الحرب الأهلية في جنوب كردفان: محاولة لتصفية القبائل العربية فى الأقليم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 02:06 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة بريمة محمد أدم بلل(Biraima M Adam)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-21-2006, 01:52 AM

Biraima M Adam
<aBiraima M Adam
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 27329

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الحرب الأهلية في جنوب كردفان: محاولة لتصفية القبائل العربية فى الأقليم


    هذا المقال ومجموعة مقالات أخرى كتبتها في صحيفة سودانيز أون لاين لشرح أسباب الحرب في جنوب كردفان وسوف أقوم بعرض هذه المقالات مرة أخرى لنذكر أنفسنا بأسباب الصراع الأستثنائية في جنوب كردفان، ثم نواصل مع ما بعد السلام وماذا تحقق حتى اليوم، وأعلم إننا خطونا خطوات نحو الأمام ولكن بالوقف علي الأسباب يمكننا إستبصار المستقبل فإلي مضمامن المقال ..

    جنوب كردفان: القوميات العربية عبر الزمان والمكان وتداعيات الحرب الأهلية وفرص السلام (3)

    الحرب الأهلية في جنوب كردفان محاولة لتصفية القبائل العربية


    بريمة محمد أدم/ واشنطن
    [email protected]
    1. خلاصة:


    هذفي من هذا المقال طرح قضايا ساعدت ومازالت تساعد في تخلف الأقليم، نريد الخروج من المأزق منتصرين، بجميع ألوان طيفنا، متقدمين إلي الأمام ولو خطوة في بناء وطن قومى، تحترم فيه كل القوميات، في هذا المقال أطرح أسئلة عدة نريد أن نتعامل معها بجدية وموضوعية وتجرد وأركزعلى أن أي محاولة لعزل أي جزء من أبناء الأقليم هى عقبة في تقدم الأقليم إلي الأمام.
    أولاً أريد أن أفرق بين الحرب الأهلية في السودان عامة والحرب الأهلية في جنوب كردفان خاصة. كثير من المثقفين السودانيين لا يرون هذا الفرق الذي نعتبره سبب في حرب دامية ومؤلمة.
    1. الحرب الأهلية في السودان حرب سياسية تنبنى على مطالب محددة كالتنمية وقسمة الثروة والسلطة وغيرها وهذا أيضاً ينطبق على جنوب كردفان في جانب.
    2. الحرب الأهلية في جنوب كردفان بالأضافة للجانب الأول فهي حرب قبلية مطلبها طرد القبائل العربية من المنطقة.
    سوف أتحدث عن الجزء الثانى وأيّ مغال أو ناف لهذه التفرقة البينة هو مكابر بغير الحقيقة. دعنى نسوق المبررات التأريخية لذلك.
    1. ظهور تنظيمات سرية لأبناء النوبة كجبهة هنا كادقلي، الكومولو وغيرها التى لاتشرك أبناء القبائل العربية في العمل معها مطلقاً ولايعرفون أجندتها التى هى سرية في المقام الأول.
    2. ظهور روابط وتنظيمات أبناء النوبة التى تفتح عضويتها لأبناء النوبة أو جعلها من العسير على أبناء القبائل العربية الأشتراك فيها.
    أدلل على الظاهرة الأولى بالأحداث التأريخية التى وقعت رداً على سياسات المحافظ عبدالرحمن أدريس الذي أعقب أول محافظ للمنطقة محمود حسيب في حوالى 1978 وكذلك أحداث مدرسة كادقلى الثانوية تلو إتباعاً لسياسات يوسف كوه العنصرية في نهاية عام 1981. وفي الظاهرة الأخيرة أتحدث عن دور منظمات أبناء النوبة الجماهيرية مالها وما عليها.

    2. الحركات السرية العنصرية لأبناء النوبة

    غرضى من إثارة هذا الموضوع أولاً أريد أن أثبت أن هذه التنظميات السرية موجود ولها أدوار تخريبية. هدفي الثانى وهو الأهم أريد أن نخرج النقاش من الكوايس والخفاء إلي العلن، أومن أن كل فرد من أبناء جنوب كردفان (لا يستصغر أحداً دوره) مهما كان دوره في المجتمع إيجاباً أو سلباًً، يظل ذلك الدور يوثر في مسيرة تطور جنوب كردفان بدرجة فعالية القائم بذلك الدور، علينا أبناء جنوب كردفان درء هذه السلبيات من أجل مصلحة الأقليم وتطوره. أن معالجة السلبيات من أهم نقاط الأنطلاق؛ وأن وجود تتظيمات سرية مقصورة فقط على جماعة إثنية بعينها يجعل الأثنيات الأخرى في غير مأمن من مآرب العمل السرى. فلماذا لا تخرج هذه التنظيمات إلي العلن وتعمل ضمن المنظمات الشعبية الجماهيرية الأخري؟ لماذا تظل أبوابها مغلقة على الأخرين من غير أبناء النوبة؟ ولماذا لا تطرح برامجها كخيار للشعب؟ وفي هذا المقال لا أدري لها هدف غير هدف واحد يتمثل في طرد القبائل العربية ولنرى كيف أستغلت هذه المنظمات التناقضات في الساحة السياسية لتقدم مآربها الهدامة في المنطقة. ونبدأ بالتناقض السياسى الذى حدث في عهد المحافظ عبدالرحمن إدريس الذى جاء خلفاً للمحافظ محمود حسيب. المحافظ محمود حسيب من أهم المحافظين الذين لعبوا دوراً هاماً في تأريخ جنوب كردفان الحديث، ينحدر محمود حسيب من منطقة تلودي. يمتلك محمود حسيب شعبية عارمة وصوت جمارى قوي، أستطاع كسر الجمود التجارى والركود الأقتصادى وجلب كثير من الأستثمارات المهمة كمصنع نسيج كادقلي، تفعبل مشاريع تنمية جبال النوبة الريفية وأفتتاح مشاريع الزراعية الآلية. لكن في الجانب الأخر، في عهد محمود حسيب تهرأت السلطة في جنوب كردفان فساداً إدارياً وأخلاقياً لا نظير له في تأريخ جنوب كردفان الحديث. حيث أمتلأت محافظة الأقليم بالحسناوات اللائي يتم أختيارهن بالمؤهلات الجمالية الشكلية (أًيّ جمال البواريك التى شاء أستعمالها) بعد تفريغ الوظائف من أهلها ومن هم أهل لها بطرق ملتوية؛ بذلك تدنت الخدمة المدنية، وأنتشرت الرشاوى، وأستشرت المحسوبية وترهلت أروقة المديرية وعم الفساد جميع مظاهر الحياة في جنوب كردفان وظهرت بيوت اللهو والمجنون؛ ولعل الحي الشهير "حى حسيب" في عاصمة الأقليم وحادثة أغتيال حسيب نفسه في وسط السودان تشهد بذلك الفساد. ما علاقة ذلك بالتنظيمات السرية؟ لم تنبذ بكلمة ضد هذا الفساد، لكن شاءت الأقدار أن يسقط محمود حسيب وجاء من بعده المحافظ عبدالرحمن إدريس، رجل دين، أرد تنقية مؤسسات المديرية من الفساد والمحسوبية فأدي ذلك إلى طرد المئات من الذين حشرهم حسيب حشراً. على الفور ظهرت الجبهات السرية لأبناء النوبة تنادي بتوحيد جبهة أبناء النوبة، مدعية أن الذى يمارسه عبدالرحمن إدريس إنما هو فصلاً عنصرياً يستهدف أبناء النوبة خاصة دون غيرهم، ومن ثم لزم توحيد جبهة أبناء النوبة والوقوف ضد سياسات عبدالرحمن إدريس التى يصفونها بأنها عنصرية. أدي ذلك إلي العصيان المدنى من قبل النوبة، التثيب الوظيفي، الغياب والممارسات الشاذة كحرق المبانى. إن ظاهرة حرق المبنانى في مدينة كادقلي كان لغزاً حير الجميع. كان الحرق يتم ليلاً ونهاراً من جماعات لايعرف هويتها. أستمر حرق المبنانى لمدة من الوقت وقد حير اللغز الشرطة والأمن حتى صار المواطنون في بعض الأحيان ينومون خارج منازلهم بل يجمعون إغراضهم في فناء المنازل تحسباً لأي حريق. كان المتداول في الساحة والشارع هو جبهة "هنا كادقلى" ومخططها الخفي. لقد تعددت مسميات الجبهات العنصرية لأبناء النوبة كجبهة الكومولوا الأنفصالية السرية التى بدأ تأسيسها منذ بداية فجر الاستقلال لطرد القبائل العربية. ثم أخيراً ظهور جبهة "نحن كادقلي" في الحرب الأهلية الدائرة والتى تطاردها قوات الأمن والأستخبارات في جنوب كردفان. ولقد ذكرت بعض فعاليات أبناء النوبة حديثاً مبهماً عن جبهة "نحن كادقلى" مشيرون أنها لاتوجد وأن قوات الأمن أستحدثت التسمية لتصفية فعاليات النوبة. أن هذه الجبهات السرية العنصرية توجد منذ الاستقلال مع تعدد مسمياتها وتعمل بفاعلية ونشاط علي تدهور البئة الأجتماعية والساسية والخدمية للأقليم. وهذا ما أورده د. محمد سليمان محمد حيث ذكر بأن تأسست جبهة "الكتلة السوداء" في عام 1938 وتأسست "منظمة الزنوج الأحرار" في عام 1967 وتأسست "الجبهة المتحدة لتحرير السودان الأفريقى" عام 1969 و التى أخرجت من رحمها منظمة "كومولو" عام 1972 والتى أخرجت قيادات الحركة الشعبية من جبال النوبة (راجع كتاب السودان حروب الموارد والهوية ص 224 راجع هاشية 52). أن من الملاحظ والغريب أن هذه المنظمات ليست إنفصالية بل إنها عنصرية، لن نسمع عنها تقاتل من أجل إنفصال جنوب كردفان بل هدفها طرد القبائل العربية.

    3. التظاهرة العنصرية في كادقلى الثانوية تلو

    الحدث الثانى الذى أشيرعلية دلالة على الوجود العنصري لطرد القبائل العربية ما حدث في مدرسة كادقلي الثانوية "تلو" حوالي يناير 1981 ولم يحدث مثله في جميع بقاء السودان. كان الأستاذ يوسف كوه مكى قائد التمرد في منطقة جبال النوبة ( تذكر أن قيادات الحركة من رحم منظمة كومولو السرية) أستاذاً للأدب الأنجليزى بالمدرسة وقد كان يقهم الطلاب في أحاديث وحوار سياسى مفاده تخلف الأقليم وأهماله، وذلك لابأس به، بل، حقيقة. لكن الوجه الأخر كان يكمن في قصائد يوسف كوه التى تنادى بالأفريقية "أفريقيتى مكتوبه في جبينى .." وغيرها وأدعاءاته بالتجنى عليها من قبل المتسلطين، مما جعل المدرسة تتمايز عرب ضد أفارقة (نوبة وجنوبين). أستمر هذا التمايز حتى خروج يوسف كوه من المدرسة، وأصبح ذلك التمايز إرث متداول من بعده، لتندلع مظاهرة لايعرف لها سبب البتة من قبل أبناء النوبة بقيادة أبناء الدلنج وتطالب أبناء القبائل العربية بأخلاء المدرسة في خلال 24 ساعة وضرب ورمى الأساتذة من بقاع السودان الأخري بالحجارة كالمدير ونائبة وأستاذ التربية الأسلامية وأستاذ العلوم وغيرهما ومطالبتهما بأخلاء المدرسة فوراً. تجمع أبناء النوبة في أحد الداخليات وتجمع أبناء القبائل العربية في أخري يحمل الجانين العصى، السكاكين، المطاوى والحجارة وأستمرت المواجهة حتى الصباح دون أن تحضر الشرطة أو تتدخل إدارة التعليم الثانوى في المنطقة وكان الموقف ينذر بأنفجار عنيف في أي لحظة طوال الليل. أغلقت المدرسة في الصباح بعد حضور إدارة التعليم المحروسة بعربات قوات الأحتياطى المركزى ومحاربة الشغب ولم يعد الطلاب إلا قرب موعد إمتحانات السودان وكانت تلك شرارة الحرب الأهلية في جنوب كردفان. لقد قادت "تلو" الثانوية مظاهرات عدة وكانت سن الرمح في الحركة الطلابية في المنطقة ضد حكومة مايو وأستشهد في تلك المظاهرات شباب عزيز على جنوب كردفان، لكن منذ تلك التظاهرة العنصرية، إنشقت الحركة الطلابية فيما بينها وبدأت تنظر بعين الريبة لحركة الطرف الأخر. تلك الظاهرة العنصرية لم تأت من فراغ بل كانت منظمة من قبل الجماعات العنصرية السرية، على وزن ضربة مدريد التى قالت عنها الأستخبارت العالمية إنها من طراز القاعدة، فأن تلك التظاهرة من عمل المنظمات السرية التى لا تكشف عن وجهها. أستمرت الأحداث العنصرية تنتشر بصور أخري في الحياة اليومية حتى ظهور التمرد.

    4. منظمات أبناء النوبة الساسية مقصورة فقط على طليعة أبناء النوبة

    أولاً أريد أن أثبت أن المنظمات الساسية لأبناء النوبة هي محاولة جادة لفهم خصوصية جنوب كردفان السياسية والجيوساسية وتعقيداتها. ولا أريد القارئ أن يفهم أو يؤول خطاً أننى أريد أتهامها بأثارة فتنة التمرد، أو العنصرية أو غيرها من الصفات السالبة، بل أوكد أنها حققت أنجازاً في رصد التجاوزات في المنظقة وبالذات تلك التى وقعت بين قبائل النوبة. ما أريد أن أرمى علية هو قصور شمولية رؤية هذه المنظمات لجنوب كردفان كوطن متعدد الأعراق والثقافات وإختزالها له في الهوية النوباوية وثقافتها، مما حتم على الثقافات والأعراق العربية والأعراق الأخري (أبناء الفلاته) البحث عن بديل لأداء دورهما وأرضاء ضموحاتهما وتطلعاتهما. أدى ذلك القصور إلى إنشطارالرؤية الأستراتيجية المستقبلية لجنوب كردفان على قمة الهرم السياسي الطليعى، مما يعنى أختلاف التطلعات، أختلاف الوعى والأدراك، أختلاف الأولويات وغيرها مما أدى بدوره إلي حتمية صراع سياسى ينبنى على الهوية، الجنس أو العرق (سوف أشرح ذلك اكثر). بما أن غالبية سكان المنطقة من قبائل النوبة وأن منظمات النوبة السياسية تعمل فقط بين وفي محيط قبائل النوبة، فأن التمثيل السياسي للأقليم في حقيقته تمثيل لرؤية أحادية، ثقافة أحادية وهوية أحادية تتمحورحول الشخصية والهوية النوباوية. علماً بأن النوبة أقلية (وهنا يأتى التناقض) في نطاق القطرعامة، فأن مطالب أبناء النوبة تظل على قارعة المعترك السياسي في البرلمانات السودانية، مما يؤدى إلي إحباطات متكررة وشعور باليأس وخيبة الأمل أمام الجمهور الموعود والمترقب. نتائج تلك الأحباطات هي مزيد من القوقاعية (اللجوء إلي المنظمات السرية) أو التطرف السياسى (التمرد) ومحاولة التغلب على الواقع الأنغلاقى بتحطيم الحواجز بالعنف. تلك حالة المهبطين من أمثال يوسف كوه مكى. السؤال بأسم من خرج يوسف كوه وأمثاله إلي التمرد؟ وضد من يثأر يوسف كوه؟ الأجابة على هذه الأسئلة تجعلنا أمام خيارات محددة أولها خروج التمرد في جنوب كردفان لصالح أبناء النوبة بشقيهم السياسي والريفى وضد الكتلة العربية أو المستعربة بكل مسمياتها مما يلقى بظلاله على دور المنظمات السياسية لأبناء النوبة التى تنفخ في بوق الحرب الأهلية نيجة لأنسداد رؤيتها القومية لجنوب كردفان. ولعل القارئ يريد منى مثالاً فقد فاز الحزب القومى بالدوائر الأنتخابية في جنوب كردفان ولم أعرف أو أسمع ضمن تشكيلتة أيّ من القبائل العربية ولم أسمع عن أحد في لجنته التنفيذية أو لجانه الفرعية من القبائل العربية في المنطقة فهو يمثل النوبة ويتحدث بأسمهم ويقوم برصد تجاوزات الحرب الأهلية في مناطقهم. هناك مثالاً أخر، روابط أبناء جبال النوبة التي أقامت مؤتمرها في قاعة الشعب عام 1989 وخاطبة نائب الرئيس الزبير محمد صالح، لم يكن فيه أحداً من القبائل العربية، وقد كنت حينها طالباً بجامعة الخرطوم حاولت حضور حتي ولو الجلسة الختامية كضيف شرف وسط أبناء منطقتى فتم منعى وحضر معى أحد الزملاء في الجامعة من أبناء جنوب كردفان من قبائل النوبة فسمح له وتم أرجاعى من قبل اللجنة المنظمة (بالمثل السودانى: هناك خيار وفقوس) وبدأت أكرر تردادي لأري اللجنة المنظمة وجهى أستفزازاً للعنصرية بالبغضية. ربما يسئل السائل أن الديمقراطية تعنى رأى الأغلبية، وإن أبناء النوبة إغلبية في المنطقة، وأنهم قادرين على بناء أحزاب ومنظمات بأسمهم وقادرين على حسم الصراع لصالحهم، هل في ذلك خطأ؟ هذا بالضبط ما أشرت علية في قصور شمولية رؤية منظمات أبناء النوبة للمنطقة ما أدي إلي حتمية صراع الهوية، العرق والجنس وعواقبه التى أدت إلي المنظمات السرية أو التمرد. ومن أميز نقاط صراع الهوية ما طالب به مؤتمر عام 1989 بتحويل إسم جنوب كردفان إلي جبال النوبة والمطالبة بأن يتم الأعتراف به رسمياً، فقد رفضه نائب الرئيس اللواء الزبير محمد صالح حينها، ومن قبله رفضته حكومة نميرى والأن في السلام الذى تم التوصل إليه في نيفاشا يعتبر أسم جنوب كردفان حجر العثرة بالنسبة للمفاوضات، مما يعنى أن هناك صراع محموم من أجل نظرات ضيقة لا تقدم ولا تأخر. أن مثل هذه المنظمات هى التى ساعدت في تفريخ التطرف السياسي فى الأقليم وتخرج في كنفها قادة التمرد في المنطقة أمثال يوسف كوه مكى ودانيال كودي و أسماعيل خميس جلاب، تلك القيادات التى تحرق قرى القبائل العربية بمافيها من نساء وأطفال وشيوخ من أبناء جنوب كردفان أماً، أباً، لحماً، عظماً ودماً؛ لماذا لاتحرق معسكرات الجيش، وحامياته، والشرطة والاحتياطى المركزي بدلاً عنهم، ليصير الفرق بين الحرب الأهلية في السودان التى لها مطالب سياسية والحرب الأهلية في جنوب كردفان التى لها مطالب عنصرية، واضحاً كوضوح الشمس لا ينكره إلا مغال. مثال أخر تشويه تأريخ القبائل العربية من قبل مؤرخى أبناء النوبة والمنظمات المأجورة التى تعمل في المنطقة (وسوف أتطرق لتشوية تأريخ القبائل العربية لاحقا). ومن حقائق هذا الواقع العنصرى إدخال اللغة الأنجليزية كلغة تدريس في المدارس في المواقع التى أحتلتها الحركة الشعبية بدل اللغة العربية، راجع مقالات الصحفى القدير كمال الجزولى في صفحات سودانايل في الانترنت. قف معى قليلاً نتدارس تحويل لغة الدراسة إلي الأنجليزية!!! ثم ماذا عن الدين؟ ماذا عن اللغة الرسمية؟ ماذا عن لغة التخاطب بين الأقليم والمركز؟ وغيرها من أدلة تشير في مجملها في أتجاه واحد هو تصفية الوجودي العربى في المنقطقة وهذا هو عين نقاط الضعف في الوعى السياسى لابناء النوبة، أى إفتعال عدو أسمه الوجود العربى، مما يعنى شعور دائم للبحث للتخلص من ذلك الوجود السرطانى، ثم تطوير الأقليم بعد ذلك، وهذا عين الخطأ. الوجود العربى واقع تأريخى وليس هبة من جماعة إثنية أو جهة أعتباطية، وقد فرض ذلك الوجود نفسه سياسياً، أقتصادياً وثقافياً، ومحاولة أجتثاثة هى محاولة لهدم مقومات الأقليم وتدهوره كما رأينا في الحرب الأهلية الآنية التى إنتهت سجال. فرض ذلك الواقع حتمية البحث عن مخرج عقلانى وعدم إعادة الأمور مرة أخرى إلي نفس المربع الشرير وهذه هو المحك الذى ينتظر المثقف الجنوب كردفانى (لاحظ إنى لم أستعمل كلمة المثقف النوباوي من كلمة جبال النوبة والفرق بين).

    5. حروب تصفية القبائل العربية

    5.1 بداية الحرب

    في بداية عام 1983 م بد الناس فى جنوب كردفان يستمعون إلي إذاعة الخوارج وفي فترة بث مابعد الظهيرة. كان البرنامج منفراً، طارداً في ذلك الوقت حيث يتحكم فيه أبناء الجنوب – أصحاب التمرد- وفي جميع برامج البث الأذاعي. يعتبر برنامج "مع القائد" أبغض البرامج لمناداته بالشوعية وإذاعته باللهجات المحلية في جنوب السودان، بالذات الأناشيد الحماسية حيث تسمع صوت الأليات الثقلية والبنادق الخفيفة تملأ خلفية البرنامج. كان إدخال صوت المرأة في الأذاعة بواسطة برنامج المرأة المقاتلة كان نقطة جذب هائلة في تفعيل الحرب في المنطقة. جنوب كردفان كانت في حالة تأهب وفي بعض الأحيان حالة أستنفار. مع كل التناقضات في البرامج، لعب البث الأذاعى أثراً فعالاً في إرتجاج الأمور وظهور حالة اللاسلم وتعميق الفجوة بين القبائل العربية وقبائل النوبة، على مستوى القومتين الرئيسيتين. لم يكن صوت أبناء النوبة مسموعاً، ولم يكن لهم أجندة تزاع. كان الصوت صوت الجنوب ولكن لهجة الخطاب السياسى الجنوبى قد أصاب موطن الداع في تفكير النوبة. مشكلة التنمية، الهوية، أقتسام الثروة هي عين المشكلات التى يطالب بها ويعانى منها أبناء النوبة وأبناء جنوب كردفان عامة. بدأت الأسلحة تظهر، ثم ما لبث أن أصبح السلاح في متناول الجميع. كانت أسعار السلاح خرافية في بادئ الأمر، حيث ظهر تجار السلاح والذخائرمن كل حدب.

    5.2 الحكومات المتعاقبة وبحر الدم النازف في جنوب كردفان

    بنهاية أحد الرئيس جعفر نميري، كانت جنوب كردفان علي شفا جرف الحرب لكن مازال الموقف متماسك بعض الشئ ولم تتزعزع القبائل، بل مازال هناك نوع من الطمأنينة وتقديرمحسوس لدور الجيش في إدارة الحرب. في عهد الحكومة الأنتقالية فقدت الطمأنينة وبدأ المواطن يشعر بفقدان الأمن، وكانت المنطقة على مقربة من الأنهيار الأمنى دون أن تكون هناك إغتيالات للمواطنين. وفي عهد رئيس الوزراء السيد الصادق المهدي إنهار الموقف الأمنى في أقصى جنوب كردفان، سقطت مناطق القردود التى قتل فيها المواطنون من القبائل العربية، ذبح فيها أعمة المساجد كالشياة وفي وضح النهار، أغتصبت النساء، ونهبت أعداد هائلة من ماشية القبائل العربية، تلت مجاز القرود مجاز أخري في الأزرق، الأحيمر وكثير من قرى مدينة تلودي. إثر تلك المجاز البعشة قامت حكومة رئس الوزراء السيد الصادق المهدي بتسليح قبائل المسيرية الزرق والحمر وبدأت التدريبات الميدانية لفرق الدفاع الشعبي والمراحيل في مناطق المسيرية، أثر توجيه حاكم أقليم كردفان حينذاك، السيد عبدالرسول النور، صاحب الفكرة، وبتنفيذ القائد فضل الله برمة ناصر، ينتمى عبدالرسول النور وفضل الله برمة إلي أبناء المسيرية الذين ظلوا في حروب قبلية مع الجنوبين على حيازة المرعى منذ تأريخ الأستقلال. كانت فكرة الدفاع الشعبي وسيلة لاستقلال التناقضات القبلية لتقوية نفوذ الحكومة ضد متمردي الجنوب والنوبة –أيّ أستقلال الصراع القبلي لصالح الفكرة السياسية، مما يعنى إشعال مذيد من الصراع القبلى في المنطقة. وكانت كل المجاز التى وقعت في تلك الفترة تحت قيادة القائد الجنوبي د. ريك مشارالذي يقود كتيبة "حديد" التى أرتكبت أبشع وأفظع المجاز في قبائل المسيرية والحمر، ودخلت تلك الكتيبة عبر مناطق بانتو بغرض زعزعة المنطقة وتهيئة المجال لتجنيد أبناء النوبة. وقد أعلنت الحركة عبر إذاعتها أن المنطقة تمثل مسرح العمليات الثانى للحركة بعد الجنوب. حدث إستقطاب هائل لأبناء الجبال الذين صاروا يختفون من قراهم في جماعات. إزداد الموقف الأمنى سوءاً بصورة درماتيكية لدرجة أصبحت القبائل تنفر من بعضها البعض (رُهاب الأجانب : زينوفوبيا).
    في النصف الثانى من الثمانينات دخل فصيل الحركة الشعبية جناح أبناء النوبة إلي منطقة جنوب كردفان، حيث بدأ في تجنيد أبناء النوبة بصورة مكثفة، الذين أصبحوا يقومون ببعض الأعمال التخريبية هنا وهناك ولكنها في نطاق محدود. في عام 1987 دخل القائد يوسف كوه دائرة جنوب كردفان علي رأس عدد من الكتائب منها كتيبة البركان وزعلان التى مارست أسوء أنواع الطهير العرقي للقبائل الحوازمة في منطقة أم دورين، الحمرة، البرام، كركراية البيرة، أم سردبة،أبو سفيفة، البخس وغيرها، حيث أصبحت الحرب واضحة، غرضها تصفية القبائل العربية في المنطقة. أستهدف التمرد شريحة تجمعات الرعاة، المثقفين والتجار، حيث كانوا يقتلون الضحية ثم يقطعون الأذن، الأيدي، الأرجل والأعضاء التناسلية ويضعونها علي فم الضحية، ويتركونه يسبح في بركة دم مروعة. وفي أحيان أخري وفي حالة وجود قري عربية ليس فيها قبائل النوبة يقومون بأبادة القرية عن بكرة أبيها وتسويتها مع الأرض ونهب المواشى وحرق المزارع وتدمير وتخريب موارد المياه وأحياناً صب السم فيها ليموت كل شارب من مياها.
    في بداية عهد الرئيس عمر البشير إنهار الموقف الأمنى تماماً وأصبحت جنوب كردفان، بأكملها، مسرحاً للعمليات العسكرية المكثفة وأعلنت حالة الطوارئ، كما إصبح الدفاع الشعبي هو الأهم في ترجيح كفة الصراع. إمتلاك السلاح قانوني حتى ولو عن طريق النهب. تمايزت الصفوف تماماً. أخليت جنوب كردفان طوعاً أو كرهاً من كل أبناء الأقاليم الأخرى ماعدا القبائل العربية المستوطنة فيها مع قبائل النوبة. وفي هذه الفترة أبتليت كل القرى العربية في جميع أماكن جنوب كردفان، وكانت أشرس المعارك التى تدوررحاها في أماكن تجمعات الرعاة، حيث قام المتمردون بنهب أعداد هائلة من الثروة الحيوانية. كان دور الجيش ينحصر في ملاحقة الخوارج بعد أن تنتهى المجزرة.
    وقد أستهدفت الحركة القرى العربية وتجمعات الرعاة عبر ثلاثة محاور أساسية (راجع كتاب د. محمد سليمان محمد: السودان حروب الموارد والهوية)، المحور الأول هو المحور الأسوط بقيادة منطقة جبال المورو وتقوده كتيبتا البركان وزعلان، وهذان الكتيبتان قامتا بتصفية أبناء الحوازمة من قبائل الرواوقة والجميعية. المحور الثانى هو المحور الغربى بقيادة منطقة جبال تلشى تحت قيادة زعيم الحركة يوسف كوة مكى وقام بتصفة أبناء المسيرية وجزء من أبناء الحوازمة في خط كادقلي الدلنج . المحور الثالث وهو المحور الشرقي تحت قيادة دانيال كودي في منطقة الجبال الشرقية وقام بتصفية أبناء الحوازمة من قبائل الحلفا في منطقة هيبان، البيضا، وغيرها من التصفيات في الجز الشرقى والمجاز التى وقعت في المنطقة الوسطى كمجزرة قرية البخس.
    وكانت مجاز المحور الأوسط والمحور الشرقي هى من أبشع المجاز لعدم تسليح هذه القبائل وتدريبها عندما تم تسليح أبناء المنطقة الغربية وتدريبهم، أستقل التمرد ضعف تسليح هذه القبائل ليقوم بأبادتها وإخلاءها من المنطقة. لكن وحشية التمرد كان لها رداً عكسيا، فقدت أمتلكت هذه القبائل السلاح من فلول التمرد الهاربة في بعض المواقع فاصبحوا قوة شرسة. تم تهجير النساء والأطفال من كل قرى هذه المناطق وظل الرجال كقوات مرابطة في مناطقهم. ثم مالبث أن جذبهم الجبيش وقام بمدهم بالسلاح والزخائر والمؤون العسكرية، وبدأ الجيش أكثر شراسة في ضرب ومطاردة المتمردين. كان دخول متمرد أحد القرى ذريعة لضرب تلك القرية. ثم بنيت قرى السلام للعائدين والفارين من ميادين القتال. كان دخول الرعاة والبقارة كقوة مسلحة ساحة القتال هى التى قلبت موازين القتال وهذمت المتمردين هذائم موجعة مما جعل للنظام والجيش اليدي العليا في ذمام الأمور وقيادة مبادرات جادة للسلام في المنطقة.
    لم يكن الحال ليستمر بهذا السوء، بدأت الجبهة الأسلامية في التفكير الجاد في إيجاد صلح بين العرب والنوبة. أبتدأت فكرة السلام من الداخل لعزل النوبة عن المتمردين لقطع إمدادهم ومأواهم، ثم تطورت الفكرة إلي مايسمى بفكرة التآخي وحلف الكتاب بين القبائل. إن العرب والنوبة في جنوب كردفان أهل عهد. إلتزم الجانبين إلتزاماً جاداً بالكتاب وفتحوا قنوات الأتصال بينهم. بدأ التجار يذهبون إلي حيث توجد أسواق النوبة والمتمردين. الأسعار مرتفعة جداً والسلع نادرة. بدأ المتمردون يستثمرون ذلك المناخ العكر مرة أخري، حيث بدأوا في كتابة صلح مع بعض القبائل العربية ومن وراءها يتسللون لكشف عورات الحكومة وضرب مراكزها، مما هدى بالحكومة للنكوص لفكرة السلام من الداخل وبدأ الجيش في تقتيل أبناء القبائل العربية نفسها (والتى كانت سبب نصره ضد التمرد وهذا ما لا تعرفه القبائل الأخري) الذين يتاجرون في مناطق التمرد، ليعود الحال سوءاً كما بدأ (اي إعاد الحال للمربع الأول). كانت لشراسة القبائل العربية والهذائم التى لحقت بفلول الخوارج والقبائل التى وقفت معهم، أوقفت الحركة مهاجمة تجمعات الرعاة وقراهم من طرف واحد، مما عدتة قوات الرعاة نصراً لها في حروب بقائها ضد متمردى الحركة الشعبية في المنطقة.

    2. مجزرة قرية البخس

    وقعت المجزرة في نوفمبر 1989. تقع قرية البخس، شمال شرق كادقلى على بعد حوالى 48 ميلاً على الطريق الموسمى الذى يؤدى إلي الخرطوم، وعلي المنعطف الشرقى للوادي الأزيرق، الذي ينبع من الجزء الجنوبى لجبال كادقلي وينحدر متعرجعاً جوار منطقة الرصيرص وجبل اللقورى ومنطقة التاش ثم يمر بالجزء الغربى لمنطقة أبوسفيفة ثم قرية كركراية الجميعية ثم قرية البخس. سكان المنطقة من قبائل الحوازمة فرع قبيلة الجميعية وهم جميعاً من عشيرة واحدة، تتكون القرية من حوالى 40-60 أسرة. في الجانب الغربى للوادى يقطن فريق ذويهم من العرب الرحل مكون من خمسة منازل وبه ما لا يقل عن 500 رأس من الأبقار. حاصر المتمردون فريق البهائم في الساعة الرابعة صباحاً وقاموا بقتل كل من وقع تحت أيديهم حتى الأطفال والنساء. قتلت حواء أم قرينات وهى في الخمسينات من عمرها، قتلت بنتها العروس، وقتل أبنها الشاب مختار في الثامنة عشر من العمر، قتل أبن بنتها أمونة وهو طفل أبن سنة أو أقل، وقتل نسيبها زوج أمونة، قتل أبن ولدها وهو أبن أربعة أو خمسة شهور. وكل هؤلاء يقتلون بوشحية مبالغة، كرمى الأطفال في النار المستعرة، أو الزبح كما في حالة مختار، أو بأطلاق شحنات نارية كما في حالة العجوزحواء حتى تتطاير أشلاءاً. أمونة التى نجت، مأساتها تعادل مأساة أمة بحالها، فقد أطلقوا عليها وابل من الرصاص أصابها في فخزها وحوضها، تهشم عظم فخزها (المفصل ما بين الحوض والفخز) تعفن جرحها ولم يبرأ أبداً، وقد زرتها في مستشفي السلاح الطبى أم درمان قسم النساء بعد سبعة سنوات من المجزرة ومازالت أمونة تعانى جراحها المتعفة. وياليتهم توقفوا بعد أبادة الفريق ونهب كل الماشية، بل، الأن جاء دور القرية، والتى لا تمتلك لا ماشية لا أموال ولا سلاح، لأى سبب أبيدوا هذا ما يجعلنا نتساءل حتى اليوم.
    في الطريق إلي القرية في الجانب الشرقي للوادي يوجد حفير الماء، شرب المتمردون من هذا الحفير (ياليته صار سماً)، وخلف الحفير في مساحة بين الحفير والقرية خندق ستة من رجال القرية يمتلكون فقط أسلحة الصيد، تم أبادتهم الستة بطريقة يندى لها الجبين، لا نريد ذكرها، وحشية فوق التصور. بدأوا بأشعال النيران في القرية وقتل الأطفال والنساء والعجزة دون أستثناء، قتل في المجزرة 24 فرد منهم 14 طفل قاصر. وتم دفنهم من قبل الأهل في مقبرة تقع جنوب القرية وفي كل قبر تقبع جثتان. زرت المجزرة بعد أسبوعين فقط من تأريخها وقفت طويلاً عند أى قبر وكان لسان حالى أسألهم ماذا أغترفتم من ذنب وأنتم لا تعرفون من هذه الدنيا إلا محيط قريتكم. لا حول ولا قوة إلا باللة.
    وفي حوالى الساعة السادسة صباحاً، أى بعد ساعتين ومازالت الملحة مشتعلة، حضر خمسة مسلحين من فريق العرب الرحل من ناحية قرية كركراية، وخندقوا في نفس موقع القتلى الستة، وأطلقوا النار في الفضاء وبدأ قائدهم يصرخ ويوزع التعليمات وكأنهم مجموعة كبيرة. خاف المتمردون وأنعطفوا عائدين نحو الوادى، وجد الرجال الخمسة فرصتهم، حيث أصابوا المتمردين أصابة بليغة، كانت جثثهم متناثرة من محيط القرية حتى دخلوا الوادى. أعاد الخوارج ترتيب صفوفهم وبسرعة مزهلة، وجروا خلف الرجال الخمسة ليأتوهم من خلفهم بنفس الطريق الذى جاءوا به سابقاً، ولكن برحمة من اللة قد حضرت قرية كركراية عن بكرة أبيها، رجالاً ونساءا، حوالى 300 فرد. لا يحملون إلا العصى والحراب ومعهم رجل واحد فقط يحمل سلاح في مقدمتهم. أصتطدم الخوارج بهذا الحشد الغفير فأخذتهم حالة رعب وهلع، وفروا هاربين كل منهم يبغى النجاة لنفسه، لاحقهم أهل القرية والفرسان الخمسة مسيرة أقلها خمسة أميال. خلف المتمردون ورائهم عدد هائل من القتلى.
    ومن غرابة الأحداث لم تحضر الحكومة إلا بعد أسبوع. وكانت هناك فصيلة من الجيش تسمع صوت النيران والمجزرة لم تحضر. ولم يعد الخوارج البته لأخذ جثث قتلاهم، بل هربوا إلي الأبد. وقد زرت مكان المجزرة في الأسبوع الثانى ووجدت القرية بنيت كما كانت من قبل، وتحدثت إلي كل من شهد المجزرة، وعن جثث الخوارج أين ألقى بها وكيف، وهل لهم معلومات عن هوية الخوارج، فكانت معلومات لا تفيد كثيراً.

    7. مجزرة قرية أبوسفيفة

    قرية أبوسفيفة تقع على بعد 40 ميلا شمال شرق كادقلى، وفي نفس الطريق الموسمى بين الخرطوم وكادقلى والتى تقع عليه قرية البخس المجزرة السابقة، وقرية كركراية مركز تجمع القرى (كركراية تقع بين البخس وأبوسفيفة، وعلى مقربة من البخس). وقعت المجزرة في حوالى 16 يناير 1990 . وكان كاتب هذا المقال على مسافة 15 دقيقة فقط سيراً على الأقدام من مكان المجزرة. بدأت المجزرة مبكراً حوالى الساعة الثالثة إلا ربع صباحاً. أستعملت فيها مدافع دكتريوف، أربجى، قازفات يدوية وهاونات من طراز كلينكيت والأسلحة الخفيفة والقرنيت. كانت مناظر الحريق، الصراخ البشرى للمتضرريين، والصراخ الهياجى للمتمردين، منظر لا يوصف. كانت مناظرالناجين من النساء والأطفال من المجزرة لا أستطيع وصفها، بعضهم محروقى البشرة، أخرون عرايا يرتجفون من برد قارس، وأخرون وأخرون. هل نحن في مأمن؟ طبعاً لا. ولكننا في الظلام، نسعف كل ما أستطعنا أسعافه، نجلسهم على الأرض، نحضرلهم الغطاء والماء ونريهم خطتنا لأجلاء المنطقة في حالة هجوم على الفريق الذى نحن فيه. وفي حوالى الساعة الرابعة والنصف أستطعنا دخول الجزء الشرقى من القرية وفي أول فريق وجدنا أربعة رجال من أسرة واحدة قتلى، بينما الخامس يحتضر(يسألنا عن الماء، لا تتركونى نموت عطشان .. لا تتركونى نموت عطشان) وكانوا كلهم من حجاج بيت اللة الحرام، لا يعرفون في السياسة ولا في أى شئ غير معيشتهم، وفي وسط القرية ما زال جنود الأحتياطى المركزى يختبأون في ملاجئهم (15 عسكرى مسلحون) وجثث المواطنين الذين يحرسونهم تتناثر في جنبات القرية. في منزل واحد أحرق أربعة أطفال أكبرهم في سن الثانية عشر، أخرجوا جثثهم التى حرقت تماماً وما فضل منها إلا مكان الأحشاء. إنها مناظر بشعة لا توصف. وفي جوار شجرة هجليج كبيرة وجدنا شخص أعرفه مقتولاً، وأنا أعرف كل القتلى بل كل الأسر في القرية، ولكن هذا الشخص كأنه ناعم، جلبابه الأبيض ينفضه ريح الصباح بلطف، أنحرفت من المجموعة مسرعاً نحوه وجدته مقتولا، تركتة. وفي جوار الرجال الأربعة الميتين، هناك أحد الخوارج ميت مازال النساء يضربنّ في جثته بالعصى والحجارة، وقفت عنده، شاب في حوالى الثالثة والعشرون وله خطوط في جبينه (ليس نقط بل خطوط) لا أعرف هل هو دينكاوى أم نويراوى. وهناك خارج أخر وجد مقتولا في مسافة بعيدة توفي متأثراً بجراحه.
    في منتصف اليوم أحصينا 16 قتيل وعدد هائل من الجرحى كلهم أصيبوا بالضرب العشوائى دون تمييز، حوالى ألف وخمسة رأس من البقر وعدد من الجمال والغنم تم نهبها، وأحرق كل المحصول تماماً ونهبت المتاجر. خراب تام في كل وجوه الحياة. وقد ساعد الظلام في تقليل القتلى، لو كانت المعركة نهاراً لكان هناك مئات القتلتى.

    8. مجازر أخري

    هناك مجاز على أمتداد جنوب كردفان وفي كل قرى القبائل العربية، وبنفس النمط الذى ذكرته، وهناك الكمائن التى راح ضحيتها مئات ومئات الضحايا الأبراياء، وكل هذه المجاز التى يقوم بها التمرد تستهدف فقط القبائل العربية. حادث إغتيال الشهيد موسى حسين، حادث إغتيال أدم المأمون الشفيع (تاجر إجمالى بمدينة كادقلى)، وأغتيال الشهيد أبوبكر المدير النور ومن معه في كمائن طريق كادقلى-أبو سفيفة من أكثر الحوادث المروعة في بشاعتها. أختطاف الأساتذه وأولهم الأستاذ محمد على في منطقة أم حيطان، تؤكد إستهداف الطبقة المثقفة.

    9. يحيي البليل يفلت عندما قال أنا نوباوى

    يحيى البليل أسود اللون، نحيل وطويل القامة بائن الركبين. قصة يحيى قصة مضحكة مبكية تؤكد ما وصلت إليه الحرب الأهلية من سوء. كنا عائدين بالبهائم شمالاً في عام 1990 في غير موسم الأمطار في شهر فبراير بعدما إنقطعت المياة الراكدة، أضررنا إلي تغيير مرحالنا وجاءت بنا الظروف بمرحال يمر عبر منطقة الكرقل، تقع على الطريق بين كادقلى الدلنج وعلى مقربة من مدينة الدلنج. نزلنا شمال تلك القرية وكنا نرقب أي تحرك ليلى في إتجاه المعسكر. وفي الصباح أصبحنا راحلين نقصد منطقة التكمة (أو التهمة) منطقة بها أبار للمياة، ضاعت عنا غنم يحيي البليل، على الفور ذهب يحيي إلي القرية دون أخذ الأذن أو أخبار أحداً، أحتجز أهل القرية يحيي البليل (وهم من قبيلة الغلفان). جاء إحد الشباب يعلن أن يحيي أختفي بعد أن ذهب يبحث عن الماعز في القرية. على الفور كونا فرقة لأستطلاع الخبر وكانت مسلحة وأمرناهم أن لا يدخلوا في نقاش، فقط نريدوا أستطلاع الأمر. وجدت الفرقة يحيي عائداً من القرية ومعه الغنم فأطلقوا شحنات في الجو أبتهاجاً به، ظننا قد حصل مكروه ولحقنا بهم ووجدناهم عائدين. يحكى يحيي قصة إعتقالة أنهم أحاطوا به من كل جانب، وأنهالوا عليه بالأسئلة
    الغلفان: اليوم تموت يا عربى؟ منهم من يستل سكيناً ومنهم أصحاب الحراب والفؤوس والسلاح النارى.
    يحيي: من قال لكم أنى عربى؟
    الغلفان: إذن أرطن؟
    يحيي: يحملق برطانة الهدرا، كلمات بسيطة يعرفها.
    الغلفان: أي رطانة هذه.
    يحيي: رطانة الهدرا.
    الغلفان: وما الذى جعلك تقعد مع العرب؟
    يحيي: لدي أبقار معهم وقد كنت راعياً لهم قبل الحرب.
    الغلفان: ولماذا لا تأخذ بقرك وتذهب؟
    يحيي: سوف يقتالونى.
    الغلفان: كيف تضمن سلامتك؟
    يحيي: لا أطمن سلامتى ولكن أطمن بقرى إذا لم أمت.
    الغلفان: إذهب رافقتك السلامة وإحتاط من غدر العرب.
    يحيي: شكراً. ثم يذهب.
    كنا نضحك من ذلك ونسخر من الأخ محمد أدريس وهو فاتح لون البشرة "لو كان دا محمد كان الغلفان سوه شرموط للملاح قبل أن نصلوا الموقع". إغتيل عشرات من أبناء القبائل العربية بسبب لون بشرتهم وأخرون نجوا كأمثال يحيي أيضاً بسبب لون بشرتهم وهذا ما وصل إليه حال جنوب كردفان. مع يقينا بما وصل إليه الحال من سؤء، نعرف أيضاً تراث القبائل التى تستوطن جنوب كردفان الذى ينطوى على قدر عظيم من التسامح يمكن أن يلعب دوراً هاماً في أستباب أمن المنطقة وإذا أستمر الأمر دون علاج على مستوى الريف فإن ذلك سوف يؤدي إلي ما يشبه حروب التماس بين القبائل العربية والجنوبية.

    10. وقف القتال من جانب الحركة

    كان التغيير الأهم والمفاجئ في مجرى الأحداث ما جاء من جانب الحركة التى أوقفت الأقتتال ومهاجمة القرى العربية وأبادتها دون إعلان. فقد فسر الحدث بعدة وجهوه كان منها:
    1. أن الحركة خسرت في مواجهتها مع القبائل العربية ولايمكنها إحراز تقدم أو نصر إلا إذا تم تحييد القبائل العربية بعدما ثبت جلياً أنه لا يمكن تحييدها عن طريق الحرب مما عدته القبائل العربية أنتصاراً لها في حروب بقائها.
    2. الدمار الشامل الذي لحق بالنوبة، ربما كان السبب في إعادة النظر في الحرب برمتها في جنوب كردفان، التى جلبت الدمارلأكبر قومية في المنطقة قبل غيرهم.
    3. دخول المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الأنسان التى مارست ضغطاً قوياً على الحركة لتحسين سجلها الأسود في مجال حقوق الأنسان.
    4. بروز التجمع الوطنى كأداة ضغط سياسية، كان له أثر قوى في لجم القتال ضد المواطن الأعزل مما ألزم أطراف النزاع بما فيهم الحركة بجنوب كردفان أن توقف الأعتداء علي القبائل العربية.
    5. خروج السيد الصادق المهدي من السودان إلي المعارضة، عزاة الكثيرن بأنه مارس ضغطاً على الحركة للجم ضرب القري العربية وتجمعات الرعاة الذين هم في الأساس أنصار.
    تأريخياً، تعتبر مناطق القبائل العربية هى مناطق نفوذ الأنصار التقليدية. وقوف هذه القبائل مع الأنصار يعود إلي عهد الأمام المهدي، حيث نصرت هذه القبائل الثورة المهدية. كانت ذلك النصر محل فخر وإعزاز حتى اليوم. خروج السيد الصادق المهدي إلي المعارضة كان محل خلاف وسط القبائل العربية عندما عرفوا أنهم يحاربون السيد الصادق المهدي الذى أصبح في المعسكر الأخر. كانت الجبهة الأسلامية تعجج أوار تلك الفتنة لشئ في نفس يعقوب، كانت تحاول سحب البساط من تحت أقدام الأنصار وتحويل الولاء الطائفي لحزب الأمة لصالح الجبهة الأسلامية. لكن مهما كان الخلاف، فقد أجمع كثير من مثقفي القبائل العربية أن خروج الصادق المهدي تزامن مع وقف القتال ضد القبائل العربية، أى أنه بمثابة صلح الحديبية في المنطقة.
    مهما كانت أسباب الحركة لوقف القتال، فإن الحركة في عرف القبائل العربية قد وعت الدرس. أن وجود القبائل العربية في المنطقة ليس هبة من جهة أو قوة أو جماعة أعتباطية كما ذكرت سابقاً، أنما هو حق مقدس لايمكن إنتهاكة أو المساس به. وأن الدرس الأكبر والأهم هو أن جنوب كردفان وطن قومي لجميع القوميات التى تقطنه. إن سقوط شعار "تحرير جبال النوبة" الزائف قد يهئ لعهد جديد، تختفي فيه المنظمات السرية طوعاً لتمارس نشاطاتها ضمن منظمومة التنظمات الجماهيرية الأخري. ولعل الأسوأ في الحرب الأهلية في جنوب كردفان التى قضت على الأخضر واليابس، هو الثأر القبلي بين القبائل. تحتفظ القبائل بكم هائل من الضغائن التى سوف تعكر مستقبل جنوب كردفان. كما أن الدمار، الخراب، الموت، القتل، الرعب، وفقدان الأطمئنان سمة ظاهرة في جميع وجوه الحياة في جنوب كردفان، ربما تلازم الأنسان حتى حين، ذلك يعنى أن الحرب الأهلية في جنوب كردفان هي الأسوأ علي مستوى القطر وربما تحتاج إلي عمد أطول لإزالة أثارها وتوحيد وجهات نظر أبناءها وتجاوز حواجسهم النفسية، لكى تبدأ مسيرة البناء المتوقفة تماماً.

    في المقال القادم سوف أتحدث عن ضرب المقومات الأقتصادية للقبائل العربية، وتخلف مواردها، ثم أتحدث عن تشويه تأريخ القبائل العربية بواسطة مؤرخى النوبة وأخيراً أتحدث عن المستقبل السياسى للأقليم على ضوء خلفية القبائل العربية وأحاول الربط بينه وما تم التوصل إليه من سلام.

    هذا المقال مازال موجود في صفحات سودانيز أون لاين في أرشيف عام 2004

    بريمة م أدم
                  

02-21-2006, 02:02 AM

hatim
<ahatim
تاريخ التسجيل: 03-06-2003
مجموع المشاركات: 743

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحرب الأهلية في جنوب كردفان: محاولة لتصفية القبائل العربية فى الأقليم (Re: Biraima M Adam)

    الاخ بريمة أحترم كتاباتك جدا ....




    لــ فوق
                  

02-21-2006, 02:23 AM

Biraima M Adam
<aBiraima M Adam
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 27329

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحرب الأهلية في جنوب كردفان: محاولة لتصفية القبائل العربية فى الأقليم (Re: hatim)


    أخى حاتم
    لك التحية
    المثل بقول الجمرة تحرق الواطيها، نحن أهل وجع في جنوب كردفان ولكن تم إختزالنا نتيجة للألة الحربية والسياسية والأعلامية القوية للحركة والغرب والمنظمات اللاإنسانية التى لا ترى في القبائل العربية إلا شر يجب إجتثاثه، هذه المقالات هى بمثابة جرد حساب لأسباب الحرب وما تم من سلام حتى اليوم وأعرضها هنا للحوار أو الأطلاع ..
    تحياتى
    بريمة م أدم
                  

02-21-2006, 04:02 AM

A.Razek Althalib
<aA.Razek Althalib
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 11818

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحرب الأهلية في جنوب كردفان: محاولة لتصفية القبائل العربية فى الأقليم (Re: Biraima M Adam)

    بريمة:






    تسلم يا الغالي..
                  

02-21-2006, 06:25 AM

على اسماعيل
<aعلى اسماعيل
تاريخ التسجيل: 03-25-2004
مجموع المشاركات: 1802

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحرب الأهلية في جنوب كردفان: محاولة لتصفية القبائل العربية فى الأقليم (Re: A.Razek Althalib)

    للاخ العزيز بريمة ...
    تحية طيبة وبعد

    اتابع كتاباتك منذ زمن ليس بالقليل وكثيرا ما يخوننى الزمن احيانا فى اسراء الحوار وبالذات الحوارات ذات القضاياالكردفانية .. واليوم بدأت فى قراءة هذا البوست ولكنى لامر هام لم اكمل البوست ولكن حتما سيكون ملازى كل ما افتح هذا الفضاء السايبيرى وسنتداخل معاك كثيرا والى ذلك الحين استودعك الله .. خالص الود
                  

02-21-2006, 08:49 PM

Biraima M Adam
<aBiraima M Adam
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 27329

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحرب الأهلية في جنوب كردفان: محاولة لتصفية القبائل العربية فى الأقليم (Re: A.Razek Althalib)


    العزيز/ عبدالرازق
    Quote: تسلم يا الغالي

    شكراً علي المرور ..
    بريمة
                  

02-21-2006, 08:52 PM

Biraima M Adam
<aBiraima M Adam
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 27329

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحرب الأهلية في جنوب كردفان: محاولة لتصفية القبائل العربية فى الأقليم (Re: Biraima M Adam)


    العزيز الكردفانى الأصيل/ علي إسماعيل
    لك خالص التحايا
    شكراً علي متابعتك .. أعرفك أرسلت لك رسالة في الماسنجر أرجو الأطلاع عليها ..

    بريمة
                  

02-21-2006, 10:52 PM

Biraima M Adam
<aBiraima M Adam
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 27329

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحرب الأهلية في جنوب كردفان: محاولة لتصفية القبائل العربية فى الأقليم (Re: Biraima M Adam)


    هذا المقال هو مقدمة للقارئ الذى لا يعرف الكثير عن بيئة جنوب كردفان وهو بمثابة مسرح للعمليات العسكرية والمجازر البعشة التى تمت في جنوب كردفان وهو تصوير يعكس جنوب كردفان وطبيعتها قبل الحرب، ثم نرى ماذا حصل لهذه البيئة بعد الحرب ..
    جنوب كردفان: القوميات العربية عبر الزمان والمكان وتداعيات الحرب الأهلية (1)
    بريمة محمد أدم/ واشنطن
    [email protected]
    بيئة جنوب كرفان في الأساس بئة رعوية
    خلاصة:

    جنوب كردفان تمتاز بطبيعة ندر أن توجد في بقاع لسودان الأخري: الخضرة، المياة، الأمطار الغزيرة، السلاسل الجبلية، الهضاب، الوديان، السهول، المراعى الخصبة، الغابات المترامية، الأراضى الزراعية الشاسعة، الحيوانات البرية، الفلوات النائية، إنسانها الذى ينسجم ضمن بيئته بصورة متفردة، ثقافاتها المتعددة، محيطها البيئي والأيكولوجي والسكانى المتميز؛ كل ذلك يعتبر من موراد الأقليم الهامة والمهملة.
    في محاولة لإستشفاف حياة القبائل العربية الرعوية، ماضيها وحاضرها، خصوصيتها، ودور التمرد في هدم مقومات وجودها ومحاولة إجلاءها، نبدأ بتشخيص ملائمة بيئة جنوب كردفان للرعى والتى جلبت الرعاة للعيش فيها، ذلك ليس تقليلاً لملائمتها للزراعة أو السكن أوالتقليل من أهميتها الغابية أو المعدنية. كما سوف أحاول الربط بين هذه البئة الوعرة ومقوماتها الهائلة والعوامل المضادة التى سعت إلي دمارها وتهديد وجود القبائل العربية التى تعيش فيها وترتبط بها.

    1. تعدد الموارد الرعوية

    جنوب كردفان، كغيرها من بقية أنحاء السودان، تمتاز بطبيعة خلابة، مناظر ساحرة عمادها سلاسل جبلية شامخة – تمتاز بأوديتها التي تشكل شبكة أوردة وشرايين تغطي وتغزي جميع بقاء جنوب كردفان. يكسوا أودية جنوب كردفان غطاء نباتي غني بالأشجار الضخمة ذات الاغصان المتشابكة التي تكثر بها فصائل مختلفة من القرود والطيوروالزواحف. هناك السهول ذات التنوع النباتي المتفرد، الفلوات ذات الشجيرات الغنية التي تجلب الحيوانات البرية كالغزال، الأرنب، الظباع مما يعنى مراعى متنوعة وبئات نائية غير مأهولة. هذه الفلوات كانت مراتع خصبة لأعداد هائلة من الصيد: كالفيل والزراف وأبوعرف والنعام –تلك الحيوانات قد تم تهجيرها أو إبادتها بعد نزوح السكان وإستيطانهم في المنطقة. التنوع المتفرد للتربة يعتبر مصدر أخر مصادر طبيعة وموارد المنطقة. التربة الطينية الخصبة تعتبر النسيج الغالب لتربة المنطقة وعصب موارد الرعي والزراعية الآلية: كمشاريع هبيلا الزراعية وغيرها حيث توجد حوالى 6 ملايين فدان من الأراضي الزراعية (المراعى) الخصبة (د. محمد سليمان محمد: السودان حروب الموراد والهوبة). أما تربة القراديد والأراضي الرملية التي تتداخل مع الأراضي الطينية تهيئ مكاناً لتجمعات الرعاة الذين يقومون برعي الهضاب الطينية المجاورة. أن إختلاف نباتات القردود عن الهضبة الطينية مع أنهما متداخلتان، مظهر من مظاهر جودة مراعى جنوب كردفان. غالبا،ً تكون نباتات القردود عديمة الاشواك وعريضة الأوراق وغزيرة الظلال وتتخللها الحشائش القصيرة حيث تجد الرعاة يستظلون تحت أشجارها ويبنون بيوتهم من أغصانها. كما أن أراضي القردود تمتاز بسهولة السير عليها في وقت الخريف وتحتفظ بمياهها لفترات أطول بعد نهاية نزول الأمطار مما يساعد الرعاة على الحصول علي مياة الشرب. إن من عوامل جزب المنطقة للرعاة تعدد البيئات النباتية حيث تختلف النباتات على قمم الجبال، سفوهها، والأودية التى تنحدر منها ومع ما يجاورها من الأراضي الرملية والطينية، القراديدية والحجرية مما يعنى مراعى متعددة العشائر النباتة والمزاقات والجودة.
    إن الخصائص الإيكولوجية المتفردة والمتعددة جعلت من جنوب كردفان مورد رعوي هام. إن كثرة القمم الجبلية، ومنخفضاتها، منحدرات الوديان التي تحتها، والسهول الواسعة المنبسطة حولها، والغابات الدائمة الخضرة والنفضية الكثيفة المترامية على أطرافها أو تلك التى على قممها وسفوحها، مع تنوع أوراقها، ثمارها، أزهارها، فصول إخضرارها، تكون في مجملها حقائق جغرافية وأيكولوجية تدعم خصوصية جنوب كردفان الرعوية عبر القرون.

    2. تعدد الموارد المائية

    تظهر خصوصية جنوب كردفان في فترة الخريف، عندما تظهر السحب الكثيفة بتراكماتها وتشكيلاتها المختلفة ككتل جبلية مستقرة أو متحركة ببطء في جوف السماء توحى بأنتهاء فصل الجفاف وبداية موسم الهجرة إلي أراضي القوز في شمال كردفان لتفادي الطين والأوحال والباعوض والحشرات الضارة. إن كثير من الدارسين للرعى يرى أن غزارة الأمطار من العوامل الطاردة للرعى في جنوب كردفان، لكن إن كثرة الأمطار سبب مباشر لعملية التجوال وبعملية التجوال هذه تجدد البئات والنباتات حيوتها وتكمل دورة نموها وبالتالي تحاظ على صيرورتها وديمومة الرعى. تهطل أمطار جنوب كردفان غداةً، ضحاءاً، ظهراً، عصراً وليلاً أيّ في جميع الأوقات وطوال موسم الخريف. أهم أنواع تلك الأمطار هي: الضحوي الذي يهطل في الصباح ويدوام هضوله حتى منتصف اليوم؛ الليلية التي تهطل ليلاً؛ السرَّاي الذي يهطل ويداوم هطوله لفترة طويلة. وهذه الانواع تعتبر أمطار السافنا الغنية أوأمتداداً للأمطار الأستوائية. كما تهطل الأمطار التصاعدية والمعروفة في حزام السافنا بالمانسون في فترة الظهيرة حيث تتكثف السحب ثم تهطل بغزارة ولفترة قصيرة محدثة فيضانات خاطفة. إن غزارة الأمطار، كثرة الأوحال، أنغلاق طرق الموصلات، كثرة الباعوض والحشرات ماصة الدماء تجعل جنوب كردفان غير صالحة للسكن أصلاً في فترات الخريف.
    كما تمتاز جنوب كردفان بغزارة أمطارها، أيضاً، تمتاز بتعدد مواردها المائية الأرضية ومسمياتها التى تشمل الوديان، البطاح، الشقوق والخيران، الرهود والتبوب، العضاي والمشقات، الفيوض والفول، الأسراف والفاو والبحرات (كيلك واللبيض). أمثال لذلك من الخيران: خور أبو حبل الذي يعتبر من أهم الموراد المائية؛ ومن الوديان الوادي الإزيرق؛ ومن التبوب تب الصوف؛ ومن العضاي عضية الوزين؛ ومن المشقات مشقة الدروت ونبقاي؛ ومن الفيوض فيض جالود وفيض عبيد؛ ومن الفول والأسراف سرف الجاموس وسرف الضي؛ ومن الفاو فاوة دبكراي وفاوة عديره. أضف إلي ذلك الرصيد المائي وجود الخزانات المائية، الأبار الأرتوازية والحفائر التي أنشئت مع بداية الزراعة الآلية التي توجد بكل قرية على أمتداد جنوب كردفان. كل تلك الموارد المائية المتعدد جعلت الرعاة يتوزعون بأنتظام خلال كل سهول وهضاب وجبال جنوب كردفان وأستقلالهم لمراعيها أستقلالاً امثلاً دون تدمير إيكولوجية المنطقة.

    3. تعدد الموارد الغابية والنباتية

    تعتبر جنوب كردفان مصدراً هاماً من مصادر الثروة الغابية في السودان. توجد الاشجار الضخمة والمعمرة، الاشجار المتوسطة، الشجيرات الزاحفة والمتسلقة، الجزور والرازومات الأرضية، الثمار والأوراق التى تؤكل في فترات الصيف والمجاعات. من الأشجار الضخمة والمعمرة يوجد شجر التبلدي، الأرديب؛ الأرد، الحميض، الكوك؛ الجميز، الحراز، القرض، التيك، أم شطور، الدبكر، الدروت وغيرها؛ ومن الأشجار المتوسطة يوجد شجر الدوم، الدليب، النبق، الطلح، الهجليج، أم سنينة، الهشاب، الأبنوس (من أهم الأشجار التى أصابها دمار شامل نتيجة الحرب)، الهبيل، الليون، المليس، الجوغان، الزان، القنا، اللعوت، الغبيش، الكتر، الخروب، الخشخاش، السريح الأبيض والأسود، القفل، اللبان الأبيض والأسود؛ من الشجيرات توجد شجرة التكة، الغبيش، الكداد، أم بيّود، أبوقوي، الشحيط ، أم عفينة؛ ومن الشجيرات المتسلقة توجد شجيرات السلعلع، اللعوت، السريح والمرخ. بالأضافة لتلك الأشجار توجد أشجار الفواكة بأنواعها المختلفة. ومن حشائش السافنا يوجد أبوبليلة، أم جر، أبوالرخيص، أم بانقي، أم كنق، أم جيكو، أم سكيّنة، العدار، أم ضولو ضولو، أم سكاكين، أم مريرة، حريرة، قش القردود والفولة. ومن الأعشاب المتسلقة تجد طرطاق، أم بيجي، الشنقل، وأم دقن تيس. دون أستثناء أستطاع الرعاة رعي بهائمهم علي أغصان وأفرع هذه الأشجار في فترة الصيف عندما يجدب المرعى. حيث يقوم الرعاة بتسلق هذه الأشجار وقطع فروعها. قد ثبت أن تجذيب الأشجار بهذة الطريقة يؤدي إلي تجديد نموها وأطالة عمرها؛ إذ أن وجود الرعاة ساعد في المحافظة على وتجديد بئات جنوب كردفان المتنوعة.
    ومن تلك الأنواع المختلفة للنباتات تري التداخل بين الأشجار الضخمة، الشجيرات الزاحفة، المتسلقة والأعشاب الكثيفة لتكون في مجملها غابات شائكة ومتشابكة فائقة الوعورة. ومن أمثلة ذلك التشابك ما يسمى بأم حطبة: دلالة على كثرة الأشجار التي لايمكن السير فيها إلا على الاقدام وفي بعض الأحيان لايمكن السير فيها إلا حبواً على الأرجل؛ كمثال لذلك أم حطبة التى تقع جنوب خور أبوحبل في منطقة "قد الهبوب" أو تلك التى تقع شمال مشاريع هبيلا الزراعية. كل ذلك يؤكد ملائمة جنوب للرعي قبل السكن.

    4. موارد أخري

    أعتاد الرعاة في جنوب كردفان التغذي على كثير من الجزور والرازومات الأرضية في أوقات المجاعات والحروب كأم بيجي والشنقل (بطاطس برى)، الفايو(جزر حلو المزاق) والحالوك (جزر أرضي لثمرة الدليب). هناك أيضاً الأوراق التى تعمل في شكل سلطات كورق التبلدي، العرديب، الأبنوس وأورق العركلة (نبات مائي). العروق التى يأكلها الرواعية بعد أشتداد الجوع بهم في فترة ما بعد الظهيرة كأم دقن تيس و سيرسير وغيرها. أما الثمار فلايمكن إحصائها فهي كثيرة ومتعددة أنواعها: كالنبق، العرديب، اللعلوب، الدليب، الدوم، أم مديكة وغيرها.

    5. إنسجام الرعاة مع البيئة

    هكذا ترى أن الرعاة في جنوب كردفان عاشوا وسط هذة البيئة الوعرة مستقلين ما يكفيهم لغذاءهم وملبسهم؛ لم يعتدوا عليها ليدمروها، بل ظلوا منسجمين معها أنسجاماً فطرياً متناغم مع دورتها الطبيعية، يشربون ماء أبارها، أفوالها، غدائرها وبطاحها، يأكلون ثمارها، أوراقها، وجزورها، يتدفون بحطبها اليابس دون المساس بغاباتها، يزرعون بين أوديتها وحول سفوح جبالها،
    يصطادون حيوانها البرئ دون إسراف أو إتلاف لإيكولوجية المنطقة. ثم يأتى التمرد ليقوم بتخريب البئة وتدميرها وتفككها بحصر الرعاة في بئات جافة هامشية مما هدد النظام البيئ الإيكولوجى في تلك المناطق.

    نواصل ..
    بريمة م أدم
                  

02-21-2006, 11:49 PM

Biraima M Adam
<aBiraima M Adam
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 27329

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحرب الأهلية في جنوب كردفان: محاولة لتصفية القبائل العربية فى الأقليم (Re: Biraima M Adam)


    هذا المقال أيضاً يندرج تحت المقالات التعرفية بأحوال السكان في المنطقة قبل الحرب سوف نرصد التغيير الذى حصل بعد الحرب ..

    القبائل العربية فى جنوب كردفان: ماضيها وحاضرها
    وتوزيعها الديموغرافي

    بريمة محمد أدم/ واشنطن
    [email protected]


    خلاصة:

    1. في المقال السابق تحت عنوان (جنوب كردفان: القوميات العربية عبر الزمان والمكان)، كتبت تقديم لبيئة جنوب كردفان حتي يكون القارئ ملم بأحوال المنطقة البيئية التى تعيش وسطها القبائل العربية.
    2. في هذا المقال وإكمالاً للخلفية سوف أتحدث عن الخلفية التأريخية للقبائل العربية، ماضيها وحاضرها، توزيعها الجغرافي في المنطقة، وملامح من تراثها.

    1. خلفية تأريخية

    جنوب كردفان وطن متعدد الأجناس،الأعراق، الثقافات والديانات. إن التعددية في أيّ مجتمع سواء كان إنسانى، حيواني أو نباتي، تعتبر أهم مصادرقوته وحيويته ومقدرته على التغيير والتشكل والتكيف مع متغيرات البيئة وظروف الحياة ومقدرتة على الأبداع والإختراع والنمو والتطور. توجد عدة قبائل تمثل بصورة عامة جميع قبائل السودان المختلفة بالأضافة إلي القبائل المستوطنة في المنطقة. أهم القبائل المستوطنة النوبة وعرب البقارة 23% (راحع محمد سليمان محمد: كتاب السودان حروب الموارد والهوية هواشى ص252) التى نحن بصدد دراستها. تعتبر قبائل البقارة ثانى أكبر المجموعات العرقية بعد النوبة وهي قبائل رعوية تجوب السهول الواقعة بين أواسط وجنوب شمال كردفان ودارفورشمالاً الي أقاصي الأجزاء الجنوبية من جنوب كردفان ودارفور جنوباً، حث تصل في فترة تجوالها الصيفي الي حدود بحر العرب (لاحظ التسمية) وبحر الغزال لتلتقي بالقبائل الجنوبية، ثم تعود أدراجها مع بداية موسم الخريف نحو الشمال لقضاء فترة الخريف في أراضي القوز تجنباً للحشرات الضارة والأوحال. وفي هذا المقال أركز على القبائل العربية التى تقطن جنوب كردفان.
    يعزي كثير من المؤرخين أن أصول هذه القبائل يعود إلي قبائل جهينه العربية إحد أفرع قبائل البيدون التى تقطن الجزيرة العربية والتى هاجرت إلي أفريقيا عن طريق صحراء سيناء إلي النيل الأعلى ثم تفرعت ناحية الغرب وأنخذت حياة التجوال سبيلاً للعيش لها. كما أن المؤرخين لايعرفون متى دخلت هذه القبائل إلي السودان أو جنوب كردفان تحديداً، ربما ذلك يؤكد قدم أستيطانها في المنطقة. كما أن تأريخها السلالي، القبلي والعشائري لم يكن مكتوباً بصورة جدية. هذة المقال ليست محاولة لكتابة تأريخ هذه القبائل ولا أدعى معرفتى بكتابة التأريخ، بل أريد إلقاء الضوء على جوانب من مسيرة حياتها في المنطقة ودورها الأقتصادي، الأجتماعى والثقافي وتفاعلاتها مع البيئة والسكان مما خلق شخصية مميزة لهذه القبائل وجنوب كردفان بصورة عامة وتأثير الحرب الأهلية على مجتمعاتها ومستقبل وجودها ودورها في المنطقة.
    تشمل قبائل البقارة عدة قبائل منها قبائل الحوازمة، المسيرية، الحُمر(بضم الميم وليس الحَمر)، الرزيقات، التعايشة، الهبانية، بنى هلبة، أولاد حميد وغبيرها. إن هذه القبائل مع كونها رعوية، تشرك في صفات عدة كريطقة اللبس، الثقافة، المسكن، التراث، العادات والتقاليد، الديانة، إدارة شؤنها عن طريق الإدراة الأهلية (الناظر، العمدة، الشيخ)، و إنتهاجها طرق العيش الجماعى المعروف في أفريقيا Collectivism. تتميز قبائل البقارة عن بقية القبائل الرعوية الاخري في السودان كقبائل البطانة و البشاقرة والذبيدية بل متميزون حتى عن رعاة الأبقار الذين يتداخلون معهم في المرعى كالبديرية، مسبعات، قبائل النوبة الرعوية وقبائل الجنوب الرعوية. إن هذا التميز تعزيه هذة القبائل إلي إرثها السلالي المشترك؛ إذ يعتبرون أنفسهم أبناء عمومه لكن لا يعرفون في إيّ عم يلتقون. إن ما يمكن الجزم به أن هذه القبائل حقيقةً متميره عن غيرها ومتقاربة فيما بينها ولكن دون شعورها بوحدة مصيرها وهدفها ومستقبل حياتها في المنطقة. أذا القينا نظرة سريعة علي واحدة من قبائل البقارة كالحوازمة نجدها تتكون من حوالي خمسين فرع قبيلة تندرج تحت ثلاثة أفرع رئيسية: عبدالعال، الرواوقة والحلفا. عبدالعال تضم الجميعية، دارنعيلة والجمُوعية وغيرها. الجميعية وحدها تضم حوالي أربعة عشر قبيلة فرعية وعدد من العشائر في كل فرع وخشوم بيوت في كل عشيرة. وأكبر فروع الحوازمة هم الرواوقة التي تضم أكثر القبائل الفرعية عدداً وتعداداً كما تعتبر أكثرها إنفتاحا على وإمتزاجاُ مع قبائل النوبة.
    ومن الجدير بالملاحظة أن هذه القبائل مسلمة مما يعنى أنها هاجرت من مواطنها الأصلية في الجزيرة العربية بعد نزول الوحي وأتت ضمن طلائع التبشير الاسلامي الأولي إلي القارة السوداء تحمل رسالة، أيّ أن قدومها للمنطقة كان ضمن هدف نشر الدعوة وفق أطار ووسيلة مخطط لها هي الأمتزاج بالسكان المحليين وتعليمهم الدين واللغة عبر الزواج والمصاهرة وحسن الجوار. إن المتتع لهذه القبائل يري أن معظم أهدافها في نشر الدعوة واللغة قد أصابت نجاحاً عظيماً إذ أن أغلب المجتمعات التى عاشوا وسطها تتحدث اللغة العربية و يدين أغلبها بالأسلام. ومن حقائق التأريخ أن هذه القبائل لم تأتي بجوش جرارة لقهر الأفارقة بل جاءت متسلحة بالعلم ومتمرسة في أساليب الدعوة مما يسر مهمتها الصعبة أصلاً حتى فتح الله لها وبها أذاناً صما وقلوباً غلفا في المنطقة وغيرت وحسنت من سبل عيش المنطقة وأدخلت مهارات وحرف جديدة أنعشت إقتصاد المناطق التى أستقروا بها.
    لا يعرف المورخون متى دخلت قبائل البقارة أو قبائل النوبة إلي المنطقة وإعتبار أن قبائل النوبة دخلت أولا مأخوذاً من كونها أفريقية وبالتالى إفتراضاً دخلت أولاً. والأفتراض ليس حجة في التأريخ ولكن أستأنس به كثير من الكتاب بحجة أن القبائل العربية جاءت تحمل رسالة تقدمها لسكان المنطقة الذين يفترض أنهم قبائل النوبة وعزي أخرون أن تأريخ النوبة يعود إلي سبعة قرون ومن ثم هم القادمون الأوائل إلي هذه الديار. ولكن خلاصة القول لا يعرف أحد متى دخلت القبائل إلي هذه المنطقة. أن مجرى أحداث التأريخ يشير إلي أن البقارة أستوطنوا جنوب كردفان قبل دخول المستعمر وأعتنق النوبة الاسلام أيضا قبل دخول المستعمر بحسن عشرة وأمتزاج القبائل العربية بهم. نظرة سريعة لأحداث التأريخ تنجلي الحقائق الأتية:
    1. في نهاية القرن السابع الميلادي دخل الأسلام إلي السودان عبر النيل الشمالي عن طريق التجار ومجموعات الرعاة.
    2. في 1505م تأسست سنلطنة الفونج الأسلامية. وذكر د. غيمي رأفت الشيخ أن سكانها من قبائل جهينة العربية وتمتد حدودها الغربية حتى حدود سلطنة الفور.
    3. في عام 1530 تأسست مملكة تقلى (مملكة الجبال الأسلامية) التى تحادد مملكة الفونج من الناحية الجنوبية الغربية، في المنطقة التى تعتبرحزام البقارة وحتى اليوم.
    وقد ذكر بروفسر يوسف فضل حسن أن ملوك تقلي يهدفون إلي نشر الأسلام وثقافته عن طريق التبشير والأختلاط والمصاهرة وتشجيع القبائل العربية علي الأستقرار. يتضح أن قبائل البقارة هي عماد مملكة تقلى الدينى، مما يعنى أن هذه القبائل توجد بالمنطقة قبل بداية القرن السادس عشر الميلادي.
    مما تقدم يتضح جلياً أن دخول هذه القبائل للمنطقة يعود ما بين نهاية القرن السابع الميلادي وقبل القرن السادس عشر الميلادي.

    2. الأستعمار التركي-المصري-البريطاني والإصصدام بالقبائل العربية

    بدأ أهتمام المستعمر بالرعاة في أقليم كردفان مع بداية دخول الخديوية للسودان في 1821م عندما عرفوا فروسيتهم ومهاراتهم في ركوب الخيل وحسن معرفتهم بأحوال المنطقة وطبيعتها الجغرافية وسكانها. لكن سرعان ما أكتشف المستعمر كراهية الأعراب لهم ومراوغتهم المستمرة وتهربهم من أداء ما ألزموا به كجمع الضرائب وحمل الرسائل البريدية وزراعة الحيازات الزراعية لصالح مؤنة الجند وترحيل حمولة الحملات العسكرية وكانت منطلقاتهم دينية. أستمر ذلك الدور المرواغ وفي بعض الأحيان قطع طرق القوافل والحملات العسكرية وحملات تجارة الرقيق حتي حوالي 1863 م عندما أنشئت الأدراة الأهلية وأوكلت للأعراب إدراة شئونهم. كان إنشاء الأدارة الأهلية بمثابة محاولة لتحييد حركة فرسان البقارة في المنطقة حيث صار المستعمر يحفز قيادات البقارة بأقمشة الدمور المستورد، وكوتات السكر والشاي ونحت أسماء الذين يقومون بجمع ضرائب أتباعهم علي جزوع شجر التبلدي وغيرها وجعل منهم رموز قيادية يلزم أتباعها. أستقلت زعامات البقارة هذا الدور خير إستغلال حيث بدأوا ينظمون صفوفهم ويطورون من أساليب مقاومتهم للمستعمر لدرجة أصبحت المنطقة مهيئة لظهور إنتفاضة شعبية عامة وعرف المستعمر جيداً أن البقارة يأسسون دولتهم ذات الحدود الجغرافية الهلامية نتيجة لعامل التجوال مما أدي إلي قبض زعاماتهم والزج بهم في السجون. أهم تلك السجون التي عانى فيها نشطاء زعماء البقارة سجن مدينة تلودي ومدينة الدلنج. كان الغرض من إنشاء سجن تلودى هو عزل زعامات البقارة عن محيطهم القبلي لتقليل دورهم العدائي وكسر شوكتهم. وفي بعض الأحيان قام المستعمر بترحيل القبائل قسراً وإسكانهم في بئات نائية في أدغال جنوب كردفان فنشأت مدن عامرة كالشحيطة في شمال شرق كادقلي. أستمرت ثورة البقارة حتى ظهرت الثورة المهدية التى كانت المنطقة مهيئة لها ؛ أيّ أستمرت ثورة البقارة وتحريضهم للقبائل المستقرة كقبائل الجبال ومسبعات والبديرية حوالي 60 عاماً من الكفاح ضد المستعمر.

    3. فرسان البقارة عماد الثورة المهدية

    إن قيام الثورة المهدية كان نتاج طبيعى لحركة الكفاح التى أجتاحت السودان شماله وشرقة وغربة وجنوبه. هجرة الأمام المهدي إلي جبل قديرتعنى من ضمن عدة أسباب أخرى أن قائد الثورة عرف التركبية النفسية لقبائل البقارة في المنطقة التى يعتبر عمادها التدين، الفروسية، ركوب الخيل، معرفة تضاريس وسكان المنطقة. أن فراسة المؤمن لم تخب، فقد وقفت خيول فرسان البقارة جنداً للأمام تحاصر كل مراكز المستعمر حتى عزّزها الله بالنصر المبين في شيكان وحاضرة الأقليم مدينة الأبيض وبارا ثم زحفوا خلفة ولم تتراجع خيلوهم حتى أجلوا المستعمر عن السودان وأسسوا معه مدينة أم درمان، اخمدوا الثورات وقادوا جيوش الفتح داخل وخارج السودان وأستلموا الخلافة من بعدة عرافناً وإنصافاً لدورهم وحبهم للإمام.
    إن تأريخ السودان الحديث فيه كثير من الأجحاف والأستخفاف بدور قبائل البقارة في تأسيس السودان الحديث وكان أوله ثورة الأشراف في أم درمان ضد الخليفة عبدالله التعايشي.

    4. التوزيع الديموغرافي للبقارة في جنوب كردفان

    تتوزع القبائل العربية في خطوط متوازية علي طول جنوب كردفان مع وجود مناطق تماس بينها. ففي الوسط تقع قبائل الحوازمة علي طول وشرق الطريق بين الدلنج- كادقلي-تلودي، بينما توجد قبائل المسيرية على غرب هذا الطريق. وعلى غرب المسيرية يوجد الحُمر وغربهم يوجد الرزيقات، التعايشة والهبانية ويمتدون حتى أقاصي السودان الغربى في جنوب درافور. وهذا التوزيع الجغرافي عزاه كثيرين للغارات التى تنشأ بين القبائل في المرعى والمراحيل. وبصورة عامة توجد قري البقارة في السهول التى تتخلل الجبال حيث يقومون برعى السهول وفلاحتها.
    فى المقابل توجد قبائل النوبة موزعة على قمم الجبال وسفوحها. وبوجه عام، تعتبر القرى الواقعة في السهول والهضاب هى قرى للقبائل العربية، بينما القرى الواقعة على قمم الجبال وسفوهها هى قرى لقبائل النوبة. وهذا التوزيع الجغرافي-الديموغرافي يعزى كنتاج تأريخى للأحداث والغارات التى تشنها حملات تجارة الرقيق حيث تلوذ قبائل النوبة بالكهوف وشعوف الجبال بينما يهرب الأعراب بمواشيهم وخيولهم نحو السهول ويحتمون بالغابات الوعرة والوديان.
    بدأ ذلك التباين الديموغرافي في الأندثار تدريجياً منذ بداية الأستقلال. حيث بدأ التداخل بين العرب والنوبة تداخلاً كاملاً في بعض الأحيان. أنشئت المدارس التى أستوعبت كل التشكيلات الأثنية، كما أنشئت المشاريع الزراعية والحفائر والخزانات المائية التى أسهمت في الأندماج الأثنى القبلى. رويداً رويداً، بدأت العادات والتقاليد تتلاقح وتتأصل نحو هوية مشتركة تبرز شخصية جنوب كردفان. حيث صارت بعض الرقصات قومية على النطاق المحلى لجنوب كردفان، كالمردوم والصراع والنقارة وغيرها، بينما كانت في الأصل النقارة والمردوم للقبائل العربية، وفي المقابل، الصراع لقبائل النوبة. بدأت عادات التخلف كعادات الكجور (الأب الروحى للقبيلة) في الأندثار وسط قبائل النوبة وكذلك الشلوخ والوشم بدأت تتلاشى وسط القبائل العربية تأثراً بالمد الثقافي العام على مستوى القطر. أكمالاً لهذا التداخل بدات القبائل ترتبط بعلاقات الزواج والمصاهرة، إنتشرت اللغة العربية وإختلطت الأسماء وعمت الطمأنينة.
    أن الحرب الأهلية اللعينة قد قضت على كل ذلك التعاون الأنسانى الهائل والتى يعتبرة الكثيرين أنه مسيرة قرنين من الزمان، وربما مسيرة خمسة قرون من العمل الدعوب. وسوف ألقى مزيداً من الضوء على دور الحرب الأهلية في زعزة الروابط بين القبائل.

    3. الحياة في ريف البقارة في جنوب كردفان

    تستقر الأسرة الرعوية عندما تنفق حيواناتها أو يتناقص القطيع بحيث لا يستطيع تمويل الحياة المعيشية للأسرة، هناك تلجأ الأسرة للأستقرار. وفي كثير من الأحيان تقوم القبيلة بجمع رؤوس من الأبقار وأهدائها إلي الأسرة لتواصل مسيرة الرعى المقدسة. وعندما تستنفد كل السبل أمام الأسرة تلجأ كحل لا مناص منه إلي الأستقرار وتندب حظها الآثرأو المتعثر أو الأعسر الذى جعلها تسكن وسط قازورات القرية وأكل الوجبات الصعيدية خالية الدسم. وينظر بقية الرعاة إلي هذة الأسرة بعين الشفقة والرحمة (وأخرون يسخرون: مرمى الله ما برفع). وعادة يستقر الرعاة، بل أستقروا في كل بقاء جنوب كردفان، وفي المناطق التى ألفوا العيش فيها منذ أزمان ساحقة في القدم. فقد تجد العشيرة الواحدة موزعة، جذء في القردود في أقصى جنوب كرفان، أخري في أبو سفيفة جوار كادقلي في الوسط، وثالثة في خور أبو حبل في شمال جنوب كردفان.
    مهما كانت طبيعة الأستقرار، فأن حياة ريف البقارة في جنوب كردفان، شمالها، شرقها، وسطها، جنوبها وغربها، تتشابه تماماً، بل، تسير على نمط واحد، مع وجود تعقلم علي البيئة التى أستوطنوا فيها. ومن المناظر المألوفة في الريف وجود المناظر البانورماتيه لقطعان الأبقار، الماعز، والضأن حول القرى وأماكن المياه الجوفية، الآبار، الدوانكي والحفائر، حيث يتداخل المستقرون والرحل الحالون معهم موقتاً في جو تحس فيه أنسجام المجموعتين. تحمل النساء الماء من الأبار على رؤوسهنّ في أعونة بلاستيكية (باغات) وغيرها للأغراض المنزلية اليومية. لا توجد شبكة مياه صحية في كل أرياف الرعاة وريف جنوب كردفان عامة. مع بداية نزول الأمطار يرحل الرعاة (الأغنياء من البقارة) ويظل المستقرون (فقراء البقارة) يعانون الطين والباعوض ومتعاعب الزراعة. تتحوصل القرى في فترة الخريف وتنقطع عن بعضها البعض وعن المدن المجاورة وينهمك المزارعون في حراثة مزارعهم (مصدرهم الوحيد للحياة في فترة الصيف) أفراداً وجماعات، تتعالى أصوات الغناء من وسط المزارع المتناثرة حول القرى على غير هدي وتخطيط، ومزارعهم هى حيازات أسرية. مع أبتهاجهم بالخريف والزراعة، يظل الباعوض، الناموس، الطين والأوحال، وأعشاب الساقنا الغنية الطويلة تعرق مضاجعهم. تظهر وتذاد الملاريا، والحميات الأخري وتظهر أمراض سوء التغذية عند الأطفال، يمتلء محيط القرى بالقازورات و(الكوش) وتحاصرها الأعشاب الطويلة، حيث يتسلل المواطنون إلي مزارعهم بواسطة طرقات (دروب) صغيرة تتسع للقدم فقط من خلال الأعشاب ذات الرطوبة والندي، وحينما يصل المزارع إلي مزرعته يكون قد إبتل بالماء من رأسه إلي أخمص قدميه. وفي فترة الخريف تنعدم السلع التجارية، الأدوية، وتغلق المدارس والشفخانات، وينتشر تجار الأدوية البلدية، الدجالون، الديات البلديات وينعدم أي مظهر من مظار وجود حكومة أو سلطة إلا سلطة المجالس المحلية (وسوف نرى في مقال قادم كيف أستغل التمرد هذا الجو الأنغلاقي).
    وفي نهاية موسم الأمطار تدب الحياة من جديد في عروق ريف جنوب كردفان (والحمد لله الذى أحياهم بعد إذ أماتهم والموت أنواع) تظهر الأدوية، السلع، المحصول الجديد، تفتح المدارس، والمستشفيات، و ينظف محيط القرية. كما تعود الضعائن (الرحل) من ديار المخرف حيث يتوفر اللبن ومنتجاته، تفتح الطرق الموسمية إلي المدن ويتم تنظيفها بالكركات (بلدوزرات)، يتصل الناس بالأهل خارج محيط القرية، يتعرفون على الجديد في الموضة وتشكيلات الموسم الجديد، وأخبار السياسة (سياسة موسمية!)، تنتشر المناشط الرياضية والأندية.
    إن من أميز مميزات حياة الريف العيش التكافلى الجماعى الذى يتمثل في الحش والحصاد الجماعى مصحوباً بالأغانى الحماسية، يعتبر الوضع الأجتماعى والسن من أهم مميزات القيادة المحلية. يعتبر الشيخ، العمدة أو كبير الحلة، الجهة الرسمية المتحدثة بأسم الأسرة أو القرية.

    2. حياة التجوال: نغمة فريدة عند الرعاة

    هناك في الاساس رحلتين عند الرعاة من الشمال نحو الصعيد (أتجاه الجنوب) بعد نهاية موسم الأمطار وتمسى (المُؤطاة)، والأخري رحلة عكسية وتمسى (التدلى). تنتهى رحلة المؤطاة في القرية التى ينحدرمنها الرعاة، أي القرية التى يستقر فيها المستقرون منهم، وبذلك تنهى الرحلة في مناطق مختلفة وفي بقاع متعددة من جنوب كردفان. هناك الرعاة ذوي الأموال الضائلة، أي 200 رأس فما فوق (هناك من يمتلكون 17 مراح وكل مراح يزيد عن 300 رأس) ، هؤلاء يواصلون سيرهم إلي أماكن المياه الراكدة والمتوفرة طوال العام كبحر العرب وبحرالغزال، بحيرة كيلك واللبيض وغيرها.
    يتخذ الرعاة في أثناء تجوالهم شمالاً كان أو جنوباً طريقين (مرحالين)، أحدها لرحلة المؤطاة والأخر للتدلى. تشترك قبائل عدة في مرحال واحد ولكنها تختلف في أوقات سلوكها لهذا المرحال. مثلاً عند قبائل الحوازمة ترحل فروع قبائل الرواوقة مبكراً، ذهاباً وأياباً، إلي الصعيد بتنما تذهب فروع قبائل الجمعية متأخرة، ذهاباً وأياباً، ولا يتقابلون إلا في دار المخرف (مكان قضاء الخريف) أو في دار المصيف (مكان قضاء الصيف) . في الغالب لا تغير القبائل مراحيلها فهي بمثابة إحد موروثاتها وقد تمنع قبائل أخري من الأشتراك معها فيه وإلزامها بالعودة إلي مرحالها لضيق المرحال، أو لظروف مرض أتت به القبيلة الجديدة في ذلك المرحال. مع أن رحلة التجوال تبدأ من أقصى شمال موقع التجوال إلي جنوبه، فأن أسماء المراحيل تنتقى حسب أشهر موقع يمر به المرحال (وهذا مايسمى بأعلام المواقع) مما يسهل معرفة القبائل الأخري للمكان والقبائل التى تسلكة. وأهم هذه المواقع الأعلام خور أبو حبل والمدن الرئسية التى يمر بها المرحال. والمرحال هو أيضا وسيلة لمعرفة القبائل، إذا سألك سائل ما مرحالك ففي الحقيقة يريد معرفة قبيلتك، فإذا قلت مرحال السيسبان مثلاً ذلك يعنى أنك حازمى (من قبائل الحوازمة).
    حياة التجوال هى نغمة فريدة في حياة رجل بادية البقارة وحيواناته علي السواء، بهذه التجوال تتأصل هويته الرعوية، حيث ينشأ شعور قوى بالأرتباط بالمرعى والحيوانات التى يرعونها فلا يجدون أنفسهم إلا في إطار هذه الرحلة وهم دائماً في أشعارهم وأغانيهم وأوقات الطرب يمجدون هذا الأرتباط الرعوى. مثلاً "أحلى صوت العجيل في شجر الكترة أم نوار أم صوت الحمار في الترتار)، والترتار يعنى الحوش، ولعل المقارنة واضحة صوت العجيل في محل الأزهار وفي المقابل صوت الحمار في داخل الحوش ينهق (وإن أنكر الأصوات لصوت الحمير). وهذا الارتباط يوجد عند البهائم أيضا، فهى تعرف المنازل، وموراد مياها، وأماكن المرعى، وأوقات الرحول شمالاً أو جنوباً، إذا ضاعت في وقت ماء وجاء زمن الرحول فهى ترحل حتى لو وحدها. بحياة التجوال يشعرون بالحرية المطلقة، تماماً، من أي قيد أو شرط، وهم يجددون منازلهم كل يوم وأخر وهذا التجديد هو أيضاً تجديد لمشاعرهم برؤية ديار جديدة وفي نفس الوقت قديمة، لأنهم كانوا من قبل يمرون بها ولهم بها معارف بأهلها المستقرون بها. ففى تجوالهم ينشأون علاقات مع المجموعات المستقرة حيث يتبادلون معهم منتجات الألبان بالمحاصيل الزراعية.
    من خلال هذا التجوال تنشأ أيضاً علاقة وثيقة بالبيئة، فهم يعرفون المنطقة شبراً شبرا، يعرفون نقاط المياة، الوديان، السهول الجدباء، مكان المرعى الخصب ونوعية الحشائش التى به، طبيعة المنطقة، وأحوال سكانها. يتميز الرعاة بفضول غير عادي، فهم يعرفون كل كبيرة وصغيرة في محيطم البيئى، وعادة يرسلون جماعات صغيرة (فرق أستطلاع تمسى الرواغين لمعرفة أحوال المنطقة قبل الرحول إليها).
    على عكس المجموعات المستقرة منهم التى عادةً تكون إرتبطت بمنطقة سكنية واحدة وتمازجت معها، فإن الرحل لهم إرتباط أشبه ما يوصف بالقومية في حدود الرقعة الجغرافية التى يمرون بها –فأرتباطهم بها ككتلة واحدة كأرتباط المستقر منهم بمنطقته. هذا الأرتباط مكنهم من خلق نسيج إجتماعى ومحيط ثقافى أوسع وأحتكاك أكثر بنوائب المنطقة وجعلهم أيضاً عرضة أكثر من غيرهم لتلك النوائب، فنما فيهم حب التكاتف والتعاضد أكثر من غيرهم وتمرسوا على الصعاب وتحمل المشاق والجلد والتعب.
    وفي ظل ظروف التجوال ووعورة المنطقة، إستطاع رجل البادية إستعمال بعض الألفاظ للتخاطب مع بهائمه. فهم يضدرون أصوات معينة للأسراع في السير، وورود الماء، الزعر، أصوات لمناداة الضائع، أصوات للإصدار، تناول الملح، حليب اللبن، المناجاة لتهدأة الزعر.
    وفوق كل ذلك الرعى هو وسيلتهم للعيش الكريم، وهو ما لقنه ودرسهم له جدهم وتوارثوه أباً عن جد، فهم ملمون إلماماً منقطع النظير بفنون المنهة وأدائها علي وجهها الأكمل. (وفي مقال لاحق نرى صعوبة تحقق هذا الأندماج نتيجة لعامل الحرب ومن ثم أختلال نمط عيشهم).

    7. ملامح من تراث البقارة

    يعتبر البقارة الفروسية، الشجاعة، والأقدام صفات مقدسة محروسية بعادات وتقاليد صارمة. أول هذه العادات والتقاليد مأخوذ من الشعار الديني "النصر أو الشهادة". إذا قاتلت البقاري أعرف أنك تقاتل تقاليد تليده قبل الفرد الذي تقاتله. ففي عرف البقارة الجبان منبوذ، لا يجد من تتزوجه، ليس له رأى يسمع، ولا أمر يطاع، تتبرأ منه ذمة والدته، أهله وأقرباءه، يرمى بسئ السباب في الملمات والأحتفالات الجماهيرية، وفي أشعار البرامكة ومجالس القهوة وغيرها وخير ملاذ للجبان الهروب من المنطقة بأسرها وعدم العودة ما لم ينقطع النبط من حبل الوريد. ومن ذا الذي يستطتع المجازفة بعدم الثبات والأستبسال أمام هذا الكم الهائل من الفضائح؟ وفي المقابل الشجاع يمدح في جميع الملمات، تتغنى به الحكامات (مداحات محترفات)، الهدايات، الهدايون، ويشاع إسمه، يسمون به أطفالهم تيمناً به، وتكون له كلمة مسموعة، ورأى يطاع –أي عز بعد هذا. ففي الأونة الأخيرة تجد في أوقات الأحتفالات تقول إحد الحكامات أنها لا تريد سماع أي صوت بندقية إلا بندقية فلان –ولعلك تكون فلان في ذلك التوم؛ ومنهن من تقول لا أريد سماع بندقية إلا بندقية شاب "كرب الضحوة" أي قاتل حتى إنتصف يومه ولم يتراجع عن أرضه أو موقعه. ومن خرافة الأفراط في الشجاعة أن التكتيك العسكري كالرقاد على الأرض أثناء المعركة نوع من الجبن، تجد الشخص يتشدق، ويهز في النساء ببندقيته بأن ذقنة لم يلامس الأرض إطلاقاً أثناء المعركة (أي أنه شجاع لا يختبئ).
    مع عظمة تراث الفروسية، أيضاً، يمتلأ تراث البقارة بالكرم الذى يصل مرحلة التفاخر. ففي سابق الأزمان كان الرجل يجعل مسبحته في عنق الحكامة متحداً أن ينازله أحد في ميدان الكرم. أذا أخذ المسبحة أحد أوقف الغناء والرقص في الحال ويصمت الجميع، لتبدأ مبارزة الكرم .. والكرم محسوب بعدد الزبائح التى زبحها تكريماً لضيف أو ضيوف وهى أما خروف أو ثور فما فوقها من الرؤوس، إذا وجد خصمك إنك إستضفت قوماً ولم تزبح لهم ذلك يكون خصماً من عدد ذبائحك بقدر عدد الضيوف (أي حسابك ينقص بعدد الذين بخلت عليهم). والفائز ينصب بوسام الكرم وتعتبر تلك السنة تأريخاً مرجعياً تقاس عليها أحداث الزمان والدهر الأخري – مثال ولد التوم في سنة "بلل فاز على عثمان في الكرم". وهذا التراث منحوت في ذاكرة الكبار والصغار ويتداول بعفوية وبديهية ضمن الحياة اليومية، مما يؤكد علي قيمته ودوره في الواقع الأجتماعى المعاش. وبهذا التراث تخرج أو تصعد قيادات القبائل، فلم يكن هناك عمدة، ناظر، شيخ، أو مندوب فيه صفة من صفات البخل أو الجبن. وأستمد هذا التراث من أرث أخر هو تراث الغارات والحروب التى تنشأ بين القبائل، حيث لا وجود للجبناء أو البخلاء في منازل الفرسان.
    ومن التراث أن المرأة لا تقتل مهما كانت جسارتها، وأن الطفل يقتل وحتى لو كان أبن ليلة واحدة، إنه رجل سوف يكبر ويأخذ التأثر، أيّ أن خصومهم لا يلدون إلا فاجراً كفارا ولزم الإفطار بهم قبل أن يتعشوا بك في أزمان قادمه، وهذا يعنى أن مقتل طفل يسد خانة الثأر في فارس والمرأة لا تجزى عنه، ولا أعرف حقيقة درء القتل عن المرأة هل لأنها أعظم شأناً من الفارس أودنيئة القدر وضيعة المنزلة، وفي كلتيهما خير لها فقد وجدت نفسها خارج دائرة الأقتتال الشريرة وهذا ما يهم. ومن التراث الحمية المفرطة، إذا قاتلك زيد فإن عبيد ومن معه يقاتلونك دون سابق معرفة بسبب القتال، حسبهم في ذلك أنك قاتلت زيد، ووجب نصره ظالماً كان أو مظلوما، وذلك دخن في أسلامية هذه القبائل التى تولى وجهها شطر المجسد الحرام وحيثما كانت. إن من الغريب في الحمية هى جر القبائل في حروب داهس والغبراء التى لا تنتهى، إذا وجدت حسنه وسط هذا السخب الجاهلى هى وجود ترابط منقطع النظير بين أفراد المجموعة لدرجة شعورهم بحتمية مصيرهم في الحياة والممات.
    أن من أعظم ما في تراث هذه القبائل وجود التكافل الأجتماعى الذى يتمثل في درء المصائب والملمات عن طريق توزيعها توزيعاً عادلاً بين أفراد القبيلة معتمدين على تراث إلزامى إرغامى، ليس لك فيه قول أو حجة فقد نطق الجد المشرع بقول جهيزة الذى لا بعده (بغم). ففي حالة القتل، عمداً أوغير عمد، توزع الدية وهى إحدى وستون رأس من البقر (قد تختلف من قبيلة لأخري) على القبيلة وأهل ذمتها وكتابها، ولم يدفع أهل عشيرة القاتل إلا السدس (ما يسمى بالركبة). وتوزع الدية على أبناء الرجل الواحد، مهما كان عددهم أو أعمارهم، رأس واحد. الرجل المقصود به رب أسرة متوفي والده، مهما تشعب أبناء هذا الرجل وأبناء أبناءه وأبناءهم وما نزلوا، يدفعون رأس واحد. إذا توفي الرجل (قمة الهرم) صار كل من أبناءه المباشرين رجل يدفع ديته مع أبناءه. ومن الغريب إذا توفي إبن الرجل أو أبن أبنه، صار أبناء المتوفي فريق قائم بذاته يدفع ديته بعيداً عن كوم أعمامهم. وإن من الملاحظ أن الجد المشرع لهذا الدستورقد أحكم ضبطه بدرجة متقنه، ولم يغفل أيضا عن توزيعه، على نحو يشابه الميراث في الأسلام، فقد شرع الجد كم تعطى زوجة المتوفي، وكم يعطى أبناءه الذكور والأناث وبقية أولى القربى، ومن الملاحظ أن نصيب المرأة أقل ممن في الكتاب، ربما السبب لمخالفة القيمة الكلية عن قيمة الدية في الأسلام. وفي حالة الحريق، سرقة البهائم أو إنقراطها بفعل الكوراث، تدفع القبيلة مايسمى ب "العود"، وهو يشابه الدية تماماً لكن يتم تقدير قيمته بصورة وقتيه، وقد شرع الجد المشرع من هم الذين يقومون بالتقييم والتوزيع، أي ليس فيهم أنساناً سفيحاً أو كذاباً أو زميماً، يكونون من ذوي الرأى، مقدمي في قومهم، مسموعي الكلمة وغيرها. ومن الغريب في هذا التراث الرائع، إذا كان الرجل وأبناءه معدمين، أخذوا رماد دارهم ووضعوه في قطعة وأرسلوه لأهل المقتول، هذا يعنى إعترافاً بحقهم مع تقصيرهم، وفي هذه الحالة تسقط ديتهم أو عودهم إلزاماً وليس سهواً. وفي حالة حدوث فاجعة لهؤلاء المعدمين فأنهم يعاملون وكأنهم قاموا بسداد ما عليهم سابقاً، لعلك لاحظت ذلك لسد الزرائع والتهرب، إذا رفض الرجل له الحق ولكن إذا قتل له ولى لايجد من يديه وتسقط منه جميع الأعراف الأخري فهو كالغريب تماماً.
    ومن روائع التراث هو حق العريس في إستضافة حفلته عند أيّ شخص من أفراد القبيلة دون سابق إعلام، أيّ إذا أختارك العريس أو العروس أو أمها أو ماينوب عنهما، فأنت في كفوة حقيقية، عليك إحضارثيران الزبائح، جوالات السكر، باقات العصير، ببساطة كل لزوم (القيلة)، وأهما يخلد أسمك مع عظماء رجالات القبيلة، أما إذا جبنت وبخلت فأنت لا تساوى بعوضة وما تحتها في كل مستقبل حياتك الباقية، تذم وتهجى، ليس هناك ناظر، عمدة أو شيخ يحميك ويسعفك من ألسنة البرامكة والحكامات السليطة اللاذعة.
    ومن أميز تراث البقارة، مايسمى بمجلس الأجاويد. والأجاويد جماعة من شيوخ القبيلة والأعيان يدعون لحل معضلة ما. وهؤلاء الأجاويد يعرفون بأجادة النصح وذوي خبرة في الحياة (أي معرفة بالسياسة)، عركتهم الحياة وعركوها فهم يعرفون كيفية فض النزاعات و حل أعتى المشاكل. وتراث الأجاويد من أكثر شرائح التراث البقارى أنتشاراً خارج إطار هذه القبائل وسهل التداول والأندماج في تراث القبائل المجاورة للبقارة.
    يمتلئ تراث البقارة بالأمثال، كبقية التراث السودانى. من تلك الأمثال إذا وقع الشخص في مأزق ولم يستطع الخروج منه يقولون "وقع في بيضة أم كِتيتى". وأم كتيتى طائر يبيض وينوم ويقضى وقته على الأرض ولا يهبط على الأغصان. بيضة أم كتيتى علامة شئم، إذا وجدتها، ومن الصعب أيجادها فهي تشابه أديم الأرض، يقولون إما قتلت أمك أو أبوك –إذا أخذتها قتلت أمك وإذا تركتها قتلت أبوك (لك الخيار بأيهما تضحى) إي شرك أم جيجي في المثل السودانى المشاع. إن أعمة السنة وقعوا في بيضة أم كتيتى في تحليل أو تحريم تحية المسجد بعد صلاة العصر، منهم من يقول إنها حلال ومنهم من يرى حرمتها ومنهم من يرى حسنة عدم دخول المسجد بعد صلاة العصر، وما يزالون واقعين في بيضة أم كتيتى. ومن أمثالهم "وقع في الحسكنيت". والحسكنيت نبات معروف في كردفان، إذا إلتصق في ملابسك وخلعته بيدك اليمنى لصق بها، إذا خلعته من يمناك بيسراك لصق بيسراك، فهو لا محال لاصق بك. ومثال لذلك ذات يوم جاءهم شيخ وبدأ يتلو سورة الكافرون في الصلاة ووقع في حبال لا أعبد ما تعبدون دون أن يجد مخرج منها، فناداه أحد المصلين "يا شيخ حسن شنو وقعك في الحسكنيت دا".
    ومن الكلمات المشاعة القسم باللة: بى اللة (او بيه الله) نطلع جنك، كن حزر سوف يضربك العربى. وقولهم أن: (فلان سوى لينا الحلو مر)، أي أن فلان شديد الكرم لدرجة صار عندهم المذاغ الحلو كالمر من كثرته. وقولهم: (البِدِن ما يبقى ليك بلى)، أى لا تتمادى في اللعب بالشئ حتى يجلب ليك كارثة، وهو بمثابة تحزير من أنك تخطيت الخطوط الحمراء. وقولهم: (عجوزاً ما له نديد ومسافراً ما له رفيق)، في أثناء الحديث، يعنى أن المتحدث كذاب.
    أتوقف هنا لعلى نعد إلي إحد روائع التراث المتمثل في تراث البرمكة أو البرامكة في غير هذه المقالات.

    في المقالات القادمة سوف نواصل ما دمرته الحرب والخراب الذى لحق بجنوب كردفان
    بريمة م أدم
                  

04-06-2006, 04:19 AM

Biraima M Adam
<aBiraima M Adam
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 27329

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحرب الأهلية في جنوب كردفان: محاولة لتصفية القبائل العربية فى الأقليم (Re: Biraima M Adam)


    فوق حتى العودة ..
    بريمة
                  

04-06-2006, 05:50 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8851

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحرب الأهلية في جنوب كردفان: محاولة لتصفية القبائل العربية فى الأقليم (Re: Biraima M Adam)

    keep walking





    up
                  

04-06-2006, 06:51 AM

DKEEN
<aDKEEN
تاريخ التسجيل: 11-30-2002
مجموع المشاركات: 6772

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الحرب الأهلية في جنوب كردفان: محاولة لتصفية القبائل العربية فى الأقليم (Re: Biraima M Adam)

    الاخ بريمة

    سلام ومودات عميقات جدا..

    ورؤية ليس فيها اي نوع من الخيال..

    ودمتا..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de