دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
دراما الموت شهيداً على أعتاب المسرح ( محمد فتح الرحمن في رحاب الله )
|
دراما الموت شهيداً على أعتاب المسرح ...... ( محمد فتح الرحمن في رحاب الله ) د. جعفر عبد المطلب
محمد له الرحمة و لنا جميعاً الصبر و حسن العزاء ...... ماذا أقول حول مسرحية الموت المفاجئ و الصادم و المصدوم !! أمس السبت بالتحديد تحدثت معه تلفونياً مهنئاً بالمولد النبوي الشريف استغرقت المحادثة 42 دقيقة تركته و ما زلت مشتاقاً له تحدث معي رحمه الله حول مسرحية ( التمارة جو ...) المسرحية التي استشهد في سبيلها !
مات محمد الإنسان الرقيق المرهف المثقف المهموم بقضايا وطنه و شعبه منذ أن كان طالباً في وادي سيدنا الثانوية و التي امتحن منها للشهادة السودانية و هو في السنة الثالثة و كانت حادثة لم يسبقها عليه أحد إلا د. الترابي ربما آخرون لا أعرف أسمائهم تخرج مهندساً مميزاً ترك بصماته في عطبرة و أجزاء أخرى من السودان و كان أحد أبرز مهندسي خط سكة حديد (واو) مع صهره المرحوم حيدر أحمد صديق .
و تدرج حتى وصل نائباً للمدير و أحيل إلى الصالح العام لنزاهته و شجاعته و شرفه المهني هذا هو محمد نبيلاً و شريفاً و زاهداً في كل متاع الدنيا و عرضها الزائل ثم اتجه إلى المسرح و كلكم يعرفه مسرحياً أكثر مني بحكم وجودي في الغربة لأنكم شاهدتم مسرحياته العديدة كان إنساناً ذو إرادة حديدية تصوروا يكتب يومياً في ظروف السودان المعروفة و يسجل لرسالة الماجستير في الدراما السودانية و يطلعني على خطة عمل البحث عندما كنت معه في منزله برفقة د. أحمد العوض سكينجة في نفس هذه الزيارة أهداني د. سكينجة كتابه الرابع و هو حول مدينة عطبرة ( مدينة الحديد و النار ) باللغة الإنجليزية مشكلـة د. أحمـد أنـه يكتـب بالإنجليزية فأغلب القراء في السودان لا يعرفونه .. قلت له تسمح لي أن أهديه لصديقي و حبيبي الأستاذ محمد فتح الرحمن أبن عطبرة الباسلة و مهندس خطوط سككها الحديدية .. و غّير د. أحمد الإهداء إلى محمد على أن يرسل لي نسخة أخرى ... خرجنا فعلق د. أحمد قائلاً : أول مرة أتعرف على هذا الثراء و التنوع و الطموح في شخصية الأستاذ محمد كيف يكتب بهذه الغزارة في ظروف السودان ؟ و في نفس الوقت يحضر لرسالة الماجستير و هي الأولى في الدراما السودانية ! كثير من الناس لا يعرفون هذا الراحل العظيم عن قرب إلا أن المناضلين و الشرفاء يعرفونه جيداً .. هذا الرجل العبقري عندما هاجر إلى أمريكا و عاش مع ابنه د. إيهاب مارسه عشقه للمسرح الذي مات شهيداً في سبيله و كتب مسرحيات باللغة الإنجليزية مثلت على مسرح جامعة كلورادو و لاقت رواجاً كبيراً و كان داره مفتوحاً للطلاب الأفارقة و أبناء أمريكا اللاتينية و عموم الطلاب الأجانب من كل بقاع الدنيا أحبه سكان مدينة كلورادو الكبار و الصغار .
مات صديقي و حبيبي محمد فتح الرحمن الذي كانت بيننا مودة و حميمية لا تعوض في هذا الزمن الرديء ! أهداني كاميرا و أنا أبن المدرسة الوسطى و ما كنت أعرف كيف أستعملها و كان يهديني كتباً و يحدثني عن عبد الناصر و نكروما أخذني ذات مرة قائلاً: أهديك مغامرة لن تنساها مدى الحياة أن تسافر معي في رحلة عمل بالقطار إلى المحطات الخلوية على خط سكة حديد حلفا و هي محطات يطلق عليها " النمر " أي الأرقام و ليست لديها أسماء لأنه لا توجد حولها حياة تستمد منها الأسماء في امتداد صحراء العتمور التي لا يعيش فيها إلا البرد القارس في ذلك الوقت من العام و خط السكة حديد الممتد تارة يستقيم و تارة يتلوى و كنت آنذاك أبن الثانوي أخذت معي موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح و كنت من فرط سذاجتي في تلك المرحلة العمرية ظننت أن الطيب صالح من قريتنا و إن كنت قد عرفت لاحقاً أنه من قرية لا تبعد عن قريتنا كثيراً و إن كانت على الضفة الغربية من النيل . هذا الاعتقاد بأن الطيب من أبناء القرية رسخته أسماء أبطاله كنت أظن أنه استبدل عمتي زينب محمد صالح ببنت مجذوب و استبدل جدي خير السيد ود مسود بود الريس تفادياً للحرج مع أهل القرية.
برد العتمور في ذلك الشتاء القارس ما من شيء يقاومه غير المتابعة الشيقة لموسم الهجرة إلى الشمال حتى أشاعت فيها دفئاً أرتفع منسوبه حتى غمر قسوة الشتاء في ليل العتمور.
فعلاً أهداني مغامرة لن أنساها مدى العمر ... رجل يتيح لك مثل هذه الفرص النادرة كيف لا يكون رحيله المفاجئ صادماً و مفجعاً !!
لقد ترك محمد في نفسي فراغاً لا يملأه أحد من بعده رحل في حادث مأساوي، محمد الرقيق الضاحك دوماً الهاش الباش يلقاك مرحباً رحمه الله كان إنساناً راقياً و متحضراً و متجاوزاً لعصره لا يشبه أحد إلا الراحل العظيم الصديق ( محجوب كرار ) . إنها إرادة الله و أنه الأجل و لكن استيعاب رحيل محمد بهذه الصورة الدراماتيكية يحتاج إلى قدر كبير من الصبر الله وحده قادر على أن يمنحنا إياه ...... إن هذه المساحة المخصصة لرثاء عاجل و منفعل لا تستوعب رصداً دقيقاً لأعمال المرحوم الأستاذ محمد المسرحية سواء التي عرضت على خشبة المسرح أو مثلت في الإذاعة أو التلفزيون هذا أمر أتمنى أن يقوم به أحد أصدقائه من أبناء المسرح.... فحياته كرسها للمسرح السوداني و شهد أخر فصل فيها موته الدرامي في حادث حركة أمام بوابة المسرح القومي و بواسطة أحدى سيارات المسرح نفسه !! الذين شهدوا هذا الفصل الأخير و أسدلوا الستارة كانوا الممثلون و العاملون في بروفات مسرحية ( التمارة جو) التي كانت سوف تعرض قريباً على خشبة المسرح القومي . هكذا يجئ التمارة و يرحل محمد هذه دراما الحياة !! قبل شهرين رحلت أمي قبل أن أقول لها وداعاً و عندما وصلت أرض الوطن بعد رحيلها بيوم واحد وجدت الوطن كأنما أفرغ كله من الحنان و الدفء و الإيثار ها هو أبن أختها محمد يلحق بها على عجل ... ماذا أصاب هذا الوطن ؟ حتى أتى عليه زمان مثل هذا الزمان يتحول فيه الوطن على اتساعه الجغرافي إلى ساحة يتسابق فيها الناس نحو الردى !! هل الإجابة نجدها عند القابضين على تلابيبنا ؟ أم عند أولئك الأجانب الذين يعدون لنا طعاماً غير طعامنا و يطهونه على نار هادئة من مكان ما ... خارج حدود الوطن ؟ أم تظل الإجابة في رحم الغيب المفتوح على كل الاحتمالات ...!!
د جعفر عبد المطلب
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: دراما الموت شهيداً على أعتاب المسرح ( محمد فتح الرحمن في رحاب الله ) (Re: Ashrinkale)
|
ارتبط اسم الأستاذ محمد فتح الرحمن عندي بمسرحيته "في انتظار البترول" لكن لم التقه الا في عام 1997 –بمدينة الرياض - عندما كنا ننوي كتابة سيناريو لفيلم يوثق لحياة الأستاذ مصطفى سيد احمد رحمه الله. عرفت فيه رجلا سمحا طيب المعشر, ونشطا يعمل بدأب, كما كان مهموما بقضايا وطنه, فكيف لا وهو الذي عانى الأمرين مضاعفة من سجون الدكتاتوريات وملاحقتها التي لا تسأم, و اتهامها الثابت لكل معارضيها بأنهم شيوعيون على الرغم من توقف نشاطه بالحزب الشيوعي. عمل مهندسا بالسكة الحديد بعطبرة وكوستي, وقد كان المهندس المسؤول عن مد خط بابنوسة والخط الممتد الى داخل مدينة ام روابة. لم يكن امام محمد فتح الرحمن غير الهجرة بعد ان ضيق عليه النظام الحاكم بالمطاردة والفصل من الخدمة, سيما انه لم يكن يملك حتى بيتا يؤويه غير بيت السكة حديد الذي اخرج منه بعد الفصل, فقصد السعودية وعمل بها, هناك بدأ يكتب دراما للأطفال للتلفزيون السعودي ليصبح بذلك احد اهم من كتبوا للأطفال بالسعودية, اضافة الى ممارسته الكتابة الدرامية في المجالات الأخرى حيث اخرجت له بعض الأعمال بواسطة فرقة المسرح بالرياض, كما كتب عدة سيناريوهات لمسلسلات. وقد عاد للسودان ليواصل مشواره الذي استشهد دونه على بوابة المسرح القومي, هذا الموت الدرامي الذي يشابه روحه لكنه لا يمت بأية صلة لهدوئه الشديد المتأمل. ليرحم الله محمد فتح الرحمن و جميع من فقدنا من المبدعين.
| |
|
|
|
|
|
|
|