|
سيبقى قرنق حياً برؤياه وأفكاره ومبادئه
|
سيبقى قرنق حياً برؤياه وأفكاره ومبادئه
تلخصت فلسفة ورؤية قرنق لقضية السلام والتحول الديمقراطي في السودان على فهم محدد لكنه وفي ذات الوقت عميق للغاية، وهو قيام سودان على أسس جديدة هذه الفلسفة كانت الأرضية التي تأسس عليها مفهوم خيار الوحدة الطوعية من خلال آلية تقرير المصير. النقلة التكتيكية لتحقيق هذا الحلم الكبير بالنسبة للحركة الشعبية كانت من خلال نقل معركتها السياسية للشمال والانتشار فيه، بدلاً من التقوقع جنوباً، وفتح مجالات أوسع لتحالفات كبيرة مع كافة القوى في المدن والهامش. وهو ما كان متوقعاً أن يدفع بالحركة إلى موقع الريادة السياسية في السودان وانتفاء الصبغة الإقليمية والاثنية التي ظلت الحكومة ـ ولا زالت تدمغها بها طوال تاريخ الصراع. هذه النقلة والانتشار في جبال النوبة والنيل الأزرق ثم شرق السودان، جعل من الحركة رقماً سياسياً أساسياً ومؤثر بصورة كبيرة على جميع الملفات سواء إن كانت في قضية دارفور أو الشرق، من خلال التحالفات التي صنعتها. وقد أوضح الاستقبال الذي وجده د قرنق عند وصوله إلى الخرطوم والذي لم يحظى به سياسي سوداني من قبل ـ أن شعبيته وبالفعل، تشكّل مصدر تهديد لسلطة الحاكمة، بجعله من صوت المهمشين منطلقاً من داخل قلعة القوي المهيمنة في قصرها الجمهوري.بالتالي، فقد ارتبط السلام في رؤية د. قرنق بنظرة إستراتيجية لوحدة الدولة على أسس جديدة. لعبت شخصيته القيادية، وفكره الثاقب دوراُ حاسماً في الوصول إلى المرحلة الحالية من تاريخ الحركة الشعبية. لذلك فرحيله جد، خسارة جسيمة للحركة ولقوي التغيير، وله انعكاسات مؤثرة على السياسية السودانية ككل. وبالرغم من مظهر التماسك الذي أبدته الحركة إلا أن هناك غموض يكتنف المرحلة المقبلة. فقد كانت ومازالت شخصية "القائد" تلعب دوراُ مؤثراً في تاريخ الحركة الشعبية، والثابت في هذه المرحلة لكن يظل هناك سؤالاً ملحاً، هو؛ هل ستستمر وحدة الصف هذه؟؟ أم من الممكن أن تتوالد التناقضات وبسرعة خلال المرحلة المقبلة؟؟ وهل ستحافظ الحركة علي دورها الطليعي في الدعوة للتغيير وتواصل التحالفات التاريخية مع قوى الهامش أم ستتخذ مسارات جديدة؟؟من ضمن التحليلات المثيرة للتفكير الافتراض بأن القيادة الجديدة سيتغير تعاملها مع ملف السلام كمدخل للتفكيك وقضية السودان الجديد، وقد تكتفي بالدعوة لتحقيق التحول الديمقراطي والذي لا نعتقد أنه بالضرورة سيقود الي تغيير جذري في تركيبة الحكم. فإذا كانت رؤية جون قرنق للمستقبل وإعادة هيكلة الدولة ترتكز على نقل المعركة السياسية إلى قلب المركز وتفكيك سلطته وهيمنته، وبناء السودان الجديد على أنقاضه بكافة الوسائل بما فيها السلام نفسه، فإن هذه الرؤية الآن، قد لا تحبذها القيادة الجديدة بذات النهج. ومن الممكن أن تنحى منحاً مختلفاً يحتفظ في داخله بقيم ورؤى السودان الجديد، لكن وفق أسلوب وتكتيك مغاير يعتمد التركيز أولاً على بناء الجنوب وتقويته، وترك مسألة الاختراق للمركز للظروف ومقدرات أهل الشمال. وهذا عكس ما كان ينادي به قرنق، من تفكيك لهيمنة المركز وهزيمته من خلال التوجه نحو الأفق القومي وبناء التحالفات العريضة وإدارة المعارك السياسية والتفاوض مع الهامش، وغيرها من أساليب، بما فيها إقناع قوى المركز أن مصلحتها تقتضي العمل علي جعل خيار الوحدة جاذباً للجنوب عند الاستفتاء علي حق تقرير المصير. ونرجح أن تختط القيادة الجديدة مساراً مغايراً، يرى أن السودان الجديد وتفكيك هيمنة المركز، ستتحقق من خلال تقوية قاعدة الحركة في الجنوب، وتعمل علي مصالحة وتوحيد كافة فصائله السياسية أولاً، قبل التوجه شمالاً، حتى يدرك المركز أن تحقيق الوحدة الوطنية يتطلب تقديم التنازلات التي تجعلها جاذبة
|
|
|
|
|
|