هذا الدماغ لا يفتأ ينبش و ينبش .. و هو نافوخ متْرعٌ بالغث و الثمين ... فتارة تصيبك رحلة البحث بالأحباط ... و بأن الفشل حليفك .. ثم يشع قبس من أمل ... و سرعان ما تطالعك شمعة منطفئة الفتيل .. تليها سماء داكنة بلا نجوم ، ليبزغ قمرٌ من وراء غمامات رمادية .. و هلم لوحات بلا إطارات .. و إطارات بلا محتوى .. و خليط من هذا و ذاك تأتي لحظات تنتابك رعشة من تزاحم هذا ( النبْش ) ... بل تحاول أن تسترجع بداية خيوط هذا الإنزلاق التي أوصلتْك لهذه النقطة .. فتقف ( كحمار الشيخ في العقبة ) ... أو ( كمن إنقطع عنه ال DSL بغتة ) ... نقاط البداية .. تنساب أولاً كالهمس ... فتختمر .. ثم تضج بالدواخل ... فلا تفرق بين التفكير و بين حديثك المنطوق ... لذا تأتي لحظات الهلوسة و أنت في كامل وعيك ... ( هضْربة بلا حمى ) ... أو كمن راح في إغفاءة من تأثير البنج. لا تلوموا من يتحدثون بأعلى أصواتهم و هم يمشون في الطرقات .. فهؤلاء قد طفح بهم الكيل .. لذا ( يغرفون ) جزءاً من الدواخل إلى حديث ملفوظ حتى يفسحوا مجالاً و فراغاً إلى حديث النفس .. هذا إن بقيَ شيء منه. ( تنفيس تلقائي ) .... نافوخهم أصغر من أن يزدحم بالغث و السمين ... فتخرج تلك التي في أطراف مخيخه يطلقها دون حرج .. فهي تريحه و تخفف من وطأة الزحام بدواخله. أما مَن لم يرحمه ربي .. فينطلق بكل دواخله .. المسموح به و غير المسموح .. فيدخل في زمرة ( المجانين ) .. فيطلق كل شيء تلفظه حمم براكين نافوخه .. فإما أُودِعَ في خانة المخبولين أو ( حولوه إلى شيخ إتخذه صبياً مدى الحياة يسومه سوط كرباج أو يزين جسده بكيات من نار ) ... و ما الجنون إلا لحظة بين التوفيق بين هذا و ذاك ... لذا قالوا أن هناك خيطا رفيعا بين العبقرية و الجنون ..
10-28-2009, 10:44 PM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22758
قلتُ هذا لصاحبي المجنون .. فقال لي : أنت أكثر جنوناً مني ... قلتُ له : بالأمس القريب صحوتُ من غفوة قيلولة ... و في الخاطر لقاء مضى عليه زمن كثيف... لم يدُم اللقاء سوى بضْع دقائق ... فقد أفسدتُ اللقاء بتسرعي في دلْق مشاعر إختزنْتُها لفترة تكفيني كى أهاجر لقريتها مشياً على الأقدام في عز هجير الصيف... اتوطأ ( الحسكنيت ) و ( الضريسا ) ... حسبْتُ تصرفي نوعاً من الصراحة تتطلبها سرعة التقنية في زمن كان فيه التلفزيون في بدايات ( الملون ) .. و التلفون رفاهية و السيارة كالبراق دونه ( خرْط الأحلام ). و لكنه أتى برد فعل سلبي أفْقدني إياها ... ثم تراجعتُ قليلاً ... عن هذه الذكرى و أنا لا أزال مرهوناً بها .. فوصلتُ إلى صديقتها التي كانت تكرهني .. كانت تقول : زولك دة ال في قلبو مرسوم في عيونو و جبينو .. و عيونو مليانة رغبة و جبينو مافيهو أي تعبير و دة مكمن الخطر. لا تزال تقطيبة جبينها تراودني أراها في كل مَن لا تروق لي شكلاً ( فالمضمون شيء آخر. )
10-28-2009, 10:46 PM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22758
ثم قفزتُ فجأة إلى كراهيتي لجاري اليمني الشحيح الذي يحتقر زوجته و يتطلع إلى الزواج من إفريقية لأنه يحب اللون الزيتوني الغامق ... ثم عرجْتُ إلى صديقي الذي قابلته في جزر ( البهامز ) .. أسود كما ليلة دامسة الظلام .. متزوج من فتاة مهجنة في لون جبنة الدويم... كانت تتباهى به بين رفيقاتها ...
فإنسحبتْ أنسجة الدماغ إلى ( إبراهيم ) الذي قال في ( قعدة ) سمر غير بريئة : ( و الله مَزَّة الزيتون أطْعم من شرابكم العفن دة ) .. قال هذا و هو يلتهم ( صحن المزة دون إنتظار حظه من المنكر و هو يغمض عينا و يفنجل أخرى ) ..
ثم قفز إمام المسجد و هو يقول في خطبة الجمعة الفائتة : ( و إذا بليتم فأستتروا ) ..
ثم إبتسمتُ نصف إبتسامة و أنا أتذكر نكتة ( أحمد البلولة ) : إتنين سكارى ... أحدهم قال و كأنه ( أرخميدس ) : مرات أسكر بي كاس و مرات كل القزازة دي ما تحرك فيني شعرة واحدة. يكون دة من شنو ؟؟؟ فقال له رفيقه و هو نصف واعي و لكن بثقة : كلو بتوفيق الله .. إستغفرتُ ربي .. ثم واصل الدماغ سياحته ... من حيث نهاية فتوى هذا الزنديق
10-28-2009, 10:47 PM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22758
قفز فجأة إلى ذهني أبي لهب و زوجته ... لعنتُ في سري إمرأة كانت سبباً في طلاق صديقي الحميم من زوجته لأن ( نسيبتو ) أم زوجته تريد فلاناً الثري ذي الزوجات الثلاث ... و جاراها زوجها في فكرتها ... ( تبت أياديهم ) ..
لمع في ذهني رقم حسابي البنكي ... و الرصيد .. ثم قارنتُ سنوات إغترابي بالرصيد المتوفر و الذي حققته بالوطن و حال البلد .... تذكرتُ أن جواز السفر يحتاج تجديداً .. و أن رخصة القيادة بقيتْ من مدة صلاحيتها أياما معدودة ..
البرودة في القدمين أعادتْني إلى أيام الزمهرير في تلك القرية النائية بأقصى الشمال .. حيث كانت التدفئة بالحطب طوال الليل و إلا تجمدتَ من البرد الجاف المندلق من بين فرجات الجبال الشاهقة ... تشق موجات الزمهرير درب الأربعين .. و هي تستقبل قوافل الإبل إلى مصر ...
10-28-2009, 10:48 PM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22758
ثم إنزلقتُ إلى القاهرة .. بين باب اللوق و عابدين ... و تلك البلكونة .. و البنت أم منديل التي كانت تتغنى طول النهار بأغنية ( سيد خليفة : إزيكم .. كيفنكم .. ) و هي تنهال بقشر اللب و التسالي على الزقاق الضيق .. بينما مؤخرتها كبندول ساعة حائط ... ( تهاتي ) يمنة و يسرة ..
ثم حاولتُ التنبه إلى كيفية وصولي إلى هذه النقطة ...
رن هاتفي المحمول .. نظرتُ إلى شاشته .. سبحان الله ... إنها المصرية جارتنا التي عندما سألتها ما الذي أعجبها في زوجها المتشاكسة معه يومياً ؟ قالت : قزْمِتو ( جزمتو )، لم أبتلع النكتة أو التلميحة ... رأتْ ذلك في ملامحي المتساءلة .. فقالت : إفْهمها بأة يا قلال ( أفهمها بقى يا جلال ) .. لم أفهم ... و لكنني خمَّنْتُ بأن والدها ( بتاع ورنيش ) ... رغم أنها تقول عن نفسها أنها : ( بت عز ) ...
10-28-2009, 10:50 PM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22758
تسلَّق ذهني بورتريه جاري الذي كنتُ أتباهى أمامه بمنزلي ذي الطابقين .. و هو صاحب المنزل ( الأقل من عادي ) .. حيث كان بيته طوبة و نص و حوش ذي سور مائل يزداد ميلاناً عند كل خريف أو ( إن فقط القِبْلي شال ) أو برَق برْقٌ عبَّادي ... و فجأة في الإجازة السابقة وجدت منزله بثلاث طوابق و أثاث منزله من ( دمياط ) و تلفزيوناته ( Cinema ) و هو و أسرته خارج البلد في عطلة صيفية و أنا أعافر المكيف الصحراوي الذي علاه الصدأ ..
ثم تراجعتْ فقرات المخيخ إلى الوراء ...
إسترخيْتُ قليلاً ...
فطرقتْ جارتنا نافذة من نوافذ الفِكْر بإلحاح .. فهي متضررة مني من بلكونة تطل على حوشها المتواضع .. هل أنا مذنب ؟ فكرتُ أن أقوم بتعلية السور في العطلة القادمة على حسابي ... و لكن هل نسيت إلتزاماتك التي إلتزمت بها يا رجل ؟
10-28-2009, 10:52 PM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22758
ثم قفزتْ نفس صاحبة اللقيا الأولى و كأنها تقول : ياخي لولا تسرعك لكنتَ الآن معي في لندن ... لندن؟ إييييهي يا لندن ... تذكرتُ الإثيوبية التي قابلتها في ميدان ( الطرف الأغر ) و علمتها كيف ( تطعم الحمام ) ...
طفا صوت الفنانة ( هايمانوت ) و هي تتغنى بأغنية ( أُزاز ألينا ) ... عزاز علينا ...
عندما تهيأتُ للإنسلال من كل هذا و ذاك ... حاولتُ أن أسترجع البداية من خلال هذه النهاية .. لم أتمكن .. خيوط غريبة كنسيج بيت العنكبوت ... غير أنه لا يسمح بتداخل أي ( أجسام غير التي يرغب بها بالفعل ) أو تلك التي من صنعه و نسْجه هو ...
قوموا إلى ( هلوساتكم ) يرحمكم الله
10-28-2009, 11:17 PM
د.محمد حسن
د.محمد حسن
تاريخ التسجيل: 09-05-2006
مجموع المشاركات: 15194
لا أدري لماذا ينتابني إحساس بأنني وإياك سنكون معا يوما ما في سفرة الوداع،، لا أدري من أين لي هذا الإحساس بأنك تجيد الأسفار وأحسن من يكون رفيقا في تلك الرحلات التي تدون نفسها في نخاع العظام،، أسبانيا ، ستكون وجهتي الأخيرة إن مد الله في العمر عائدا إليها من هاوااي التي يممتها بعد رحلة (مخسوسة) لزيارة إبن خالتي طارق جبريل في أرض بالزاف بوضياف ،،
أأراك توافق ياقلال؟ ماربيلا ؟
10-29-2009, 04:41 PM
ابو جهينة
ابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22758
Quote: لا أدري لماذا ينتابني إحساس بأنني وإياك سنكون معا يوما ما في سفرة الوداع،، لا أدري من أين لي هذا الإحساس بأنك تجيد الأسفار وأحسن من يكون رفيقا في تلك الرحلات التي تدون نفسها في نخاع العظام،،
عام 1978م .. عندما سافرت لأول مرة لأوروبا .. مبهورا بباريس و كان و نيس و معالم هذه المدن العتيقة .. كنت برفقة عدد كبير من السعوديين قال أحدهم ( رحمه الله ) عندما عدنا ... ( جلال و الله إنت خَوِي سفرات ) .. في السفر أكون كمن يحتوي المكان و الزمان و من معي في آن واحد ... بكون دقيق في كل كبيرة و صغيرة .. لا أترك للمفاجآت أي ثغرة تلج منها .. يعني معاك حق
Quote: أسبانيا ، ستكون وجهتي الأخيرة إن مد الله في العمر عائدا إليها من هاوااي التي يممتها بعد رحلة (مخسوسة) لزيارة إبن خالتي طارق جبريل في أرض بالزاف بوضياف ،،
ففي هونولولو ستقابلك فتيات في عمر زهور الغاردينيا بأكاليل زهور يطوقونك بها قائلات : ALOHA أتحداك تقدر ترد عليهن ... و سأخبرك بالأسباب لاحقا
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة