المسيح المصلوب فى لوح المحبوب (١-٣) -مصطفي البطل - نقلا عن الاحداث 10فبرائر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 03:26 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-10-2010, 05:23 PM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المسيح المصلوب فى لوح المحبوب (١-٣) -مصطفي البطل - نقلا عن الاحداث 10فبرائر


    المسيح المصلوب فى لوح المحبوب (١-٣)

    (1)
    رفدت دار مدارك بالقاهرة، قبيل أسابيع معدودات، المكتبة السياسية السودانية بكتابٍ ثمينٍ دهين، دفع به الى سوح الفكر والسياسة في السودان، وفي العالمين العربي والإسلامي القيادي الرفيع ذي السهم المقدّر والكسب المذكّر في مسارات الإسلام السياسي الحركي المنظم في السودان، الأستاذ المحبوب عبد السلام. يحمل الكتاب العنوان الرئيس: (الحركة الإسلامية السودانية، دائرة الضوء - خيوط الظلام)، والعنوان الفرعي: (تأملات في العشرية الأولى لعهد الإنقاذ).
    وإطلالة المحبوب، بعد طول احتجاب، وخروجه الى الهواء الطلق ليوافي عشيرته الأقربين من البجدة الإسلاموية، وأقوامه الأبعدين من جماع أهل السودان على اختلاف مللهم الفكرية ونحلهم السياسية بشهادته على أحداثٍ جسيمةٍ قارعة، ووقائع عظيمةٍ فارعة، وسمت بميسمها عشرية الإنقاذ الأولى، هي مما يُحمد لهذا الفتى من فتيان الجيل الإسلاموى الثالث حمداً كثيراً، ويستمطر على اسمه الوديع الطيب ثناءً وفيراً. ولئن كان عميد الأدب العربي طه حسين قد أفادنا بأن (حاجة من عاش لا تنقضي)، فقد علمنا حال بلدنا الكئيب الممحون، الذي يختلط فيه حابل التاريخ بنابله، حتى وإن ظلت وقائعه شاخصة وشواهده ماثلة لم يرثّ ثوبها بعد، أن حاجتنا تظل شديدة الى شهادات الشهود العدول ممن عجنوا دقيق ذلك التاريخ وخبزوه، والمطلعين على دقائقه وخفاياه ممن عاشوا بمقربة من صناعه المباشرين وهم يقودون خطى السودان من أفقٍ الى أفق، أو قل من نفقٍ الى نفق، كيفما اتفقت رؤاك ومواقفك.
    (2)
    أول ما لفت نظرى وشدّ انتباهي وأنا أعبر الفقرات في مقدمة الكتاب توسل المحبوب الى تقعيد خاطراته وتثبيت تداعياته باستدعاء مفكرين وأدباء وشعراء ومغنيين من قبائل ماركسية وعلمانية وليبرالية، أوغل في الاستشهاد بآثارها الإبداعية على نحو لا تخطئه العين. وافتني لفوري الحكمة الشعبية (تعيش كتير تشوف كتير) فقلت لنفسي: من يعش من تجربة الإسلامويين داخل مقطورة الحكم وخارجها عشرين رجباً، يرى من التحولات الذهنية الجذرية عند الكيزان، من أمثال المحبوب، عجباً. من يا ترى كان يصدق أنه سيظلنا زمان يكتب فيه عتاة الإسلامويين، أهل السيخ والعصي والشعارات المجلجلة المزلزلة، التي لا تقبل القسمة على اثنين، كتباً وأسفاراً فلا يجدون من بين كل مبدعي المعمورة من يستأنسون بعطاءاتهم غير لينين وميشيل عفلق ومنصور خالد وبدر شاكر السياب ومحمود درويش ومحجوب شريف وهاشم صديق وأبوعركي البخيت وفرقة عقد الجلاد، كما استأنس المحبوب في مقدمته الجزلة؟! هل كنت تصدق – أعزك الله - لو انه قيل لك، قبل نيفٍ وعشرين عاماً، أن رجلاً يوصف بأنه يد الشيخ الترابي اليُمنى سيكتب كتاباً تجد بين دفتيه شعراً يمجد شهداء الشيوعيين في يوليو ١٩٧١م: (جابوا معاوية يشهد/ شوف معاوية وغدرو/ لوّح خنجرو وطعن الشفيع في صدرو)؟! أو أنه يستعذب فينتخب في مقدمته أبياتاً من شاكلة: (منو العمّق جذور العزّة جوّة الطين/ وما همّاهو ساعة الرحلة للمجهول/ منو السلّم صغارو الغُول/ وكان اتغشّة لم يتأمل العيش الملا القندول). ووجه المفارقة الداعية للتأمل هنا هي أن شاعر الأبيات المختارة المُستشهد بها، ومغنيها، استقرت عقيدتهما معاً، كما استقرت عقيدة لفيفٌ كثيف في طول الوطن وعرضه، على أن “الغول” المعني، آكل الأطفال، إنما هو في الأصل إسلاموي المولد والمنشأ والهوية، ذو نسب في الإسلاموية عريق. قرأت وتأملت وتعجبت، ثم لم أجد بين شفتي ما أهتف به في وجه المحبوب غير قول الفرنجة: Welcome to the club !!
    (3)
    يختلط عليك الأمر أحياناً، وأنت تُمعن النظر في لوح المحبوب، هل كتب اللوح بعماره حقاً قيادي إسلاموي ممن قام نظام الإنقاذ على أكتافهم فشادوا بنيانه، مدماكاً مدماكاً، ومكّنوا لحكمه في البر والبحر، وأمحضوه بذلهم في المشهد والمغيب؟ ولعلك تعلم يا رعاك الله أن صاحبنا كان قد قطع غداة الانقلاب بعثته للدراسات العليا بفرنسا، ونحر بيده اللقب الدالي الرفيع، الذي تتقطع دونه الأعناق، وضحَّى به بنفسٍ مطمئنة وروحٍ طيبة رضية، وتركه وراءه معلقاً على أعمدة برج إيفل في قلب باريس، ثم قفل راجعاً الى دار الجهاد الأكبر ليقف غداة الانقلاب على ثغرة من أجلِّ الثغور: أميناً للإعلام الخارجي لحكومة الثورة المنقذة. نقول يختلط عليك الأمر فما تدري هل الكاتب هو المحبوب عينه، أم واحدٌ من عتاة المعارضين الذين جبهوا الإنقاذ عند بزوغ فجرها باللسان، ثم لاقوها عند ضحى يومها بالسنان. ويُحيّرنا أن المحبوب لا يستبرئ لنفسه من معرَّة التآمر للإجهاز على الديمقراطية الوليدة والإطاحة بالشرعية المنتخبة في العام ١٩٨٩م، بل يصدر في كل مواقفه من ذات المنطلق الوصائي الحركي الإسلاموي التقليدي الذي يفرض رعايته الأبوية على المجتمع كله (إنما الخير أردت والإصلاح قصدت)، وعين المنطق الاستعلائى الفرعوني القرآني التالد: (وما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد). وسنأتيك – أيها الأعز الأكرم – فنفصل لك تفصيلاً ما بدا لنا من جوانب الخلاف مع مواقف وأسانيد صاحبنا المحبوب كما بسطها عبر صفحات الكتاب.
    (4)
    لم يكن مستغرباً عندي مسعى المؤلف لتجلية وتلطيف صورة شيخه الدكتور حسن الترابي ومواقفه السياسية خلال فترة وجوده في مواقع السلطة خلال العهد المايوي الى جانب الرئيس الراحل جعفر نميري. وكان الشيخ نفسه، بمعونةٍ من الآلة الإعلامية الإسلاموية الضاربة خلال ربع القرن الماضي، قد سعى لتثبيت بعض الخزعبلات والأوهام في أذهان العامة حول مواقف معارضة يزعمها ضد الرئيس نميري. وحقيقة الأمر أن جميع الادعاءات التي جرى ترويجها ترويجاً مكثفاً برعاية الآلة الإسلاموية خلال ربع القرن الماضي لا سند لها من الواقع ولا حظّ لها من الصدقية. ليس صحيحاً قط أن الشيخ الترابي درج على انتقاد النميري والهجوم عليه وعلى سياساته وممارساته في ندوات مختلفة وأن الأجهزة الأمنية كانت تترصده وتبلغ الرئيس بذلك، كما جرت المزاعم وكما كرّس المحبوب في لوحه. في مرة وحيدة خلال العام 1982 كان الشيخ الترابي، الذي شَغَل وقتها منصب النائب العام، قد تحدث في ندوة مفتوحة للطلاب بجامعة الخرطوم ودعاهم علانيةً للالتحاق بتنظيم الاتحاد الاشتراكي والتعبير عن مواقفهم الناقدة للنظام من داخله. وقد حملت صحيفة (آخر لحظة) الحائطية الناطقة بلسان الاتجاه الإسلامي في صبيحة اليوم الثاني المانشيت العريض: (الترابي للطلاب: باسم النظام أدعوكم لممارسة النقد البناء). وبعد حوالى خمسة أسابيع من تلك الندوة ذهب الترابي الى الجامعة مرة أخرى حيث خاطب الطلاب منتقداً حملات تفريغ العاصمة التي كانت قد بلغت ذروتها في النصف الأول من الثمانينات، وعُرفت في اللسان الشعبي باسم (الكشات). وقد كانت جل ملاحظات الترابي الناقدة تدور حول فذلكات واستشكالات قانونية محضة، حيث استخدم الرجل كلمات وعبارات محسوبة وحذرة للغاية في وصف الإجراءات الشرطية لتفريغ العاصمة، ومن ذلك أنه وصف الحملات بأنها (سخيفة). ولكن المصطلحات ذات الفاعلية السياسية والحقوقية الأصيلة في مثل هذه المواقف مثل (حقوق الإنسان) و(الحقوق الدستورية) لم ترد قط على لسان الترابي. والغريب أنه عندما نُقلت هذه الواقعة وأبلغت الى الرئيس الذي واجه بها الدكتور حسن الترابي علناً فإن الأخير دافع عن نفسه دفاعاً مستميتاً في اجتماع مهيب بقاعة الصداقة ونفى الكلام المنسوب اليه، واتهم بعض المسئولين بالتآمر ضده والاساءة اليه وترويج الذائعات المغرضة عنه! والغريب أن حاكم إقليم دارفور أثناء العهد المايوي أحمد إبراهيم دريج الذي كان غاضباً على حملات تفريغ العاصمة أثار ذات القضية أثناء جلسة لمجلس الوزراء في وقت لاحق، بحضور الرئيس نميري، واتهم حملات تفريغ العاصمة بأنها تعبر عن سياسة عنصرية من قبل الحكومة تجاه أبناء أقاليم بعينها مما أغضب الرئيس. ولم يفتح الله على النائب العام الدكتور حسن الترابي الذي كان حاضراً بكلمة واحدة عند مناقشة حاكم دارفور لذلك الموضوع، رغم أن الحاكم تعرض لتقريع شديد من الرئيس بسبب جرأته وتجاوزه للخطوط الحمراء.
    والواقع أن المرة الوحيدة التي طرح فيها الدكتور الترابي رأياً يمكن أن يوصف بأنه مخالف لموقف معلن للرئيس نميري خلال سنوات مشاركته في الحكومة الممتدة من ١٩٨٠م وحتى ١٩٨٥م، جرت عندما طرح النميري على مجلس الوزراء قراره بإرسال قوات سودانية الى العراق لدعم الرئيس السابق صدام حسين في حربه القائمة آنذاك مع إيران، وفتح الباب للمتطوعين السودانيين بالتسجيل للسفر الى مواقع القتال. وكان من رأي الترابي أن المعلومات المتوفرة حول الموقف العسكري بين البلدين المتحاربين في أغلبها معلومات مضللة تروجها مصادر غربية تحاول أن توحي بأن إيران على مشارف النصر وأن جيشها ربما اكتسح أجزاءً من العراق في المستقبل المنظور. وأشار الترابي على الرئيس أن يجنح الى شئ من التأنى حتى يتأتى له التثبت من الحقائق على أرض الواقع قبل إنفاذ القرار بإرسال قوات سودانية للمشاركة في القتال. وغنيٌّ عن البيان أن النميري لم يحفل بنُصح وزيره وأمضى قراره وأنفذه في ذات يومه بغير تردد.
    (5)
    وإذ يثبّت لنا المحبوب، ما أبانه قبله آخرون من أهل الذكر أن قرار الانقلاب الانقاذوي وخطته اجتمعت عليهما جماعة الجبهة الإسلامية القومية، شيخاً وأتباعاً، وتواثقت يداً واحدة وقلباً واحدا؛ وأن العناصر المنوط بها قيادة الانقلاب أدت القسم وبايعت بيعة الرضوان تحت شجرة شيخها الترابى أن تراعي أمانتها وتحفظ عهدها، فإنه لا يتركنا منذ الوهلة الاولى دون أن يلقي في أذهاننا بجرثومة الخيانة. وخيانة العهد والميثاق تبدأ منذ صياغة البيان رقم واحد الذي تلاه على الشعب صبيحة الثلاثين من يونيو العميد عمر حسن أحمد البشير. وقد عرفت للمرة الأولى من لوح المحبوب أن كاتب ذلك البيان هو الأستاذ علي عثمان محمد طه. وأنه تم الإتفاق على الأفكار والخطوط الأساسية للبيان الأول ليطرق القضايا المتعارف عليها في سنن الانقلابات، وبحسب صاحبنا فإنه كان من جوانب الاتفاق حول مضمون البيان أن يصاغ بحيث (يبشر بالإنقاذ وتسليم السلطة للشعب ريثما تستقر الأوضاع). المعنى المراد هو أن يتضمن البيان الأول فقرة تشير الى نية المنقذين الاستيلاء على السلطة لفترة زمنية مقدرة بقدرها تؤمن خلالها أحوال البلاد فتثوب الى شئ من الاستقرار، ثم تتم بعد ذلك إعادة السلطة للشعب، تماماً كما كان الحال مع انقلاب الفريق عبد الرحمن سوار الذهب في أبريل ١٩٨٦م. ثم يضيف المحبوب، وأريدك هنا أن تعيرني كامل انتباهك أيها الأعز الأكرم: (ولكن هذه النقطة بالتحديد لم ترد في البيان الذي تلاه رئيس الثورة فجر الإنقلاب، كما لم يناقش المكتب القائد سقوطها عن النص الأول، فضلاً عن أن يحاسب على غيابها). إذن فقد كانت لكاتب البيان أجندته الخاصة التي لا تخفى، ولذلك فقد التوى على جماعته، برغم القسم والعهد، وتنصَّل من إضافة الفقرة التي تنص على تسليم السلطة للشعب في أعقابِ الفترة الانتقالية المتفق عليها، فكان ذلك البيان الأول المبتور، المنزوع الدسم، الذى تلاه على شعبه، فى فاتحة الانقلاب، العميد (آنذاك) عمر البشير. يا ألطاف الله! كدة يا شيخ علي.. تبدا الخيانات من قولة تيت؟! والله إنى لأكاد أرى بعينىّ رأسى داهية المسلمين عمرو بن العاص يجلس عند قدميك متأدباً متتلمذاً ينشد العلم! ولكن السؤال مع ذلك ما يلبث ان يطرح نفسه على وجه العجلة: ما الذى حال بين المكتب القائد وبين مناقشة سقوط (او بالاحرى اسقاط) الفقرة من صلب البيان، ولماذا لم يُحاسب المُسقط على تغييبها؟!
    (6)
    تنقسم الشخصيات من قيادة الحركة الإسلاموية فوق صفحات الكتاب انقسامات مفصلية بين محاور متقابلة تقع عليها تصنيفات قطعية: أبيض وأسود، ضحايا ومتآمرين، أبطال وخونة، أهل وفاء وأهل غدر، خبثاء أشقياء وأصفياء أنقياء، متشبثون بأعنة الحكم وأرائكه وطنافسه، وزُهّاد عُبّاد لا يرون في السلطة إلا الابتلاء والفتنة. وفي إبحاره المتصل بين الجماعتين المصنّفتين لم يبخل المحبوب علينا بآراء حسمية مُفلقة وأحكام قيمية مطلقة في شأن غالب برامج الإنقاذ ومشروعاتها وأعمالها الكبرى التي انكبت عليها منذ فواتح أسابيعها الأولى في السلطة المنتزعة وحتى خواتم العشرية الاولى.
    أدان صاحبنا بكلماتٍ متينةٍ صلدة تشريد عشرات الآلاف من العاملين بأجهزة الدولة تحت شعار الصالح العام، كما استنكر قرارات تصفية كبار ضباط القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى بغرض فسح المجال أمام (عربدة صغار الضباط) الإسلامويين. ووصف فصل العاملين بالدولة مدنيين وعسكريين بأنها (مجزرة عشوائية). وأكد أن فصل الكثير من هؤلاء لم يكن له علاقة بالعمل أو تأمين الثورة، وإنما كان دافعه الموجدة الشخصية والدوافع الذاتية من لدن بعض عناصر التنظيم، وآخرين من الوصوليين الذين رغبوا في التخلص من زملائهم في الأجهزة والوزارات الحكومية. كما أدان على ذات الصراط تمدد الاعتقالات العشوائية في المراكز التي عرفت باسم بيوت الأشباح، حيث جرى أخذ الناس بالشبهات بلا تحقيق أو محاكمة. وأفاد أن سدنة بيوت الأشباح حصلوا على فتاوى دينية تجيز التعذيب في سابقةٍ دمغها بأنها (مأساة فكرية تضاف للمأساة الأخلاقية)، وقرر المحبوب أن التعذيب في بيوت الأشباح مارسته عناصر من فرع الاستخبارات العسكرية بمشاركة عناصر من عضوية التنظيم، وأن بعض ممارساته جرت أمام أعين بعض قادة الحركة.
    استبشع صاحبنا (المجزرة المتعجلة التي ارتكبتها قيادة الثورة وقيادة الحركة، المتمثلة في نائب الأمين العام، في ثمانية وعشرين من الضباط، وأضعاف العدد من ضباط الصف، بعد محاولة انقلابية فاشلة). لم يلفت نظري كثيراً أن المؤلف ترحَّم على الضحايا أجمعين وعبَّر عن أسفه لفقدانهم، فالمحبوب إنسان رفيع ومسلم أصيل، بيد أن الذي شدّ انتباهي حقاً هو أنه أسبغ عليهم صفة (الشهداء)، وكونه شدد النكير على رجال الإنقاذ ووضع المسؤولية فوق أعناقهم فكتب: (وبقيت المسؤولية في عنق الإنقاذ الى اليوم، أن تخطر ذوي الشهداء كيف تمت المحاكمة، وبأي قانون، وأين دفنوا وماذا تركوا من وصايا ومتعلقات شخصية).
    استهجن المحبوب ما وصفه بـ (الجرأة البالغة) التي تجلَّت في حماسة بعض قادة التنظيم لإعدام كبار الأطباء الذين ائتمروا على الإضراب في أيام الإنقلاب الأولى، كما استنكر إعدام رجل الأعمال المرحوم مجدي محجوب محمد أحمد الذي نفذ فيه حكم الإعدام برغم الشبهة الشرعية المتمثلة في ثبوت حصوله على المال موضوع المحاكمة ورثاً لا تصرفاً وبيعاً. وأضاف الى ذلك إعدام (أبناء لرموز في الديانة المسيحية كانت الثورة تحتاج أن تحفظ معهم عهداً ودوداً ينفعها في عمرها الوليد).
    ثم أدان المحبوب بعبارات ساطعة برنامج تطوير وتثوير الخدمة العامة والإصلاح الإدارى، الذي وقف عليه منذ الاسبوع الأول للانقلاب وعلى مدى سنتين الوزير المتألق الطيب إبراهيم محمد خير (سيخة)، المولع الى حد الوله بأضواء كاميرات التلفزيون، كما سخر من ممارسات الوزير الاستعراضية التي ما قطعت أرضاً ولا أبقت ظهراً. وسخّف المحبوب السياسات الإعلامية التي صادرت الحريات منذ اليوم الأول لعهد الإنقاذ وأنتجت صحافة هزيلة، وأحالت الإذاعة والتلفزيون الى أجهزة عجفاء عديمة القيمة لم تزد شعبها إلا خبالاً، مشيراً الى تسابق كادرات التنظيم الإعلامية المؤهلة نحو وزارة الخارجية، وقد سُحرت وانخلب لبّها ببريق الوظائف الدبلوماسية والياقات المنشاه وربطات العنق، تاركة ساحات العمل الإعلامي القومى لأنصاف الموهوبين.
    (7)
    وسلسلة الإدانات الفورية الجزمية التي تُطرِّز لوح المحبوب تتعدد وتتصل وتستطرد، فما من سوأة من سوءات الإنقاذ إلا وأماط عنها خمارها وهتك سترها ففضحها فى العالمين بغير مناورةٍ او مداورة. غير أنه تبقى من ذلك كله معضلة واحدة، أرجو أن نتواثق، أيها الأعز الأكرم، أنا وأنت، على أن نبذل كل ما فى مقدورنا من جهد لتذليلها والقفز من فوقها ألا وهي: كيف يمكن أن نوفق بين منهج الشجب والاستنكار وفضح الستور وحرق الجسور من ناحية، وبين الحقيقة الشاملة التى تُغرق دنيانا بنورها لكأنها القمر فى كبد السماء، ومؤداها أن الوقائع المشمولة بسيل الإدانة جرى معظمها في سني الاستهلال من صدر العشرية الاولى، بل ان بعضها وقع في أيامها وأسابيعها وشهورها الفواتح، والحركة الإسلاموية حينئذٍ هيكلٌ متسقٌ وكيانٌ متحدّ كالبنيان المرصوص، يشدّ بعضه بعضاً، ويرمى عن قوسٍ واحدة. والمحبوب عهدئذٍ فارس من فرسان التنظيم ورائد من رواد الإنقاذ، عهدت إليه الثورة بحراسة بوابة الإعلام الخارجي، فنهض الى عهده في بسالةٍ وحماسةٍ وتجردٍ وإيثار؛ فأدى أمانته كأفضل ما تؤدى الأمانات، يميط الأذى عن سكة الانقاذ ويمسح العرق عن جبينها، ويجمّل وجهها المُستنصب المستكرب بمستحضرات المكياج الحديث، ثم يبيع صورها البهيجة الملونة للميديا العالمية. كما خرج شيخه الترابي نفسه الى قارعة الطريق شاهراً سيف البلاغة، يردّ عن الانقاذ الغوائل في الداخل، ثم ينزلق الى بطون الطائرات فيصدُّ عنها العاديات في الخارج. قيل ان رجلاً من بنى وطننا اذاقته العصبة المنقذة، مع آخرين من اصحابه، فى بيوت الاشباح سيئة السمعة ألواناً من العذاب - المُجاز شرعاً عند بعض فقهائها - حتى تلفت قدمه اليمنى تلفاً لا رجاء بعده، مما اضطر الاطباء لبترها، قيل أنه وقف على قدم واحدة، فى قلب مؤتمر صحفى عقده الشيخ بلندن، ليُشهد الناس على ظلم الانسان لاخيه الانسان، ولكن الشيخ رسم على فمه ابتسامته الثعلبيه الشهيرة وقال للحاضرين من كادرات الصحافة والاعلام العالمى بلغةٍ انجليزيةٍ رصينة: (الرجل كاذب، فليس عندنا بيوت أشباح ولا من يعذب الناس، وانما هى الدعاية المغرضة. بل قطع الاطباء قدمه لأنه مُعتل بداء السكر)!
    ويبدو لي أننا لو رجعنا الى ألواح التسعينات الأولى، لنتقصَّى ورق الشيخ الملهم وألواح الحُوار المستلهم لوجدنا فوقها عَمَاراً كثيفاً لا يشبه العمار الذي كتب به المحبوب لوحه الجديد. مع أن الثابت الذى عليه جمهور المؤرخين أنه عند كتابة التاريخ وتوثيقه لا يجوز إعادة تحرير نفس الوقائع فوق الواح جديدة باستخدام عمار جديد. تماماً مثلما لا يجوز إعادة تسويق التاريخ القديم المستند الى تراث حسن البنا وسيد قطب وعبد الرحمن السندي، بتدوين روايات جديدة تمجِّد صفحاتها شعر محمود درويش وتحتفى بأبيات محجوب شريف وتفتح قلبها لقصائد هاشم صديق، وترقص طرباً مع غناء أبوعركي البخيت، وتتمايل وجداً مع موسيقى عقد الجلاد. أما إذا ركب المحبوب رأسه وأصرّ على السير قدماً في نهجه هذا، فليس أمامه غير طريقٍ واحد وهو أن يحْلِق لحيته تماماً، على الأقل من قبيل اظهار الاحترام الواجب للحكمة الشعبية السودانية التى تقرر بغير مواربة أن الرقص وإطلاق اللحى لا يجتمعان!
                  

02-10-2010, 06:12 PM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسيح المصلوب فى لوح المحبوب (١-٣) -مصطفي البطل - نقلا عن الاحداث 10فبرائر (Re: abubakr)

    Quote: استبشع صاحبنا (المجزرة المتعجلة التي ارتكبتها قيادة الثورة وقيادة الحركة، المتمثلة في نائب الأمين العام، في ثمانية وعشرين من الضباط، وأضعاف العدد من ضباط الصف، بعد محاولة انقلابية فاشلة). لم يلفت نظري كثيراً أن المؤلف ترحَّم على الضحايا أجمعين وعبَّر عن أسفه لفقدانهم، فالمحبوب إنسان رفيع ومسلم أصيل، بيد أن الذي شدّ انتباهي حقاً هو أنه أسبغ عليهم صفة (الشهداء)، وكونه شدد النكير على رجال الإنقاذ ووضع المسؤولية فوق أعناقهم فكتب: (وبقيت المسؤولية في عنق الإنقاذ الى اليوم، أن تخطر ذوي الشهداء كيف تمت المحاكمة، وبأي قانون، وأين دفنوا وماذا تركوا من وصايا ومتعلقات شخصية).
    استهجن المحبوب ما وصفه بـ (الجرأة البالغة) التي تجلَّت في حماسة بعض قادة التنظيم لإعدام كبار الأطباء الذين ائتمروا على الإضراب في أيام الإنقلاب الأولى، كما استنكر إعدام رجل الأعمال المرحوم مجدي محجوب محمد أحمد الذي نفذ فيه حكم الإعدام برغم الشبهة الشرعية المتمثلة في ثبوت حصوله على المال موضوع المحاكمة ورثاً لا تصرفاً وبيعاً. وأضاف الى ذلك إعدام (أبناء لرموز في الديانة المسيحية كانت الثورة تحتاج أن تحفظ معهم عهداً ودوداً ينفعها في عمرها الوليد).
                  

02-10-2010, 06:14 PM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسيح المصلوب فى لوح المحبوب (١-٣) -مصطفي البطل - نقلا عن الاحداث 10فبرائر (Re: abubakr)

    Quote: ثم أدان المحبوب بعبارات ساطعة برنامج تطوير وتثوير الخدمة العامة والإصلاح الإدارى، الذي وقف عليه منذ الاسبوع الأول للانقلاب وعلى مدى سنتين الوزير المتألق الطيب إبراهيم محمد خير (سيخة)، المولع الى حد الوله بأضواء كاميرات التلفزيون، كما سخر من ممارسات الوزير الاستعراضية التي ما قطعت أرضاً ولا أبقت ظهراً. وسخّف المحبوب السياسات الإعلامية التي صادرت الحريات منذ اليوم الأول لعهد الإنقاذ وأنتجت صحافة هزيلة، وأحالت الإذاعة والتلفزيون الى أجهزة عجفاء عديمة القيمة لم تزد شعبها إلا خبالاً، مشيراً الى تسابق كادرات التنظيم الإعلامية المؤهلة نحو وزارة الخارجية، وقد سُحرت وانخلب لبّها ببريق الوظائف الدبلوماسية والياقات المنشاه وربطات العنق، تاركة ساحات العمل الإعلامي القومى لأنصاف الموهوبين.
                  

02-10-2010, 06:21 PM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسيح المصلوب فى لوح المحبوب (١-٣) -مصطفي البطل - نقلا عن الاحداث 10فبرائر (Re: abubakr)

    Quote: وسلسلة الإدانات الفورية الجزمية التي تُطرِّز لوح المحبوب تتعدد وتتصل وتستطرد، فما من سوأة من سوءات الإنقاذ إلا وأماط عنها خمارها وهتك سترها ففضحها فى العالمين بغير مناورةٍ او مداورة. غير أنه تبقى من ذلك كله معضلة واحدة، أرجو أن نتواثق، أيها الأعز الأكرم، أنا وأنت، على أن نبذل كل ما فى مقدورنا من جهد لتذليلها والقفز من فوقها ألا وهي: كيف يمكن أن نوفق بين منهج الشجب والاستنكار وفضح الستور وحرق الجسور من ناحية، وبين الحقيقة الشاملة التى تُغرق دنيانا بنورها لكأنها القمر فى كبد السماء، ومؤداها أن الوقائع المشمولة بسيل الإدانة جرى معظمها في سني الاستهلال من صدر العشرية الاولى، بل ان بعضها وقع في أيامها وأسابيعها وشهورها الفواتح، والحركة الإسلاموية حينئذٍ هيكلٌ متسقٌ وكيانٌ متحدّ كالبنيان المرصوص، يشدّ بعضه بعضاً، ويرمى عن قوسٍ واحدة. والمحبوب عهدئذٍ فارس من فرسان التنظيم ورائد من رواد الإنقاذ، عهدت إليه الثورة بحراسة بوابة الإعلام الخارجي، فنهض الى عهده في بسالةٍ وحماسةٍ وتجردٍ وإيثار؛ فأدى أمانته كأفضل ما تؤدى الأمانات، يميط الأذى عن سكة الانقاذ ويمسح العرق عن جبينها، ويجمّل وجهها المُستنصب المستكرب بمستحضرات المكياج الحديث، ثم يبيع صورها البهيجة الملونة للميديا العالمية. كما خرج شيخه الترابي نفسه الى قارعة الطريق شاهراً سيف البلاغة، يردّ عن الانقاذ الغوائل في الداخل، ثم ينزلق الى بطون الطائرات فيصدُّ عنها العاديات في الخارج. قيل ان رجلاً من بنى وطننا اذاقته العصبة المنقذة، مع آخرين من اصحابه، فى بيوت الاشباح سيئة السمعة ألواناً من العذاب - المُجاز شرعاً عند بعض فقهائها - حتى تلفت قدمه اليمنى تلفاً لا رجاء بعده، مما اضطر الاطباء لبترها، قيل أنه وقف على قدم واحدة، فى قلب مؤتمر صحفى عقده الشيخ بلندن، ليُشهد الناس على ظلم الانسان لاخيه الانسان، ولكن الشيخ رسم على فمه ابتسامته الثعلبيه الشهيرة وقال للحاضرين من كادرات الصحافة والاعلام العالمى بلغةٍ انجليزيةٍ رصينة: (الرجل كاذب، فليس عندنا بيوت أشباح ولا من يعذب الناس، وانما هى الدعاية المغرضة. بل قطع الاطباء قدمه لأنه مُعتل بداء السكر)!
                  

02-10-2010, 06:17 PM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسيح المصلوب فى لوح المحبوب (١-٣) -مصطفي البطل - نقلا عن الاحداث 10فبرائر (Re: abubakr)

    شكرا لك باشمهندس أبو بكر على إشراكنا في هذه القراءة. و الشكر للأستاذ البطل فقد أكد لي ما كنت أعتقده من أن هم الأستاذ المحبوب سيكون تبرئة شيخه و المراهنة على ضعف ذاكرتنا. الترابي كان راعي النظام و منظره الذي لا ينعقد أمر بغير استئذانه إن لم نقل بغير توجيهه و تخطيطه... حتى قوائم المفصولين للصالح العام كانت تعرض عليه و إذا وصلته شكوى كان يستطيع إعادة من يريد إلى الخدمة. هل يراد لنا أن نصدق أن المحبوب و شيخه لم يسمعا ببيوت الأشباح إلا بعد ما يسمونه بالمفاصلة؟ أو أنهم كانو غير راضين بممارسات النظام القبيحة؟
                  

02-11-2010, 10:37 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسيح المصلوب فى لوح المحبوب (١-٣) -مصطفي البطل - نقلا عن الاحداث 10فبرائر (Re: Elawad)

    يالعوض الله يعوضن شعوب السودان الميماميين فكم فقدو وقاسو ونالو ظلما من امثال هؤلاء ...ومن يعش رجبا يجد عجبا
                  

02-11-2010, 10:38 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسيح المصلوب فى لوح المحبوب (١-٣) -مصطفي البطل - نقلا عن الاحداث 10فبرائر (Re: abubakr)

    Quote: أول ما لفت نظرى وشدّ انتباهي وأنا أعبر الفقرات في مقدمة الكتاب توسل المحبوب الى تقعيد خاطراته وتثبيت تداعياته باستدعاء مفكرين وأدباء وشعراء ومغنيين من قبائل ماركسية وعلمانية وليبرالية، أوغل في الاستشهاد بآثارها الإبداعية على نحو لا تخطئه العين. وافتني لفوري الحكمة الشعبية (تعيش كتير تشوف كتير) فقلت لنفسي: من يعش من تجربة الإسلامويين داخل مقطورة الحكم وخارجها عشرين رجباً، يرى من التحولات الذهنية الجذرية عند الكيزان، من أمثال المحبوب، عجباً. من يا ترى كان يصدق أنه سيظلنا زمان يكتب فيه عتاة الإسلامويين، أهل السيخ والعصي والشعارات المجلجلة المزلزلة، التي لا تقبل القسمة على اثنين، كتباً وأسفاراً فلا يجدون من بين كل مبدعي المعمورة من يستأنسون بعطاءاتهم غير لينين وميشيل عفلق ومنصور خالد وبدر شاكر السياب ومحمود درويش ومحجوب شريف وهاشم صديق وأبوعركي البخيت وفرقة عقد الجلاد، كما استأنس المحبوب في مقدمته الجزلة؟! هل كنت تصدق – أعزك الله - لو انه قيل لك، قبل نيفٍ وعشرين عاماً، أن رجلاً يوصف بأنه يد الشيخ الترابي اليُمنى سيكتب كتاباً تجد بين دفتيه شعراً يمجد شهداء الشيوعيين في يوليو ١٩٧١م: (جابوا معاوية يشهد/ شوف معاوية وغدرو/ لوّح خنجرو وطعن الشفيع في صدرو)؟! أو أنه يستعذب فينتخب في مقدمته أبياتاً من شاكلة: (منو العمّق جذور العزّة جوّة الطين/ وما همّاهو ساعة الرحلة للمجهول/ منو السلّم صغارو الغُول/ وكان اتغشّة لم يتأمل العيش الملا القندول). ووجه المفارقة الداعية للتأمل هنا هي أن شاعر الأبيات المختارة المُستشهد بها، ومغنيها، استقرت عقيدتهما معاً، كما استقرت عقيدة لفيفٌ كثيف في طول الوطن وعرضه، على أن “الغول” المعني، آكل الأطفال، إنما هو في الأصل إسلاموي المولد والمنشأ والهوية، ذو نسب في الإسلاموية عريق. قرأت وتأملت وتعجبت، ثم لم أجد بين شفتي ما أهتف به في وجه المحبوب غير قول الفرنجة: Welcome to the club !!
                  

02-11-2010, 10:57 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسيح المصلوب فى لوح المحبوب (١-٣) -مصطفي البطل - نقلا عن الاحداث 10فبرائر (Re: abubakr)

    Quote: أدان صاحبنا بكلماتٍ متينةٍ صلدة تشريد عشرات الآلاف من العاملين بأجهزة الدولة تحت شعار الصالح العام، كما استنكر قرارات تصفية كبار ضباط القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى بغرض فسح المجال أمام (عربدة صغار الضباط) الإسلامويين. ووصف فصل العاملين بالدولة مدنيين وعسكريين بأنها (مجزرة عشوائية). وأكد أن فصل الكثير من هؤلاء لم يكن له علاقة بالعمل أو تأمين الثورة، وإنما كان دافعه الموجدة الشخصية والدوافع الذاتية من لدن بعض عناصر التنظيم، وآخرين من الوصوليين الذين رغبوا في التخلص من زملائهم في الأجهزة والوزارات الحكومية. كما أدان على ذات الصراط تمدد الاعتقالات العشوائية في المراكز التي عرفت باسم بيوت الأشباح، حيث جرى أخذ الناس بالشبهات بلا تحقيق أو محاكمة. وأفاد أن سدنة بيوت الأشباح حصلوا على فتاوى دينية تجيز التعذيب في سابقةٍ دمغها بأنها (مأساة فكرية تضاف للمأساة الأخلاقية)، وقرر المحبوب أن التعذيب في بيوت الأشباح مارسته عناصر من فرع الاستخبارات العسكرية بمشاركة عناصر من عضوية التنظيم، وأن بعض ممارساته جرت أمام أعين بعض قادة الحركة.
                  

02-18-2010, 06:53 AM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسيح المصلوب فى لوح المحبوب (١-٣) -مصطفي البطل - نقلا عن الاحداث 10فبرائر (Re: abubakr)

    بعد إذنك يا باشمهندس أنشر الجزء الثاني:

    لوح المحبوب: غسيل الأموال وغسيل الأحوال (2-3) ... بقلم: مصطفى عبد العزيز البطل

    غربا باتجاه الشرق

    (1)
    ما نزال مع لوح الاستاذ المحبوب عبد السلام (الحركة الإسلامية السودانية، دائرة الضوء- خيوط الظلام: تأملات في العشرية الأولى لعهد الإنقاذ)، الذى رأينا فيه – مثلما رأى غيرنا - طاقةً تنويريةً دافقة تسهم بقدرٍ مقدّر فى تعبيد سككٍ للوعى ظلت مستغلقة، وتسليك مساراتٍ اسلاموية تداخلت شعابها خلال الحقبة التسعينية الموّارة الفوارة. والمحبوب مأجورٌ باذن الله وهو يثبّت للسابلة عند قواطع الطرق الأسهم التى تحدد الاتجاهات، ويدقُّ العلامات التى تبين المداخل والمخارج، ويرفع على الجدران اللافتات التى تحمل أسماء الأحياء والشوارع والأزقة، بحيث يصبح التعرف على معالم مدينة الانقاذ الاسلاموية أقل رهقاً للزائرين المستطلعين وأكثر يُسراً.
    وقد ذكرنا فى الحلقة الاولى أن اللاعبين الأساسيين فى مباراة المحبوب العشرية ينقسمون فوق صفحات الكتاب انقسامات مفصلية الى فريقين تقع عليهما تصنيفات قطعية: أهل دين وأهل دنيا؛ رجال مبادئ ورجال هوى؛ ملتزمون أوفياء ومتآمرون خونة؛ متشبثون بأعنة الحكم وأرائكه وطنافسه، وزُهّاد عُبّاد لا يرون في السلطة إلا البلاء والابتلاء. ولا غرابة من حيث المبدأ، ولا حرج، فى مثل هذا الضرب من التصانيف، فالحركة الاسلاموية السودانية لم تكن الشاة السوداء وسط القطيع، كما يقول الفرنجة. لا هى بالاستثناء المفرد من سنن الانسانية الجامعة، ولا هى بالطائر الشارد عن نواميس الكون. فالحركة – فى المبتدأ والمنتهى - قوامها الناس، وفى مضربهم الملائكة، وفى نقعهم الوسواس الخناس. والبشر هم البشر، منذ وضع آدم قدميه على أديم الأرض. وفى الزمن القديم قال ميكافيللى: "المال والسلطة هما محور التاريخ الانسانى". فإذا افتتن بهما اخوة الامس، وتمايزت منهم الصفوف، فارتدوا مفتونين يضرب بعضهم رقاب بعض، فحدّق، يا هداك الله، فى أُفق الدنيا العريض وتأمل عبرة التاريخ: هل كذب ميكافيللى؟! كلا. ولكن الحقيقة أحياناً تؤذى النفس وتثقل الفؤاد!
    (2)
    غير أن الذى يبدّد ريشنا وينغّص عيشنا ونحن نعاظل لوح المحبوب هو ان بعض حجاجه لا يستقيم لنا، حتى اذا أعدنا البصر كرتين حسبناه لجاجاً. مع اننا نستقيم لحجاجه ونهش له، ونفرش له المطارف والحشايا، لا لشئ الا لأنه إن قام على سوقه ونهض وافق هوانا. وهوانا غلاب، كما أن هوى المحبوب غلاب. وعلى ذات المنوال كان حال بعض روايات الكتاب، على دقةٍ ظاهرة فيها وبيانٍ مستفيض وتفصيلٍ مستعمق. وهى رواياتٌ أريد لها ان تقيم الحجة على أهل الصف الخؤون الوالغ فى الفتنة، ولكنها بدلاً عن ذلك أثارت فى ربعنا من شواظ الأسئلة بأكثر مما أرسلت من نسائم الاجوبة.
    غير أن الأدهى من ذلك كله هو أننى عندما فرغت من مطالعة اللوح ركبنى همٌّ وهيط وانتابنى احساسٌ طاغٍ بأننى وقفت لتوى على مشروعٍ يشبه ذلك الذى يعرف فى الفضاء العام بالاسم الذائع فى مضامير القانون والجريمة المنظمة ب (مشروعات غسيل الأموال). الذى خيّل الىّ، مع اننى، علم الله، أحسن الظن بالمحبوب إحساناً يجاوز المدى، هو ان لوحه يترجم مشروعاً متكاملاً لغسيل "الأحوال". واذا لم يكن لمصطلح "غسيل الأحوال" هذا وجودٌ فى الحقول المعرفية المعاصرة فها أنا ذا أُبادر فأخترعه اختراعاً، وأفترعه افتراعاً. وغسيل الأحوال كممارسة احترافية يتم فى صورته المثالية عندما يقوم مشارك أساسى فى قضية خلافية برصد ومتابعة الاحوال والتطورات والوقائع، كما كرت سبحتها وانفرطت حبيباتها، عبر المسار الزمنى الذى تمددت خلاله القضية، تماماً كما يفعل رجال التحرى فى الدفاتر الشرطية التى تعرف باسم دفاتر الاحوال. ثم يعمد من بعد الى إعادة تدوين المجريات بدقة متناهية، على ان يتلازم ذلك كله مع خطوة موازية وهى غسيل جميع المعلومات والبيانات، محل الرصد والتحليل، فى مغسلة الكترونية اوتوماتيكية، بالماء الساخن مضافاً اليه صابون "تايد" المعطر، ومادة الكلوريكس المطهرة. ولا تختلف عمليات "غسيل الاحوال" هذه الى حد كبير عن عمليات غسيل الملابس العادية، حيث يقوم الغاسل فى نهاية المطاف بالحصول على ملابس نظيفة تماماً، وقد أزيلت عنها كل البقع المتسخة والتشوهات والعوالق والروائح غير المستحسنة، فيبدو الانسان وهو يرتديها فى أبهى حال وأزهى مآل من الوجهتين الحسية والنفسية!
    هل نحتاج فى مقام الشرح والإبانة الى تقديم امثلة لعمليات غسيل الأحوال فى كتاب المحبوب؟ حسناً. خذ هذا المثال: عندما تقف الحركة الاسلاموية بكل خيلها ورجلها، صفاً واحداً، الى جانب الرئيس المخلوع الراحل جعفر نميرى فتهلل وتكبّر لمأساة اعدام مفكر مثل الاستاذ محمود محمد طه، ويعتبر قادتها وعلى رأسهم الشيخ حسن الترابى الاعدام فتحاً للاسلام ونصراً للمسلمين، وينعتون الشهيد محمود بأنه رجل فاسد العقيدة؛ عندما يقع ذلك كله تحت أسماع وابصار أبناء السودان اجمعين، ثم يعود المحبوب بعد ربع قرن من ذلك التاريخ ليصف فى لوحه اعدام الاستاذ محمود بأنه "انتكاسة" فيكتب: (ولكن الانتكاسات لم تلبث أن توالت حيث اقدم النميرى على اعدام رئيس الحزب الجمهوري الاستاذ محمود محمد طه..)، فإن ذلك يعد مثالاً ناطقاً لعمليات "غسيل الأحوال". التاريخ يقرر أن الحركة الاسلاموية شاركت ومهدت لاعدام الاستاذ محمود قبل التنفيذ، ثم باركت واحتفت وأبدت عرفانها للنميرى بعد التنفيذ. أن يوصف محمود بأنه مرتد، وأن اعدامه نصر للاسلام فى العام ١٩٨٥، ثم تُزال صفة الردة بأثر رجعى وتسحب من الاوراق سراً وبدون اعلان، وتُسبغ على الرجل صفة (استاذ) وتعاد تسجيل واقعة اعدامه فى دفاتر المسجل العام تحت عنوان "انتكاسة" فى العام ٢٠١٠م، فذلك ولا ريب غسيلٌ للاحوال، يعيد انتاج تاريخ مازالت الشرايين فى قلبه حيةً تنبض. وغسيل الاحوال باعادة انتاج التاريخ غير جائز وغير مقبول!
    (3)
    يذكر المحبوب ان الشيخ الترابى الذى دخل السجن حبيساً غداة الانقلاب، بادر من فوره بلقاء السيدين الصادق المهدى ومحمد عثمان الميرغنى ودعاهم الى التوافق على اجماع يرسم ملامح مرحلة جديدة فى تاريخ السودان، ويحقق الاتفاق حول كلمةٍ سواء تصل الى من اختاروا الاشتراكية والقومية من أبناء الوطن فيتوافقوا معهم على عدالة الاسلام والوصال مع الجوار العربى والاقليمى. ثم ان السيدين لم يتجانفا العرض من حيث المبدأ، بل ربما استحسناه، ثم طلبا ان يُحمل المقترح الى الشيوعييين والبعثيين والافريقيين باتجاه مزيد من الاجماع الوطنى. غير ان المحور المضاد للترابى، اى محور الاستاذ على عثمان محمد طه، الذى يرد اسمه فى الكتاب بصفة نائب الامين العام، سعى وعلى الفور لقطع الطريق على مسعى الشيخ الترابى لرأب الصف الوطنى واستعادة الديمقراطية، فأوعز النائب وجماعته الى رجال الأمن فأخذوا السيد الصادق المهدى من محبسه ليلاً والحقوا به إساءات جسيمة. وكان المراد من هذه الخطوة المستقبحة افساد خطط الشيخ الهادفة لتكريس الوفاق الوطنى واستعادة الحياة الديمقراطية، وان تكون– بحسب المحبوب- رسالة بالغة للشيخ الترابى نفسه مفادها أن الثورة لن تصطلح مع الأحزاب! نفهم من هذا ان العداء بين الشيخ الترابى ونائبه كان قد استعر لظاه واتّقدت جمرته منذ الايام والاسابيع الاولى للانقلاب، بحيث شرع النائب فى تفتيش نوايا الشيخ تفتيشاً تعسفياً ونهض الى افشال خططه وتدابيره من خلال آليات الدولة التنفيذية والأمنية. ولكننى أجد صعوبة بالغة فى تمثّل هكذا سيناريو للاحداث والاعتداد به، كون منطق الأشياء لا يسعه. لا سيما وان المحبوب يبذل جهدا خارقاً لرسم صورة طوباوية للشيخ الترابى تظهره وكأنه كان يتحرق شوقاً منذ صبيحة الانقلاب لاستعادة الديمقراطية، فى مواجهة شغف مدمر عند نائبه لاحتكار السلطة وفرض نظام تسيطرى مطلق.
    كتب صاحبنا حول موقف شيخه من الانتقادات المريرة لسجل النظام فى مجال حقوق الانسان فى شهور الثورة الاولى:(استطاع الامين العام ان يواجه الانتقاد بروح تغلّب الأمل فى المستقبل والرجاء فى التغيير القريب). وكتب فى صدد تبيان أسس الخلاف بين الشيخ ونائبه ان جوهر النزاع يتمثل فى (حديث الشيخ الدائم عن تأصيل معنى الحرية فى الحياة العامة والتعبير عن ذلك فى وثائق الحركة، ثم نظمها وقراراتها وعملها، ثم عزمه تقديم مقترح قرار لهيئة الشورى الخاصة يبيح حرية التعبير للصحف وحرية التنظيم للاحزاب). وفى مواجهة ذلك الموقف العدالى الديمقراطى المتعلق بالحريات يتقاطع موقف الاستاذ على عثمان وجماعته، التى ترتعد من سيرة الديمقراطية وبسط الحريات العامة وتخشى ان تُعيد تلك الحريات الى السلطة القوى الموتورة التى اطاحها الانقلاب فتنصب المشانق لأهل الانقاذ. وتقرأ الى ذلك كلاما كثيفاً عن ايمان الشيخ وتمسكه بمبدأ سيادة المجتمع وهيمنته على الدولة، فى حين كانت قوامة الدولة على المجتمع هو النهج الايمانى السائد عند النائب ومحوره.
    بيد أننا نعلم – ويعضدنا المحبوب بلا ريب - ان الشيخ الترابى كان هو نفسه من الدعاة الاصلاء للانقلاب على الديمقراطية عند بسط الامر والتباحث حوله فى القنوات الحزبية داخل تنظيم الجبهة الاسلامية القومية، حيث قدم اطروحات فاعلة تعضد الفكرة وهى بعد حلمٌ يهّوم فى عالم الخيال، وتعزز الخطة اذ هبطت من علياء الحلم الى مدارك التطبيق. ثم نهض الشيخ بهمة عالية وحماسة منقطعة النظير بدور قيادى مؤثر فى صدد التهيئة للتغيير العسكرى واحكام تدابيره، لدرجة أنه قام قبل شهرين من الانقلاب بزيارات الى بعض الدول الاجنبية للالتقاء ببعض عناصر الحركة بالخارج والتبشير بالانقلاب وتأمين مزيد من التأييد له فى اوساط اسلامويي الخارج. بل ان غلاف كتاب المحبوب نفسه يشتمل على فقرة مركزية يرد فيها وصف الشيخ الترابى بأنه ( الصانع الأكبر لما جرى)! وكل هذا يجعلنا نهباً للحيرة ونحن نصيخ السمع الى مزاعم تحاول ان تشى بأن الشيخ سعى بُعيد الانقلاب بأيام واسابيع معدودات بنيةٍ صادقة صافية للوصول الى تدبير تراضوى مع قادة الاحزاب يمهد الطريق لعودة الديمقراطية بأعجل ما يتيسر، وان اهتمامه بتأصيل معانى الحريات العامة وفرض مضامينها كان هو جوهر خلافه مع نائبه منذ مشرق شمس الانقلاب.
    (4)
    ثم ان لوح المحبوب يتركنا فى حاجة الى تفسيرات كثيرة تلقى لنا بضوءٍ كاشف على بعض التناقضات التى تكتنف تسلسل الاحداث وتداعيها عبر عشرية الانقاذ الاولى. كانت الخيانة والتآمر والرغبة فى الاستئثار بالسلطة قد بلغت مبلغاً سعد معه النائب واعوانه بهدية القدر اليهم حين تعرض الشيخ الى واقعة الاعتداء التى عرفت ب "حادثة اوتاوا" فى العام ١٩٩٢، فسعوا الى احكام الحصار حول الشيخ وتحييده واضعاف وجوده ومحو اثره. جاء فى اللوح:(استقبلت الدائرة الاضيق بقيادة نائب الامين العام أنباء الحادث بصمت مطبق، وفيما تحركت دوائر فى السياسة والاعلام من أبناء الحركة، يحفزهم النبأ المريع، صدرت توجيهات واضحة من النائب تمنع خروج اى بيان من جهة رسمية يدين الحادث). ثم:( وفيما انفعلت وتفاعلت جهات كثيرة فى الحركة مع الحادث، ظلت جهة واحدة فى الحركة ساكنة، كأن شيئاً لم يكن، هى دائرة نائب الامين العام). حسناً، لو كان الحال قد ساء بين الزعيمين الى هذا الحد المؤسف، وتبينت للشيخ ومشايعيه خفايا شخصية نائبه وحقيقة نواياه منذ الاشهر والسنوات الاولى لانقلاب الانقاذ، فما هو المنطق وما هو الدافع وراء مبادرة الشيخ، وفقاً لرواية المحبوب، باختيار نائبه المتآمر لشغل منصب وزير التخطيط الاجتماعى فى العام ١٩٩٢، لا سيما وانه يقول عن تلك الوزارة:(وهى وزارة كان الامين العام يقدر لها شأناً عظيماً لحركة اسلامية غايتها تجديد المجتمع وتبديله على نحو شامل وفق اصول ومبادئ الاسلام). غير ان الحيرة تصل غايتها حقاً عندما تقرأ عن اختيار الشيخ الترابى للاستاذ على عثمان لتولى أعباء وزارة الخارجية فى العام السادس للثورة، فقد جاء فى الصفحة ١٤٩:( تولى الاستاذ على عثمان وزارة الخارجية ضمن رؤية للأمين العام اقتضت تقلبه بين الوزارات لتمام الخبرة، وهو يُهيأ لتولى مقعد الامين العام للحركة الاسلامية فى المستقبل المنظور).
    سبحان الله. لماذا وعلى أى أساس يريد الشيخ الترابى بعد ست سنوات من حكم الانقاذ رأى فيها رأى العين الواناً من تآمر نائبه واجندته السرية وميوله الشيطانية، ومجافاته سراً وعلناً لخطة الشيخ لاستعادة الديمقراطية وبسط الحريات وتأكيد قوامة المجتمع على الدولة، لماذا – والحال كذلك - يريد ان يجعل من هكذا نائب خليفةً له على قيادة الحركة الاسلامية فى المستقبل المنظور، فينعم عليه اختياراً وبمحض ارادته بمزيد من ريش السلطة، ويُنبت القوادم فى جناحه، ويعده ويحسن تدريبه وتأهيله على النحو الذى اطلعنا عليه المحبوب؟! أرأيت يا رعاك الله كيف اننا نستقيم لصاحبنا ولكن طروحاته لا تستقيم لنا؟!
    (5)
    أشار الاستاذ كمال الجزولى فى روزنامته قبيل أسابيع قلائل الى ما كشف عنه المحبوب فى لوحه بشأن اباحة الحركة الاسلاموية للتزوير فى الانتخابات على اطلاقها، والتوسع فى ممارسته بغير روادع من دين او كوابح من خلق، فى منافسات الحركة عبر الحقب مع خصومها فى اتحادات الطلاب والنقابات المهنية وغيرها من المحافل والمواقع. جاء فى اللوح عن التزوير:(.. برعت فيه الاجهزة الخاصة للمعلومات والأمن، وظلت تتحالف لإنفاذه وتمام نجاعته عضوية الحركة فى الأجهزة الشعبية والرسمية لتكسب به مقاعد الاتحادات والنقابات). ونذكر أن صديقنا الحركى الاسلاموى السابق الدكتور عبد الوهاب الافندى كان قد المح فى مقال له، قبل حوالى العام، الى نموذج من نماذج التدابير التى يُعتقد ان الحركة كانت قد لجأت اليها للتأثير على نتائج الانتخابات على منصب رئاسة الحركة الاسلامية، التى كان قد جرى التنافس عليها فى زمن مضى بين الاستاذين على عثمان وغازى صلاح الدين. وكان الافندى قد أشار الى ان الجهة المنظمة للعملية الانتخابية نصبت كاميرات خاصة داخل غرف التصويت، بحيث يمكن مراقبة الاعضاء وهم يمارسون عملية الاقتراع، والتعرف فى ذات الوقت على الصندوق الذى القى فيه كل مقترع بطاقته الانتخابية.
    ولكن دعنا من ذلك كله فليست الشكوى من ضلوع الاسلامويين فى التزوير على اطلاقه هو مبتغانا. انما نريد ان نتوقف أمام واقعة بعينها: حكى المحبوب ان قيادة الحركة، والمقصود هو الشيخ الترابى، كانت قد قررت فى العام ١٩٩٧ اثناء انعقاد المؤتمر القومى العام للحزب الحاكم ترشيح الدكتور غازى صلاح الدين لمنصب الأمين العام بدلاً عن الاستاذ الشفيع احمد محمد الذى كان يشغل ذلك المنصب. ولكن كتلة دارفور (ومن حالفها)، التى تشكل اغلبية مقدرة، رفضت ترشيح الدكتور غازى وأصرت على استمرار الشفيع فى موقعه، وان ذلك الموقف شكل مفاجأة لقيادة الحركة. لماذا؟ لأن الحركة – فى عقيدة المحبوب- لم تعتد على مثل هذه المواقف الاعتراضية الصارخة من عضويتها، اذ كانت مثل هذه الامور تدبر تدبيرا داخلياً ثم تخرج للعلن. وكانت فى كل الاحوال تمضى، كما خطط لها، من الباطن الى الظاهر فى سهولة ويسر. ثم جاء فى اللوح:(القيادة ظلت تختار وتقرر والقاعدة ظلت توافق وتُقرْ). أقرأ ذلك فلا اكاد اقاوم الاغراء بأن اذكّرك – أعزك الله – بأن ذلك كان حال الحركة التى كانت عبر السنوات والحقب تفاخر بأنها تجتذب القطاع الاكبر من عضويتها من اوساط المتعلمين، وتعرض فى لوحات كبيرة عند كل مناسبة انتخابية عدد وأسماء الحاصلين على درجات الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس من بين مرشحيها. وهى ذات الحركة التى كان قادتها يعايرون قادة الاحزاب التقليدية بعار "الاغلبيات الميكانيكية"!
    ما علينا. فليس ذلك، مرة اخرى، هو اكبر همنا. الذى نريد ان نثبت قواعده هنا هو ما اشتمل عليه اللوح من بيان واضح الى ان قيادة الحزب الحاكم لجأت الى التزوير المباشر لضمان فوز مرشح القيادة الدكتور غازى صلاح الدين، الذى اعلنت لجنة الانتخاب فوزه دون اشارة الى عدد الاصوات التى حصل عليها!! كل ذلك مفهوم. الذى لا نفهمه هو ان التزوير الذى استهل به المؤتمر الوطنى عهده كتنظيم سياسى للحركة الاسلامية فى العام ١٩٩٧ تم بحسب المحبوب ( بتواطوء تام من قيادة فى المؤتمر مع لجان الانتخاب). ولولا حرف الجر "فى" لكان المقصود هو الشيخ الترابى شخصيا، فقد كان هو حتى ذلك التاريخ وبعده بقليل فى موقع القيادة الفعلية المطلقة بلا منازع. ولكن حرف الجر يعفى الشيخ وينقل التهمة الى "قيادة فى المؤتمر" دون تسمية. ولكنك لو قرأت اللوح من اوله الى آخره لما اعوزتك التسمية، فالمعنى هو النائب على عثمان. عظيم. وها نحن نسعى هنا مرة اخرى الى ان نقبل حجاج المحبوب بذهنٍ مفتوح وقلبٍ سليم، لولا العقبات التى تنهض فى طريقنا فتسد علينا الطرق كلها. أول هذه العقبات اننا نقرأ فى ذات المكان من اللوح ان النائب على عثمان لم يكن فى الاصل راضياً عن مرشح القيادة للمنصب، بل كان يهمس همساً برأى معارض. ثم انه اقترح اختيار شخص آخر للمنصب، وهو العقيد (م) محمد الامين خليفة. ولما لم يجد النائب وسيلة لازاحة الدكتور غازى آثر الصمت على مضض. لماذا؟ يجيب صاحبنا:(اذ ظل نائب الامين العام يزهد فى المجادلة والمواجهة مؤثراً المسايرة الصامتة لآراء وقرارات الامين العام). هل اختلط عليك الأمر مثلما اختلط علىّ؟! اذا لم يكن الامر كذلك فأعنّى يا هداك الله على استيعاب هذه الصورة: الأمين العام الشيخ الترابى يختار الدكتور غازى صلاح الدين للمنصب، ثم يفرضه فرضاً على غالبية عضوية التنظيم التى لم تكن تحبذ الترشيح. وسلطة الامين العام هنا مطلقة بدليل ان النائب الذى لا يقر الترشيح ويعارضه يؤثر الصمت والانزواء زهداً فى المواجهة برغم رأيه المخالف. ثم يتطور الامر الى حد تزوير الانتخابات كلها امضاءً لارادة القيادة وانفاذاً لحكمها. ومع ذلك كله فإن المتهم بتزوير الانتخابات واعلان فوز الدكتور غازى على نحوٍ مرتبك (دون تحديد لعدد الاصوات التى فاز بها) هو النائب على عثمان وشيعته ليس الشيخ الترابى ورهطه! وهنا لا نجد عندنا ما نقول سوى: قاتل الله غسيل الأحوال!
    (5)
    بسطنا الاسبوع الماضى روايةً وردت فى اللوح بشأن المسئولية عن صياغة البيان الاول لانقلاب الانقاذ الذى تلاه العميد عمر البشير صبيحة الثلاثين من يونيو ١٩٨٩. ومقتضى الرواية – كما وردت فى لوح المحبوب- ان البيان قام بصياغته نائب الامين العام على عثمان، وأنه برغم وجود اتفاق مسبق بأن يتم تضمين البيان فقرة تؤكد استعادة الحريات وتسليم الحكم للشعب ريثما تستقر الاحوال السياسية والعسكرية فى البلاد، فإن من قام بصياغة البيان أغفل اضافة تلك الفقرة. الا أنّ الصحافى النابه عبد الوهاب همت الذى قام مؤخراً بإجراء حوار مطول مع القيادى الاسلاموى الرفيع الدكتور على الحاج محمد، نشرته صحيفة (اجراس الحرية) على مدى اربعة حلقات، اورد جانباً من الحوار جاء فيه على لسان الدكتور على الحاج، الذى يُعرف عنه انه كان واحداً من مجموعة السبعة التى اوكلت اليها الجبهة الاسلامية تنفيذ الانقلاب، رواية مختلفة لقصة البيان الاول. وفقاً للدكتور على الحاج فإن البيان قامت بصياغته لجنة مكونة من مجموعة من الأشخاص، وعند فراغ اللجنة من الصياغة، تم عرض مسودة البيان على الامين العام الشيخ حسن الترابى الذى اطلع عليه. ويفهم من صياغة الحوار ان الشيخ أجاز البيان على النحو الذى عرض عليه. وقد وجدت من الاهمية بمكان ان اشير الى هذا التباين بين الروايتين. وأنا اذ انقل هنا رواية الدكتور على الحاج، كما رصدتها الصحيفة، فاننى لا اعضّدها او اتبناها بأى حال من الاحوال. فقد قرأت فى إفاداته هو أيضاً خلال حلقات الحوار الطويل بعض مظاهر "غسيل الاحوال"، وفى نيتى ان اعود اليها فى وقتٍ لاحق. غير اننى أفضل ان افرغ اولاً من غسيل المحبوب، قبل ان انهض الى غسيل على الحاج!

    عن صحيفة "الأحداث" - 17 فبراير 2010
                  

02-18-2010, 07:29 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسيح المصلوب فى لوح المحبوب (١-٣) -مصطفي البطل - نقلا عن الاحداث 10فبرائر (Re: Elawad)

    يالعوض
    Quote: بعد إذنك يا باشمهندس أنشر الجزء الثاني:


    الف شكر .. كنت سانتظر حتي اعود من عملي لانقل ما ارسله لي بعد نشره لاقرؤه اولا ثم اتي به هنا فالاحداث ليست متاحة اسفيريا الا وفق مزاج عادل الباز وعثمان فضل الله ومتما ارادا (سلطوية صحفية ! تقول شنو )
                  

02-18-2010, 07:48 AM

abubakr
<aabubakr
تاريخ التسجيل: 04-22-2002
مجموع المشاركات: 16044

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسيح المصلوب فى لوح المحبوب (١-٣) -مصطفي البطل - نقلا عن الاحداث 10فبرائر (Re: abubakr)

    تفاديا لاي محاولة نشل ادبي فانني حيث ابتدرت نقل هذا الموضوع الي اسفير واسع اعلن ان لقريبي مصطفي عبدالعزيز البطل كامل حقوق الملكية الادبية والفكرية لمصطلح "غسيل الاحوال " وكل من يستعين به فليذكر ذلك مشفوعا باسم مالكه ومخترعه مصطفي البطل .. ولقد سبق ان اخترع الكاتب الفنان الساخر الفاتح جبرا مصطلح "الشعب الفضل" فرايت من لم يشير الي حقه الادبي والفكري حين افتبسه .. وهذا بيان للناس ...

    (عدل بواسطة abubakr on 02-18-2010, 07:49 AM)

                  

02-18-2010, 08:31 AM

قلقو
<aقلقو
تاريخ التسجيل: 05-13-2003
مجموع المشاركات: 4742

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المسيح المصلوب فى لوح المحبوب (١-٣) -مصطفي البطل - نقلا عن الاحداث 10فبرائر (Re: abubakr)

    قريبى الأستاذ ابوبكر..
    شكرا على مقال الأخ مصطفى البطل وان كنت انا لا أفوت عدد الأربعاء من كل اسبوع من صحيفة (الأحداث )العدد الذى تعودنا ان نقرأ فيه مقال الأستاذ مصطفى..لكننا فى ايام الفلس نقرأ الموضوع (ملح)فى موقع سودانايل.
    والله لو لم اكن اعرف ان الأستاذ مصطفى البطل من الناطقين بغيرها لنسبته لقبيلة قريش عدل لأن مثل تعبير (غسيل الأحوال) لا يأتى به الا من هم من سلالة سيبويه ولو انو سيبويه برضو يعتبر من الناطقين بغيرها, يعنى هو برضو ولدنا.
    مع شكرى وتحياتى لك ولأستاذ مصطفى البطل.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de