجنوب من الشمال. وسوق العمل الذي انفتح في الشمال للعمالة الفليبينية والاندونيسية والصينية لن يغلق امام الجنوبي، كما لن ينغلق امام الشمالى سوق العمل الجنوبي الذي يرتاده اليوم الكيني واليوغندي والاثيوبي. ذلك هوالوطن/الحلم، ضَيقٌ ضيقَ حُلومنا، وواسعٌ سعةَ انسانيتنا.

    ثم نحدث، أيها القارئ والحديث ذو شجون، أن ليس لنا، على المستوى الشخصي، فيما نستقبل من الحياة، ان أمد الله في العمر، اكثر مما استدبرنا. كما ليس في هذا الوطن الضيق الواسع من موقع أوموضع يفتننا، فقد أغنانا الله به عن غيره. وإن كان صواب الناس وخطؤهم على قدر الرغبة أوالرهبة، فليس لنا مانرغب فيه أونرهبه. وحمداً لله، فان امانينا لم تنكمش في أماني بعض أهل السياسة في الحياة، لا حياة لهم وراءها. عن اولئك قال السياسي البريطاني اللوذعي دينيس هـيلـي : '' هـؤلاء لا يملـكون

    تـخـومـاً خلـفيـة فـكـرية يـأوون الـيـهـا .(they have no intellectual hinterland to retire to)

    الرأي والهوى

    هذه هي الآراء التي ارتأينا جدوى التعليق عليها لثقتنا في أن أصحابها لم يرموا من ورائها الا للحوار. ولو كان في ماجاء به العيابون اللُمَزَة على صفحات الانترنت شية من فكر لأولينا ما يقولون اهتماماً كذلك الذي أولينا لتساؤلات غيرهم. ما جاء به هؤلاء هوالفحش المحض، وتلك تجارة حمقاء. لهذا، ندخر صرير القلم لمن هم أقمن بالرد، فالعقل يضل عند محاورة الحمقى.

    وعلى أي، فان كانت هناك فكرة واحدة نستشفها مما جاء في تُرهٍ لم نفهم محصولَ أغلبه، فهي القدح في الاتفاقية لانها لم تقتلع نظام

    الانقاذ من جذوره. ذلك أمر أفضنا في الحديث عنه في المقال الثاني والمقال العشرين، وفي مقالاتنا الأولى عن الظروف التي افضت لاتفاقية السلام الشامل وما تبعتها من اتفاقيات في القاهرة واسمرا وابوجا. ليس لنا ما نقول لاولئك المستبسلين الذين يتصدون من أرصفة الانترنت لما لقدرة لهم على الوفاء به، أوالتمكن منه، غير : افعلوا ما فعله الذين ظلوا يحاربون الانقاذ على مدى عقدين من الزمان إن كانت لكم قدارة على ذلك. أوالحقوا بمن مابرحوا يحملون السلاح ضده في الغرب القصي مثل جبهة الخلاص التي ما زالت تقول أنها لا تدعولاصلاح، بل تطالب بتغيير النظام. نعم، من حق كل مواطن نقد الاتفاقية، ففي الاتفاقية فُجَاً نعرفها، ولكن الانتقاص من تضحيات وانجازات الآخرين سفاهة سُفالٍ جردهم الله من كل فضيلة.

    آخر القول ذخرناه للبَردَخت، متشايخ ما سئل عن شئ الا اجاب جواباً بعيداً، ثم طفق يوسعنا فيما، تظني، سباً في مقالات تفتقد الحد الأدنى من الحياء، والحياء شعبة من الايمان. جئنا بالرأي وجاء بالهوى، ثم أخذ يتقلب في هواه قفاً لوجه، ووجهاً لقفا. بيد أن الرأي باق والهوى بائد. وما كان كل ذلك الهوى البَرَدختي إلا لاستدراجنا للمهاجاة: ولئن سألت عن البَردَخت أجبنا أنه شويعر من طئ جاء الي جرير وقال له ''هاجني''. قال جري : ''من أنت ؟ قال: ''أنا البَردَخت''. قال: '' وما البردخت؟ '' قال :''الفارغ بالفارسية''. قال جرير: ''ما كنت لأشغل نفسي بفراغك''.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de