دمه موزع بين حكومات مصر والعراق وواشنطن وجماعة الزرقاوي
يوميات إعدام سفير!
صورة ينقلها: مصطفي بكري
وزير الخارجية المصري رفض أن يقطع زيارته لليبيا وتعامل مع القضية بطريقة غير مسئولة و الحكومة المصرية رفضت إعلان الحداد أو حتي تنكيس الأعلام واكتفت بأربعة أسطر تنعي فيها الشهيد
و أسرة إيهاب الشريف علمت بنبأ خطفه من الفضائيات وعلمت بنبأ استشهاده من قناة الجزيرة
[center(1)
في العشرين من شهر يونيو الماضي وصلت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس إلي القاهرة، التقت صباحا بالرئيس مبارك في شرم الشيخ، كانت طلباتها محددة من الإصلاح للتعاون المشترك، لتسخين العلاقة مع إسرائيل..
في هذا اللقاء تم الاتفاق علي العديد من القرارات وأسس التعاون.. وكان موضوع العراق حاضرا.. كان مطلوب كونداليز محددا، لم تعد لكم حجة، الآن ساعدونا وارفعوا مستوي التمثيل الدبلوماسي في العراق إلي درجة سفارة، هذا سيشجع الآخرين علي الإقدام علي هذه الخطوة، خصوصا أنني حصلت أيضا علي موافقة الأردن.
أطلب منكم أيضا استقبال إياد علاوي رئيس الوزراء السابق في العراق، إنه أفضل رجالنا هناك أرجو استقباله علي أعلي مستوي، وتسهيل كافة مطالبه علي أرض مصر.
(2)
أيام قليلة وجاء علاوي إلي مصر، استقبله الرئيس مبارك شخصيا كان، المشهد مستفزا، هذا القاتل أصبح ضيفا مرحبا به في قاهرة المعز، نسينا ماذا فعل في الفلوجة والرمادي، نسينا كيف كان يمنح الأمريكان غطاء للاقتحام والذبح والعدوان، تجاهلنا أنه ظل يفاخر حتي اليوم الأخير في موقعه بأنه كان عميلا ل 17 جهاز استخبارات أجنبيا.
جاء علاوي وحوله الحراسة الأمريكية، بل إن تنقلاته كانت تتم بسيارة مخصصة من قبل السفارة الأمريكية، علاوي راح يعلن في لقاء صحفي أن مصر قررت رفع مستوي بعثتها الدبلوماسية في بغداد إلي مستوي السفارة نفس الإعلان جاء أيضا من واشنطن.
كانت مصر هي أول دولة عربية تصدر هذا الإعلان، وكانت طريقة الإعلان مستفزة، خصوصا أنه تلتها بعد ذلك تصريحات تؤيد عودة السفراء من كل من الأردن والسعودية وسوريا، وهلم جرا.
وترددت معلومات في هذا الوقت أن علاوي قد توصل لعدد من الاتفاقات الهامة مع مصر التي عاملته معاملة رؤساء الدول ووعدت بمنحه مكتبا لحزبه في القاهرة.
معلومات تنقل للمقاومة بأن هناك صفقة قد جرت بين كونداليزا وبعض الحكام العرب لإرسال قوات عربية وإسلامية بديلة إذا ما قررت بريطانيا ودول الاتحاد الأوربي سحب قواتها من العراق، وقيل إن علاوي ناقش هذا الأمر أيضا مع بعض من التقاهم.
في هذا الوقت تولدت لدي المقاومة قناعة بأن مصر تنوي تقديم كل يد العون إلي الحكومة العراقية صنيعة الاحتلال وقد ظنوا بذلك أن السفير المصري سيتولي تنفيذ هذه الاتفاقات التي جري التوصل إليها مع إياد علاوي رئيس الوزراء السابق.
وقد زاد الأمر تفاقما التصريحات التي أطلقها شيخ الأزهر بعد لقائه بإياد علاوي التي طالب فيها بتوقيع حد الحرابة علي من أسماهم بالإرهابيين، وهو أمر أثار حفيظة الشارع العراقي بأسره، خصوصا أن شيخ الأزهر صاحب تراث كبير في مثل هذا النوع من التصريحات.
أما رئيس الوزراء المصري فقد كانت لتصريحاته التي نقلتها بعض الصحف المصرية وأكد فيها علي عدم ندم مصر للتعاون مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب أثر سلبي بالغ علي المقاومة العراقية وأعضاء تنظيم القاعدة.
(3)
مساء السبت قبل الماضي كان السفير إيهاب الشريف يتجول في شارع الربيع بالقرب من منزله في بغداد، لقد تردد أن الحراس انصرفوا عنه في هذا الوقت بلا سبب مفهوم، وأنه فوجئ باختفاء من كانوا حوله.
سيارتان إحداهما تويوتا يابانية الصنع والثانية (النترا) كورية الصنع كانتا تقلان سبعة مسلحين علي بعد نحو 70 مترا من منزل السفير.
ووفقا لرواية الشهود فإن السفير عندما هم بالإمساك ببعض الصحف وقراءة العناوين، كان يبدو أن هناك سيارة تتبعه وتراقبه وتقترب منه، هبط من السيارة اثنان من المسلحين وطلبا منه الهدوء وعدم الإزعاج، ارتبك السفير في البداية، وقام بتعريف نفسه بأنه سفير مصر في بغداد، أدرك صاحب المحل الذي كان يراقب الحادث أن هناك أزمة حقيقية عندما وجد السفير يحاول إبعاد المسلحين بكلتا يديه، إلا أن الشخصين طلبا منه أن يكف عن الصياح والصوت المرتفع، وقالا له : إن أحدا لن يساعدك فسألهم عن السبب في ذلك فلم يردا عليه، فكرر القول: أنا سفير مصر فقال له أحدهما لذلك جئنا إليك، فبلادك تتعاون مع الصليبيين وقد سبق أن أنذرناكم بعدم التعاون معهم.
التاجر يحاول أن يقترب ليتابع الحديث بدقة أكثر، وعندها نهره أحدهما وقال له ابتعد.. هذا أمريكي قذر، وعلي الفور قام أحدهما بضرب السفير المصري بالمسدس علي مؤخرة رأسه فسقط علي الأرض، وعلي الفور تم وضعه في حقيبة السيارة التي جري إغلاقها عليه ومضيا به نحو مكان مجهول.
(4)
صباح اليوم الأول 'الأحد'
كانت انجي الابنة الكبري للسفير إيهاب الشريف قد حاولت الاتصال به صباحا، لكن هاتفه المحمول لا يرد، ظنت أن والدها أغلق الهاتف، أو أنه مشغول باجتماع ما، بعد قليل سمعت الخبر علي قناة الجزيرة 'اختطاف سفير مصر في بغداد علي يد مجهولين' امسكت بالهاتف أجرت اتصالا بوزارة الخارجية لم يكن لدي أحد علم حتي هذا الوقت، اتصلت بالسفارة المصرية في بغداد قالوا لها إن الخبر صحيح، لقد أبلغنا من حراس منزله منذ قليل..
تساءلت: كيف؟ لماذا لم يبلغوكم منذ أمس إنه لم يذهب إلي بيته، لماذا لم تتصلوا بنا؟
حالة من الانهيار تسود الأسرة، لا أحد يجيب علي أية تساؤلات.
الرئيس مبارك يتلقي الخبر أثناء افتتاحه لمطار الأقصر بجنوب الصعيد.
وزير الخارجية أحمد أبو الغيط يصرح بأنه يجري اتصالات مع الحكومة العراقية لمعرفة مصير السفير، أما مساعد الوزير للشئون العربية هاني خلاف فقد أكد هو أيضا أنه طلب أي والله طلب الاجتماع مع رئيس البعثة العراقية في القاهرة لموافاته علي الفور بأية معلومات مع الحكومة العراقية بشأن ملابسات الحادث.
مصدر في السفارة المصرية يدلي بتصريحات للصحف المصرية يؤكد فيها أن الشريف قد اختطف بالفعل إلا أنه رفض إعطاء تفاصيل عن ظروف وتاريخ الاختطاف.
مساعد وزير الخارجية يتحفنا بتصريح جديد يقول فيه إن السيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية علي اتصال مستمر مع مساعديه بالخارجية حيث يوجد في مدينة سرت الليبية لرئاسة وفد مصر في اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأفريقي.
(5)
يوم الاثنين السيد أحمد أبوالغيط يدلي بتصريحات عبر الهاتف من سرت، أشار فيها إلي أنه تلقي وعودا من الحكومة العراقية لبذل جهود أكبر لضمان سرعة عودة السفير.
إبراهيم الجعفري (رئيس الوزراء في العراق) يصف الحادث بأنه عمل إرهابي، ويقول إنه ليس لديه معلومات .. القاهرة تسعي إلي البحث عن طريق للوصول إلي خاطفي السفير، قنواتها مسدودة، وبعض الذين طلبت منهم السعي في ذلك ليسوا علي علاقة وثيقة بالمقاومة.
في هذا الوقت بدأت القوات الأمريكية في شن هجمات في منطقة حي الجامعة التي وقع فيها الحادث غرب بغداد ورفضت السماح بفتح باب الحوار مع أي من القوي المقربة من المقاومة لمعرفة مكان السفير المختطف.
وقد حذر عدد من زعماء السنة من أن التوجه الأمريكي قد يقود إلي تفاقم الأزمة، إلا أن واشنطن كانت مصممة علي أن يتم الحل بيدها وعبر القوة العسكرية وقد أثمرت هذه الحملة العسكرية عن اعتقال مائة شخص.
ورغم أن مصر طالبت القوات الأمريكية بالتوقف عن عملياتها العسكرية وترك الأمر للحوار السلمي إلا أن القوات الأمريكية ظلت علي مواقفها مما أدي إلي تعثر المفاوضات التي كانت قد بدأت لإنهاء أزمة السفير.
(6)
يوم الثلاثاء تمضي الأوضاع كما هي، في حين يبدو التحرك المصري ضعيفا وغير مؤثر، اهتمامات الصحف بالحدث تتراجع إلي درجة تثير الاستياء.
المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء 'ليث كبه' يطلق من بغداد تصريحا مستفزا يقول فيه: إن اختطاف الدبلوماسي المصري لن يؤثر علي العلاقات بين بغداد والقاهرة، وراح يبدي دهشته مما اسماه بخروج الدبلوماسي المصري بدون حراسة، وكأنه أراد أن يلقي اللوم عليه وليس علي حكومته!!
(7)
الأربعاء يحمل إلينا أخبارا تقول إن اتصالات مصرية تجري مع الحكومة العراقية لمعرفة آخر الأنباء، أما جماعة الزرقاوي فهي راحت تهدد بقتل السفير المصري بعد صدور حكم من المحكمة الشرعية لتنظيم القاعدة وجه اتهامات حادة للسفير وللحكومة المصرية.
وزير الخارجية المصري يتابع الموقف من غرفته المكيفة علي النيل والرئيس مبارك في جولة بمحافظة سوهاج في أقصي الصعيد.
الأنباء تبث إلينا أن وزير الخارجية أحمد أبو الغيط يجري اتصالات مع نظيره العراقي هوشيار زيباري للوقوف علي آخر التطورات.
ووزارة الخارجية تبشرنا بعد أربعة أيام من عملية الاختطاف أنها شكلت غرفة عمليات لمتابعة الموقف علي مدي الساعة.
وزير الداخلية العراقي 'باقر جبر صولاغ' يستفز الرأي العام بتصريح يقول فيه: 'إن وزارته لديها معلومات بأن بعض الدبلوماسيين يلتقون بالإرهابيين وهم يتحملون بذلك كامل المسئولية'، وقال: طالما أن السفير المصري تواجد وحيدا في منطقة خطيرة فهو بذلك يتحمل كافة المسئولية.'
لقد فسر العديد من المراقبين هذا الكلام بأنه يمثل اتهاما مباشرا للسفير المصري بأنه يجري لقاءات مع عناصر المقاومة وأنه هو المسئول عن عملية الخطف لأنه تحرك دون حراسة مع أن المسافة بين منزله ومكان الاختطاف لا تزيد علي 70 مترا فقط.
(
المشهد الأخير:
كانت الساعة تقترب من الرابعة بعد ظهر الخميس الماضي، فجأة دق جرس الهاتف في مكتبي، كان صوتها حزينا، منهارا، كانت فكرية ابنة عمه تصرخ من الأعماق: 'قتلوه يا أستاذ مصطفي.. إيهاب مات.. مات'، حاولت أن أتماسك لبعض الوقت.. تحجرت الدموع في عيني.. أتمتم ببعض الكلمات غير المفهومة، أحاول أن أهدئ من روعها.. كان صوتها يدوي في أذني هل تعرف من هو القاتل الحقيقي؟ هل تعرف إيهاب ضحية من؟!
أغلقت سماعة الهاتف، سرت في جسدي قشعريرة، ارتعدت أطرافي، تغير لون وجهي، أحاول أن أجفف دموعا بدأت تتسرب رغما عني.. يمضي ذهني إلي هناك، إلي بغداد إلي أرض الرافدين.
مجموعة من الملثمين تمسك بسيف حاد، يقرأون قائمة من الاتهامات، يعلم الله أنه بريء منها، يستحثهم، يطلب منهم مراجعة العقل، يقسم أنه لم يترك فرضا، ولم يرتكب جرما، لم يكن جاسوسا لأحد، إنه فقط كان يؤدي رسالته.
صرخ من الأعماق 'أنا عربي.. أنا مسلم' طلبوا منه الصمت، وراح أحدهم يقرأ ما اسموه 'الحكم الصارم البتار علي سفير الكفار' بيان من المحكمة الشرعية لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.
أدرك السفير إيهاب الشريف أن الساعة قد حانت، وأن الحكم سينفذ لا محالة، شرد ذهنه إلي هناك إلي ابنتيه انجي.. وهايدي.. تذكر هذه 'النسمة الصغيرة' هايدي، هاهي تكبر بعيدا عنه، العام القادم سترتدي رداء جديدا، تمسك بحقيبتها المدرسية وتمضي إلي سنة جديدة، ياه لم أستطع أن أسلمك هدية النجاح يا هايدي، كان بودي أن أهنئك يا حبيبتي وأنت تمضين إلي السنة الرابعة الابتدائية.
أعرف أنك 'شقية'، سوف تسألينني لماذا تأخرت كثيرا هذه المرة يا أبي، سوف تخضعينني لحساب عسير وأنت تلقين بجسدك الصغير في حضني، ليه وعشان ايه وامتي وكيف ولماذا.. سوف أتهرب من اسئلتك، سأقول لك إنني في أمان، وأن كل شيء مستقر، وأن حولي حراسة كبيرة، اعذريني سأكذب عليك يا حبيبتي، فأنا لا أريد أن أبث القلق في نفسك.
أما أنت يا انجي، فأنا أعرف أنك تعرفين، أدرك أن الألم يطل من عينيك الجميلتين، أعرف أن قلبك يخفق مع كل خبر يبث، اشتم من صوتك قلقا لا مبرر له، بعد عام واحد ستتخرجين في كلية الإعلام، لا تخافين، والدك لن يتحول إلي خبر، الله هو الحارس.
وجه والده صالح الشريف يزاحم الذكريات، يا أبي العزيز ستعيش معنا سنوات وسنوات.. أطل الأب بطلعته وقد اكتساها حزن شديد، ربنا يخليك لمراتك وأولادك يا إيهاب.. أنا الآن ثلاثة وتسعون عاما، اللهم حسن الختام، والدتك رحلت منذ زمن طويل، وهي تناديني، لقد وحشتني يا إيهاب.
إيهاب يتذكر زوجته، وكيف تحملت عبء الأولاد، كيف تألمت عليه، وحولت البيت إلي مأتم كبير، يوم أن غادر إلي العراق، كأنها كانت تتحسب تلك اللحظة، كأن قلبها كان يدرك أن ساعة الخطر قد اقتربت، طلبت منه أن يعتذر، أن يبحث عن مكان آخر، لكن إيهاب قال بلغة صارمة: لا أستطيع، أنا كالجندي، أنا ذاهب إلي هناك لخدمة بلادي.
كانت وجوه الأشقاء والأقارب تمضي مسرعة، تنطلق من شريط الذكريات الساكن في أعماق العقل، اثنان وخمسون عاما ترسم صفحاتها أمام عينين معصوبتين، فجأة يتقدم السياف، اقترب رويدا رويدا، قلب إيهاب يدق، يكاد يتوقف، يتمتم بالشهادتين، يصرخ بعنف 'يارب'، يغمد القاتل سيفه، تبرأ الروح إلي خالقها، تتدفق الدماء غزيرة علي الأرض، ويتحول إيهاب الشريف إلي رقم!!
في هذه اللحظة بالذات انقبض قلب الصغيرة هايدي صرخت، رفعت يديها الصغيرتين إلي السماء، يارب هات لي بابا.. رجعه لينا بالسلامة، بكت وابكت الجميع، احتضنتها شقيقتها انجي.. بشدة.. كانت العيون خائفة، ترتجف، كان الكل يجلسون وكأنهم في انتظار خبر ما..
منذ قليل كان تنظيم الزرقاوي قد أعلن عن صدور الحكم.. كل شيء ينبئ بأن الأمر يمضي إلي نهايته، أمسكت بالهاتف، تحدثت مع أسرته، طلبت منهم أن نلتقي غدا في نقابة الصحفيين، أن نفعل شيئا، ومنذ الصباح أبلغت بأن تعليمات قد صدرت إليهم بالامتناع عن الإدلاء بأية أحاديث أو الخروج إلي أي تجمعات أو تظاهرات.
مضينا إلي النقابة، تجمعنا، ناشدنا الخاطفين، كانت القلوب ترتعد، وكانت الوجوه عابسة، وكأننا في انتظار خبر أليم، قليل من الأمل بدأ يتسرب إلي نفوس بعض الزملاء، بعد معلومات وصلت كانت تقول إن الدولة تتفاوض، وقد يفرج عن إيهاب الشريف.
كنت أدرك تماما أن القضية قد باتت محسومة، فهؤلاء أصدروا حكمهم، وهذا يعني أنهم سدوا باب التفاوض منذ اللحظة الأولي، إنهم يريدون أن يقولوا للعالم إن هذا مصير سفير أي دولة تعترف بالحكومة التي نصبها الأمريكيون، وإننا جادون ولن نتراجع.
مضيت إلي مكتبي، وهناك جاءني صوت ابنة عمه فكرية تصرخ قتلوا إيهاب.. إيهاب مات.. إيهاب ضحية من؟!..قلت لها: إيهاب قبل أن يكون ضحية من قتلوه، فهو ضحية السياسات الخاطئة لنظام الحكم هنا، هؤلاء الذين أصبحوا يرضخون وينفذون كل ما يطلبه منهم الأمريكيون.
أغلقت هاتفي، أشعر بصداع رهيب يكاد يقتلني.. وفجأة وجدتني أجهش ببكاء حارق.
أحاول أن أتماسك، أخجل من نفسي، لكنني لم أستطع، شعور بالمرارة يجتاحني، شعور بالقهر والسخط علي كل شيء.
في هذه اللحظات كانت الصدمة قد بددت كل أحلام الأسرة الصغيرة.. صراخ وعويل داخل منزل السفير، كأنه زلزال دمر كيان المكان والبشر.. الزوجة لا تصدق، و...... في حالة ذهول، بينما الصغيرة.... فقدت الوعي تماما.. حاولوا أن يمنعوا الخبر عن الأب المسكين الذي يعيش حالة اكتئاب منذ علم بخبر خطف أعز الأبناء لكنه علم به وتدهورت صحته تماما.
تحول البيت إلي مآتم كبير، الكل متشح بالسواد، الألم يعتصر النفوس، الصرخات تصل إلي عنان السماء، والدموع تنهمر وكأنها طوفان ساخن يتدفق من العيون.
(9)
في التاسعة من مساء ذات اليوم كان وزير الخارجية أحمد أبو الغيط وزوجته يزوران أسرة الشهيد..
إنها المرة الأولي التي يدخل فيها منزل الأسرة منذ بداية الأزمة.. قال الوزير وقد نظر إلي ابنتيه وزوجته.. إنه أسود يوم في حياتي.
كتمت الأم غيظها، نظرت انجي إلي الوزير نظرة لا تخلو من دلالة، قالت هايدي بلغة بريئة.. هل حقا مات أبي.. لم تكن تصدق.. ولا تزال حتي الآن تنتظر خبرا علي غير العادة يقول لها أبدا والدها لا يزال حيا.
بعد قليل فوجئت بكلمات زوج خالتها يحيي حسين يقول: يوم الأحد سيكون العزاء في مسجد آل رشدان.. أغلقت عيونها وقالت بصوت عال: 'منكم لله.. ربنا ينتقم لك يا بابا'
لم ينكسوا الأعلام.. لم يعلنوا الحداد... اكتفوا فقط بأربعة أسطر تنعي واحدا من أفضل شباب مصر!!