الأستاذ محمد عثمان إبراهيم يكتب عن مؤتمر جوبا و كوكب كومبيتاليا...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 05:20 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-01-2009, 10:35 PM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الأستاذ محمد عثمان إبراهيم يكتب عن مؤتمر جوبا و كوكب كومبيتاليا...

    الأستاذ محمد عثمان إبراهيم من الأقلام الجادة و رصينة بصحافتنا... بالإضافة إلى سلاسة قلمه و أسلوبه الرفيع تعجبني في كتابته استقلاليته و اعتداده برأيه و إن خالف رأي القطيع. هو معارض صريح حمل السلاح ضد النظام و لكن هذا لا يمنعه من إبداء رأيه و التصريح بما يراه. أنقل هنا ما كتبه عن مؤتمر جوبا:

    جوبا: تحالف كومبيتاليا ... بقلم: محمد عثمان ابراهيم
    الخميس, 01 أكتوبر 2009 08:39

    [email protected]

    أنظر إلى حيث يقف د. حسن الترابي وحزبه (المؤتمر الشعبي) من أي قضية، ثم اتخذ الموقف النقيض تجد نفسك حيث يكمن الحق وحيث مصلحة الشعب والوطن. هذا هو المعيار!

    وهذا المعيار يصلح بالطبع عند النظر إلى مؤتمر جوبا للأحزاب السياسية المتناقضة المواقف والرؤى ما بين أحزاب مشاركة في الحكومة بل وتشكل جزءاً أساسياً منها، وبين أحزاب معارضة، وأخرى متأرجحة ما بين (التراضي) مع الشيء والوقوف ضده، وأحزاب تشارك في نصف السلطة وتلعن النصف الآخر، وأحزاب مشوشة لا يصلح الحكم عليها بشيء وبين هؤلاء وأولئك قوى وطنية وأخرى ضد الوطن، و قوى يسارية صار وجودها في مراتع اليمين أكثر منه في خنادق اليسار، وقوى أخرى تحركها طاقات فردية مهدرة عجزت السلطة عن إستيعابها فقدمت نفسها قرباناً للمعارضة في بلد نسي فيه الجميع أن الأيام دول، وإن السلطة (سلطة الحكم / سلطة المعارضة) لا تدوم لجماعة وإلا لما آلت لغيرها.

    هناك ثلاث جهات معنية بشكل اساسي بنتائج مؤتمر جوبا وهذه الجهات هي الأمانة العامة للحركة الشعبية بما فيها قطاع الشمال، حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي ومبارك الفاضل المهدي شخصياً اما الآخرين فينقسمون في تقديرنا لجماعات يمكن رصدها على النحو التالي:

    • جماعات معارضة لحزب المؤتمر الوطني دون أن يعني ذلك أنها معارضة للحكومة، لأنه وإن قلّت نسبة مشاركة جميع الأحزاب في نظام الحكم القائم إلا أن الحقيقة هي أن غالب القوى السياسية السودانية (الحية) بإستثناء جماعة الترابي ممثلة فيها. هذه الجماعات المعارضة ملزمة –بالطبع- بالمشاركة في أي نشاط لا يرتضيه الحزب الحاكم حتى لا يتم وصمها بالوقوف معه، وتأتي مشاركتها في حشد جوبا، ضمن هذا الإطار.

    • جماعات موالية للأمانة العامة للحركة الشعبية وهذه ملزمة –بطبيعة الحال- بالمشاركة في أي نشاط ترعاه هذه الجهة أو تدعمه أو تؤيده.

    • مجموعات من الأحزاب السياسية العاطلة عن العمل وتعتبر مشاركتها في مثل هذا الحشد الضخم محاولة للتبرؤ من تهمة العطالة السياسية أو عدم الفاعلية، كما إن هذه الفرصة تمكن هذه الأحزاب من التصريح بأنها شاركت هي والحركة الشعبية وحزب الأمة والمؤتمر الشعبي في صياغة مقررات مؤتمر جوبا تأسياً بقصة القرادة التي روي عنها أنها بعد أن سافرت ملتصقة بجمل إلى القضارف ثم عادت، ظلت تحكي " أنا وأخوي الجمل جبنا العيش من القضارف". مثل هذه التصريحات سنسمعها من قادة (الحزب المناضل الدستوري التقدمي، والحزب المعارض الديمقراطي التحرري، وحزب السنوات الكبيسة) وغيرها من الأحزاب التي شاركت في الملتقى الضخم. الجدير بالذكر ان مثل هذه الأحزاب توجد أيضاً في (هيئة الأحزاب) الموالية للمؤتمر الوطني والمتوالية معه!

    • أفراد وجماعات من الخاسرين سياسياً أو الطامحين والمنتمين مؤقتاً لما يسمى ب(منظمات المجتمع المدني) لحين الحصول على مقاعد مريحة في أحزاب سياسية او نقابات مهنية أوالخروج/ العودة إلى الخارج في وظائف بمنظمات دولية إن تيسر ذلك.

    نواصل

    نقلا عن سودانايل
                  

10-02-2009, 03:54 AM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمد عثمان إبراهيم يكتب عن مؤتمر جوبا و كوكب كومبيتاليا... (Re: Elawad)

    أما الجهات ذات المصلحة الحقيقية في المؤتمر فهي:
    • الأمانة العامة للحركة الشعبية كما أسلفنا والتي يحتاج أمينها العام باقان أموم إلى سند إضافي لتثبيت موقعه والحصول على نقاط إضافية داخل حزبه المقسم بحوائط شفافة ومرنة على اساس قبلي. وفي ظل الإنقسام الذي يتزعمه د. لام أكول الذي يسحب أيضاً من رصيد الشلك وفي غياب مساندة واضحة من رث القبيلة (زعيمها الروحي) لمجموعة أموم فإن حاجة باقان إلى أرصدة جماهيرية إضافية تبدو ملحة جداً. هذا ينطبق على نائبه وزعيم قطاع الشمال الأستاذ ياسر عرمان الذي سيوفر له هذا الجمع الحاشد وقدراته الديناميكية الفعالة مزيداً من النفوذ كرجل للجنوب في الشمال وكرجل الشمال في الحركة الشعبية وليس في الجنوب بطبيعة الحال.
    يصعب جداً التعرف على أي كسب يمكن ان يجنيه رئيس الحركة الفريق أول سلفاكير ميارديت او جماعته سواء القبلية أو العابرة للقبائل حيث للرجل جيوب في القبائل الأخرى. يعلم الجنوبيون ومنسوبو الحركة الشعبية إن كير ليس هو الرجل خلف المؤتمر وإنما هو الرجل في واجهة المؤتمر فقط رغم خطابه المطول ووجوده في الهرم البروتوكولي للجلسات.وهناك فرق كبير بين ان تكون خلف الحدث وبين ان تكون فى واجهته!
    • السيد/ مبارك الفاضل المهدي الزعيم السياسي الديناميكي الذي أهدرت( فعاليته) السياسية زعامته، وهو من طائفة البراغماتيين الذين يمكنهم الإختيار بيسر بين الموقف ونقيضه، ومتى ما إختار السيد/ مبارك المهدي موقفاً فإنه قادر على إشباع ذلك الموقف بالحراك وتأمين قوة الدفع اللازمة له. معركة السيد مبارك ليست ضد المؤتمر الوطني كله وإنما هي ضد جناح فقط في الحزب الحاكم وضد إبن عمه الإمام وجماعته. ميزة السيد/ مبارك التي تلعب دور النعمة والنقمة في تقلبات مواقفه هي أنه سياسي مفتوح على كافة الإحتمالات والإتجاهات.
    • الشيخ حسن الترابي الذي تحركه غبينة (نفسية) لن يمكنه الشفاء منها إلا إذا نظر إليها في إطارها (السايكلوجي الذاتي) وتخلى عن تغليفها بالإطار السياسي الذي نراه. معارضة الترابي للحكومة خالية من أي محتوى سياسي وحين يتخلى رفاق شخص ما، بصورة جماعية عنه، فمن الطبيعي أن يشعر بالغبن والإكتئاب لكن يظل هذا الغبن وهذا الإكتئاب قضيته الخاصة به وحده. حان الوقت الآن لحزب المؤتمر الشعبي لأن يعلن عن إستراتيجية أو برنامج عمل إيجابي للمشاركة في الحياة السياسية بحيث يتجاوز البرنامج (السلبي) الحالي القائم على الخصومة مع الحكومة ومحاربتها بالتالي بأي ثمن. من الواضح إن قرائن الأحوال لا تشي بأن التاريخ سيعيد نفسه وإن الترابي سيعود زعيماً للدولة السودانية دينية كانت أم كافرة (بلغته هو). تقول مجالس الخرطوم إن خلصاء كبار للترابي سئموا البقاء في مقاعد المعارضة ولا يمنعهم إعلان خصومتهم للشيخ سوى أنهم لن يجدوا من المؤتمر ترحيباً يماثل ما لقيه نائب رئيس المجلس الوطني الحالي محمد الحسن الأمين فيما هم يريدون نصيباً أكبر مما أدرك بدر الدين طه الذي قدم الماضي ولم يحصل على المستقبل!
    • الإمام الصادق المهدي بحكم حلول كوكبه في مدار المعارضة هذه الأيام، فالإمام وحزبه يتنقلان بسلاسة وفق متوالية ضد-مع-ضد وهكذا، لذا فإن الحكومة ليست في عجلة من أمرها لإعادة الإلفة معه، فكل شيء بأوانه.
    أما الحزب الشيوعي فمسكين، ماذا يفعل الحزب الشيوعي غير ما فعل؟ منذ عشرين عاماً أو يزيد، لم يعد أحد يتوقع من ذلكم الحزب شيئاً.
    ربما ستكشف قراءة أخرى متعمقة لوثائق ومداولات المؤتمر ونتائجه عن حقائق جديدة لكن في الوقت الحاضر وفي ظل إلتزام المؤتمرين حالياً بمناقشة قضايا الحكم في الشمال في مؤتمر بالجنوب وإمساك ألسنتهم عن الحديث عما يجري في ذلك الجزء من البلاد فإن مؤتمر جوبا ليس فيما يبدو سوى لقاء للفرقاء القادمين من كوكب (كومبيتاليا) بغرض التنسيق لمحاربة أناتيما (المؤتمر الوطني) الذي ما كان بوسعه التوصل إلى سر السيطرة على البلاد لولا أن أعانه عجز هذه القوى ذاتها وقلة حيلتها وتذبذب مواقف قياداتها وعزلتها عن جماهيرها.

    ___________________
    * هو تحالف لأفراد قادمين من كوكب كومبيتاليا الخيالي بغرض القضاء على باحث وعالم إسمه (أناتيما) نجح في التوصل إلى سر للسيطرة على كوكب كومبيتاليا، وقد وردت قصة هذا التحالف في سلسلة كتب اصدرتها دار (دي سي كوميكز) الأمريكية المتخصصة في كتب التسلية.
    (عن الأحداث)
                  

10-03-2009, 03:18 AM

محمد عثمان ابراهيم
<aمحمد عثمان ابراهيم
تاريخ التسجيل: 03-14-2007
مجموع المشاركات: 1321

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمد عثمان إبراهيم يكتب عن مؤتمر جوبا و كوكب كومبيتاليا... (Re: Elawad)

    الأخ العزيز Elawad
    بعد التحية وشكراً لك على إيراد المقال وحسن الظن بي.
    أنا سعيد بحصولي على قاريء مثلك وآمل في دوام المودة والمعروف.
    أخوك محمد
                  

10-03-2009, 03:48 AM

عمر ادريس محمد
<aعمر ادريس محمد
تاريخ التسجيل: 03-27-2005
مجموع المشاركات: 6787

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمد عثمان إبراهيم يكتب عن مؤتمر جوبا و كوكب كومبيتاليا... (Re: محمد عثمان ابراهيم)

    الزول دا من كتاب مابعد مؤتمر الاعلاميين بالخارج ولا شنو ؟؟
    افكار مجوبكة وكلام بلا موقف فى قالب يبدو جميل
    غايتو نضحك مما نقرء
    والتحيات استاذ العوض
                  

10-03-2009, 07:10 PM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمد عثمان إبراهيم يكتب عن مؤتمر جوبا و كوكب كومبيتاليا... (Re: عمر ادريس محمد)

    الأخ الأستاذ محمد
    شكرا لك على المرور. بل نحن السعداء بالقراءة لك و متابعة كتاباتك. فما أجمل أن تجد حرفا جميلا تستمع بقرءاته حنى إن اختلفت معه.
                  

10-05-2009, 04:27 PM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمد عثمان إبراهيم يكتب عن مؤتمر جوبا و كوكب كومبيتاليا... (Re: Elawad)

    Quote: الزول دا من كتاب مابعد مؤتمر الاعلاميين بالخارج ولا شنو ؟؟
    افكار مجوبكة وكلام بلا موقف فى قالب يبدو جميل
    غايتو نضحك مما نقرء
    والتحيات استاذ العوض

    الأخ العزيز أستاذ عمر
    تحياتي و سلامي
    أهديك هذا الرابط لبعض كتابات الأخ الأستاذ محمد:
    http://www.sudaneseonline.com/index.php?option=com_content&vi...id=55&layout=default
    و يمكنك متابعة بعضها في موقع سودان فور أول. و ستسمتع جدا إذا قرأت ما كتبه عن د. جون قرنق و تتأكد قطعا بأن كاتبنا ليس من كتاب ما بعد مؤتمر الاعلاميين بالخارج. طبعا تتفاوت وجهات النظر و تختلف الآراء و ما يعجب بعض الناس قد لا يعجب آخرين. ما لا أحبه أن نجعل الاختلاف في وجهات النظر سببا للطعن في نوايا الآخرين و تصنيفهم. أقول هذا لأنني فهمت من إشارتك لمؤتمر الإعلاميين - و أرجو أن أكون مخطئا - أنك تشير إلى أن الأخ محمد يكتب ممالئا للنظام . أرى أن هذه المسارعة في التصنيف غير عادلة. و أعتذر إليك مقدما إن كان تفسيري لإشارتك غير صحيح.
                  

10-06-2009, 04:49 PM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمد عثمان إبراهيم يكتب عن مؤتمر جوبا و كوكب كومبيتاليا... (Re: Elawad)

    Quote: جون قرنق دي مابيور وأنا

    محمد عثمان إبراهيم

    الحلقة الأولى

    منذ وفاة السيد أحمد الخليفة إبراهيم، قمنا بتحويل مؤشر الراديو في صالون جدي الراحل من إذاعة صوت العرب إلى راديو الجيش الشعبي لتحرير السودان –صوت النضال الثوري السوداني المسلح. في ذلك الحين لم تكن إذاعة أم درمان تصل إلينا في سنكات. في تمام الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر كل يوم كان المذياع ذي الهوائي الذي تمت إعانته بحزمة من الأسلاك يعلن بدء البث باللغة العربية وما زلت أذكر موسيقى المارش العسكري البديع الذي تبدأ به تلك الفقرة ثم نشرة الأخبار والتعليق السياسي، وقصائد محجوب شريف ،خصوصاً "عاشة كلمينا/ ميري ذكرينا..." إضافة إلى تلك الحوارات مع بعض قادة الحركة وقد رسخ منها في ذاكرتي الحوار مع القائد المناوب محمد سعيد بازرعة الذي قال في ذلك الحوار: "ولدت بقرية سنكات"!. غضبت من الرجل، انا الذي لم ير مدينة من قبل سوى بورتسودان وكسلا، كيف يجرؤ الرجل على تسمية مدينتنا الجميلة بالقرية؟ لكنني كنت فخوراً بالرجل الذي كنا نسمع عنه القصص العجيبة وكيف أنه كان يعتمر مسدسين إضطر ذات يوم للإستعانة بهما في حوار دار بنادي الشباب (الإنجليز ذوي العيون الحمر كما يقول شعار النادي غير الرسمي بلغة الهدندوة) . في تلك الفترة قرأت (السجن الإدانة) كتاب بازرعة الجميل الذي قارب فيه مفهوم السجن والحبس على نحو غير مسبوق، متأملاً في تجربة سجنه إبان نظام الديكتاتور الراحل نميري. بعد ذلك بسنوات طويلة سأتعرف على الرجل الأنيق الرقيق وسأتعجب دائماً كيف احتمل هذا الشاعر المبدع دوران هذه المجزرة الرهيبة طوال هذه السنوات وظل محتفظاً ببهائه ولطفه الكبيرين. أذكر -حين نلتقي- كنا نجبر الآخرين –دون أن ندري- على الحديث او الإستماع إلى قصص سنكات. كان يسألني عن الكثير من الناس ومن يسكن تلك المنازل الآن؟ وهل ما يزال الناس يحبون ست مريم وآلها الكرام حتى اليوم. يبلغني الأهل والأصدقاء إنه ما عاد يزور سنكات الآن بعد أن سكن ببورتسودان وزيراً، وإني لأجد له العذر فهو لابد يريد الإحتفاظ بالصورة القديمة لذكرياته فيها دون أن يشوش عليه الحاضر!
    حين خرجت لاحقا ًإلى بندر الخرطوم وتيّسر لي العيش في المدينة، كنت شديد الحرص على متابعة أخبار الحركة وإقتناص ما يقوله زعيمها العقيد الدكتور (حسب لقبه القديم) حتى اكتملت شروط ثوريتي وبدأت تتشكل في ذهني تصورات السودان الجديد (سأكفر بالكثير من ذلك لاحقاً!). شاركت في تظاهرات صيف 1995 وكنت أخشى أن يسقط النظام دون أن يأتي التجمع الوطني الديمقراطي وجون قرنق لحكم السودان (يا لسذاجتي وغبائي). كنت أخشى أن تحكم الخرطوم جماعة جديدة تخلط الأوراق من جديد وتعيدنا إلى مربع الصفر. بعدها وحين طارت وكالات الأنباء بنبأ قيام المعارضة بإسقاط طائرة هيليكوبتر في منطقة (ربسم) بالقرب من همشكوريب، قررت- بشكل حاسم- أنه سيكون لي دور في تلك الجماعة المناضلة وسأنضم إليها ريثما تظهر نتيجة إمتحان السنة النهائية بكلية الآداب –جامعة النيلين، والتي ظهرت في أغسطس 1996 لأجد نفسي على الحدود الشرقية باحثاً عن تلك الجماعة المناضلة قبل انتهاء العام وفي يناير 1997 كنت على ظهر شاحنة سوفيتية قديمة من طراز (أورال) مع بعض الرفاق وجماعة من جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان. كانوا شباباً صغار السن من الجنوبيين، كانوا يتبادلون حديثهم مع بعض بشكل مقتضب بلغة محلية خاصة بهم فيما كان أحدهم غارقاً في قراءة رواية ضخمة باللغة الإنجليزية. كنت سعيداً جداً بهذه البداية وبعد فترة قليلة جداً علمت أن المعارضة لم تقم بإسقاط طائرة ربسم ولا (الله قال!).
    حين وصلت إلى وجهتي، كنت أستمع دائماً إلى قصص عن زيارة د.جون الأولى إلى منطقة علا ثم زيارته الثانية إلى منطقة لاكوييب . حدثني الرفاق كثيراً عن الزيارتين وماذا قال الدكتور وكيف كان يلبس ومن كان معه وغير ذلك من القصص، لكنني كنت أنتظر دائماً أن أرى إذ ليس من رأى كمن سمع.
    بعض القصص كانت شبيهة بالأساطير من تلك التي قصها القائد إدوارد لينو وإختتم الحلقة الثالثة منها بصحيفة (أجراس الحرية) يوم 26 يوليو الماضي. كتب لينو: "طوال سنوات عملي بالقرب الشديد من الدكتور جون قرنق لا أتذكر على الإطلاق وفي أي زمان او مكان أنه سأل عن الطعام. فأشياء مثل (أين إفطاري) او (ماذا اعددتم لنا في مائدة الغداء اليوم ) لم تكن ترد منه ابداً...
    اتذكر جيداً عندما غادرنا الرئيس في باقاك في مهمة الى زنك في اثيوبيا لمهام عاجلة ولحقته بعد يوم ومعي الرفيق قير شانق وعندما وصلنا الى زنك لم نجد الرفيق كول طباخ الرئيس الخاص قد وصل الى المعسكر في الوقت المحدد وباعتباره اعلى القادة في المعسكر سأل الرفيق شانق الحراس ان كان الرئيس قد تناول اي وجبة. ولدهشته اجاب الحراس انه لم يتناول اي وجبة منذ وصوله اي لمدة يوم كامل او على وجه الدقة منذ 36 ساعة". هذا كلام فارغ ببساطة لأن الدكتور جون كان بشراً سوياً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. إن نزع الصفات البشرية عن قائد فذ وإستثنائي مثل الدكتور جون قرنق لا يمدح الراحل العظيم فحقيقة د. جون كانت أكبر بكثير من الأساطير التي ربما أراد البعض نسجها حول شخصيته. حديث القائد لينو لا يمكن صرفه من أي بنك فموضوع طعام القائد هو شأن الحراس والمرافقين وقد شهدت الكثير من التنظيمات العسكرية السودانية بما فيها الجيش الشعبي لتحرير السودان فترات جزر كثيرة كانت هي الغالبة، وهي فترات قل فيها الطعام والشراب وكان للدكتور جون بالطبع نصيبه من فترات الجوع والعطش ولم يكن إستثناء. كل المقاتلين الذين شاركوا في تلك الفترة من تاريخ بلادنا الوطني يذكرون لحظات الجوع الهائلة ولحظات العطش والرهق والمسغبة. لقد شهدت بنفسي كيف كان يعيش القائد باقان أموم في مقره بمنطقة (خور ملح) وهو إسم حركي لقريتي (أقماييت) و(بِلهاسيت) على الحدود السودانية الإرترية. في الوقت الذي كان فيه الرفيق باقان أعلى قائد عسكري في الجبهة الشرقية وكان يملأ الآفاق متحدثاً في وسائل الإعلام ومشاركاً في الكثير من المؤتمرات حول العالم إلا أنه كان يعيش حياة بسيطة جداً في ذلك المقر برفقة مساعده الخاص (أنور) وحراسه الشخصيين. أذكر أنني زرته ذات مساء وتعشيت عنده ملوخية مجففة من النوع الذي يسميه فقراء السودان (أم تكشو) وربما عدساً لست أذكر ذلك تماماً، لكن ما أنا على يقين منه إن الرجل لم يكن يشعر بشيء من السمو على جنس البشر. في كتابها (حرب إيما) أشارت ديبورا سكروجينغز إلى الطعام الذي كان يأكله قادة الحركة الشعبية بما فيه ما كان يقدم في مقر رئاسة الدكتور جون نفسه وذكرت إنهم كانوا يأكلون من مواد الإغاثة ودقيق اليونمكس الذي كان يأكل منه الجميع في المعسكرات. إن تميز جون قرنق لم يكن في قدراته الأسطورية وإنما كان في كونه من طينة البشر العاديين الذين نجحوا في أن يقدموا لأهل السودان حلماً بمستقبل جديد ومختلف. في مرة من المرات حدثني أحدهم إنه شهد مع د. جون معركة في إحدى مناطق الجنوب ، كان الرجل يقص عليّ بصورة درامية عن كيف إن ا########س حمي عليهم وكانوا قاب قوسين أو أدنى من السقوط في قبضة الجيش السوداني، لكن الفرج جاء فجأة من السماء بأمطار غزيرة إمتدت لعدة ليالٍ حتى أكمل (زول كبير) وجنده الإنسحاب. تساءلت في ذهني عن الفرق بين أساطير جماعة مروجي الحرب في الشمال من زمرة الترابي –حينها- والتي كانت تزعم بمشاركة القرود في نزع الألغام وقصص هذا الأفّاك. في مذكراته عن حرب الكونغو قص تشي جيفارا حكايات عن كيف كان جنود لوران كابيلا يعتقدون أن مسانديهم الكوبيين يستعملون أحجبة سرية تدرأ عنهم خطر الموت والرصاص، وعن كيف طلب منه الكثيرون أن يعطيهم (دوا) أو أحجبة مماثلة. في مرة من المرات كنا نشرب القهوة فزارنا أحد أفراد المعارضة السودانية من الشمال ممن كانوا يعتقدون في كرامات وكجور د. جون. قال لنا إن جون قرنق يعرف أي شيء عن السودان ويعرف جميع القبائل السودانية وأصولها وقص علينا -وهو كاذب- كيف قابل الدكتور ذات مرة والحوار الذي دار بينهما وكيف إن الدكتور سأله عن قبيلته فلما ذكر له إسم القبيلة (وكانت قبيلة فرعية وصغيرة جداً) مدح جون قونق أفراد تلك القبيلة وكشف عن معرفة وثيقة بها. وبعد أن أتم الرجل (الذي حظي الآن بنصيبه المناسب من السلطة والثروة) قصته، أخرج من جيبه قطعة طحال (ابودمام) نيئة ملفوفة بعناية في ورقة صغيرة وشواها على نار قهوتنا، ثم أكلها ومضى لسبيله.
    كنت شغوفاً جداً بالإستماع إلى د. جون ورؤيته ومعرفة كيف ينظر إلى الأمور. قرأت الكثير من خطاباته التي كان يلقيها في إجتماعات التجمع الوطني الديمقراطي وبعض مذكراته الداخلية غير السرية التي كان يبعثها إلى جميع الوحدات All Units. أمضيت زماناً مقدراً في قراءة منشورات لواء السودان الجديد ثم قرأت عنه في بعض الكتب والمجلات والصحف القديمة لكني كنت أطمح لمقابلة الرجل العظيم. هكذا عرفت ألقاب الرجل الكثيرة فالضباط كانوا يسمونه (الشيرمان) وهو تحريف بعربي جوبا لكلمة (Chairman) التي تعني الرئيس، والجنود كانوا يسمونه (زول كبير) ، الشماليون ومنصور خالد كانوا يسمونه (د.جون)، وحين يتحدث ضباط الحركة فيما بينهم كانوا يسمونه (سي إن سي) أي (C in C) وهي إختصار لمعنى القائد العام باللغة الإنجليزية، وربما كانت هناك أسماء أخرى أما المخاطبة ما بين الرفاق وقائدهم فقد كانت في غالب الأحيان –ضمن ما شهدت- (كومريد شيرمان) أي الرفيق الرئيس.
    إقتربت أكثر فأكثر من إحتمال أن أرى جون قرنق حين توليت منصب مدير مكتب رئيس مؤتمر البجا –حينها- الشيخ عمر محمد طاهر. طلب مني شيخ عمر أن أستعد لإجتماع وشيك لهيئة قيادة التجمع الوطني في أسمرا. سافرنا إلى العاصمة الإرترية لكن د. جون لم يحضر وأناب عنه باقان أموم. أبلغني أحد (الكذابين) إن باقان هذا صديقه لكن سوء حظه جعل باقان يمر بالقرب منا دون أن يبدو عليه أنه عرف الرجل. كان باقان يرتدي حلة سماوية فاتحة ويحمل في يده حزمة من أوراق التجمع (غير المهمة) طبعاً. حيانا من بعيد تحية هادئة فنظرت إلى رفيقي الذي ساءه أن يكشف الله كذبته بهذه السرعة فأسرع الخطو خلف الكوماندور وهو ينادي (فاقان.. فاقان) إستوقفه، صافحه وقال له كلمتين لم أتبينهما إذ أنني لم أذهب معه ثم عاد إلىّ. هذا المناضل كان يكره بعض صراحتي وتدقيقي معه في بعض الحكايات التي كان (يقطعها من رأسه) فحفظ لي عداء منكراً لعدة سنوات لاحقة ثم تعب فاتجه ربما لشئون أخرى.
    إنتهى الإجتماع وخسرت تلك المرة حلمي في أن أرى جون قرنق لكني إستمتعت بالمجادلات البديعة للدكتور منصور خالد ومبارك المهدي وبالطبع تاكتيكات باقان أموم الحاذقة في التمدد. أعتقد حتى هذه اللحظة أن الأستاذ/ باقان هو أحد أساطين التمدد والكسب في الساحة السياسية السودانية وذلك بطريقته المميزة في رفع سقف مطالبه دائماً إلى ما فوق التصور وبدء التفاوض من هناك أي من النقطة ما بعد التي يطمح إليها وليس من النقطة التي يقف فيها. أذكر مرة أنه حين كان يسعى لحصول الحركة الشعبية على منصب الأمين العام للتجمع قبيل إنسحاب حزب الأمة أنه إفتعل جدلاً حول إن قادة التجمع ربما شق عليهم أن يتولى جنوبي هذا المنصب الرفيع وقال لهم لا تقلقوا فيمكن للحركة أن تأتي بشمالي لهذا المنصب إذا لم تكونوا ترضون بجنوبي واستخدم في مرافعته التي كانت معدّة بعناية كلمة (عبيد). هكذا ومن قبل أن يحصل على موافقة قادة التجمع على منح المنصب للحركة ، نجح الرجل ببراعة في نقل الجدل إلى الخطوة التالية حول هوية الشخص الذي سيتولى المنصب وحول هل سيكون ذلك الشخص شمالياً أم جنوبياً. بالطبع سقط الجميع في الإختبار وقالوا إنهم لا يفرقون بين الشمالي أو الجنوبي دون أن ينتبهوا إلى أنهم بدأوا الجدل من الخطوة الثانية ! وهكذا صار مولانا نيال دينق نيال أميناً عاماً مؤقتاً للتجمع الوطني الديمقراطي تحت مسمى (منسق التجمع).
    إذن، على أن انتظر حتى الإجتماع القادم لهيئة قيادة التجمع الوطني الديمقراطي لأتمكن من مقابلة د.جون الذي سأذهب إليه في مقر إقامته بفيلا (ميلوتي) مع الشيخ عمر محمد طاهر. إستقبلنا الرجل بقامته المديدة وعانق الشيخ عمر عناقاً مطولاً ثم عانقني بعده كأنه يعرفني. اسعدني ذلك العناق الودود والترحاب والأريحية الشديدين، ثم صافحنا زوجته السيدة ربيكا التي عادت إلينا بعد دقائق وسألت شيخ عمر عما إذا كان يرغب في تناول القهوة أم الشاي، ثم سألتني بعده فطلبنا ما اشتهينا. عقب اللقاء قلت لشيخ عمر: إن هذا غاية التكريم أن تتولى ضيافتنا زوجة الزعيم الكبير إذ كان يمكن ترك الأمر كله للحراس وفريق الضيافة.
                  

10-07-2009, 05:45 PM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمد عثمان إبراهيم يكتب عن مؤتمر جوبا و كوكب كومبيتاليا... (Re: Elawad)

    Quote: جون قرنق دي مابيور وأنا

    محمد عثمان إبراهيم

    الحلقة الثانية - الجزء الأول

    قلت فيما مضى إن انتظاري طال قليلاً حتى رأيت جون قرنق للمرة الأولى ولم يخذلني بأريحيته الشديدة وحسن استقباله. لذت تماماً بالصمت بينما كان هو وشيخ عمر يتداولان في أمور مستقبل التجمع وبعض تحركاته على الساحة الدبلوماسية إضافة إلى الوضع في الجنوب وما إلى ذلك. لاحظت أن الرجل كان يرتدي ملابس جديدة تماماً. إذن فهو مثلنا تماماً في هذا الشأن، إذ أننا حين نسافر إلى مناطق الحدود والجبهة نتجاهل الإهتمام بالملابس المدنية ونرتدي (الميري) أو البيجامات أو أي شيء. نعفي لحانا ونطلق شواربنا اللحية ونترك شعر الرأس منا ينبت كيفما اتفق، ثم نصاب بالهلع حين نأتي إلى المدينة فنرى وجوهنا في المرايا. نذهب إلى السوق فنشتري لأنفسنا ملابس جديدة ونحسن مظهرنا ثم نبدو ملائمين تماماً للمدينة ولكن إلى حين. شعرت حينها إن الدكتور قادم لا محالة من الجنوب ولا بد أنه كلف أحد مساعديه بشراء ملابس جديدة. قلت في نفسي إن الرجل كان فعلاً في منطقة نائية وإن الأمر ليس كذبة بيضاء من معاونيه الذين كانوا يعتذرون لقادة التجمع ممن يرغبون في الإتصال المباشر به: إن الدكتور في منطقة نائية بالجنوب ويتعذر الإتصال به فإذا كان لديكم شيء هام أعطونا إياه وسنحاول توصيله بطريقتنا. ذات يوم في أحد الإجتماعات بالقاهرة غضب ممثل التحالف محمد أحمد عبدالمنعم وأخرج هاتفه النقال (كان هاتفاً أنيقاً من طراز موتورولا) وطلب متحدياً الإتصال بدكتور جون الآن ممن يزعمون أنهم يتواصلون معه مشيراً إلى أن لا أحد يمكنه الإتصال (بالكولونيل)! لاحظت ثانية إن دكتور جون يحتفظ بظفر خنصر يده اليسرى نابتاً وطويلاً. ترى ماذا كان يفعل بهذا الظفر؟ تركت الأمر فلا بد أنه من نزق الحياة في الغابة وقد رأيت البعض ممن كانوا يرسمون الوشم بالكلمات على أيديهم أو يمشطون شعورهم على طريقة الراستا وما إلى ذلك. لم أتحدث إليه سوى ببعض كلمات مجاملة ثم خرجنا من عنده وأنا مقتنع تماماً أن هذا الرجل أعمق مما رأيت وأعظم مما يحاول أن يبدو. تابعت مشاركاته في الإجتماعات حيث كان يخلط بين العربية والإنجليزية لكن الكثير من قادة التجمع لم يكونوا يفهمون ما يقول تماماً كما كان يحدث حين يتحدث منصور خالد بلغته العربية الصافية والمدققة. كان الجميع يتجنب مجادلته لئلا يجعلن منه عظة لمن يتعظ وعبرة لمن يعتبر. ذات يوم قال السيد مبارك الفاضل إن " الأخ عثمان العمير" مشيراً إلى رئيس تحرير الشرق الأوسط الأسبق، أبلغه بأمر ما، وكان الحديث في سياق مناقشة هيئة القيادة لحادثة ضرب مصنع الشفاء في الخرطوم، فرد خالد بأنه على إستعداد الآن لإعطاء رقم هاتف العمير الجوال ل"مستر صادق" قالها هكذا وهو يقصد السيد الصادق المهدي مضيفاً أن العمير لا يعرف مبارك الفاضل ولم يتحدث إليه أبداً في حياته وإن ما يقوله مبارك الفاضل في هذا الشأن لا أساس له من الصحة. . كان هذا عام 1998م حيث لم يفتح الله علي حينها بأي تصور عن كيف يكون الهاتف الجوال!
    لم أحتفظ بأي ذكريات من ذلك اللقاء مع د. جون لكنني رأيت كيف كان حراسه حريصون كل الحرص على إبقاء المصعد خالياً من أجله ومن مرافقته ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً بينما كان آخرون يقومون بتأمين السلالم من خلال الركض فيها صعوداً وهبوطاً. رأيت أيضاً أنه كان هناك مصور خاص يرافقه ويوثق مشاركاته. في مرة من المرات كنت أقف على مسافة فرأيت الدكتور قادماً ثم رأيت سودانية جميلة تتقدم منه طالبة منه أن يقف معها لالتقاط صورة تذكارية فرد عليها بأريحيته الشديدة مادحاً " كيف لي ان أرفض ذلك" How could I refuse !?. لابد أنها شعرت بغرور عميق فهذه كلمات مدح مباشرة من الرجل الكبير.
    في أوائل ديسمبر كان التجمع الوطني يتأهب لعقد أول إجتماع له في يوغندا بعد إتفاق حزب الأمة والحكومة السودانية في جيبوتي فيما عرف بإتفاق نداء الوطن. قرر مؤتمر البجا إيفاد الشيخ عمر وشخصي لتمثيل التنظيم. سافرت قبل الشيخ إلى أسمرا لترتيب إجراءات السفر ولم أكن حينها أمتلك جواز سفر. طفت على كافة الجهات التي كانت تساعد (حينها) في أمر تزوير الجوازات فلم أجد عندها شيئاً بينما جواز سفري الأصلي مخبأ في كسلا، في حرز أمين. الوقت لا يكفي –الآن- لاستجلابه لكن بحلول العاشرة من صباح الرابع من ديسمبر حصلت على جواز سفر . كان الجميع قد سبقني بالسفر إلى كمبالا عن طريق القاهرة ما عدا الفريق عبدالرحمن سعيد الذي كان ممنوعاً-حينها- من دخول مصر والزعيم الراحل عمر نورالدائم. قرر الشيخ عمر فجأة إلغاء سفره فذهبت وحدي ممثلاً لمؤتمر البجا. وجدت نفسي في رحلة واحدة مع الفريق و دكتور عمر إلى دبي حيث افترقنا ثم سافرت إلى نيروبي فعنتيبي. لخطأ في بعض الترتيبات لم تأت سيارة لنقلي من الفندق إلى الجلسة الإفتتاحية للإجتماع الذي بدأ جلساته صباح 6 ديسمبر، لكنني وعبر إتصالات مكثفة نجحت في الوصول إلى القاعة ودخولها. لم يكن هناك ثمة مقعد لأجلس عليه فحاولت العبور من خلف المنصة حيث كان السيد محمد عثمان الميرغني يلقي خطابه. إعترضني أحد الحراس بيده ، إذ كنت أرتدي بنطلون جنز وقميص خفيف، لكن دكتور جون وقف أثناء الخطاب وعانقني ثم أجلسني بالقرب منه وهكذا حضرت الجلسة الإفتتاحية جالساً على المنصة وإن إلى حين. عقب إنتهاء الجلسة دبروا لي مكاناً آخر أبعد ما يكون عن المنصة. إهتم بعض الصحفيين اليوغنديين بي وبمحاورتي وسألوني عمن يكون هذا الشاب الذي (كنته) وبأي إستحقاق يأخذني دكتور جون بالأحضان ويجلسني بالقرب منه. إستعدت مذيعة تلفزيونية جميلة، كانت ترتدي تنورة قصيرة لافتة، لمحاورتي لكن ظهر من هو أكبر وأهم مني فأخذها بعيداً عني! صادقني مراسل راديو فرانس إنترناسيونال وأجرى معي حواراً تحدثت فيه مزهواً بأن حزبي هو الذي قام بعملية تفجير خط أنابيب النفط التي جرت مؤخراً . لم يكن الصحفيون ورجال المخابرات اليوغندية المنتشرين في كل مكان يعلمون كثير شيء عن التجمع بل كانوا يعرفون جون قرنق والحركة الشعبية فقط. في تلك المرة شاركت (المستشار الرئاسي الحالي) بونا ملوال وآخرين طاولة وسمعته يحدث ببعض الحكايات عن نميري وينتقد التجمع كله ويعلن أنه لن يحضر مرة أخرى للمشاركة في إجتماعاته. أبلغت أحد قادة التجمع بالأمر فقال لي " ياخ إن شاء الله ما يجي ذاتو". شن دكتور جون هجوماً عنيفاً على حزب الأمة الذي كان ممثلاً بثلاثة أشخاص (الراحل عمر نورالدائم و نجيب الخير عبدالوهاب وعبدالرسول النور) خلال الجلسة الإفتتاحية. ثم عقد مؤتمراً صحفياً لاحقاً واصل فيه الهجوم وقد نازعه في ذلك المؤتمر السفير (حالياً) نجيب الخير الذي قال له " إنني لست صحفياً لكنني أجلس ضمن الصحفيين نيابة عن زميل لي (كان يقصد حسن الحسن مراسل البيان الإماراتية وكادر حزب الأمة) ثم سأله حزمة من الأسئلة كانت معبأة برفض رؤيته للسودان الجديد وقال له "تحدثت عن إن النوبة في شمال السودان إتصلوا بك لمساعدتهم في تكوين جبهة للعمل المسلح في الشمال وتحدثت عن الرشايدة والبجا والفور ، فهل هذه هي رؤيتكم للسودان الجديد: ان يكون سوداناً مبنياً على القبائل؟" ورد الدكتور رداً حاذقاً بقوله إنه لم ينشيء تلك القبائل وإنما هي حقيقية تاريخية وجغرافية ماثلة ومن الأجدى التعاطي معها ومع تطلعاتها بدلاً عن رفض وجودها، وكأنها لم تكن ، ثم أشار إلى أنه حين ذكر إتصالاتها به فإنه لم يكن ينقل سوى الحقيقة وإنه على العكس لم يساعد تلك القبائل بل نصحها بعدم تعلية أمر العمل المسلح ضمن خياراتها.
    (عن الأحداث)

    قمت بتجزئة المقال لطوله
                  

10-08-2009, 05:50 PM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمد عثمان إبراهيم يكتب عن مؤتمر جوبا و كوكب كومبيتاليا... (Re: Elawad)

    شكرا للأخ هاشم الحسن الذي ذكرني فقد كدت أن أنسى المواصلة في إيراد مقال الأخ محمد:
    Quote: جون قرنق دي مابيور وأنا

    محمد عثمان إبراهيم

    الحلقة الثانية - الجزء الثاني

    في اليوم التالي تمت دعوتي لمقابلة الدكتور في إحدى غرف فندق أفريقيا حيث ذهبت إليه وسألني عن وجهة نظري في مجريات الإجتماع وفي إتفاق نداء الوطن فعبرت له عن إرتياحي للإجتماع وعن رفضي لاتفاق نداء الوطن وقلت ما درجنا على قوله حينها. قال لي الدكتور إن مبارك الفاضل أصبح غير مؤهل لمواصلة مهام الأمين العام للتجمع وإنه يرجو أن أقدم إقتراحاً خلال الإجتماع بعزله عن المنصب. أسقط في يدي فبالرغم من إعتراضي (الذي ما زال قائماً) على إتفاق جيبوتي إلا أنني كنت أعتقد أن وجود مبارك مهم جداً للتوازن مع الحزب الإتحادي الديمقراطي وإن غياب مبارك (بديناميكيته وقدرته الفذة على إطلاق المبادرات) يعني سيطرة الإتحاديين بتنظيمهم المترهل على التجمع (المسكين). قفزت إلى ذهني إجابة أعفاني بسببها دكتور جون من تقديم الإقتراح حيث قلت له إنني لا امانع ولكن هناك شيء بسيط وهو إنني جئت مع دكتور عمر نورالدائم في طائرة واحدة وسأعود معه والرجل يعاملني بلطف وأبوية وأخشى –فقط- من الحرج أمامه. في الإجتماع التالي قام بتقديم الإقتراح بعزل مبارك ، العميد عصام الدين ميرغني (البرلماني حالياً) لكن ثالثة الأثافي كانت من الإتحاديين الذي رفضوا عزل مبارك واقترحوا بدلاً عن ذلك توجيه صوت لوم له. ما يزال الحزب الإتحادي الديمقراطي يظهر غير ما يبطن ويخطو في الإتجاه الذي لا يريده كسائق مشوش يشير بيده يساراً وينجو بدابته لليمين!
    إنتهت مراسم كمبالا وعدنا كل لقواعده لكنني سألتقي مرة أخرى بدكتور جون حيث ذهبنا إليه في منزله مساء نفس اليوم الذي حضر فيه بعد رحلة مرهقة فرضتها عليه ترتيبات جديدة اضطرته لتفادي المرور بالأجواء الإثيوبية حيث كان نظام ملس زيناوي قد مال نحو الخرطوم. كنت برفقة الشيخ عمر والزميل أمين شنقراي حيث داعب الدكتور صديقنا شنقراي بقوله إنتو بجا عندكم أهل في زيمبابوي؟ في واحد إسمو مورغان شانقراي هناك، كدي اسألوا منو يمكن يكون منكم. كان يجلس ماداً رجله اليمني في وضع مستقيم وقد ظل يعتذر لكل من يحضر إنه يجلس هكذا بسبب إرهاق السفر حيث إنه قدم في طائرة خاصة صغيرة واضطر لعدة ترتيبات للوصول إلى هنا حيث توقف في طريقه إلى أسمرا باليمن (؟؟) فكرت من الذي أقنع اليمن باستضافة طائرة زعيم المنشقين السودانيين وماهي مصلحتها في ذلك؟ خصوصاً إن ما بين الخرطوم وصنعاء وداد لم يكن لينقطع لكن الشئون الدولية هي دائماً هكذا...ليس فيها شيء من الوداد.
    كان البيت يغص بالحضور شيوعيون وتحاف (عبدالعزيز خالد) وتحالف (دريج) وبجا وحركة شعبية بالطبع. جاء باقان أموم ليلتقي قائده للمرة الأولى فوقف د. جون لمصافحته بربتات سريعة على الكتف ومصافحة وخاطبه ضاحكاً بمودة " أوو... الأستاذ فاقان". بعدها دخل د. منصور خالد الذي اكتفى بتحية الحضور ببعض الكلمات لكن الجنرال عبدالعزيز خالد قام لتحيته فسلم عليه مصافحاً " إزيك يا عزيز". من طريقته خمنت أنه لا بد رأى د. جون في المطار صباحاً.
    قال قرنق للحضور إننا نريد التأكيد على ثوابتنا في التجمع وهي إننا نسعى لحل سياسي شامل عبر وسائلنا المعروفة في العمل المسلح والتفاوض والضغط الدبلوماسي وإن من المطلوب التأكيد على هذه الثوابت من جديد على ضوء إحتمال إسقاط حزب الأمة للخيار العسكري بعد إعلان تجميد عضوية جيش الأمة للتحرير في القيادة العسكرية المشتركة للتجمع، وأوضح فكرته بأننا في التجمع مثل جماعة كانت تجلس ثم وجدت نفسها فجأة الظلام فجعل البعض منها يتحسس الآخر ليتأكد من وجوده باللمس والقول " يا فلان إنت في؟"(يعني هل أنت موجود؟)، وهكذا نحن نريد التأكد ممن هو الذي ما يزال موجوداً ومن هو الذي غاب في الظلام.
    تطرق الحديث إلى إقتراح بالأجندة تقدم به حزب الأمة وضمنه بند لمناقشة (مستقبل الجبهة الشرقية) على ضوء تدهور العلاقات الإرترية – الإثيوبية. كان الجميع يتحدث وفي حضرة الدكتور يطيب حديث الزعماء. شعرت بالملل فقلت " أنا غايتو محمد عثمان دة لوسألتوني حأقول ليكم إنو لو حزب الأمة دة لو أصر على مناقشة الوضع في الجبهة الشرقية، ينبغي أن نقترح إحالة الأمر إلى لجنة من الأحزاب ذات العضوية في القيادة العسكرية المشتركة ثم ترفع هذه اللجنة تقريراً لإجتماع هيئة القيادة وبهذا فإننا نضمن عدم مشاركة حزب الأمة والقوى الأخرى زي تجمع الداخل والنقابات وغيرها من القوى التي لا تملك قوات عسكرية". عاتبني الصديق أمين شنقراي بعدها ونصحني بأن اختار كلماتي بشكل أفضل وأن اتجنب هذه الطريقة (المتباهية) من على شاكلة (لو سألتوني) و(أنا محمد عثمان دة) فأنت ما زلت صغيراً، قال لي، أمام هؤلاء الزعماء الذين قد يمتعضون من هذه الطريقة! على العموم لم (يزعل) مني د. جون الذي طلب مني إعادة كلامي حتى يستوثق منه جيداً فأعدته بكلمات مختلطة ووافق الرجل على الفور مشيداً بالفكرة. في اليوم التالي قدمت نفس الإقتراح وأيدني فيه المهندس هاشم محمد أحمد ممثل النقابات لكن شعرت بأن الشيوعيين لم يكونوا كأمسهم وتجنبوا الحديث في الأمر...كانت مشاركات د. جون في ذلك الإجتماع قليلة وقد اتى في معيته للمرة الأولى الأستاذ نيال دينق نيال الذي كان قد شارك سابقاً، في أنشطة التجمع، ممثلاً للحركة الشعبية في إجتماع طرابلس. كان د. جون يخطط بالطبع، كما اشرنا سابقاً، إلى إحلال السيد دينق محل مبارك الفاضل على سدة الأمانة العامة. كان النقاش يتم حول عدد من القضايا ورئيس معظم الجلسات الفريق عبدالرحمن سعيد يسأل الناس إن كانوا موافقين أم لا فيومئون بالإيجاب إلا مرة نهض فيها د. جون وقال : "أوف كورسoff course)) ما موافقين" وكان ذلك رداً على أحد إقتراحات حزب الأمة. (ملحوظة: كان رئيس التجمع السيد الميرغني متغيب عن الإجتماعات لبعض مشاغله في مصوع). كنت أمثل في ذلك الإجتماع تنظيم مؤتمر البجا في المكتب التنفيذي فيما كان يمثله في هيئة القيادة زميل –حينها- أمين شنقراي الذي فاجأني ذات جلسة ، ودون أن ينسق معي على الإطلاق، بشن هجوم عنيف ومفاجيء على مبارك الفاضل ووصف تقريره المقدم للإجتماع بأنه لا يرقى إلى مستوى التقارير وإنه محض رسالة واقترح تجميد ممارسة الرجل لمهام الأمين العام. لا حول ولا قوة إلا بالله ، من أين أتى الرجل بكل هذا الكلام؟ سألت نفسي ثم أجبت بأن الرجل ربما لديه ضوء أخضر من جهات أخرى وإنه آثر كسب الوقت وإبلاغي من داخل الإجتماع بدل المجادلة معي في الخارج. لم يكن أمامي سوى الصمت فمن غير اللائق أن أرد على كلام زميلي معترضاً، فأربح نفسي ويخسر تنظيمي الصغير العالم. عقب الجلسة ذهبت إلى القيادي بحزب الأمة عبدالرسول النور وأبلغته بأن كلام الأخ شنقراي لا يمثل رأينا في مؤتمر البجا وإننا سنكتب لهم خطاباً رسمياً في هذا الشأن، لكن حزب الأمة تعجل بإعلان إنسحابه من التجمع. وقد تناول الإمام الصادق ما قلته للنور في مؤتمر صحفي عقده، وقال: إننا تلقينا إفادة رسمية بأن حديث ممثل مؤتمر البجا في هيئة القيادة لا يمثل تنظيمه وسنتلقى خطاباً رسمياً بهذا الشأن.
    كثيرون لم يكونوا يريدون بقاء حزب الأمة داخل التجمع ولم أكن منهم، وقد زارنا في منزلنا بضاحية ترافولو دبلوماسي أجنبي رفيع نصحني بأن أحرص في الإجتماعات على أن يبقى الحزب الإتحادي الديمقراطي داخل التجمع، أما إذا وقف حزب الأمة –والتعبير له – في هاوية فقوموا بدفعه ليسقط في الجهة المقابلة. إستمعت لنصيحة الرجل ثم رميتها وراء ظهري وقد حزنت لمغادرة حزب الأمة لكنني لم أكن أكثر حزناً من الأستاذ أحمد إبراهيم دريج الذي بكي علناً داخل الإجتماع حتى اضطر رئيس الجلسة لرفعها بناء على اقتراح من ممثل الحزب الشيوعي الدكتور الشفيع خضر سعيد.
    (عن الأحداث)
                  

10-08-2009, 08:16 PM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمد عثمان إبراهيم يكتب عن مؤتمر جوبا و كوكب كومبيتاليا... (Re: Elawad)

    Quote: ا########س

    معليش يا جماعة الكلمة هي ا ل و ط ي س زي ما بقولوا لا تفوت على فطنة القارئ. لكن بورد بكري دا قليل أدب نعمل ليهو شنو. أول ما يشوف الحروف دي مع بعض تجيهو أفكار خبيثة... لكن بأمانة في الحالات دي الخطأ في العقوبة أخير من تمرير الكلام الفاحش.
                  

10-11-2009, 09:33 PM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمد عثمان إبراهيم يكتب عن مؤتمر جوبا و كوكب كومبيتاليا... (Re: Elawad)

    Quote: جون قرنق دي مابيور وأنا

    محمد عثمان إبراهيم

    الحلقة الثالثة والأخيرة - الجزء الأول

    كان الزعيم الراحل -وفق ما رأينا في المرات المتفرقة التي التقيناه فيها- دقيقاً جداً وكان يحرص على أن يستمع أكثر مما يتحدث ولعل واحدة من أكثر مميزاته الإيجابية العظيمة أنه كان يدقق فيما يسمع ويتقصى، خصوصاً إذا كان الكلام باللغة العربية الفصحى فتجده في كثير من الأحيان يسأل معاونيه عن معنى تلك العبارة أو الجملة. في مارس 2000 وزع حزب الأمة بياناً وردت فيه عبارة " أن الحركة الشعبية لتحرير السودان تسعى إلى حل سياسي شامل، هذا موقف لا يمكن الدفاع عنه !" ولعل العبارة المعقدة تعني بشكل أساسي أن حزب الأمة يعتقد أن الحركة لا تسعى للسلام وإن اعلاناتها بتأييد الحل السياسي السلمي، مواقف تفتقر إلى الحيثيات التي تسندها والوقائع التي تدعمها. أذكر أن د. جون تساءل عن معنى العبارة وإن الأستاذ نيال دينق عمل على تحري المعنى المقصود من كوادر حزب الأمة وقادته الموجودين والذين أعطوا ،للغرابة، شروحات تحمل معانٍ أخرى إيجابية بدلاً عن الدلالة السلبية للعبارة. منذ أيام عدت إلى موقع حزب الأمة وراجعت بيانات الحزب وخطابات رئيس الحزب الإمام الصادق المهدي فلم أجد لتلك العبارة على أثر، وهذا مدخل قد يفتح باباً خطيراً في مجال الرقابة على التأريخ.
    بالمقابل لم يكن رجالات الأحزاب المتحالفة مع الحركة الشعبية ضمن إطار التجمع الوطني الديمقراطي يجهدون أنفسهم في فهم ما يقوله د. جون أو باقان أموم حين ينحي العربية جانباً ويتحدث بالإنجليزية، وإنما يكتفون بالإبتسام وربما الضحك كعادة البسطاء ممن يضحكون على أي حديث لا يفهمونه، تفاعلاً مع تعابير وجه المتحدث وإسرافاً في حسن الظن.
    ذات فترة كان الحديث في دوائر المعارضة السودانية يدور حول تكتيك الحكومة وعملها الدؤوب على تفكيك التجمع الوطني رداً على إعلان التجمع عن إستراتيجيته في تفكيك الحكومة من خلال التفاوض وهو أمر تأتى لاحقاً للطرفين فلا الحكومة ما قبل إتفاق السلام الشامل 2005م بقيت ولا التجمع الوطني (داما). بدأت بعض القوى ممن كانت تسمي نفسها قوى السودان الجديد البحث عن بدائل وآليات عمل بديلة عن التجمع في حالة خروج حزب الأمة والإتحادي الديمقراطي على المعارضة. بدأت بعض المشاورات بين قادة قوى (السودان الجديد) وتوجت تلك المشاورات بإجتماع مطول بقاعدة (ساوا) العسكرية الإرترية حضره عن الحركة الشعبية كل من قائدها د. جون والأساتذة باقان أموم وياسر عرمان ومن التحالف الوطني العميد عبدالعزيز خالد ود. تيسير محمد أحمد ومن التحالف الفيدرالي د. شريف حرير و من مؤتمر البجا الشيخ عمر محمد طاهر وشخصي فيما حضر من جائب الأصدقاء الإرتريين الأستاذ عبدالله جابر والجنرال تخلي كفلي قائد قوات مراقبة الحدود ومسئول الإتصال العسكري الأرفع مع المعارضة السودانية. كان الحديث عن ضرورة التكتم على خبر هذا الإجتماع والتوصل إلى إتفاق بشان النقاط محل البحث وقد تمت كتابة وثيقة من نسخة واحدة سلمت للأستاذ عبدالله جابر لأجل العودة إليها متى ما نضجت الظروف. كان الإجتماع ساخناً وشهد الكثير من الحدة بين بعض أطرافه وقد دعا باقان أموم إلى الحديث بصراحة لشفاء جراحنا بدلاً ان تغلق وهي بعد لم تندمل. تقصى معه د. جون عن معنى عبارته وتطوع د. تيسير بالترجمة. مرة أخرى طالب باقان بأن يتحدث الجميع دون أي "سنسرة" أي رقابة، فسأله د. جون "سنسرة يعني شنو؟" فرد عليه باقان "Censorship" فقال قرنق " و سنسرشب دة ذاتو معناهو شنو؟" ولم يشأ باقان الرد على قائده واستمر في حديثه فيما سكتنا جميعاً عن الرد على السؤال الذي ربما كان منطلقاً من مداعبات بين القائد ومساعده المقرب.
                  

10-16-2009, 09:59 PM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمد عثمان إبراهيم يكتب عن مؤتمر جوبا و كوكب كومبيتاليا... (Re: Elawad)

    Quote: جون قرنق دي مابيور وأنا

    محمد عثمان إبراهيم

    الحلقة الثالثة والأخيرة - الجزء الثاني

    " سودان جديد ويي، إنني أشكر وأحيي الشعب السوداني كله وأطلب مساندتكم المستمرة، بارك الله في السودان، شكراً جزيلاً، إنني احبكم" الكلمات الأخيرة في خطاب أدء د. جون للقسم نائباً أولاً لرئيس الجمهورية ، الخرطوم 9 يوليو 2009
    حين استمعت إلى هذه الكلمات ضمن الخطاب ( المفعم بالمشاعر) والمعد بعناية أدركت أن د. جون مثقل القلب بالمشاعر الطيبة التي استقبله بها الشعب السوداني وكنت أحس أنه بكلماته الرقيقة تلك كان يفصح بشكل عميق عن أحاسيس حقيقية تملي عليه ما يقول. ولقد لمست ذات موقف كيف كان الرجل ينفعل ويستاء من الهجوم الإعلامي المتحامل على شخصيته خصوصاً عبر المقاطع المجتزأة التي كانت يبثها برنامج (في ساحات الفداء) على التلفزيون. كانت بعض المقاطع تُخرج من سياقها فتظلمه، مثل عبارته " الحركة دة ما عندو دين" التي قالها في سياق إن الحركة الشعبية مشرعة الأبواب لجميع السودانيين بغض النظر عن دينهم ( أين حركة جون قرنق الآن؟) لكن الإبتسار (الظالم) جعله يبدو كمن يقول إن الحركة الشعبية هي ضد الدين! وقد استمعت إلى استيائه من تلك الإقتطاعات ضمن حديث مباشر معه. أذكر مرة بعد معارك بحر الغزال التي تم فيها تدمير كبري بحر العرب واحتلت فيها قوات الحركة منطقة ( ديم زبير) وهو الإسم الذي قام بتغييره د.جون بقرار رسمي (عميق الدلالة) الى (ديم السودان الجديد)، جاء د. جون الى أسمرا حيث التقيناه وقام بتنويرنا عن الوضع في الجنوب-كعادته دائما- وأشار باستياء الى أن وسائل الإعلام الرسمية في الخرطوم نشرت أنني – أي د. جون- قمت بقيادة معارك بحر الغزال شخصياً وإنني من أشرف على تدمير كبري بحر العرب وعبر عن أسفه على تدمير الجسر. قلت له إن الحكومة لا بد تريد إظهارك كشخص مدمر " They wanted to portray you as a destructive person" التمعت عيناه ونظر ناحيتي قائلاً نعم هذه هي الرسالة التي أرادت نشرها. شعرت حينها إن الرجل الذي قاد أشرس وأطول تمرد في تاريخ السودان الحديث يشق عليه أن يتهم بتدمير جسر فقط في حرب أهلكت البشر و الزرع والضرع، فكيف إذا اتهم بتهم أقسى. كان د. جون حريص على التعرف على قضايا التنمية وقد أبلغته مرة بمفارقة أن منطقة جنوب طوكر، وهي التي تضم أكبر مشروع زراعي في البحر الأحمر، هي أكثر منطقة تعتمد على الإغاثة في غذائها وأنها إحدى اكثر المناطق فقراً وعدماً في شرق السودان، وقد شهدت انه اهتم بذلك الأمر وناقشه خلال مخاطبته منسوبي مؤتمر البجا إبان زيارته لمناطق الحدود باتجاه همشكوريب. وفي خطابه خلال إحتفال أدائه القسم بالخرطوم حرص د. جون على توجيه تحية خاصة للمزارعين مشيراً إلى أنه هو نفسه مزارع ثم تعهد بجعل الزراعة أولوية لديه في عملية التنمية " سنأتي بالمدن إلى الناس بدلاً من أن نأتي بهم للمدن... وسنقضي على الجوع باستخدام أموال النفط لتمويل الزراعة" لقد كان قائداً عظيماً وصاحب رؤية نافذة، لكأنه كان يتنبأ بأن اعتماد السودان على واردات النفط ليس هو السبيل الأمثل نحو ازدهار البلاد ورفاه أهلها.
    عقب المفاصلة بين جماعتي البشير والترابي وما عرف بقرارات (الرابع من رمضان) بحوالي العام وبعد مقتل القائد السابق اللواء كاربينو كوانين بول في سبتمبر 1999، زار د. جون العاصمة الإرترية أسمرا. سرت شائعة بأن د. جون سيزور الجبهة الشرقية هذه المرة خصوصاً وأن الحركة الشعبية كانت قد نقلت حوالي 3000 من قواتها من الجنوب إلى الجبهة الشرقية وهو الأمر الذي كان يرشح الحدود الشرقية لقتال مقبل عنيف. تحرى أحد زملائنا في أسمرا عن أمر الزيارة من الدكتور شخصياً لكن قرنق بحصافته الشديدة أجابه ب" نحن نوري محل جينا منو لكن محل ماشين ما نوري" أي أننا لا نصرح بوجهتنا. على كل كان مكتبنا في أسمرا يتابع الأمور مع قادة الحركة الشعبية وبعض العالمين ببواطن الأمور هناك وبالفعل جاء د. جون إلى الحدود الشرقية وقام قادة الجيش الشعبي لتحرير السودان بإبلاغنا بحضور القائد العام رسمياً فقمنا بزيارته في الصباح التالي لحضوره. كنت برفقة رئيسي حينها الشيخ عمر وكان معنا الرفيق محمد هيكل أوشيك ووجدنا د. جون وبرفقته السيدان باقان أموم وياسر عرمان ومجموعة صغيرة جداً من الحراس والمرافقين. لم تكن القرية الوادعة التي حل فيها الرجل تعلم أن جون قرنق هنا وقد بعث شيخ عمر ببعض الخلصاء من أعوانه البدو للتحرك في الخلاء حول القرية ورصد أي غرباء قد يأتون كمساهمة منه في تأمين زيارة القائد الصديق. كان في استقبالنا القائد باقان الذي كان يرتدي زيه العسكري وحين أراد الدخول إلى حيث القائد لإبلاغه بمقدمنا تبين انه لم يكن يعتمر قبعته، فأرسل من يأتيه بها، ثم وضعها بعناية ووقف ممتشقاً أمام الباب مؤدياً التحية العسكرية. كان الوقت مبكراً في الصبح لكن الجميع كانوا مستعدين وقد شربنا الشاي عندهم في راكوبة نظيفة جداً من القش. من يصدق القائد الكبير الذي تطارده كاميرات الإعلام ويتحدث إلى الرؤساء والملوك والزعماء يجلس في هذه العشة المتواضعة في هذه القرية الخاملة الذكر. كان د. جون يرتدي ملابس مدنية بسيطة وأنيقة. تحدث معنا مطولاً عن كثير من الموضوعات وسأله الشيخ عمر عن رؤيته للصراع بين الإسلاميين معرباً عن توجسه من أن الأمر ربما كان أحد حيل الشيخ حسن الترابي ليعطي النظام قوة دفع جديدة بإستبعاد مجموعة الصقور مؤقتاً، لكن د.جون كان حاسماً في إجابته وقال إن الصراع بين القصر والمنشية صراح حقيقي وإنهم ظلوا يتابعون أمر العلاقة بين الطرفين منذ فترة طويلة ، وإن الأمر هو سفور للصراع الذي لم تستطع حله مذكرة العشرة، وأفاد بان زيارة البشير إلى اديس أبابا التي سبقت حل المجلس الوطني كانت للتمويه، وأن الرئيس اعتذر عن لقاء رئيس جنوب افريقيا –حينها- تابو مبيكي وهو ما لم يكن ليحدث لو لم يكن هناك أمر جلل، فلقاء مبيكي مهم جداً لدبلوماسية الحكومة.
                  

10-20-2009, 05:06 PM

Elawad
<aElawad
تاريخ التسجيل: 01-20-2003
مجموع المشاركات: 7226

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمد عثمان إبراهيم يكتب عن مؤتمر جوبا و كوكب كومبيتاليا... (Re: Elawad)

    Quote: جون قرنق دي مابيور وأنا

    محمد عثمان إبراهيم

    الحلقة الثالثة والأخيرة - الجزء الثالث والأخير

    سألته عن ملابسات مقتل اللواء كاربينو كوانين وصلة الراحل بالقائد فاولينو ماتيب وبيتر قاديت فحكى لنا عن ذلك مطولاً وقلت له إن إحدى الصحف المحلية في الخرطوم نشرت انباء عن صلة كوانين وماتيب مشيرة إلى أنهما تصادقا في أمريكا فنفى لي الواقعة وقال إن بين الرجلين صلة مصاهرة لكن كوانين لم يسافر إلى أمريكا مطلقاً وإنه سافر مرة على نفقة الحركة للعلاج في ألمانيا (سأل باقان للتأكد من ذلك). حدثنا عن كيف تم إعدام كوانين بإشمئزاز من الحادثة بالرغم من أنه لم يكن في غالب حديثه يعبر عن أي مودة سواء باتجاه كوانين أو باتجاه ماتيب بل كان عدائياً تجاههما.
    تحدثت معه أيضاً عما كنت أحسبه تناقض في موقف الحركة إزاء (السودان الجديد) وقلت له إنه في الوقت الذي تتحدث فيه الحركة وتبشر بالسودان الجديد، فإنها تتحالف مع قوى السودان القديم وقلت له إن بعضنا في (مؤتمر البجا) ينظر للحزب الإتحادي الديمقراطي باعتباره أقرب إلى جماعة الترابي من كونه أحد عناصر السودان الجديد. حاول في إجابته على سؤالي أن يخفف من إندفاعي (بحكم السن) وحماسي نحو تحقيق (السودان الجديد) وقال لي إن تحقيق السودان الجديد مرتبط بتهيؤ الظروف الملائمة لذلك، وأنه ينبغي عدم التسرع لأن أي تسرع قد يضر بالسودان كله، كما إن محاولة بتر قوى السودان القديم وإقصائها ستؤثر على مستقبل البلاد كلها و امسك بظفره وأشار لي قائلاً "إن قوى السودان القديم مثل هذا الظفر النابت المرتبط باللحم فلكي نقوم ببتره دون أن نجرح الأصبع علينا أن ننتظر حتى ينمو ويتجاوز اللحم فنقطعه دون أن نشعر بالحاجة إليه أو نحس بالألم" وقال إننا كقوى سودان جديد بحاجة إلى التحالف مع الحزب الإتحادي الديمقراطي وهم أيضاً بحاجة إلى التحالف معنا. تدخل ياسر عرمان بشكل أكثر دقة " يعني أنحنا ما بنستغلهم وهم ما بيستغلونا!". شعرت بأن د. جون كان يتناول هذه القضايا بشكل شديد الجدية والعمق إذ أنه اقتصر في شرحه لها على الحديث باللغة الإنجليزية وهي التي أعتقد أنه يفكر بها. في ختام اللقاء قمنا بدعوته لزيارتنا في مقر قيادة مؤتمر البجا وهي الزيارة التي ستكون الثالثة والأخيرة له لمقر القيادة الميدانية للتنظيم. وافق بأريحية شديدة وقال إن لديه (شغل) مع قواته هنا، لكنه طلب التنسيق بهذا الخصوص مع معاونيه.
    غادرنا الرجل مودعين وفي أمسية اليوم التالي قمت مع مجموعة من المعاونين بالذهاب إلى معسكر قوات القائد (توماس سريللو) الذي انتقل إليه د. جون. دخلنا في غابة صغيرة وبعد أن تورطنا سمعنا أصواتاً عالية وأصوات إعداد أسلحة للإطلاق من أماكن مختلفة (ثااابت أووووو) فتوقفنا، وفي الظلام رأينا الحراس بعضهم على الأرض وبعضهم متسلقاً على الأشجار. أبلغناهم بوجهتنا فقاموا بالترتيبات اللازمة للسماح لنا بالدخول حيث دخلنا وأبلغنا مسئول الإستخبارات المعني بأننا اعددنا كل شيء لإستقبال الرجل غداً في الصباح، لكن مسئول الإستخبارات إعتذر وقال أنهم يحتاجون إلى تفتيش الشارع في الصباح وهذا قد يستغرق بعض الوقت لذا فانه يقترح أن تتم الزيارة ظهراً. اتفقنا معه على عدة ترتيبات لتأمين الشارع وسرية التحرك والزيارة بالطبع.
    في اليوم التالي كنا قد أعددنا عدتنا لاستقبال القائد العظيم حيث وصل بعد الظهر بقليل وكان يرتدي زياً عسكرياً باللون البني الصحراوي المبرقع ، كان الزي ضيق المقاس عليه بعض الشيء وقد أدى الحراس له تحية (السلام العظيم) العسكرية وتوقف منتصب القامة ورد على تحيتهم. كان معه عدد كبير من الحراس هذه المرة، فيما قمنا بنشر عدد كبير أيضاً حول المعسكر ومقر الضيافة وهذه هي المرة الأولى التي عرف فيها جنود مؤتمرالبجا وعدد من قياداته أن د. جون في زيارتهم هنا. لم يتجاوز الحديث التحية وتبادل عبارات المجاملة والوليمة وفي تلك اللحظة التي كان الناس يتناولون فيها الغداء غادر (الترزي) الذي قام بأخذ مقاسات الدكتور بالنظر إليه فقط إلى مكان قصي كان قد تم إعداده بماكينة خياطة تم إحضارها من قرية مجاورة، وفي زمن قياسي قام الترزي بمعاونة بعض الجنود بتجهيز زي بجاوي كامل للضيف الكبير.
    تم تقديم الهدية للرجل وساعده الشيخ عمر في لبس الزي الجديد وفي (لف) العمامة حول رأسه ثم غادرنا إلى مقر المدرسة حيث احتشد الناس للإستماع للرجل. داعب د. جون مصوريه قائلاً " يا جماعة بعدين ما تمشوا جنوب تقولوا انا أسلمت، دة لبس بتاع مهمشين" أحسن الشباب استقباله هناك وألقى الأديب الأستاذ حسين ولي محمد أركاب كلمة رصينة بديعة خاطب فيها د. جون باسم أدروب قرنق دي مابيو وهتف البعض (إيتانينا جون قرنق) أي مرحباً جون قرنق، ثم خاطب الضيف الحشد باللغة العربية وكان أحد الشباب يقوم بالترجمة وهو ما أثار استغراب د. جون الذي قال من يصدق إنني انا العربي هنا الذي يحتاج حديثه للترجمة فيما يحسب الناس أن السودان الشمالي كله عربي قح وتحدث باختصار عن صعوبة التفرقة بين السودانيين على أساس عرب وأفارقة. بعد إنتهاء الإحتفال طلب منا إثنان من معاوني الدكتور المرموقين الإحتفاظ بتسجيل هذه الزيارة سراً وعدم نشره وقد كان.
    لم تن هذه خاتمة لقاءاتنا بالدكتور فقد جاء بعدها إلى مصوع وأسمرا ثم القاهرة لكنه في كل الأحوال كان نفس الرجل النقي الحاذق صاحب الرؤية العميقة والإصرار والعزيمة وبفقده خسر السودان رجلاً نعتقد أنه كان خلاصة نقية للذكاء الوقاد والموهبة الهائلة والدأب المثابر والعزم الأكيد وأنه كان نتاجاً متميزاً لرحم السودان الذي سيحتاج لسنوات طويلة ليحصل على زعيم بحجمه الكبير ومزاياه الفريدة.
    نأمل أن نكون قد قدمنا صورة مقربة للرجل العظيم فإن كان الأمر كذلك فلعلها مناسبة نهدي فيها هذه السلسلة للصغيرة (أتونق)، آخر عنقود الزعيم الراحل، والتي لم يتيسر لها التعرف على أبيها الرجل العظيم لكنها ستحبه أبداً في غيابه الكبير وفي حضوره الأبهى في ذاكرة الكثير من السودانيين، كرجل قدم لهم كل حياته وحاضره من اجل مستقبلهم. وداعاً د. جون في ذكراك الرابعة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de