الكاتب السوداني طارق الطيب يحصل علي جائزة أوربية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 09:36 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة صلاح شعيب(صلاح شعيب)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-19-2005, 10:15 PM

صلاح شعيب
<aصلاح شعيب
تاريخ التسجيل: 04-24-2005
مجموع المشاركات: 2954

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الكاتب السوداني طارق الطيب يحصل علي جائزة أوربية

    الكاتب السوداني طارق الطيب بعد حصوله علي جائزة إلياس كانيتي

    العمل الابــــداعي يتجــــاوز الحــــدود و صـــراع الهويـــات


    حوارات / متابعات

    الكاتب طارق الطيب نمساوي الجنسية لكنه مصري سوداني قلباً وقالباً ولغة، فهو يعيش منذ عام 1984 في فيينا، وتقدمه النمسا كأحد كتابها، وبدأ يمثلها في معظم المحافل الدولية رغم أنه لازال يكتب بالعربية، بل حصل هذا العام علي أرفع منحة نمساوية هي منحة إلياس كانيتي لكن الطيب ولد وتربي في القاهرة لأبوين سودانيين، وهو لم ير السودان في حياته إلا لمدة اثني عشر يوماً ومع ذلك فقد كان يحمل الجنسية السودانية دون المصرية، ولد في 1959 بمدينة القاهرة وعاش في معظم أحيائها الشعبية وحصل علي بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس عام 1981، ثم حصل بعد ذلك علي الدكتوراه في العلوم الاقتصادية والاجتماعية عام1997 من جامعة الاقتصاد بفيينا عن أطروحة حملت عنوان نقل الأخلاق عن طريق التكنولوجيا ـ الصراع بين الهوية والربحية وهو يعمل الآن كمدرس ومحاضر في جامعة العلوم الإدارية بمدينة كريمس. نشر طارق الطيب عدداً من الأعمال القصصية والروائية والشعرية منها مدن بلا نخيل رواية عن دار الجمل ودار الحضارة، مسرحية الأسانسير القاهرة 1992، الجمل لا يقف خلف إشارة حمراء «قصص» دار الحضارة 1993، اذكروا محاسن.. «قصص» دار شرقيات 1998 حقيبة مملوءة بحمام وهديل دار سيلين فيينا 1999، تخليصات «شعر» دار ميريت .2002 وهو الآن بصدد اصدار الجزء الثاني من روايته مدن بلا نخيل. وقد كان طارق الطيب في زيارة للقاهرة نظمها المنتدي الثقافي النمساوي، وقد شملت الزيارة عدداً من القراءات بمركز ساقية الصاوي وبجامعة عين شمس وجامعة أسيوط وبعض اللقاءات الأخري..

    وعلي هامش هذه اللقاءات التقينا طارق الطيب.. وتحدثنا إليه في الكثير من الشؤون والشجون.. وهنا الحوار:

    حدثني أولاً عن بداياتك مع الكتابة.. المؤثرات الأولي.. والمكونات وكذلك سنوات الدراسة في مصر؟

    ولدت بالقاهرة في ثلاثة أمكنة عين شمس و البيومي بمنطقة الحسينية وفي شمال سيناء بالعريش، وهذه الأمكنة الثلاثة أثرت في كتاباتي فيما بعد تأثيراً واضحاً فكتابتي عن منطقة شبه منعزلة في ذلك الوقت علي أطراف القاهرة أو في قلب القاهرة القديمة محل مسكن جدتي لأمي، أو في منطقة بدوية في العريش في سيناء، هذا كان أثر المكان، ثم تأثرت بمكتبة والدي الصغيرة، فوالدي كان محباً وعاشقاً للسينما وللقراءة وكان يجمع الروايات ويجلدها ويضع اسمه عليها، فكنت في صغري أعتقد أن والدي أديب وبدأت في تقليده وهو يجلس ويقرأ محاولاً القراءة مثله، ودون أن تكون لي القدرة علي فك طلاسم الحرف. ثم ـ كالعادة ـ بدأت اهتماماتي بالشعر ومحاولاتي الأولي بسبب الوقوع في تجارب حب في المراهقة، ومحاولاتي الدائمة للتعبير عنها من منظور شخصي. كان يسكن أيضاً في بيتنا أستاذ أزهري اهتم بتعليمي اللغة العربية هو الدكتور عبد الغفار إبراهيم صالح، هناك أيضاً شيء أساسي هو أنني بدأت في كُتّاب الشيخ علي وتعلمت فيه حفظ القرآن ثم القراءة، ثم دخلت المدرسة الابتدائية، ثم قيل لي في ذلك الوقت أنني دخلت المدرسة متأخراً لمدة عام بسبب أنني من مواليد بداية العام، فبقيت في الكتاب عاماً آخر، وحين دخلت إلي المدرسة كانت بالنسبة لي أكثر بساطة، ومدة سنوات المرحلة الابتدائية سهلة ويسيرة، ولأن الدراسة كانت يسيرة كان هناك مدرسة تعفيني من حصة الدرس لأمشي مع ابنها الصغير في فناء المدرسة، وكان طفلاً شرساً، فكنت ألجأ إلي اختراع حكايات حتي تمكنت من تطويقه والسيطرة عليه عبر هذه الحكايات. وكان أكثر الأشياء إثارة للسعادة في الصغر أن أرسلت قصة أو حكاية صغيرة إلي مجلة ميكي ماوس ووصلتني أول رسالة في حياتي باسمي علي المنزل وكانت تتضمن شكراً وتمنيات بمستقبل طيب وهو شيء سرني كثيراً، حتي أنني في الرابعة عشرة أرسلت موضوعاً أعجبني من كتب تراثية وكانت عبارة عن حكايات وحكم ومأثورات ليست لي، لكنهم أذاعوها علي أنها مني، واستمع لها أهل المنطقة واشتهرت في المكان بسبب هذه الواقعة.

    وكان عادة يسعد مدرسو اللغة العربية بمستوي موضوعات التعبير التي أكتبها وكنت أسمع استحسان الأساتذة أو المدرسين لمثل هذه الموضوعات.

    وماذا عن ظروف انتقالك إلي النمسا وكيف بدأت في التعرف علي موهبتك.. وكيف انطلقت من هناك؟

    في المرحلة الجامعية كنت اكتب المقالة الأدبية وأحتفظ بها لنفسي وأعرضها فقط علي أصدقائي المقربين، ولم أبدأ الكتابة الجادة سوي بعد أن انتقلت للحياة في أوروبا.

    و قد حدثت هذه الانتقالة دون التفكير أو الترتيب المسبق لهذا الأمر فقد أردت استكمال دراستي الجامعية للحصول علي درجة الماجستير في إدارة الأعمال، كان هذا بعد عام 1981 بعد تخرجي من كلية التجارة بجامعة عين شمس، قبل هذه الفترة كان تصنيف الطلبة علي هذا الأساس: مصريون، وافدون من السودان، وافدون عرب، ووافدون أجانب. الوافدون من السودان كانوا معفيين من الرسوم الدراسية وكنت بحكم جنسية الوالد السودانية حاملاً لجواز سفر سوداني وبالتالي جنسية سودانية، فجأة حدث تغيير فيما يتعلق بالنظام الدراسي، وأصبح التصنيف مصريا وغير مصري، وعلي غير المصري أن يدفع مبلغاً باهظاً لاستكمال الدراسة. وما طلب مني في ذلك الوقت ـ وكان بالعملة الصعبة «كان يتعدي تقريباً مرتب والدي في عام كامل» فتوقفت عن استكمال الدراسة، وكنت ادرس في العامين الأخيرين دراسات إضافية في الجامعة الأمريكية لأنني كنت احصل علي منحة دراسية شهرية، توقفت بدورها بعد الحصول علي البكالوريوس.

    غضبت غضباً شديداً وتوقفت عن الدراسة وفكرت في العمل، فعلت ذلك لفترة قصيرة في مكتب مراجعة في القاهرة بمرتب ثلاثين جنيها شهرياً كانت لا تكفي حتي للمواصلات، فسافرت إلي العراق، وهي رحلة أيضاً عجيبة وعدت من تركيا إلي القاهرة لأقرر السفر إلي دولة يمكنني استكمال الدراسة بها دون الالتزام بسداد مثل هذه الرسوم الباهظة، وقررت ألا أذهب لا إلي لندن ولا باريس بل إلي مكان جديد تماما ولغة جديدة، فكرت بداية في السفر إلي ألمانيا لكنهم طلبوا مبلغاً مبدئياً للسكن والإقامة كطالب، ونظراً لوجود أخي خالد في النمسا قبلي بخمس سنوات سألته عن الدراسة في النمسا فقال إنها مجانية لدول العالم الثالث، وباعتباري من العالم الثالث فقد ذهبت إلي النمسا وتقدمت لاستكمال دراستي وكان ذلك في كانون الثاني «يناير» 1984 وكنت قد حصلت علي رد إيجابي من جامعة الاقتصاد في فيينا بقبولي لتحضير رسالة دكتوراه مباشرة، فلم يكن في ذلك الوقت نظام الحصول علي درجة الماجستير للتأهل للدكتوراه. كنت أعتقد أن الأمر سهل. وفرحت فرحاً كبيراً حيث أنني وجدت أن المواد الإضافية التي عليّ أن أدرسها هي أربعة فقط، وكانت القانون، والدستور والعلوم الاجتماعية ومادة اختيارية.

    كان علي أن أدرس بداية اللغة الألمانية ودرستها بالفعل لمدة عام لأدخل إلي قاعة المحاضرات لاستمع إلي لغة عالم آخر أفهم منها أي شيء وهي اللغة العلمية، فاحتجت إلي زمن طويل للدخول إلي دهاليز اللغة الألمانية العلمية. في هذه الفترة تعرفت علي زوجتي التي كانت تدرس أيضاً اللغة العربية وتبادلنا تعليم اللغة: هي تعلمني الألمانية وأنا أعلمها العربية.

    بعد ذلك حاولت أن أحصل علي منحة دراسية من السفارة السودانية لمعاونتي لاستكمال الدراسة لكنهم رفضوا إعانة طلاب الدراسات العليا، قيل لي أن المنح مقصورة علي الطلاب حتي إنهاء المرحلة الجامعية. كانت هناك منح من دولة النمسا ولكنها كانت تشترط عودة الدارس إلي بلده بعد إنهاء دراسته أو تعليمه، وبالطبع كانوا سيرسلوني إلي السودان بعد انتهاء المنحة أو أن أسدد قيمتها كاملة في حالة اختياري البقاء في البلاد، فاضطررت إلي العمل والالتحاق بمهن مضنية ذات عائد زهيد، فعملت كبائع للجرائد في الشارع وعملت في غسيل الأطباق في المطاعم إلي أن بدأت في معاونة طالبات وطلاب الدراسات الشرقية في ترجمة النصوص العربية مما أتاح لي مورداً أفضل من هذه الأعمال، وهو الأمر الذي نقلني نوعياً إلي مستوي أفضل، وأذكر لك أنه بسبب هذه المصاعب لم أحصل علي أي منحة من أي نوع سواء من النمسا أو من أي دولة عربية، وكنت أمتهن مثل هذه الوظائف حتي أتمكن من استكمال دراستي التي طالت علي نفقتي الخاصة، فكنت اضطر طبعاً للتوقف فصولاً دراسية كاملة حتي أتمكن من العمل لمدة تكفي للوفاء بتكاليف الفصل التالي، أيضا أذكر أن أورسولا زوجتي وقفت بجانبي مادياً ومعنوياً حتي أتمكن من الاستمرار في استكمال دراستي رغم أنها كانت طالبة في ذلك الوقت.

    أنت لازلت تكتب بالعربية رغم أنك كاتب نمساوي. كيف استطعت الحفاظ علي لغتك حتي الآن.. وكيف احتفظت بتميزها؟

    في بداية وصولي إلي النمسا حدثت لي صدمتان، ليست صدمات ثقافية، بل كانت الأولي لغوية، ثم صدمة مناخية، كنت أتوقع أن أعبر اللغة الألمانية بسهولة من خلال لغة وسيطة كالإنكليزية مثلاً، لكن لم يكن هذا ممكناً علي المدي الطويل، فلم تعد في البداية قيمة لأذني، لأنني لا أفهم ما يُقال، فبدأت استبدل الأذن بالعين، بدأت أري هذا المكان وأقرأه بعيني، لم تكن القراءة في مجملها صحيحة أو صائبة ولكنها خففت عني الكثير، الصدمة المناخية، لم أستطع مجابهتها علي الإطلاق فقد وصلت في الشتاء القارس وكان عاماً ـ لسوء حظي ـ مبالغاً في قسوته المناخية، ولم تكن عندي إمكانية تدفئة الغرفة التي أقيم فيها، فلجأت مع الوقت إلي محاولة التدفئة بذكريات المكان الأول وبكل بطء وتوئدة، وكأن هذا العالم هو البطانة الصالحة لتدفئة المكان، وهو معني مجازي أكثر منه معني مادياً. كنت في عالم ليست له أية اهتمامات ثقافية حتي بما في ذلك المحيط الذي أعيش فيه، فكل الأحاديث في ذلك الوقت عن العائد المادي وعن صراعات العمل والإقامة وما إلي ذلك، بدأت أقرأ كل ما يقع في يدي مكتوباً بالعربية حتي لو كان ذلك نشرة طبية، ثم بدت أحاول اقتناء كتب باللغة العربية، واستعادة الكتب القديمة وتحولت هذه الحالة إلي كتابة عبر الشكل القصصي، وكتبت أشياء كثيرة بالفعل ونحيتها جانباً، وبين عامي 1986 حتي 1988 أرسلت قصصي إلي مجلة الاغتراب الأدبي في لندن التي كان يشرف عليها الدكتور صلاح نيازي وتعني بأدب المنفي والاغتراب، وفي ذات الوقت أرسلت قصة إلي جريدة الأهرام التي نشرت القصة، ثم طلب مني صلاح نيازي قصصاً أخري فأخرجت كل ما عندي وأرسلته إليه وإلي مطبوعات أخري، وتم نشر عدد من هذه القصص لدي صلاح نيازي وبعض المطبوعات الأخري وأكثر ما نشرت كان في جريدة القدس العربي التي أوصلتني إلي القارئ العربي من أوسع الأبواب، رغم أنها ممنوعة من الدخول إلي دول كثيرة، تعرفت بعد ذلك علي ناشري الأول ونشرت لديه روايتي الأولي مدن بلا نخيل وبعد ذلك نشرت كل أعمالي اللاحقة في مصر، وانتقلت من دار نشر إلي أخري أملاً في توزيع أفضل لكنه لا يحدث.

    تبدو روايتك الضخمة مدن بلا نخيل في جزئيها، متأثرة بثقافة المكان الذي تستعيده دائماً.. هل ثمة مؤثرات أبعد من مؤثرات المكان في هذه الرواية؟

    تأثرت في كتابة مدن بلا نخيل بمؤثرات غربية لا سيما أثر المكان بثقافته وتعدده وثرائه لكنني لم أستفد منه لغوياً أو تقنياً لأنني لم أكن استوعب بعد اللغة الألمانية. ففي فترة كتابتي مدن بلا نخيل كانت لغتي الألمانية تكفي لقراءة الصحيفة اليومية لا أكثر، كنت أجد صعوبة كبيرة في قراءة نصوص أدبية أو شعرية لكنها أتاحت من ناحية أخري أن أقرأ العمل الألماني المترجم إلي العربية وأحاول مضاهاة النص الأصلي بهذه الترجمة، وهذا منحني بعض مفاتيح الدخول إلي مصطلحات أدبية هامة أفادتني كثيراً.

    حاولت بالفعل أن أنقل انطباعاتي وأحاسيسي والضغوط الواقعة عليّ من هذا المكان في شكل مباشر، لكن التأثير الغربي لم يكن جذرياً سوي في علاقته بالمكان، وقد تنبهت مبكراً إلي أن هذا المكان ليس هو الغريب بل أنا الغريب، ومن هذه النقطة حاولت أن أفهم واستوعب وأعي هذا المكان، وكيف أحل ورطتي في هذا المكان الذي قررت البقاء فيه.

    وبالتأكيد توجد بالرواية مقاطع كثيرة من سيرة حمزة بطل الرواية التي تمثلني ككاتب بالتفاصيل، فحمزة عاش في قرية سودانية فقيرة معدمة انتقل منها الي الشمال لكي يعمل من اجل أسرته التي تركها في قرية ود النار فانتقل إلي العاصمة فوقع في براثن عصابة صغيرة تقوم بأعمال غير شرعية ولكنها ليست إجرامية بالمعني الواسع كسرقة البنزين حال أزمته في السودان، أو كما حدث معه في مصر في تهريب الملابس من بورسعيد إلي القاهرة أو في تهريب الذهب والفضة عبر الحدود المصرية السودانية أو في سرقاته الصغيرة ليلاً للتوابل من السوق في أم درمان ليبيعها نهاراً ثم محاولة الانتقال إلي أقصي الشمال إلي الجنة الموعودة ليعيش هناك فترة عصيبة داخل أوروبا وهو شاب صغير.

    إذن ما علاقتك بالرواية العربية وإلي أي حد تمثل ذلك مرجعية؟

    في الرواية لم تكن مرجعيتي الروايات العربية الشهيرة التي تناولت علاقة الشرق بالغرب، مثل موسم الهجرة إلي الشمال أو قنديل أم هاشم أو عصفور من الشرق، هذه الروايات التي تضع ملامح قاطعة للحضارتين المتصارعتين بحيث تبدوان في حالة انفصال وصراع دائمين، لدي يحدث شيء آخر أن هذا الحد الفاصل بين الحضارتين يتسع كثيراً ليكون هناك فضاء كبير يوجد فيما يشبه حضارة ثالثة أو ثقافة ثالثة بحكم انتقال الشرقي إلي الغرب محملاً بثقافة مع موروثه اللذين يعيش بهما في الغرب ومن ناحية أخري فإن نظرة الغرب لهذا الغريب قد تطورت إلي شكل سلبي عما مضي، فقد اختفت تقريباً هذه الندية لأبطال الروايات القديمة، الشخص المنتقل الآن في الرواية إلي العالم الغربي هو شاب قليل التعليم ودون امتلاك للغة أجنبية ويبحث عن أحقر الأعمال حتي يستطيع العيش أو متابعة الحياة بعد أن ضاعت من أسفل قدمه. إن هذا الشخص لم يعد يُنظر إليه باهتمام من مجتمعنا الشرقي أو العربي، بل ينظر إليه بازدراء لأن نموذج حمزة نموذج مطرود ومطارد اجتماعياً سواء بتعليمه البسيط أو بانحداره من أسرة متوسطة أو بتمرده الصامت وامتهانه لمهن مارقة وغير شرعية ويتنصل منها الكثيرون باعتبار أنها لا توجد أبداً في بلادنا أو باعتبار أنها ليست مهناً أخلاقية، النموذج إذن مختلف.

    بعكس ما رسخته الرواية العربية البائدة التي أشرنا إليها في العلاقة بين الشرق والغرب، تنحو روايتك منحي جديداً يماهي هذه العلاقة بشكل أكبر، هل تعتقد فعلاً بتطور الشرق بالغرب؟

    بالتأكيد أري أن هناك جسراً يمكن أن يربط الثقافتين بعضهما البعض، لكننا عادة ما نتناسي هذه الجذور، التي تربط بين الثقافتين ونركز علي الفوارق، ويركزون هم أيضاً في الغرب علي مسألة التفوق بينما نحن نركز علي مسألة الانحلال الأخلاقي .

    في الآونة الأخيرة بعد أزمة ايلول «سبتمبر» اتسعت الهوة أو الفجوة علي المستوي الأيديولوجي في محاولة للتفكيك ووضع فواصل جديدة، ليس هذا فقط بل وضع فواصل ثقافية وعرقية أحياناً، فهناك مثلاً نموذج العراقي والسوداني، وأنا أجد أن البعد الرابط بيننننا وبين الغرب هو البعد الإنساني المشترك بدون أن يؤخذ هذا بسذاجة أو خفة، فقد وجدت بنفسي أن قضية حمزة بطل الرواية مقبولة ومفهومة من الغرب، من الممكن استيعاب نموذجها الإنساني أو بطلها التراجيدي، فهي شخصية وإن اختلفت تفاصيلها الإنسانية إلا أنها نموذج يمكن تعميمه بالمعني الإنساني فقد تكون هي الوجه الآخر لتراجيديا غربية في لحظة من اللحظات. وأنا أريد أن أذكّر الشرق والغرب معاً بقضية حمزة التي تتنامي والتي تتخذ أبعاداً خطيرة ومزمنة، لأننا نتعالي علي فكرة إيجاد حلول وإيجاد حوار جاد لا يتجاهل الفوارق كما انه لا يعمل علي تعميقها.

    وأنا ـ بشكل خاص ـ تربيت في مصر وولدت لأبوين سودانيين وأعيش في النمسا منذ حوالي أكثر من عشرين عاماً، وذاكرتي الحقيقية عبر هذه الأماكن الثلاثة بحيث أصبح يستحيل الفصل بينها بل أتعمد كسر هذه الحدود أو تذويبها كما ذكرت، وما يحزنني فعلاً أن الكثيرين يحاولون جري إلي الجنسية، هل أنا سوداني أم مصري أم نمساوي وأقول دائماً أنا هؤلاء الثلاثة في واحد، ومن المفترض هنا أن الشخصية التي تمزج هذه الأمكنة الثلاثة يمكن أن تضيف وعياً جديداً بمحاولة الدخول إلي منطقة التسامح وأرجو ألا تؤخذ هذه الكلمة أيضاً بسذاجة.

    والأحاديث كثرت في السنوات الأخيرة حول مسألة الهوية وأكثر ما قرأته كان دائماً يدور حول البحث عن فواصل أو حدود. وقليل من المفكرين والأدباء والشعراء هم من انتبهوا إلي أن المسألة أعمق بكثير من عمل محددات لهذا الموضوع، أو لغيره من محددات الهوية لأن العمل الإبداعي له سماته الخاصة التي تتجاوز فكرة صراع الهويات.

    لوإذا انتقلنا إلي ديوانك تخليصات كيف تري علاقتك بالشعرية العربية وكيف أثرت في جذورك المعرفية؟

    المؤثرات الشعرية الأولي لدي مصدرها ما تعلمته في المدرسة في مختلف المدارس الشعرية من القديم إلي الحديث ثم في فترة الشباب تأثرت بقراءات في الشعر الحر للكتاب والشعراء المعاصرين ولم أكن أفكر إطلاقاً أنني سأدخل في هذه الساحة الشعرية كتابياً أيضاً لكنها جاءت عفوية تأثراً بوضعي الشخصي الغريب في المكان الآخر.

    بدأت في رصد وتدوين حالتي ورؤيتي بلغتي الأم البسيطة أيضاً دون التفكير في نشر هذه الأعمال فوجدت نفسي منزلقاً لقرارات شعرية متعددة وحاولت أن استفيد بشكل شخصي بتقليد عمق الأفكار المطروحة من الشعراء لا سيما أنني وجدت في مجتمع لغته هي الألمانية وكنت بالضرورة مضطراً إلي تفكيك النص وفهم محتواه وهذا ما جعلني أيضاً أفعل الشيء نفسه في استقرائي أو قراءتي للنصوص العربية وأحب أيضاً أن أذكر أنني دخلت إلي الكتابة الشعرية من باب النثر فقد بدأت ناثراً في كتابتي للقصة القصية والرواية والآن يحدث تواز حيث أكتب النص الشعري بكامل الطاقة السردية للقصة القصيرة ولكن بشكل أكثر تكثيفاً، هذا التكثيف الذي يمكنه أن يكون معياراً جاداً للتفرقة بين النثر والشعر، وقد أُفدت من الغرب في جرأتي في تناول كافة الأفكار والتقنيات لأنني أيضاً وجدت أن المجتمع هناك يتقبل كتابتي ويتفاعل معها وكأنها كتابة لا تنفصل بحال من الأحوال عن نسيج المكان وثقافته بل هم يجدون أيضاً أن هناك عيناً جديدة ترصد ما خفي عنهم داخل تفاصيل مجتمعاتهم، وكأن هذه العين هي القادرة علي إعادة قراءة المكان وتجلياته بشكل مختلف.

    النمسا أيضاً منحتني الثقة بقيمة نصوصي الأدبية المترجمة بعد ترجمتي إلي الألمانية وحصولي علي العديد من المنح الأدبية الكبير ة والجوائز وتقديمي للمجتمع النمساوي باعتباري كاتباً من نسيجه، وأذهب إلي المحافل الدولية ممثلا للأدب النمساوي بينما أتكلم وأكتب وأقرأ بالعربية.

    هل هذه الأسباب هي التي دفعتك إلي شيء من المعاضلة اللغوية أحياناً.. وهل الخوف هو الدافع الحقيقي؟

    ربما السبب يعود إلي النقطة الأولي في سؤالك وهو الخوف علي لغتي العربية بينما أعيش في مكان يتكلم ويكتب لغة أخري. ربما يتسرب إليّ المكان عبر بعض الأفكار لكن الذي يحمل هذه الأفكار عادة هو لغتي العربية، وإن ظلت روح المكان مسيطرة علي النص فلا أحاول أن أتخلي عن الكلمة لأسباب بلاغية بل أنا باحث دائماً عن المعني كعادة الشعر الأوروبي، وعليك أن تعلم أنني لا أكتب وفي ذهني الترجمة.

    ألا تفكر بعد ذلك في الكتابة بالألمانية؟

    ربما يحدث في المستقبل أن أكتب بالألمانية مباشرة ولكني أشعر أن الفجوة اللغوية مازالت متسعة ومهما بذلت من جهد في ردم هذه الهوة أجد أن اللغة العربية عندي تتنامي ويتسع عالمها باستمرار، فأفضل دائماً كتابة النص وأنا مستريح أثناء التدوين والتسجيل دون أن أشعر بارتباك لغوي، وأعتقد أن الشخص الذي يكتب بلغتين أو أكثر لديه لغة واحدة أساسية تشكل له أرضية الكتابة ولكنه بارع في ترجمة هذه اللغة الأساسية إلي لغة أخري بشكل موفق وسلس. وأنا ليست لدي هذه البراعة ولا أدعي «رغم إتقاني الألمانية» أنه يمكنني الكتابة الأدبية بها في الوقت الحالي، مازلت اجرب من وقت لآخر وتجد أورسولا زوجتي أن الفكرة جيدة ولكن الثوب اللغوي لا يتناسب معها.

    قصائدك في ديوان تخليصات تعكس حالة عالية من حالات الاغتراب، والقسوة، لا سيما القصائد المكتوبة في الولايات المتحدة.. إلي أي سبب توعز تفجرات هذه الاغتراب.. وكيف تراه الآن؟

    سافرت إلي أمريكا مرتين، فقبل سفري كنت اعتقد أن المجتمع الأوروبي والمجتمع الأمريكي متشابهان تماماً لكنني وجدت اختلافات كثيرة يطول شرحها. في أثناء تواجدي في أمريكا لاحظت وجود طبقة من البشر في أسفل درك من الدنيا، الطبقة الخدمية التي يتشكل معظمها من الأمريكيين الأفارقة واللاتين، لم يكن الحال بهذا الشكل المؤسف في أوروبا رغم الضغوط علي الفئات الأجنبية لكنني لاحظت مع الوقت في أوروبا تنامي هذا الإحساس العدائي ضد العرقيات الأخري. في سنواتي الأولي كأفريقي عربي كان هناك نوع من الفضول لدي النمساويين لمعرفة من أين أتيت وكيف تبدو صحراؤنا أو غاباتنا البعيدة وهل تسير الجمال في الطريق إلي آخر هذه السذاجات، حتي أنه في السنوات الأخيرة في منتصف التسعينيات تقريباً بدأت تتعالي أصوات بترحيل الأجانب، وقد كتبت الشعارات المعادية علي الجدران حتي أنه ظهر من جديد علي السطح وللمرة الأولي في النمسا حزب لقي قبولاً واسعاً ينادي بطرد الأجانب ومنعهم من الحصول علي أي امتيازات أو حقوق اجتماعية. وقد ولد هذا الإحساس بأن أوروبا والنمسا تحبذان المنهج الأمريكي وتنتقلان إليه وإن كان ببطء. هذا ما دفعني أن أسجل ملاحظات من البيئة الأمريكية بأحاسيس العائش في أوروبا.

    وكيف تري أداء المؤسسة الثقافية العربية حيال أبنائها وحيالك بالتحديد؟

    المؤسسة الثقافية العربية الرسمية بوجه خاص لا أستطيع الجزم بما إذا تعرفني، أو تعرفني وتتجاهلني، فأنا محسوب علي السودان كسوداني لكنني أشك أن هناك أحداً يعرفني. فلم أنشر نصاً حتي الآن هناك، وفي مصر، رغم أنني نشرت كل كتبي هنا، ليس هنا أي صدي ربما فقط في هذه الزيارة التي قدمتني فيها المستشارية الثقافية النمساوية ككاتب نمساوي وأعدت لي برنامجاً يتضمن خمس قراءات في منابر مختلفة في مصر. وأري أن هناك تقصيراً فاضحاً في حق المبدعين العرب وأخص بالذكر مصر والسودان فقد قرأت الآن في جريدة أخبار الأدب أن هناك جائزة للقصة القصيرة والرواية بمبالغ كبيرة ولم أجد أن هناك مثلاً جائزة تخص الشعر رغم أن هذا المكان به نبوغ شعري علي مستوي عالمي ولكنه للأسف لا يجد الدعم البسيط حتي يستمر ولا أقول حتي يترجم أو يُعرف عالمياً. الأسماء التي أعرفها في معظمها من الأسماء الرسمية التي تتكرر باستمرار والتي تسافر عشرات المرات إلي المنتديات العالمية دون أن تتاح الفرصة بتمثيل أوسع وأشكل للتجربة لهذه الكوكبة الكبيرة من المبدعين ولا أري للأسف وجوداً للشاب أو الشابة المبدعة في العالم العربي علي المنابر العالمية وأحزن حين تقدم جائزة تشجيعية لكاتب تعدي الستين والتي من المفترض أن تقدم للشاب المبدع في بداية حياته الأدبية حتي يتفرغ بعد سنوات قليلة ويقدم انتاجاً افضل. معظم من رأيت من زملائي المتميزين يعانون بشكل واسع من أشياء عديدة منها غياب الدعم المادي وكذلك المعنوي وغياب التقدير في عمومه.

    القاهرة ـ القدس العربي ـ من محمود قرني:





                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de