دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: نقد.. حكاوى المخابيء وأحاديث العلن.. (1) (Re: ateif abdoon)
|
نقد.. حكاوى المخابيء وأحاديث العلن.. (1)
نميري كان صديقي.. وهو مهذب وودود
حوار/ضياء الدين بلال
الوقت يمضي والسؤال ينتج مجموعة من الاسئلة،سجارة البينسون تشتعل بين اصابع الاستاذ محمد ابراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني، والاكتفاء بنصف ملعقة من السكر على الشاي، عندما تتقدم الاسئلة اكثر مما يجب، وتصبح الاجابة ملزمة والهروب معيباً، وصوت جرس الهاتف الثابت في مرات كثيرة يقطع الحوار الذي استمر لايام متباعدة ومتصلة على امتداد أشهر، فللرجل طريقته الخاصة في السرد والحكي، وجرابه ملئ بالاحداث والقصص والاسرار.. مواضيع كثيرة لم يتحدث عنها من قبل، رأينا الدخول عليه من مختلف الابواب بحثاً عن مادة توثيقية تجتمع عليها الفائدة بالمتعة، لم يخيب الرجل المسعى، جاد بما ضن به من قبل، ''الضحك'' عند الاستاذ نقد محطات انتقال من موقف لآخر وباقة اعتذار عند ارتفاع درجة حرارة الكلام. و''السخرية'' تأتي لتعميق الفكرة بابراز المفارقة، رحلة الحوار مع الاستاذ محمد ابراهيم نقد تبدأ من مدينة القطينة متنقلة من العام الى الخاص، تجارب مضت وذكريات ساخنة وشخصيات ومواقف جديرة بالتوقف..!
× قلت له : استاذ محمد..كيف تنظر الى الماضي.. بغضب ام بسرور؟
= في هذه العمر أنظرللماضي بحنين، لا لايام الطفولة والشباب التي عشتها،ولكن لان الزمن السوداني في ذلك الوقت كان به تميز وبراح لا اجده الآن.
× اذاً ..كيف كانت الطفولة ؟
= طفولة عادية.. (الشيطنة وعدم المسؤولية).. وقتها - انت كطفل- تحت الرعاية الكاملة لاهلك، وأغلب اخطائك تقابل بالغفران والبقية منها تجد الزجر، والانجازات الصغيرة تجد احتفاءً كبيراً.
× كأنك كنت طفلاً ''مشاغبا''؟
= كنت مشاغباً..( لكن ما ممكن تسميني الولد الشباك) الذي يأتي كل يوم لاسرته بمشكلة او يجر معه الى المنزل مصيبة..مع هذا كنت كثيراً أجد نفسي في حالات زجر،نعم .. فقد كنت كثير اللعب قليل المذاكرة..أغيب من المنزل لساعات طويلة،وان كنت مواظباً على الانتظام في المدرسة.
× تكوين الاسرة ووضعك من حيث الترتيب؟
= كنت كأقراني بالقطينة في ذلك الوقت اعيش في اسرة ممتدة،ليس هنالك مؤدب واحد.. انت تحت رعاية الجميع تتابعك عيونهم وتصلك ايديهم بالثواب والعقاب، والدي كان واحداً من سبعة أخوان كلهم رجال،في اسرتنا الصغيرة كنا ثلاثة ابناء وست بنات، لكني كنت دائماً بعيداً عنهم، الوسطى قضيتها مع عمي بحلفا و الثانوي بحنتوب ، قضيت سنتين بجامعة الخرطوم الى ان تم فصلي من الجامعة، فذهبت الى شرق اوربا لاقضي ست سنوات هنالك، ظللت مختفياً لسنوات طويلة في عهد عبود وسنوات مايو والانقاذ.. هل تصدق أطول فترة قضيتها مع الاسرة هى في هذا المنزل بعد خروجي من الاختفاء الاخير.
× ما تأثير غيابك -أغلب العمر - عن الاجواء الاسرية وعلى شخصيتك ومزاجك؟
= هل تظن ان ذلك خلق جفوة بيني والاجواء الاسرية؟..لا بالعكس لي حنين دائم لهذه الاجواء،كنت اغيب هذه السنوات وأخرج من الاختفاء، فأجد للاسرة أطفالاً لم احضر ولاداتهم،وأطفالاً لم اواكب دخولهم مرحلة الشباب، وشباب اتفاجأ بأنهم أصبحوا رجالاً وبنات اصبحن نساء، التعامل مع كل هؤلاء تصحبه كثير من المفاجآت والمفارقات المضحك منها والمحرج.
× ''السياسة''.. اخذت منك الكثير.. أليس كذلك؟
=طبعاً... اخذت كل الوقت.
× كأن بك ندماً على ذلك؟
= ابداً..ابداً
لا اظن انني كنت سأستمتع بمهنة أخرى غير السياسة ،بكل ما فيها من شقاء ومعاناة وعذابات.
×رغم ذلك هي ممتعة بالنسبة لك؟
= جداً.
× ما هو الممتع فيها؟
= التحدي..التحدي.
× من تجربتك.. التكوين الشخصي والاسري للفرد، ما مدى تأثيرهما على خياراته السياسية؟
= شوف ''الخيار'' فعل ،والفعل في حاجة الى شحنة،والشحنة والفعل لابد لهما من هدف يقصدانه، لحظة الاختيار تحتاج لشجاعة، هنالك من ابناء جيلنا عدد كبير جداً منتمي للسودان وللحركة الوطنية وللحركة الطلابية أو النقابية، لكنهم لم يكونوا يرغبون في التفرغ السياسي.
× هنالك من يرى في التفرغ السياسي ضرراً بالمتفرغ كشخص، وبالسياسة كممارسة؟
=اذا لم يكن هنالك تفرغ لن تكون هنالك احزاب.. من الاستحالة ان تدير الاحزاب عملها دون متفرغين.
×نترك موضوع التفرغ الآن.. ماذا اذا عدنا الى القطينة، ومحمد ولد ابراهيم نقد في ذلك الزمان يتأمل فى الامكنة والناس.
= طيب.. القطينة فى ذلك الوقت كانت واحدة من البنادر التي تشكلت منذ التركية كمركز تجاري واداري عندما كان النيل الابيض مديرية والمديرية في الدويم، اوائل مدارس البنين والبنات انشئت في القطينة في نفس مستوى رفاعة وحلفا والابيض، عدد المتعلمين فيها كان كبيراً جداً مقارنة بالمناطق الاخرى،ولكن في النهاية هي بلد تجار ومزارعين، الموظفون والمعلمون هم ابناء التجار والمزارعين.تجار القطينة كانوا منتشرين على امتداد السودان (اللواري) تذهب الى الغرب والجنوب، كنا ونحن صغاراً كنا نسمع من رواة التجار عن اماكن لم نرها وعن اشخاص لم نلتق بهم.
× كان من الممكن ان تصبح محمد افندي.. موظفاً حكومياً أو معلماً في واحدة من تلك المدارس، أو تاجراً بنيالا؟
(ضحك ثم قام بتقليب أوراق كانت على التربيزة)
= قال: لكنني اخترت السياسة.
× من من اصدقاء الطفولة في الذاكرة؟
= جزء من طفولتى كانت مع جدي وجدتي حيث كانت لهما زراعة غرب النيل الابيض،كان ذلك قبل ان يغمر خزان جبل اولياء الاراضي هنالك، فمع انحسار النيل تصبح آلاف الافدنة قابلة للزراعة حيث يزرع ما يعرف بعيش الصفراء، ذهبت مع عمي محمد علي نقد الى حلفا لاقضي جزءاً من طفولتي هنالك درست الاولية والوسطى بحلفا.
× أأنت من اسرة انصارية ام اتحادية؟
= اسرتي اسرة انصارية..(نحنا دناقلة من حفير مشو هاجرت الاسرة من هنالك الى القطينة، لا يزال لنا أهل هنالك).
× ألم تقترب من الانصار قليلاً؟
= لم اكن انصارياً اوحزب أمة، بالعكس في الوسطى والثانوي كنت اميل للاحزاب الاتحادية ولمؤتمر الخريجين لموقفهما الرافض للجمعية التشريعية وللمجلس الاستشاري، فقد كان موقفها المناهض للانجليز موقفاً واضحاً.
× ............؟
= كنت في المدرسة ضعيفاً في مادة الرياضيات، الامر الذي دفعنى للاهتمام بالمواد الادبية،كما أنني كنت مصاباً ''بالازمة الصدرية''.. لذا لم يكن لي نشاط رياضي،وكنت اعوض ذلك بالميل لانشطة الجمعية الادبية، وكنت ميالاً أكثر للمسرح وفي حلفا الوسطى كنت مسؤولاً عن جمعية التمثيل والمسرح،وشاركت في كثير من المسرحيات، مثل مسرحيات خالد ابو الروس وشكسبير وجرجي زيدان، وكان جمهور كبير من حلفا يأتي لمشاهدة تلك الاعمال المسرحية.
× هل كنت ممثلاً بارعاً؟
= لم اكن بارعاً الى ذلك الحد، ولكنني في مرة قمت بدور قيس في مسرحية (مجنون ليلى)، وقمت بدور جورج في تاجر البندقية، وكنت كثيراً ما ألقي شعر الحاردلو كان ذلك يسعد صديقي أبو سليم، وكنت في اكثر من مرة امين المكتبة بحلفا الوسطى.
× بمناسبة قيس بن الملوح.. هل انت رومانسي ام واقعي؟
= في نشأتي كنت رومانسياً بحكم قراءتي.. في حلفا الوسطى انا والمرحوم ابو سليم قرأنا كل الكتب التي كانت بمكتبة المدرسة.
× .........؟
= فى حلفا الوسطى اول مرة اشارك في مظاهرة ضد الاستعمار كان ذلك عام 1946 دعماً لتوجهات مؤتمر الخريجين ودعماً لوفد السودان ، كانت الوفود السودانية تأتي عبر حلفا في طريقها لمصر.
× هل كنت تشارك كثيراً في المظاهرات؟
= اول مظاهرة كانت بحلفا، ومنذ ذلك الوقت شاركت في اغلب مظاهرات الخرطوم وقدمت للمحاكمة ثلاث مرات.
× ........؟
= استفدت جداً من التعرف على مجتمع حلفا فهو مجتمع غني بالمعارف، وحلفا كمدينة على النيل كانت جميلة جداً، منظمة ومخططة، تعرفت على سكانها الاصليين من دبروسة الى حلفا دغيم، مدرسة حلفا الوسطى كان بها كل ابناء الشمال.
× في حلفا لم تحدث لك ملامسة مع الفكر الاشتراكي؟
=كنا نطالع بعض الصحف اليسارية القادمة من مصر،ونسمع عن اعتقال الطلاب الشيوعيين هنالك، ولكن لم يترك ذلك فينا أثراً مباشراً، كانت اهتماماتنا في اتجاه مؤتمر الخريجين، بحلفا كان معي بالمدرسة الراحل ابو سليم والبروفيسور حسين السيد عثمان استاذ بكلية الزراعة ومحمد صالح ابراهيم والمرحوم صالح عباس فقيرى وعبد الواحد عثمان محجوب كنا اربعين طالباً بالفصل، وكنت وحدي من وسط السودان.
× .....؟
= مما أسهم في تشكيل شخصيتي بحلفا الوسطى، الاسلوب التربوي الذى كان يتبعه الناظر شيخ الخليفة الطيب وضابط المدرسة المرحوم محمد توفيق والاستاذ عبد العزيز حسن علي والاستاذ علي صالح داؤود والمرحوم المعلم عبد الرحيم الامين وهو كان حزب امة وعمل بالصحف الاستقلالية وقد اسهم في تحفيظنا كل القصائد الوطنية (اناشيد المؤتمر واناشيد التني وعلي نور)، كما ان عمي محمد علي نقد الذي كنت اقيم معه في المنزل كان في لجنة مؤتمر الخريجين بحلفا،وكانت الاجتماعات تتم بمنزله، كان ذلك اول دخول لي لاجواء العمل السياسي.
× كيف كان دخول حنتوب الثانوية؟
= كانت مفاجأة غير متوقعة... فقد امتحنت من الوسطى للثانوي من حلفا وتوقعت ان يتم توزيعي الى مدرسة وادي سيدنا، وعندما اطلعت على جدول المقبولين بوادي سيدنا لم اجد اسمي، فاعتقدت انني لم اقبل لدراسة الثانوي، وكنت حزيناً جداً لذلك،وبعد خمسة عشر يوماً من ظهور النتائج التقيت في الخرطوم بعدد من ابناء دفعتي الذين أخبروني بأنني الوحيد من حلفا الوسطى الذي تم قبوله بحنتوب،اتصلت بمصلحة المعارف وقلت لهم (انا قدمت وادي سيدنا وتم توزيعي بحنتوب)..قالوا لي هذا الامر يعالج من حنتوب.. اذاً كان علي الذهاب الى هنالك و محاولة الانتقال الى وادي سيدنا للالتحاق بزملائي الذين كانوا معي بمدرسة حلفا الوسطى، فقد كان ابناء النيل الابيض يتم توزيعهم بمدرسة حنتوب، وقد كانت المعلومة المودعة بمدرسة حلفا انني من القطينة، لم اكن سعيداً بالدراسة بحنتوب ومن أول يوم ذهبت الى نائب الناظر المرحوم احمد محمد صالح قلت له: (انني ارغب فى الانتقال لوادي سيدنا) رد علي بالقول: ( ذلك امر غير مسموح به الا اذا كان هنالك طالب بوادي سيدنا من نفس دفعتك له الرغبة في الانتقال لحنتوب).. لا أزال اذكر تلك الايام ،السنة الاولى بحنتوب كانت مملة بالنسبة لي ولكن في السنة الثانية اصبحت ابدو منسجماً مع الاجواء هنالك.
× صداقاتك الاولى بحنتوب؟
= جعفر نميري والخير ساتي و المرحوم برير الانصاري، عمر كرار وطه صالح.
× نميري كان صديقاً شخصياً بالنسبة لك؟
= قالها بحماس: جداً..!
نميري كان صديق كل المدرسة، فقد كان يتمتع بشخصية محبوبة (تصدق.. نميري ما حصل شاكل زول في المدرسة، كان في غاية التهذيب والوداعة كان محبوباً جداً).
× هذا غريب... الصورة المنقولة عنه أنه كان شرساً ومشاكساً؟
= هذا غير صحيح.. (نحنا كنا في داخلية واحدة، كان ودوداًومهذباً بالعكس كان دائماً مبتسماً وضاحكاً، كان الرياضي الاول في المدرسة).
× هل صحيح كان متأخراً أكاديمياً ؟
= (موش بالدرجة البقولوها، الراجل عندو قدرات، قلت لك انو كان الرياضي الاول في المدرسة بلا منازع).
× سنعود لنميري مرة اخرى.. حدثنا عن بداية اهتمامك بالعمل السياسي بحنتوب؟
= في سنتي الثانية كان اضراب الجمعية التشريعية، شاركنا فى المظاهرات،في ذلك الوقت كانت لنا لقاءات بالطلاب السودانيين الذين كانوا يدرسون بمصر عندما يعودون للسودان لقضاء الاجازات، كانت افاقنا تتسع باحاديثهم عن الاقطاع في مصر وعن الاستعمار البريطاني، هؤلاء هم الذين انتقلوا بنا من الاهتمام بالشؤون المحلية الى الاهتمام بما هو عالمي.
× ما الذى جعلك تتجه يساراً،الاهتمامات أم الاصدقاء؟
= كان بشكل او آخر سأصبح يسارياً، كنا مندفعين لنضال أكبر من الذى كان مطروحاً في الساحة، لذا كان بالنسبة لي من الطبيعي في ذلك الاندفاع ان التقي بالافكار اليسارية في نقطة ما، كنا نطالع في ذلك الوقت الادب الماركسي من كتب بعض طلاب ودمدني الذين كانوا يدرسون بمصر، ابناء الابيض بحنتوب كانوا أكثر تقدماً في الوعي السياسي، كنا نطالع صحف اليسار المصري ونحتفي بالشعر اليساري.
× ........؟
= في حركة الطلبة بحنتوب من المؤكد ان الشخصية القيادية الاولى كانت محمد عبد الرحمن شيبون لم ينصبه احد، لكنه كان هو القائد الطبيعي، كنا نذهب اليه لحل المشاكل التي تواجهنا، كان معه اسماعيل حسن أبو من ابناء الابيض، وعبد الوهاب سليمان (شقيق أحمد سليمان) وكان يلقب بتلاجة.
× حدثنا قليلاً عن شيبون؟
(كان عليه ان يوقد سجارة وهو يتحدث عن شيبون).
= قال:شيبون رجل ذكي جداً وشاعر مجيد.. لكن كانت تنتابه حالات، فيظل بالداخلية لا يذهب الى فصل الدراسة.
× هل كان يعاني من الاكتئأب؟
= لم أكن اعرف تفسيرها،كنا نستحثه على الذهاب للفصل لانه كان يمكن ان يفصل من المدرسة، كان يجد تعاطفاً من الاستاذ عبد الحليم علي طه، شيبون كان في مرات يخرج فجأة اثناء الحصة.
× هنالك من يقول انه من ضحايا الحزب الشيوعي؟
= باستياء واضح=
= قال: هذا غير صحيح..لم يكن اطلاقاً هنالك عداء بينه والحزب، دخلنا سوياً كلية الآداب جامعة الخرطوم وتم فصلنا معاً.
× ماذا مثل انتحاره بالنسبة لك؟
(بدأت نبرات صوته تتغير)
= قال : مثلت لي صدمة وغضب (ليه ينتحر؟..قبل ما يذهب لرفاعة التقيت به في الخرطوم، وجلست معه لفترة طويلة وذهبنا بعد ذلك للسينما,طلبت منه ان يظل بالعاصمة عشان يكتب، ففي فترة اشتغل في الجرائد، وهو صاحب قلم متميز).
× استاذ محمد .. هل الانتحار ظاهرة في الحزب الشيوعي؟
= كل الاحزاب بها انتحارات لكن (حقتنا بتجد ضوء زيادة).. انتحار شيبون لا علاقة له بالحزب الشيوعي (انصحك تقابل العميد فاروق هلال كل اوراق القضية عندو).
× هل هنالك ضغط نفسي فى الانتماء للحزب؟
= لا افتكر ذلك (شيبون لم يكن له نشاط في الحزب يمكن ان يمثل ضغطاً نفسياً عليه).
× هل التركيبة النفسية لكادر الحزب تقترب به من خيار الانتحار و....؟
(كان كأنه يسخر من السؤال..وغير راغب في المضي أكثر).
= قال: (في حالة زي دي ممكن تمشي تسأل طبيب نفساني، انتحار شيبون ما خارج من نمط حياتو).
× قلت: ليس شيبون وحده هنالك عبد المجيد شكاك وعبد الرحيم ابو ذكرى و..؟
= قال: هذه ليست ظاهرة ، كل حالة لها سياقها الظرفي المحدد.
× قد يكون تبني الفكرة في واقع مناقض يمثل ضغطاً نفسياً على الكادر؟
(أطلقها ضحكة لاذعة).
= ثم قالانت قايل الافكار دي بكبوها للعضو بي صبابة زيت؟ كلنا دخلنا للحزب بباب السياسة موش لاننا قرينا راس المال، دا كلو بجي في ما بعد).!
ونواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: نقد.. حكاوى المخابيء وأحاديث العلن.. (1) (Re: خالد الطيب أحمد)
|
مداد الذكريات (سلسلة وثائقية)
مع محمد ابراهيم نقد... حكاوي المخابئ وأحاديث العلن (2)
عبد الخالق كان قاسياً مع هؤلاء(.....)..!
حوار/ضياء الدين بلال
الوقت يمضي والسؤال ينتج مجموعة من الاسئلة، سيجارة البينسون تشتعل بين اصابع الاستاذ محمد ابراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي السوداني، والاكتفاء بنصف ملعقة من السكر على الشاي، عندما تتقدم الاسئلة اكثر مما يجب، وتصبح الاجابة ملزمة والهروب معيباً، وصوت جرس الهاتف الثابت في مرات كثيرة يقطع الحوار الذي استمر لايام متباعدة ومتصلة على امتداد أشهر، فللرجل طريقته الخاصة في السرد والحكي، وجرابه ملئ بالاحداث والقصص والاسرار.. مواضيع كثيرة لم يتحدث عنها من قبل، رأينا الدخول عليه من مختلف الابواب بحثاً عن مادة توثيقية تجتمع عليها الفائدة بالمتعة، لم يخيب الرجل المسعى، جاد بما ضن به من قبل، ''الضحك'' عند الاستاذ نقد محطات انتقال من موقف لآخر وباقة اعتذار عند ارتفاع درجة حرارة الكلام. و''السخرية'' تأتي لتعميق الفكرة بابراز المفارقة، رحلة الحوار مع الاستاذ محمد ابراهيم نقد تبدأ من مدينة القطينة متنقلة من العام الى الخاص، تجارب مضت وذكريات ساخنة وشخصيات ومواقف جديرة بالتوقف..!
× أحد المفكرين السياسيين وصف في يوم ما يحدث بالسودان بأنه (شكلة اولاد دفعة) بل اولاد عنبر واحد وهو عنبر ''أبي عنجة'' بداخلية حنتوب؟
(بنصف ابتسامة)
= قال: هذا صحيح..هذا العنبر - لقدرما - لعب دوراً كبيراً في تاريخ السودان.
× ما هى حكاية هذا ''العنبر''؟
= قصة غريبة.. (الداخلية دى الطلاب الكانوا فيها رؤساء كلهم أصبحوا وزراء ورجال دولة).
× أهي الصدفة؟
=لا.. بل لانهم كانوا مؤهلين في مجالاتهم وكان ظرفهم وزمانهم يسمح بذلك. هذا العنبر كان به جعفر نميري والترابي والجزولي دفع الله وأنا، والنور علي سليمان وهارون العوض، العنبر كان عادياً جداً مثله وبقية العنابر، كانت العلاقة بيننا ودودة، والسلوك كان به قدر كبير من الانضباط، لم تكتب تقارير سيئة عن طالب بالعنبر، المستويات الاكاديمية كانت مستويات جيدة، الصراع السياسي بحدته جاء في ما بعد، بعد ان اختار كل طالب مساره السياسي، وبدأت الحياة تشكل المواقف السياسية لكل فرد تقارب بينهم وتباعد.
× ألم تكن هنالك تجارب ورواسب شخصية بينكم اثرت على طبيعة العلاقة في ما بعد؟
= لا اعتقد ذلك.. العلاقة بيننا كانت مستقرة وعادية والاختلافات السياسية لم تكن حادة كما اصبحت في ما بعد، لم تكن هنالك تلك الرواسب والتجارب التي تشير اليها، بعد 1950 بدأت التصنيفات السياسية تصبح اكثر وضوحاً.
× هل كان بينكم تنافس من اي نوع؟
= التنافس عادة ما يكون في علاقات الانداد، ولكنه في تجربتنا بعنبر أبي عنجة لم يكن التنافس بيننا تنافساً عدائياً حتى تكون له رواسب سيئة تنتقل معنا الى اعمار متقدمة .
× ألم تتعرض لاستقطاب من قبل الاخوان المسلمين؟
= كانت بيننا مناقشات، كانت عادة ما تتم بينى وبابكر كرار وميرغني النصري وهما اللذان قاما بتأسيس حركة الاخوان المسلمين بحنتوب (أذكر جيداً في 1948 -1949) وبينما نحن بسفرة الطعام فى وجبة الافطار قام بابكر كرار وبصورة مفاجئة ودعا بصوت مرتفع الحضور لاجتماع بإحدى القاعات بالمدرسة، وبدأ يتحدث عن الحركات الاسلامية والاسلام الجديد، حسن البنا في مصر وآية الله كاشاني في ايران وحزب ماشومي في اندونيسيا، ودعانا جميعاً للانخراط في الحركة الاسلامية.
× كيف كانت استجابتك وقتها.. هل كنت مُسيساً تماماً؟
ك= كنت أميل يساراً ولا اجد نفسي في اليمين.. وكنت احترم ''بابكر'' جداً الى وفاته كانت بيننا علاقة جيدة، أكرر لك مرة اخرى الصراع لم يكن حاداً في ذلك الوقت، المناقشات والعلاقات الاجتماعية كانت تمتص كل التوترات.
× أنتم فى حنتوب وخور طقت، هل كان لكم احساس بأن الانجليز يعدونكم لحكم السودان؟
= الاحساس الذي كان سائداً هو أن من واجب جيلنا ادارة البلد بعد الانجليز كل في مجاله، أذكر في السنة الثانية لي بحنتوب واثناء وجبة غداء جاء مستر براون مدير المدرسة وقال إنه قد تم فتح باب القبول للكلية الحربية، وعلى من له الرغبة، الذهاب الى جنوب السفرة، خرج عدد كبير من الطلاب وكنت منهم.. نظر لي مستر براون جيداً، ثم قال وهو يمزج الجد بالممازحة: (يا نقد ارجع مكانك الكلية الحربية ما فيها مظاهرات)..!
× هل فهمت من ذلك استبعاداً سياسياً؟
= لم يكن يخلو من رائحة السياسة.. تم اختيار نميري وصلاح عبد السلام وعبد الله محمد آدم وآخرين كنت اتمنى ان أكون بينهم.
× هل لك حب للعسكرية؟
= والله ما عارف.. (لكن لمن مشينا لي قدام دفعتنا الدخلو الكلية الحربية كلهم كانوا ناس مميزين عبد البديع علي كرار أُعدم في انقلاب علي حامد والطيار الصادق محمد الحسن من جهات المناقل اعدم هو كذلك.. وكان هنالك اسماعيل مراد العوض سقط بطائرته في النيل الازرق اثناء استعراض جوي في واحدة من المناسبات الوطنية وهو من اوائل الطيارين السودانيين.. كنا نتابع أخبارهم يوماً بيوم ونستمتع بسرد تفاصيل حياتهم العسكرية، كنا مهتمين جدا بهم نزورهم، في الاجازات ويزورونا، العلاقة كانت مفتوحة نحن عارفنهم بعملوا في شنو وهم عارفننا بنعمل شنو).
× هل كان في تصورك ان الكلية الحربية يمكن ان تنتج ثواراً سياسيين؟
= لم نربطها ببعد سياسي مباشر، ولكن ربطناها بسيطرة الجيش الوطني.
× ماذا لو لم يستبعدك مستر براون، كيف كان سيكون مصير الضابط محمد ابراهيم نقد؟
= (يمكن ان تتصور ذلك، اذا علمت ان دفعتي كلهم رفدوهم او اعدموهم من اول انقلابات).
× اذاً كنت ستكون انقلابياً؟
= ضحك من أعماقه =
= ثم قال: طبعاً.
× الصداقات بينكم والعسكريين.. هل قربت لكم خيارات الانقلاب؟
= نعم.. كل الذين اشتركوا في الانقلابات كانوا دفعتنا.. (اقول ليك حاجة.. قبل انقلاب شنان ومحيى الدين بيوم وانا كنت ماشي في شارع المحطة واحد من الضباط كان معنا بحنتوب كان راكب عربية جيش صغيرة ناداني وقال لي الليلة بعدين تنتظرنا في الحتة الفلانية يمكن نحتاج ليك، ما سألتو بتحتاجوا لي في شنو؟ مشيت واستنيت في الزمان والمكان المحددين ولم يحضر احد وفي الصباح وانا بجوار الكشك بتاع كلزيوم كلمني واحد بالانقلاب وقال لي ناس شنان استلموا البلد، وقبل انقلاب علي حامد بمدة وجيزة قابلت عبد البديع علي كرار وقال لي بكل تفاؤل الجماعة ديل حيطيروا قريب جدا.. قلت لك العلاقة كانت مفتوحة جدا نحنا عارفين هم بعملوا في شنو وهم عارفننا كذلك).
× هنالك رأي بأن ازمة السياسة السودانية.. هي اقتراب السياسيين من العسكر أو العكس، والدخول في صفقات مشتركة؟
= (اديني بلد في العالم الثالث والوطن العربي تكون فيه المؤسسة العسكرية غير مسيسة، القداسة الفيها شنو البتخليها ما تتسيس؟).
(.........)
× ننتقل الى مرحلة جديدة.. وأنت تدخل جامعة الخرطوم؟
= كان ذلك في العام 1951 حيث قبلت بكلية الآداب.. الجامعة كانت هادئة تماماً النشاط السياسي لم يكن بالكثافة التي عليها الوضع الآن، كانت الاهتمامات تتوزع بين قاعات الدرس والمكتبة ودار الاتحاد.. رغم انشغالي بالعمل السياسي بعض الشئ الا انني كنت اعطي وقتاً مقدراً للمكتبة، عدد الطالبات كان محدوداً جداً، كانت هنالك ندوات سياسية في المناسبات المختلفة....
× ....؟
= اول ندوة شاركت فيها بالجامعة كانت بعد اضراب الفنانين الشهير تحدثت فيها عن تاريخ الاغنية السودانية، حضرها عدد كبير من الفنانين فى تلك الايام وكان سيد خليفة قد عاد من مصر وقتها وكان من ضمن الحضور.. هل تصدق لقد افتقدت المسرح في الجامعة حيث لم تكن هنالك جمعية خاصة بالفنون المسرحية.. وفي الفترة بين الثانوي والجامعة من (ديسمبر الى يوليو) تم قبولي برابطة الطلبة الشيوعيين، في السنة الاولى في الجامعة قررت الرابطة تصعيدي للحزب (اذكر في واحد من تلك الايام بعد الثالثة ظهراً جاءني احد الزملاء وقال لي ان هنالك من ينتظرك بالخارج، خرجت معه فوجدت المرحوم ابراهيم زكريا وكان سكرتير التنظيم بالحزب والمرحوم عباس عبد المجيد وكان معلماً وسكرتير الحزب بالعاصمة، لم يأخذوا معي وقتاً طويلاً، حددا لي موعد اجتماع في الرابعة عصراً بالسجانة ذهبت للاجتماع، كانت المناقشات تدور حول وثائق المؤتمر الثاني الذى كان قد عقد.. وقتها كان الخلاف مع مجموعة عوض عبد الرازق كنا على علم بتفاصيله، ولكن في ذلك الاجتماع كان لابد ان تدلي برأيك، هنالك تعرفت على المناضل عبده دهب فهو متحدث مجيد، وارتبطت بالسجانة واصبحت اميل للعمل في السجانة اكثر من ميلي للعمل في الجامعة.. السجانة كانت نشطة جدا بحركة العمال والطلاب والحرفيين.
(ضحك وصمت لفترة كأنه يستدعي عبق تلك الايام)
(.....)
= ثم واصل: (عارف يا ضياء .. السجانة دي كانت اسهل حتة ممكن تطلع منها مظاهرة، المهم انني انجرفت أكثر فى النشاط السياسي في السجانة، في مرة وانا بالجامعة جاءني بوليس سري وكان يرتدي جلباباً وقال لي بصوت منخفض: سعادتو بابكر الديب داير يقابلك في مكتبه ضروري، فذهبت اليه، قال لي: (انت دفعت توفيق ولدي في حلفا وانا بعرف عمك محمد علي نقد انا داير احذرك.. اي نشاط ليك في الجامعة نحنا ما عندنا مشكلة معاك فيهو.. لكن ان تقوم بنقل نشاطك لداخل المدينة وللسجانة تحديداً دا ما حنسكت عليهو).. لم ارد على حديثه.. وكانت تلك اول ملامسة لي مع الاجهزة الامنية، كانت ملامسة ناعمة وان لم تخل من خشونة التهديد، ومن السجانة اخرجنا عشرات المظاهرات... اذكر جيداً في تلك الفترة تمت الاطاحة بالملك فاروق في مصر من قبل ثوار ثورة يوليو وكان هذا الحدث موضوع نقاش بيننا وجدال لفترة طويلة.
× متى أول مرة التقيت فيها بعبد الخالق؟
= كان ذلك في العام 1951 في اجتماع حضره هو والوسيلة، وكنت التقي به في مرات عديدة بصحيفة «الجهاد الاسبوعية».
× هل كانت لعلاقتكما طابع شخصي؟
=( لا.. ما كان فيها طابع شخصي).
× قيل انه كان ديكتاتورياً؟
= من يقولون ذلك لم يتحدثوا عن ديكتاتوريته الا بعد ان اختلفوا معه أو اختلف هو معهم.. نعم عبد الخالق كان قاسياً مع الاتجاهات الانحرافية داخل الحزب يميناً او يساراً (دي حاجات ما بتنفع فيها الاجاويد، كان لابد من ضربها)..!
× استاذ نقد نرغب في ان تحدثنا أكثر عن علاقتك بعبد الخالق؟
= في مرات كثيرة وجدت منه مناقشة هادئة وحازمة ومبدئية ساعدتني في التغلب على بعض المصاعب السياسية والفكرية والانتقال من اللا موقف الى اتخاذ موقف محدد، وهو كان في الاشياء المبدئية لا يتنازل ابداً ويخوض الصراع الى نهايته دون وضع اعتبار كبير للعلاقات الشخصية فأكثر ما يميزه الوضوح في المواقف والمثابرة والمتابعة.
× كم كان الفارق العمري بينك وعبد الخالق محجوب؟
= الفارق بيني وعبد الخالق اربع سنوات، لم يكن فارقاً كبيراً كنا جميعاً في العشرينات، لم تكن هنالك علاقات ابوية.
× من اكبركم سناً وقتها؟
= الاستاذ حسن سلامة كان في الثلاثينات.
× مواقف من الجامعة؟
(مبتسماً)
= قال: (طلعنا مظاهرات كتيرة جداً، في كل الاحداث الوطنية و...)
(مقاطعاً)
× قلت: ألم يسبق لك الخروج في مظاهرت تأييد؟
(ضحك)
= كل المظاهرات كانت يسقط .. يسقط (مافي عاش فلان... ما بتذكر طلعت في مظاهرة فيها عاش.. عاش).
= أكمل ضحكته =
× ما هي حيثيات فصلك من الجامعة؟
= كان ذلك ابان موقف الحزب من اتفاقية الحكم الذاتي، وهو كان موقفاً لحد كبير متفقاً مع تحفظات الحزب الاتحادي في الداخل، لكن الاتحاديين غيروا موقفهم، و.....
(مقاطعة)
× هذا من المواقف المحسوبة عليكم؟
= صحيح.. ولكن حيثيات موقفنا لا تقول اننا ضد الاستقلال، الاتفاقية كانت بها عيوب وثغرات تمكن الحاكم العام من الغائها بقرار.
× هل الرفض أملته الطبيعة الثورية للحزب (كلو وللا بلاش)؟
ل= لا.. ولكن ذلك لعدم ادراكنا لتوازن القوى الدولي كنا معزولين جداً لم تكن لنا علاقة بالاتحاد السوفيتي، كانت علاقتنا بالحزب الشيوعي الانجليزي وهو حزب ضعيف جداً كانت له لجنة صغيرة تتابع، على انشطة المنظمات الشيوعية في المستعمرات، كنا نتلقى العون من المنظمات الشيوعية المصرية (هم العلمونا فنون العمل السياسي دربوا كوادرنا كيف نطبع بالرونيو وكيف نطبع بدون رونيو، وما هو المنشور وما هو البيان).
× هل كنتم تتلقون منهم دعماً مادياً؟
ضحك ساخراً
= (الناس ديل كانوا تعبانين جدا من ناحية مالية).
× التمويل كان بجيكم من وين؟
= من الاشتراكات (فى مرات كنا نأخذ توكيلاً بصرف مواهي بعض كوادر الحزب لاخراج الصحيفة.. ومرات تسدد المبالغ كاملة ومرات لا تسدد).
× المجتمع وقتها كان مجتمعاً تقليدياً.. وانتم تحملون اطروحة فكرية اذا لم تكن مناهضة للدين، فهي لها موقف سلبي منه؟
= هذه التحفظات كانت واردة ولكنها لم تكن تمثل العائق الاكبر امامنا.
× ألم تعانوا من عزلة شعورية؟
= لم نكن نعاني من عزلة، لأننا كنا في اوساط الحركة الجماهيرية نحيا بنبضه، كنا في اتحادات المزارعين والنقابات وتنظيمات الطلبة... فمن اين تأتي الينا العزلة اذاً؟
× عندما كنت تذهب ''للقطينة'' هل تترك ''شيوعيتك'' بالخرطوم؟
= في تلك الفترة قلت جداً زياراتي للقطينة، فلم اجد فرصة لتجنيد زول من القطينة (دا كويس وللا كعب؟)... قالها ضاحكاً
=نواصل =
| |
|
|
|
|
|
|
|