|
Re: !!! ؟؟؟ قراءة نقديَّةٌ في رؤى "كمال الجزولي" الإسلاميَّة ؟؟؟ !!! (Re: صلاح عباس فقير)
|
لماذا مقالاتُ كمال الجزوليّ الإسلامية؟ تستهدف هذه المقالاتُ من ناحيةٍ تقديم ما يراه كمال الجزوليّ "الرؤية الإسلامية الصحيحة"، سواءٌ فيما يتعلق بإشكالية العلاقة بين الدين والدولة، أو فيما يتعلّق بالإسلام عموماً. ومن ناحيةٍ أخرى، وباعتباره من كوادر الحزب الشيوعيّ السودانيّ البارزة، أشار الكاتب إلى أنّ هذا الحزب قد مرَّ في سياق تطوّره الفكريِّ نحو استكمال بنيانه النّظريِّ بمرحلتين، مرحلةٍ استندت فيها مواقفُه النّظريّة إلى ردود الفعل السّلبيّة، إزاء فتاوى التّكفير والإلحاد، ابتداءً بمنشور طنون عام1954 م، ثمّ حادثة معهد المعلمين عام 1965م، حيثُ ظلَّ الحزبُ، من خلال ما يصدر عنه رسميّاً أو عن قادته ورموزه "يُراكم، ... إشاراتٍ، كما إشارات الفنار المتقطِّعة"، تُشير إلى ما يُمكن اعتباره شعارَ تلك المرحلة: (ماركسيون نعم، ولكننا لسنا ملحدين، وليس في فكرنا أو سياستنا إلحاد) [الفقرة:85]، أمّا المرحلة الثّانية فقد بدأت بـ: "تقرير السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني المقدَّم إلى المؤتمر الرابع، الّذي انعقد عام 1967 م، تحت عنوان: (الماركسيَّة وقضايا الثورة السودانيَّة)، والّذي سعى إلى تجاوز مرحلة الفنارات المتقطعة القائمة على ردود الفعل، نحو بناء رؤيةٍ فلسفيّة إيجابيّة حول المسألة الدّينيّة، حيث ورد في ذلك التقرير: "أنّه أصبح لزاماً على حزبنا أن ينمِّي خطَّه الدِّعائيَّ حول قضية الدين الإسلامي وعلاقته بحركة التقدُّم الاجتماعي.... لجعل الدّين الإسلامي عاملاً يخدم المصالح الأساسيَّة لجماهير الشَّعب، لا أداةً في يد المستغلين والقوى الرَّجعيَّة" [الفقرة:86]. ويقرّر كمال الجزولي أنّ تلك اللحظة الفكريّة الاستثنائيّة في تاريخ الحزب، الّتي مثّلها ذلك التّقرير، لم يتبعها ما يُعضِّدها ويُجسّدها، إلى يومنا هذا، حيث جاء مؤتمر الحزب الخامس الذي انعقد في يناير 2009م، بخلاف "ما كان متوقعاً منه، ... من بلورة للمنظور الموعود حول إشكالية (الدّين ـ الثورة)" [الفقرة:89]. إذن، فكمال الجزولي، وإن لم يقل: إنّه يستهدف سدّ تلك الفجوة الكبيرة، ما بين المؤتمرين الرابع والخامس للحزب الشيوعيّ السودانيّ، وبالتالي إيقافُ تمدُّد المرحلةِ الأولى ذات الطابع السلبيّ من ماضي الحزب إلى حاضره، مستجيباً للدَّعوة التي وجّهها سكرتير الحزب الشيوعيّ السودانيّ عام 1967م، لتكوين "رؤية فلسفيّة إيجابيّة حول المسألة الدّينيّة"، وإن لم يقل كمال الجزوليّ ذلك، لكنّه يُمارسه بوضوح عبر مقالات هذه السِّلسلة المتينة. فالحضور الحزبيّ في مقالات الجزوليّ حضورٌ بارزٌ، لكنّه خالٍ من النَّزعةً التَّعصُّبيّة المقيتة، إذ إنّه يستهدف عبر هذه المقالات استثارة حوارٍ مستنير، ليس بين "العقلانيين الشيوعيين واليساريين السودانيين، المنتمين إلى الجَّماعة المستعربة المسلمة، والثقافة العربيَّة الإسلاميَّة" فقط "ولكن بين سائر عقلانيِّي الجماعة السودانيَّة المسلمة"، وذلك من أجل تحقيق ما أسماه بـ: "المجابهة المستقيمة" مع ما أسماه "التيَّار السُّلطوي المنكفئ في حركة الإسلام السياسي" [الفقرة: 89/90]. إذن، فيُمكننا القول: إنّ كمال الجزولي ينطلق من ثلاث منطلقات: من واقع فرديَّته، ومن واقع انتمائه إلى الحزب الشيوعيّ السودانيّ، ومن واقع انتمائه إلى "الجماعة السّودانيَّة المسلمة"! ودعونا نسجّل هنا دلالةً كبيرةً فيما نحن بصدده، إذ للمرّة الأولى نرى أحد أقطاب اليسار السّودانيّ، يتوجَّه بقدرٍ كبيرٍ من المصداقيَّة نحو فهم أحد المكوِّنات الكبيرة لتركيبتنا الاجتماعيّة، إن لم يكن هو مكوّنها الأساس، ألا وهو الإسلام، يتوجَّه إليه من واقع شعوره بالانتماء إليه وإلى الجماعة الّتي تمثّله! ومن هنا تنبع أهمية هذه القراءة، وتتحدَّد أهدافها الكبيرة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: !!! ؟؟؟ قراءة نقديَّةٌ في رؤى "كمال الجزولي" الإسلاميَّة ؟؟؟ !!! (Re: صلاح عباس فقير)
|
ما هو هدفُنا من هذه القراءة النّقديّة؟ إنّنا نستهدف بهذه القراءة النّقديّة: أولاً: النّظرَ في مدى صواب "الرؤية الإسلاميّة" التي عبّر عنها الأستاذ كمال الجزوليّ، استناداً إلى النّصوص الشرعية، وهي المرجعيّة الّتي قرّرها بوضوحٍ كافٍ، وذلك كلُّه في إطار الحوار المتبادل، وليس إطلاقاً لأحكامٍ نهائيةٍ غير قابلةٍ للمراجعة والاستئناف. ثانياً: النّظر في مدى إسهام هذه الرؤية، في دفع "مسيرة العدالة الانتقاليّة" في بلادنا، خاصّةًً وأنّ كمال الجزوليّ، يُعتبر من القلائل الذين عبَّروا عن إيمانهم بهذا المبدأ الّذي أنضجته التجاربُ الدولية المعاصرة في كثيرٍ من الدول، باعتباره المخرجَ الآمن من نفق الحروب الأهلية والأزمات الوطنية الكبيرة، وذلك من خلال بناء معادلة واقعية، تستهدف تحقيق هدفين في آنٍ واحد: المصالحة والعدالة، ويعتقد كاتبُ هذه السطور بأنّ هذا المبدأ يُمثّلُ (مقتضى رسالة الإسلام في هذا العصر، في هذا الوطن)! ولعلّ مدخل "العدالة الانتقاليّة"، يدفعنا إلى إبراز أولى الملحوظات على هذه المساهمة المُهمّة، فنقول: يُحمد للأستاذ كمال الجزوليّ هذا الموقفُ المهموم بقضية الجماعة المسلمة في إطار السودان الواحد، والسّاعي إلى لمّ شملها واصطفافها بمختلف انتماءاتها الفكريّة، ولكن ما يلفت النّظر أنه يجعل لهذ الاصطفاف والتّوحّد هدفاً أساسيّاً، هو مواجهة ما أسماه بـ "التيار السلطويّ المنكفئ"، ويعني به تحديداً تيّار الجبهة الإسلامية الحاكم، باستثناء من تبيّن لهم الحقُّ، فاتّخذوا موقفاً إيجابيّاً وعبّروا عن انتمائهم لذلك التيار العقلانيّ المنفتح، الّذي يؤمن بالتّعدّديّة الحزبيّة، ويُراهن على وحدة الوطن، ويرفع شعار" العقلانيّة الإسلاميّة" [89]. فهذه المواجهة المُعلنة ضدَّ هذا الفصيل الوطنيّ، قد يقال إنها تُشكّل عقبةً في طريق إرساء مفهوم العدالة الانتقاليّة، وإنّها تتجاوبُ مع مشاعر كثيرٍ ممّن زرعت سياساتُ "حكومة الإنقاذ الوطنيِّ"، في أنفسهم حقداً وعدوانيّةً متأصّلة تجاه كلِّ ما يمُتُّ إليها بصلةٍ، بيد أنّ كمال الجزوليّ كما رأينا يصفُ هذه المواجهة بوصف الاستقامة، فهي بريئةٌ من معاني الحقد، خاصّةً وأنها تتمُّ في سياقٍ موضوعيٍّ، وعبر "الحوار الفكريّ" مع الدكتور الترابيّ خاصَّةً من خلال كثيرٍ من رؤاه وتصريحاته ووجهات نظره التي عبّر عنها فيما يتعلّق بإشكاليّة الدين والدولة. ومن ناحيةٍ أخرى، فإنّ كمال الجزولي لم يستنكف في بناء رؤيته الإسلاميّة، من أن يستأنس برؤى وأفكار كثيرٍ من الكُتَّاب والمفكرين المحسوبين على نفس التيار، ولكنّهم في نظره ذوو عقلانيّة منفتحة، ويؤمنون بالتعدد واحترام الرّأي الآخر، كالقرضاوي ومحمد الغزالي والغنّوشي والعوّا وأحمد كمال أبو المجد، وغيرهم.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: !!! ؟؟؟ قراءة نقديَّةٌ في رؤى "كمال الجزولي" الإسلاميَّة ؟؟؟ !!! (Re: محمد حيدر المشرف)
|
المحاور التي تم تناولها في هذه القراءة النقدية إلى الآن تتمثّل فيما يلي: أولاً: بيان منطلقات الأستاذ كمال الجزولي والأهداف التي يسعى إليها من وراء نشر مقالاته. ثانياً: بيان أهداف هذه القراءة. ثالثاً: بيان مسألة المشروعية الإسلامية العليا، من وجهة نظر الأستاذ كمال الجزولي. رابعاً: بيان المفهوم الأساسي الذي اعتمد عليه الأستاذ كمال الجزولي في بناء رؤيته الإسلامية. وسيجيء بإذن الله تعالى: خامساً: موقف الأستاذ كمال الجزولي من مسألة الحاكمية والدولة الدينية. سادساً: رؤية كمال الجزولي للسياسة والسلطة في الإسلام. سابعاً: رؤية كمال الجزولي للإسلام الصحيح. ثامناً: الماركسية والإسلام في وعي كمال الجزولي تاسعاً: ... عاشراً: ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حول مفهوم "الحاكميّة" في الإسلام وعلاقته بمفهوم "الدَّولة ا (Re: صلاح عباس فقير)
|
حول مفهوم الدّولة: ثلاثُ حقائقَ أساسيّة:
وبناءً على استقراء آراء ومواقف كثيرٍ من علماء الأمة القدامى والمعاصرين، يُقرّر الأستاذ كمال الجزولي -فيما يتعلّق بمفهوم الدولة في الثقافة الإسلاميّة وفي النُّصوص الشّرعيّة- ثلاث حقائق: أولاً: أنّ مصطلح "الدولة" لم يرد في نصوص الكتاب والسّنة، ولا في أقوال الصَّحابة -رضي الله عنهم- بل لم يظهر هذا المصطلح إلا مع العبّاسيّين، تعبيراً عن انتقال الأمر إليهم من الأمويِّين. ثانياً: أنّ القرآن الكريم قد سكت عن تفاصيل النظم التي يُدار بها أمرُ الحكم والسياسة، "مكتفياً بإبراز أعمّ المبادئ، وأكمل المقاصد، لإدارته بالشورى، والعدل، والإحسان، ومنع الضَّرر والضِّرار وما إليه" [فقرة:11]. وذلك السّكوت يتوافق كما يلحظ الجزوليّ، مع موقف القرآن الكريم من العقل، باعتباره قاعدة التكليف، كما يتناسبُ –في نظرنا- مع كون هذه القضايا ممّا يعروه التَّغييرُ بمرور الزّمن!، يؤكّد هذا الملحظ أنّنا نجد فيما يتعلق بأمور العبادات وقوانين الميراث والأحوال الشخصية، كثيراً من الأحكام التفصيلية، والإجراءات العملية، قرّرتها النصوص الشرعية، في حين سكتت عن أمر الدولة وما يتعلّق به. ثالثاً: أنّ مسألة الإمامة ليست من أصول الدِّين في شيءٍ، بل هي من فروعه! وبالتالي فالخلافُ فيها لا ينبغي أن يؤدِّي إلى "التكفير"!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حول مفهوم "الحاكميّة" في الإسلام وعلاقته بمفهوم "الدَّولة ا (Re: صلاح عباس فقير)
|
Quote: = نستخلص من كلّ ما سبق، أنّ "مبدأ التمييز بين الديني والدنيويّ" هو: منهجيّة إسلاميّة تقوم على افتراض أنّ للحقيقة وجهينِ: الوجه الدّينيّ الشرعيّ، والوجه الواقعيّ العلميّ، |
أخي الفاضل صلاح... أشكرك على هذه الدراسة القيمة... أرى من المجدي أن ننظر إلى العلاقة بين الديني والدنيوي نظرة وجودية بنيوية تجعل منهما وجهين لعملة واحدة... فعندما ننعم النظر في وجهي العملة يتبين لنا استحالة وجود أحدهما دون الآخر إذا أردنا أن نحقق مفهوم العملة، بمعنى أنه لا يستطيع أي فعل دنيوي أن يفلت من حضور الديني طالما أن أعمال الإنسان كلها تصنف إلى صنفين فقط... ومن ناحية أخرى لا مكان لتنزيل تعاليم الدين إلا من خلال الأعمال الدنيوية... فطالما أن الأعمال بالنيات، فلا يمكن الإفلات من الدين أبدا، لذا أرى أن مفهوم التمييز بين ما هو ديني ودنيوي كتخفيف لمفهوم الفصل ما بين الديني والدنيوي، قد لا يكون دقيقا في توضيح العلاقة بين الديني والدنيوي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حول مفهوم "الحاكميّة" في الإسلام وعلاقته بمفهوم "الدَّولة ا (Re: محمد الأمين موسى)
|
كتب الأخ محمد الأمين موسى:
Quote: أخي الفاضل صلاح... أشكرك على هذه الدراسة القيمة... أرى من المجدي أن ننظر إلى العلاقة بين الديني والدنيوي نظرة وجودية بنيوية تجعل منهما وجهين لعملة واحدة... فعندما ننعم النظر في وجهي العملة يتبين لنا استحالة وجود أحدهما دون الآخر إذا أردنا أن نحقق مفهوم العملة، بمعنى أنه لا يستطيع أي فعل دنيوي أن يفلت من حضور الديني طالما أن أعمال الإنسان كلها تصنف إلى صنفين فقط... ومن ناحية أخرى لا مكان لتنزيل تعاليم الدين إلا من خلال الأعمال الدنيوية... فطالما أن الأعمال بالنيات، فلا يمكن الإفلات من الدين أبدا، لذا أرى أن مفهوم التمييز بين ما هو ديني ودنيوي كتخفيف لمفهوم الفصل ما بين الديني والدنيوي، قد لا يكون دقيقا في توضيح العلاقة بين الديني والدنيوي. |
أخي محمد الأمين شكراً لك على افتتاحك باب الحوار حول هذا الموضوع الحيويّ، بهذه المداخلة القيّمة، التي تدلُّ على عمق قراءتك للموضوع! أتّفق معك تماماً فيما ذهبت إليه! وفعلاً مبدأ التمييز بين الديني والدنيوي، يبدو وكأنه محاولة للتخفيف من مبدأ الفصل بينهما! ولعلك لحظت أني عند النظر في مشروعيّته، وجدته يدور في إطار إشكالية النقل والعقل، واخترتُ موقف ابن تيمية من هذه الإشكالية والذي يؤكد فيه على عدم التعارض بين العقل والنقل، أو بين الديني والدنيويّ. وأكدت ذلك باعتبار أنّ: - الديني مصدره كلام الله، - والدنيوي مصدره خلق الله الكوني والإنسانيّ! أجدّد لك شكري وتقديري!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حول مفهوم "الحاكميّة" في الإسلام وعلاقته بمفهوم "الدَّولة ا (Re: صلاح عباس فقير)
|
مفهوم الحاكميّة: يقرّر كمال الجزوليّ –مع الدكتور محمد عمارة- أنّ لفظ الحكم في الإسلام، لا يدلُّ على (النظام السّياسي) أو (السُّلطة السّياسيَّة العليا) في المجتمع، وإنّما تقتصر دلالتُه "على (القضاء)، ... أو (الحِكمة)، ...، أو (النبوَّة)"! ويرى أنَّ الخوارج قديماً وحديثاً أخطؤوا في فهم دلالة مصطلح الحكم في القرآن الكريم، ثمّ "اشتقُّوا منه، بصورة متعسِّفة، مصطلح (الحاكميَّة)"، الّذي قامت على أساسه الدولة الدينية! إذن، فالسؤال الّذي ينبغي إجابته والوقوف عنده، يتعلّقُ بتحديد معنى الحكم في النّصوص الشّرعيّة، وقبل ذلك في اللغة العربية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حول مفهوم "الحاكميّة" في الإسلام وعلاقته بمفهوم "الدَّولة ا (Re: صلاح عباس فقير)
|
فما هو معنى الحكم في اللغة العربية؟ إنَّ التَّأمُّلَ في الحصيلة اللُّغويَّة الواردة حولَ مادَّة "الحاءِ والكافِ والميم" في "لسان العرب"، يُفيدُ بأنَّ مفهومَ الحكم في اللُّغة العربيَّة، يدلُّ بصورةٍ جوهريَّةٍ على: (مَنع وقوع الفَساد في أمرٍ من الأمور، وإصلاحِه؛ حتَّى يُحقِّقَ أعلى درجاتِ كمالهِ الممكن، وذلك اعتماداً على الفقه والعلم والحكمة). وممّا ورد في "لسان العرب"، مؤيِّداً وُجودَ هذه الدّلالة قولُهم: 1. "من صفات الله: الحَكَمُ والحَكِيمُ والحاكِمُ، ومعاني هذه الأَسماء متقارِبةٌ"، فالحاكمُ "هو القاضي" و"قيل للحاكم بين النَّاس حاكِمٌ؛ لأنه يَمْنَعُ الظَّالمَ من الظُّلم"، و"قال الأصمعيُّ: أصلُ الحُكومة ردُّ الرَّجل عن الظُّلم، قال: ومنه سُمِّيت حَكَمَةُ اللِّجام؛ لأَنها تَرُدُّ الدَّابَّة.". 2. والحاكمُ كذلك: "هو الذي يُحْكِمُ الأَشياءَ ويُتقنُها"، "والحُكْمُ العِلْمُ والفقه والقضاءُ بالعدل". 3. "وفي الحديث: (إنَّ من الشعر لحُكْماً) أي: إِنَّ في الشعر كلاماً نافعاً، يمنعُ من الجهل والسَّفَهِ." ويقودُ إلى الهُدى والرَّشَد. 4. "وحَكَمَ الشيء وأَحْكَمَهُ، كلاهما: منعه من الفساد". 5. و"عن إبراهيم النَّخعيِّ أنه قال: حَكِّمْ اليَتيمَ كما تُحَكِّمُ ولدَك، أي: امنعه من الفساد وأصلحْهُ كما تُصلح ولدَك، وكما تمنعه من الفساد، ... قال: ونرى أن حَكَمَة الدَّابَّة سُمَّيت بهذا المعنى؛ لأنها تمنعُ الدَّابَّة من كثير من الجَهْل." (انظر: لسان العرب، مادة "حكم"). إذن، فما الّذي يجعل مفهوم الحكم قاصراً في دلالته فقط على "الحكم القضائيّ"، أو الحكمة، أو النّبوّة؟!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حول مفهوم "الحاكميّة" في الإسلام وعلاقته بمفهوم "الدَّولة ا (Re: صلاح عباس فقير)
|
وما هو معنى الحكم في القرآن الكريم؟
وبناءُ على المفهوم المتكامل لمدلول الحكم في اللغة العربية، ننظر في القرآن الكريم، وخاصّة إلى آيات سورة المائدة الثلاث: ((ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم)) (الكافرون- الفاسقون- الظالمون)، والتي يتمسّك الأستاذ كمال الجزوليّ في تفسيرها بما تدلُّ عليه أسبابُ النزول، مُعرضاً عن تلك الدّلالة الواضحة لمفهوم الحكم في اللغة العربية، قائلاً: "لقد أجمع الأئمَّة، ومن بينهم، على سبيل المثال، ابن كثير والواحدي النيسابوري وجلال الدين السيوطي، نقلاً عن الأحاديث التي وردت في الصّحاح والمسانيد المعتمدة، أن هذه الآيات نزلت لأسباب تتعلق بإقامة بعض الحدود" [فقرة:13]، ثمّ يؤكّد مع خليل عبد الكريم قائلاً: "ومن ثمَّ، فإن أيَّ مسعى لسحب دلالتها إلى حقل (الحكومة) أو (السُّلطة السّياسيَّة) لا يعدو كونه ضرباً من التعسُّف"! [فقرة:14] وفي الواقع، لقد ذهب معظم الأئمة في تفسير آيات المائدة الثلاث، إلى ما قرّرهُ الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في كتابه "أضواء البيان" من قوله: "واعلَم أنَّ تحريرَ المقام في هذا البحث: أنَّ الكفر والظلم والفِسق كلُّ واحدٍ منها ربما أُطلق في الشرع مراداً به المعصية تارة، والكفرَ المخرجَ من الملة أخرى, ((ومَن لم يحكم بما أنزل الله)) معارضةً للرُّسل وإبطالاً لأحكام الله؛ فَظُلْمُهُ وفِسْقُهُ وكُفْرُهُ كلها كفر مخرج عن الملة، ((ومَن لم يحكم بما أنزل الله)) معتقداً أنَّه مُرتكبٌ حراماً فاعلٌ قبيحاً؛ فَكُفْرُهُ وظُلْمُهُ وفِسْقُهُ غيرُ مخرج عن الملَّة، وقد عَرَفْتَ أنَّ ظاهر القرآن يدلُّ على أنَّ الأولى في المسلمين، والثانية في اليهود، والثالثة في النَّصارى، والعبرةُ بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب" (أضواء البيان، سورة المائدة، تفسير الآيات 44، 45، 47).
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حول مفهوم "الحاكميّة" في الإسلام وعلاقته بمفهوم "الدَّولة ا (Re: صلاح عباس فقير)
|
إذن: تلك الحقائق الثلاث التي قرّرها كمال الجزوليّ، حول مفهوم الدولة في الثقافة الإسلامية، لا تحولُ بين الدولة وممارسة الحكم الشرعيِّ، بدعوى عدم وجود أحكامٍ تضبط حقل السياسة والسلطة في الإسلام، لماذا؟ لأنَّه قد وردت في القرآن الكريم أحكامٌ تتعلّق بقضايا الأحوال الشخصية والجنايات وغيرها، فهذه الأحكامُ مَن الّذي يُصدرُها ويَفرضُها حتّى تكون واجبة النّفاذ؟ أليس هو الحاكم أو السلطة السّياسية، كيفما كانت، وأيّاً كانت؟! فحقيقةً، لم يتبيّن لي بعدُ مقصود الأستاذ كمال الجزولي، في هذا السّياق، إن كان يسعى اعتماداً على النصوص الشرعيّة، إلى تقرير مبدأ الفصل بين الدين والدولة، فالأدلّة التي ذكرها -كما رأينا- لا تُعينه على ذلك. لا يُعينه على ذلك إلا ما ذكره بنفسه من "وقائع الخلط والتخليط اللذين توحَّل فيهما (الخوارج) قديماً بشأن مرتبة (الإمامة)"، وكذلك وقائع الخلط والتّخليط اللتين توحّلت فيهما حركاتُ الإسلام السّياسيّ المعاصرة، وخاصَّةً حركة الاتجاه الإسلاميّ، والجبهة الإسلامية القومية في السودان، ومن خلال ما سمَّوه بالمشروع الحضاريِّ الإسلاميِّ، والّذي تجسّد في سيِّئة الذّكر حكومة الإنقاذ الوطنيّ. أمّا النّصوص الشرعيّة، فإنّها صريحة في الدِّلالة على مفهوم "الحاكميَّة"، باعتباره مظهرَ الخضوع والعبوديّة لله -عزّ وجلّ- أو كما قال تعالى: ((إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه)) (يوسف، 40)، فالقرآن كلُّه والسّنة المطهّرة، كلُّ حكمٍ فيها من الله -عزّ وجلّ- أو رسوله، سواءٌ تعلّق بدائرة العقيدة أو الأخلاق أو الضوابط الاجتماعيّة أو المعاملات المدنيَّة أو التّقنينات الجنائية، إنّما هو لبنة في صرح الحاكمية الإلهية، الّتي أمر الله –عزّ وجلّ- بإقامتها في حياة الفرد وحياة المجتمع! وهذا المفهوم لا يتعارضُ مع حقيقة الفراغ الّذي تركه الشارع، فيما يتعلّق بالنظام السياسيّ وشكله وضوابطه، وما ذلك إلا ليُنشئ كلُّ مجتمعٍ أنظمته السياسية والاجتماعية، بمراعاة المرحلة التطورية التي يمرُّ بها، وبما يُحقّقُ مبادئ العدالة والمساواة. (راجع: النظريات السياسية الإسلامية، لضياء الدين الريس). والواقع أنّ لهذا المصطلح ظلالاً تجعله يقترن بالدّولة الدينية كما عرفها التاريخ الأوربّي، ولا أنكر أنّ بعض فترات التاريخ الإسلاميّ قد شهدت بعض تجلِّياتها، وسيجيء مزيد بيانٍ لهذا المفهوم لاحقاً بإذن الله تعالى.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حول مفهوم "الحاكميّة" في الإسلام وعلاقته بمفهوم "الدَّولة ا (Re: صلاح عباس فقير)
|
الحاكميّة تشملُ أمري الدّين والدنيا:
ويُمكننا باستخدام مفهوم التّمييز بين "أمر الدّين" و"أمر الدنيا" أن نقول: إنّ مفهوم الحاكمية يتمثّل في "أمر الدّين" الّذي يجب على كلِّ مسلمٍ إقامته، لكن في حدود الإمكان والوُسع والاستطاعة، وبالتّالي فإنّ مفهوم الحاكمية كذلك يتمثّل في "أمر الدّنيا". ونحن في الواقع أمام ضربٍ من الصّيرورة، يتواردُ فيه معنى الوجوب الّذي يحمله قولُ الله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه حق تقاته)) (آل عمران، 102)، ومعنى الإمكان الّذي يحمله قول الله تعالى: ((فاتقوا اللَّه ما استطعتم)) (التغابن، 16)، في سياق الصَّيرورة الإنسانيّة والاجتماعيّة! إذن، فالإسلام يشمل كلا الأمرين: "أمر الدّين" حيث تتمثّل الغايات النهائية التي ينبغي على المسلم فرداً أو جماعةً أن يسعى إلى إقامتها، و"أمر الدنيا" أو البيئة التي ستشهدُ حركة الإنسان وسعيه، وتَرد هنا كلُّ النّصوص الشرعية الّتي تُشير إلى معنى الاستطاعة والإمكان، بل هنا قد يؤول الأمر إلى مُطلق الفكر الإنسانيّ، وذلك فيما يتعلّق بالقضايا العلميّة والتّقنية البحتة، خاصّةً. إذن، يمكننا القول، إنّهما حاكميّتان: أولاهما: حاكميّة إلهية تستهدفُ -بوعيٍ كامل- تحقيق الكرامة الإنسانية وإعلاء قيم العدل والمساواة والإخاء، وذلك من خلال سعيها إلى تحقيق قيم الدّين بصورةٍ كلّيّة متكاملة، تشملُ في المقام الأول بناء القاعدة الأخلاقيّة: (إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق) على أساس العقيدة، ثم تسعى إلى تطبيق "الأحكام الشرعيّة" بصورة متدرجة تُراعي تطوُّر المجتمع. ويُشكّل الحضور الإلهيُّ في هذه الحاكميّة ضمانةً لاحترام تلك القيم والمبادئ الإنسانيّة. والأخرى: حاكميّةً سياسيّةً قانونيّة، تسعى -بوعيٍ أو بدون وعيٍ- إلى تثبيت الأوضاع الراهنة بكلّ ما فيها من ظلمٍ واستغلال، وذلك خدمةً لمصالح بعض فئات المجتمع، مُعتمدةً في ذلك على الاجتهاد في تطبيق الحدود والزّواجر الإسلاميّة خاصّةً، ومن الواضح أنّ الحضور الإلهيّ في هذه الحاكميّة، هو ضمانة لتحقيق مصلحة الفئة الحاكمة، الأمر الّذي يجعلها قريبةً من القول بنظرية الحقِّ الإلهيِّ في الحكم، التي يقومُ على أساسها النِّظام الثيوقراطيّ، أو الدولة الدينيّة بمعناها المنبوذ اتّفاقاً. وكما رأينا في الحلقة الأولى من هذه القراءة، فإنّ "قوانين الحدود والجنايات" إنّما شُرعت بعد قيام المجتمع الإسلاميّ المتكافل في المدينة المنورة، ومن أجل حمايته، وبالتالي فإنّ البدء بإقامتها قبل إقامة مثل هذا المجتمع، هو خطأٌ وخطرٌ كبير، من شأنه أن يؤدّي إلى نظامٍ ثيوقراطيٍّ مستبد! (..)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حول مفهوم "الحاكميّة" في الإسلام وعلاقته بمفهوم "الدَّولة ا (Re: صلاح عباس فقير)
|
الحاكميّة تشملُ أمري الدّين والدنيا:
ويُمكننا باستخدام مفهوم التّمييز بين "أمر الدّين" و"أمر الدنيا" أن نقول: إنّ مفهوم الحاكمية يتمثّل في "أمر الدّين" الّذي يجب على كلِّ مسلمٍ إقامته، لكن في حدود الإمكان والوُسع والاستطاعة، وبالتّالي فإنّ مفهوم الحاكمية كذلك يتمثّل في "أمر الدّنيا". ونحن في الواقع أمام ضربٍ من الصّيرورة، يتواردُ فيه معنى الوجوب الّذي يحمله قولُ الله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه حق تقاته)) (آل عمران، 102)، ومعنى الإمكان الّذي يحمله قول الله تعالى: ((فاتقوا اللَّه ما استطعتم)) (التغابن، 16)، في سياق الصَّيرورة الإنسانيّة والاجتماعيّة! إذن، فالإسلام يشمل كلا الأمرين: "أمر الدّين" حيث تتمثّل الغايات النهائية التي ينبغي على المسلم فرداً أو جماعةً أن يسعى إلى إقامتها، و"أمر الدنيا" أو البيئة التي ستشهدُ حركة الإنسان وسعيه، وتَرد هنا كلُّ النّصوص الشرعية الّتي تُشير إلى معنى الاستطاعة والإمكان، بل هنا قد يؤول الأمر إلى مُطلق الفكر الإنسانيّ، وذلك فيما يتعلّق بالقضايا العلميّة والتّقنية البحتة، خاصّةً. إذن، يمكننا القول، إنّهما حاكميّتان: أولاهما: حاكميّة إلهية تستهدفُ -بوعيٍ كامل- تحقيق الكرامة الإنسانية وإعلاء قيم العدل والمساواة والإخاء، وذلك من خلال سعيها إلى تحقيق قيم الدّين بصورةٍ كلّيّة متكاملة، تشملُ في المقام الأول بناء القاعدة الأخلاقيّة: (إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق) على أساس العقيدة، ثم تسعى إلى تطبيق "الأحكام الشرعيّة" بصورة متدرجة تُراعي تطوُّر المجتمع. ويُشكّل الحضور الإلهيُّ في هذه الحاكميّة ضمانةً لاحترام تلك القيم والمبادئ الإنسانيّة. والأخرى: حاكميّةً سياسيّةً قانونيّة، تسعى -بوعيٍ أو بدون وعيٍ- إلى تثبيت الأوضاع الراهنة بكلّ ما فيها من ظلمٍ واستغلال، وذلك خدمةً لمصالح بعض فئات المجتمع، مُعتمدةً في ذلك على الاجتهاد في تطبيق الحدود والزّواجر الإسلاميّة خاصّةً، ومن الواضح أنّ الحضور الإلهيّ في هذه الحاكميّة، هو ضمانة لتحقيق مصلحة الفئة الحاكمة، الأمر الّذي يجعلها قريبةً من القول بنظرية الحقِّ الإلهيِّ في الحكم، التي يقومُ على أساسها النِّظام الثيوقراطيّ، أو الدولة الدينيّة بمعناها المنبوذ اتّفاقاً. وكما رأينا في الحلقة الأولى من هذه القراءة، فإنّ "قوانين الحدود والجنايات" إنّما شُرعت بعد قيام المجتمع الإسلاميّ المتكافل في المدينة المنورة، ومن أجل حمايته، وبالتالي فإنّ البدء بإقامتها قبل إقامة مثل هذا المجتمع، هو خطأٌ وخطرٌ كبير، من شأنه أن يؤدّي إلى نظامٍ ثيوقراطيٍّ مستبد! (..)
| |
|
|
|
|
|
|
|