|
Re: في رحيل الدكتور حافظ فضل .. يُطهِر الملح مآقينا . (Re: عبدالله الشقليني)
|
هذا بعض حزني أنقله من سودان فور أول وهل يموت الملائكة: تأملات في حياة وموت صديقي حافظ محمد فضل عندما حار بي القلب فلم أعرف ماذا أفعل بالخبر الصاعقة، وأنا أردد في سري "وهل تموت الملائكة؟"، لجأت للهاتف، فأنا أعرف أن هناك ثلاث أشخاص في العالم أستطيع أن أتوحد معهم حول هذا النبأ: الشيخ محمد الشيخ، عثمان محمد الخير وآدم بقادي، فقد كنا أربعتنا، وخامس فارقنا من زمن (المرحوم محمود عكير)، نعيش صداقة عميقة في الفاشر الثانوية وكان حافظ قلب تلك الصداقة، كنا نقرأ الشعر ونتبادل الدوواين، بل كان عثمان يعيد نقل وتصميم دوواين بأكملها، وكنا نتبادل كتب الفلسفة التي بدأنا الإبحارفي بحارها يقودنا قبطاننا الشيخ محمد الشيخ والذي أبدى إهتماما مبكرا بالفلسفة، وكنت أحيانا أستعين في ما صعب علي بصديقين لي خارج الشلة :حسن محمد عثمان (حسن أروما) وشنبول عبد القادر، وكان ثلاثة منا قد إندمجوا في العمل السياسي بينما بقي الثلاث الآخرون يتأملوننا مشفقين وكان حافظ أحد المشفقين، ورغم ذلك لم أندهش عندما أصبح أحد فرسانها في فترة دراسته بمصر، التي ما فتئت تدعي أمومتها للدنيا. قلت لجأت للهاتف، وجاءني صوت زينب بت العمدة زوجة صديقي بقادي، فسلمت عليها على عجل ليس من عادتي، ففي الحقيقة يمكن أن أتصل ببقادي وتكون كل "الونسة مع زينب" أو العكس، وقد أقلق إستعجالي زينب، فأدركت الخطر، فسألت سؤالا مباشر "إنشاء الله ما في عوجة؟" فلم أتمالك الحزن الظاهر في صوتي فقلت لها "حافظ يا زينب" فسألت "حافظ فضل" فلا أظن أن معجمها مهما كثر به الحوافظ لا يجعل حافظ فضل أولهم مهما كانت قوانين اللغة، فزينب التي أحبها بقادي منذ الثانوي تعرفنا جميعا وتعرف تراتيبنا العاطفية عند آدم بقادي، كنا جزء من حياتها منذ الصبا الباكر وكانت وتظل. قالت زينب "مالو حافظ؟"، فخنقتني "العبرة" كما يقلن نساء بلادي، وكأن حقيقة موت حافظ تواجهني لأول مرة، "حافظ مات يازينب"، فسمعت نحيبا عميقا وهي تستعين على المصيبة بنداء آدم، وجاءني صوته عميقا وحزينا ولم أسكت نقلت الخبر وخلطته بالذكريات وقلت له " ولكن هل تموت الملائكة يا آدم؟. لا أدري هل ولد حافظ محمد فضل في اللعيت جار النبي التي إنتقل أليها أبيه تاجرا أم أنه ولد بالنهود في ذلك الحوش الكبير الذي يضم عائلة آل فضل عبد الواحد الذين عرفوا بالتجارة والنقل مالكي لواري وسائقين لها. وكان محمد فضل عبد الواحد من مالكي الللواري وسائقيها الذين حكيت عنهم القصص عن قهرهم للقوز والخيران وحول صرامتهم مع مساعدي العربات، وعند إنتقاله للعيت جار النبي وبنائه لطاحونة الدقيق وتجارة الفول السوداني كان طرفا في الصراع الطبقي والإثني! غير أن المؤكد أن حافظ ولد في عام 1947. جاء حافظ للفاشر الثانوية 1962 وأتيت بعده بعام، وحل بداخلية علي دينار ومعه الشيخ محمد الشيخ الذي عرفني عليه وعلى بقادي الذي كان يسكن في داخلية أبوسن، وعثمان الخير وعكير الذين سكنا بالنجومي. كان دينار حينها داخلية للزملاء بري عبدالرحمن وعبد الرحمن الزاكي. وكان عبد الرحمن الزاكي لاعبا ممتازا للباسكت بول، وهكذا كان حافظ، وكانا حافظ وعبدالرحمن أيضا يلعبان للفريق الأول لدينار في الفولي بول. كان حافظ رياضيا في الجسم والأخلاق. لم أر حافظ يحتد في ميدان الباسكت او الفولي قط فقد كان حافظ ملاكا، فكيف تموت الملائكة؟ كان حافظ يحب سارتر وسيمون دي بفوار، ويقرأ نازك الملائكة ونزار قباني وكنا نقرأ معا البياتي وصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وصلاح أحمد إبراهيم والفيتوري، وكنا قد قرأنا سلامة موسى وخالد محمد خالد ومحمد مندور، وأكتشف الشيخ وحافظ نتبشة وأحمد حسين ونظريته في الطاقة الحياتية، وأستغرقتني طلاسم ماركس عن البضاعة والقيمة والأسعار والأرباح والتي سماه أحد أصدقائي (كتب الجبرا البدون إجابة Algebra without answers وهذا تشبيه لا يعرفه إلا طلاب الثانويات قبل التعريب حيث كان لكتب الجبرا طبعتان أحدهما حمراء وهي لا تعطي الإجابات على المسائل والأخرى خضراء وتعطي الإجابات في آحر الكتاب). و كان من يجد كتابا يحدث به الآخرين، كنا نبحث عن المعرفة وعن ذواتنا. وجاء حافظ لجامعة الخرطوم غي عام 1966 وغادرها في عام 1968 لمصر وكانت تدعي أمومتها للدنيا وأظنها ما زالت، وتفرقت بنا الطرق، كان بقادي في كلية الطب وقد صادق قريبي عبد العظيم كبلو وكأنه أبتلي بآل كبلو فساقه عبد العظيم ليعرف أطراف أخرى من العائلة، وحافظنا الشيخ وعثمان وأنا على عملنا السياسي بالجامعة حتى غادرنا عثمان هو الآخر لمصر وصار لسان حالنا يشكو الهجر والهجرة وكنا نحسب أننا منها سالمون. وجاء نميري واصبح "زولا تريده وتشتهيه" من الممنوعات أما بفعل التأمين أو الخوف او تشعب المسالك والطرق، فوطنت نفسي على حفظ الود القديم وصيانة الذكريات وسرقة الصدف والتعرف على مزيد من الأصدقاء لأن الدنيا كما قال عبدالله علي إبراهيم أصبحت مثل الرياضيات في الإمتحانات تفرق الحبايب. كنت كلما التقيت حافظا في غقلة من تدابير الدنيا الفراقة شربت كأس اللقاء حتى الثمالة مدعيا أنا لا أعرف ولا أثق متي ألقاه، وكنت حتى حينها عميق الإعتقاد ان الحياة هي فراقة الحبايب، ورغم علمي بقدرة الموت على فعل ذلك لم احسب أن الموت سيفرقني من حافظ فقد حسبت أن الملائكة لا تموت! ولكن يبدو أن هناك ملائكة وملائكة ولله في خلقه شئون! لأرملة حافظ ولبنتيه وولديه ولفاتن وخالد ولآل فضل عبدالواحد بالنهود وليسين أحمد فضل أينما كان وكيفما كان ولآل حاج أحمد وللشيخ محمد الشيخ وعثمان الخير وآدم بقادي وكل من عرف حافظا فأسره بلطفه وأخلاقة الملائكية ولزملائه في المهنة حار العزاء والصبر الجميل، ولحافظ بقدر ما اعطانا وأعطي اهل السودان مغفرة ورحمة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في رحيل الدكتور حافظ فضل .. يُطهِر الملح مآقينا . (Re: عبدالله الشقليني)
|
أول ما التقيته جاء يزورني وكنتُ مستشفياً في مشفى في أطراف برلين الغربية سابقاً . جلس إليَّ وأمسك الحبيب بيدي وقال :
ـ أني أعرفك ولا أذكر أن التقينا . أصدقاؤنا مشتركون ، وأعرف أننا كأننا ولدنا سوياً . لا تبتئس . إنها سحابة وستكون عابرة . حينها كان على وشك الالتحاق بالدراسات الطبية العليا في ألمانيا . يزورني ويطبخ لي من صُنع يده . كان بساماً ، فواح الروائح الجميلة . قرأت شفائي في عينيه ثم كان . ولم أكن أعرف أن عُمري أكبر إلا وقت سمعت برحيله .
إنها لخسارة فادحة .. فادحة لقد تعلمنا أن الصبر رغم جمره والدمع رغم مرارته فهما يُطهران المآقي والقلوب
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في رحيل الدكتور حافظ فضل .. يُطهِر الملح مآقينا . (Re: عبدالله الشقليني)
|
ألف دمعة صادقة على حافظ فضل كان حافظ من ذلك النوع من البشر الذين تسرك رؤياه في أي لحظة. وكان حفيا بالناس وطيبا وأنيقا أذكر كيف إستقبلني هو وزوحه الخلوقة عفاف وأنا استشفى مثلك يا شقليني في بوخ لو تذكر في ضواحي برلين الشرقية. وقضيت معه بعدها أيام طيبة كان يعودني فيها رغم زحمة دراسته كان ذلك عام سبعة وثمانين وتسعمائة وألف. ألف دمعة صادقة عليه ألف دعوة صالحة لزوجه وأهله مصطفى مدثر
| |
|
|
|
|
|
|
|