|
الخاتم ... أيها الفارس الذى ترجل وبقى صهيل فرسه
|
هل كان الداء الخبيث هو الذى أنزلك عن ظهر الجواد ؟ أم كان ضجيج الزيف والقهر وعذاب الوطن هو الذى عجل ايثارك الصمت ؟ هل تريد لذرات جثمانك ان تخاط الى تراب الوطن (كما تمنى المعرى ) او تنثر فى وجدان امواج المحيطات ( كما فعل شلى ) أو تذرى فى أجواء الاثير لتنقل صدى الصمت وتظل صلة وصل بينك وبين المفجوعين من احبابك ؟ مهما اخترت سوف تلاحق ذراتك وتتحسس فى اليابسه والماء والفضاء والفراغ. الكلمات التى كنت فارسها المجلى يالخاتم اختفت خوفا من عجزها عن مجاراة الحدث الجلل غيابك . الكلمات التى كنت ترسلها شواظا من لهيب يتوهج فى قلبها الحق ويتلظى فى أجيجها الباطل , هذه الكلمات فى فقدك لاتسعف ولا تواسى وبالكاد تستجيب . ياليتك كنت رثيت نفسك قبل ان تسلم الروح لعلها كلماتك كانت تكون اولى بأن تشفى غليل محبيك . يوم وفاتك هو قلب الظلام بكلمات جوزيف كونراد. ايها المناضل الشامخ الذى ظل يحمل روحه على كفه كلماتك دائما كانت تخترق حجب مستوطنات الظلام وكان سدنة الظلام يريدونك دائما خارج المكان وخارج الزمان وانت تبقى مثل كابوس متأجج بأنفاس الانسانيه فوق صدورهم المثقله بالاحقاد .. وان ظل جسدك خارج الوطن الا ان روحك كانت دائما قادره على التحليق فوق المكان والزمان الذى آليت الاتبيعه وألا ترى له مدى الدهر ظالم وطاغيه مالكا . تحملت دائما عبء المناداة ودفعت الضريبه مضاعفه , كنت دائما لسان حال الحق الذى لا يتلجلج ولا يلين ولا يهادن ولو شئت لكان الظالمون منحوك الذهب الابريز وما يتمناه كل امرىء من بريق وأزيز. أيها الراحل الذى لم يرحل يخيل الينا من هول الذهول أن رحيلك هذا ليس الا محطه فى سلسلة محطاتك المتزاحمه بين الفكر والمعرفه والسياسه والنضال ومقارعة الاستبداد والذود عن السودان الوطن وفضح الفساد والطغيان وكل ما يمت الى السلطه والسلطان . ان وجودك كان يمنح المقهورين فسحة من تنفس وفرجة امل ومع ذلك لا نشك فى ان صمتك الابدى سوف يمنح صوتك الباقى دويا مضاعفا وقوة مضافه . ليس فى مقدور اى كلام تكتبه اقلام ان يعبر عن الخساره الكبرى التى نزلت على المناضلين عموما وطلاب الحريه بالخصوص فى اى جانب من جوانب الاصطفاف , فنحن جميعا ننزع الى الحريه والعداله والمساواه , لقد كان الخانم مؤثرا فى دفاعه عن حقوق الشعب وكان فيما يكتب ويقول نفاذا الى الضمائر مالكا لزمام التعبير قادرا على جلاء الفكره بسحر الكلمه وكذلك وصل قوله وصوته اشعه من التنوير وهزة تدعو الى يقظه . حين وصلنا نبأ رحيله تذكرت بيت الشعر المأثور عن المتنبى :- طوى الجزيرة حتى جاءنى خبر فزعت منه بآمالى الى الكذب ومن سوء الحظ انه لا الاكاذيب ولا الحقائق ولا الشعر ولا الدموع تكفى للتسليم بأن المقادير شاءت وحكمت وجاءت وذهبت ومعها الخاتم عدلان الى عالم بعيد . ايها الفارس نسمع صهيل فرسك ....
طه / الدوحه
|
|
|
|
|
|