مهلاً ( فالنتاين).. الشهيد القديس!! .. وماعيدك عيدٌ الحب والعشاق!!
ابوبكر يوسف إبراهيم
أطلّ علينا فبراير يقرع الأبواب وجاء معه ( القديس الشهيد فالنتاين ) الذي أصبح وأمسى وبات شهيداً للحب .. باعوا لنا أسطورته واشتريناها في غيبة الوعي وإنكار الذات. نسينا أننا أصل الحب ومهد الحب ، وبدأنا نجاريهم ونقلدهم في الإحتفال بذكراه، فهم ليسوا بأفضل منا ولا هم أكثر تحضراً منا، لذا نحن أولى بذلك منهم لأن الحب حرفتنا.. مهر سائب يمكن أن تعتلي صهوته حتى وإن لم تكن خيالاً .. طوّعنا كل أدوات الزيف والكذب والنفاق ومنها التقنيات الحديثة لنرسل الرسائل القصيرة عبر أجهزة الإتصالات فالحب عندنا نكران ذات وإيثار وتضحية على غير ما عندهم . القديس فالنتاين مات مقتولاً، فكيف يستقيم أن نصدق بأن مجتمعٍ ما تجذر فيه عطش لا ترويه إلا الدماء وهو الذي يسفه الحب ويحارب العشاق ويقتل المحبين أن يقدم قديساً شهيداً؟!!
إشترينا الأسطورة المزجاة إلينا، وهي أسطورة قانية اللون وشعارها الدم.. فهل كان ما ينقصنا هو شهيد للحب حتى نشتري زعمهم؟!! أم أنهم يدركون مدى سمو أرواحنا وعمق تقديسنا للحب والمحبة فنحن من ترك كل تلك الآثار في الأندلس ، إلى أن ساقوا إلينا الأسطورة لتسوق من خلال ما يعتقدون أنه نقطة ضعفٍ أو مدخلٍ نفسي للوصول إلى الغاية؟! ؛ أليس عندنا من شهداء الحب ما ينوء بحمله ديوان العرب وتناقلت سيرتهم الأجيال؟!! أم أن ذاكرتنا قصيرة المدي ومصابة بعطب اسمه إيثار كل مستجلب من خارج البيئة؟!! كيف يستقيم الحب والدم؟! .. فالحب هو السلام والطمأنينة والود والمناجاة وسكن الأرواح وتمازجها.. فهل يستقيم إزهاقها مع التمازج والتوحد؟!!
يا أحبتي؛ ها هم قد باعوا إلينا واشترينا منهم الأسطورة وكأنها صفقة رابحة ( لُقطة). في هذا اليوم الذي أطلقوا عليه( عيد العشاق) نقيم الحفلات ونرتدي القاني من الألوان ويختلط الحابل بالنابل؛ عناق ؛ قبل؛ وممارسة الرزيلة تعبيراً عن الحب العميق في هذه المناسة الحمراء ويحدث اللكثير مما تعجز عن رصده الأقلام أو التعبير عنه!!؛ ويبتدع في المناسبة من التقاليع ما يضحك ويبكي وقد دفع الثمن مقدماً، ولا بأس من تسويق كل منتجات تحث وتمجد ذكرى القديس الشهيد ( ميتة وخراب ديار) ، ففي ذكرى الشهيد القديس فالنتاين ( عيد العشاق ) يتفنن الناس في إرتداء كل ما هو بلون الدم إحياء لذكراه، فهل يستقيم عقلاً أن يكون شعار العشاق بلون الدم وكأننا في حلبة لمصارعة الثيران؟!!
باعوا لنا أيها القديس أسطورة وهذه هي الملهاة عينها وكأن رحم حواءنا عقر ولم تنجب لنا من شعراء وأدباء قصص حبهم كانت قيمة وقمة في الأدب والأخلاق والتغني بالحب والحبيبة حتى الموت ولا أدري لماذا لم نعمل أبداً العقول ولو قليلاً لنبحث عع شهداء الحب عندنا ومن الذين إفتدوه.. ربما أن الأمر لا يستدعي الكلفة بالنسبة لنا ولكن أليست الإستعداد لعيد الشهيد القديس ( فالنتاين) أيضاً كلفة مادية وأخلاقية وتنطوي على تسفيه الإرث الذي نقب عنه مستشرقيهم ونالوا منه ما بنوا عليه حضارتهم.. ألآ يعتبر هذا نكران لتراث وإرث تليد؟!!
فهلا تذكرنا في عيدهم الأسطوري عيد العشاق - فالنتاين – بعضٌ من شهداء الحب في تاريخنا الأدبي وهم كثر؟!! . هل تذكرنا قيس بن الملوح وليلى العامرية؟!! ، هل تذكرنا قيس ولبنى؟! ، هل تذكزنا جميل بثينة وحب بني عذرة؟!! ، هل تذكرنا الأهوال التي إفتدى بها عنترة ثمناً لحب عبلة ؟!! أم لأن هؤلاء خلقوا وعاشوا وماتوا بين اليمامة وصحرائها وسط القفر اليباب وقبورهم مجهولة وليس عليها رخام يمجد سيرتهم وهي الحق والحقيقة؟ أم لأن القديس الشهيد (فالنتاين) عاش عبر دنيا سماؤها زرقاء فاقع لونها و مياه أنهار وبحار فيروزية وقبر شهيدهم تحف به الحدائق الغناء وتصدح الطيور حوله ترتل تراتيل الأحزان على تضحيته الجسيمة من أجل حياة الإنسانية؟!! الأمر كله لا يعدو إلا أن يكون مقتول أباح لنفسه إمتلاك ما لا يحق له وقتلة تجمعوا وأزهقوا روحاً لا يملكون حق إزهاقها؟!!
فهل يقتل العاشق لكونه أحب؟ وهذا فعلوه بالقديس الشهيد؟ فأي قداسة هذه وأي شهادة تلك؟!!.. أما المفارقة فقد تبنينا الأسطورة أكثر من صانعوها وتجاهلنا عمداً كل من مات فدداء الحب في تاريخنا ومن مات كمداً من العشق ومن الحب من أجل الحب نفسه؟. كيف يمكن أن يقتل عاشق لمجرد أنه أحب ، ماذا نطلق على هكذا فعل؛ هل نطلق عليه وصف البربرية والهمجية؟!.. لا أدري إن كنا لا تقرأ في تاريخنا أو إن كنا نقرأه ( بالمقلوب)؟!! علينا أن نقف قريباً من صفحات تاريخنا ويستحسن أن نقرأ بتؤدة وتأني ، نقرأ لنفهم وليس لمجرد المطالعة والتفاخر بالكم والعقول خواء!!
ألا يجدر بنا أن نجتر ذكرى عشاقنا ومنهم:
أمرؤ القيس وأبنة عمه فاطمة أو ( عنيزة) وقوله:
أفاطـم مهـلاً بعـد هـذا التـدللِ وإن كنت قد أزمعت صَرمي فاجملي أغـرّك مـني أن حـبك قـاتـلي وأنـك مهما تأمري القـلب يفـعلِ!.
عنترة العبسي وابنة عمه عبلة وقوله:
هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم دار لأنسية غضيض طرفها طَوع العناق لذيـذة المُتَبسم يا دار عـبلة بالجواء تكلـمي وعِمي صباحاً دار عبلة واسلمي!
الشاعر قيس بن الملوح وليلى العامرية:
أعُـدّ اللـيالي ليلة بعـد ليلـة وقد عِشْتُ دهراً لا أعُـد اللياليا أراني إذا صلـيت يممت نحرها بوجهي وإن كان المُصلّى ورائيا ومـا بي من إشراكٍ ولكن حبها كعود الشجا أعيا الطبيب المداويا أُحب من الأسماء ما وافق اسمها أو أشـبهه أو كان مـنه دانـيا!
الشاعر ذو الرمة ومعشوقته مي :
لـئن غير الـنأي المحبين لم يزل رسيس الهوى من حب مية يمرح فلا القرب يدني من هواها ملالـة ولا حـبها إن تـنزح الـدار ينزح ألم تعلمي يا ميَّ أنّـا وبيننا مـهاوٍ لطـرف العـين فيـهن مــطرح!
الشاعر المجهول والأميرة دعد :
يا طول ما تبكي الغيوم على عرصـاتها ويقـهقه الرعد آهٍ على دعـد وما خُلِقت إلا لطـول تلـهفي دعـــد بيضاء قد لبس الأديم أديـم الحسن فهو لجلدها جـلد !
الشاعر عروة بن حزام وعفراء:
وإني لتعروني لذكراك هزة لها بيـن جلدي والعـظام دبيـب ومـا هـو إلا أن أراها فُـجاءةً فأبـهت حـتى مـا أكاد أجـيب واصرف عن رأيي الذي كنت أرتئي وأسـى الـذي أعـددت حين تغيب
الشاعر الفرزدق ونوار:
لعمري لقد أردى النوار وساقها إلى الغدر أحـلام خفاف عقولها
الشاعر عمر بن أبي ربيعة والثريا:
من رسولي إلى الـثريا فإني ضافني الهم واعترتني هموم يـعلم الله أنـني مستــهام بهـواكـم وأننـي مرحـوم
الشاعر قيس بن ذريح ولبنى:
لقـد لآقيتُ من كلفي بلـبنى بـلاءً ما أسـيغ به الشـرابا إذا نادى المنادي بإسم لـبنى عييت فـما أطيق له جـوابا!
جميل بن معمر وبثينة الذي أدهشني وصفه لمحبوبته:
حـلّت بثينة من قلـبي منزلة بين الجوانح لـم ينزل بها أحد صادت فؤادي بعينيها ومبتسم كأنـه حيـن أبـدته لـنا برد! عذبٌ كـأنّ ذكي المسك خالطه والزنجبيل وماء المزن والشهد!! وجـيد أدماء تحـنوه إلى رشـأٍ أغـنّ لـم يتبـعها مـثله ولـد
وأخيراً أختم بالشاعر عبيد الله بن قيس ورقياته الثلاث سعدى وسلمى والثريا وعداهن:
ألا أيها القلب اللجوج المُعَذّب علام الصِّبا والغيّ والرأس أشيب طربت لتغريد الحمام ربـما صَبَوْتُ وقد يهفو الكريم ويطرب ألآ إنما ليلى مَهاةٌ غريرة وسعدة في أترابها البيض ربرب وسلاّمة الكُبرى غدير روضةٌ وسلامة الصـغرى غزال مريب!
لدينا الكثير من أعياد الحب وأعياد العشاق إذا ما إحتفينا وإحتفلنا بشعرائنافنحن نملك البحار والدر والغواص والشطآن ونلك الجيد الذي نزينه بهاتيك الدرر ومنها خرائد في نحور نباهي بها ونتباهى .. بين أيادينا كنوز ومقتنيات فلنحسن عرضها حتى لا نشتري بخسهم بعالي الثمن!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست