|
الاستاذ احمد ضحية يكتب في وداع الخاتم عدلان
|
الخاتم عدلان .. في رحاب الله في وداعة الحزن: مرثية , لضياء نجم بعيد .. احمد ضحية [email protected] "الحزن لا يتخير الدمع ثيابا -
كي يسمى بالقواميس بكاء - الصادق الرضي .
اخي وصديقي/ عبد الوهاب همت
اخي/ امجد ..
اعلم ان حزنكما على الخاتم , لهو كبير .. نوع من ذلك الحزن الشقي , الخاص . المحاصر بالصمت والاشواق . ولا املك سوى ان اقول لكما : كيف يموت ميلاد وجيل - وكل العزاء لنا جميعا . فالرجل مضي كما يليق بالفرسان النبلاء , متعاليا على الالم , كما كان يفعل دائما في مجابهة الجراحات عميقة الغور , وما اكثرها . مضت روح الخاتم , تحلق , كما يحلق باشق في سماء بعيدة , وهو ينشر جناحيه , لتظلان ارض البلاد الكبيرة , في هذه المرحلة الدقيقة التى تمر بها , في تاريخها , الذي لا يخلو من غموض والتباس . يسألها على ضوء " نيفاشا " انجاز عهد التغيير , الى الافضل . الى معنى الكرامة الانسانية . التغيير الذي ظل ينشده دائما ...
رحل الخاتم عدلان , في هذا الشهر المجيد , شهر ابريل المجيد بكل ما يحمل من دلالات نهوض جماهيري , ومعلم معنوي بارز في تاريخ شعبنا . كأن القدر قد اختاره للرحيل , طي هذه الدلالات والمعاني العميقة , في هذا الشهر الذي يرتبط مضمونه بفحوى المشروع الجماهيري , الذي ظل يطرحه وينافح عنه حتى الرمق الاخير . كمخرج لازمة بلادنا .. رحل الخاتم عدلان اذا في ابريل مؤكدا على " مأساة النرجس وملهاة الفضة " : (جبل على بحر ,
وساحل للانبياء ..
وشارع لروائح الليمون , لم تصب البلاد باى سوء ..
هبت رياح الخيل , والهكسوس هبوا , والتتار مقنعين ,
وسافرين . وخلدوا اسماؤهم بالرمح او بالمنجنيق .. وسافروا ..
لم يحرمو "ابريل" من عاداته: يلد الزهور من الصخور ,
ولزهرة الليمون اجراس . ولم يصب التراب بأي سؤ .
اى سؤ , اي سؤ بعدهم , والارض تورث كاللغة , هبت رياح الخيل ,
وانبثق الشعير من الشعير .
عادوا لانهم ارادوا واستعادوا النار في ناياتهم , فاتى البعيد ..
من البعيد , مضرجا بثيابهم وهشاشة البلور , وارتفع النشيد ..
على المسافة والغياب . باى اسلحة تصد الروح عن تحليقها ؟!..
في كل منفى من منافيهم بلاد , لم يصبها اى سؤ ..
صنعوا خرافتهم كما شاءوا , وشادوا للحصى الق الطيور .. وكلما
مروا بنهر ... مزقوه واحرقوه من الحنين .. وكلما - مروا بسوسنة بكوا
وتساءلوا : هل نحن شعب ام نبيذ للقرابين الجديدة ؟- محمود درويش )...
رحل الخاتم عدلان كنجم ساطع , يلقي بضياءه البعيد , هاديا من خلفه في المسيرة . استمرار العهد لاجل حياة افضل , لكل الناس . . في ذروة الصمت والاختباء , في الاوكار السرية تحت الارض , , في فترات " النضال السري " , ابى الرجل الا ان يعلن عن نفسه , رافضا ان يكون كالسوس او الارضة , سمة الابنية العتيقة والاساليب القديمة , صارخا في هذا الصمت , باستنتاجاته النظرية , في تغيير واقع شعبنا . ومضى تحاصره الهواجس والظنون , من مدمنى الهتاف , وعاشقي الرجم بالغيب , احفاد السحرة والمنجمين القدامى والجدد. مضى محاصرا بالعوائق , تتناهبه السهام , وتنتاشه العقبات . ولم يتوقف ابدا . فقد كان البحر امامه , والعدو من خلفه . ولا سبيل سوى التزود بالنضال النبيل . فهكذا عاش , وهكذا مضى , وهكذا رحل . وفي نفسه شىء مما قاله حميد " ملعون الحزب , اللم سلاحو وخيلوا تناهد .." ..
انها حال الغرباء , فطوبى للغرباء !. اينما حلو , يظلون ملحا للمكان , ومتى غادروا تظل رائحة المسك فيهم تضوع في الفضاءات التى برحابتهم .. طوبى لهم ..
في نقده لقوى السودان القديم , فتح الخاتم الوعي على عوالم تتشابك .. تأتلف او تتصارع .. تتلاقى او تتناثر .. تتنامي كفنتازيا ناهضة في الخيال , اكثر من كونها واقعا ملموسا ظل شعبنا يعيشه بكل مراراته وفداحته , لكنها للاسف فداحة واقع ومرارات معاشة , حية , تمشي بيننا , كانها تخرج من اطار المعنى , الى اطار المادة الملموسة , في اجساد الناس ووجوههم التى اختطت الفجيعة والبؤس , ولكنهم يحلمون , ولن يكفوا عن الحلم , بواقع افضل يستهله السلام . فهكذا كان الخاتم وسيظل في هذه الوجوه شيئا من أحلام كبيرة , عبر عنها لتتحقق ذات يوم , دون شك , باصرار الناس / الخاتم .. وارادة الناس / الخاتم ..فالخاتم ظل ضميرا جمعيا في خطواته اكثر من كونه فردا ..
وبادراكه لهذه الفنتازيا العجيبة التى ظل يعيشها شهب البلاد الكبيرة منذ 1956 حتى الان , وتحاصره لتحدد خطاه , حاجبة عنه ضؤ الشمس , ممسكة بتلابيب شروعه الى الغد , رغم انفه , ومع سبق الاصرار والترصد , بهذا الادراك تبدى نقده لهذه " الحالة " / " الظاهرة " الغريبة , الطارئة على التاريخ الانساني , تبدى عن خارطة لطريق جديد . , قوامه روح الاخاء , التسامح , وقيم المحبة والسلام . .. كل ذلك على قاعدة التنمية , والمواطنة . ومضى بهذا الشروع الجديد , يحاول اتقاء ضربات شبكات المصالح , في عالم قديم كقواه السياسية . يتهالك . ويتهاوى ...
ومع بواكير اكتمال مشروعه " حركة القوى الجديدة الديموقراطية / حق " , بدات خطورة هذا العالم المتهاوي , واضحة للعيان , ولا تخفي على ذي بصيرة . هذا العالم الاخطوبوطي , الناهض في " الشراكات الذكية المزعومة " وشبكات المصالح المتقاطعة والمتوازية والمتهاوية .. هذا العالم المنهار الذي وصفه بانه كبيارة السوكي , ولكن ثمة وجود لما يشبه ثمرة المانجو , ففي تاكلها وتعفنها , تنبت شجرة المانجو , سامقة ..ومن كل التمزقات الكبيرة تولد المشاريع الحقيقية التى يفيد الناس من تجربة التمزقات التي سبقتها ..اذن كان الرجل نافذ الرؤي والرؤيا , وهو يتفقد تاريخ ومواجد ومواجع البلاد الكبيرة ..
اننا لم نفقد سياسيا عاديا اشقاه حبه لبلاده , فحسب . بل فقدنا ايضا مفكرا سياسيا نبيلا , في زمن عقيم , هيمن عليه حراس النوايا , وملاك الحقيقة المطلقة , من عقائديى اليسار واليمين الكهنوتي , والمزعومين تحت لافتات الاكاديميين والمجتمع المدني ..مفكر ظل يرمي بالقفاز على وجه الاحكام المسبقة , والقوالب الجامدة , ويمتلك قدرة مدهشة في ترتيب الوقائع والاحداث , وصولا الى النتائج انطلاقا من مقدمات واضحة , ليمنحنا ومضات من مشروع نبيل ..
لكن لم يرحل كنبي طريد , بل كطيف , يبقى في الاخرين الذين امنوا معه بضرورة التغيير الى الافضل . ما يخفف حدة الحزن داخلهم , ويجعل للاستمرار معنى . فالخاتم حياة مستمرة في اسرته الصغيرة , وعائلته الممتدة , واصدقاءه وقراءه , وكل الاحباب . فالميلاد لا يموت , والجيل لا يموت , والنجوم الكبيرة , مها غاصت في اعماق السما , يظل بريقها على السهوب , يضىء مشرعا الدروب والمسالك لفتح المدارك والوعي ..
ولذلك كانت اسئلة الوجود الكبرى هي ما يشغل بال الخاتم , في خاتمة المطاف , اسئلة الموت والحياة والمصير الانساني .. والبقاء حيا في الاخرين ..
الى جنات الخلد الخاتم عدلان
وليكتب الله لاسرتك الصبر والسوان
ولكل احبابك حسن العزاء .
احمد محمد ضحية
|
|
|
|
|
|