مصطفي سيد أحمد:صوت ارتدى آلام الناس وآمالهم بقلم الاستاذ : خالد عويس

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 03:48 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-19-2007, 07:05 PM

ASAAD IBRAHIM
<aASAAD IBRAHIM
تاريخ التسجيل: 11-26-2003
مجموع المشاركات: 3920

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مصطفي سيد أحمد:صوت ارتدى آلام الناس وآمالهم بقلم الاستاذ : خالد عويس

    صوت ارتدى آلام الناس وآمالهم
    السوداني مصطفى سيدأحمد.. مراكمة الوعي بالأغاني

    مصطفى سيد أحمد
    خالد عويس: "صوته يشبه موجة عريضة تطوف بكل حواف الكون ثم تتكسر إلي ما لا نهاية"، هكذا يصف الموسيقار الأسترالي روس بولتر، الفنان السوداني مصطفى سيد أحمد (1953 - 1996).
    بولتر الذي لا يتحدث العربية، جاز له هذا القول من مجرد الاستماع إلى صوت "يغني من القلب إلي القلب، ومن الروح إلي الروح، مشبع بأحاسيس المعاني التي يتغني بها، من غير أن أفهم اللغة العربية، أحس بتصاوير المعاني العميقة التي فيها"، وهي عبارة مواطنته الشاعرة شيلا. ج. في معرض حديثهما للشاعر السوداني المقيم في أستراليا عفيف إسماعيل.
    لكن مصطفى، لدى عاشقي فنه، ملايين السودانيين الذين لفتت انتباههم تجربة غنائية "جديدة" مطرزة من قصائد رمزية، غاية في الصعوبة أحيانا، وألحان تستمد جذوتها وحرارتها من عذابات روح فنانة، وصوت قادر على استمزاج أقصى درجات الانفعال بالحزن والأسى، بالأمل، مثّل أنموذجا مغايرا، حمل إليهم من خلال أغنياته معان مختلفة، طارحة للأسئلة، وراجّة الروح، ومحفزة ليس على التطريب وحده، وإنما اتخاذ "موقف" من الحياة، والأحداث، والقضايا الكبرى.
    واللافت أن تجربة مصطفى سيدأحمد القصيرة نسبيا، بدأت بـ"جلسات استماع" نخبوية من أجل مناقشة أعماله الغنائية، وتقييمها، وفي غضون سنوات كان صوت مصطفى يرحل مع الرعاة في صحاري السودان، والفلاحين في حقولهم، والطلاب في مناغاتهم حبيباتهم، والنخب المثقفة بحسبانه تجربة "تقدمية" وغاية في الانسانية.
    انحاز مصطفى منذ بداياته للفقراء وغنى لهم، وللحرية، ولـ"الأطفال الناشفة ضلوعها.. ونازفة" طبقا لاحدى أغنياته ..(طيبة). وحاول جاهدا أن يفيد من التجارب الشعرية الحداثية، ليحيلها إلى مفردات وأبيات مشاعة بين الناس في شكل أغنيات ذات ألحان لا تخلو من طابع الحزن الذي صبغ شخصيته.
    وكان مصطفى، الذي مات منفيا في العاصمة القطرية، الدوحة في 17 يناير 1996، ومريضا، مدركا للأهمية البالغة التي يمكن أن تشكلها تجربته في "الوعي السوداني"، وبقدرته مع بقية المثقفين السودانيين على مراكمة الوعي، شرط أن يكون الفن "نظيفا" وجادا، إنما من دون جمود، وانطفاء.
    ويقول مصطفى في هذا الخصوص، للصحافي السوداني خضر عطا المنان في 1995، إن "خصوصية الفنان تأتي من انتخاب الطبيعة له بتأهيله بنوع من الذكاء الخلّاق، وكل ذلك يتبدى في نشاطه كانسان، أي أنه يسعى لتحقيق انسانيته من خلال تفاعله بما يجرى حوله مزودا بهذا التأهيل الفطري، أي خصوصية حالته تأتي في اطار سعيه لتحقيق انسانيته وذاته، وفي ذلك علاقة عضوية تنفي أن تكون حالته منفصلة عن رسالته".
    وباعتباره الفن "رسالة"، لم ينف مصطفى سيدأحمد خلال تجربته كلها، المعطيات الابداعية التي ينبغي توافرها في أي ابداع راق. لكن مغايرته، تمثلت في أنه أضاف لهذا العنصر، رغبة عارمة في أن يكون فنه، رسالة انسانية، وابداعية، وثقافية عميقة، قادرة على صنع تغيير ما، بالفن !
    ويضيف - مصطفى سيدأحمد - عن تجربته "هي تجربة تتوالد أبعادها من أبعاد، حيث القضايا مازالت ساخنة وكثيرة، والتفاعل مع الحياة قائم ولم يفتر بعد، كما أن البيئة حبلى وثرية".
    وبصفة أكثر تحديدا عن فنه، يمضي للقول " يكفي أن تنصهر كفنان في معامل معاناة هذا الشعب الذي أنت من صلبه وتنعجن في أفراحه وأتراحه لتصبح لسان حاله في سرائه وضرائه .. وهذا هو الفنان الحقيقي من وجهة نظري".
    ويبدو الوطن / الحبيبة، الذي يتغنى به مصطفى سيدأحمد فاتنا وحانيا وغامضا، يعسر على المرء الاحاطة بجوانب عظمته. وقدر لهذا الفنان الاستثنائي بالمقاييس كلها أن يمتلك قريحة مكنته من أن ينضج مواهبه المتشاكلة استنادا إلى عامل جوهري يتمثل في رؤيته لـ"المعاناة الجماعية" التي جهد في صوغها "أغنيات نبيلة" تخاطب الهم العام وتجهد أيضا في تجميل الحياة ومنحها ألوانا أخرى اضافية.
    واللافت في مسيرة هذا الفنان السوداني الذي أضحى اليوم رمزا ثقافيا وفكريا لدى السواد الأعظم من الشبان السودانيين، أنها شهدت تحولا خاطفا في مبتدأها من أغنيات عاطفية "عادية" كان يؤديها إنما بجزالة الصوت ذاتها، إلى محاولته الناجحة في خلق دور جديد للأغنية السودانية كحاضنة ومحفزة في آن للوعي المجتمعي والسياسي.
    وحين النظر إلي تجربته حاليا على الرغم من وفاته وهو في شرخ الشباب، يتوضح أنها استطاعت أن تتجذر في الوعي الجمعي كعلامة مفاهيمية فارقة مكنت مصطفى سيدأحمد من احتلال مكانة يندر أن يحتلها مثقف سوداني استمزج الغناء في أرقى حالاته وأكثرها مخاطبة للوعي بنزعة انسانية عميقة بدت واضحة في تحديده القاطع والواضح انحيازه للأطفال ذوي الضلوع اليابسة والفلاحين والعمال البسطاء، ولـ"الأمل".
    ومن يستمع بعمق إلى أغنيات مصطفى سيدأحمد التي فاقت أربعمائة في فترة زمنية قياسية قبل أن يخطفه الموت، يتسرب إليه الاحساس بأن هذا الفنان أمتلك مشروعا متكاملا يمثل فلسفته في الحياة ويجسد منظورا انسانيا رفيعا في تلمس آلام شعب كامل.
    ولم يكن غريبا أن يتغنى سيدأحمد بكلمات الشعراء، الفلسطيني محمود درويش، والعراقي مظفر النواب، والمصري حسن بيومي، متلمسا بذلك قضايا انسانية بعيدة عن بيئته. وبالحس الانساني الرقيق ذاته تغنى للمناضل الإفريقي الكبير نلسون مانديلا حين أخلي سبيله.
    وحين تهادت الطائرة التي تحمل جثمانه عصر يوم شتائي حزين قبل عشرة أعوام على مدرج مطار الخرطوم قادمة من العاصمة القطرية الدوحة، كان الآلاف من عشاق أغنيات مصطفى سيدأحمد من الشبان والشابات يلوحون بصوره ويكفكفون دموعا لم تمسحها الأيام إلى غاية الآن من نفوسهم حيث بقي هذا الفنان نقشا موجعا في قلوب ملايين السودانيين.
    وهذا الشلال الهادر من الحب الذي يطوّق تجربته، لم يتأت إلا من انحياز مصطفى التام، بصوته الجريح، المشبوب بالعاطفة والأسى، وألحانه المترعة بالحزن، وأغنياته الباعثة على الألم والأمل معا، للناس. فهو الذي غنى لهم من كلمات الشاعر المصري حسن بيومي:
    (فإن شئتم تعالوا الآن ..نرقص رقصة البدء ..ونعلم أن نمد الكف ..نحو الشمس للدفء..
    تعالوا أيها الجوعى ..تعالوا أيها الفقراء).
    وهو الذي أوغل في مخاطبة انسانيتهم بتناوله - غنائيا - حكاية "عم عبدالرحيم" العامل البسيط الذي تنتهي حياته المتقشفة مهروسا تحت القطار بسبب ضغوط الحياة. وهو الذي جاهر برفضه "قوانين الطواريء" من خلال أغنية "عمنا الحاج ودعجبنا" الذي أراد إكرام ضيوفه الذين أتوا ليلا، فذهب ليجلب لهم خبزا للعشاء، فتم جلده لمخالفته قانون الطواريء، فمات مقهورا !!
    وهو الذي جعل في أغنياته، الحبيبة ليست مجرد أنثى جميلة فحسب، وإنما إمرأة حرة، مملوءة بالقيم والنبل، وبعيدة عن الزيف، وعاشقة للوطن. لذا فهو يغني لها بالدارجة السودانية للشاعر السوداني أزهري محمد علي:
    (حركت بيك عصب السكون.. جلبت ليك الغيم رحط
    طرزت ليك النيل زفاف.. حرقت ليك الشوق بخور ..و فرشت ليك الريد لحاف).
    وغناؤه لأجل الوطن، الحبيبة، البسطاء، يكتسي معان جديدة من خلال حفر الشعراء الذين تغنى بقصائدهم أعمالا صعبة مثل "واقف براك" للشاعر السوداني مدني يوسف النخلي:
    (مطر الحُزن عاود هطل .. جدد عذاب الأرصفة
    ضي المصابيح البعيد .. أتعب عيونك وإنطفأ).
    أو "الشوق والهواجس" للشاعر السوداني أبوذر الغفاري:
    (يا صباحات المواني ..حتى لو دربك ترنح ...
    في مشاوير الأغاني ..والجرح إرتدّ بينا ..لي زمان الآهة تاني).
    ويبلغ مصطفى سيدأحمد مع عاشقي فنه درجة عالية من الترميز في "مريم الأخرى" للشاعر السوداني محمد إبراهيم شمو: (وأنا لست أدري ..ما الذي يدفعني دفعاً إليك ؟..ما الذي يجعلني أبدو حزيناً ..حين أرتاد التسكع في مرايا وجنتيك ..؟ لا عليك ..فعلى هذه السفوح المطمئنة ..نحن قاتلنا سنيناً وإقتتلنا ..نحن سجلنا التآلف في إنفعالات الأجنة ..وإحتوانا البحر والمد اليقاوم والشراع ..يا هذه البنت التي تمتد في دنياي ..سهلاً وربوعاً وبقاع ..ما الذي قد صب في عينيك شيئاً ..من تراجيديا الصراع).

    * روائي وصحافي سوداني
    [email protected]


    المصدر :ايلاف
                  

01-20-2007, 10:38 AM

عبد اللطيف عبد الحفيظ حمد
<aعبد اللطيف عبد الحفيظ حمد
تاريخ التسجيل: 12-01-2004
مجموع المشاركات: 779

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مصطفي سيد أحمد:صوت ارتدى آلام الناس وآمالهم بقلم الاستاذ : خالد عويس (Re: ASAAD IBRAHIM)

    لك التحية على هذا المقال القيم!!!
                  

01-20-2007, 10:56 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مصطفي سيد أحمد:صوت ارتدى آلام الناس وآمالهم بقلم الاستاذ : خالد عويس (Re: عبد اللطيف عبد الحفيظ حمد)

    Quote:

    صوت ارتدى آلام الناس وآمالهم
    السوداني مصطفى سيدأحمد.. مراكمة الوعي بالأغاني

    مصطفى سيد أحمد
    خالد عويس: "صوته يشبه موجة عريضة تطوف بكل حواف الكون ثم تتكسر إلي ما لا نهاية"، هكذا يصف الموسيقار الأسترالي روس بولتر، الفنان السوداني مصطفى سيد أحمد (1953 - 1996).
    بولتر الذي لا يتحدث العربية، جاز له هذا القول من مجرد الاستماع إلى صوت "يغني من القلب إلي القلب، ومن الروح إلي الروح، مشبع بأحاسيس المعاني التي يتغني بها، من غير أن أفهم اللغة العربية، أحس بتصاوير المعاني العميقة التي فيها"، وهي عبارة مواطنته الشاعرة شيلا. ج. في معرض حديثهما للشاعر السوداني المقيم في أستراليا عفيف إسماعيل.
    لكن مصطفى، لدى عاشقي فنه، ملايين السودانيين الذين لفتت انتباههم تجربة غنائية "جديدة" مطرزة من قصائد رمزية، غاية في الصعوبة أحيانا، وألحان تستمد جذوتها وحرارتها من عذابات روح فنانة، وصوت قادر على استمزاج أقصى درجات الانفعال بالحزن والأسى، بالأمل، مثّل أنموذجا مغايرا، حمل إليهم من خلال أغنياته معان مختلفة، طارحة للأسئلة، وراجّة الروح، ومحفزة ليس على التطريب وحده، وإنما اتخاذ "موقف" من الحياة، والأحداث، والقضايا الكبرى.
    واللافت أن تجربة مصطفى سيدأحمد القصيرة نسبيا، بدأت بـ"جلسات استماع" نخبوية من أجل مناقشة أعماله الغنائية، وتقييمها، وفي غضون سنوات كان صوت مصطفى يرحل مع الرعاة في صحاري السودان، والفلاحين في حقولهم، والطلاب في مناغاتهم حبيباتهم، والنخب المثقفة بحسبانه تجربة "تقدمية" وغاية في الانسانية.
    انحاز مصطفى منذ بداياته للفقراء وغنى لهم، وللحرية، ولـ"الأطفال الناشفة ضلوعها.. ونازفة" طبقا لاحدى أغنياته ..(طيبة). وحاول جاهدا أن يفيد من التجارب الشعرية الحداثية، ليحيلها إلى مفردات وأبيات مشاعة بين الناس في شكل أغنيات ذات ألحان لا تخلو من طابع الحزن الذي صبغ شخصيته.
    وكان مصطفى، الذي مات منفيا في العاصمة القطرية، الدوحة في 17 يناير 1996، ومريضا، مدركا للأهمية البالغة التي يمكن أن تشكلها تجربته في "الوعي السوداني"، وبقدرته مع بقية المثقفين السودانيين على مراكمة الوعي، شرط أن يكون الفن "نظيفا" وجادا، إنما من دون جمود، وانطفاء.
    ويقول مصطفى في هذا الخصوص، للصحافي السوداني خضر عطا المنان في 1995، إن "خصوصية الفنان تأتي من انتخاب الطبيعة له بتأهيله بنوع من الذكاء الخلّاق، وكل ذلك يتبدى في نشاطه كانسان، أي أنه يسعى لتحقيق انسانيته من خلال تفاعله بما يجرى حوله مزودا بهذا التأهيل الفطري، أي خصوصية حالته تأتي في اطار سعيه لتحقيق انسانيته وذاته، وفي ذلك علاقة عضوية تنفي أن تكون حالته منفصلة عن رسالته".
    وباعتباره الفن "رسالة"، لم ينف مصطفى سيدأحمد خلال تجربته كلها، المعطيات الابداعية التي ينبغي توافرها في أي ابداع راق. لكن مغايرته، تمثلت في أنه أضاف لهذا العنصر، رغبة عارمة في أن يكون فنه، رسالة انسانية، وابداعية، وثقافية عميقة، قادرة على صنع تغيير ما، بالفن !
    ويضيف - مصطفى سيدأحمد - عن تجربته "هي تجربة تتوالد أبعادها من أبعاد، حيث القضايا مازالت ساخنة وكثيرة، والتفاعل مع الحياة قائم ولم يفتر بعد، كما أن البيئة حبلى وثرية".
    وبصفة أكثر تحديدا عن فنه، يمضي للقول " يكفي أن تنصهر كفنان في معامل معاناة هذا الشعب الذي أنت من صلبه وتنعجن في أفراحه وأتراحه لتصبح لسان حاله في سرائه وضرائه .. وهذا هو الفنان الحقيقي من وجهة نظري".
    ويبدو الوطن / الحبيبة، الذي يتغنى به مصطفى سيدأحمد فاتنا وحانيا وغامضا، يعسر على المرء الاحاطة بجوانب عظمته. وقدر لهذا الفنان الاستثنائي بالمقاييس كلها أن يمتلك قريحة مكنته من أن ينضج مواهبه المتشاكلة استنادا إلى عامل جوهري يتمثل في رؤيته لـ"المعاناة الجماعية" التي جهد في صوغها "أغنيات نبيلة" تخاطب الهم العام وتجهد أيضا في تجميل الحياة ومنحها ألوانا أخرى اضافية.
    واللافت في مسيرة هذا الفنان السوداني الذي أضحى اليوم رمزا ثقافيا وفكريا لدى السواد الأعظم من الشبان السودانيين، أنها شهدت تحولا خاطفا في مبتدأها من أغنيات عاطفية "عادية" كان يؤديها إنما بجزالة الصوت ذاتها، إلى محاولته الناجحة في خلق دور جديد للأغنية السودانية كحاضنة ومحفزة في آن للوعي المجتمعي والسياسي.
    وحين النظر إلي تجربته حاليا على الرغم من وفاته وهو في شرخ الشباب، يتوضح أنها استطاعت أن تتجذر في الوعي الجمعي كعلامة مفاهيمية فارقة مكنت مصطفى سيدأحمد من احتلال مكانة يندر أن يحتلها مثقف سوداني استمزج الغناء في أرقى حالاته وأكثرها مخاطبة للوعي بنزعة انسانية عميقة بدت واضحة في تحديده القاطع والواضح انحيازه للأطفال ذوي الضلوع اليابسة والفلاحين والعمال البسطاء، ولـ"الأمل".
    ومن يستمع بعمق إلى أغنيات مصطفى سيدأحمد التي فاقت أربعمائة في فترة زمنية قياسية قبل أن يخطفه الموت، يتسرب إليه الاحساس بأن هذا الفنان أمتلك مشروعا متكاملا يمثل فلسفته في الحياة ويجسد منظورا انسانيا رفيعا في تلمس آلام شعب كامل.
    ولم يكن غريبا أن يتغنى سيدأحمد بكلمات الشعراء، الفلسطيني محمود درويش، والعراقي مظفر النواب، والمصري حسن بيومي، متلمسا بذلك قضايا انسانية بعيدة عن بيئته. وبالحس الانساني الرقيق ذاته تغنى للمناضل الإفريقي الكبير نلسون مانديلا حين أخلي سبيله.
    وحين تهادت الطائرة التي تحمل جثمانه عصر يوم شتائي حزين قبل عشرة أعوام على مدرج مطار الخرطوم قادمة من العاصمة القطرية الدوحة، كان الآلاف من عشاق أغنيات مصطفى سيدأحمد من الشبان والشابات يلوحون بصوره ويكفكفون دموعا لم تمسحها الأيام إلى غاية الآن من نفوسهم حيث بقي هذا الفنان نقشا موجعا في قلوب ملايين السودانيين.
    وهذا الشلال الهادر من الحب الذي يطوّق تجربته، لم يتأت إلا من انحياز مصطفى التام، بصوته الجريح، المشبوب بالعاطفة والأسى، وألحانه المترعة بالحزن، وأغنياته الباعثة على الألم والأمل معا، للناس. فهو الذي غنى لهم من كلمات الشاعر المصري حسن بيومي:
    (فإن شئتم تعالوا الآن ..نرقص رقصة البدء ..ونعلم أن نمد الكف ..نحو الشمس للدفء..
    تعالوا أيها الجوعى ..تعالوا أيها الفقراء).
    وهو الذي أوغل في مخاطبة انسانيتهم بتناوله - غنائيا - حكاية "عم عبدالرحيم" العامل البسيط الذي تنتهي حياته المتقشفة مهروسا تحت القطار بسبب ضغوط الحياة. وهو الذي جاهر برفضه "قوانين الطواريء" من خلال أغنية "عمنا الحاج ودعجبنا" الذي أراد إكرام ضيوفه الذين أتوا ليلا، فذهب ليجلب لهم خبزا للعشاء، فتم جلده لمخالفته قانون الطواريء، فمات مقهورا !!
    وهو الذي جعل في أغنياته، الحبيبة ليست مجرد أنثى جميلة فحسب، وإنما إمرأة حرة، مملوءة بالقيم والنبل، وبعيدة عن الزيف، وعاشقة للوطن. لذا فهو يغني لها بالدارجة السودانية للشاعر السوداني أزهري محمد علي:
    (حركت بيك عصب السكون.. جلبت ليك الغيم رحط
    طرزت ليك النيل زفاف.. حرقت ليك الشوق بخور ..و فرشت ليك الريد لحاف).
    وغناؤه لأجل الوطن، الحبيبة، البسطاء، يكتسي معان جديدة من خلال حفر الشعراء الذين تغنى بقصائدهم أعمالا صعبة مثل "واقف براك" للشاعر السوداني مدني يوسف النخلي:
    (مطر الحُزن عاود هطل .. جدد عذاب الأرصفة
    ضي المصابيح البعيد .. أتعب عيونك وإنطفأ).
    أو "الشوق والهواجس" للشاعر السوداني أبوذر الغفاري:
    (يا صباحات المواني ..حتى لو دربك ترنح ...
    في مشاوير الأغاني ..والجرح إرتدّ بينا ..لي زمان الآهة تاني).
    ويبلغ مصطفى سيدأحمد مع عاشقي فنه درجة عالية من الترميز في "مريم الأخرى" للشاعر السوداني محمد إبراهيم شمو: (وأنا لست أدري ..ما الذي يدفعني دفعاً إليك ؟..ما الذي يجعلني أبدو حزيناً ..حين أرتاد التسكع في مرايا وجنتيك ..؟ لا عليك ..فعلى هذه السفوح المطمئنة ..نحن قاتلنا سنيناً وإقتتلنا ..نحن سجلنا التآلف في إنفعالات الأجنة ..وإحتوانا البحر والمد اليقاوم والشراع ..يا هذه البنت التي تمتد في دنياي ..سهلاً وربوعاً وبقاع ..ما الذي قد صب في عينيك شيئاً ..من تراجيديا الصراع).

                  

01-20-2007, 11:11 AM

Mohamed Abdelgaleel
<aMohamed Abdelgaleel
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 10415

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مصطفي سيد أحمد:صوت ارتدى آلام الناس وآمالهم بقلم الاستاذ : خالد عويس (Re: عبد اللطيف عبد الحفيظ حمد)

    الأخ - أسعد - التحايا لك وللأستاذ خالد العويس

    وشكراً على هذا المقال التحليلي لغناء مصطفى سيدأحمد
    المستحيل .. ذلك الصوت الشجي الذي غنى دموع الأشقياء
    وحفر عميقا في وجدان الناس العاديين .. ما أحــــوج
    المكتبة السودانية لكتابات تحليلية مطولة عن هـــذا
    المبدع الإستثنائي وأغانية التي خرجت من جوف النبـــل
    والصدق إنحيازا للفقراء .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de