|
السودان وعدوى التعنت العربي... عن الشرق الأوسط!!!
|
هل من باب الصدفة أن يتصدر في كل مرة بلد عربي نشرات الأخبار المحلية والعالمية؟
إن التواتر يمثل في حد ذاته ظاهرة، تمحو بدورها مفهوم الصدفة وتتبنى منهج التفسير والفهم بضبط المحددات ذات العلاقة بالعقل السياسي العربي ككل، والتي تعيد إنتاج نفس الأحداث رغم الاختلاف الظاهر.
لذلك فنحن في كل مرة ندير رأسنا الى دولة من الدول العربية، لنشاهد تأزم الأوضاع فيها، واقتراب الموقف من الاشتعال والانفجار. وفي كل مرة من تلك المرات، نستخلص نفس الدرس ونصل الى نفس العبرة، وكأننا احترفنا تكرار الأخطاء وإعادة انتاج نفس ردود الأفعال التي أثبتت عدم جدواها.
فمنذ صدور قرار مجلس الأمن 1706 الخاص بتدخل قوات دولية في دارفور، والرأي العام العربي على وجه الخصوص، يعيش حالة ترقب وفضول وتخوف يتعلق بمآل تطبيق ذلك القرار، خصوصا في ظل رفض النظام السوداني له، وإصرار مجلس الأمن على تطبيقه.
وربما يفسر هذا الفضول بعامل نفسي، يعود الى اللاوعي العربي العاجز عن تخيل قيام حرب جديدة، تدور رحاها في فضاء عربي إسلامي. وذلك بالنظر الى مجموعة المآزق التي تلقاها الولايات المتحدة وقوات التحالف من جهة، وأيضا لتعاظم الشعور العربي والاسلامي بأنه مستهدف في حاضره ومستقبله بالمعنى الاستراتيجي للكلمة.
ولعل ما يميز ما يحيط بقرار مجلس الأمن في هذه المرة، ومقارنة بالمرات السابقة، هو أنه قرار يهدف الى تغيير الوضع في السودان، من دون أن يغير النظام الحاكم وهذه مفارقة أو على الأقل صيغة جديدة.
ولكن في المقابل، يعتبر النظام السوداني أنه وإن كان القرار في ظاهره لا يهدد النظام، فإنه في باطنه يهدد الوطن السوداني ككل. لذلك فإن الرئيس عمر البشير، قد أعلن رفضه القاطع لنشر قوات دولية في دارفور، واصفا القرار بأنه جزء من مخطط شامل لاستلاب السيادة والوصاية على الشعب السوداني، بل لخص مضمون القرار وغاياته بالسعي الى تكريس استعمار قديم في ثوب جديد، مخيرا بالتالي مواجهة القوات الدولية، إذا ما حصل وتدخلت في دارفور. كما أن الجديد في قرار1706، مقارنة بظروف تدخل الولايات المتحدة والقوات الدولية المتعددة الجنسيات في العراق، هو ان قرار التدخل قد حظي بموافقة 12عضوا، أي أنه مشفوع بموافقة أممية بعكس الملف العراقي.
والسؤال الذي يفرض نفسه حاليا، هو هل أن الوضع سيتطور في اتجاه المواجهة العسكرية بين السودان ودول العالم، أم أنه سيتم الجوء الى صيغة ما، لتجنب المواجهة وتبعاتها خصوصا ما تحمله المواجهة العسكرية من خطورة على السودان، الذي تراكمت مشاكله والذي يعيش نظامه حالة ضغط قوية بسبب أزمة دارفور، رغم تمكنه من خلق صيغة مواتية لأزمة الجنوب.
أبان الرئيس جورج بوش في خطابه أمام الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة، أن القرار الدولي الخاص بدارفور يضع مصداقية الأمم المتحدة على المحك. طبعا يمكن للنظام السوداني أن يرد بأن بوش نفسه قد قضى على مصداقية مجلس الأمن، عندما لم يتوان عن غزو العراق من دون قرار من مجلس الأمن.
ولكن مثل هذا الرد وما شابهه، لن يغير من الواقع السوداني المهدد والمفتوح على كل الاحتمالات أي شيء يذكر.
إن اللافت في التطورات السلبية التي يشهدها الملف السوداني، وتعقب أثر منعرجاته وكيفية تشكلها، هو أن الدول العربية التي عاشت قضية تدويل أزمة داخلية، قد مرت بنفس الاخفاق وتسلحت بالتعنت ذاته، عندما انفلتت الأزمة من قبضتها وتحولت الى شأن دولي. ولعل تكرار ظاهرة تدويل أزماتنا الداخلية هو دليل وجود خلل تعيشه بعض الأنظمة الرسمية العربية، يجعلها غير قادرة على حل مشاكلها ومعالجتها وهي في مرحلتها الجنينية.
ويقود عجز الأنظمة عن اشباع توقعات مختلف فئات شعوبها وطوائفه، إلى العجز أيضا عن حل المشاكل، فيكون التدويل كما يحصل اليوم في السودان.
ولكن المشكل أن الفشل في معالجة الملفات الداخلية، ينتهي بنا في حالة تدويلها إلى تبني تبريرات مثل ادعاء المؤامرة واستنفار قاموس طويل من شعارات الجهاد والمقاومة، فنخسر بذلك حتى امكانات التدارك وننتهي الى السيناريو المعروف، والذي لا يوجد سواه والمثال العراقي بليغ بما فيه الكفاية.
إننا نرفض فهم المتغيرات التي مرت وتمر بها السياسة الدولية، وكيف أنه حتى مفهوم الحق نفسه قد تغير، وأن ما هو داخلي يمكن أن يسلب ويصبح مسألة دولية.
لذلك فإن كفاءة إدارة الشعوب والاشراف على مصالحها، لا يتم بالتراشق وبالتعنت وبالمكابرة التي ما عادت تنطلي على أي عربي عاقل.
فهل يظهر وعي سياسي جديد، قادر على استيعاب المتغيرات، ويتسلح بالمشروعية السياسية، التى تجعلنا في مأمن من التدويل؟
|
|
|
|
|
|