|
الحقيقة والجمال
|
الحقيقة والجمال
مقدمة : كان " وحيد " الجميل يمتلك مرآة ، هذه المرآة يعلوها الصدأ ، حتى انه كان يرى فيها صورة مشوشة ومبهمة لنفسه ، صورة باهتة لا تدل ابداً على حقيقته ، أخذ وحيد يجلي هذه المرآة الصادئة ، ومع مرور الايام أخذت في اللمعان ، فماذا رأي عندما نظر اليها رأي نفسه ، كان جميل جداً ، ثم أمعن في جلي المرآة ونظافتها ، ماذا رأى هذه المرة؟! رأى الجمال فقط ، ذلك الجمال والسحر الذي يغلف الاحياء و الأشياء ، الجمالي الرباني . هذه المرآة التي كان يمتلكها وحيد هي مرآة الكون التي في قلبه اما وحيد فهو الإنسان الذي كان الصدا يغطي قلبه ، لذلك كان لا يرى حقيقة الجمال الإلهي الذي يغلف الأحياء والأشياء " كن جميلاً ترى الوجود جميلا " . إن الكون الذي نعيش فيه مظهره مادي ومخبره روحي وفطرة الانسان الطيبة تبحث دائماً عن الحقيقة والجمال وتستشفها في كل المحسوسات حوله ، لماذا قلنا الحقيقة أولاً والجمال ثانياً ؟ إن للمعاني غير المنظورة قيمة جمالية يمكن أن يرمز لها الانسان بشيء محسوس ، مثلاً رمزنا الى الحقيقة بالشمس وللجمال بالقمر ، فمنذ الأزل أضحت الشمس رمز للحقيقة والقمر رمز للجمال بما أن القمر يستمد ضؤه الفضي الساحر من الشمس ، كان لا بد أن يستمد الجمال سحره من الحقيقة ، لذلك نجد الجمال ليس قيمة مجردة بل تستمد عناصر من الحقيقة . اذاً ما هي الحقيقة ؟ لنرى ذلك من منظور أفلاطوني معاصر ( الكهف الأفلاطوني) ونرجع لنضرب مثل بالسينما ذلك الواقع السحري الذي يشبه حياتنا كثيراً ، عندما نجلس على مقعدنا في دار السينما نحملق في الشاشة البيضاء ، لحظات ثم تظلم القاعة وينبعث أمامنا عالم حقيقي يضج بالحركة والحياة ، لكن هل ما نشاهده موجود حقيقة أمامنا ؟ إنه في الحقيقة ليس أمامنا بل انعكاس لعالم خلفنا مجرد ظلال وأشباح فقط . فالحياة التي نعيشها بريق زائف يخدع الانسان سرعان ما ينقضي ويستيقظ الانسان من هذا الحلم الجميل .. ويواجه الحقيقة !! ماذا عن الجمال ؟ إذا أردنا أن نعرف الجمال لا بد من تصنيفه الى نوعين من الجمال : الجمال الحسي وهو الجمال الذي يحدث إختلاجات في الجسد أو بمعنى أدق في النفس وهذا جمال المخلوقات المحسوسة كلها ، هذا النوع من الجمال يزول بزوال المؤثر ، النوع الثاني الجمال المعنوي ، هذا الجمال الذي تجسده القيم غير المنظورة في المجتمع الانساني (الأخلاق) ويسمى الجلال ويبقى تأثيره بعد زوال المؤثر ، فنحن دائماً نذكر المآثر الحميدة لأناس طواهم الموت منذ دهور . إن تركيبة الانسان من روح وجسد هي العلة الفاعلة فيه التي تجعله يشعر بقيمة الجمال بنوعية إن تركيبة الانسان الغريبة من روح أزلية وجسد فاني تولد في نفسه الأحساسيس المتناقضة والمبهمة عن الجمال ، فالإنسان العادي يسعى لتحقيق السعادة المطلقة بأستغلال جسده وإنهاكه في المتع الحسية وقد يسبب له ذلك آلاماً شديدةً لأن القيمة المحدودة للجسد لا يمكن أن تعطي سعادة مطلقة ، لذلك نرى بعض الناس في سعيه لهذه السعادة المرجوة يسحل روحه ويسحبها بعنف في أوحال الحياة ومباهجها الزائفة . كيف نحصل على السعادة المطلقة ؟! .. إن السعادة الحقيقية في الحب ، لأن الحب من خصائص الروح ، ينبع الحب في منطقة النفس ، هنا يجب علينا أن نعرف النفس ، انها البرزخ الذي يربط بين الروح والجسد إذا رمزنا للروح والجسد بقطبي مغنطيس الجسد من أسفل والروح من أعلى النفس تحتل منطقة الوسط وتتدرج سبع درجات في سلم المعاني السامية ، وهي كالآتي من أسفل الى أعلى (النفس الأمارة ، النفس اللوامة ، النفس الملهمة ، النفس المطمئنة ، النفس الراضية ، النفس المرضية ، النفس الكاملة ) والنفس الكاملة الاخيرة كما لها نسبي يتفاوت فيه الناس ، إن الحب الذي ينشأ في منطقة النفس حباً جسدياً مرتبطاً بالجنس لغرض الزواج وإثمار الولد وذلك للمحافظة على النوع الإنساني ثم يسمو هذا الحب ويتدرج الى حب المخلوقات ثم يرتفع في المراقي السامية الى حب واجد الموجودات " الله جل جلاله " لذلك فالدعوة للسعادة هي دعوة الى مزيد من الحب ، حتى يفيض الكأس ، وإقصاء الكراهية والحقد لأنها تسود حواشي القلب ، أيها الانسان إن الكأس لا يتسع لمشروبين إملأ الكأس بخمر الحب وأنثره على الجميع ، دعك من الخمر المغشوشة التي يجسدها النفاق ، الذي هو آفة الآفات ، إن النفاق شجرة لا تثمر إلا الشوك ، فكن صادقاً مع نفسك ومع الآخرين فيستقيم الميزان وتنعم بالسعادة الحقيقية . إن أول الحقائق التي يجب أن يعرفها الأنسان هي حقيقة نفسه ، الأنسان الذي يجهل حقيقة نفسه لا بد أن يجهل حقيقة الآخرين ، فيسيء معاملتهم وتتشوه مرآة قلبه هناك أربع أنواع من مرايا القلوب ، البعض يملك مرآة مقعرة تعظم له الأشياء التافهة وهذا هو الشخص المنافق ، البعض يملك مرآة محدبة تصغر له الأشياء العظيمة وهذه مرآة المغرور والبعض يملك مرآة مهشمة تريه الأشياء مشوهة وهذه مرآة الجاهل ، والبعض الأخير يملك مرآة مستوية تريه الأشياء على حقيقتها وهذه مرآة الانسان الواعي ، أيها الإنسان تأكد أي نوع من المرايا تملك وأبدأ معنا رحلة البحث عن الذات ، عن ذلك الفردوس المفقود " إن المسرح الحقيقي الوحيد هو ما كان مرآة للحياة ، حيث يجيء كل إنسان ليشاهد ويتأمل ، يتأمل عصره ، ويجعل من نفسه في ذات الوقت صورة عالمية للنوع البشري " .
* * *
|
|
|
|
|
|