دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
بصحيفة ( الاضواء) الصحفى اللامع ابوبكر الامين ينعى صديقه الخاتم عدلان............
|
لكن المنيَّةَ أسرعُ أبو بكر الأمين عند الساعات الأولى من صبيحة 23 ابريل الجاري ووسط الأسرة والأصدقاء توقف بمدينة لندن خفق قلب المفكر والكاتب والمناضل والأستاذ والصديق والزميل الخاتم عدلان والذي ظل يصارع داء عضالاً في أعقاب زيارة مرهقة قام بها للولايات المتحدة الأمريكية. لقد اختطف الموت من بيننا محارباً بيِّن المكانة ومصارعاً من وزن غير هين في حقل الفكر والسياسة على طريق الأحلام الكبرى في العدالة الاجتماعية والديمقراطية والسلام. وقع رحيل الخاتم بقسوة على الجميع وران الحزن العميم وسط أسرته وأهله وأصدقائه وزملائه ومعارفه وقرائه ومحبيه ولم يكن رحيل الخاتم خسارة لتنظيمه السياسي لوحده لكن الخسارة الفادحة لحقت بمجمل الساحة الوطنية كلها. وعلى نحو عميق يفتقده الشيوعيون السودانيون الذين ترعرع الفقيد وسط صفوفهم الكفاحية وقضى القسم الأعظم من عمره السياسي بينهم كادراً مميزاً ومحترماً يشار إليه بالبنان. وكان الخاتم ينطوي على ذلك السر المسمى بالكاريزما والذي يجذب إليه خلق الله وكان ذلك بيِّناً سواء في الأوساط الطلابية أو في هيئات الحزب الشيوعي أو هيئات حزبه القيادية أو في السجون ووحشة المنافي البعيدة أو في الشتات.. فمن الذي يستطيع أن ينسى كل ذلك. من يستطيع أن ينسى الخاتم الخطيب المفوه الذي يشد الانتباه إلى قوله بامراس الحقائق ومنطقها العنيد كاشفاً فاضحاً ومعبئاً، ومن سينسى الخاتم السياسي من الطراز الفريد الذي رمى بسهامه مباشرة على حدق الشمولية في نضال مرير ومثابر ضد ثلاثة من أبشع أنواع الدكتاتوريات التي تربعت على صدر الوطن، ومن سينسى الخاتم الكاتب المترجم الذي خاض غمار معاناة الكتابة في محبة الوطن فلم تنطفئ له نار ولم يفتر له شوق وهو يصعد كما قال (جبل الكتابة الشاهق) ليصل فيه للقمم المنيرة بياناً وشفاءً. وفي الحق لم يكن هناك من كان قادراً على أن يجعل هذا الفارس يترجل عن مواهبه العديدة وعن مشروعه سوى الموت اللئيم. قل لي بربك كيف نبكيك دون استدعاء الذكريات الممتدة في المنشط وفي المكره حين كان رفاقك يقتحمون الساحات بالهتاف ويضعون الصدور على فوهات البنادق.. ولايزالون على عهدهم القديم. فمن الذي لايحكي عنك خبراً وقصة وطرفه، كثيرة هي الحكاوي يا فقيد لكن لن أنسى يوم قلت لي: سيقتلنا الستالينيون! واشهد أمام الغابة والصحراء انك كنت تمحضهم مقتك الشديد فهل بربك كنت ترضى أن جاء ذكرك محض دموع؟ أوَ كنت ترضى أن تمضي دون أن نطور أطروحة حولك؟ قد كان عمرك كله يجري على مدار الاطروحات، وان كنا دخلنا الحزب جميعاً من أبواب مختلفة رغم أن السياسة وحدها تكفي على قول لعبد الخالق، فقد كان خروجنا من أبواب مختلفة كذلك ولان أوان التغيير قد حان وذهب كل إلى الحق الذي يراه حقاً لامراء فيه، وذلك في طبيعة الأشياء، لكن هناك من وضع صِواع الخصوم في أمتعتنا وما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين، فهل المكان الذي خرجنا منه كان هو الحزب حقاً؟ هل ترحلنا عنهم أم كان الرحيل رحيلهم؟ أكان ذلك حزب عبد الخالق والشفيع وجوزيف وهاشم أم كان شيئاً آخر لا في العليق ولا اللجام؟ ثم لماذا اخفوا عنا وصية عبد الخالق الذي كان يحب ويقرب الأذكياء إلى مواقع القيادة ويجيد تربية الكادر ولعلك كنت تحظى لديه بموقع أثير وقد كان يتطلع إلى مستقبل للحزب يراه في امكانات كادره المتميز. هذا حديثي لك أخصك به وليمتنع الواشون والمخترقون وعملاء الأعداء والأنبياء الكذبة الذين شملوك في جردة التصفية مع ارث عبدالخالق وجوزيف والشفيع وهاشم. فهل تريد أن تمضي دون ان نطور حولك أطروحة؟ وهل حقاً كذب التاريخ مشروع الماركسية للتغيير الاجتماعي؟ وهل قضى عليها منهجاً في التفكير العلمي؟ وهل باستطاعتنا أن نخلع طريقة تفكيرنا وننقض لحمتها وسداها، نخلعها كمثل قبعة احتراماً وتجلة لمسير الرأسمال العولمي العوير؟ وماذا في قولك انك يممت مصلحة الشعب وحقه في العيش بسلام وكرامة وعدالة الم يك ذلك جزءاً من مشروع الماركسية للتغيير الاجتماعي؟ آه لم يكتمل الحديث بيننا... كنت أود القول أن المؤسسة التي خرَّجتنا لم تستنفد أغراضها بعد, لكنها تنتظر الشيوعيين كي يعودوا لتصدر الكفاح الثوري وقيادة التغيير من بعد أن يهزموا أنبياء التيار اليميني التصفوي المخادع والذين كنت تكن لهم الاحتقار اللازم، نعدك بمواصلة هذا الاحتقار. بالله كيف تلقَّى الكثيرون الخبر.... كيف تلقاه محجوب شريف وكيف تلقاه محجوب عباس كيف تلقاه محمد سليمان ومحمد بيرق والقائمة تطول لتشمل كل أولئك الذين كانوا معك وقد أصبحت الآن في قائمة الفقد الجلل قائمة أحزان الوطن: من علي عبد اللطيف حتى علي فضل ومن الماظ حتى عبد الله أبكر ومن التجاني حتى الدوش ومن الخليل حتى مصطفى ومن شيبون حتى شكاك فقد كنا نريدهم أجمعين وكنا نريدك أيضا.. لكن المنيةَ أسرعُ على قول المتنبي (وعلى أكف صحبه قضى) على السكة الوعرة (وكان في المقدمة) ورحل دون أن يرى (ألفاً من الشموس مقبلة) على قول ود المكي ولم يعش هناءة السلام ولا رحابة الديمقراطية ولا قرة عين العدالة لكنه تمتع بالقدلة الطليقة بالطريق إلى كل تلك القيم النبيلة غير هياب ولا وجل وستبقى ذكراه حية ملهمة وباقية فعليك غفران الله ورحمته ماءً ثلجاًَ وبرداً وصبراً جميلاً عميماً.
الاضواء 25 ابريل 2005
|
|
|
|
|
|
|
|
|